تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 7 من 15 الأولىالأولى 123456789101112131415 الأخيرةالأخيرة
النتائج 121 إلى 140 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #121
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث المزارعة]
    صـــــ 20 الى صــــــــ
    33
    الحلقة (121)

    [دليل المزارعة]

    -أما دليل صحة المزارعة فهو مأخوذ من السنة الصحيحة،
    فمن ذلك ما رواه ابن عمر قال:
    عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع. متفق عليه.وروى عن أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن على ثم أهلوها إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع. فقد عمل الخلفاء الراشدون بالمزارعة ولم ينكر عليهم أحد فكان كالإجماع.
    هذا هو دليل المزارعة المشهور،
    وهو يحتمل أمرين:
    الأول: أن يكون ذلك مختصاً بالأرض المزروعة نخلاً كما هو الشأن في أرض خيبر.الثاني: أن يكون ذلك عاماً في كل أرض سواء كانت مغروسة أولا.وقد اختلفت وجهة نظر المجتهدين على بناء هذا الاحتمال فمن منع المزارعة بمعنى تأجير الأرض بما يخرج منها أو تاجير العامل بما يخرج من الأرض تمسك بالأحاديث الدالة على النهى عن تاجير الأرض بما يخرج منها أو تأجير العامل بما ينتج من عمله لأن ذلك تأجير بمجهول لجواز أن لا تخرج الأرض شيئاً من الزرع فيضيع على العامل عمله.والشريعة الإسلامية تحث الناس دائماً على أن تكون معاملتهم واضحة جلية حتى ترتفع من بينهم أسباب الشكوى والخصام، وتحث أيضاً على الرفق بالعامل فلا يصح أن تجعل عمله معلقاً في ميزان القدر بل لا بد أن يكون ضامناً لشيجة وجهوده وكده، وبيان ما سيحصل عليه من أجر.أما ما ورد، في حديث ابن عمر ونحو بأرض خيبر وهي مزروعة نخلاً له ثمر معروف، فكان العامل على تنميتها وسقيها وهو واثق من نتتيجة عمله، وهذه هى المسافاة التى سيأتى بيانها، ولا خلاف في جوازها فلا يصح أن يقاس عليها الأرض التي لا زرع بها أصلاً أو الأرض التي ينبت بها ضعيف.أما من اجاز المزارعة بالمعنى المذكور وهو تأجير الأرض بما يخرج منها فقد رأى أن الحديث عام وليس فيه ما يدل على الجواز خاص بهذه الأرض بدون غيرها، ولأن العلة وهي كون الأجرة مجهولة موجودة أيضاً في المساقاة، فإنه يجوز أن لا يجوز أن لا يثمر النخل أو يشيص أو تجتاحه آفة فيضيع على العامل عمله.على أن الذي منع المزارعة بالمعنى النتقدم أجازها تبعاً للمساقاة، وفيها تاجير الأرض بمجهول على أى حال. وحينئذ تكون المزارعة مستثناة من منع التأجير بمجهول كالمساقاة، لما في ذلك من مصلحة الناس وعدم الحرج،
    فإن بعضهم قد يملك أرضاً وليس له قدرة على زرعها ولا يجد من يستأجرها:
    وبعضهم لا يملك أرضاً ولكن له قدرة على الزرع ويرغب في زرع الأرض على أن يكون لكل منهما نصيب شائع معلوم مما يخرج منها فإذا منعنا ذلك فقد أضعنا على الفريقين مصلحة وضيقنا عليهما مما يخرج منها فإذا منعنا ذلك فقد أضعنا على الفريقين مصلحة وضيقنا عليهما ما فيه سعة وليس للشريعة الإسلامية غرض في ذلك إنما غرضها مصلحة الناس وراحتهم والتوسعة عليهم.هذا بيان وجهة نظر كل من الأئمة المتازعين في جواز المزارعة (أو تأجير الأرض بما يخرج منها ومنعه) وبديهي أن كل واحد من الفريقين إنما يبحث في تفكيره عن المصلحة التي تنشدها الشريعة الإسلامية ويناضل عن تفكيره عن المصلحة التى تنقضي إلى الحصول على تلك المصلحة والبعد عن الضرر الذي يلحق العامل الضعيف أو يصيب غيره.وإذا كان الحال على ما ذكر فإنه يمكننا أن نطبق رأي الفريقين على ما هو واقع في زماننا وأن نختار ما هو مناسب لمصالح الناس ومنافعهم.فمن الناس من ينتهز فرصة حاجة العامل الشديد إلى العمل فلا يعطي له أرضه إذا غبته غباًفاحشاً وأرهقه إرهاقاً شديداً، فإذا ما دفعته الحاجة إلى العمل مزارعة في تلك الأرض كانت نتيجة عمله للمالك خاصة، فيستولى على غلتها فوق ما يفرضه عليه من مال وعمل؛ وهذا لا يجوز في نظر الشريعة الإسلامية التي توجب مساعدة المضطر ومعونة العامل الضعيف. فلهذا ينبغي تحذير الناس من المزارعة التي يترتب عليها حرمان العامل من كده واستغلال المالك إياه لحاجته. وعند ذلك يفتى برأي المالكية الذين يشترطون المساواة في الربح بنسبة ما قام به كل من الشريكين من عمل أو أرض أو نحوهما، حتى لا يطمع أحدهما في صاحبه.أما إذا كانت عاطفة الخير متبادلة بين الناس وكل من الشريكين لا يريد إلا أن ينتفع بما يستحقه من أرض أو عمل فلا ينبغي أحدهما على صاحبه ولا يغنيه في أمر، ولا يخونه في عمل، وكانت المصلحة تقتضي العمل في الأرض مزارعة بقسمة ما يخرج من غلتها فإنه في هذه الحالة يفتى برأي من أجاز تأجير الأرض بما يخرج منها، بدون نظر إلى القيود التي ذكرها الفريق الآخر.
    [مباحث المساقاة]
    [تعريفها وشروطها وأركانها وما يتعلق بها]

    -المساقاة في اللغة مشتقة من السقي. وهي استعمال شخص في نخيل أو كروم أو غيرها لإصلاحها على سهم معلوم من غلتها ذلك هو المعنى اللغوي وهو مساوٍ للمعنى الشرعي، إلا أن المعنى الشرعي يشتمل على شرائط خاصة يترتب عليها صحة العقد بخلاف المعنى اللغوي فالمغايرة بينهما من هذه الناحية، ثم إن المساقاة مفاعلة والقياس أن يكون مصدرها وهو السقي واقعاً بين اثنين، مع أنه هنا واقع من العامل وحده، وأجيب بأنها على غير بابها أو أنها لوحظ فيها التعاقد وهو أعماله خصوصاً إذا كان بالدلاء من بئر عميق، فإن السقي يكون شاقاًكل المشقة فلا تكاد الأعمال الأخرى تذكر بجانبه.أما معنى المساقاة اصطلاحاً فهو عقد على خدمة شجر ونخل وزرع ونحو ذلك يشرائط مخصوصة في المذاهب (1) .

    (1) المالكية - قالوا: ما ينبت بالأرض ينقسم إلى خمسة أقسام:
    الأول: ان يكون له أصل ثابت وله ثمرة تجنى مع بقاء ذلك الأصل زمناً طويلاً كالنخل وشجر العنب والتين والبرتقال والمانجو ونحو ذلك.
    الثاني: أن يكون له أصل ثابت ليس له ثمر يجنى كاللأثل والصنوبر والصفصاف ونحو ذلك.
    الثالث: أن يكون له أصل غير ثابت وله ثمر يجنى كالموز والمقشأة (المقات من بطيخ وعجوز وقثاء ونحو ذلك) ، ومن المقثأة القرع ومثلها الباميا وقصب السكر ونحو ذلك.
    الرابع: أن يكون له أصل غير ثابت يجنى ولكن له زرع وورق يبتفع به وذلك كالورد والياسمين ونحو ذلك.
    الخامس: الخضر الرطبة التي يقصد الأنتفاع لا بثمرها وهي على قسمين: ما يقلع من جذوره ولا خلفة له كالبصل والثوم والفحل ونحوها مما لا ينبت غيره بعد قلعة. وما له خلفة كالكراث والكزبرة والجرجير والبقدونس والبرسيم ونحو ذلك مما يقطع وتبقى أصوله فتنبت ثانية، ولكل قسم من هذه المساقاة عليه شرطان.
    الشرط الأول: أن يكون الشجر أو النخل قد غرسه زمن حتى صار بالغاً لأن يثمر في عامه الذي وقع فيع العقد سواء كان ذلك الثمر موجوداً وقت العقد أو لم يكون موجوداً أما إذا كان صغيراً كالنخل الصغير الذي لم (يطرح) في العام الذي حصل فيه التعاقد فإن المساواة لا يصح عليه ويسمون النخل الصغير الذي لم يبلغ فهل يصح العقد على الصغير تبعاً للكبير؟
    والجواب: أنه إذا كان عدد الصغير قليلاً بحيث لا يتجاوز الثلث فإنه يصح. أما إذا كان عدد الصغير أكثر من الثلث فإن العقد يكون فاسداً.
    الشرط الثاني: أنه إذا كان على النخل أو الشجر ثمر العقد فإنه يشترط أن يكون ذلك الثمر صغيراً لم يظهر صلاحه، وظهور الصلاح في كل شيء بحبسه ففي البلح باحمراره أو اصفراره وفي غيره بظهور الحلاوة به فإذا ظهر صلاحه فإنه لا يصح عقد المساقاة عليه في هذه الحالة لأن الشجر يكون مستغنياً عن الخدمة حينئذ.
    وبعض أئمة المالكية يقول بصحة العقد على أنه إجارة لأن الإجارة عنده بلفظ المساقاة فإذا أراد المالك أن يتعاقد مع العامل على خدمة بستان به شجر قد ظهر صلاح ثمره فهل يصح التعاقد؟
    والجواب أنه يصح بشرطين:
    أحدهما: أن يكون الشجر الذي ظهر صلاحه أقل من الذي لم يظهر بحيث لا يزيد عن ثلثه كما تقدم في الذي قبله.
    ثانيهما: أن يكون الشجر أنواعاً مختلفة كنخل ورمان ويكون النوع الذي ظهر صلاحه غير النوع الذي لم يظهر صلاحه فإذا ظهر بعض صلاح البلح مثلاً ولم يظهر بعض صلاح الرمان وكان الذي ظهر صلاحه من البلح أقل مما لم يظهر فإنه يصح.
    أما إذا كان الشجر نوعاً واحداً كنخل فقط؛ وظهر بعض صلاح ثمره، فإن جميع النخل في هذه الحالة يحل بيعه، فالذي لم يظهر صلاحه يكون في حكم ما ظهر صلاحه، وكذلك إذا كان الشجر الذي بالبستان نوعين فأكثر ثم ظهر صلاح كل نوع منه سواء كان قليلاً فإنه في هذه الحالة يدل على صلاح الجميع.
    وحكم ما يدل في العقد تبعاً أن يكون بين المالك والعامل فإذا شرط أن ينفرد به أحدهما بطل العقد.
    وهناك شرط ثالث فيما له أصل وله ثمر يجنى؛ وذلك الشرط هو أن يكون الشجر مما لا يخلف والإخلاف له معنيان، معنى في الشجر ومعنى في الزرع، فمعناه في الشجر هو أن ينبت بجانب الثمرة التي استوت قبل قطعتها شجرة أخرى جديدة مثمرة كالموز فإنه بعد أن تثمر شجرة الموز تنبت إلى جانبها شجرة أخرى تثمر قبل قطع الأولى وهكذا، ومعهناه في الزرع هو أن ينبت له خلف بعد قطعة كالبرسيم ونحوه مما تقدم، وحكم الشجر الذي يخلف بعد قطعه أنه لا تصح مساقاته لما فيه من الجهالة وعدم معرفة ما يتفرغ من الشجر الذي يخلف بعد القطع كشجر النبق وغيره (فإن معظم شجره ينبت ثانياً إذا قطع وبقي أصله) فإن المساقاة تصح عليه وحكم الزرع الذي يخلف أنه لا تصح عليه المساقاة كما ستعرفه.
    وأما القسم الثاني: وهو ماله أصل ثابت وليس له ثمر يجنى فإن المساقاة لا تصح عليه.
    واما القسم الثالث: وهو ماله أصل غير ثابت وله ثمر يجنى كالمقثاة وكذلك القسم الخامس وهو الخضر الرطبة فإنه لا تصح المساقاة عليها إلا بخمسة شروط:
    الشرط الأول: أن يكون مما لا يخلف مما لا يخلف بعد قطعة المساقاة في البصل والفحل والخس والجزر (والمقات) فإنها لا تنبت غيره بعد قطعه وكل ما يقلع من أصول ولا يترك أصله حتى ينبت ثانياً كالبرسيم والكراث والكزبرة والبقل ونحوها فإنه لا تصح عليها المساقاة.
    الشرط الثاني: أن يعجز صاحبه عن تمام سقيه وخدمته فإن أمكنه أن بخدم مقثأته وبصله وفجله فإنه لا يصح أن يتعاقد مع غيره على أن يتم له خدمته بجزء منه.
    الشرط الثالث: أن يخاف موته إذا لم يتعاقد مع غيره على سقيه.
    الشرط الرابع: أن يكون قد برز من الأرض ليكون شبيهاً بالشجر.
    الشرط الخامس: أن لا يكون صلاحه قد ظهر، فإن لم تتحقق هذه الشروط في ذلك القسم فإنه لا تصح المساقاة عليه.
    وأما القسم الرابع: وهو ماله أصل غير ثابت ولكن له زهر وورق ينتفع به كالورد والياسمين فإنه كالشجر فلا يشترط فيه عجز صاحبه عن سقيه وإنما يشترط فيه الشروط التي ذكرت أولاً في الشجر واختلف في القطن الذي يجنى مرة بعد أخرى وكذلك العصفر فقيل إنه يشترط فيه الشروط الخمسة المتعلقة بالزرع وهو الراجح وقيل هو كالشجر فلا يشترط فيه سوى شروط الشجر.
    ولا يشترط في المساقاة أن يكون الزرع محتاجاً للسقي فلو فرض وكانت الأرض ندية والشجر يشرب بعروقه منها بدون حاجة إلى سقي فإنه يصح عقد المساقاة لأن الشجر يحتاج إلى خدمة كثيرة غير السقي وحراسته وخدمة الأرض التي علها وهذا كاف في صحة العقد، ويسمى
    الزرع الذي لا يجتاج إلى الماء بعلاً.
    وكذلك لا يشترط في المساقاة أن تكون بجزء الثمرة بل تصح بجزء الثمرة وبجميعها فلو اشترط العامل أن تكون الثمرة كلها في نظير خدمته فإنه يصح وكذلك إذا اشترط ذلك المالك، إنما الذي يشترط من ذلك أن يعين عدد مخصوص أو يعين ثمرة نخلة مخصوصة كأن يقول المالك للعامل ساقيتك على بستاني هذا بشرط أن يكون لي عشرون كيلة من بلحه أو بشرط أن يكون لي بلح نخلة كذا، يصح أن يجعل نصيب أحدهما شائعاً في بعض النخل أو الشجر كما لا يصح أن يكون نصيبه مجهولاً كأن يكتفي في عينيه بالعرف إذا كان الناس لهم عرف في مثل ذلك.
    وكذلك يشترط أن يكون الجزء الذي يخص كلاً منهما مستوياً في جميع أشجار البستان، فإذا كان البستان نخل ورمان وعنب واتفقا على خدمته بالثلث فإنه يجب أن يكون الثلث شائعاً في الجميع فلا يصح أن يكون في النخل الثلث وفي غيره الربع مثلاً ويفي هذا الشرط اشتراط شيوع النصيب في جميع الأشجار لأنه إذا كان له الثلث شائعاً فلا بد أن يكون في كل أنواع الشجر بنسبة واحدة ولكن دكرناه لزيادة الإيضاح.
    فالشروط المختصة بنصيب كل من المالك والعامل ثلاثة:
    أحدهما: ان يكون معيناً كالربع او الثلث أو نحو ذلك سواء كان تعينه بالنص لفظاً أو بعادة أهل البلد.
    ثانيهما: أن يكون شائعاَ مستوياً في جميع الأشجار.
    ثالثهما: أن لا يعين قدر مخصوص كعشرين كيلة أو يعين ثمن شجر مخصوص.
    هذه هي شروط صحة المساقاة.
    وأما شروط المفسدة لها، فمنها: أن يشترط المالك إخراج الخدم أو الدواب الموجود في البستان حين التعاقد فإذا لم يشترط ذلك ثم أخرجها بدون شرط فإن العقد لا يفسد. وكذلك إذا أخرجها قبل التعاقد، ولو كان إخراجها بعد العزم على العقد.
    ومنها: أن يشترط تجديد شيء في البستان لم يكن موجوداً حين العقد كبناء حائط أو غرس شجر فإذا جدد أحدهما شيئاً من نفسه بدون شرط فإنه لا يضر.
    ومنها: أن يشترط أحدهما على الآخر القيام بعمل خارج عن خدمة الشجر كأن يشترط أحدهما على صاحبه خدمة بيته او القيام بطحن غلته او نحو ذلك.
    وعلى العامل أن يقوم بجميع ما يحتاج إليه البستان عرفاً ولو بعد انتهاء مدة المساقاة كتلقيح الشجر وتنقية من الحشائش الضارة وإحضار ما رث من حبال ودلاء لازمة للسقي وهكذا وعلى المالك أن يدفع أجرة الخدم الذين كانوا في البستان حين التعاقد وأن يجدد بدل من يمرض منهم.
    واما أركلنها فهي أربعة: الأول: ما يتعلق بالعقد من شجر وعامل ومالك. الثاني: المشروط للعامل. الثالث: العمل. الرابع: ما به تنعقد من الصيغة، وتنعقد بلفظ ساقيت بخصوصه على رأي بعضهم، وتنعقد به زبلفظ عاملت ونحوه على رأي البعض الآخر، وهو الراجح.
    الحنفية - قالوا: المساقاة وتسمى المعاملة تصح في كل نبات يبقى في الأرض سنة فأكثر، فتصح في الشجر الكبير كشجر النبق (النخل) ونحوهما، وكذلك تصح في الزرع سواء كان خضراً كالراث والسلق والجرجير ونحو ذلك وتسمى بالبقول. أو كان (مقثأة) كالبطيخ والعجور
    والقثاء والشمام ونحو ذلك ومنه القرع ومثله الباذنجان والباميا أو كان شجر كروم كالعنب والرمان والسفرجل ونحو ذلك ويسمى ذلك كله بالرطب جمع رطبة كقصعة وقصاع ولا يشترط في الشجر أن يكون مثمراً فتصح في الصفصاف والجوز والصنوبر والأثل ونحوها بشرط
    أن تكون في حاجة إلى السقي والحفظ فإذا لم تحتج لذلك فلا تصح عليها المساقاة. وركنها الإيجاب والقبول وذلك بأن يقول له دفعت إليك هذا البستان مساقاة فيقول العامل قبلت.
    ويشترط لها أمور، ومنها: أن يكون العاقدان عاقلين ولو يكونا بالغين.
    ومنها: انهما إذا تعاقدا على شجر مثمر يزيد بالعمل فيه، فإذا كان فيه طلع أو فيه ثمر قد احمر أو اخضر أو اصفر ولكنه لم يستو فإنه تصح مساقاته، أما إذا كان قد استوى وأصبح صالحاً للجني ولكن ينقصه أن يكون رطباً فإن مساقاته لا تصح.
    ومنها: أن يكون الخارج من الثمر لهما فلا يصح أن يكون لواحد منهما فقط.
    ومنها: ان تكون حصة كل واحد منهما معلومة القدر كالثلث أو الربع أو نحوهما.
    ومنهما: أن تكون شائعة في جميع الشجر.
    ومنها: التسليم للعامل وهو أن يخلى بينه وبين الشجر فلو اشترطا أن يكون العمل عليهما معاً فسد العقد.

    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #122
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث المزارعة]
    صـــــ 20 الى صــــــــ
    33
    الحلقة (122)


    ولا يشترط في صحة المساقاة بيان المدة فإذا تعاقدا بدون بيان مدة فإن العقد يصح ويقع على أول ثمرة تخرج بعد العقد فإذا تعاقدا على خدمة كرم وليس لثمرته مدة يعرف فيها ابتداؤه وانتهاؤه فإنه لا يصح اما إذا كانت له مدة تعلم فإنه يصح.
    وأما الشروط المفسدة لعقد المساقاة، فمنها: كون الخارج كله لأحدهما. ومنها أن يكون لأحدهما نصيب معلوم العدد أو الكيل العدد أو الكيل كأن يشترط أن يكون كيلة من الثمر ونحو ذلك.
    ومنها شرط العمل على صاحب الأرض لأو عليهما معاً لما عرفت.
    ومنها: أن يشترط على أحدهما حمل الثمر وحفظه بعد قسمته لأن بعد القسمة يكون كل واحد مسؤولاً عن نصيبه.
    ومنها: شرط قطع الثمر أو قطفه على العامل وحده. ومنها: شرط عمل تبقى منفعته بعد انتهاء مدة المساقاة كبناء حائط أو غرس أشجار أو نحو ذلك، ومنها أن يكون نصيب تابعاً للعمل، فلو تعاقدا على أن يخدم العامل ليأخذ ثلث ثمره ويأخذ المالك الثلث الثاني ويأخذ شخص
    ثالث لم يعمل الثلث الآخر لم يصح العقد.
    ويتعلق بالمساقاة أحكام:
    منها: أن ما يحتاج إليه الشجر ونحوه من السقي وإصلاح الترع والحفظ وتلقيح النخل وتنقية الحشائش ونحو ذلك فإنه يلزم به العامل. أما ما يحتاج إليه الشجر من النفقة، وما تحتاج إليه الأرض من تقليب ويسمى "عزقاً" أو سباخ، أو نحو ذلك من النفقات المطلوبة لإصلاح الأرض والشجر لينمو الثمر ويزيد، فإنه يكون عليهما بحسب نصيب كل منهما.
    ومنها: أن يقسم الخارج بينهما بحسب الشرط.
    ومنها: أنه إذا لم يخرج الشجر شيئاَ فلا شيء لواحد منهما على الأخر.
    ومنها: عقد المسا قاة لازم من الجانبين فلا يضح لأحدهما فسخة بعد تمامه من غير رضا صاحبه إلا لعذر كمرض العامل إذا كان يضعه عن العمل، أو تبين للمالك أن العامل سارق معروف با لسرقة، فإن له أن يفسخ التعاقد معه. وتفسخ بموت المتعاقدين أو أحدهما وبانقضاء المدة.
    ومنها: أن العامل يجبر على العمل إلا لعذر.
    ومنها: جواز الزيادة على الشرط والحط منه.
    وأما المساقاة الفاسدة فحكمها أن الخارج يكون كله للمالك وأن للعامل أجر مثله سواء أخرج الشجر ثمراً أولا. وصفة عقد المساقاة أنه لازم كما عرفت.
    وبالجملة، فشرائط عقد المزارعة إلا فيما لا يمكن وجوده في المساقاة كبيان نوع البذر. وحكمها، وهو الصحة على المفتى به، خلافاً للإمام الذي يقول بعدم صحة المساقاة كالمزارعة.
    ولكن يفرق بين المساقاة والمزارعة بأربعة أمور:
    الأول: أن يعقد المساقاة لزم فلا يصح لأحدهما فسخة بعد الإيجاب والقبول بخلاف عقد المزارعة فإنه لا يلزم في جانب صاحب البذر إلا ألقي بالأرض كما تقدم.
    الثاني: إذا تعاقدا على مدة معينة في المساقاة ثم انقضت المدة قبل استواء الثمرة فإنه يكون للعامل الحق في أن يقوم على الأشجار ويباشرها حتى تنتهي ثمرتها ولكن لا يكلف العامل يدفع أجرة حصته من الشجرة حتى تستوي الثمرة التي يجنيها، وبيان ذلك أنه انقضاء مدة المساقاة قد يتوهم أن يقول المالك للعامل لا حق لك في بقاء ثمرك على الشجر الذي أملكه بعد بطلان العقد بانقضاء مدته، فإذا شيءت بقاءه إلى أن ينتهي فادفع عليه أجراً. ولكن هذا لا يجوز إذ ليس للمالك مطالبة العامل بأجر على بقاء الثمر لأن الشجر استئجاره.
    أما المزارعة فإن العامل وإن كان له الحق في القيام على الزرع بعد انقضاء المدة حتى تنتهي ولكن للمالك الحق في مطالبته بأجر أرضه التي عليها زرعه إلى أن ينتهي، لأن الأرض يصح استئجارها.
    الثالث: إذا تعاقد شخص مع آخر على خدمة بستان مساقاة وعمل فيه ثم ظهر أن ذلك البستان حق لشخص آخر غير الذي تعاقد معه، فإن كان به ثمر فإن العامل يرجع على من ثبت أن ذلك له. أما إذا تعاقد معه عقد مزارعة وثبت أن الأرض حق لغير من تعاقد نعه، فإن الزرع كله يكون لمن ثبت له الأرض، ويرجع العامل عليه بقيمة ما يخصه من الزرع.
    الر ابع: أن بيان المدة شرط في المزارعة وليست شرطاً في المساقاة، وذلك لأن وقت إدراك الثمر معلوم عادة، فإذا لم يبينا المدة فيقع العقد على أول ثمر في تلك السنة كما تقدم.
    الشافعية - قالوا: المساقاة هي أن يعامل شخص يمولك نخلاً أو عنباً شخصاً آخر على أن يباشر ثانيهما النخل أو العنب بالسقي والتربة ونحو ذلك وله في نظير عمله جزء معين من الثمر الذي يخرج منه ولللولي أن ينوب عن المالك القاصر في ذلك.
    وأركانها خمسة:
    الركن الأول: الصيغة، وهي تارة تكون صريحة وتارة تحتمل أن تكون صريحة وأن تكون كناية، فالصريحة هي ما كانت بلفظ ساقيت وعاملت، فإذا قال له ساقيتك على هذا النخل أو العنب بكذا من ثمره، فإن العقد يقع صريحاً لازماً، اما الألفاظ التي تحتمل الأمرين فهي كأن يقول له سلمت لك هذا النخل أو هذا العنب لتتعهده بكذا من ثمره. أو يقول له تعهد هذا النخل الخ، أو يقول له اعمل فيه. فهذه الألفاظ الثلاثة تحتمل أن تكون صريحة في المساقاة وتحتمل أن تكون كناية لأنه يصح أن يقول قصدت بها الإجارة فيفسد العقد حينئذ لأن الإجارة لا تصح بجزء من الخارج.
    ولكن المعتمد أن هذه الألفاظ صريحة في المساقاة لأن عدم ذكر لفظ الإجارة مع جعل العوض جزءاً من الثمر يعين المساقاة.
    نعم لو صرح بلفظ الإجارة بأن قال له: أجرتك هذا النخل بجزء من ثمره فإنها تقع إجارة فاسدة نظراً للتصريح باللفظ وإن كانت في معنى المساقاة،
    وكذا لو قال له ساقيتك على هذا النخل بعشرين جنيهاً فإن يقع فاسداً لأن المساقاة إنما تكون بجزء من الثمر لا بالنقد ولا يصح أن يكون إجارة نظراً للفظ المساقاة وإن كان في معنى الإجارة من حيث كونه بالنقد.
    ويشترط لصحة الصيغة القبول لفظاً فلا يكفي مباشرة من العامل أو تسليم الشجر من المالك، فإذا كان أخرس فإن إشارته تقوم قوله إلا أن إشارته تون صريحة إذا كانت مفهومة لكل أحد وتكون كناية إذا كانت مفهومة للفطن فقط فإذا كانت كناية لا يلزم بها إذا امنتنع عن تنفيذ العقد إلا إذا قامت قرينة ترجح إرادة العقد.
    الركن الثاني: العاقدان، إذ لا تتحقق المساقاة إلا بمالك وعامل يشترط فيهما أن يكون كل واحد منهما أهلاً للتعاقد فلا تصح من مجنون وصبي
    الخ ما تقدم في البيع ويجوز للولي أن يتولى ذلك عن القاصر كما عرفت قريباً.
    الركن الثالث: مورد العمل وهو النخل أو العنب إذ لا تتحقق المساقاة إلا
    بوجودهما.
    ومذهب الشافعية المعمول به الآن أن المساقاة لا تصح إلا في النخل والعنب بخصوصه ويعللون هذا بأن غيرهما من الأشجار ينمو بنفسه فلا يحتاج إلى من يباشر العمل فيه بخلاف النخل والعنب وقد يقال إن كثيراً من الأشجار تحتاج إلى تربية وعلاج أكثر كالمانجو وغيرهما أما المذهب القديم عندهم فإنها تصح في جميع الأشجار المثمرة واختاره بعض أئمتهم.
    وعلى مذهب المعمول به عندهم إذا ساقى شخص آخر على نخل آخر كنبق أو برتقال أو غيرهما فهل تصح المساقاة عليهما تبعاً للنخل؟ خلاف والأصح الجواز بالشروط المتقدمة في المزارعة التي تصح تبعاً للمساقة. فإذا كان بالبستان شجر لا يثمر كالصنوبر فإنه لا تصح المساقاة عليه تبعاً للنخل كما لاتصح المساقاة منفرداً، ومثله الزرع الذي لا ساق له كالبطيخ والعجور وقصب السكر فإنها المساقاة عليها تبعاً كما لا تصح منفردة وبعضهم يقول بجواز المساقاة عليها تبعاً بالشرائط المذكورة.
    ويشترط لصحة المساقاة أن يكون النخل أو العنب والشجر التابع معيناً مرئياً فلا تصح أن يقول له ساقيتك على احد البستانين اللذين أمامنا من غير أن يعين واحداً منهما ولا تصح المساقاة على ان يغرس العامل نخلاً ابتداء على أن يكون له نصفه أو ثلثه أو نحو ذلك لأن الغرس ليس من عمل المساقاة فإذا فعل ذلك فسد العقد وللعامل أجر مثله. إذا ساقاه على نخل مغروس ولكنه صغير لم يبلغ الحد الذي يثمر فيه ويسمى (ودياً. وفسيلاً) بأن يتعهد سقيه وتربيته من ثمره لا منه فإن ذلك يشمل ثلاث صور:
    الصورة الأولى: أن يقدرا مدة يثمر فيها النخل أو ظناً وفي هذه الحالة يكون العقد صحيحاً فإذا لم يثمر النخل في تلك المدة فلا يستحق العامل أجراً ويضيع عليه عمله فإذا قدر له مدة خمس سنين مثلاً تبتدئ بعد شهرين ثم أثمر قبل قبل حلول الموعد فإن لا يستحق أجراً. وكذا إذا أثمر قبيل أن تنتهي المدة وتأخر بلوغ الثمر حتى فرغت المدة فإن للعامل حقه
    في الثمر وعلى المالك أن يتم المطلوب للنخل.
    الصورة الثانية: أن يقدر له مدة لا يثمر فيها غالباً ولا يقيناً وظناً ولا احتمالاً وفي هذه الحالة يقع فاسداً بلا نزاع وللعامل عمله.
    الصورة الثالثة: أن يقدر يحتمل أن يثمر فيها ويحتمل أن لا يثمر لجهل حال بلوغ مثل هذه النخل واختلف في هذه الصورة فقبل بفساد وقيل بصحته لأن الثمر مرجو ومن بعدم صحته يقول إن العامل يستحق الأجرة وإن لم يثمر.
    الركن الرابع: العمل إذ لا تتحق المساقاة بدون عمل فالعامل مكلف بأن يقوم بكل الأعمال اللازمة لإصلاح الثمر ونمائه من سقي وحفظه وتنقية حشائش ضارة وتنظيف مجاري الماء وقطع الفروع الجافة التي تضر بالشجر (تقليم العنب) وتلقيح النخل ونحو ذلك من الأعمال التي تتكرر كل سنة ولا يشترط ان تبين هذه الأعمال في صيغة العقد بل يلزم بها العامل على أي حال حتى حال لو كلن المتعارف عند بعض الناس أن لا يعمل بعضها لأن ذلك ضروري.
    أما الأعمال الداخلة في معنى المساقاة من غير الأعمال فإنه يشترط بيانها تفصيلاً في صيغة العقد إلا إذا كان فيها عرف متبع بين الناس معلوم للعاقدين فإنه في هذه الحالة يصح بدون بيانها تفصيلاً ويتبع فيها عرف أهل الجهة التي فيها النخل والشجر فإذا لم يكون فيها عرف أو كان ولم يعرفه المتعاقدان فسد العقد بدون بيانها واختلف في قطع الثمر وتجفيفه فقيل على العامل وقيل على المالك والأصح أنه على العامل.
    أما الأعمال الثابتة التي لاتكرر كل سنة فهي على المالك كحفر الآبار
    والمساقي وبناء الأسوار ووضع السقوف ونحو ذلك فإذا اشترط على العامل شيء من ذلك فسد العقد وكذا فإذا اشترط على المالك أن يعمل شيء من ذلك فسد العقد وكذا إذا اشترط على المالك أن يعمل شيئاً من أعمال المساقاة التي يختص بها العامل فسد العقد فإذا اشترط احدهما على الاخر شيئاً لا يختص به خارج العقد كما إذا اشترط المالك على العامل أن يبني سوراً فإن العقد لا يفسد ولا يلزم بتنفيذه.
    ويشترط في العمل ثلاثة شروط:
    أحدهما: أن يكون مقدراً بمدة كسنة أو أقل أو أكثر اشترطا مدة غير معينة فسد العقد.
    الشرط الثاني: أن يكون العامل منفرداً بوضع اليد أيضاً فإن اشترطت المشاركة فسد أيضاً لأنه لا يكون حراً في العمل.
    نعم يصح أن يشترط مساعدة العامل بخادم المالك بشرط أن يكون الخادم معروفاً بالرؤية أو الوصف وأن يعمل تحت تدبير العامل.
    الركن الرابع: الثمر ويشترط لها شروط.
    أحدهما: أن تكون مختصة بالمالك والعامل فلو شرط دخول ثالث معهما في الثمرة فسد العقد.
    ثانيهما: أن يكون نصيب كل منهما معيناً كالنصف أو الثلث أو نحو ذلك فلو قال: ساقيتك بجزء من الثمر فإنه لا يصح لأن الجزء غير معين. نعم لو قال ساقيتك على أن يكون بيننا فإنه يصح ويكون بينهما مناصفة.
    ثالثهما: أن تكون الثمرة قد ظهر صلاحها فلا تصح المساقاة على الثمر الذي ظهر صلاحه.
    هذا ولا يشترط أن يكون للعامل شيء من الشجر كالجريد ونحوه مما يختص به المالك.
    واعلم أن عقد المساقاة لازم لا يصح لأحد الشريكين فسخه فإذا امتنع العامل عن العمل لعذر أو لغيره فللمالك أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليلزمه. وإذا كان النخل أو العنب مملوكاً لاثنين فإنه يجوز لأحدهما مساقاة الآخر عليه يشترط له جزءاً زائداً عما يستحقه بملكه، فإذا كان يملك النصف فلا تصح المساقاة إلا إذا كانت بجزء من النصف الثاني.
    الحنابلة - قالوا: المساقاة يشمل أمرين:
    أحدهما: أن يدفع المالك أرضاً مغروسة نخلاً أو شجر مأكول بجزء معلوم من ثمرته كنصفها أو ثلثها.
    ثانيهما: أن يدفع له أرضاً وشجراً غير مغروسة ويعمل عليه بجزء معلوم منه أو من ثمره، ولكن المعنى الثاني يختص باسم المناصبة والمغارسة لأنه الشجر ليغرسه.
    ومن هذا يتضح أن المساقاة أعم لأنها تشمل ما كان الشجر مغروساً لافعل أو غير نغروس أما المناصبة فهي مختصة بغير المغروس.
    ويشترط لصحة عقد المساقاة شروط:
    أحدهما: ان يكون الشجر له ثمر مأكول كما ذكر تصح على شجر الكافور والحور والصنوبر والصفصاف والسنط ونحو ذلك من الأشجار التي لا ثمرة لا تؤكل ومثل ذلك الورد والياسمين ونحوهما، فإنه لا يصح عقد المساقاة عليه لأنه ليس له ثمر. وبعضهم يقول إن المساقاة تصح على الورد والياسمين ونحوهما من المزروعات التي لها زرع ينتفع به بجزء معلوم من زهره.
    ثانيهما: أن يكون الشجر له ساق فلا تصح عقد المساقاة عليه ولإنما يصح عليه عقد المزرارعة.
    ثالثهما: أن يكون نصيب كل منهما جزء معيناً بجزء مشاع كالنصف أو الثلث أو الربع أو نحوه ذلك.
    حتى لو جعل المالك للعامل جزءاً من ألف جزء جاز لأنه لا يلزم التساوي في الأنصبة أما لو بين نصيب واحد منهما بعدد معين كعشر كيلات ومثل ذلك ما إذا جعل دراهم معلومة وكذا لو جعل له جزءاً معلوماً كالخمس وضم إليه جنيهين مثلاً، فإن كل ذلك لا يصح لجواز أن لا يخرج شيء من الثمر يساوي النقد عينه.
    رابعها: أن يكون الشجر معلوماً للمالك والعامل بالرؤية أو الصفة التي لا يختلف الشجر معها كالبيع فإذا ساقاه على أحد هذين البستانين ولم يعين واحداً منهما فإنه لا يصح وكذا ساقاه على بستان لم يعرفه ولم يصفه وصفاً يرفع الاشتباه.
    خامسهما: أن لا يشترط للعامل ثمر مخصوص من بين الأشجار كما إذا كان في البستان شجر برتقال وتين وتفاح فاختص العامل بشجر التين مثلاً، فإنه لا يصح وكذلك إذا اشترط له ثمر سنة غير السنة التي ساقاه في سنة أربع بثمر سنة خمس مثلاً وكذلك لا تصح إذا ساقاه على بستان بثمر بستان آخر وكذلك إذا ساقاه بجزء من ثمر هذا البستان في هذا العام على أن يعمل فيه في العام الذي بعده، فإن كل ذلك يفسد العقد.
    وركن المساقاة الإيجاب والقبول وتنعقد بلفظ المساقاة والمعاملة كاعمل في بستاني أو تعهده، وبالجملة فالمعول عليه في ذلك هو المعنى فمتى حصل بأي لفظ صح. وأنا القبول فإنه يصح بما يدل عليه أيضاً من قول وفعل فشروع العامل في العمل قبول.
    وتصح المساقاة بلفظ الإجارة كما تصح المزارعة بذلك لما تقدم من أن الإجارة تصح بجزء مشاع معين من الخارج من الثمر.
    وتصح المساقاة على الشجر الصغير الذي لم يبلغ حد الإثمار بجزء من ثمرته بشرط أن تكون مدة المساقاة يثمر فيها الشجر غالباً، وكذلك تصح المساقاة على أن يغرس العامل شجراً ابتداء ويتعهده حتى يثمر وينمو جزء منه وهي المغارسة النتقدم دكرها كما يصح بجزء من ثمره أو بجزء من الشجر وجزء من الثمر بشرط أن تكون الأصول التي يراد
    غرسها من مالك الأرض كالبذر فإذا اشتراها العامل وغرسها كان المالك مخيراً بين قلعها ويدفع له قيمة ما نقص منها وبين تركها وعليه قيمتها.
    وهو عقد غير لازم كالمزارعة فالكل من العاقدين فسخة في رأي وقت فإذا فسخ العامل بعد ظهور الثمرة فهي بينهما على ما شرطاه عند العقد في هذه الحالة يملك العامل نصيبه من الثمر الظاهر ويلزم بالعمل وفي إلزامه بالعمل وله أن يبيع نصيبه لمن يقوم مقامه بالعمل ويصح أن يشترط على من يبيع له أن يعمل بدله. أما إذا فسخ فإن عليه للعامل أجرة مثل عمله.
    ولا يشترط توقيت المساقاة بمدة لأنها عقد غير لازم كما عرفت فلو عينت مدة للمساقاة ولكن الثمر لم يثمر فيها فلا شيء للعامل.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #123
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث المضاربة]
    صـــــ 33 الى صــــــــ
    46
    الحلقة (123)


