يريدك عروبا !!

أ . مريم الناجم*

الزواج من أجمل متع الحياة الدنيا وألذها وأطيبها لا سيما إذا وفق طرفاه في اختيار الشريك ، ففيه يجد كل من المرأة والرجل الاستقرار العاطفي والإشباع النفسي والجسدي ، وخاصة إذا نجح كل منهما في تلبية حاجاته وقام بمتطلباته التي يحددها دوره الجديد في الحياة الزوجية .
ولعل من أهم تلك الحاجات : الحاجة الوجدانية للحب الصريح بكل ما تعنيه هذه العبارة من معنى ، والذي نقصده بالحب الصريح هو الذي يعبر عنه اللفظ والحركة وكافة وسائل التعبير وبشكل واضح جدا بحيث يحقق هدفه بشكل مباشر دون غموض أو شك في صدقه . والأساس الذي تقوم عليه هذه الحاجة هو أن كلا من الزوجين لديه حاجه مستمرة للحب الصريح الذي يكشف عن نفسه دون حياء أو خجل ، وفي كل المواقف سواء خلال المعاشرة اليومية أو أثناء العلاقة الحميمة بينهما . وأي قصور أو خلل في هذا الحب سوف يؤثر سلبا على العلاقة الزوجية وربما أدى الى حدوث الانفصال !!
وبالرغم من ضرورة إشباع الحاجة الى الحب لدى الزوجين وأهميتها لاستمرار حياة زوجية سعيدة إلا أنها لا تأخذ حقها من قبل الزوجين في كثير من الأحيان ، ولأسباب عديدة منها على سبيل المثال : أن الزوج يحجم عن الإفصاح الصريح عن هذا الحب لأنه حسب رأيه يقلل من هيبته كرجل وصاحب سلطة بالأسرة ، أو أنه يخشى أن يتجاوز حدود موروثه الاجتماعي الذي يجعل من العيب أن يعطي اهتماما خاصا بهذا الموضوع .
ومن الجانب الآخر نجد أن المرأة مع أنها كتلة متأججة من العواطف تقع في نفس الخطأ نتيجة للشعور بالحياء الشديد الناتج عن التنشئة الأسرية الخاطئة التي لا تفرق بين الحياء المرغوب والحياء غير المرغوب الذي قد يعيق تحقيق الشعور بالبهجة والمتعة الحسية بين الزوجين . أو قد يكون السبب في هذا الخطأ اعتقادها أن هذه الطريقة في التعبير عن المشاعر لا تتناسب مع وقارها وسمتها وشخصيتها بشكل عام. لتكون النتيجة في النهاية حياة زوجية مصابة بالفقر العاطفي والجفاف الوجداني حياة رتيبة تتكرر أحداثها بنمطية مملة لأنها خالية من المواقف الشاعرية والعاطفية التي تمد حياة الزوجين المشتركة بالغذاء النفسي الوجداني الذي يضمن لها الاستمرارية والبقاء .
أن كلا من الزوجين مسئول عن إشباع حاجة الآخر للحب ، بل وعليه أن يبدع في استخدام الأساليب المحققة لإشباع الحاجة للحب الصريح . وكما أن المرأة بطبيعتها الرقيقة والحساسة والعاطفية تحتاج الى مفردات الحب والغزل والدلال والتي تشعرها بخصوصيتها في قلب الزوج الحبيب ؛ كذلك أيضا الرجل والذي قد يكون أكثر طلبا وأشد حاجة الى هذا النوع من الحب من المرأة نفسها وهذا أمر يسعد المرأة لأنها كما تريد هذه العاطفة من الرجل فهي أيضا بحاجة الى أن تقدمها له وبالتالي يوجد حاجتان متكاملتان : الأولى: الحاجة لإشباع الرغبة في الحب الصريح ، والثانية : الحاجة الى تقديم هذا الحب للطرف الآخر .
وعدم تحقيق الإشباع لكلتا الحاجتين معا قد يكون سببا في حدوث المشكلات النفسية والتوافقية بين الأزواج .
ومما يؤكد أهمية هذا الحب وخاصة للرجل أن الله تعالى وصف نساء أهل الجنة بأنهن "عربا" كما في قوله تعالى (إنا أنشأناهن إنشاء . فجعلناهن أبكارا . عربا أترابا لأصحاب اليمين) سورة الواقعة : آية 38- 35 .
والعرب : جمع "عروب" ، وهو اسم يخص المرأة . وقد ذكر المفسرون في تفسير هذه الصفة عددا من الأقوال منها أنهن : "العواشق" ، "الغنجات" ، "المغنوجات" ، "الشكلات" ، "الغلمات" .
و"العاشقة" المرأة المتحببة لزوجها ، و"الغنجة" و"المغنوجة" حسنة الدلال والتدليل ، و"الشكلة" هي حسنة الكلام ذات الدلال والغزل ، و"الغلمة" التي لها رغبة جنسية قوية في زوجها .
ويذكر العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسير "العروب" : بأنها المرأة المتحببة الى زوجها ، وهي إن تكلمت سبت ا لعقول ، وود السامع أن كلامها لا ينقضي خصوصا عند غنائها بتلك الأصوات الرخيمة ، و النغمات المطربة . وإن نظر الى أدبها وسمتها ملأت قلب زوجها فرحا وسرورا. ويدخل في المعنى الغنجة عند الجماع .
إذاً المرأة العروب هي التي تجمع كل هذه الصفات ، فهي تعبر عن محبتها لزوجها صراحة دون حياء وفي كل الأحوال ، حتى في أثناء اللقاء الزوجي الحميم ، فهذا يزيد من الإحساس بالمتعة ، ويضفي على هذا اللقاء الشعور بالرضا المتبادل .
وقد تظن المرأة أن الغنج واللطافة والتحبب أمر لا داعي له وأنها سعيدة مع زوجها بدون كل هذا ؛ ولكن هذا تصور غير سليم ؛ إذ لولا أن هذا الجانب يهم الرجل ويجلب السرور الى قلبه لما خصه الله تعالى بالذكر في كتابه الكريم من باب الترغيب بما أعده للمؤمنين بالآخرة . وبالتالي فان كتمان مشاعر الحب و ترك الحديث العذب والكلام الرقيق مع الزوج الحبيب شيء لا يتلاءم مع رغباته وحاجاته وتفضيلاته السلوكية. بل وربما قاده الحرمان من هذه المعاملة الخاصة الى البحث عن البديل الذي يشبع حاجته النفسية الى الحب والتحبب .




* ماجستير في التوجيه والإرشاد النفسي و تعد حاليا بحث الدكتوراه في نفس التخصص