    [مباحث المضاربة]
    [تعريفها]
    -هي في اللغة عبارة عن أن يدفع شخص مالاً لآخر ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما على ما شرطا والحسارة على صاحب المال.وهي مشتقة من الضرب بمعنى السفر لأن الاتجار يستلزم السفر غالباً.
    قال تعالى:
    {وإذا ضربتم في الأرض} أي سافرتم، وتسمى قراضاً ومقارضة مشتقة من القرض وهو القطع سميت بذلك لأن المالك قطع قطعة من ماله ليعمل فيه بجزء من الربح والعامل قطع لرب المال جزءاً من الربح الحاصل بسعيه؛ فالمفاعلة على بابها.
    وأما عند الفقهاء: عقد بين اثنين يتضمن أن يدفع احدهما للآخر مالاً يملكه ليتجر فيه بجزء شائع معلوم من الربح كالنصف أو الثلث أو نحوهما مخصوصة.وظاهر أن هذا المعنى يطابق المعنى اللغوي إلا أنه مقيد بالشروط التيتجعل العقد صحيحاً أو فاسداً في نظر الشرع.ومناسبة المضاربة للمساقاة والمزارعة ظاهرة لأنك قد عرفت أنهما عقدان بين اثنين من جانب أحدهما الأرض أو الشجر، ومن جانب الآخر العمل، ولكل منهما نصيب في الخارج من الثمر، وكذلك المضاربة فإنها عقد يتضمن أن يكون المال منة جانب والعمل من جانب آخر ولكل من الجانبين نصيب في الربح، وتسمى المضاربة قراضاً عند الفقهاء أيضاً ويقال لرب المال مقارض - بكسر الراء - وللعامل مقارض - بفتحها - أما المضاربة فيقال للعامل فيها مضارب - بكسر الراء - وليس للمالك اسم مشتق منها.
    [أركانها وشروطها وأحكامها]
    -ولها أركان وشروط وأحكام مفصلة في المذاهب (1)

    (1) الحنفية: قالوا: عقد المضاربة بالنظر لغرض المتعاقدين يكون شركة في الربح لأنه دفع من جانب المالك، ويذل عمل من جانب المضارب، بأن يتجر في المال ليشترك مع صاحبه في ربحه فالغرض من
    ذلك العقد هو الاشتراك في الربح ومن أجل ذلك عرفوه بأنه عقد على الشركة في الربح بمال من أحد الجانبين وعمل من الآخر.
    ولكن المضارب له أحوال يختلف معها حكم المضاربة، ولهذا قالوا: إن حكم المضاربة بتنويع إلى أنواع:
    أحدهما: أن المضارب عند قبض المال وقبل الشروع في العمل يكون أميناً وحكم الأمين أن يكون المال أمانة في يده يجب عليه حفظه ورده عند طلب المالك وليس عليه الضمان إذا فقد منه.
    ثانيهما: أنه عند الشروع في العمل يكون المضارب وكيلا وحكم الوكيل أنه يقوم مقام موكله فيما وكل فيه ويرجع على صاحب المال بما يلحقه من التعهدات المالية المتعلقة بوكالته. ومن أحكامه أنه لا يجبر الوكيل على العمل فيما وكل فيه إلا في دفع الوديعة، كأن قال رجل لآخر: وكلتتك في دفع هذا الثوب المودع عندي لفلان فإنه إذا غاب الموكل على دفع الثوب لصاحبه وعقد الوكالة ليس لازماً فإن لكل منهما أن يتجلى عنه
    بدون إذن صاحبه.
    ثالثهما: انه عند حصول الربح يكون حكم المضارب كالشريك في شركة تاعقود المالية، وهي أن يكون لكل من الشريكين حصة معينة من الربح الناتج الآتية لأن المفهوم الآتي مشترط فيه أن يدفع كل واحد من الشريكين رأس مال.
    رابعهما: إذا فسدت المضاربة يكون حكم المضارب حكم الأجير بمعنى أن الربح جميعه يكون لرب المال والخسارة تكون عليه وللمضارب أجر مثله سواء ربح المال أو خسر خلاف، والصحيح أنه إذا عمل في المضاربة الفاسدة فلا أجر له إذا لم يربح لأنه إذا أخذ أجراً مع عدم الربح الفاسدة
    تكون الفاسدة أروج من الصحيحة إذ من الصحيحة إذ ليس له شيء إذا
    لم يربح في الصحيحة فكيف يستحق في الفاسدة مع عدم الربح؟
    خامسهما: إذا خالف المضارب شرطاً من الشروط يكون غاضباً. وحكم الغاضب أنه يكون آثماً ويجب عليه رد المغصوب شرطاً من الشروط يكون غاصباً. وحكم الغاصب أنه يكون آثماً ويجب عليه رد المغصوب وعليه ضمانه وقد اغترض جعل الوجه الثالث والرابع من أحكام المضاربة وذلك لأن اعتبار المضارب أجيراً للشروط ومتى خالف فقد نقص العقد فكيف يصح جعل الغضب من أحكامها وقد أجيب بأنهما من أحكام الفاسدة؟ ولكن هذا الجواب لا ينفع في مسألة الغصب لأن حكم الإجارة الفاسدة وهو أن يكون للمضارب أجر مثله وليس للغاصب أجر،
    على أن الكلام في أحكام المضاربة الصحيحة، فالظاهر أن ذكر هذين الأمرين من الأحكام مبنى على التسامح.
    سادسهما: أنه إذا شرط أن يكون الربح كله للمضارب كان قرضاً فإذا قبض المال وعمل فيه على هذا الشرط يكون مسؤولاً عنه وحده فله ربحه وعليه خسارته وإذا فقد منه كان ضامناً له ويجب عليه رده
    لصاحبه.
    سابعهما: إذا شرط أن يكون الربح كله للمالك كان حكمه كحكم هقد البضاعة وهو أن يوكله في شراء بضاعة بلا أجر فكل ما يشتريه يكون له وعليه نفقات حمل وليس للمشتري أجر، فهذا هو حكم المضاربة.
    واما ركنها: فهو الإيجاب والقبول وذلك يكون بألفاظ تدل على المعنى المقصود كأن يقول له: خذ هذا المال واعمل فيه مضاربة أو مقارضة أو معاملة، أو خذ هذا المال مضاربة على ما رزقنا الله من ربح فهو بيننا نصف أو ثلث، فيقول المضارب: أخذت أو رضيت أو قبلت. ولو قال: خذ هذا المال بالنصف أو على النصف ولم يرد على هذا فإن ذلك يكون مضاربة صحيحة.
    وأما شروط صحتها فهي أمور:
    منها: أن يكون رأس المال من النقدين الذهب والفضة المس****ن باتفاق أهل المذهب وتصح بالفلوس الرائحة على المفتى به، والمراد بالفلوس الرائحة ما يتعامل به من غير الذهب والفضة كالقروش الصاغ والتعريفة وغيرهما من النقد المتخذ من النيكل أو النحاس في جواز المضاربة بالذهب والفضة إذا لم تكن مضروبة وقد اختلف في جواز المضاربة بالتبر إذا كان رائحاً كالنقد المضروب فقيل تصح به وقيل لا وكذلك لا تصح المضاربة بعروض التجارة فإذا أعطى رجل لآخر قطنا أو ثياباً ببمائة جنيه مثلاً وقال له: بعضها مضاربة على أن يكون الربح بيننا فهي مضاربة فاسدة فإذا باعها وخسر لا يكون العامل مسؤولاً عن تلك الخسارة حتى لو اصطلح مع رب المال على أن يعطيه كل المال بدون خسارة فإن ذلك الصلح لا يعمل به. وهل للعامل أجر مثله في حال الخسارة أو لا؟ خلاف تقدم قريباً فإذا عمل المضارب في الثمن الذي باع به البضاعة عومل بالشرط الذي تعاقدا عليه لأنه في هذه الحالة يصير مضاربة فالعامل في الأول لم يضمن لأنه أمين بمقتضى الوكالة فلما عمل في الثمن صار مضارباً بعد ذلك فاستحق المشروط.
    ومنها: أن يكون رأس المال معلوماً عند العقد كي يقع العاقدان في منازعة.
    ومنها: أن يكون رأس المال معيناً حاضراً عند المالك فلا تصح المضاربة
    بالدين الذي له عند المضارب فإذا قال له: اعمل قال له: اعمل فيما عندك من مضاربة على أن يكون لك نصف الربح فإنه لا يصح. فإذا اتجر المديون في مال الدين الذي عليه وخسر أو ربح كانت الخسارة عليه والربح له وكان الدين باقياً بحاله وقيل يبرأ المديون من الدين ويكون الربح لصاحب المال والخسارة عليه وللمضارب أجر مثله، أما إذا كان الدين عند شخص آخر غير المضارب فقال له صاحبه لي عند فلان مائة جنيه فاقبضها واعمل مضاربة ففعل فإنه يصح مع الكراهة وكذا إذا قبض بعض المائة وعمل فيه فإنه يصح كذلك أما إذا قال له اقبض ديني من فلان فاعمل مضاربة أو ثم اعمل فيه مضاربة فقبض بعضه وعمل فيه مضاربة فإنه لا يصح لأن الفاء وثم تفيد لا يعمل فيه إلا بعد قبضه جميعه.
    وإذا أودع رجل عند آخر مالاً وقال له اعمل فيما عندك مضاربة فإنه يصح. وكذا إذا أعطى رجل لآخر مالاً يشتري له بضاعة ثم قال له اعمل فيه مضاربة فإنه لا يصح.
    ومنها: أن يكون المال مسلماً للمضارب بحيث يتصرف فيه وحده فإذا شرط أن يعمل رب المال مع غير المضارب فإن العقد يفسد ولا فرق في ذلك بين أن يكون صاحب المال هو الذي تولى صيغة العقد أو غيره
    فإذا كان صاحب المال صغيراً وتولى التعاقد وليه شرط أن يعمل الصغير مع المضارب فسدت، وإذا فسدت يكون للمضارب أجر مثله من مال القاصر. وإذا وكل شخص آخر في أن يتعاقد مع شخص في ماله مضاربة فاشترط الوكيل أن يعمل مع ذلك المضارب بجزء من الربح فسد العقد لأن الوكيل يقوم مقام موكله فيما وكل فيه. وقد عرفت أنه لا يصح أن يشترط صاحب المال العمل مع المضارب فكذلك وكيله.
    ومنها: أن يكون نصيب المضارب من الربح معلوماً على وجه شائع كالنصف والثلث أو نحوهما أما إذا عين عداً مخصوصاً كأن قال له اعمل هذا المال مضاربة ولك عشرون جنيهاً من الربح فإن العقد يكون فاسداً، وكذلك إذا ضم إلى نصيبه عدداً معيناً كما قال له اعمل مضاربة ولك نصف الربح وعشرون جنيهاً فوق ذلك فإنه لا يصح، وكذا إذا شرط له نصف الربح إلا عشرين جنيهاً أو عشرة أو أقل أو أكثر فإن العقد يفسد، أما إذا شرط أن له ربح نصف المال أو ثلثه بدون تعيين نصف خاص أو ثلث خاص فإنه لا يصح.
    وإذا شرط للمضارب أجرة شهرية زيادة عن نصف الربح مثلاً، فإن ذلك الشرط باطل ولكن العقد صحيح فإذا عمل على ذلك الشرط فإنه لا يستحق إلا نصيبه في الربح فقط أما إذا دفع له مالاً ليضارب فيه بشرط أن يعطيه منزله ليسكنه، أو أرضاً ليزرعها، فإن العقد يفسد بذلك.
    المالكية - قالوا: المضاربة أو القرض في الشرع عقد توكل صادر من رب المال لغيره على أن يتجر بخصوص النقدين (الذهب والفضة) المضروبين يعامل به ولا بد أن يدفع رب المال للعامل القدر الذي يريد أن يتجر فيه عاجلاً.
    فقولهم: توكيل يشمل كل توكيل، وقولهم: على أن يتجر بخصوص النقدين اخرج التوكيل على أن يتجر بعرض تجارة أو حبوب أو حيوان فإنه في هذه الحالة يكون قراضاً فاسداً فإذا قال له رب المال خذ هذا القطن مثلاً وثمنه مائة جنيه فبعه ولك نصف ربحه أو أقل أو أكثر ففعل ذلك فإنه لا يأخذ الجزء الذي سماه من الربه لأن المضاربة فاسدة ولكن للعامل الحق أولاً في أجر مثل بيعه إن كان له أجر وثانياً له جزء في الربح يعادل الجزء الذي يستحقه العامل الذي يضارب في مثل ذلك المال ويقال له قراض المثل سواء كان ذلك الجزء موافقاً لما سمي أو أقل أو زيد وينتظر في ذلك للعادة فإن لم يربح شيئاً فلا شيء له. وكذلك إذا قال له خذ هذا القطن فبعه واعمل بثمنه مضاربة على أن لك كذا من ربحه فإن حكمه كالأول وبعضهم يقول إن ذلك إنما يكون مضاربة فاسدة إذا كان بيعه محتاجاً لعناء وله شأن أما إذا كان بيعه هنياً فإن المضاربة تكون صحيحة ولكن المعتمد المنع مطلقاً فإذا كانت عروض التجارة تحت رجل آخر يتولى بيعها غير رب المال والعامل ثم قال رب المال للمضارب: خذ ثمن العروض التي يتولى بيعها فلان واعمل فيها مضاربة بكذا فإنه يجوز وهذا كله إذا لم تكن عادة أهل البلد الذي وقع فيه العقد أن يتعاملوا بعروض التجارة فقط أما إذا كانت عادتهم هذه وليس عندهم نقد مضروب فإنه يصح جعل العروض رأس مال المضاربة حينئذ.
    وقولهم: مضروب معناه مختوم بختم الحاكم يخرج به التوكل على أن يتجر له بقطع الذهب أو الفضة غير المضروبة ويشمل ذلك صورتين: الصورة الأولى أن يكون عقد المضاربة في بلد لا تتعامل بالمضروب بغير المضروب أصلاً. الصورة الثانية أن يكون في بلد تتعامل بالمضروب وغير المضروب، وفي كلتا الحالتين ينتنع أن يجعل رأس المال من غير المضروب فإذا وقع العقد وعمل المضارب على ذلك فإنه يمضي على عمله ويكون له قراض المثل فقط إذا جعل قطع الذهب أو الفضة أثماناً. أما إذا باعها واتجر بثمنها فإن له مع قراض المثل أجر مثل بيعها إن كان له أجر في العادة. وقد عرفت أن قراض المثل هو أن يكون له جزء في الربح يساوي ما يؤخذ عادة من مثل ذلك المال الذي يعمل فيه مضاربة بقطع النظر على الجزء المسمى عند العقد فإذا لم يربح شيئاً فلا شيء له.
    أما إذا كان عقد المضاربة في بلد لا تتعامل إلا بقطع الذهب والفضة ولا تعرف النقد المضروب فإن عقد المضاربة يكون صحيحاً وليس للعامل إلا
    الجزء الذي سمي من الربح ومثل قطع الذهب والفضة الفلوس كالقروش المأخوذة من النحاس فإنه لا يصح جعلها رأس المال المضاربة فإن جعلت ووقع العقد عليها كانت قراضاً وعلى العامل ردها عمل فيها فحكم ذلك كالذي قبله وهو أنه إذا باعها بنقدين وضارب في ثمنها كان له أجر مثل بيعها وقراض مثلها وإذا عمل بها هي كان له قراض مثلها فقط.
    وقولهم: وأن يدفع له عاجلاً القدر الذي يتجر له فيه خرج ما ليس كذلك وهو يشمل أموراً ثلاثة:
    الأول: الذين وكذلك بأن يكون لرب المال ديناً على العامل فقال له: اعمل في الدين الذي عليك مضاربة بثلث ربحه أو نحو ذلك، فإن ذلك يكون مضاربة فاسدة، فإذا اتجر العمل في ذلك الدين كان له ربحه وعليه خسارته، والدين باق بحاله وعلى المدين ضمانه.
    فإذا وكل رب المال العامل على أن يخلص له ديناً عند آخر ويتجر من ربحه فإن ذلك يكون مضاربة فاسدة أيضاً فإذا مضى فيها العامل فإنه يكون له أجراً مثل تخليص الدين إن كان له أجر عادة وله قراض المثل في ربحه أي يأخذ جزءاً من الربح يساوي الجزء يأخذ المضارب من مثل ذلك المال عادة سواء وافق المسمى أو لا كما تقدم فإذا أحضر المدين
    اتلدين وقبضه صاحبه منه ثم عامله به مضاربة فإنه يصح. وكذلك إذا أحضره ولم يقبضه ولكن يشترط في هذه الحالة أن يشهد المدين رجلين أو رجلاَ وامرأتين على أنه قد أحضر الدين وبرأت ذمته منه، وفي هذه الحالة يصح أن يجعل رأس مال مضاربة.
    الأمر الثاني: الرهن بأن يكون تحت يد العامل نقود مضروبة مرهونة عنده في نظير دين له عند رب المال فإنه لا يصح في هذه الحلة أن يقول صاحب المال المرهون للراهن: اعمل فيه مضاربة بنصف ربحه مثلاَ إلا إذا سد الدين الذي له عليه، مثال ذالك ما يفعله الملاّك في زماننا مع المستأجرين فإنهم يأخذون منهم تأميناَ نقدياَ رهناَ على دين إجارتهم فإنه لا يجوز أن يقول صاحب التأمين لمن هو عنده اعمل فيه مضاربة بنصف الربح الذي يخرج منه أما إذا كان المرهون عروض تجارة أو حيوان فأن المنع فيها ظاهر لأنه لا يصح أن تجعل رأس مال المضاربة كما علمت وكذالك إذا كان المرهون في يد أمين فإنه لا يجوز أن يقول صاحب الرهن للأمين: اعمل فيها مضاربة بجزء من الربح قبل أن يسد الدين الذي رهنت تحت يد الأمين من أجله.
    الأمر الثالث: أن يكون المال وديعة عند العامل فأذا أودع شخص عند شخص آخر مالاَ فإنه لا يصح أن يقول له أتجر في ذلك المال ولك نصف ربحه أو ثلثه أو نحو ذلك.
    فإذا أحضر الوديعة واستلمها صاحبها فإنه يصح أن يعطيها له ليعمل فيها مضاربة بعد ذلك وكذلك إذا احضرها ولم يستلمها صاحبها، ولا حاجة الى الإشهاد في الوديعة وكذلك إذا كانت الوديعة تحت يد شخص غير الشخص الذى أودعت عنده فإنه لاتصح المضاربة عليها فإذا أودع شخص عند أخر نقوداَ ثم خاف عليها الشخص الذى أودعت عنده فأودعها شخصاَ آخر فإنه لا يصح أن تجعل رأس مال المضاربة ابضاً فإذا اتجر فيها من اودعت عنده بإذن صاحبها كان الريح لصاحبها والخسارة عليه للعامل اجرة مثله والرهن فىذلك كالوديعة. اما إذا اتجر فيها من غير إذنه فالربح والخسارة على العامل.
    ويؤخذ من بيان التعريف على هذا الوجه بعض الشروط الازمة لصحة عقد المضاربة وجميع شروطه عشرة، احدهما: دفع راس المال للعامل فوراً فإذا كان مؤجلاً فسد العقد، ثانيها: كون راس المال معلوماً وقدره وقت العقد ككونه مائة جنيه مصرية مثلاً فلا يصح ان يضاربه على مبلغ غير معين ثالثها: كون رأس المال غير مضمون فلو شرط رب المال على العامل ان يكون ضامناً لرأس المال إذا فقد منه قهراً عنه فإن المضاربة تكون فاسدة فإذا عمل العامل على هذا الشرط كان له قراض مثل هذا المال في ربحه ولا يضمنه إذا فقد بلا تفريط لأن هذا الشرط باطل فلا يعمل به أما إذا تطوع العامل بالضمان من تلقاء نفسه بدون طلب من رب المال فقيل تصح المضاربة بذلك وقيل لا تصح وإذا سلم رب المال للعامل وطلب منه ضامناً يضمنه فيما تلف من ماله يتعدى العامل فإنه يصح إذا طلب منه ضامناَ يضمنه مطلقاَ فيما تلف بتعديه وغيره فإن المضاربة تفسد ولا يلزم الشرط.
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #124
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث المضاربة]
    صـــــ 33 الى صــــــــ
    46
    الحلقة (124)


    رابعها: كون رأس المال عيناً يتعامل بها اهل البلد سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة.
    خامسها: ان يبين الجزء الذي يختص به العامل من الربح كالنصف أو الثلث ونحوهما فإن لم يبينه أصلاً كأن قال له: اعمل فيه ولك نصيب في ربحه أو لك جزء أو نحو ذلك ثم عمل فيه على هذا الإبهام فإن للعامل قراض مثله فإن كان للناس عادة في نحو هذا فإنه يعمل بها حتى إذا كانت العادة بإن العامل يأخذ النصف كان له النصف وإن كانت تقضي بأقل أو أكثر عمل بها.
    أما إذا قال هل: اعمل والربح مشترك فإن ذلك معين لإن معناه متساوي
    في الربح عرفاً فللعامل في هذه الصورة نصف الربح.
    سادسها: أن لا يختص أحدهما بشيء معين سوى الجزء الذي له فلا يصح أن يضاف لأحدهما عشر جنيهات أو خمس مثلاً على ثلث الربح أو
    نصفه، نعم للعامل أن يأخذ ما يضطر إلى إنفاقه في سبيل التجارة وما يلزمه من مؤونة السعر ونحوها بقدر الضرورة.
    سابعها: أن يكون الجزء المعين في الربح مشاعة كالنصف والثلث ونحو ذلك فلا يصح ان يكون مقدراً بعدد كأن يقول له لك عشرون جنيهاً في الربح كما لا يصح أن يكون مبنياً بحالة معروفة كأن يقول له: اعمل مضاربة ولك في الربح مثل ما أخذ فلان وهل يصح أن يشترط الربح كله للعامل أو لرب المال أو لا؟
    والجواب أنه يجوز ولكن لا يكون داخلاً في تعريف المضاربة لأنك قد عرفت أنها عقد على أن يتجر العامل بمال المالك وله جزء من ربحه.
    ثامنها: أن يخص العامل بالعامل فلا يصح أن يشترط مشاركة رب المال
    أو غيره معه وإلا فسد العقد.
    تاسعها: أن لا يحجر على العامل في عمله كأن يقول: لا تتجر إلا في الصيف فقط أو في موسم القطن او القمح او نحو ذلك مما عين فيه زمن العمل فإن العقد في هذه الحالة يقع فاسداً وللعامل أجرة مثله على رب المال الخسارة وله الربح.
    عاشرها: ان لا يضرب له أجلاً فإذا ضرب له أجلاً كأن قال له: اعمل فيه سنة أو اعمل به بعد شهرين فإنه يكون مضاربة فاسدة وللعامل في هذا القراض المثل لا أجر المثل لأنه اخف مما قبله فإن الذي قبله فيه حجر شديد على العامل بخلاف ذلك فإن الأمر أمامه كما يجب في المدة التي حددها له.
    أما حكمه فهو الجواز، وأما أركانه فهي رأس المال والعمل والربح والعاقدان والصيغة. وحيث أنك قد عرفت انه عقد توكل فلا بد فيه من الللفظ كأن يقول: اعمل في هذا المال ولك كذا من ربحه فيقول قبلت. وذلك لأن التوكل لا بد فيه من اللفظ فلا تكفي فيه المعاطاة كان يسلمه المال فيأخذه العامل ويعمل فيه بدون لفظ وبعضهم يقول أنه عقد إجارة للعامل وعلى هذا لا يشترط فيه اللفظ لأن الإجارة تكفي في المعاطاة كالبيع متى وجدت قرينة تدل عليه.
    الحنابلة - قالوا: المضاربة عبارة عن أن يدفع صاحب المال قدراً معيناً من ماله إلى من يتجر فيه بجزء مشاع معلوم من ربحه ولا بد من ذلك المال من أن يكون نقداً مضروباً ويقوم مقام دفع المال أن يكون قد أودع عند شخص مالا ثم قال له: اعمل في هذا الماللا المودع مضاربة فتصبح المضاربة عندهم بالوديعة.
    وحكم المضاربة يختلف باختلاف الأحوال فهي في أول الأمر أمانة ووكالة لأن العامل يتصرف بإن رب المال فهو وكيله في التصرف - والمال تحت يده أمانة - فإذا ربح العامل في المال كان عقد المضاربة شركة لاشتراكهما في الربح وإذا فسدت المضاربة كان إجارة لأن العامل يأخذ أجر مثله.
    وإذ خالف العامل ما أمره به صاحب المال تكون غصباً فعليه أن يرد المال وربحه ولا شيء له نظير عمله لأن حكم الغاصب كذلك.
    وركنها: الإيجاب والقبول بكل لفظ يؤدي معنى المضاربة أو القراض أو المعاملة أو نحو ذلك لأن المقصود المعنى وهو يحصل بكل ما يدل عليه
    وتكفي فيها المعاطاة فإذا أخذ العامل المال وباشر العمل فيه من غير أن يقول: قبلت فإنه يصح فلا يشترط فيها اللفظ كما يشترط في التوكل.
    ويشترط لصحة المضاربة شروط:
    منها: أن يبين نصيب العامل من نصف أو ثلث أو نحوهما لأنه لا يستحقه إلا بالشروط فإذا لم يبين أصلاً بأن يقال: خذ المال مضاربة ولم يذكر نصيب العامل في الربح أو بينه على وجه العامل على هذا كان الربح لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجرة مثله. وإذا شرط المالك أن يكون الربح كله لم تكن مضاربة وإنما تكون إضاعاً له (توكيل على عمل بدون أجر) .
    فالربح كله لرب المال ولا شيء للعامل لأنه يكون في هذه الحالة وكيلاً متبرعاً، فلو شرط رب المال أن يكون ضمان ماله على العامل لا ينفذ ذلك الشرط لأن هذا العقد يقتضي كون المال أمانة غير مضمونة ما لم يتعد العامل أو يفرط فإنه يضمن حينئذ.
    وإذا شرط أن يكون الربح كله للعامل كان قرضاً ليس للمالك شيء من ربحه ولا شيء عليه من خسارته وعلى العامل ضمانه حتى لة قال صاحبه: لا ضمان عليك لا ينفذ ذلك الشرط لأن عقد القرض يقتضي أن يضمنه المقترض فإذا فقد منه شيء أو فقد كله لزمه.
    ومنها: أن يكون رأس المال معلوماً فلا تصح المضاربة بصرة فيها جنيهات من غير عد وبيان لما في ذلك من الغرر المفضي إلى النزاع في الربح لجهله حينئذ.
    ومنها أن يكون رأس المال حاضراً فلا تصح بالمال الغائب أو المال الذي في الذمة فإذا كان لشخص مال عند آخر لم يحن موعده فإنه لا يصح أن يضاربه به عليه. نعم إذا قال له: اقبض ديني من فلان أو منك واتجر فيه مضاربة فإنه يصح، وكذا إذا قال له: اقبض وديعتي من فلان أو منك واعمل فيها مضاربة فإنه يصح، لأنه في هذه الحال يكون قد وكله في قبض الدين أو الوديعة وعلق عقد المضاربة على قبضها وتعلبق المضاربة صحيح.
    ومنها: أن يكون رأس المال ذهباً أو فضة مضروبين مختومين بختم الملك فلا تصح إذا كان رأس المال قطع ذهب أو فضة لم تضرب كما لا تصح إذا كان فلوساً (عملة من غير الذهب والفضة) كالنحاس ونحوه سواء كانت رائحة يتعامل بها أو كاسدة. وكذلك لا يصح أن يكون رأس المال عرض تجارة فإذا قال شخص لآخر: خذ هذه الثياب أو هذا البر أو هذه الغم وهي بمائة جنيه مثلاً وبعها مضاربة بجزء معين من الربح فإنه لا تصح إذ ربما ارتفع سعرها فربحت قبل ان يعمل فيها المضارب عملاً فيأخذ نصيباً من ذلك الربح بدون عامل وذلك غبن لصاحب السلعة كذلك لا يصح ان يقول له بعها ولك نصف الربح ما يزيد على قيمتها لأن قيمتها قد ترتفع فتستغرق كل الربح الذي حصل عليه العامل فلا ينال شيء وكل ذلك موجب للنزاع نعم يصح أن يقول له: خذ هذا القطن وبعه
    واعمل بثمنه مضاربة لأنه في هذه الحالة يكون قد وكله في بيعه وعلى المضاربة على قبضة للثمن فأشبه الوديعة وتعليق المضاربة جائز اما إذا قال له: ضاربتك على ثمن هذه السلعة قبل بيعها فإنه لا يصح لأن ثمنها معلوم قبل بيعها فلا تصح المضاربة به فعلاً.
    ومنها: أن يكون نصيب كل منهما مشاعاً في كل المال بأن يقدر النصف أو الثلث أو نحو ذلك فإذا عين لواحد منهما مخصوص كعشرة جنيهات أو خمسة أو نحو ذلك فسدت. وإذا اشترط أن يكون الربح بينهما فإنه يصح ويكون لكل واحد نصفه.
    وإذا فسدت بالمضاربة كان الربح كله لرب المال والخسارة عليه وللعامل أجر مثله خسر المال أو ربح.
    وهناك شروط لا تفسد العقد، ولكنها هي باطلة لا يعمل بها، منها: أن يشترط عليه أن يكون نصيبه من الخسارة أكثر من نصيبه في الربح او شرط عليه ان ينتفع بالسلعة التى يشتريها العامل او ان تبقى الشركة بينهما مدة معينة اولا يشترى إلا من فلان، فهذه كلها شروط فاسدة لاتنفذ ولا يعمل بها ولكن العقد لا يفسد بها فيستمر على حاله ويصح ان تؤقت المضاربة بوقت معين كان يقول له: خذ هذه الجنيهات واتجر مضاربة مدة سنة فإذا مضت السنة فلا تيع ولا تشتري فإن ذلك يصح.
    الشافعيةـ قالوا: المضاربة او القراض عقد يقتضى أن يدفع شخص لاخر مالاً ليتجر فيه على ان يكون لكل منهما نصيب فى الربح بشروط مخصوصة.
    ومن هذا تعلم ان المضاربة قائمة على ستة أركان: مالك المال هو الذى يدفع والعامل الذى يتجر به، والعقد الذى هو الصيغة اعنى الأيجاب والقبول. فلا تتحقق المضاربة إلا الصيغة فإنها ذكرت ضمناً فى قوله عقد لان العقود لابد فيها من الصيغة والمراد بالركن ما يتوقف على ذكره تحقق العقد فلا يرا أن العمل فى الربح يوجدان العقد فكيف يكونان ركناً له يتوقف وجوده عليهما لان الغرض ان وجوده يتوقف على ذكرهما إذا لم يذكرا في العقد يكون فاسداً وهذا لا ينافى أن وجودهما فى الخارج يكون بعد تحقق صحة العقد وقد عرفت فى اركان البيع أن الركن منقسم إلى قسمين: اصلى وهو ماكان داخلاً فى حقيقة الشيء وذلك هو الإيجاب والقبول، وغير أصلي وهو ما يتوقف وجود الشيء
    فمن نظر إلى الأول قال إن ركن المضاربة الاجاب والقبول فقط. ومن نظر إلى الثاني عد أركانها على الوجه الذي ذكره الشافعية، وذلك النظر مطرود في كل العقود منه على ذكر.
    أما شروط صحة المضاربة فهي تتعلق بكل ركن من هذه الأركان، فأما العامل والمالك فتشترط فيهما معاً أن يكونا للتصرف كما هو الشأن في سائر العقود فلا يصح عقد المضاربة من أعمى، ولكن يوكل من يقبض عنه.
    ويشترط في العامل وحده أن يكون مستقلاً بالعمل منفرداً فلو اشترط أن يعمل معه غيره فسد العقد، ويستثنى من ذلك اشتراط أن يعمل معه غلام المالك فإنه يجوز ولكن بشروط ثلاثة:
    أحدهما: أن يكون الغلام معروفاً للعامل بالمشاهدة أو الوصف.
    ثانيهما: أن لا يشترط أن يكون بعض المال تحت يد الغلام.
    ثالثهما: أن لا يحجر به على العامل أن لا يتصرف العامل إلا إذا رجع رب المال أو لا يتصرف إلا تحت إشراف فلان لأن كل هذا يغل يد العمل فتقوم معذرته في الأعمال والتفريط، والمفروض أنه أمين فتقييده بعد ذلك ضار بالمال وموجب لفتح باب النزاع. وأما العمل فيشترط فيه شرط، الأول: أن يكون عملاً في تجارة من بيع وشراء فلا تصح المضاربة على عمل صناعي، كأن يضارب نساجاً على أن يشتري قطناً ثم ينسخه ويبيعه منسوجاً، او يضارب خبازاً على أن يشتري قمحاً ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه قرضاً، وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه عمل محدود تصح إجارة العامل عليه فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت للضرورة حيث لا تمكن الإجارة وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل مجهولة وقد يكون رب المال عاجزاً عن القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع من المعاملة بأن يشرك معه غيره في الربح المجهول في نظير ذلك العمل المجهول. فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط.
    فإذا تعاقد معه على أن يتجر فاشترى العامل من تلقاء نفسه قمحاً وطحنه وخبزه فإن ذلك لا يفسد العقد ولكن أجرته تكون على العامل ويكون ضامناً له إذا تلف لأن وظيفة العامل في المضاربة إنما هي التجارة ولوازمها فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن عليه أن يقوم بنشرها وطيّها وقياسها بالذراع ونحوه كلما دعت الحاجة، وإن كان يتجر في مكيل أو موزون كالحنطة والسكر
    فإن عليه أن يزن أو بكيل ونحو هذا مما تستلزمه التجارة، أما إنه يخبز أو ينسج فهذه ليست أعمالاً تجارية وإنما هي أعمال صناعية فليست من وظيفته.
    الشرط الثاني من الشروط المتعلقة بالعمل: أن يكون العامل حراً في عمله فلا يصح لرب المال أن يضيق عليع والتضييق عليه يكون على ثلاثة أوجه:
    الوجه الأول: أن يشترط عليه شراء سلعة معينة كأن يقول له: لا تشتر إلا حللاً هندية. فإن شرط عليه ذلك فسد العقد. نعم له أن يمنعه من شراء سسلعة معينة ويعمل بذلك الشرط
    الوجه الثاني: أن يشترط عليه شراء شيء ينذره وجوده كأن يقول له: اشتر فاكهة الشتاء في زمن الصيف أو لا تشتر إلا الخيل المضمرة البلق إلا إذا كان في محل يكثر وجود ذلك أو لا تبع إلا لفلان فإن ذلك يفسد العقد.
    أما إذا قال له: لا تشتر من فلان ولا تبع لفلان فإن له ذلك. وإذا شرط أن يشتري من حانوت (دكان) مخصوص فإن العقد يفسد أما إذا اشترط من سوق معين فإنه يصح.
    ولا يضر أن يعين المالك جنس التجارة أو نوعها كأن يقول له: اشتري قمحاً هندياً فإن ذلك يصح إذا لم يندر وجوده إذا لم يندر وجوده كما تقدم
    الشرط الثالث: أن لا يكون العمل مؤقتاً بمدة معلومة فإذا قال له: قارضتك لمدة سنة فسد العقد سواء صرح بمنعه من التصرف بعد تلك المدة بأن قال: قارضتك سنة ولا تبع بعدها أو لا تشتر بعدها أو لم يصرح بشيء
    بل قال له: قارضتك لمدة سنة وسكت فإن العقد فاسد على أي حال لأن التأقيت ينافي الغرض من الربح. نعم إذا قال: قارضتك ولا تشتري بعد سنة فإنه يصح لأنه لم يقيض المقارضة بالمدة ولكن منعه من الشراء فقط بعد سنة وذلك لا يضر إلا إذا لم يمنعه عن بيع ما يكون قد اشتراه ولم يفيده بمدة يحجر عليه فيها يحرمه من الربح على انه إنما يصح إذا كانت المدة واسعة كما ذكر. أما إذا كانت ضيقة لا يأتي فيها شراء شيء لغرض الربح عادة فإنه لا يصح على أي حال وأما الربح فيشترط له أمور:
    الأول: أن يكون مختصاً بالعاقدين فلا يصح أن يجعل لغيرهما جزء منه إلا لعبيديهما فما شرط لأحدهما يضم ما شرط لسيده.
    الثاني: أن يكون الربح مبيناً بالجزئية والتعيين كالنصف أو الثلث أو نحوهما لو قال له: قارضتك على أن يكون لك نصيب أو جزء من الربح فسد. أما إذا قال له: قارضتك والربح بيننا فإنه يصح ويكون لكل واحد منهما النصف وقيل: لا يصح ولكن المعتمد الأول ولا بد من بيان نصيب العمل فلو قال له: قارضتك ولي نصف الربح فسد على الأصح لأنه لم يبين نصيب العامل فيحتمل أن يقول أنه أراد يكون النصف له والنصف الآخر يتصرف فيه كما يحب وليس للعامل شيء.
    أما إذا بين نصيب العامل بأن قال: قارضتك ولك نصف الربح فإنه يصح على المعتمد لأن النصف الباقي يكون لصاحب المال من غير شبهة وبعضهم يقول: لإنه لا بد من بيان نصيب المالك أيضاً
    الثالث: أن يكون الربح مختصاً بالعاقدين فلا يصح أن يدخل معهما فيه آخر إلا إذا كان مملوكاً لأحدهما فيصح أن يبشترط له شيء من الربح مضاف من ملك سيده إذا اشترط أن يكون الربح كله للعامل فقيل: إن عقد المضاربة يفسد وقيل: لا أما إذا اشترط الربح كله للمالك فقيل: يفسد فللمالك الربح وعليه الخسارة وللعامل أجرة مثله كما هو الشأن في سائر صور المضاربة الفاسدة وقيل يكون إيضاعاً (توكيل بلا جعل) وهو الأصح رضي أن يعمل مجاناً. ولا يصح أن يشترط لأحدهما شيء معدود الربح كعشرة جنيهات والباقي بينهما لأنه قد لا يربح سواهما فيحرم الشريك الآخر من الربح. وكذلك لا يصح أن يخص أحدهما بربح نوع مخصوص.
    وأما الصيغة فهي الإيجاب والقبول فإنها تحقق بقوبول المالك ضاربتك وعاملتك ونحوهما فيقول العمل قبلت أو رضيت. وإذا كان الإيجاب بلفظ الماضي كما في ضاربتك وعاملتك المذكورين فلا بد أن يكون القبول رفضاً فلا يصح أن يأخذا العمل المال ويعمل فيه دون تصريح بالقبول أما إذا كانت الصيغة بلفظ الأمر كأن يقول المالك: خذ هذا الألف مثلاً واتجر فيه على أن يكون الربح بيننا نصفين وقيل لا بد فيه من القبول لفظاَ أيضاً كغيره من سائر العقود وقيل يكفي فيه الشروع في العمل فإذا أخذ وعمل فيه بدون قول صح العقد، ومثل ذلك ما إذا قال له: خذه وبع فيه واشتر على أنا يكون الربح بيننا ويشترط لصحة الصيغة أن يذكر فيها الربح نصاً، فإن لم ينص على الربح فسد العقد كما تقدم.
    وأما المال فلا يشترط له شروط. وأحدها أن يكون نقداً مضروباً (ذهباً أو فضة مختومين بختم الحاكم ليتعامل بهما) فلا تصح بالتبر (كسارة الذهب والفضة إذا أخذ من معدهما قبل تنقيتهما من ترابهما) ولا بقطع الذهب التي لم تضرب ضرباً يتعامل به كالحلي من أسورة والخلاخل ونحوهما فلو أعطت امرأة حليها لشخص على أن يتجر فيه بجزء من الربح فإنه لا يصح وكذلك لا يصح بعرض التجارة كالنحاس والقطن والقماش ونحو ذلك.
    ومن عروض التجارة الفلوس (العملة المأخوذة من غير الذهب والفضة) فلا تصح المضاربة بها لأنها مأخوزة من النحاس والبرونز وهما من عروض النجارة وبعضهم يقول إن الفلوس يتعامل بها كالنقدين فهي من النقد لا من عروض التجارة فيصبح جعلها رأس مال المضارية.
    ثانيها: أن تكون معلومة القدر والجنس كمائة جنيه مصري أو ألف ريال مصرية فلا تصح بالمجهول لما فيه من الغرر المفضي للتنازع.
    ثالثها: أن يكون معيناً فلا يصح أن يقول له: ضاربتك على أحدى هاتين الصرتين المتساويتين فإن قال له ذلك ولم يعين إحداهما في مجلس العقد فسد، وإذا قال المالك: قارضتك على مائة جنيه في ذمتي ذم بينهما في مجلس العقد فإنه يصح لأن الواقع في مجلس العقد مثل الواقع في نفس العقد. أما إذاكان له دين في ذمة العامل أو في شخص آخر أجنبي عنهما فإنه لاتصح المضاربة عليه وكذلك لاتصح المضاربة على المنفعة كأن يقول له: خذ هذه الدار وقم على تأجيرها كلما خلت ولك نصف ما زاد على أجر مثلها.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #125
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث المضاربة]
    صـــــ 47 الى صــــــــ
    55
    الحلقة (125)

    [دليل المضاربة وحكمة تشريعها]
    -دليل المضاربة الإجماع فقد أجمع المسلمون على جواز ذلك النوع من المعاملة ولم يخالف فيه أحد وقد كان معروفاً في الجاهلية فأقره الإسلام لما فيه من المصلحة وذلك شأنه في كل تشريعة فهو دائماً يبحث عن المصلحة ليقرها ويحث على تحصيلها ويحذر من المفسدة والدنو منها.حتى يعيش المجتمع عيشه راضية يستعين بعض أفراده فيما يعود عليهم جميعاً بالخير والسعادة.
    فالمضاربة عقد قد يكون فيه مصلحة ضرورية للناس وعند ذلك يكون داخلاً في القاعدة العامة وهي الحث على عمل فيه المصلحة ويكون له حكم الفائدة المترتبة عليه فكلنا عظمت فائدة المضاربة كلما كان طلبها مؤكداً في نظر الشرع ولهذا قال بعضهم انها سنة ولا حاجة إلى تأويلقوله هذا بأنها ثبت بالسنة لا أن حكمها السنية لأنها نوع من المعاملةالاختيا رية فهي جائزة لأنه يمكن حمل قول هذا القائل على أنها سنة حقيقة من حيث أنها قد يترتب عليها استثمار المال ومنعه الفقير بل قد يتأكد إذا كانت الحاجة ماسة كما إذا كان فيها تقليل العاطلين وتنشيط حركة التجارة ورواحها بين الأمة فإذا كان مع شخص مال ولمنه عاجز عن تنميته واستثماره وإلى جانبيه شخص لا مال وهو قادر على استثمار المال أفلا يكون من السنة في هذه الحالة أن ينتفع المالك باستثمار ماله وينتفع الفقير العاطل بالجد والعمل وينتفع غيرهما ممن يتداول بينهما النقود وسلع التجارة من بقية أفراد الأمة؟لا شك في أن ذلك من الأمور التي تحث الشريعة الإسلامية عليها وترغب فيها ولكن بشرط أن تتأكد الأمانة وحسن التصرف والصدق والإخلاص فإن ذلك أساس اطمئنان أرباب الأموال ونجاح العمال فمن قال إنها سنة فقد فرض أن التشريع إنما هو لجماعة المسلمين والمسلم الصحيح هو الامين الذي لا يخون. الصادق الذي لا يكذب المخلص الذي لا يضمر لصاحبه سوءاً. وذلك الذي يرتاح له صاحب المال معه من حفظ ماله واستثماره. فإذا لم يوجد ذلك المعنى كان منهياً عنه فإن الإنسان لا يصح له أن يعطي ماله لخائن أو منذر أو سيئ التصرف لأن المحافظة على المال واجبة وإضاعته منهي عنها، وبالجملة فغرض الشارع الحث على المصلحة حيث كانت والتحذير من المفسدة أين وجدت ولهذا الكلام بقية في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.وأول قراض وقع في الإسلام هو قراض عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم وحاصل ما ورد من ذلك أن عبد الله وأخيهخرجا في جيش العراق وكان أبو موسى الأشعري يومئذ أمير البصرة فنزلا عنده فرحب بهما فرحب وأكرمهما وقال لهما إني أحب أن أعمل لكما عملاً ينفعكما لو أقدر على ذلك ثم قال لهما إن عندي مالاً من قال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فخذاه سلفاً واشتريا به تجارة من العراق تبيعانها بالمدينة ةتدفعان رأس المال إلى أمير المؤمنين وتنتفعان بريحه فرضيا بذلك وفعلا،
    باعا فربحا فلما دفعا إلى أمير المؤمنين سألهما:
    هل أسلف أبو موسى كل الجيش أو اختصكما أنتما به؟ فقالا بل اختصنا، فقال إنه قد فعل معكما ذلك لأنكما ابنا أمير المؤمنين يريد أنه قد حاباهما وطلب منهما أن يدفعا رأس المال وربحه إلى بيت المال فسكت عبد الله أما عبيد الله فقال له هذا لا ينبغي لك يا أمير المؤمنين لأن المال كان في ضماننا ولو هلك لألزمتنا به قرض مضمون وليس للمقرض أن يأخذ فائدة من المستقرض فلم يلتفت عمر إلى قولهوأعاد ما قاله، فطلب منهما تسليم المال وربحه فرد عليه عبيد الله ثانياً فقال رجل من الحاضرين لو جعلته قراضاً يا أمير المؤمنين، أي لبيت المال نصف الربح ولهما نصفه،
    فقال:
    أجعله قراضاً وفعل ذلك.
    [مبحث في بيان ما يختص به كل من رب المال والعامل]
    -يختص كل منهما بأمور لا يجوز له أن يتعداها وهي مفصلة في المذاهب (1)

    (1) الشافعية - قالوا: يختص العامل بما يأتي:
    -1 - التصرف في البيع والشراء ولكن ينبغي له أن يتصرف تصرفا حسنا فلا يصح أن يشتري سلعة بالثمن الذي يطن أنها تباع به بل لا بد من أن يترجح عنده أنه سيربح فيها، لأن ذلك هو الغرض من المضاربة. وكذلك لا يصح له أن يبيع السلع بثمن مؤجل غير مقبوض لأنه قد يضيع عند المدين وفي ذلك ضرر على رب المال فله منعه عن البيع في هذه الحالة، أما إذا منعه من البيع بثمن مقبوض فإن العقد يفسد وللعامل أن يبيع بثمن غير مقبوض بإذن المالك فإذا أذنه المالك فإنه يصح بشرط أن يشهد على البيع أو يكتب الدين فإن لم يفعل ذلك كان ضامناً لما باع به بحيث لو هلك لومه دفعه لرب المال. وله أيضاً أن يشتري سلعة مؤجلة (سلماً) بإذن رب المال كأن يشتري عشرين إردَبّاً من الحنطة ويستلمها في شهر كذا.
    -2 - للعامل أن يبيع بعرض تجارة فإذا اشترى عشرين قنطاراً من القطن وأراد بيعها بثياب منسوجة فإنه يصح لأن ذلك وسيلة للربح والعامل مختص بكل ما من شأنه أن يفضي إلى الربح.
    -3 - عليه أن يرد السلعة التي اشتراها إذا وجد بها عيناً وكانت المصلحة في ردها وليس للمالك أن يرضي بالعيب ويمنعه من الرد لأن له حقاً في المال بعمله إلا إذا كانت المصلحة تقتضي إمساك السلعة لأن البيع لم ينقص فائدة ربحها.
    وفي هذه الحالة لا يكون للعامل الحق في ردها على المعتمد. نعم قد يقال إن العمل كالوكيل المكلف بشراء سلعة فمتى وجد بها عيباً له الحق في ردها مطلقاً فيصح أن يقال ذلك هنا ويكون ييعامل الحق في رد السلعة المعيبة سواء كان عيبها يمنع الربح أولاً، ولكن الصحيح أن هناك فرقاً بين الأمرين لن الغرض في المضاربة إنما هو الربح وحيث كان الربح غير ضار بالربح فلا يحق للعامل ردها خلاف الوكيل في شراء سلعة فإنه مكلف بشراءها خالية من العيوب فله الرد مطلقة.
    ومن هذا يتضح لك أن المداتر على المصلحة فإذا كانت الصلحة تقتضي الرد وأراد العامل إمساكها وأراد رب المال ردها نفذت إرادت رد المال فإذا لم تعرف المصلحة بأن كانت الحالة مستوية الرد والإمساك فإن القول للعامل حينئذ لأنه مباشر للعمل.
    وليس له أن يعامل رب المال بأن يبيعه شيئاً من تجارة القراض، وليس له ان يشتري بأكثر من رأس المال إلا بإذن صاحب المال فإن زاد بدون إذن كان ذلك على حسابه فلا يحسب من مال القراض وليس للعامل أن يسافر بالنال بدون إذن المالك فإن فعل كان عليه ضمانه وإن إذن له بالسفر فلا يصح له أن يسافر في البحر الملح إلا بنص عليه اتقاء للخطر وليس له الحق في أن ينفق على سفره من رأس المال على الأصح وقيل يصح الإنفاق بقدر ما يزيد على نفقاته كالكراء والباس اللازم للسفر ونحو ذلك مما يقتضيه السفر في العرف ويحسب من الربح فإن لم يحصل الربح فيعتبر خسارة. وهذا القول وإن كان ضعيفاً فإنه أقرب إلى عرف التجار وأسهل في عمل التجارة، فلو شرطت نفقات السفر في العقد وعلى العامل فعل ما يعتاد كطي الثوب ونشره ووزن الأشياء الخفيفة كالمسك والذهب أما الأشياء الثقيلة كالقطن والحبوب ونحوهما فليس عليه وزنها وإنما يستأجر على ذلك بحسب العرف ويدفع الأجرة من مال المضاربة.
    أما الذي يفعله بنفسه فإنه لا أجر له عليه وإن استأجر عليه لزمته. أما المالك فقد عرفت ما يختص به مما تقدم ومنه:
    -1 - أن له منع العامل من شراء متاع فإذا أراد أن يشتري بالمال قطناً مثلاً فللمالك منعه ولكن الذي يمنع منه المالك إنما هو أن يشترط على العامل شراء سلعة نعينة كما مرّ.
    -2 - للمالك منعه من السفر.
    -3 - للمالك منعه من البيع بثمن غير مقبوض.
    -4 - للمالك منعه من معاملة شخص معين وليس له أن يشترط عليه معاملة شخص معين.
    وإذا فسدت المضاربة فلا تخلو إما أن يكون الفساد بسبب عدم أهلية المالك وفي هذه الحالة لا ينفذ شيء من تصرفات العامل أصلاً. وإما أن يكون الفساد بسبب فوات شرط من الشروط التي تقدمت وفي هذه الحالة ينفذ تصرف العامل لأن المالك قد أذنه بالتصرف ويكون الربح جميعه للمالك وعليه للعامل أجرة المثل وإذا اشترط المالك أن يكون الربح جميعه له وقبل العامل ذلك الشرط فإنه لا يكون له أجرة في هذه الحالة.
    وإذا اشترى العمل بغير مال القراض كأن أخذ سلعاً بثمن مؤجل في ذمته بذلك أن يشتري لنفسه كان الربح له للمالك منه ولا أجر عليه.
    الحنفية - قالوا: يختص المالك بأمور:
    أولاً: له أن يقيد المضاربة بالومان فيصح له أن يشترط أن لا يعمل المضارب إلا في موسم البصل أو القطن أو لا يعمل إلا في الشتاء أو الصيف أو لا يعمل إلا مدة سنة أو نحو ذلك.
    ثانياً له أن يقيدها بالمكان فيصح له أن يشترط أن لا يعمل إلا في مصر أو اسكندرية أو نحوهما من البلدان.
    ثالثاً: له أن يقيدها بالنوع فيصح له أن يشترط على المضارب أن لا يتجر إلا في نوع القطن أو الحبوب أو الغنم أو نحو ذلك.
    رابعاً: له أن يقيدها بالشيء فيصح له أن يشترط على المضارب ألا يعامل إلا شخصاً معيناً فلا يبيع إلا لفلان ولا يشتري إلا من فلان.
    وفي هذه الأحوال لا يصح للمضارب أن يخالف مما تقدم قيد به المالك فإن خالف يعتبر غاصباً فإذا اشترى شيئاً بمال المضاربة يكون على حسابه ولا شك لرب المال وعليه ضمان المال ولا أجرة له وإذا خالف شرطاً يمكن فيه الرجوع فيه على المخالفة ثم رجع عادت المضاربة كما كانت. وذلك كما إذا اشترى من بلد غير البلد الذي اشترطه رب المال فإنه إذا عاد واشترى من البلد المشروط عادت المضاربة صحيحة.
    وليس للمالك أن يشترط غير مفيد كما إذا نهاه عن البيع بثمن مقبوض فإن ذلك الشرط لا يعمل به لأن فيه إضراراً بالربح والعامل شريك فيه نعم إذا كان بيعه مؤجل مضموناً وفيه زيادة عن الثمن المقبوض فإن للمالك الحق في نهيه عن البيع بالثمن المقبوض الناقص فإن فيه فائدة حينئذ. وإذا اشترط عليه شرطاً فائدته يسيره كما إذا شرط عليه أن يعمل في سوق من أسواق مصر كأن قال له: اعمل في سوق روض الفرج مثلاً أو سوق مصر القديمة فإن هذا القيد لا يعمل به إلا إذا نهاه عن العمل في غيره كأن قال له: لا تعمل في سوق كذا لأن المالك له الولاية على ماله فإذا نهى العامل عن شيء لزمه تنفيذ نهيه.
    فإذا لم يقيد المالك المضاربة بالزمان والمكان أو غيرهما مما ذكر - وتسمى هذه بالمضاربة المطلقة - فإن تصرفات العامل تنقسم فيها إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: أن له الحق في عمل أشياء في مال المضاربة بجرد العقد من غير توقف على تفويض المالك بأن يقول: اعمل برأيك ولا على إذن
    صريح وهي أمور منها:
    حق البيع والشراء لكل احد حتى ولو كان مما لا تقبل شهادته بالنسبة له بسبب القرابة أو الزوجية والملك فيجوز أن يبيع لولده وزوجه ووالديه إلا أنه لا يصح أن يبيع بغبن كبير لا لقريب ولا أجنبي فإن فعل ذلك كان مخالفاً حتى لو قال له المالك: اعمل برأيك. وقد عرفت حكم من خالف شرطاً فإنه يعامل معاملة المغصوب أما البيع والشراء بالغبن اليسير الذي يقع عادة منم الناس ولا يمكن الاحتراز عنه وقيل يصح وقيل يمنع أيضاً.
    ومنه أن يبيع ما اشتراه من عروض التجارة لرب المال ولكن رب المال في هذه الحالة يكون مخير بين أن يدفع الثمن وتستمر المضاربة وبين أن لا يدفعه ويحسبه من رأس ماله وتنقطع المضاربة أما إذا اشتر عرض تجارة من رب المال بمال المضاربة فإنها تفسد.
    ومنها أن يبيع بثمن حال ومؤجل إلى أجل متعارف بين الناس وفي مثل ذلك فإذا باع بأجل طويل فقيل يصح وقيل لا.
    ومنها: إذا باع لأحد سلعة فظهر للمشتري أن بها عيباً فإن للمضارب أن يحط عنه من ثمنها ما يقابل مثل ذلك العيب عادة فإذا انقص له من ثمنها نقصاً كثيرة لا يتناسب مع ذلك العيب كان على حساب المضارب نفسه ولا تفسد به المضاربة.
    ومنها: له أن يشتري عن مال المضاربة دابة لاستعمالها في شؤون التجارة ةليس له أن يشتري سفينة مثلاً بالإذن.
    ومنها أن يستأجر أرضاً ويشتري بذر من مال المضاربة كي يزرعها أو يغرس فيها نخلاً فإذا فعل ذلك فإنه يصح والربح بينهما على حسب الشرط أما إذا اخذ شجراً أو نخلاً لسعمل فيه مساقاتة من مال المضاربة فإنه لا يصح ويضمن المضارب المال الذي أنفقه على ذلك حتى ولو تعرض له المالك.
    ومنها أن له أن يسافر من مال المضاربة براً وبحراً وليس له أن يسافر سفراً مخوفا يتحاما الناس عنه على المعتمد.
    ومنها أن المضارب أن يوكل عنه غيره في البيع والشراء. ومنها أن له أن يدفع مال المضارب بضاعة بأن يعطيه لمن يشتري بع عروض التجارة متبرعاً. وإذا أعطى المال لصاحبه بضاعة وعمل فيه بالبيع والشراء فإنه يصح ويعتبر معيناً للمضارب والشرط على حاله لا فرق
    في ذلك بين أن يكون المال نقداً أو عروض تجارة، وإذا أخذ رب المال من منزل المضارب بدون إذنه فإن كان نقداً فإن المضاربة تبطل. وإن كان عروض تجارة المضاربة لا تبطل ولكن رأس المال ألفاً وباع رب المال عروض التجارة بالغبن ثم اشترى (رب المال) بالألفين عرضاً يساوي أربعة آلاف فإنه يكون له وعليه للعامل خمسمائة وهي نصف الربح الذي ربحه في بيع العرض الأول. وإذا دفع المضارب المال لمالكه
    مضاربة فإن المضاربة الثانية تفسد والمضاربة الأولى باقية على حالها فالربح بينهما على ما شرطاً في المضاربة الأولى.
    ومنها أن يدفع أن يودع مال المضارب عند من يجب. ومنها أن له أن يرهن مال المضاربة ويرتهن به.
    ومنها أن له قبول الحوالة بالثمن على المعسر لأن كل ذلك من لوازم التجارة وصنيع التجارة.
    القسم الثاني: أن له الحق في عمل أشياء بتفويض المالك بأن يقول له:
    اعمل برأيك وهي أمور:
    منها أن يتعاقد مع غيره مضاربة. ومنها أن يشترك مع شخص آخر.
    ومنها أن يخلط مال المضاربة بمال نفسه أو بمال غيره إلا إذا كانت العدة في تلك البلاد أن يخلط المضاربون أموالهم بأموال المضاربة وأرباب الأموال يرضون بذلك فإنه يصح الخلط في الخلط في هذه ولو لم يقل له المالك: اعمل برأيك أما إذا قال ذلك فإنه يصح له أن يعمل كل هذه الأمور.
    القسم الثالث: أن له الحق في عمل أمور بإذن المالك الصريح بها. منها أن المضارب ربما يملك أمرين بالإذن الصريح والاستدانة فلا يملكها بمجرد المضاربة كله ثم يشتري غيرها ديناً وليس عنده من مال المضاربة شيء من جنس الثمن الذي به ومثل ذلك ما اشترى تجارة بجميع المال ثم استدان لإصلاحها فإذا اشترى ثياباً بمال المضاربة ثم استدان نصفها أو قتلها أو حملها كان متطوعاً إذا أذنه المالك بذلك.
    ومنها الإقراض فلا يصح له أن يقرض مال المضاربة إلا بإذن صريح من المالك.
    المالكية - قالوا: الأعمال والشروط التي تصدر من المالك والعامل إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: ما يفسد العقد وللعامل فيه قراض المثل في الربح إن وجد ربح فإن لم يوجد ربح فلا شيء له. الثاني ما يفسد العقد وللعامل فيه قراض المثل المدكور مضافاً إليه أجر المثل إن كان قد عمل عملاً زائداً على التجارة ولمثل ذلك العمل أجر الثالث: ما يفسد العقد وللعامل أجر المثل
    سواء خسر المال أو ربح.
    وإذا عرفت ذلك فاعلم أن لكل من المالك والعمل حدوداً لا يصح له أن يتعداها فإذا خالفها وكانت من القسم الأول أو الثاني فإن المخالفة إذا عرفت أثناء العمل لا يفسخ العقد ولا يوقف العمل بل يستمر العامل في عمله وله قراض مثله مع أجرة عمله في غير التجارة إن كان قد عمل على الوجه المتقدم اما إذا كانت المخالفة من القسم الثالث ثم عرفت أثناء العمل فإن العقد يفسخ ويوقف العقد ويأخذ العامل أجر مثله فيما عمله سواء ربح أو خسر.
    فاختصاص العامل الذي ليس للمالك أن ينقصه هو أمور:
    منها أن له الحق في الاتجار بدون توقيت العمل بمدة كأن يقول امالك اعمل به سنة أو اعمل به تبتدئ من الآن ولكن لا تعمل إلا بعد شهر فإن
    شرط عليه ذلك وعمل فله قراض المثل بخلاف ما إذا حدد له وقت العمل كأن قال: لا تشتر إلا في الصيف أو لا تبع إلا في الشتاء فإن ذلك يفسد والعقد وللعامل أجر مثله وسيأتي.
    ومنها أن له الحق في شراء النوع الذي يستمر وجوده في الأسواق فبيس للمالك أن يشترط عليه شراء شيء يوجد تارة ويعدم تارة أخرى فإذا فعل ذلك وعمل المضارب في التجارة فإن العقد يفسد وللعامل قراض المثل في الربح سواء اشتر ما طلبه أو اشترى غيره على المعتمد،
    وبعضهم يقول: إذا اشتر ما اشترطه عليه فلا يفسد العقد أما إذا اشترط عليه شراء شيء يقل وجوده ولكنه موجود دائماً فإنه يصح.
    ومنها أن للعامل الحق في أن يشتري السلعة التي يتجر فيها من مال القرض بالنقد كما أن له الحق في بيعها كذلك بالنقد فليس لرب المال أن يشترط عليه شراءها أو بيعها بالدين فإذا اشترط عليه ذلك فسد العقد وللعامل قراض المثل في الربح أما الخسارة فإنها على العامل في هذه الحالة فإذا خسر المال أيضاً وليس للعامل أن يبيع السلعة بالدين من غير إذن كما سيأتي من اختصاص رب المال.
    ومنها أن للعامل الحق في القيام على بيع السلع التي يشتريها بمال القراضفإذا باع رب المال سلعة منها بدون إذن العامل لا ينفذ بيعها وللعامل رده لأنه هو المباشر لحركة التجارة وهو الذي يقدر الظروف التي يربح فيها منة بيع السلعة ومنها أن للعامل الحق في أخذ اللمال بدون ضامن فإذا شرط المالك ضامناً يضمنه إذا هلك المال بلا تفريط فإن العقد يفسد وللعامل قراض المثل في الربح.
    أما إذا طلب ضامناً يضمنه فقد المال بسبب إهماله أو بتعديه فإنه لا يضر كما تقدم.
    وإذا تطوع العمل بالضامن فقيل يصح وقيل لا. فهذه الحقوق التي للعامل إذا خولفت يفسد العقد وللعامل قراض المثل فقط. ويزاد عليها ما إذا اختلف العاقدان (المالك والمضارب) في الربح بعد العمل وكانت مسافة الخلف بينهما واسعة كأن قال أحدهما لي الثلثان فقال الآخر بل لك الثمن فإن في هذه الحالة يكون للعامل قراض المثل دفعاً للنزاع وإن كان العقد صحيحاً على حاله. أما إذا كانت مسافة يبنهما ضيقة بأن ادعى كل واحد منهما زيادة محتملة فإنه يعمل بقول المضارب وإذا ادعى المالك فقط زيادة يعمل بقوله. كما إذا ادعى العامل فقط. أما إذا كان الاختلاف قبل العمل فالقول للمالك على أي حال لأن العامل لم يشرع في العمل بعد والعقد غير لازم فللمالك الحق في تعيين النصيب كما يحب.
    أما المسائل التي فيها المثل مع أجر المثل فهي متعلقة برأس المال وقد تقدمت موضحة في مجترزات التعريف قريباً فارجع إليها إن شئت.
    وأما الحقوق التي للعامل ويترتب على مخالفتها فساد العقد وفسخه بمعرفتها أثناء العمل ويكون للعامل في هذه الحالة أجر المثل سواء ربح المال أو خسر، فهي أمور:
    منها أن يكون العامل منفرداً بالعمل فلا يصح للمالك أن يشترط وضع يده على العامل فإذا اشترط ذلك وعمل العامل كان له أجر المثل وفسخ العقد أثناء العمل، ومثل ذلك ما إذا اشترط العامل على رب المال أن يعمل معه.
    ويستثنى من ذلك أن يشترط رب المال أن يعمل مع العامل خادم بنصيب من الربح من غير أن يكون رقيباً على العامل بشرط أن يكون النصيب للخادم لا لسيده وإلا فسد العقد.
    ومنها أن يكون له الحق في أن لا يعمل شيئاً لم تجر به العادة كخياطة ثياب التجارة وخرز الجلود المشتراة له ونحو ذلك فإذا وقع ذلك الشرط فسد العقد وللعامل أجر المثل ومثل ذلك ما إذا اشترط عليه أن يزرع بمال القراض لأن الزرع غير التجارة بخلاف ما إذا كلفه أن ينفق المال على الزرع فإنه يصح أما الذي علىى العامل من ذلك فإنه هو ما جرت به العادة من الأشياء الخفيفة التي لا تستلزم عناء كنشر الثياب للمشتري
    وطيها، فإذا استأجر العامل على ذلك كانت الأجرة في ماله.
    ومنها أن من حق العامل أن لا يشارك معه غيره في مال المضاربة فإذا اشترط عليه المالك مشاركة الغير فسد العقد وللعامل أجر المثل.
    ومنها أن من حق العامل أن لا يخلط مال المضاربة بماله فإذا اشترط عليه المالك ذلك فسد العقد وله أجر مثله، أما إذا خلطه العامل بدون شرط فإنه يجوز بشروط: أحدهما أن يكون المال مثلياً لا قيماً وقد يقدم بيانها في مباحث البيع وأن يكون في الخلط مصلحة غير متيقنة وأن يكون الخلط قبل أن يشتغل بأحدهما.
    ومنها أن له الحق في الشراء والبيع في مكان أراد فإذا اشترط عليه المالك أن لا يشتري إلا إذا وصل إلى بلد كذا وبعد بلوغه، يكون له التصرف في أي محل، فسد العقد وللعامل أجر مثله.
    ومنها أن له الحق في التصرف بدون مشاورة المالك فإذا اشترط عليه ذلك فسد وله أجر المثل.
    ومنها أن له الحق في الشراء من أي شخص فإذا اشترط المالك عليه أن يشتري من شخص معين كأن قال له: لا تشتر إلا من فلان أولا تبع بفلان فسد العقد وللعامل أجر المثل.
    ومنها أن له الحق في بيع ويشتري في أي زمان فإن اشترط على العامل أن لا يسافر بالبحر وأن لا ينزل منخفضاً كترعة وأن لا يسافر ليلاً. فإذا خالف العامل واحداً من هذه الأمور الثلاثة فإن عليه ضمان المال بشروط ثلاثة:
    الشرط الأول: أن يكون قادراً على التنفيذ فإذا كان في جهة وتعين عليه النزول إلى المنخفض أو للسفر في البحر أو ليلاً مع الركب فإنه لاضمان في هذه الحالة.
    الشرط الثاني: أنه يضمن إذا تلف المال بسبب غير النهب والغرق فإذا نهب أو غرق في البحر لا يضمن وكذلك إذا اجتاحته جائحة سماوية. أما إذا تلف بغير ذلك كأن أصابه البلل من البحر فأفسده أو سقط عليه منه نازل من المنخفض فتلف، أو اصطدم بشجرة لم يرها ليلاً فكسر فإن عليه ضمانه في هذه الحالة.
    الشرط الثالث: أن يقع ذلك التلف وقت المخالفة فإذا تلف نعد الخروج من البحر أو بعد الصعود من المنخفض أو بعدها انقضاء الليل الذي منع من السفر فإنه لا يضمن وإذا تنازع العامل ورب المال في أن التلف وقع زمن المخالفة أو بعدها فإن القول يكون للعامل فيصدق في ذلك.
    ثانياً: له أن يشترط على العامل أن لا يشتري سلعة بعينها لقلة ربحها أو لأنها تخسر وفي هذه الحالة يجب على العامل التنفيذ فإذا خالف كان عليه ضمان المال مطلقاً حتى ولو نهب منه أو غرق في البحر أو اجتاحه جائحة سماوية.
    ومنها أن للمالك منعه من السفر بماله قبل أن يشغل فيه فإذا منعه قبل ذلك وسافر عليه ضممان المال.
    ومنها أن له الحق في أن يشتري من العامل شيئاً من مال القراض بشرط أن يشتري منه كما يشتري من الربح للمالك حقاً فيه.
    ومنها أن الحق في منع العامل عن أن يشارك غيره بمال المضاربة فإذا شارك العامل شخصاً آخر إذن المالك فسد العقد وعلى العامل ضمان المال إذا تلف.
    ومنها أن له الحق أن يمنعه عن أن يبيع السلعة بثمن مؤجل فإذا فعل العامل ذلك بدون إذن فسد العقد وعلى العامل ضمان المال وكذلك للمالك الحق في منع العامل من أن يتعاقد مع غيره مضاربة في رأس مال المضاربة فإن فعل ذلك بدون إذن رب المال فسد العقد وله أجر المثل.
    ومنها أن للمالك الحق في منع العامل من أن يستعمل مال المضاربة في الإنفاق على زرع بمكان ليست له فيه حرمة ولا جاه أو في الإنفاق على
    مساقاة نخل بمكان ليست له فيه حرمة ولا جاه فإذا خالف العامل ذلك بأن اشترى بذراً وآلة حرث وايتأجر أرضاً من مال اللمضاربة وزرعها فسد العقد وإذا فسد العقد وإذا نهب الزرع أو سرق كان على العامل ضمانه.
    أما إذا زرع في مكان له فيه جاه فإنه لاضمان عليه إذا سرق الزرع أو نهب ومنها أن للمالك الحق في منع العامل من أخذ مال آخر من غيره مضاربة إن كان يشغله عن العمل في مال له.
    هذا ولا يجوز للعامل أن يشتري سلعاً للقراض بثمن مؤجل حتى ولو أذنه رب المال فإن فعل كان ضامناً للمال الذي اشترى به وله ربحه وعليه خسارته ويكره أن يشتري العامل من رب المال عروض تجارة حتى لا يكون ذلك احتيالاً على جعل رأس المال عروض تجارة.
    الحنابلة - قالوا: للمضارب الحق في أن يبيع ويشتري بجميع أنواع البيع المتقدمة فيصح له أن يبيع مرابحه ومساومة ونحوهما وله الحق في المطالبة بالدين واقتضاءه بالمخاصمة فيه وأن يحيل من له عليه دين على آخر عنده من المضاربة وأن يقبل إحالة الغير عليه وأن يستأجر عيناً يستغلها من ذلك المال. وله أن يرد السلعة التي اشتراها إذا وجد فيها عيباً وله الإيداع والرهن والارتهان، وله حق السفر مع أمن البلد والطريق فإذا سافر إلى جهة يغلب فيها السلامة ضمن المال إذا كان يعلم بذلك، أما إذا لم يكن لديه علم فإنه لا يضمن. وله أن يقر بالثمن أو ببعضه وبالنفقات اللازمة للتجارة كأجرة الحمالين. وله أن يبيع بثمن مؤجل وإذا ضاع لا ضمان عليه إلا إذا باع لشخص غير موثوق به أو إلى شخص لا يعرفه فإنه في هذه الحالة يكون مفرطاً فعليه ضمان ما ضاع.
    وليس له أن يضارب برأس مال المضاربة ولا أن يشارك فيه أحداً وليس كذلك أن يخلط مال المضاربة أو بمال غيره وكذلك ليس له أن يبضع (والإبضاع هو أن يدفع من مال المضاربة جزء إلى شخص يتجر فيه متبرعاً على أن لا يكون لذلك الشخص شيء من الربح بل الربح للمضارب ورب المال) وليس له أن يقرض مال المضاربة ويجب على المضارب أن يفعل ما جرت العادة به كنشر الثياب وطيها وختم النقود ونحو ذلك.
    وليس للمضارب أن يأخذ شيئاً من الربح إلا إذا سلم رأس المال لصاحبه، فإذا اشترى سلعتين ربح في إحداهما وخسر في الأخرى ضم الربح إلى الخسارة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #126
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث المضاربة]
    صـــــ 56 الى صــــــــ
    59
    الحلقة (126)

    [مبحث إذا ضارب المضارب غيره]

    -إذا أعطى محمد مالاً لخالد ليتجر فيه مضاربة فأعطاه خالد
    لشخص ليتجر فيه مضاربة بجزء من الربح فإن في ذلك تفصيلاً في المذاهب (1)
    [مبحث قسمة الربح في المضاربة]
    -إذا ربح العامل في مال المضاربة شيئاً فإن قسمته بينه وبين رب المال تفصيلاً في المذاهب (2) .



    (1) (الحنفية - قالوا: إذا ضارب العامل شخصاً فلا يخلو إما أن يكون ذلك بإذن رب المال أو لا فإذا لم يكن بإذنه فسد العقد ولكن لا يضمن العامل إلا إذا عمل فيه المضارب الثاني ففي المثال المذكور إذا أعطى خالد المال لشخص ليعمل فيه المضاربة فهلك المال في يد ذلك الشخص قبل أن يعمل فيه فإن خالداً لا يضمنه لأن دفع المال إيداع والمضارب يملك إيداع المال فإذا عمل ذلك الشخص بالفعل تأكد كونه مضاربة وليس للعامل أن يضارب غيره بدون المالك.
    أما إذا عقد خالد مع غيره مضاربة فإنه لا ضمان عليه إذا هلك المال في يد الشخص الثاني الذي تعاقد نعه وذلك لأن فساد العقد يجعل العامل أجيراً والمضارب يملك من يعمل له في التجارة ويكون لذلك الشخص الثاني على خالد أجرا مثله ولخالد نصيبه المشروط في الربح مع المالك ولو غصب المال من المضارب الثاني كان الضمان على الغاصب وإذا استهلكه الثاني أو وهبه كان الضمان عليه فقط.
    أما إذا ضارب بإذن المالك بأن استأذن خالد محمداً في أن يعطي رأس مال المضاربة أو بعضه لشخص على أن يتجر فيه بجزء من الربح فأذن له فإنه يصح ثم إن كان محمد ضارب خالداً بقوله: ان ما رزقنا الله من الربح يكون بيننا بالنصف وضارب خالد الشخص الآخر بالثلث كان لرب المال الذي شرطه وللشخص الثاني الثلث الذي شرطه له خالد ولخالد السدس فقط أما إذا قال له ما رزقك الله بكاف الخطاب فإنه يكون للشخص الثاني الذي تعاقد معه خالد الثلث الذي شرطه والباقي يقسم بين خالد وبين محمد نصفين وبين فيكون لكل منهما الثلث ومثل ذلك ما إذا ما قال له ما ربحت من شيء فهو بيننا أو ما كان لك فيه من ربح فأعطاه لغيره مضاربة فإن المضارب الثاني بأخذ الثلث المشروط وما بقي يقسم بين المضارب الأول وهو خالد ورب المال نصفين فيكون لكل واحد من الثلاثة الثلث وإذا قال يقسم لخالد: ما رزقنا الله من الربح يكون بيننا نصفين فأعطى خالد رأس المال لغيره مضاربة بنصف الربح أخذ المالك النصف والمضارب الثاني النصف ولا شيء لخالد مطلقاً.
    الشافعية - قالوا: أعطى العامل رأس مال المضاربة لشخص آخر ليتجر فيه مضاربة فلا يخلو إما أن يكون ذلك بدون المالك أو يكون بإذنه فإن كان بإذن المالك فهو على وجهين أحدهما: أن يكون المضارب الأول قد تعاقد مع الثاني على أن يكون شريكه في العمل والربح وفي ذلك قولان قول بالفساد وهو الأول من الربح بل يأخذه المالك وعليه أجر المثل للعامل الثاني للعامل الثاني لأنه عمل بإذنه أما إذا عملا معاً فللأول من الربح بنسبة ما عمل والباقي للمالك وعلى الأول للثاني أجر المثل فإذا
    قصد الثاني إعانة الأول فلا شيء.
    ثانيهما أن يكون المضارب الأول تعاقد مع الثاني على أن يعمل الثاني وحده وفي هذه الحالة يكون العقد صحيحاً وينعزل المضارب الأول ولكن يشترط لصحة العقد حينئذ أن يكون رأس المال مستوفياً للشروط التي تصح بها المضاربة كأن يقول: نقداً لا عروض تجارة إلى آخر ما تقدم. أما إذا تعاقد العامل مع شخص آخر مضاربة بدون إذن المالك فإن العقد الثاني يكون فاسداً.
    فإذا اشترى الثاني شيئاً بمال المضارية أو باع أو نحو ذلك من العقود التي يتولاها تقع باطلة لأنه فضولي لا لأن ثلثها على المال ويضمن ما تصرف فيه لأنه كالغاصب وللعامل الأول نزع المال الذي أعطاه للثاني والعمل فيه بالعقد الأول بينه وبين المالك صحيح.
    أما إذا اشترى شيئاً ولم يدفع ثمنه من مال بل بثمن مؤجل في ذمته وكان ذلك الشرط للعامل الأول فإن يكون للعامل الثاني أجر المثل على العامل الأول أما إذا اشترى لنفسه فإن له الربح فإن الربح ولا شيء له على
    العامل الأول.
    المالكية - قالوا: إذا تعاقد مع شخص آخر مضاربة فإن كان ذلك بإذن رب المال فهو صحيح وإن لم يكن بإذنه فهو فاسد فإذا أعطى محمد لخالد مالاً ليتجر فيه بجزء من ربحه فأعطاه خالد لشخص آخر ليعمل فيه مضاربة بدون إذن محمد كان ضامن المال على خالد فإذا هلك المال أو خسر كان عليه أن يرده لصاحبه أما إذا ربح المال فإنه لا شيء لخالد أيضاً وإنما الربح يكون بين العامل الثاني وبين رب المال وإذا تعاقد خالد مع محمد على أن يكون له النصف في الربح ثم تعاقد مع شخص آخر بدون إذن محمد على أن يكون له الثلثان فإن الربح يكون العامل الثاني وبين رب المال مناصفة ويضمن خالد للعامل الثاني ما بقي من الربح الذي اشترطه فعليه أن يكمل له النصف إلا الثلثين حسب الشرط. وإذا تعاقد الشخص مع ذلك الشخص بأقل مما له كأن جعل له الثلث مع أن له النصف لا يستحق خالد شيئاً بل يكون الربح للعامل ورب المال فيأخذ العامل الثاني الذي شرطه له والثلثان يأخذهما رب المال ولا شيء الأول وهو خالد.
    فإذا لم يربح المال فلا شيء للعامل الثاني مطلقاً لأن القاعدة أن العامل لا يستحق إلا في الربح فإذا انعدم الربح فلا شيء له.
    الحنابلة - قالوا للعامل أن يضارب في المال إذن رب المال فإذا فعل فسد العقد أما أذنه يجوز له أن يضارب به ويقع تصرفه المضارب الثاني صحيحاً) .
    (2) (الحنفية - قالوا: لاتصح قسمة الربح قبل أن يقبض صاحب المال رأس ماله فإذا قسم الربح قبل ذلك وقعت القسمة موقوفة فإن قبض المالك رأس المال صحت وإلا بطلت القسمة، فإذا عمل المضارب في رأس المال فربح مائة فأعطى لرب المال خمسين وهو قد أخذ خمسين كانت القسمة موقوفة فإذا قبض رب المال من رأس ماله صحت وإلا كانت القسمة باطلة ويحسب مبلغ الخمسين الذي أخذه رب المال من رأس ماله ويلزم العامل أن يدفع له الخمسين التي أخذ على أنها من رأس المال فإن تصرف فيها وأضاعها فعليه أن يرد مثلها حتى يتم لرب المال رأس ماله والمال الذي يبقى في يد المضارب وهو الربح فيقتسمانه وإذا هلك في يد أو نقص المضارب لا يضمن لأنه أمين على الاثنين كما تقدم.
    وإذا قسم الربح وبقي رأس المال في يد المضارب ففسخ عقد المضاربة ثم جدد عقد مضاربته آخر فإن الربح الذي قسم تنفذ قسمته ولا يرد بعد ذلك.
    وإذا أنكر المضارب رأس المال ثم أقر بعد ذلك بمائة كان عليه ضمان المال وإذا اشترى بعد الإقرار فاقياس أن يكون مشترياً لنفسه والاستحسان أن تكون المضاربة باقية ولا ضمان على العامل.
    الشافعية - قالوا: يصح قسمة الربح قبل أن يقبض رأس المال إلا أن الربح إذا قسم قبل بيع جميع السلع وقبل أن يصبح رأس المال (ناضاً) أي يتحول عن عروض تجارة إلى نقد ملك الربح لا يستقر فلو حصل بعد القسمة خسارة في رأس المال جبرت بالربح فيرد الجزء الذي أخذه العامل منه وبحسب الجزء الذي أخذه رب المال من رأس المال وهل العامل يملك حصة من الربح بمجرد أنه يملكها بمجرد ظهور الربح على أنك عرفت أن الماك لا يستقر إلا بعد أن تباع السلع ويتحول رأس المال إلى نقد، ولم تقع خسارة فيه، ولا جبرت الخسارة من الربح فيرد من العامل في هذه الحالة.
    وإذا استرد المالك شيئاً من ماله ظهور والخسارة فإنه لا يضر ويبقى رأس المال ما بقي بعد ذلك. أو لو استرد شيئاً بعد ظهور الربح فالمردود يحسب من رأس المال ومن الربح بنسبة ماله فإذا كان المال مائة والربح خمسون له نصفها فاسترد خمسة وسبعين مثلاً وتحسب من رأس المال وخمسة وعشرون نصف الربح الذي يستحقه.
    المالكية - قالوا: القاعدة في رأس المال إذا خسر منه شيء بالعمل فيه
    أو تلف بآفة سماوية أو سرقة لص فإن الخسارة تجبر من الربح بمعنى أن الباقي بعد التلف أو الخسارة يكمل بالربح ثم إن زاد شيء بعد ذلك يقسم بين المالك والمضارب بحسب الشرط الذي دخلا عليه، فإذا قسم
    الربح قبل أن يقبض المالك رأس ماله عمل بهذه القاعدة فيرد الذي دخلا عليه، فإذا قسم الربح قبل أن يقبض المالك رأس ماله عمل بهذه القاعدة فيرد الذي أخذ من الربح، ويكمل به رأس المال في حال الخسارة. أما إذا قبض المالك رأس المال من العامل بعد الخسارة أو التلف ثم أعاده له
    ثانياً ليعمل فيه مضاربة فإنه لا يجبر بالربح بعد ذلك لأنه مضاربة جديدة وكذلك إذا تلف المال جميعه فأعطاه المالك مالاً جديداً فربح فإن ربحه الجديد لا يجبر المال التالف لأنه مضاربة أيضاً.
    وإذا تلف بعض المال وأراد المالك أن يسد ذلك العجز الذي وقع بإعطاء العامل مبلغاً قدر الذي تلف فإن كان التلف قد وقع بعد العمل فإن العامل يلزمه بقبوله كما يلزم قبول بدل المال إذا تلف كله، أما المالك فلا يجبر سد العجز على أي حال.
    الحنابلة - قالوا: لا يستحق المضارب شيئاً من الربح حتى يستلوم رأس المال إلى صاحبه والخسارة تجبر من الربح فإذا اشترى متاعاً ربح فيه ثم اشترى صفقة أخرى فخسر فيها حل الربح محل الخسارة ولا يحسب شيء من الخسارة على رأس المال فإذا قبض رأس المال ثم رده للعامل مرة أخرى ليعمل فيه مضاربة فربح فيه فإن ذلك لا يجبر خسران ما قبله، لأن هذه مضاربة جديدة ويقوم مقام القبض بالفعل أنة تباع كل السلع ويصير رأس المال نقداً أو فضة وهذا معروف في زماننا (بتصفية التجارة) ويعبر عنه الفقهاء بأن رأس المال صار ناضاً (ومعنى ناضاً في اللغة) تحول المتاع إلى نقد فإذا تحاسبا بعد ذلك واقتسما الربح ولم يقبض رب المال ماله واتفق معه على أن يعمل فيه مضاربة فربح فإن ذلك الربح لا يجبر الخسران السابق) .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #127
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الشركة]
    صـــــ 60 الى صــــــــ
    71
    الحلقة (127)

    [مباحث الشركة]

    [تعريفها وأقسامها]
    -الشركة (بكسر الشين وسكون الراء) وقد تفتح الشين وتكسر الراء، ولكن الأول أفصح حتى قال بعضهم إنه لم يلبث فيها غيره، ومعناها لغة خلط أحد المالين بالآخر بحيث لا يمتازان عن بعضهما. وأما معناها في الاصطلاح فهو يختلف باختلاف أنواعها لأن الشركة تتنوع إلى شركة مفاوضة وعنان وأبدان، ووجوه ذلك وفي ذلك تفصيل المذاهب (1)

    (1) الحنفية - قالوا: تنقسم الشركة أولاً إلى قسمين شركة ملك وشركة عقود فأما شركة المالك فهي عبارة عن أن يتملك شخصان فأكثر عيناً من غير عقد الشركة. وأما شركة العقود فهي عبارة عن العقد الواقع عن أن يتملك شخصان فأكثر عيناً من غير عقد الشركة. وأما الشركاء لصاحبه شاركتك في كذا ويقول الآخر: قبلت، وذلك هو المعنى العام الذي يتناول جميع أقسام شركة العقود وسيأتي تعريف كل قسم على انفراده فيما يأتي.
    ثم إن شركة الملك تنقسم إلى قسمين شركة جبر وشركة اختيار فشركة الجبر هي أن يجتمع شخصان فأكثر في ملك عين قهراً كما ورثا مالاً أو اختلط مال أحدهما بمال الآخر قهراً بحيث لا يمكن تمييزهما مطلقاً كاختلاط قمح أو يمكن بمشقة وصعوبة كاختلاط شعير بقمح أو أرز بشعير.
    وأما شركة الاختيار فهي أن يجتمعا في ملك عين باختيارهما كما إذا خلطا مالهما باللاختيار أو اشتريا عيناً بالاشتراك أو أوصى لهما بمال فقبلاه فإن ذلك كله ملك باختيار الشريكين وركز شركة الملك اجتماع النصيبين فمتى اجتمع نصيب شخص مع نصيب آخر تحققت شركة الملك.
    ويتعلق بشركة الملك مسائل
    (الأولى) إذا اشترك اثنان في ملك أرض زراعية وغاب أحد الشريكين فإن للآخر أن يزرع الأرض كلها بقدر المدة التي انتفع فيها شريكه على المفتى به لأن الشريك الغائب يرضى بما ينفع أرضه عقلاً وإن لم يأذن في الزرع وله الحق في أن ينتفع كما انتفع شريكه.
    أما إذا كان الزرع يضر الأرض أو كان تركها بدون زرع أنفع لها لكونه يزيد في قوتها فليس للحاضر أن يزرع فيها زرعها شيئاً أصلاً في هذه الحالة يكون حكمه حكم الغاصب فإذا حضر الغائب أأصلاً فإذا زرعها في هذه الحالة ولم يقر الزرع بل أراد قلعه فإن له أن يقسم ويأخذ الأرض نصيبه منها ويقلع الزرع الذي بها كما يجب وما وقع في نصيب الشريك الذي زرع الذي يترك لشريكه قيمة ما نقصته الأرض بالزرع في نصيب شريكه تعويضاً له لأنه غاصب بالنسبة لذلك النصيب، هذا إذا كان الزرع صغيراً يصح قلعه، أما إذا استوى أو قرب من الاستواء فإنه لا يصح قلعه وعلى الزراع أن يدفع لشريكه قيمة ما نقصته في نصيبه تعويضاً ويأخذ زرعه.
    (الثانية) إذا اشترك اثنان في دار للسكنى وغاب أحدهما فإن لشريكه أن يستعمل كل الدار في سكنه إذا كان ذلك الاستعمال ينفعها ولم يخربها الترك أما إذا لم يكن كذلك فإن للحاضر أن يستعمل ما يخصه منها فقط بأن يقسم حجرها أو شققها ويسكن فيما يخصه أو يسكن مدة ويتركها مدة أخرى بنسبة نصيب كل منهما. وبالجملة فكل تصرف يقع من الشريك الحاضر في مصلحة نصيب الغائب فإنه ينفذ وكل ترف يضر به لا ينفذ ويكون الحاضر أن لا يلاحظ ما ينتفع شريكه على أي وجه من الوحوه ثم إذا سكن أحد الشريكين في دار بينهما وخربت بالسكن كان على الساكن تعميرها.
    (الثالثة) إذا خلط أحد الشريكين ماله بمال الآخر برضاه كما إذا كان لكل منهما صبرة من القمحب فاتفقا على خلطها أو اختلط مال أحدهما بمال الآخر بدون إرادتهما كما إذا وضع كل منهما قمحه في مخزن ملاصق للآخر فسقط الحاجز فاختلطا فإنه في هذه الحالة لا يصح لكل مهما أن يبيع نصيبه بدون إذن الآخر وذلك لأنه في هذه الحالة يكون منهما مالكاً لكل حبة من حبات قمحه كاملة فلا يصح أن يبيع مشاعاً إلا بعد الفرز والقدرة على تسليمه بخلاف ما إذا ورث اثنان قمحاً فإن كلاً منهما يملك نصيبه في الجميع شائعاً بدون إذن. أما إذا خلط أحدهما قمحه بقمح الآخر بدون عمله فإن للذي خلط أن يبيع الجميع لأنه بالخلط ملك نصيب الآخر وصار ضاكناً له بالمثل لأنه قد تعدى.
    (الرابعة) أنه إذا اشترك اثنان في بناء دار مثلاً فلا يخلو إما أن تكون الأرض ملكاً معاً، أو تكون ملكاً لأحدهم دون الآخر، أو تكون ملكاً لأجنبي. فإن كانت ملكاً لهما فإنه لا يصح لأحدهما أن يبيع نصيبه في البناء لأجنبي مطلقاً سواء أذن شريكه أو لم يأذن؛ وذلك لأن للبائع في هذه الحالة أن يطلب من المشتري هدم البناء وإخلاء أرضه منه إذ ليس للمشتري سوى الأنقاض وذلك الهدم يضر بالشريك الآخر، ومثل ذلك ما إذا كان البناء لشخص أن يبيع نصفه لأن المشتري يطالب بالهدم ليأخذ الأنقاض التي اشتراها فيلحق الضرر بالبائع فيكون البيع فاسداً وهل يصح للشريك أن يبيع نصف حصته في البناء لشريكه أو لا خلاف؟ فقيل يجوز وقيل لا لأنه في هذه الحالة يصح للبائع أن يطلب من لأحدهما دون الآخر فإنه لا يصح أحدهما أن يبيع نصيبه من الأجنبي لما في ذلك الذي ذكر وهو أن المشتري هو الذي يملك الأرض أو الذي لا يملكها، وذلك لأن الذي لا يملك ليس له حق البناء ولكن الذي يملك أباحه إياه وما كان بطريق الإباحة فإنه يصح إزالته فإذا كان البيع لصاحب الأرض فالأمر ظاهر وإذا كان لغيره فإنه يصح له أو للمالك إزالته لأنه عرضة للإزالة.
    أما إذا كانت الأرض ملكاً لغيرهما كأن مستعارة أو مستأجرة أو مغصوبة أو موقوفة ثم اشترك اثنان في البناء عليها فإنه لا يجوز لأحدهما بيع بصيبه من أجنبي لأن المشتري هدم البناء ليستولي على الأنقاض التي اشتراها وفي ذلك ضرر بالشريك ويجوز لأحدهما أن يبيع نصيبه لشريكهإذا لم يترتب على ذلك ضرر مثلاً إذا استعان شخصان أرضاً مدة معينة واشتركا في البناء عليها ثم مضت المدة فإن لأحد الشريكين أن يبيع نصيبه للآخر لأنه لا يملك مطالبته بالهدم لأنها ليست أرضه ولا علاقة له بها ومثل ذلك ما إذا كانت مستأجرة لمدة قد انتهت تلك المدة بخلاف ما إذا كانت مدة الإيجارة لم تنته فإنه لا يجوز البيع للشريك أيضاً لأنه يصح للبائع المستأجر أن يطالب بالهدم ليستلم الأرض المؤجرة له إلا إذا أجره نصيبه قبل البيع. أما الأرض المغصوبة فإنه يصح بيع كل واحد نصيبه لصاحبه وللأجنبي لأن البناء الذي عليها عرض للهدم في أي وقت.
    وأما الأرض الموقوفة فإنه إذا اشترك اثنان عليها بعد تحريكها مدة طويلة على رأي من يقول بجواز الحكر زمناً طويلاً فإنه يصح لكل منهما أن يبيع نصيبه للأجنبي والشريك لأن المشتري يحل محل البائع في تحكير الأرض وفي نصيبه من البناء فلا ضرر في ذلك على الشريك. وكذا إذا باع نصيبه قبل التحكير ثم حكرت الأرض فإن البيع ينقلب صحيحاً لزوال علة الفساد وهي الضرر الذي يترتب على الهدم.
    (الخامسة) إذا اشترط اثنان في شيء لا يمكن قسمته كحمام وسفينة وبئر وآلة لسقي الماء (ماكينة) أو آلة للطحن (وابور) أو غير ذلك مما تضيع منفعته بالقسمة ثم احتاج لتعمير وأراد أحد الشريكين تعميره فامتنع الآخر فإنه لا يصح له أن يعمره قبل أن يرفع الأمر للقضاء لأن يقضي في هذه الحالة يخبر الممتنع عن العمارة فليس من المصلحة أن يتسرع ويستبد بالعمل بدون إذن القاضي ما دام موقناً بأن القاضي سيلزم الشريك بالتعمير فإذا أمر القاضي بالتعمير ولم ينفذ عجزاً أو نعتاً فإن القاضي يأذن من يريد التعمير بالعمل ويمنع الرشيك من الانتفاع بالعين حتى يؤدي قسطه من التعمير على المفتى به وهكذا في كل شيء لا يمكن قسمته فإن القاضي أن يجبر الممتنع مع شريكه فإذا عمل أحدهما بدون إذن صاحبه أو أمر القاضي كان متطوعاً لا يرجع بشيء مما أنفقه.
    أما إذا اشتركا في شيء مضطراً في تعميره إلى الشريك الآخر كما إذا اشترك اثنان في بناء على أن لأحدهما (الدور) الأعلى وللثاني الأسفل واحتاج الدور الأعلى إلى ردم، فإنه وإن كان لكل منهما قسم من البناء مستقل به، ولكن أحدهما بالآخر في التعمير.
    وحكم هذا القاضي لا يجبر الشريك على التعمير فإذا عجز صاحب العلو من تلقاء نفسه وأنفق على الأسفل ما يحتاج إليه كان له حق الرجوع بما أنفقه على شريكه لأنه مضطر للعمل معه ففي هذه الصورة لا يحتاج إلى القضاء ابتداء ولكن له الحق فيما أنفقه في آخر الأمر.
    ومثل ذلك كل ما يقبل القسمة ويكون أحد الرشكين مرتبطاً بالآخر في العمل معه ارتباطاً قهرياً كحائط بين اثنين عليها سقف كا منهما فإذا انهدمت وكانت هذه الحائط تقبل القسمة بأن كان أساسها عريضاً ويمكن قسمته بحيث يأخذ أحد الشريكين نصفه ويترك النصف الآخر أو إذن القاضي فإن له حق الرجوع بما أنفقه لأن الشريك الممتنع لا يجبر على البناء في هذه الحالة لأنه يمكن قسمة الحائط.
    ويجبر على القسمة إذا طلبها الشريك على المفتى به فإذا كانت الحائط ضيقة لا تقبل القسمة فإنها تكون القسم الأول وهو ما يجبر فيه القاضي الشريك على التمير فلا يصح له حينئذ أن يرفع الأمر للقاضي.
    الوجه الثاني: أن لا يكون أحد الشريكين مضطراً في التعمير إلى الشريك الآخر كما إذا اشتركا في دار يمكن قسمتها وتخربت فإن منهما حق قسمتها فإذا لنفرد أحدهما بتعميرها من غير إذن الآخر كان متطوعاً وضاع عليه ما أنفقه في نصيب شريكه.
    واعلم أن القاضي لا يجبر الشريك على التعمير إلا في ثلاثة أمور:
    الأول: أن يتعذر قسمة العين المشاركة بينهما كما تقدم.
    الثاني: أن يكون الشريكان صغيرين ولكل واحد منهما رصي. فإذا اشترك صغيران في حائط محمول عليها سقف كل منهما ثم اختلت فأراد أحد الوصيين بناءها وامتنع الآخر فإن القاضي يجبر الممتنع عن التعميير سواء كانت الحائط تقبل القسمة أو لا. بخلاف ما إذا كان الممتنع كبيراً كما تقدم فإن القاضي لا يجبره إذا كانت تقبل القسمة لأن الكبير يعرف الضرر ورضي به. أما الصغير فلم يعرفه وأراد الوصي إدخاله عليه فالقاضي يجبره في هذه الحالة. فإذا كانت الشركة بين صغير وكبير وكان الضرر يلحق الكبير فإن وصي الصغير لا يجبر أما إذا كان يلحق الصغير فإنه يجبر.
    الثالث: أن يكون الشريكان ناظرين على العمل إما بالمال أو بالأبدان أو بالوجوه وكل واحد من الثلاثة ينقسم إلى قسمين مفاوضة وعناناً فالأقسام ستة:
    النوع الأول: الشركة بالمال وهي عبارة عن أن ينفق اثنان فأكثر على أن يدفع كل واحد منهما مبلغاً من المال لاستثماره بالعمل فيه ولكل واحد من الشركاء جزء معين من الربح وتنقسم شركة المال إلى القسمين المذكورين (مفاوضة وعناناً) .
    القسم الأول: شركة المفاوضة في المال وهي عبارة عن أن يتعاقد اثنان فأكثر أن يشتركا في عمل بشرط أن يكونا متساويين في مالهما وملتهما ويكون كل واحد منهما كفيلاً عن الآخر فيما يجب عليه من شراء وبيع كما أنه وكيل عنه فيما له فلا تصح أن يكون مال أحد الشريكين شركة مفاوضة أقل من مال صاحبه ولكن مشروط بأن يكون المال مما تصح الشركة به بأن كان نقداً فلا يصح أن يملك أقل مال صاحبه ولكن ذلك مشروط بأن يكون المال مما تصح الشركة به بأن كان نقداً فلا يصح أن يملك أحدهما ألف جنيه ويملك الآخر خمسمائة مثلاً فإذا تساويا في ملك النقدين ولكن انفرد أحدهما بملك عقار، أو عروض تجارة، أو دور فإنه يصح أن يكون تصرف أحدهما أقل من تصرف صاحبه فلا تصح بين صبي وبالغ ولا بين مسلم وكافر ولا يخفى أن التساوي في التصرف يستلزم التساوي في الدين وإنما ذكر لزيادة الإيضاح. وبعضهم يقول إنه تصح مع الاختلاف في الملة إلا أنها تكره. ولا بد أن يتضمن العقد الكفالة والوكالة كما ذكرنا فلا تصح إن خلت من ذلك.
    القسم الثاني: شركة العنان في المال وهي أن يشترك اثنان في نوع واحد من أنواع التجارة كالقمح أو القطن، أو يشترك في جميه أنواع التجارة ولا تذكر فيها فهي تتضمن الوكالة دون الكفالة فتجور بين المسلم والكافر. والصبي والمأذون له في التجارة والبالغ الخ، ولا يشترط تساوي الشركاء في رأس المال كما سيأتي.
    فالفرق بين شركاء المفاوضة والعنان هو أن يكون كل واحد من الشريكين في المفاوضة أهلاً للكفالة بأن يكونا بالغين حرين عاقلين متفقين في الملة وأن يكون رأس مالهما على السواء بخلاف شركة العنان فإنه لا يشترط فيها ذلك كما عرفت.
    النوع الثاني: شركة الأعمال وهي أن يتفق صانعان فأكثر كنجارين أو حدادين أو أحدهما نجار والآخر حداد على أن يشتركا من غير مال أن يتقبلا الأعمال ويكون الكسب بينهما على وحكم هذه الشركة أن يصير كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه في تقبل الأعمال جائز سواء كان الوكيل يحسن مباشر العمل أو لا.
    وتنقسم شركة الأبدان إلى قسمين أيضاً وعناناً:
    فالقسم الأول من شركة الأبدان مفاوضة هو أن يذكر فيها لفظ المفاوضة أو معنى بأن يشترط الصانعان أن يتقبلا الأعمال على التساوي وأن يتساويا في الربح والخسارة وأن يكون كل واحد كفيلاً عن صاحبه فيما يلحقه بسبب الشركة.
    والقسم الثاني من شركة الأبدان عناناً: هي أن يشترطا التفاوت في العمل والأجر بأن يقولا إن على أحدهما الثلثين من العمل وعلى الآخر الثلث مثلاً والربح والخسارة بينهما على نسبة ذلك، وكذلك إذا ذكر لفظه عنان:
    النوع الثالث: شركة الوجوه، وهي أن يشترك اثنان ليس لهما ولكن لهما وجاهة عند الناس توجب الثقة بهما على أن يشتريا تجارة بثمن مؤجل وما يربحانه بينهما وتنقسم شركة إلى قسمين أيضاً مفاوضة وعناناً.
    فالقسم الأول: من شركة الوجوه مفاوضة هي أن يكونا من أهل الكفالة وأن يكون بينهما نصفين وعلى كل واحد منها ثمنه وأن يتساويا في الربح ويتلقطا بالمفاوضة ويذكرا معنى تقصيها فتتحقق وكالة كل واحد منها عن صاحبه فيما له وكفالته فيما عليه.
    القسم الثاني: من شركة الوجوه عناناً هي أن يفوت شيء من هذه القيود كأن لا يكونا من أهل الكفالة أو يتفاضلا فيما يشتريانه كأن يشتري أحدهما ربع السلع والآخر باقيها أو لم يذكر شيئاً يدل على المفاوضة.
    فهذه هي أقسام الشركة، ولم يعد الحنيفية المضاربة قسماً من أقسام الشركة لأنك قد عرفت أنها إنما تكون شركة إذا حصل ربح أما إذا لم يحصل ربح فتختلف الأحوال التي عرفتها في بابها على المضاربة جاءت على غير القياس فلهذا أفردت بباب وحدها بخلاف غيرها من أقسام الشركة فإنها على القياس وبعض المذاهب عدها قسماً من أقسام الشركة نظراً لكونها شركة في الربح.
    المالكية - قالوا: تنقسم الشركة إلى أقسام: شركة الإرث هي اجتماع الورثة في ملك عين بطريق الميراث، وشركة الغنيمة وهي اجتماع الجيش في ملك الغنيمة وشركة المبتاعين شيئاً بينهما، وهي أن يجتمع اثنان فأكثر في شراء دار ونحوه وهذه الأقسام هي التي عبر عنها الحنفية بشركة الملك.
    وحكمها عند المالكية لا يجوز لأحد الشريكين أن يتصرف بغير إذن صاحبه فإذا تصرف فقيل يكون كالغاصب وقيل لا فإذا زرع أحد الشركاء
    في أرض مملوكة لهم أو بنى فيها فإن ورعه بقلع وبناءه يهدم على القول الأول أما على الثاني فإن زرعه وبناءه يتركان وعليه كراء نصيب شريكه في الأرض وله قيمة بنائه الذي بناه لشبهة الشركة.
    ويتعلق بهذه الشركة فروع كثيرة:
    منها: أنه إذا اشترك اثنان او اكثر في عقار لا يمكن قسمته كحمام وفرن وبرج، ثم خرب ذلك العقار وأراد أحد الرشكاء تعميره فأبى الاخر فإنه يقضى على من امتنع من التعمير بأن يعمر أو يبيع جميع حصته لشريكه الذي يريد التعمير ولو كان يملك أكثر العقار أو يبيع لمن يعمر وقيل يقضى عليه بأن يبيع بعض حصته التي تكفي التعمير ولكن أول أرجح لتقليل الشركاء.
    ولا فرق أن يكون العقار الذي لا ينقسم بعضه ملك وبعضه وقف وأبى الموقوف عليه أو ناظر الوقف التعمير فأنه يقضى بأن يعمره الشريك ويستوفي ما أنفقه على عمارته من إراده ولمن قال أنه يباع منه بقدر الحاجة إلى التعمير لأن الغرض تقليل الشركاء كما ذكر في بيع غير الموقوف نعم لا يقضى ببيع الوقف إلا إذا لم يكن للوقف ريع يعمر منه ولم يوجد من يستأجره بأجرة معجلة سنين تكفي لتعميره فإن وجد ذلك فإن لا يقضى ببيعه.
    هذا ولا يقضى بالبيع في الحالتين إلا بعد الأمر بالعمارة ويقضى بالبيع إذا لم ينفذ الأمر بالتعمير ومنها:
    أنه إذا اشترك اثنان مثلاً يملك أحدهما منها الطبقة السفلى (الدور الأسفل ويملك الثاني الطبقة العلية (الدور الأعلى) ثم اختل الدور الأسفل أو ضعفت جدرانه عن احتمال الدور الأعلى فإن الحاكم يأمر صاحب الدور الأسفل بأن يعمر فإن لم يفعل يقضي عليه ببيعه لمن يعمر لا فرق بين أن يكون العقار ملكاً أو وقفاً بالشروط المتقدمة.
    وعلى صاحب الدور الأسفل حفظ الدور الأعلى من السقوط حال بناء الدور الأسفل بتعليقه أو عمل دعائم تحفظه من السقوط ونحو ذلك.

    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #128
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الشركة]
    صـــــ 60 الى صــــــــ
    71
    الحلقة (128)

    وعليه أيضاً السقف لأنه متعلق به عند التنازع وليس على صاحب الأسفل أن يبني سلماً يرقى عليه صاحب الدور العلى وكذلك ليس عليه البلاط الذي يوضع على سقف الدور الأسفل فيقضى عند التنازع بالسقف
    لصاحب الأسفل وبالبلاط لصاحب العلى أما (كسح) المرحاض الموجود في الدور الأسفل المشترك بينه وبين الأعلى فيعمل فيه بالعرف فإن لم يوجد عرف فإنه يقوم باشتراك بقدر الاستعمال على الظاهر وكذلك المراحيض الموجودة في البيوت المستأجرة فإنه يعمل في كسحها وتنظيفها بالعرف فإن لم يوجد عرف فقيل على المالك وقيل على المستأجر. واما طين المطر الذي ينزل في الأسواق فليس على أصحاب (الدكاكين) رفعه إلا إذا جمعوه في وسط الطريق فأضر بالمارة فإن عليهم في هذه الحالة كنسه.
    ومنها: انه إذا اشترك اثنان في دار على أن يكون لأحدهما الدور الأسفل وللآخر الأعلى ثم أراد صاحب الأعلى أن يبني (دوراً ثالثاً فإنه لا يمكن في ذلك ويقضى عليه بعدم فعله إلا إذا كان البناء لا يضر بالدور الأسفل لا حالاً ولا مآلاً ويرجع في ذلك إلى أهل الخبرة والمعرفة بمثله. ومنها:
    أنه إذا اشترك ثلاثة مثلاً في دار ثم تهدم وأراد أحدهم تعميره وامتنع الآخران فإن له أن يعمرها ويستولي على إرادها جميعه حتى يخلص بما أنفقه ثم يقتيمون الإراد بعد ذلك إلا إذا أعطوه ما أنفقه فإنه يصح له الاستيلاء على الإيراد وحده بعد ذلك.
    وله الاستلاء على الإيراد في أربه صور:
    الأولى: أن يستأذن شريكاه بالعمارة فيمتنعا.
    الثانية: أن يستأذنهما فيسكنا ثم يمتنعا أثناء العمارة.
    الثالثة: أن يستأذنهما فيمتنعا ثم يسكتا عن رؤية العمارة.
    الرابعة: أن يأذنوا له في العمارة ثم يمنعاه من قبل شراء المؤن التي يعمر بها ثم عمر بعد منعهما وفيما عدا ذلك يكون ما أنفقه ديناً في ذمتهم.

    ومنها: أنه إذا كان لأحد الجيران حائط متصلة ببيت جاره ويتوقف إصلاحها على دخول عمل جاره فليس لجاره أن يمنعه من الدخول في داره لترميمها وإصلاحها، فإذا امتنع يقطى عليه بتمكينه من غرز خشب ونحوها وبتمكينه من اخذ ثوب سقط عنده أو دابة دخلت أو نحو ذلك.
    وكذا إذا كان خزان مرحاطه في دار جاره فإنه يقضى له بإدخال العمال لكسحه وللجار منعه من إدخال الطين والجص في داره وعليه أن يفتح نافذة في حائط داره لإدخال ما يلزمه من ذلك حتى لا يقذر دار جاره.
    ومنها: أنه إذا كان بين جارين حائط يستر أحدهما فأزالها صاحبها وانكشف بسبب ذلك جاره فإنه يقضى على من أزالها لإعادة بنائها إلا إذا كان هدمها لخلل فيها يخشى منها الضرر أو هدمت وحدها فإنه في هذه الحالة لا يقضى على صاحبها بإعادتها ويقال للجار افعل ما يسترك إن شئت.
    ومنها: إذا بنى أحد في طريق مشتركة بين الناس فإنه يقضى عليه بهدم ما بناه ولم يضر بالمارة سواء كانت تلك الطريق نافذة أم لا فإن كانت لأحد الناس دار يملكها فهدمت وصارت طريقاً فإن ملكه لا يزول عنها بذلك لا يمنع من البناء فيها إلا إذا مضى زمن طويل (وقدره بعضهم بعشر سنين) فإنه لا يكون له حق فيها حين إذن
    ومنها: ألا يمنع الباعة من الجلوس بأفنية الدور ويقضى به وهي ما زاد على مرور الناس في طريق واسعة نافذة إذا كان في جزء من اليوم أما إذا كان في كل النهار فإنه يمنع ولا يقضى به على الرجح ومثله فناء الحانوت (الدكان) ويمتنع الجلوس في أفنية الدور ونحوها لحديث لأن فيها ضياع للوقت وضرر بالمارة.
    وإن تنازع اثنان من الباعة في الجلوس بمكان فإنه يقضى للسابق منها ومثل ذلك الجلوس في المسجد إلا إذا كان غير السابق يجلس فيه لتعليم العلم أو الإفتاء فإنه يقدم على غيره استحساناً يعني أن الأفضل للسابق أن يترك ذلك المكان للمدرس.
    ومنها: أنه إذا فتح جار نافذة في حائط بيته بينه وبين جاره وكانت تلك النافذة تكشف جاره بان يرى وجوه سكانها فإنه يقضى عليه بسدها وإزالة معالمها بحيث لا يبقى لها أثر يمكن الاحتجاج به.
    أما إذا كانت النافذة لا تلرى منها الوجوه أو على المزارع والحيوانات فإنه لا يأمر بسها إذ لا ضرر منها وليس ببجار أن يطلب سد نافذة مضى عليها عشر سنوات وهو ساكت.
    ومنها: أن للجيران منع إحاث ما يتصاعد منه دخان يضر بهم وبمساكنهم كبناء حمام بجوارهم أو مطبخ أو فرن أو نحو ذلك وكذلك لهم منع إحداث ما تتصاعد منه رائحة كرية كمدبغة ومسمت ونحوهما.
    ومحل ذلك ما إذا حدث شيء من ذلك بعدهم. أما إذا كان موجوداً من قبل ودخلوا عليه فليس لهم منعه.
    ومنها: أن للإنسان أن يمنع من إيجاد الجرين (الجرن) عند منزله لأنه يتضرر بالتين الحاصل من التذرية ومثل البيت في ذلك الحانوت (الدكان) وكذلك يقضى بمنع إحداث ما يضر بجدار البيوت كرحا ومدق وبئر حاض واصطبل وأما الحداد والنحاس والنجار فإنهم لا يمنعون به، ومثل هؤلاء الصباغ الذي يدق القماش.
    وكذلك يمنع إحاث مصطبة في مقابل باب المنزل (دكان) للبيع والشراء إذا كان يضر بالسكان ويكشفهم. ولا يمنع مالك من فتح باب طريق نافذ إلى القضاء ولو كان في مقابل باب جاره.
    وكذلك لا يمنع من بناء ما يحجب الضوء أو الشمس عن داره وله أن يمنع من إحداث ما يمنع الضوء والشمس المحتاج خشبة فيه لأن ذلك من مكارم الأخلاق.
    وأما أقسام الشركة المشهورة غير ما ذكر فهي سنة:
    مفاوضة، وعنان، وجبر، وعمل، ومضاربة، ولكل منها تعريف خاص.
    وقد عرفها بعضهم تعريفاً تاماً فقال:
    هي تقرر ملك متمول بين مالكين فأكثر. فقوله تقرر متمول معناه استقرار ملك شيء له قيمة مالية بين مالكين فأكثر فلكل واحد أن يتصرف فيه تصرف المالك خرج به تقرر شيء غير مالي كتقرر النسب والولاية فإن النسب الثابت بين اثنين ليس شيء مالي فلا يتصرفان في النسب تصرفات الشركات.
    وكذلك تقرر الولاية بين اثنين على مملوك فإنه لا يكون شركة وقوله بين مالكين خرج به تقرر شيء مالي بين وصيين أو وكيلين فإن القاصر الموجود في يد تصرفات الشركاء لأن ماله بينهما ليس مملوكاً لهما.
    ويدخل في التعريف جميع لأنواع الشركة سواء كانت شركة إرث أو غنيمة أو شركة مال ستعرفه في التعريف، وكذلك يدخل في التعريف شركة الأبدان باعتبار الفائدة المالية التي تترتب لأنها تكون مملوكة بينهما.
    وقد عرف بعضهم الشركة المالية التجارية بأنواعها بأنها عبارة عن إذن كل واحد من الشريكين أو الشرطاء للآخر في أن يتصرف في مال يملكه على أن كلاً منهما يتصرف لنفسه وللآخر فكل من الشريكين يعمل في مال الآخر لصاحبه ولنفسه بخلاف الوكيل فإنه يعمل في مال الموكل خاصة. وأما تعريف كل قسم من أقسام الشركة على حدة فإليك
    بيانه:
    فأما شركة المفاوضة فهي اشتراك اثنين فأكثر في الاتجار بماليين على أن يكون منهما نصيب في الربح بقدر رأس المال بدون رأس ماله بدون تفاوت وأن يطلق كل من الشركاء حرية التصرف للآخر في البيع والشراء ولاكتراء وأن يشتري في غيبته وحضوره سواء اتفقا على أن يتجرا في نوع واحد كالقمح أو الشعير أو في جميع الأنواع. وبعضهم يقول إنها إذا كانت في نوع واحد تكون عناناً لا مفاوضة لأن شركة المفاوضة يجب أن تكون عامة في كل الأنواع ولا تفسد شركة العنان عندهم بانفراد أحد الشريكين بمال غير مال الشركة فيصح أن تكون الشركة على ألف كل منها خمسمائة وعلى أحدهما زيادة على الخمسمائة.
    وأما شركة العنان فهي أن يشتركا على أن لا يتصرف أحدهما إلا بإذن صاحبه فإن كل واحد مهما آخذ صاحبه يمنعه إذا أراد حتى لو تصرف أحدهما بدون إذن الآخر كان له رده. وإذا اشترطا أن يكون لأحدهما التصرف المطلق دون الآخر فقيل إنها تكون عناناً في المقيد ومفاوضة في المطبق. وقيل تفسد وهو الظاهر.
    وأما شركة العمل (وهي المعروفة شركة الأبدان في بعض المذاهب) فهي أن يشترك صانعان فأكثر على أن يعملا معاً ويقتسمان أجرة عملها بنسبة العمل بشرط أن تكون الصنعة متحدة كحدادين. أو نجارين أو خياطين أو نساجين فلا يصح اشتراك حداد ونجار ولا اشتراك صانع ونساج نعم يصح اشتراك صانعين تتوقف صنعة أحدهما على صنعة الآخر كأن يشترك الذي يغوص في البحر لاستخراج اللؤلؤ مع صاحب الزورق الذي يحمله ويمسك له. وأن يتساويا في العمل بأن يأخذ كل واحد بقدر عمله من الغلة ويصح أن يزيد أحدهما على الآخر شيئاً يتعارفه الماس ويحصل التعاون بينهما ولو كانا بمجلين مختلفين (كدكاكين) وإذا كان لكل منهما آلة للبرادة أو الحدادة أو النجارة فإنه لا يجوز أن يعمل بها قبل أن يشتري كل منهما نصف ألته بنصف الأخرى حتى يكون لكل منهما نصف إحداهما ملكاً أصلياً والنصف الآخر بالشراء. وقيل يجوز والأول هو المعتمد.
    وأما شركة الذمم فهي عبارة على أن يتعاقد اثنان على أن يشتريا شيئاً غير معين بثمن مؤجل في ذمتها بالتضامن بمعنى أن كلاً منهما كفيل لصاحبه ثم يبيعانه وما خرج من الربح فهو بينهما.
    وأما شركة الوجوه عند المالكية فهي عبارة عن أن يتفق رجل ذو وجاهة مع رجل خمل لا وجاهة عنده على أن يبيع الوجيه تجارة الخمر لأن وجاهته تحمل الناس على الثقة به والشراء منه وله في نظير ذلك جزء من الربح وهي ممنوعة عندهم أيضاً لأن فيها تغريراً بالناس فإذا وقع ذلك فعلاً كان للوجيه أجر المثل أما المثل من اشترى من الوجيه فله رد السلعة وإمساكها بثمنها وإن كانت نفذت فإنها بالأقل من القيمة.
    وأما إذا وقع عقد شركة الذمم فإنه يعمل مع الشريكين بحسب ما اتفقا عليه من الربح.
    وأما شركة الجبر فهي عبارة عن أن يشتري شخص سلعة بحضرة تاجر اعتاد الاتجار في هذه السلعة ولم يخطر بأنه بشتريها لنفسه خاصة ولم يتكلم ذلك التاجر فإنه له الحق في أن يشترك فيها مع من اشتراها ويجبر من اشتراها على الشركة مع ذلك التاجر.
    والمالكية: يقولون إن عمر رضي الله عنه قضى بهذا بالعرف في ذلك ويشترط فيها ستة شروط ثلاثة في السلعة وثلاثة في الشخص الذي يريد الاشتراك فاما الشروط الخاصة بالسلعة فهي أن تشتري بالسوق الذي تباع فيه عادة، وأن يكون شراؤها للتجارة فإذا اشتراها للاقتناء أو ليجعلها أثاث منزله فإنه لا حق للغير في أن يشاركه فيها وأن يكون الاتجار فيها بها في البلد الذي اشتريت به فإذا اشتراها للسفر بها فإنه لا يجبر على الشركة فيها.
    وأما الشركة المتعلقة بالشخص الذي يطلب فهي أن يكون حاضراً في السوق وقت شراء السلعة.
    وأن يكون من تجار تلك السلعة التي يبعث بحضرته وأن لا يتكلم وقت الشراء وهناك شرط آخر يتعلق بالمشتري وهو أن لا يقول لهم إنني أشتري ولا أريد أن أشارك أحداً فمن شاء أن يزيد فليفعل فإن قال ذلك فإنه لا يجبر الحاضر على مشاركة المشتري إلا إذا طلب ذلك فقبل.
    وأما شركة المضاربة فقد تقدم معناها وأحكامها في بابها فارجع إليها إن شئت.
    الحنابلة - قالوا: تقسم الشركة إلى قسمين: شركة في المال. وشركة في العقود فشركة المال هي اجتماع اثنين فأكثر في استحقاق عين بإرث أو شراء أو هبة أو نحو ذلك ولا فرق بين أن يملكا العين بمنافعها أو يملكا رقبتها دون منفعتها أو منفعتها بدون رقبتها. وأما شركة العقود وهي المرادة هنا فهي اجتماع اثنين فأكثر في التصرف وتنقسم شركة العقود إلى خمسة أقسام:
    شركة العنان. وشركة الوجوه. وشركة الأبدان. وشركة المفاوضة وشركة المضاربة.
    فأما شركة العنان فهي أن يشترك اثنان فأكثر بمالين على أن بعملا معاً في تنميتها والربح بينهما على ماشترطا أو يشترك اثنان فأكثر بماليهما على أن يعمل أحدهما فقط بشرط أن يكون للعامل جزء من الربح أكثر من ربح ماله ليكون ماله الجزء نظير عمله فإن شرط له ربحاً قدر ماله فقط إيضاع لا يصح لأنه عمل في مال الغير بدون أجر.
    وأما شركة الوجوه فهي أن يشترك اثنان فأكثر في شراء تجارة بثمن في ذمتهما اعتماداً على وجاهتهما التي توجب الثقة بهما ثم يبيعانه والربح بينهما نصفين أو ثلاثاً أو نحو ذلك وهي في جائزة مطلقاً سواء عينا جنس ما يشتريانه أو قدره أو قيمته أو لم يعنيا شيئاً فلو قال أحدهما لللآخر ما اشتريت من شيء فهو بيننا صح.
    وأما شركة الأبدان فهي أن يشترك صانعان فأكثر على أن يعملا بأبدانهما وما يروقانه من الأجر فهو بينهما على ما اشترطا وهي جائزة مطلقاً سواء اتخذت الصفة أو اختلفت فيجوز اشتراك نجار مع حداد ولكل واحد منهما أن يأخذ وللمستأجر أن يعطيها لأيهما أراد.
    ومن شركة الأبدان الاشتراك في تملك المباحثات كالاصطياد ولاحتطاب ونحو ذلك.
    وأما شركة المفاوضة فهي الاشتراك في استثمار المال مع تعويض كل واحد لصاحبه في الشراء والبيع والمضاربة والتوكيل والبيع والسعر بالمال والرهن والارتهان والضمان وغير ذلك إلا إنه لا يصح أن يدخلا فيها الكسب النادر كوجدان بقطة أو نحو ذلك.
    وأما المضاربة فقد تقدم معناها.
    الشافعية - قالوا: الشركة الجائزة نوع واحد وهي شركة العنان (بكسر العين) وهي عبارة عن أن يتعاقد اثنان فأكثر على الاشتراك في مال للاتجار فيه ويكون الربح بينهم على نسبة أموالهم بشرائط مخصوصة سيأتي بيانها.
    أما أنواع الشركة المذكورة في المذاهب الأخرى فهي باطلة وهي ثلاثة أقسام:
    الأول: شركة الأبدان وهي أن يشترك اثنان فأكثر يحترف واحد منهم حرفة ليعمل كل منهما ببدنه وما يرزقهم الله من أجر يقسمونه وهذه ممنوعة سواء اتحدت الحرفة كحدادين ونجارين أو اختلفت كحداد ونجار، فإذا وقع عقد شركة كهذه فإن حكمه أن كل ما يحصله أحدهم من أجرة عمله وحده يختص به ولا يعطي منه شيئاً لشريكه وما يعملانه معاً يوزع عليهما بنسبة مثل أجرة عمل كل منهما. مثلاً إذا عملا معاً في بناء حائط يأخذ كل مهما أجرة مثل عمله التي يستحقها في اليوم فلو كان أحدهما يستحق في اليوم عشرة قروش وزعت الأجرة عليها بهذه النسبة.
    الثاني: من أقسام الشركة الباطلة شركة المفاوضة وهي أن يتعاقد اثنان فأكثر على الاشتراك بأموالهم من غير خلط المالين ببعضها قبل العقد أما إذا خلط المالين ببعضهما قبل العقد فإنها لاتكون شركة مفاوضة بل تكون من شركة العنان الجائز حتى ولو صرحا بالمفاوضة ونويا بها العنان فإنها تصح بعد الخلط قبل العقد وكما تكون المفاوضة بالأموال تكون بالأبدان فقط أو بالأموال والأبدان.
    الثالث: شركة الوجوه وهي أن يشترك زجيهان فأكثر في شراء تجارة بثمن مؤجل لوجاهتهما ليبيعونه والربح بينهما أو يشترك وجيه وخمل على أن يشتري الخمل بماله ويبيع الوجيه بوجاهته ويبيع الخمل وكل هذه الأقسام باطلة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #129
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الشركة]
    صـــــ 71 الى صــــــــ
    78
    الحلقة (129)

    [مبحث أركان الشركة]

    -للشركة العامة أركان: العاقدان، والصيغة، والمحل - وهو شيئان: المال والأعمال (1) .
    [شرط الشركة وأحكامها]
    -لشركة العقود شروط: بعضها يتعلق بالعاقدين. وبعضها يتعلق بالصيغة ويعضها يتعلق برأس المال. وبعضها يتعلق بالربح، ولكل نوع من أنواع الشركة شروط تتعلق به من ذلك بخصوصه وكلها مفصلة في المذاهب في أسفل الصحيفة (2) .


    (1) (الحنفية - قالوا: للشركة ركن واحد وهو الإيجاب والقبول لأنه هو الذي يتحقق به العقد وأما غيره من العاقدين والمال فهو عن ماهية العقد كما تقدم في البيع وصفة الإيجاب أن يقول أحدهما شاركتك في كذا وكذا ويقول الآخر قبلت ولا فرق في ذلك بين أن يذكر نوعاً خاصاً كأن يقول له شاركتك في القمح أو القطن أو يذكر شيئاً عاماً كأن يقول أنواع التجارة وإذا لم يذكر لفظ الشركة بأن قال أحدهما ما اشتريت اليوم من أصناف التجارة فهو بيني وبينك، فقبل صاحبه فإنه يكون شركة.
    ولكن ليس لأحدهما أن يبيع بدون صاحبه لأنهما قد اشتركا في الشراء ولم يشتركا في البيع فلا يصح لأحدهما أن يتصرف بدون إذن الآخر.
    ومثل ذلك ما إذا أقته بوقت كأن قال له ما اشتريت اليوم أو هذا الشهر فهو بيني وبينك.
    ولا يشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا بالفظ فإذا دفع له ألفاً وقال له أخرج مثلها واشترى تجارة والربح سيكون بيننا فأخذها وفعل بدون أن يتكلم انعقدت الشركة وكيفية كتابة الشركة أن يقال:
    هذا ما اشترك عليه فلان أو فلان، اشتركا على تقوى الله تعالى وأداء الأمانة، وعلى رأس مال قدره كذا يدفعه فلان ورأس مال قدره كذا يدفعه
    صاحبه وذلك كله في أيديهما يشتريان ويبيعان مجتمعين ومنفردين ويعمل كل منهما برأيه ويبيع بالنقد وبالتأجيل فما كان من ربح فهو بينهما على قدر رؤوس أموالهما وما كان من خسر أو تبعة فهو كذلك ثم يكتب التاريخ.
    هذا هو النص الكامل لكتابة عقد الشركة، وإن كان بعضه غير لاوم مثل التنصيص على أن كلاً منهما يبيع بالنقد وإلى أجل لأن ذلك يملكه بمجرد العقد نعم بعضهم يقول إنه محتاج إلى إذن ولكنه ضعيف ثم إن اشترط الربح متفاوتاً وصحيح فلا يلزم أن يقول وما كان من ربح فهو بينهما على رأس مالهما إلا صادف ذلك اتفقا ولهما أن يفقا على أن يأخذ أحدهما من الربح أقل من رأس ماله فإن كان ذلك فلينص عليه.
    أما الخسارة فإنه يجب أن تكون بنسبة رأس المال فإذا اشترط أن يكون على أحدهما أكبر من نسبة رأس ماله فسد العقد) .

    (2) الحنفية - قالوا: الشروط المتعلقة بالشركة تنقسم إلى أربعة أقسام:
    القسم الأول: يتعلق بجميع أنواع الشركة سواء كانت بالمال أو بغيره.
    القسم الثاني: يتعلق بشركة المال سواء كانت معاوضة أو عناناً.
    القسم الثالث: يختص بشركة المفاوضة بأنواعها.
    القسم الرابع: يختص بشركة العنان كذلك.

    فأما الأول: فيشترط للشركة بجميع أنواعها أمران: الأول وهو متعلق بالمعقود عليه أن يكون النعقود عليه قابلاً للوكالة فيه فإذا تعاهد اثنان على أن يشتركا في الاصطياد أو الاحتطاب أو في جميع الحشائش المباحة وبيعها فإن العقد لا يصح لأن هذه الأشياء مباحة فلا ينعقد فيها التوكيل لأن الحصول يثبت لمن يباشرها فمن حطباً أو صاد سمكاً أو غزالاً أو غير ذلك فإنه يملكه بمجرد الحصول عليه لغيره ملك يتصور أن يوكله في التصرف فيما يملكه منه.
    ثانيهما: وهو متعلق بالربح أن يكون الربح جزءاً شائعاً معلوماً كالنصف أو الثلث أو نحوهما فإن كان الربح مجهولاً أو معيناً بعدد يفسد فإذا قال أحدهما شاركتك ولك جزء من الربح ولم يعين أو قال ولك عشرون جنيهاً من الربح فإنه لا يصح أما الأول فلأن الجهالة في الربح توجب النزاع وأما الثاني فلأن تعيين عدد من الربح يقطع الشركة إذ ربما لا يربح سوى هذا المبلغ فيأخذه أحد الشريكين المشروط ولا يكون الثاني شريكاً فنتقطع الشركة حينئذ.
    أما القسم الثاني: وهو متعلق بشركة المال سواء كانت عناناً أو معاوضة فهو أمور:
    أحدهما: أن يكون رأس المال من النقدين كالجنيه والريال فلا يصح العقد في شركة المعاوضة ولا في شركة العنان إذا كان رأس المال تجارة أو حيوان أو من المكيلات كالقمح والعدس أو الموزات كالسمن والعسل فإذا اختلط ما يملكه اثنان من القمح ببعضهما فإن ذلك سيكون شركة ملك كما تقدم والربح بينهما بنسبة ما يملكان والخسارة تكون عليهما بتلك النسبة أما إذا كانا من جنسين مختلفين وشعير فالثمن يكون بينهما على قدر قيمة ما يخصه يوم بيعه ومثل عروض التجارة قطع الذهب والفضة التي لم تضرب (تختم بختم الحاكم) إلا إذا جرت معادة بالتعامل بها فإنه يجوز أن يجعل رأس مال الشركة المالية على الصحيح.
    أما المصنوغ من الذهب والفضة كحلي النساء وخلاخلهن فإنه كالنحاس والبرنز فإنه يصح جعلها رأس مال الشركة إذا كان يتعامل بها كما تقدم في المضاربة.
    على أنه يصح أن يجعل عروض التجارة رأس مال الشركة بحيلة وهي أن يبيع كل واحد منهما نصف ما يملكه الآخر ثم يخلطان ما يملكانه ببعضهما فيكون شركة ملك بحيث لا يجوز لأحدهما أن يتصرف في نصيب الاخر إلا بإذنه ثم تعاقدان على شركة المفاوضة فيقوض كل منهما لصاحبه أن يتصرف.
    ثانيهما: أن يكون رأس المال حاضراً عند العقد أو عند الشراء فلو دفع
    دفع مائة جنيه لشخص وقال له ادفع مثلها واشتر بها وبع صح فإن العقد لا يصح.
    ثالثها: أن يكون رأس مال الشركة ديناً فإذا كان لشخص دين على آخر وقال شاركني على أن رأس المال الذي أدفعه هو الدين الذي لي عند أو عندك فإنه لا يصح لأن الدين مال غائب وقد عرفت أن الشرط حضور المال.
    وأما الشروط المختصة بشركة المفاوضة فهي أمور:
    منها: أن يكون رأس مال الشريكين أو الشركاء على السواء بأن يكون قدر ما يدفعه كل واحد مساوياً لما يدفعه الآخر فلا يصح في المفاوضة أن يدفع أحدهما مائة جنيه والآخر خمسين جنيهاً فإن كان رأس مال أحدهما مخالف لرأس مال صاحبه بأن دفع أحدهما ذهباً والآخر فضة وجب أن يكون كل منهما مساوياً للآخر في القيمة فإنه يجب أن يكون كل منهما مساوياً للآخر في القيمة فإذا دفع أحدهما عشرة جنيهات مصرية مثلاً وجب أن يدفع الآخر خمسين ريالاً من الفضة أو مائة قطعة من ذات العشرة قروش وهكذا.
    ومنها: أن لا يكون لأحدهما من المال الذي تنعقد به شركة المفاوضة شيء مدخر بل ينبغي له أن يخرج كل ماله. فإذا كان معه ألف جنيه فلا يصح أن يعقد شركة مفاوضة مع غيره بخمسمائة بل ينبغي أن يعقدها بالألف فإذا عقدها بأقل مما يملك من المال كانت شركة عنان لا مفاوضة ويجوز أن يملك أحدهما عقاراً أو دوراً فسدت وصار عناناً ولو كان لأحدهما وديعة من النقدين عند شخص زائد على رأس مال المفاوضة فسدت المفاوضة وهذا الشرط يتعلق الشرط برأس المال.
    ومنها: أن يكون كل من الشريكين أهلاً للكفالة بأن يكونا بالغين حرين عاقلين متفقين في الملة كما تقدم وهذا الشرط متعلق بالعاقدين.
    ومنها: أن تكون الشركة عامة في جميع أنواع التجارة فلا يصح تخصيصها بنوع واحد كالقطن أو القمح أو نحو ذلك وهذا الشرط متعلق بالمعقود عليه.
    أما الأحكام شركة المفاوضة فهي أن كل شيء يشتريه أحد الشريكين كان على الشركة كإطعام أهله وإدامه وكسوته. وكذلك المتعة والنفقة والاسئجار للسكنى والركوب للحاجة كالحج وغيره فإن كل ما يشتريه أحدهما مما يتعلق بذلك خاصاً به ومع ذلك فإن الآخر يكون كفيلاً عنه حتى أن لصاحب الكسوة والطعام ونحو ذلك ما ذكر أن يطالب الشريك الآخر الذي لم يشتر وعليه أن يؤدي ويرجع على شريكه بما يستحقه فيما دفعه من مال الشركة.
    ولا يشرك أحدهما الآخر فيما ورث من ميراث ولا حصل عليه من جائزة سلطانية ولا هبة ولا صدقة ولا هدية.
    وإذا كان لأحد الشريكين شيء مملوك قبل عقد الشركة فليس للآخر شيء إذا اشترى أحدهما جملاً بشرط الخيار ثم تعاقد مع صاحبه على شركة المفاوضة ثم أسقط خياره فإن الجمل يكون له وحده وليس لشريكه فيه نصيب.
    وإذا أودع أحدهما وديعة كانت عند الآخر وإذا كان يعمل أحدهما في مال مضاربة ما يخصه من الربح بينه وبين شريكه شركة مفاوضة.
    وإذا ثبت في ذمة أحدهما دين بتجارة وشبهها كان الآخر متضامناً فيه ويشبه التجارة الغصب والاستهلاك والوديعة الموجودة أو المستهلكة والعارية لأنه إذا غصب أحدهما شيئاً كان ضامناً له والضمان يفيد له تملك الأصل المغصوب فيكون الشريكان مفاوضة متضامنين في أدائه ومثل الغصب الوديعة فإذا أودع شخص عند أحد أحد الشريكين وأنكره أو استهلكه كان ضامناً كالتجارة ومثل ذلك العارية وكذلك إذا كفل أحدهما شخصاً على مال بإذن صاحبه فإن شريكه يكون ضامناً معه في دفع ذلك المال.
    اما إذا كفل أحدهما شخصاً بنفسه بأمر صاحبه أو كفله بدون إذنه فغن الشريك الآخر لا يلزم بذلك.
    وخرج ما لزم أحدهما مما لا يشبه التجارة كالدين المهر والخلع والجنابة والصلح عن دم العمد والنفقة فإن كل ذلك لا يضمن فيه الآخر.
    هذا ولا تبطل الشركة بالشرط الفاسد عند الحنفية وإنما يبطل الشرط فلو اشتركا في شراء حيوان أو عروض تجارة على أن يبيعه أحدهما دون الآخر لم تفسد الشركة ولا يعمل بالشرط. وكذلك إذا اشتركا على أن يدفع أحدهما المال وحده فإن الشرط يكون فاسداً والعقد صحيح وهكذا كل شرط فاسد فإنه لا يفسد العقد ولا يعمل به.
    المالكية - قالوا: الشروط التي تتعلق بالعاقدين ثلاثة وهي: الحرية فلا تصح بين رقيق وحر ولا بين عبدين إلا إذا كان مأذوناً له بالتجارة من سيده فإنه يكون في حكم الحر. والرشد فلا يصح بين سفهين أو سفيه ورشيد. والبلوغ فلا تصح من صبيين ولا من صبي وبالغ فإذا اشترك صبي مع بالغ فلا ضمان على الصبي ومثل ذلك ما إذا اشترك سفيه مع عاقل فإنه لا ضمان على السفيه ومثلها العبد مع الحر. وهذه الشروط هي شروط صحة التوكيل والتوكل فلا يصح لشخص أن يوكل غيره أو يتوكل عن غيره إلا إذا كان حراً بالغاً رشيداً.
    وأما الصيغة فشرطها أن تكون بما يدل على الشركة عرفاً سواء كان بالقول أو الفعل ومثال الأول أن يقول كل منهما اشتركنا على كذا أو يقول أحدهما ويسكت الآخر راضياً أو يقول أحدهما شاركني ويرضى الاخر ومثال الثاني أن يخلط كل منهما ماله صاحبه ويتجرا ومتى تحققت الصيغة بالقول أو الفعل لزم عقد الشركة. وإذا أراد أحدهما أن ينفصل عن صاحبه قبل خلط المالين وامتنع الآخر فليس للأول حق الانفصال إلا إذا بيعت السلع التي اشترياها وظهر رأس المال.
    وأما رأس المال فإنه يصح بأمور ثلاثة، أحدهما النقدان من الذهب والفضة وهذا يشترط فيه ثلاثة أمور:
    الأول أن يتحد ما يدفعه أحدهما بما يدفعه الآخر في الجنس بأن يخرج أحدهما ذهباً فقط والآخر فضة فإن فعلا ذلك فلكل منها رأس ماله ويقسمان الربح لكل عشرة واحد.
    الثاني: أن يتحد المالان في الصرف والوزن والجودة والرداءة فلا يصح أن يختلف في التصرف كأن يصرف جنيه أحدهما مثلاً بخمسة وتسعين جنيه والآخر بتسعين مع اتحادهما في الوزن لأنهما إن اتفقا على إلغاء الزيادة فقد تفاوتا في رأس المال أحدهما في هذه يدفع أكثر من صاحبه ولم يحسب له ما دفعه والتفاوت مفسد للشركة وإن اتفقا على حساب الزيادة ترتب على عدم اعتبار الوزن في صرف الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة وهو ممنوع.
    وكذلك لا يصح أن يختلفا في الوزن لما عرفت. اما اختلافهما في الجودة والرداءة بأن كان أحدهما جيداً والاخر رديئاً فإنه لا يصح لأن قيمة الجيد أزيد من قيمة الرديء طبعاً على إلغاء الوزن وإلغاء الوزن في عيار الذهب والفضة ممنوع.
    الأمر الثالث: أن يكون رأس مال الشركة من النقدين حاضراً فإذا اشتركا على مال غائب فإنه. لا يصح اما إذا كان مال أحدهما حاضراً ومال الآخر غائباً فإن كانت غيبته بعيدة بحيث لا يمكن إحضاره في مسافة يوميين فإن الشركة لا تصح.
    وإذا كان بعض مال أحدهما غائباً ويعضه حاضراً كأن كان معه ألف منها خمسمائة بيده والباقي مودع في مكان ثم اشتركا على الأفين فإنه ينبغي تأجيل العمل حتى تحضر الخمسمائة في مسافة قريبة فإن عملا قبل ذلك كان لصاحب الخمسمائة نصيبه من الربح ذلك وهو الثلث فقط.
    ثانيهما: أن يكون رأس المال عيناً من أحدهما وعروض تجارة من الآخر كأن يدفع أحدهما نقداً من ذهب أو فضة ويدفع الآخر يلعة من قماش أو قطن أو قمح.
    ثالثها: أن يكون رأس المال عرض تجارة من الشركين كأن يدفع أحدهما قطناً والآخر ثياباً أو شعيراً أو أرزاً أو يدفع أحدهما قطناً والآخر قطناً كذلك إذ فرق أن يكون رأس المال من العرض متحد الجنس أو مختلفة إلا أنه لا يصح أن يكون رأس المال من كل منهما طعاماً فلا يصح أن يدفع كل واحد قمحاً أو شعيراً وإنما جازت في صورة ما إذا كان أحدهما طعاماً فلا يصح أن يدفع كل واحد قمحاً أو شعيراً وإنما جازت في صورة ما إذا كان مال أحدهما طعاماً والآخر عرض تجارة تغلباً لجانب النقد وعرض التجارة على الطعام.
    وعلى كل حال فيشترط في جعل رأس المال عرض تجارة أن يقوم رأس المال وتعتبر الشركة فيه بالقيمة ثم إن كان عروض التجارة معدوداً أو مكيلاً فتعتبر قيمته بعد وقبضه لأنه إنما يدخل في ضمان المشتري بالقبض فتعتبر قيمته ومثل ذلك العرض الغائب غيبته قريبة فإن قيمته تعتبر يوم قبضة واما غير ذلك فتعتبر يوم عقد الشركة.
    وأما الربح والخسارة فإنه يشترط فيه أن يكون بحسب نسبة المال فلا يصح لأحدهما أن يأخذ أكثر من نسبة رأس ماله الذي دفعه.
    ومثل الربح العمل فعلى كل منهما أن يعمل بنسبة رأس ماله فإن اشترطا التفاوت في الربح أو العمل بطلت الشركة فإذا لم يشرعا في العمل وظهر لهم بطلان الشركة بذلك فسخ العقد فإذا عملا في المال واتضح البطلان بعد العمل قسم الربح بينهما على قدر رأس المال الذي دفعه كل منهما.
    فإذا كان لأحدهما ثلث المال وللآخر الثلثان واشتريا على أن يكون لصاحب ثلث المال نصف الربح ولصاحب الثلثين النصف الاخر فإن لصاحب الثلث بالسدس الزائد على مقدار رأس ماله ولصاحبه الثلث الرجوع على صاحب الثلثين بأجر عمله الذي يقابل سدس الربح الذي زيد له وهو سدس أجرة العمل كله.
    هذا محصل الشروط المعتبرة في شركة العقود عامة. وقد تقدمت الشروط الخاصة بكل نوع على حده عند تعريفه قريباً.
    الشافعية - قالوا: قد عرفت مما تقدم أن القسم الصحيح من أقسام الشركة عند الشافعية هو شركة العنان وأما غيرها فهو باطل وقد عرفت حكمته فيما تقدم. وكذلك أن أركانها أربعة: صيغة وشريكان ومال. ويتعلق بكل ركن منها شروط:
    فيشترط في الصيغة أن تشتمل على ما يفيد الإذن بالتصرف لمن يتصرف بالبيع والشراء ونحوهما فإن كان التصرف من أحدهما يلوم أن تكون الصيغة مشتملة على إذن الآخر إياه كل منهما لصاحبه جعلنا هذا المال شركة وأذنتك بالتصرف فيه على سبيل التجارة بيعاً وشراء فيقول الاخر قبلت ولا يكفي اشتركنا فقط بل لابد من التصريح بما يدل على الإذن المذكور.
    وأما الشريكان فيشترط في كل منهما الرشد والبلوغ والحرية فلا يصح عقد الشركة من سفيه أو مجنون أو صبي أو رقيق غير مأذون له وكذلك لا يصح من مكره أو فضولي. ويصح من أعمى على أن يكون المتصرف ويوكل عنه في القبض بشرط أن يكون أهلاً لأن يكون عنه غيره بان يكون رشيداً بالغاً.
    وأما رأس المال فيشترط له أمور (أولاً) أن يكون مثلياً والمراد بالمثل ما يحصره كيل أو وزن ويجوز فيه السلم كالنقدين من الذهب والفضة فإنها يحصران بالوزن وكالحنطة والشعير والأرز ونحوها فإنها تحصر بالكيل أما غير ذلك مما لا يكال ولا يوزن من عرض التجارة فإنه لا يصح أن يجعل رأس مال إلا إذا باع أحدهما بعض تجارة صاحبه بطريق الشيوع ثم يأذن كل واحد منهما صاحبه بالتصرف على سبيل التجارة وبذلك يصح جعل عرض التجارة رأس مال سواء اتحد جنسه أم اختلف.
    (ثانياً) اختلاط المالين قبل العقد بحيث لا يتميز أحدهما من الاخر. أما خلطهما بعد وقوع العقد فقيل يصح وقيل يمتنع وعلى الثاني فإنه يلزم إعادة الصيغة.
    (ثالثاً) يشترط اتحاد ما يخرجه من المال ببعضه فلا يصح أن يخرج أحدهما ذهباً والاخر فضة وبالعكس. وكذلك لا يصح أن يخرج أحدهما فضة من ذات العشرة وقروش ويخرج الاخر من ذلت الخمسة ونحو ذلك إلا إذا ملكا مختلفاً بطريق الهبة أو طريق الميراث فإنه لا يشترط اتحاده وإنما الشرط أن يأذن كل واحد منهما صاحبه في التصرف بطريق التجارة.
    ولا يشترط التساوي في رأس المال ولا في العمل على المعتمد فيصح أن يكون رأس مال صاحبه ويكون عمله الذي يقابل زيادة من المال تبرعاً منه لا يستحق عليه شيئاً، نعم يشترط أن بقسم الربح والخسارة على قدر المالين سواء تساوى الشريكان في العمل أو تفاوتا فإذا دفع أحدهما مائة ودفع الآخر خمسين لزم أن يأخذ الثاني ثلث الربح فإن اشترط أقل من ذلك أو أكثر فسد العقد ويرجع كل واحد منهما بأجرة عمل مثله في ماله فإذا كانا متساوين في مال صاحبه مقابل عمل الآخر في ماله ويكون ذلك مفاوضة.
    الحنابلة - قالوا: تنقسم الشروط في الشركة إلى ثلاثة أقسام:
    الأول - شروط صحيحة لا يترتب عليها ضرر ولا يتوقف العقد عليها كما إذا اشترطا أن لا يبيعا إلا بكذا وأن يتجرا في مكان كذا أو أن لا يسافر بالمال ونحو ذلك فهذا كله صحيح لا ضرر فيه.
    الثاني - شروط فاسدة لا يقتضيها العقد كاشتراط عدم فسخ الشركة مدة سنة مثلاً أو أن يبيع بها.
    القسم الثالث: الشروط التي يتوقف عليها صحة العقد وهي أمور: منها أن يكون المالان معلومين للشريكين. ومنها حضور المالين بمال غائب أو في ذمة كالمضاربة. ومنها أن يشترطا لكل واحد جزءاً من الربح معلوماً مشاعاً كالنصف والثلث ونحوهما. ومنها غير ذلك الشروط التي تقدمت في المضاربة فارجع إليها.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #130
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الشركة]
    صـــــ 79 الى صــــــــ
    83
    الحلقة (130)

    [مبحث في تصرفات الشركاء في المال وغيره]
    -لكل واحد من الشركاء أن يتصرف باختلاف أنواع الشركة فأما تصرفهم في شركة؟؟ المذاهب (1)

    (1) الحنفية - قالوا حكم تصرف الشركاء باختلاف أنواع الشركة فأما تصرفهم في شركة المفاوضة فهو على قسمين:
    الأول: أن يتصرف كل منهم في مال الشركة.
    الثاني: أن يتصرف كل منهم فيما وقع من شريكه من التعاقد مع الغير فأما الأول فهو على وجوه:
    أن يكون لكل واحد الحق في أن يبيع بكثير الثمن وقليله إلا إذا كان في بيعه غبن كثير لا يقع بين الناس عادة فإنه لا يجوز أن يشتري إلا بما هو معروف عند الناس عادة وهل يصح له أن يبيع بعرض التجارة أو لابد من البيع بقيمة العرض والنفوذ خلاف.
    ومنها: أن لكل منهم أن يبيع لمن لا تقبل شهادته عليه كولد ما دام بغير غبن كثير.
    ومنها: أن لكل منهم أن يودع مال الشركة.
    ومنها: أن لكل منهم أن يبيع ويشتري بثمن مقبوض ومؤجل منهم أن يتعاقد عقد سلم بأن يشتري سلعة بثمن حال على أن يقبضها بعد مدة معينة أو بيع سلعة كذلك.
    ومنها: لكل منهم أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن أقل حالاً لينتفع بالمال الذي يقبضه. ومنها: لكل منهم أن يرهن مال الشركة مقابل
    دين عليه خاصة إلا أنه يضمن لشريكه القدر الذي يستحقه في المال المرهون وإن كانت قيمة المرهون أكثر من الدين الذي عليه فلا يضمن شيئاً وإذا رهن مالاً خاصاً به في مقابل دين على الشركة فإن شريكه يكون ضامناً لنصيبه من الدين فيرجع عليه به.
    ومنها أن لكل واحد منهم أن يهدي بالمأكول كالحم والخبز والقاكهة وله أن يولم بشرط أن لا يخرج عن العرف في ذلك أما الإهداء بغير المأكول كالذهب والفضة فإنه لا يجوز.
    ومنها: أن لكل منهم أن يسافر بالمال بدون إذن شريكه على الصحيح. ثم إن كان السفر بإذن شريكه كان له الحق في الإنفاق على نفسه في طعامه وإدامه وكرائه من رأس المال إن لم يربح فإن ربحت النفقة من الربح.
    ومنها: أن لكل منهم أن يدفع المال مضاربة كأن يعطي شخصاً مائة ليعمل فيها بجزء الربح وما بقي من الربح يكون بين الشركاء وله أن يأخذ مالاً مضاربة ليعمل فيه ولكن ربحه يكون خاصاً به.
    ومنها: أن لكل منهم أن يشارك الغير شركة عنان ببعض مال الشركة ويجوز عليه وعلى شركائه سواء كان ذلك بإذنه شريكه أو لا. وليس له أن يشارك الغير مفاوضة إلا بإذن شريكه ولا فرق فس ذلك بين أن يشارك قريباً كأبيه وابنه أو بعيداً.
    ومنها: أن لكل منهم أن يوكل وكيلاً ويدفع إليه بعض المال ويأمره أن ينفق على تجارة من مال الشركة فإذا عزل الشريك الآخر ذلك الوكيل فإنه ينعزل إذا كان وكيلاً في بيع أو شراء أو إجارة. اما إذا كان وكيلاً في تخليص دين باع به الشريك الموكل سلعة من تجارة الشركة فليس للشريك الآخر عزل الوكيل لأنه ليس لأحد الشركاء أن يقبض ما باع به واحد منهم أو يخاصم فيه بل الذي يفعل ذلك هو المباشر فقط ليس لغير المباشر أن يعزل الوكيل.
    ومنها: أن لكل منهم أن يعير من مال الشركة ولكل واحد من الشركاء أن يمنع صاحبه من عمل شيء من الأوجه التي تقدمت كلها فإذا نهاه عن فعل واحد في نصيب شريكه الذي نهاه عن السفر.
    وليس لواحد من الشركاء أن يقرض من مال الشركة بدون إذن صاحبه فإذا فعل ضمن نصيب شريكه ولا بفسد الشركة.
    القسم الثاني: تصرف أحد الشركاء فيما يقع من التعاقد مع الغير وهو وجوه أيضاً: منها أنه قال أحدهما في بيع باعه الآخر نفذت إقالته على الشركاء، مثلاً إذا باع أحدهم سلعة بمائة فطلب المشتري إقالته الشريك الذي لم يباشر بيعها نفذت إقالته ومثل السلم.
    ومنها أنه إذا باع أحد الشركاء سلعة بثمن مؤجل ثم مات فليس للشريك
    أن يطالب بغير ما يخصه فإذا كان له النصف ودفع المدين يرئت ذمته والورثة هم يطالبون بنصيب الميت.
    ومنها: أنه إذا باع أحدهم شيئاً ثم ذهب ثمن المشتري أو لأبرأه فإنه يجوز وعليه الضمان. ومنها أنه يجوز لأحد الشركاء أن يؤخر ديناً لهم
    عند الغير حل موعده وينفذ تأخيره على الجميع سواء كان المباشر لعقد منهم أن يطالب البائع بثمنها.
    ومنها: أنه أقر أحدهم نفذ إقراره على نفسه وعلى شركائه إلا إذا كان متهماً بالنسبة لمن أقر له بأن كان ممن لا تقبل عليه كأبيه وابنه.
    وأما الثاني: وهو التصرف في شركة العنان فهو على وجوه أيضاً. منها أن لكل واحد من الشريكين شركة عنان أن يوكل بالبيع والشراء والاستئجار وللآخر أن يعزل الوكيل من ذلك.
    أما إذا وكله بتقاضي دين فليس للآخر إخراجه كما تقدم في شركة المفاوضة وبعضهم يقول إن ذلك خاص بالمفاوضة. وما عدا ذلك فإن كل التصرفات الثابتة لشريك المفاوضة تثبت لشريك العنان وكل ما يمنع منه شريك العنان إلا أمور، منها أن شريك العنان لا يملك أن يشارك الغير بدون إذن شريكه فإذا اشترك اثنان شركة عنان فاشترك احدهما مع ثالث بدون شريكه الذي لم يشارك شيئاً كان ربحه خاصاً به.
    ومنها: أنه ليس لشريك العنان الذي لم يباشر البيع أن يرهن عيناً من مال الشركة رهن بدين على الشركة لم يجز وضمن العين المرهونة.
    وإذا ارتهن عيناً بدين لهما على الغير لم يجز لهما على شريكه فإن هلك الرهن في يده وكانت قيمته مساوية للدين فإن حصته تضيع ويرجع عليه ويرجع شريكه بحصته على المدين صاحب العين الموهونة على المرتهن بنصف قيمة الرهن ولشريكه أن يرجع بما يخصه مباشرة.
    أما الشريك المباشر للبيع فإنه يجوز له أن يرهن ويرتهن فإذا اشترى أحدهما عيناً بثمن مؤجل ورهن في مقابل الثمن من مال الشركة فإن له ذلك وينفذ على الشريكين.
    المالكية - قالوا: لأحد الشريكين (شركة مفاوضة) أن يتصرف فيما يأتي:
    أولاً: له أن يتبرع بشيء من مال الشركة ليؤلف الذين يروجون تجارته
    ويشبه ذلك ما ينفق على الإعلانلت في زماننا وكذا له أن يتصدق باليسير المعتادة بين الناس كإعارة آلة ونحو ذلك.
    ثانياً: له أن يعطي شخصاً مالاً من الشركة ليشتري له به بضاعة من بلد كذا وذلك يسمى إيضاعاً وهذان من حقوق الشريكين شركة عنان أيضاً على الإيضاع لا يصح إلا إذا كان مال الشركة واسعاً وإلا فلا يصح الإيضاع بدون إذن شريكه.
    ثالثاً: لأحد المتفاوضين أن يودع مال الشركة عند من يراه أميناً لعذر يقتضي الإيداع فإن أودع لغير عذر ضمن.
    رابعاً: له أن يشارك في جزء معين من مال شركة مفاوضة أو شركة عنان بحيث لا يكون للشريك الجديد إلا العمل في الخير الذي عينه فلو عمل في كل مال الشركة بدون إذن الشريك الأول فإنه لا يصح.
    خامساً: له أن يعطي بعض المال لشخص مضاربة إذا كان المال متسعاً يحتمل ذلك وإلا فلا يصح بدون إذن شريكه أيضاً.
    سادساً: له أن يقبل من سلعة باعها هو أو شريكه إن كان في ذلك فائدة للتجار وإلا فائدة للتجار وإلا لزمه للشريك قدر حصته.
    سابعاً: له أن يقبل السلعة التي يترتب سواء اشتراه هو أو شريكه بغير إذن شريكه. هكذا وإن لأحد الشريكين أن يفعل كل هذه الأمور من الأول إلى السابع وإن نهى شريكه عنها وامتنع من قبولها.
    ثامناً: له أن يقر بدين على الشركة ويؤخذ من مال الشركة ويلزم شريكه أن يدفع ما يخصه ولكن بشروط ثلاثة:
    أحدهما: أن يصدقه المقر له على ذلك فإذا كذبه فلا يلزم شريكه شيء.
    ثانيهما: أن يكون المقر له ليست بينه وبين المقر علاقة توجب اتهامه في إقراره كأبويه وابنه فإذا أقر فإنه لا يلزم شريكه ويكون مسؤولاً عنه المقر فقط.
    ثالثهما: أن يكون الإقرار لمن لا يتهم بالنسبة له حال قيام الشركة فإن أقر بعد فض الشركة وصدقه المقر له لزمه أن يدفع له نصيب الذي يخصه، ثم يعتبر شاهداً بالنسبة لنصيب شريكه ويحلف هو وصاحب الدين الذي أقر له وبعد ذلك يلزم الشريك أن يدفع ما يخصه.
    تاسعاً: له أن يبيع بالدين بغير إذن شريكه وليس له أن يشتري بالدين
    بغير إذنه فإن فعل خير شريكه بين القبول والرد وفي حالة الرد يكون الثمن على المشتري خاصة ولا فرق في ذلك بين أن تكون السلعة التي اشترها بالدين معينة بينهما بأن قالوا له اشتر السلعة الفلانية أو لم تكن معينة كأن قال له سلعة أعجبتك فاشتراها فإذا أذنه شريكه في شراء سلعة معينة بالدين فإنه يصح، أما يصح، أما أذنه فس شراء أي سلعة بالدين فإنه لا يصح لأنها تكون من باب شركة الذمم وهي ممنوعة عندهم كما تقدم.
    عاشراً: لأحد المتفاوضين أن يأخذ مالاً من شخص آخر غير شريكه ليتجر فيه مضاربة ويكون ربحه خاصاً به لا شيء منه لشريكه بشرط أن لا يشغله العمل فيه عن العمل للشركة الأولى وعليه خسارتها بلا دخل لشريكه إلا إذا علم شريكه بذلك ولم يمنعه فإنه يكون متضامناً معه في ربحها وخسارتها.
    الشافعية - قالوا: لكل سلعة بشرط الخيار ثم وجد من يرغب فيها بثمن زائد قبل انقضاء مدة الخيار فإنه يتعين عليه فسخ العقد وبيعها لازائد للمصلحة وليس لأحدهم أن يبيع بالدين ولا بنقد غير متداول ببلده أو ينقد أقل سعراً من نقده بلده لأن في ذلك ضراراً لمصلحة شركائه بغير ضرورة مالم يأذن له في ذلك كله شركاؤه فإذا أذنوا فعل ولا ضمان عليه وإلا فعليه الضمان، ثم إن كان قد باع بالدين أو بغير نقد البلد الذي يتعامل به فيها أو بغبن كثير لا يصح البيع شريكه ويضمنه بالتسليم، أما نصيبه هو فقيل يصح البيع فيه بناء على القول بجواز تجزأة العقد بأن يكون صحيحاً ببعض العين المبيعة وفاسداً في البعض الآخر ويسمى ذلك (تفريق الصفقة) وقيل لا يصح أيداً وكما لا يصح في نصيب الشريك بنلء على القول بعدم جواز ذلك وعلى الأول أن يكون المشتري شريكاً لأنه يملك نصيب الشريك الذي باع له، أما على الثاني فالبيع كله باطل وليس لأحد الشركاء أن يعطي شيئاً من مال الشركة ليشتري به بضاعة بدون أجر (ويسمى ذلك إبضاعاً) إلا بإذن شركائه.
    هذا وعقد الشركة جائز لكل من الشريكين فسخه متى شاء فلو فسخه الشريكان جميعاً انعزلا عن العمل.
    أما إذا عزل أحدهما صاحبه فإن عزله ينفذ ويبقى هو في العمل حتى يعزله صاحبه أيضاً وتفسخ الشركة بموت أحدهما وجنونه دائماً
    الحنابلة - قالوا: يجوز لأحد الشركاء أن يفعل الأمور التي تقدمت في المضاربة ويمتنع عليه ما يمتنع فيها فارجع إليها إن شئت.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #131
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 83 الى صــــــــ
    91
    الحلقة (131)

    [مبحث إذا ادعى أحد الشركاء تلف المال ونحو ذلك]
    -الأصل أن الشريك أمين بالمال والأمين ينبغي أن يصدق فيما يدعيه وذلك هو الأساس الأول الذي تحث شريعتنا المطهرة على إعتباره في عقد الشركة فمتى اختل ذلك الأساس فقد انهارت الشركة وفشل الشركاء
    في كل ما يقومون به من الأعمال صغيرا كان أو كبيرا ومن أجل ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان خرجت من بينهما". رواه أبو داود والحاكم صحيح الإسناد.ومعنى ذلك أن الله سبحانه لا يزال عونا للشريكين ما دام كل مهما أمينا على صاحبه لا يخونه في كثير منه ولا قليل فإذا سولت له شهوته الفاسدة أن يخون صاحبه رفع الله تلك المعونة. ومن يكن الإله عونا له لا بد أن ينجح في عمله ويفوز بأحسن ثمراته إن كان عاجلا وإن آجلا أما الذي لا يعينه خالفه فهو خاسر لا محالة ومعرض للهلاك في الدنيا والآخرة فالأمانة هي أس نجاح الشركاء والخيانة أس فشلهم وخسارتهم جميعا وذلك مشاهد محس لا يحتاج إلى دليل فإنك ترى كثيرا من الشركات لا تلبث أن تنمحي آثارها رغما من مساعدة الظروف إياها بينما الشركات التي أقل منها مالا وأتعس حالا تستمر وتنمو وما ذلك لحرص الشركاء على تفيذ شروطهم كاملة وتمسكهم بالمانة في كل شأن من شؤونهم وبعدهم عن الخيانة في جميع الأحوال.
    وإن ادعى كان كذلك فكل ما يدعيه أحد الشركاء من خسارة وربح ونحو ذلك يصدق فيه على تفصيل في المذاهب (1)
    [مباحث الإجارة]
    [تعريفها وأركانها وأقسامها]
    -الإجارة في اللغة بكسر الهموة وضمنها وفتحها والكسر أشهرها وهي مصدر سماعي لفعل أجر على وزان ضرب وقتل فمضارعها يأجر وأجر بكسر الجيم وضمها ومعناها الجزاء على العمل.
    وقال:
    بعضهم إنها ليست مصدرا سماعيا أيضا لأن المصدر القياسي لفعل أجر كضرب الأجر بمعنى الثواب والجزاء الحسن ولم يسمع أن الإجاوة مصدر له بل هي اسم لما يعطي من الأجرة وأن الذي ينبغي تعريفه فيما ياتي هو الإيجار وهو مصدر آخر بالمد يؤجر وأصله أأجر على وزان أكرم واسم الفاعل منه كمكرم ولكن الصحيح أن الإجارة مصدر سماعي أيضا لفعل أجر كما ذكر أولا فكما أن الإيجار مصدر قياسي لآجر كأكرم فكذلك الإجارة مصدر سماعي لأجر كضرب كما أنها اسم للاجرة وهي ما يعطي من كراء الأجير وياتي آجر أن يستعمل في لإجارة الدار ونحوهما مما لا يتصور فيه ذذلك من أن تكون آجرت على وزان أفعل كأكرم ثم إنه في هذه الحالة يتعدى إلى مفعولين تقول آجرت محمدا الدار أما آجر على وزان فاعل فإنه لازم غير متعد ومنه مؤاجرة الأجير تقول آجرت مؤاجرة على أنه إذا قال آجرت الأجير ولم يقل مؤاجرة فإنه يصح أن يحمل الفعل على وزان كأكرم ويتعين في هذه الحالة أن يكون مصدره الإيجار ويصح أن يحمل على وزان فاعل ويكون مصدره الفعال والمفاعلة فيقال أجره إيجارا ومؤاجرة. وأما معناها في الشرع ففيه تفصيل في المذاهب (2) .

    (1) (الحنفية - قالوا: كل ما يدعيه أحد الشركاء في مقدار الربح والخسران وفقد المال والدفع لشريكه فإنه يصدق في قوله بعد أن يحلف اليمين حتى ولو ادعى أنه دفع ما يخص شريكه بعد موته فإن القول بيمينه ألا ترى أن من وكل شخصا في أن يقبض وديعة له عند آخر ثم مات الموكل فادعى الوكيل أنه قبضها قبل أن يموت الموكل وهلكت في يده قبل أن يعطيها له وهو أمين لا ضمان عليه فإنه يصدق ولو أنكرت الورثة وكذلك إذا قال دفعها إليه فإنه يصدق أما إذا وكله في قبض دين ثم مات الموكل وادعى الوكيل تلك الدعوى فإنه لا يصدق ولا تبرأ ذمة المديون بذلك.
    وذلك لأن شاغل الدين لذمة المدين فإذا دفعه لصاحبه فقد شغل ذمته به فثبت للمديون الدائن مثل ما ثبت للدائن في ذمته فتقابل كل مهما بالآخر قصاصا وهذا هو معنى قولهم إن الديون تقتضي بامثالها. وهي ذلك تضمين للميت وإيجاب الضمان على الغير لا يصدق فيه الوكيل وإنما يصدق في نفي الضمان عن نفسه. ولهذا لا يضمن الوكيل الدين ولا يرجع عليه المديون بشيء وبالجملة فالوكيل إذا ادعى أمرا فيه نفي الضمان عن نفسه صدق أما إذا ادعى ما فيه إيجاب الضمان على الغير فإنه لا يصدق.
    ويضمن الشريك بالتعدي لأن الأمين إذا تعدى ضمن كما يضمن بموته من غير أن يبين نصيب شريكه فإذا اشترك اثنان وباع أحدهما تجارة بالدين ولم يبين نصيب شريكه قبل موته فإن على الورثة دفع نصيبه ولو ضاع عند المدين أما إذا بينه فلا ضمان. وإذا نهى أحد الشركاء شريكه عن البيع بالدين فباع نصيب البائع ووقع موقوفا في حصة شريكه فإن أجاره فالربح بينهما وإن لم يجزه فالبيع في حصته باطل وحكم ما إذا نهاه عن السفر فلم يمتثل حكم المضارب الذي يفعل ذلك وقد تقدم.
    الشافعية - قالوا: الشريك أمين مال الشركة فكل ما يدعيه أحد الشريكين
    في الربح والخسران ورد بعض المال فإنه يصدق فيه. وأما إذا ادعى
    المال ففيه تفصيل وذلك لأنه إذا ادعى تلفه بدون أن يعرف له سببا
    أو بسبب خفي كالسرقة فإنه يصدق بلا يمين.
    أما إذا ادعى تلفه بسبب ظاهر كالحريق فإنه لا يصدق إلا أقام البينة على حصول الحريق وأن مال التجارة حرق به.
    وأما إذا عرف أحد الشريكين بأنه اشترى هذه الشلعة للشركة وادعى الآخر بأنه اشتراها لنفسه لما فيها من زيادة في الثمن أو العكس صدقمن كان المال في يده. وإذا ادعى من في يده المال انهما اقتسماه وما في يده خاص به وأنكر شريكه فالقول في هذه الحالة للمنكر لأن الأصل عدم القسمة
    المالكية - قالوا: إذا ادعى أحد الشركاء التلف لمال الشركة بآفة سماوية أو خسر بالعمل فيه تجارة وأنكر شريكه عليه ذلك وادعى عليه أنه أخفاه ولم يحصل تلف ولا خسارة فلا يخلو إما أن تقوم القرائن على كذبة على كذبة في دعواه التلف والخسر كأن يكون مع جماعة لا يخفى عليهم التلف ولم يسمعوا عنه. أو تكون السلعة رابحة لا يمكن أن تخسر أو لا تقوم القرائن على ذلك.
    وعلى كل حال فالقول للمنكر. ثم إن قامت القرائن على كذب المدعي ضمن المال، وإن لم تقم القرائن حيث لا بينه ولا دليل فإنه يحلف على أنه حصل الخسار والتلف.
    وإذا ادعى أحدهما أن له ثلثي المال وادعى الآخر أن لكل واحد نصفه فالقول لمن ادعى النصف فيقسم بينهما نصفين بعد حلفهما وبعضهم يقول إنه يعطي لمدعى الثلثين النصف ولمدعي النصف الثلث ويقسم السدس التنازع بين أكثر من اثنين قسم المال بحسب الرؤوس.
    وإذا ادعى أحد الشريكين على شيء رآه بيد شريكه أنه مال الشركة فأنكر الآخر ذلك وقال إنه خاص بي فإن ذلك يحتمل أمرين:
    الأول أن تقوم بينه على أنهما يتصرفان تصرف شركاء المفاوضة أو لأنهما أقرا بالمفاوضة أو أن الشركة قد وقعت يدهما ولا بينه للمنكر.
    الثاني: أن ياتي المنكر بينه تشهد بأن هذا المال قد ورثة المنكر أو وهب له أو نحو ذلك وفي هذه الحالة يكون المال للمنكر خاصة سواء شهدت بانه جاءهه قبل ولم يدخل فيها أو قالت إنها لا تعلم إن كانت المفاوضة قبله أو هو قبلها.
    أما إذا قالت إن الشركة قبل المال ولم تشهد بعدم دخوله فيها فإنه يكون للشركة.
    الحنابلة - قالوا: الشريك بالنسبة أمين لأنه كالوكيل فالقول في رأس المال وفي قدر الربح أو لم يربح وفيما يدعيه من هلاك إلا إذا كان للآخر بينة تشهد خلاف ذلك وإن ادعى التلف بسبب ظاهر كتلف بينة تشهد به ثم حلف أنه تلف به والقول فيما اشتراه لنفسه أو للشركة ونحو ذلك) .
    (2) (الحنفية - قالوا: الإجارة عقد يفيد تكليك منفعة معلومة مقصودة من العين المستأجرة بعوض.
    فقولهم عقد معناه إيجاب وقبول ولا يلزم أن يكون لفظا وذلك كما استأجر شخص دارا من آخر لمدة سنة فلما انقضت المدة طلب منه صاحب الدار إخلاءها وإن لم يفعل عليه اليوم بكذا فشرع في إخلاءها ولم يتمكن من الإخلاء إلا في مسافة فإن عليه أجر المثل في تلك المسافة فالإجارة منعقدة فيها بدون لفظ كما سياتي.
    وقولهم يفيد تمليك منفعة خرج به البيع والهبة والصدقة لأن العقد تمليك الذات لا تمليك المنفعة.
    أما عقد النكاح فقد قال بعضهم إنه يفيد ملك الذات في حق الاستمتاع بمعنى أنه يفيد ملك البضع الذي يستمتع به وقال بعضهم إنه يفيد بالبضع وبسائر أجزاء بدنها بمعنى أن الزوج يختص بالاستمتاع بذلك دون سواه وكلا القولين قريب من الآخر لأن الذي قال إن الزوج يملك الذات لا يملك بذلك أنه يملك الذات ملكا حقيقيا كملك الإماء وإنما أراد أن
    الاستمتاع ويختص به دون غيره ولذا عرفوه بأنه عقد على ملك المتعة أي يفيد ملك المتعة ومعنى الملك الاختصاص ويلزم منه حل الاستمتاع طبعا وعلى كل حال فعقد النكاح خارج أما على الأول فإنه تمليك للذات ظاهرا.
    وأما عقد الإجارة فهو تمليك للمنفعة ظاهرا وباطنا وأما على الثاني فإن عقد النكاح ليس تمليكا لمنفعة البضع ولإنما هو تمليك لالانتفاع وفرق بين الأمرين لأن الذي يملك المنفعة يملك كل ما يجيء منها وهنا ليس كذلك ألا ترى أن المرأة المتزوجة إذا نكحها آخر بشبهة كأن اعتقد أنها خالية من الأزواج فعقد عليها فإن النكاح يكون فاسدا وعليه مهر المثل.
    أما الذي ينكح منكوحة الغير وهو يعلم أنه يعلم فإنه يحد وبلزمه مهر المثل أيضا ولا يأخذه زوجها بل تملكه هي فلو كان الزوج يملك منافع البضع لاستحق مهرها. وهذا بخلاف ما لو عقد أحد على جارية الآخر فإن مهرها الذي يجب لها عنده يملكه سيدها لأنه يملك بضعها ملكا حقيقيا كما يملك كل منافعه.
    وقولهم (معلومة) خرج به الإجارة الفاسدة بسبب الإبهام الموجب للمنازعة كأن لم تتبين مدة الإجارة أو لم تحدد المنفعة التي تحتاج إلى التحديد فإن المعروف وإنما هو الإجارة الصحيحة التي يتعلق بها غرض الشرع. وقولهم (مقصودة من العين المستأجرة) معناه أن منفعة الإجارة
    ينبغي أن تكون منفعة معتبرة في نظر الشرع والعقل خرج به ما إذا استأجر شيئا لغرض غير صحيح في نظر الشرع والعقل كما استأجر فرسا بضعة أيام ليقال إنه راكبي الخيل أو استأجر ثوبا ليوهم الناس أنه من العظماء يلبسه أو استأجر دارا ولم يسكنها ليقال إنه ثري قادر على دفع الإجارة ونحو ذلك من الأمور الصبيانية التي لا تكون لها قيمة في نظر الرجال وإن كانت مقصودة لصغار العقول فالمراد بقولهم مقصودة إنما هو القصد المعتبر في نظر الشرع والعقل لا مجرد القصد فإذا وقع شيء من ذلك كانت الإجارة فاسد ولا يلوم المستأجر أجرتها وإن استعملها.
    أما إذا كانت الإجارة فاسدة بسبب الإبهام وكان الغرض من الاستئجار صحيحا فإن الأجرة تلزم المستأجر بالاستعمال.
    وأما ركن الإجارة فهو الإيجاب والقبول لما عرفت كما تقدم أن المراد بالركن ما كان داخلا في الماهية العقد هي الصفة التي يتحقق بها وما عدا مما تتوقف عليه كالعاقد والمعقود عليه فإنه شرط لتتحقق الماهية.
    وتنعقد الإجارة بلفظ، وبغير لفظ، وهو المعاطاة، فأما الأول فإنه يشترط فيه أن يكون لفظا ماضيا من العاقدين بأن يقول أحدهما أجرت هذه الدار أو أجرتها بالقصر والمد، كما تقدم فيقول الآخر قبلت أو استأجرت. هذه الدار فقال له الآخر أجرت وكما تنعقد بلفظ إجارة فإنها كذلك تنعقد بلفظ الهبة والصلح كأن يقول أحدهما وهبتك منافع هذه الدار سنة بكذا أو شهرا فيقول الآخر قبلت. وكذا قال له صالحتك على منفعة هذه الدار سنة بكذا وقال قبلت فإن ذلك يكون إجارة وتنعقد أيضا بلفظ الإعارة لأن العارية بعوض إجارة فلو قال اعرتك منفعة هذه الدار شهرا بجنيهين فإنها تكون إجارة أما إذا قال له أجرتك منافع هذه الدار شهرا بلا عوض فإنها لا تكون إعارة بل إجارة فاسدة فإذا استعملها بعد ذلك يلزم باجرة مثلها.
    وأما الثاني وهو المعطاة فإن الإجارة تنعقد به في المدة القصيرة والأجور الصغيرة التي تحدث بين الناس عادة من غير كركوب السفينة ودخول الحمام والحلاقة ونحو ذلك فإنه يجوز أن بقع ذلك بدون عقد إجارة صحيحة وأما المدة الطويلة فإن الإجارة تنعقد فيها بالمعاطاة متى كانت الأجرة من سنة لأخرى فقد ترتفع وقد تنخفض وذلك موجب للنزاع.
    ومن أمثلة الإجارة التي تنعقد بدون لفظ أن يسكن أحدهما في دار بأجرة معلومة مدة معينة حتى إذا لنتهت المدة استمر ساكنا وسكت صاحبها واستلم منه بعض الأجرة فإن تنعقد بذلك سنة أخرى ويجب الأجر بدون عقد ومنه المثال الذي تقدم في التعريف.
    (وأما أقسامها) فإنها تنقسم إلى قسمين: قسم يرد على منافع الأعيان كاستئجار الأراضي والدواب والثياب وما أشبه ذلك فغن عقد الإجارة لهذه الأشياء وارد على منفعتها إذ الغرض من تأجير الأراضي الانتفاع بزرعها ومن تأجير الأواني والثياب الانتفاع باستعمالها فالعقد فيها متعلق بمنفعتها.
    وقسم يرد على نفس العمل كاستئجار أرباب المهن على الأعمال التي يقومون به من الأعمال. أما المنافع المترتبة على أعمالهم آخر خارج التعاقد.
    المالكية - قالوا: الإجارة والكراء معناها واحد إلا أنهم اصطلحوا على تسمية التعاقد على منفعة الأدمي وبعض المنقولات كالأثاث والثياب والأواني ونحو ذلك إجارة وعلى تسمية البعض الآخر وهي السفن والحيوان خاصة كراء مع كونهما من المنقولات. ومثل السفن والحيوان جميع الأشياء الثابتة كالدور والأراضي وغيرهما فإن العقد على منافعها يسمى كراء على أنهم قد يستعملون الكراء في معنى الإجارة وبالعكس في بعض الأحيان.
    وعلى كل حال فهم قد عرفوا الإجارة بانها عقد يفيد تمليك منافع شيء معلومة بعوض غير ناشيء عن المنفعة.
    ومثلها الكراء فإنهم قد عرفوه بهذا التعريف أيضا لما عرفت الإجارة والكراء واحد وإنما الاختلاف في التسمية.
    فقولهم تمليك يشمل العقود التمليك من إجارة وبيع، وهبة وصدقة، ونكاح، وجعل، ومضاربة، ومساقاة، فإنها تفيد أيضا تمليك الأمة المحللة وهي المستعارة التي يعقد عليها مستعيرها ليحلل نكاحها.
    وقولهم منافع شيء خرج به البيع والهبة والصدقلة بالشيء ما يصح أن تستأجر منفعةته سواء كان آدميا أو حيوانا أو ثيابا أو أواني أو غيرهما تقدم قريبا.
    وكذلك يخرج به عقد النكاح لأنه لا يفيد منفعته البضع وإنما يفيد تمليك الانتفاع ولا يلزم من تمليك الانتفاع تمليك المنافع كما في المنكوحة بشبهة ولها زوج فإن المهر الذي يجب لها تأخذه هي لا الزوج، كما تقدم عند الحنفية.
    وقولهم منفعة مباحة خرج به تمليك منفعة الأمة المحللة التي ذكرت فإن العقد عليها لا يسمى إجارة لأن منفعتها المقصودة من العقد - وهي الوطء - غير مباحة. وقولهم معلومة خرج به الجعل كما إذا جعل شخص قدرا من المال الآخر في نظير أن يحضر له خيله الضالة فغن المدة غير معلومة. وقولهم غير ناشيء عن المنفعة فغن العامل يدفع للمالك اجرة أو شجرة من الثمرة كما تقدم.
    أما أركانها فهي ثلاثة: العاقد المؤجر والمستاجر، والمعقود عليه وهو الأجر والمنفعة، والصيغة وهي اللفظ الذي يدل على تمليك المنفعة بعوض أو ما يقوم في تلك الدلالة. وأما أقسامها فسيأتي بيانها في الشروط.
    الشافعية - قالوا: الإجارة عقد منفعة مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم. فقولهم عقد معناه الإيجاب والقبول وهو الصيغة والعقد لا بد من عاقد. وقولهم على منفعة هي المعقود عقد كمنفعة الدار التي يستأجرها للسكنى أو الأرض التي يستأجرها ينتفع بزرعها وهكذا.
    وقولهم بعوض هو المعقود الذي يدفعه الطرف الثاني وهو بمنزلة الثمن في البيع فقد اشتمل هذا التعريف على اركان الإجارة وهي ثلاثة إجمالا ستة تفصيلا: عاقد وتحته أمران أيضا أجرة ومنفعة وصيغة وتحتها أمر ان إيجاب وقبول. وخرج بقولهم معلومة الجعالة فإن العقد فيها على منفعة مجهولة كما مجققة بل مجهولة، وخرج بقولهم مقصودة المنفعة التافهة التي لا قيمة كاستئجار تفاحة لشمها ونحو ذلك مما ياتي.
    وقولهم قابلة للبذل خرج العقد على منفعة غير قابلة للبذل هو عقد على منفعة البضع وهذه المنفعة لا يصح بذلها لغير العاقد على أن عقد النكاح ليس داخلا في الحقيقة في قولهم عقد منغعة وذلك لأن الذي يستحقه الزوج هو الانتفاع بالبضع أما منفعته فلا يملكها بالعقد والدليلي على ذلك أن المراد إذا وطئت بشبهة وهي متزوجة فإنها تستحق المهر وتأخذه هي لا الزوج فمتة البضع في ذاتها ليست للزوج إنما له أن ينتفع.
    وقولهم قابلة للغجارة خرج به غجارة الإماء للوطء فغن منفعتهن وهي الاستمتاع بهن لا تحل بالأجرة. وقولهم بعوض خرج به الإعارة لأن الذي يستعير شيئا يأخذه عوض.
    وقولهم معلوم خرج به المساقاة لأنها بعوض غير معلوم إذ لا يمكن معرفة مقدار ما ينتج وإن كان لا بد من معرفة قدره من الثلث ونحوه.
    واما أقسامها فسيأتي بيانها في الشروط وهي اثنان عين وإجارة ذمة.
    الحنابلة - قالوا: الإجارة عقد على منفعة مباحة معلومة تؤخذ شيئا فشيئا مدة معلومة بعوض معلوم فالمعقود عليه هو المنفعة لا العين لأن المنفعة هي التي تستوفى والأجر في مقابلها ولهذا تضمن دون العين. وإنما يضاف العقد إلى العين باعتبار أنه محل المنفعة ومنشؤها.
    ومما تقدم في المذاهب الأخرى تعرف العقود التي خرجت عن التعريف كالبيع والهبة والصدقة ونحو ذلك مما يكون العقد فيها العين لا على المنفعة، وكذلك العقود على ما لا يباح ونحو ذلك.
    وأركانها كأركان البيع: عاقد ومعقود عليه وصيغة ثم إن العاقد يشمل المؤجر والمستأجر والمعقود عليه يشمل الأجر والمنفعة والصيغة تشمل الإيجاب القبول كما هو رأي الشافعية والمالكية في الأركان. وتقدم لك في البيع أن الحنفية يقولون إن الركن هو الصيغة وهو اصطلاح. فاما الصيغة فتنعقد بأي لفظ يعرف بما يوجب الريبة والنزاع لأن الشارع لم يعين ألفاظ العقود ولم يحدها بل جعلها مطلقة ليستعمل الناس منها ما يدل على غرضهم ويحدد المعنى الذي يقصدونه فتنعقد بلفظ الإجارة سواء أضافها إلى العين كما يقول آجرتك هذه الدار أوأضافها إلى المنفعة كما تقول أجرتك منفعة هذه الدار. وتنعقد بلفظ الملك مضافا للمفعة أيضا كأن يقول بعتك منفعة هذه الدار أو بعتك سكنى الدار وهي قسمان:
    الأول: أن يكون العقد واردا على منفعة عين معينة كأن يقول شخص لآخر أجرتك هذا البعير أو هذه الدار أو واردا على منفعة عين موصوفة في الذمة كآجرتك بعيرا صفته كذا.
    القسم الثاني: ان يكون العقد واردا على معلوم كأن يقول سخص لآخر استأجرتك لتبني لي هذه الحائط أو لتعمل لي هذا الصندوق أو نحو ذلك من التعاقد مع أرباب المهن فغن العقد فيها وارد على أعمالهم وإن كان المعقود عليه هو العمل والمنفعة تأتي تبعا كما في عقد المساقاة فإنه يضاف إلى البستان بالثمرة تأتي كما تقدم) .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #132
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 91 الى صــــــــ
    105
    الحلقة (132)

    [شروط الإجارة]
    -للإجارة شروط مفصلة في المذاهب (1) .



    (1) (الحنفية - قالوا: تنقسم شروط الإجارة إلى أربعة أقسام كشروط البيع:
    الأول: شروط الانعقاد فلا تنعقد الإجارة أصلا إلا إذا تحققت هذه الشروط.
    الثاني: شروط الصحة فلا تصح إلا بها وإن كانت تنعقد هذه بدونها.
    الثالث: شروط اللزوم فلا تلزم إلا بها.
    الرابع: شروط النفاذ فلا تنعقد إلا بها.
    فأما شروط الانعقاد فهي أمور: منها العقل فلا تنعقد إجارة المجنون والصبي الذي لا يميز أما الصبي المميز فإن مأذونا تنعقد موقوفة على إذن الوالي فلا اتنعقد إلا إذا أجازها، فإذا كان مأذونا أجر الصبي المميز المحجور عليه نفسه وعمل عملا وسلمه فإنه يستحق أجره لنفسه.
    ومثل الصبي المميز في ذلك العبد إلا أن تكون أجرته لسيده وإذا أصاب الصبي ضررا أثناء عمله الذي استؤجر له فإن المستأجر يكون مسؤولا عنه وعليه الضمان فإذا قتل الصبي خطا كأن وقعت عليه حائط يعمل فيها كانت ديته على عائلة المستأجر وعلى المستأجر الأجر الذي استحقه المقتول وإذا أصيب بشيء من الضرر كان على المستأجر التعويض.
    وأما شرائط الصيغة فمنها رضا المتعاقدين فلا يصح إجارة المكره والمخطئ والناس وإن كانت تنعقد وتنفذ إلا أنها إجارة فاسدة حكمها أن فيها أجر المثل بعد الاستعمال وهذا الشرط وما قبله متعلق بالعاقد.
    ومنها أن يكون الشيء المستأجر مقدورا على تسليمه فلا يصح إجارة حيوان ضال غير مقدور عليه كما لا تصح إجارة شخص على عمل معصية لأنه كان مقدورا عليه بالفعل ولكن في حكم غير المقدور عليه من جهة الشرع لأن الممنوع شرعا في حكم الممتنع حقيقة.
    ومها أن لا يكون العمل المستأجر له فرضا ولا واجبا على الأجير قبل الإجارة فلا تصح الإجارة على الحج.
    أما الأجرة على الطاعات الأخرى كالإمامة والأذان فبيننا عليها في مبحث ما يجوز اسئجاره وما لا يجوز.
    ومنها أن تكون المنفعة لها قيمة مقصودة عند العقلاء كما تقدم. ومنها أن تكون الأجرة معلومة وتنقسم الأجرة إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: النقود كالجنيهات والقروش ونحوهما ويشترط في النقود بيان قدرها كعشرة حنيهات مثلا وبيان صفتها كجيدة أو مخلوط فإذا لم يكن في البلد إلا نقد واحد لا يتعامل إلا به يتصرف التعاقد إليه وإن لم ينص عليه في العقد فإذا لم ينص عليه في العقد فإذا لم يبين القدر والرصف عند اختلاف النقد فسد العقد ولا يشترط في النقد بيان الأجل فيصح تأجيله وتعجيله إذا كان مؤجلا يكون دينا كالثمن.
    الثاني: المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة في المقدار فإنها تصلح ثمنا في البيع وكل ما صلح أجرا ويشترط فيها أيضا بيان والصفة والأجل فينص في العقد على أنه استأجر كذا بعشر أرادب من القمح أو السمن البلدي ونحو ذلك - تدفع حالا ومؤجلا - ثم كانت الأجرة تحتاج إلى نقل يستلزم نفقات كما إذا استأجر أرضا زراعية مدة بعشرين إردبا من الفول فإنه يشترط أن يبين الموضع الذي يستلزم فيه المؤجر أجرته وإلا فسدت الإجارة فإذا لم يكن نفقه فلا يشترط ذلك ولمؤجر أن يسلم كيف شاء وبعضهم يقول لا تفسد بعدم بيان الموضع.
    الثالث: أن تكون الأجرة حيوانا، إذا استأجر شخص آخر ليخمه سنة بجمل أو بقرق ويشترط في ذلك أن يكون معينا مشارا إليه كهذا الجمل أو هذه البقرة فإذا لم يكن كذلك فسد العقد.
    الرابع: أن تكون الأجرة عروض تجارة كالثياب من التان الجيد تدفع عاجلا أو آجلا فإذا لم يبين ذلك فسد العقد لأن عروض التجارة لا تكون دينا في الذمة إلا سلما فيشترط فيها ما يشترط في السلم والإشارة إلى عروض التجارة وإلى المكيلات وما معها تغني عن بيان ذلك.
    ولا يشترط في الأجرة أن تدفع آجلا عند الحنفية على أي حال سواء أكانت عينا غير دين كهذا الحيوان الحاضر أم كانت دينا موصوفا في الذمة وذلك لأن العقد وقع على المنفعة وهي تحصبل شيئا فشيئا بدل عن المنفعة مقابلة لها وحيث لم يمكن استيفاء المنفعة حالا فإن بدلها لم يلزم حالا وإنما يلزم أذا استوفى المستأجر المنفعة.
    نعم تملك بتعجيلها فعلا فإذا وقع المستأجر عاجلا (مقدمة) فإن المؤجر يملكها وليس للمستأجر استردادها.
    وكذلك تملك بشرط التعجيل في الإجارة المنجزة فإذا استاجر شخص من آخر دارا للسكنى ابتداء من يوم العقد وشروط المؤجر أن تدفع الأجرة عاجلا مقدما كما هو الحاصل الآن في عقود الإجارة فإنه يصح وللمؤجر أن يمنعه أن يمنعه من السكنى إذا لم يدفع الأجرة وله أن يفسخ العقد
    كذلك وقد يقال إن هذا الشرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة أحد العاقدين دون الآخر فكيف يصح والجواب أن الأجر بمنزلة الثمن والأصل فيه أن يكون والأصل فيه أن يكون معجلا فإذا أسقط البائع حقه في التعجيل ورضي بتأجيله لزمه ذلك وكذلك حتى خيار العيب في المبيع ثابت فإذا لزمه فما من هذا القبيل فإن من حق المستأجر أن لا يدفع الأجرة إلا بعد أن يستوفي المنفعة فإذا أسقط هذا الحق لزمه.
    أما الإجارة غير المنجزة كما إذا استأجر شخص من آخر زراعية أو دارا للسكنى يعد تاريخ العقد بيوم فأكثر فإن شرط تعجيل الجرة لا يستلزم ملكها وللمستأجر أن يمنع عن دفعها وليس للمؤجر أن يمنع عنه العين المؤجرة أو يفسخ العقد إذا حل موعده الإجارة.
    أما قبل حلول موعد الإجارة بطل العقد وله فسخ كذلك وذلك لأن الإجارة غير المنجزة (ويعبر عنها بالمضافة للزمن المستقبل) غير لاومة على المفتى به. ومحصل ذلك أن الأجرة تملك بأربعة أمور:
    أحدهما الحصول على المنفعة كاملة. ثانيهما دفع الجرة بالفعل. ثالثهما شرط التعجيل إذا كانت الإجارة منجزة لا مضافة. رايعها التمكن من الحصول على المنفعة وإن لم يحصل عليها فعلا.
    فإذا استأجر شخص دارا مدة معينة ولم يستعملها في تلك المدة مع تمكينه من الاستعمال فغن الأجرة تلزمه أما إذا منعه مانع من استعمالها كأن حال بينه وبين سكانها سخص وضع يده عليها غصبا فإنه لا يلزم بأجرتها.
    ومثل ذلك ما إذا استأجر أرضا ليزرعها فأغرقها الماء أو انقطع عنها الماء الذي تسقى به فإنه لا يلزم بأجرتها. وهل تفسخ الإجارة في هذه الحالة أو لا؟ قولان.
    وإذا طالب الصانع أو المالك بأجرته قبل استفياء المنفعة بتمامها فإنه يجاب إلى طلبه فيعطي من الأجرة بنسبة ماقام به من العمل أو بنسبة الأيام التي سكنها بشرط أن يسلمه فإذا خاط له بنسبة خاط له بنسبة ما خاطه ومثل ذلك ما يقع من (المنجدين) الذي ينجدونه الفرش في البيوت فإنهم يأخذون بنسبة ما يعملون من أجرهم لأن لالأعيان التي يستعملونها فيها تحت يد مالكها فهي مسلمة له واما إذا كانت في محل الصناع ولم تسلم لأصحابها أنهم لا يستحقون أجرا إلا بعد إتمامها وبعضهم يقول لا يستحقون عليها أجرا مطلقا بعد تمامها.
    ومن شروط صحة الإجارة أن لا تكون الأجرة منفعة من جنس المعقود عليه فلا تصح إجارة سكنى الدار بسكنى دار أخرى ولا خدمة رجل بخدمة رجل آخر.
    أما إذا اختلفت المنفعة فإنه يصح كمال استأجر السكنى في زريبة بركوب دابته أو استأجر دارا بخدمة جماله أو نحو ذلك. وذلك لأن اتحاد الجنس لا يصح فيه تأجيل القبض وقد عرفت أن المنفعة تحدث شيئا فهي مؤجلة طبعا.
    اما اختلاف الجنس فإنه يصح معه تأجيل القبض أعطى لجاره بقرة يحرث عليها وأخذ منه جماره أو فرسه إذا اغطاه ثوره وأخذ منه ثورا آخر فإنه لا يصح لاتحاد المنفعة فإذا وقع ذلك كان لكل منها أجر مثله بعد استعمال.
    ومنها: خلو العقد عن الشروط لا يقتضيه ولا يلائمه كسائر العقود.
    ومنها: أن تكون المنفعة معلومة علما يمنع المنازعة والخصام وتعلم المنفعة بأمور:
    أولا: بيان المدة لأنها إذا كانت معلومة كان قدر المنفعة معلوما لأن من يؤجر منزلا للسكنى فيه سنة كانت المنفعة محدودة بتلك السنة وكذلك من يستأجر أرضا زراعية مدة معينة فغن منفعتها تكون معلومة بتحديد تلك المدة وليس للمدة حد في الملك فللمالك أن يؤجر أرضه مدة طويلة ولو كانا لا يعيشان لمثلهما على المعتمد.
    أما في الوقف فلا تصح إجارة الأراضي أكثر من ثلاث سنين والمساكن والحوانيت (الدكاكين) ونحوهما أكثر من سنة إلا إذا كانت المصلحة تقتضي بتأجير الوقف أكثر من ذلك فإن للقاضي في هذه الحالة أن يؤجرها أكثر من ذلك، وليس للناظر أن يفعل ذلك بدون إذن القاضي إلا إذا نص الواقف على جواز تأجيرها أكثر من هذه المدة إذا كان منفعة فإذا قال الواقف مثلا لا يجوز تاجير هذا المنزل أكثر من سنة إلا إذا كان في تاجيره مصلحة للفقراء الموقوف عليهم فإن لللناظر أن يؤجر أكثر من سنة بناء على هذا الشرط.
    ومحل عدم جواز تأجير الرقف أكثر من تلك المدة إذا كان المدة إذا كان المؤجر غير الواقف، أما الواقف فله أن يزيد على هذه المدة كما يحب.
    وقد ذكروا لجواز تأجير الواقف أكثر منة هذه المدة حيلة - وهي أن تجعل عقودا منعددة مترادفة كل عقد سنة في غير الأراضي وثلاث سنين في الأراضي، ثم ينص على أنه استأجر دارا كذا عشر سنين مثلا لكل سنة عقد. أو أرض كذا تسع سنين من غير أن يكون بعضهما شرطا في بعض.
    والغرض من هذه الحيلة أن يكون العقد الأول هو الازم لأنه منجز.
    أما العقد الثاني وما بعده فهي عقود لأنها وقعت قبل حلول موعدها بسنة أو ثلاث سنين، وقد عرفت أن العقد المضاف غير لازم فيصبح للناظر فسخه إذا رأى ما يضر بالوقف لأن الإجارة الطويلة منعت في الوقف خوفا من ادعاء الملك فيه بوضع اليد فإذا كانت العقود متعددة وكان لكل عقد مدة خاصة كان الازم منها هو الأول والباقي غير لازم فلا خوف على الوقف حينئذ وقد يزيدون على هذا بان تجعل المدة الأولى باجرة مرتفعة ارتفاعا كثيرا وباقيها بأجرة يسيرة حتى إذا فسخ المستأجر العقد لم يجحف بالوقف. ولكن الصحيح أن إجارة الوقف لا تصح من الناظر أكثر من المدة التي ذكرت سواء أكانت بعقد واحد أم بعقود متعددة وإذا فعلها الناظر أكثر من المدة التي ذكرت سواء أكانت بعقد واحد أم بعقود متعددة وإذا فعلها الناظر وقعت فاسدة وتفسخ في كل المدة لأن العقد إذا فسد في بعضه فسد في كله على الصحيح.
    وقد عرفت أنه إذا اقتضت المصلحة الزيادة في مدة إجارة الوقف فإن للقاضي أن يزيد فيها بحسب تلك المصلحة ولا بد من بيان المدة أيضا في الآدمية المرضعة ويقال لها الظئر على أنه لا يشترط بيان ما يعمل في المنازل من أوجه الاستعمال إنما يشترط ذلك في إجارة الأرض فلا بد من بيان العمل الذي يريد ان يعمله فيها.
    الأمر الثاني: من الأمور التي تعلم بها المنفعة بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة ونحوها فلا بد أن يعين الثوب الذي يريد صبغه، ولون الصبغ وقدره إذا كان يختلف ثقلا وخفة وردائه وجودة.
    ومثل ذلك في البصياغة فلا بد من بيان الأسورة أو الخاتم وبيان الصناعة التي يريدها بحسب المتعارف في ذلك.
    وبالجملة فإنه يجب أن يبين في العقد ما يرفع الجهالة حتى لا يوجد نزاع بين المتعاقدين ومن ذلك ما إذا استأجر دابة فإنه يشترط بيان الغرض الذي استؤجرت له من جمل لأمتة لأو ركوب وبيان المدة وابمكان. فإذا لم يبين ذلك كانت الإجارة فاسدة ويجب أجر المثل بحقيقة الانتفاع.
    الأمر الثالث: الإشارة كنقل هذا القمح من مكان ذكا إلى مكان كذا لأنه إذا علم المنقول والمنقول إليه صارت المنفعة معلومة.
    ومن شروط صحة الإجارة بيان محل المنفعة فلو كان لأحد داران فقال: أجرتك إحدى هاتين الدارين من غير تعيين للمحل الذي يعينه فإن الإجارة لا تصح.
    واعلم أن العقد وإن المقصود منه إلا أن الراجح أنه ينبغي أن لا يضاف العقد إلى المنفعة فلا يقال أجرتك منلفع هذه الدار وهو يتضمن المنفعة لأنه لا معنى للاجرة إلا الانتفاع بالعين أما المنفعة فهي معدودة غير موجودة فالعقد عليها قبل وجودها عقد على معدوم.
    نعم قد يقال إن إضافة المنفعة إلى الدار تاتي بهذا الغرض، ولكن الأرجح في العقود أن تكون بعيدة عن التأويل ثم إن المنفعة التي تصح إجارتها هي المنفعة التي لا يترتب عليها استهلاك نفس العين أو استهلاك شيء متولد منها فلا تصح استئجار النقود لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاكها كما لا يصح استئجار الشجرة للانتفاع بثمرتها أو البقر لشرب لأن اللبن والثمر أعيان ولا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها.
    وأما شروط اللزوم فمنها أن يكون العقد صحيحا فلا سيلزم العقد الفاسد وأن لا يكون بالشيء المستأجر عيب مرتبا للمستأجر وأن يكون سليما عن حدوث عيب يخل بالانتفاع فإذا استأجر جملا للحمل عليه مدة ثم حدث به فيه مرض يقلل الأنتفاع به فإن العقد لا يكون لازما وللمستأجر فسخه.
    ومنها أن لا يحدث عذر لأحد العاقدين فإذا حدث عذر شرعي فإن العقد لا يكون لازما. ومنها عدم بلوغ الصبي المستأجر إذا أجره أبوه أو وصي أبيه أو جده أو القاضي أو أمين القاضي فإذا بلغ لا يكون العقد لازما.
    ومنها أن يكون المستأجر الشيء الذي استؤجر له فإذا لم يسلمه لم يلزم الأجر. فهذا شرط للزوم العقد وقد عرفت ما يلزم به الآخر قريبا.
    وأما شروط النفاذ فمنها الملك والولاية فلا تنعقد إجارة الفضولي لعدم الملك والولاية ولكنها تنعقد موقوفة على أجازة المالك فإذا أجازها نفذت.
    ومنها قيام المنفعة وبقاؤها فإذا أجر فضولي منزلا يملكه شخص غيره مدة واستوفاها المسأجر وخرج من المنزل ثم علم المالك فأجاز الإجارة فإنها لاتنفذ طبعا لأن المنفعة قد أنتهت إنما الإجارة تنفع إذا كانت المنفعة قائمة يمكن الحصول عليها.
    المالكية - قالوا: يشنرط في العاقدين الشروط المتقدمة في البيع وهي قسمان شرط انعقاد وشرط صحة فأما شرط النعقاد فهو التميز فلا تنعقد الإجارة من صبي غير مميز (وغير المميز هو الذي لا يفهم مقاصد العقلاء من الكلام) كما تقدم
    وأما شروط اللزوم فهو التكليف فالصبي المميز تنعقد إجارته ولكنها لا تلزم إلا بإذن وليه فإذا أجر نفسه أو شيئا يملكه انعقدت موقوفة على إذن الوالي ومثله العبد وأما الرشد فإنه شرط للزوم العقد في بعض الصور.
    فإذا كان المؤجر سفيها غير رشيد فلا بخلو إما أن يؤجر مفسه أو سلعته فإن أجر نفسه في إجارته تنعقد وتنفذ بدون إذن وليه إذا لم يكن مغبونا أما إن كان مغبونا فلا تلزم إلا بإجازة الولب أما إذا أجر السفيه سلعته فإن إجارته لاتلزم إلا بإجازة الولي مطلقا.
    ويشترط في الجر أن يكون ظاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما. وقد تقدم تفصيل ذلك موضحا في البيع فارجع إليه إن شئت على أنه يشترط في الأجر في مسائل بحيث لو أخر دفعه فيها لم يصح العقد.
    المسألة الأولى: أن يكون الأجر شيئا معينا كما استأجر أحد شخصا
    لخدمة سنة في نظير جمل معين يعطيه إياه فإنه يجب أن يسلمه الجمل عاجلا بحيث لا يجوز له أن يؤخره أكثر من ثلاثة أيام فإن أخره فسد العقد لأن في ذلك غررا فغن الجمل قابل لتغير فيصح أن تكون قيمة الآن عشرة وأن خدمة الرجل تساويها فإذا قبضه فقد أخذ قيمة أجره كاملة اما إذا تأخر فإنه قد يهزل أو يعرض له عارض آخر تنفض به قيمة وفي ذلك ضرر باعامل أو تعرض له زيادة وفي ذلك ضرر بصاحبه فدفعا لهذا الضرر يجب تقدم الأجر.
    ومثل ذلك كل سلعة معينة كهذا الثوب فإنها قابلة للنقص والزيادة وفي ذلك عذر النزاع فمتى كان الأجر معينا فإنه يجب تعجيله حتى ولو كان العرف جاريا على التأجيل في مثله فإذا كان العرف جاريا على التأجيل فإنه يجب اشتراط العجيل وإلا فسد العقد.
    المسألة الثانية أن يكون الأجر غير معين كمال استأجره على أن يعطيه جملا ما لا جملا معينا أو ثوبا ما. مثاله أن يقول شخص لاخر: استأجرتك لخدمتي سنة وأعطيك جملا أجرة لك في نظير خدمتي وهذه الحالة تشتمل ثلاث صور:
    الصورة الأولى: أن يشترطا دفع الأجرة مقدما وحكمها أنه يجب الدفع عملا بالشرط وإلا فسدت.
    الصورة الثانية: لم يشترطا التعجيل ولكن العادة بين الناس في مثل ذلك العجيل فيجب التعجيل عملا بالعادة.
    الصورة الثالثة: لم يقع شرط ولم تكن عادة وهذه تشمل صورتين:
    الصورة الأولى: أن يكون عقد الإجارة على منفعة في الذمة لا على منفعة شيء معين كأن يقول له استأجرتك على أن تخيط لي هذا الثوب في ذمتك إن شئت فعلته بنفسك أو بغيرك فإنه في هذه الحالة استأجره على أن يؤدي له منفعة مضمونة في ذمته.
    الصورة الثانية: أن يستأجر منفعة شيء كأن يستأجر شخصا لخدمته أو دارا لسكناه ففي الصورة الأولى يجب تعجيل دفع الأجرة وإلا كان مقابلة دين بدين لأن العامل في هذه الحالة مدين بالمنفعة والمستأجر مدين بالأجر وهذا غير جائز، نعم إذا شرع العامل فغن تعجيل الأجر لا يجب لأن الذي يصنعه العامل يكون مقبوضا إنما يجب أن يشرع بدون تأجير كأن يكون الليلة أو الغد وإلا فلا يصح فإذا لم يكن الأجر معينا ولم يشترط تعجيله ولم يجر العرف بتعجيله ولم تكن المنافع المعقود عليها في الذمة فإنه لا يجب التعجيل.
    وحكم هذه الحالة يختلف باختلاف حال عقد الإجارة وذلك لأنك قد عرفت أن العقد إما أن يكون على منفعة آدمي وهو ثلاثة أقسام أجير وصانع وخادم والفرق بين الأجير والصانع أن الأجير هو الذي يعمل بدون أن يكون شيء مما فيه في حيازته كالبناء فإنه يبني وينصرف وبترك عمله تحت يد المستأجر ومثله كل صانع يعمل فيما ليس في حياوته الذي يصلح الأبواب أو الشبابيك.
    وأما الصانع فهو الذي يعمل فيما هو تحت كالخياط والحداد والصانع ثم الصانع إلى قسمين صانع فقط وصانع بائع فقط هو الذي لا يعمل شيئا سوى الصنعة بدون زيادة عليها من عنده والصانع البائع هو الذي يزيد على الصنعة شيئا فلإنه يزيد الصبغة.
    وأما الخادم فهو الذي يستأجر لخدمة الغير.
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #133
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 91 الى صــــــــ
    105
    الحلقة (133)


    وإما يكون الإجارة على منفعة دار أو عقار أو حيوان أو آنية فإن كان على منفعة آدمي صانع أو أجير فحكمه أنه ليس لهما المطالبة باخذ الأجر إلا بعد الفراغ من عملها ما لم يكن هناك عرف بيقضي بالتعجيل فإنهما يعاملان به فإذا عمل النجار جزءا من عمله مثلا وأراد أخذ أجرته وامتنع المستأجر فليس له جبره على الدفع إلا بعد تمام العمل إلا إذا كانت العادة تقديم الدفع فيعمل بها فإذا أراد أن ينفصل عن العمل ولا يتمه فإن له أن يحاسب على ذلك الجزء الذي عمله.
    أما إذا كان العقد على منفعة دار أو عقار أو راحلة أو آدمي للخدمة أوآنية (كآنية الفراشين) فإنه يصح فيها الاتفاق على تقديم الأجرة وتأخيرها بشرط أن لا يتأخر الشروع في العمل أكثر من عشرة أيام وإلا فلا يصح تعجيل الدفع فإذا لم يحصل اتفاق تدفع الأجرة يوما بيوم وبذلك تعرف أقسام الإجارة.
    أما الركن الرابع وهو المنفعة فهي ما يقابل الذات فلا يمكن أن يشار إليها إشارة حسية استقلالا وإنما يشار إليها كذلك تبعا للذات المتعلقة بها على أن لاتكون متعلقة بجزء الذات وأن يكون الحصول عليها ممكنا مثال ذلك السكنى المتعلقة بالدار فإنها لا يمكن الإشارة إليها إشارة حسية استقلالا بدون إضافة إلى الدار وهي متعلقة بكل الدار أما إذا تعلقت بجزء من عين لا يمكن قسمتها كمنفعة جزء شائع في دابة فإنها لا تكون منفعة معتتبرة كالصفات المعنوية القائمة بالحيوان والإنسان مثل الحياة والقدر فإنه لا يصح استئجاره من اجلها لأنها منافع خاصة به لا يمن أخذها منه.
    وأما تاصيغة فيشترط فيها الشروط المتقدمة في البيع وقد ذكرت موضحة فارجع إليها إن شئت.
    ويشترط شروط (أحدهما) أن تكون لها قيمة فلا تصح شيء له منفعتها تافهة لا قيمة لها كالإيقاد من النار ونحو ذلك مما سيأتي بيانه فيما يجوز إجازته وما لا يجوز. ثانيهما أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها حسا أو شرعا فمثال الأول إجازة أرض للزراعة ولم يصل إليها ماء أو كانت غير صالحة للزراعة فإن المنفعة فيها غير مقدور على تسلميها أما الأرض التي غمرها الماء فإنه يمكن أن ينكشف عنها ولو نادر فإنه يصح إجازتها من غير نقد فإذا انكشف عنها وإلا فلا أما الذي لا أمل في انكشاف الماء عنها فإن إجارتها ليتعدى على آخر بالضرب أو ليعصر الخمر فإن كل ذلك لا يجوز شرعا. ثالثهما أن يمكن استيفاء المنفعة بدون استهلاك شيء من العين المستاجرة أو من عين أخرى متولدة قصدا.
    مثال ذلك ان يستاجر بقرة ليشرب لبنها فإذا قال شخص لآخر استأجرت بقرتك مدة الشتاء بجنيهين لآخذ لبنها وقبل الآخر فإن العقد يفسد وكذا إذا قال له: اشتريت لبن البقرة مدة الشتاء بتكاليفها فغن هذا لا يصح، اما في الأجرة فلأن العقد تضمن استهلاك عين متولدة من العين المستاجرة وهي اللبن المتولد من البقرة فغن المنفعة لا تتحقق إلا باستهلاك اللبن، واما في الشراء فلأنه يلزم عليه شراء اللبن في الضرع وهو ممنوع على أن بيع اللبن في الضرع أواستأجار الحيوان المترتب عليه استهلاك اللبن
    ليس بمننوع مطلقا وإنما هو ممنوع إذا لم تتحقق فيه شروط الجواز وبيان ذلك أن شراء اللبن في الضرع إما ان يكون جزافا من غير كيل وإنما أن يكون بكيل، فمثال الأول أن يقول سخص لآخر يملك أغناما كثيرة: إنني اشتري منك لبن عشرة أغنام او خمسة مدة شهر بكذا.
    ومثال الثاني: أن يقول له: إنني أشتري منك بمائة رطل من اللبن آخذ منها خمسة أرطال.
    ويشترط لجواز الأول تسعة شروط:
    أن تكون الغنم المشترى لبنها متععدة وأن تكون مملوكة للبائع. وان تكون متساوية في اللبن. وان يكون الشراء في زمن الحلاب المعتاد (كزمن البرسيم) لنه يختلف في غيره كثرة وقلة. وأن يكون المشترك عاؤفا للقدر الذي تحلبه من اللبن وان يكون الشراء مقدرا بمدة لا ينقص اللبن قبلها. وأن يشرع في أخذ اللبن وان بدفع الثمن معجلا (مقدما) فإذا تححقت هذه الشروط فإنه يصح بيع اللبن جزافا.
    أما إذا كان الشراء بالكيل فيشترط له خمسة شروط:
    الأول: أن يكون الشراء في زمن الحلاب.
    الثاني: أن يكون في مدة لا ينقص اللبن قبلها فإذا كان مدة الحلاب أربعة أشهر فلا يصح أن يشتري خمسة أشهر لأنه ينقص اللبن في الشهر الخامس.
    الثالث: أن يشرع المشتري في الأخذ منة يوم العقد أو بعده بأيام.
    الرابع: أن يسلم لرب الشياه دون غسيره (أي يتعاقد عقد سلم) فلا يصح أن يتعاقد مع غير المالك.
    الخامس: أن يعجل دفع الثمن لأنه عقد سلم كما عرفت لأن العين للمشتراة المعجلة فلا يصح تاجيل الثمن وإى كان مقابلة دين بدين.
    الشافعية - قالوا: لكل ركن من أركان الإجارة شروط فاما الركن الأول فيشترط له الشروط المتفقدمة في البيع
    ومنها أن تكون مشتملة على الإيجاب والقبول لفظا وأن لا يفصل بينهما فاصل طويل عرفا الخ ما تقدم على ان البيع يشترط فيه عدم التأقيت وقت بخلاف الإجارة فإنه بخلاف الإجارة فإنها على العكس منه فيشترط فيها التأقيت.
    وتنقسم صيغة الإجارة إلى قسمين صريحة، وكناية.
    فالصيغة الصريحة هي ما دلت على معنى الإجارة فلا تحتمل غيره. والكناية ما احتملت الإجارة وغيرها.
    ومثال الأول: ان يقول المالك: أجرتك هذه الدار سنة بكذا فيقول المستأجر فورا: قبلت.
    وكذا إذا قال له: أكريتك هذه الدار أو منفعتها أو ملكتك شهرا بكذا فكل هذه صيغ صريحة تنعقد بها الإجارة سواء أضيفت إلى العين أو إلى المنفعة.
    وبعضهم يقول: إن لفظ الإجارة وضع مضافا للعين فلا يصح إضافته إلى المنفعة فإذا قال أجرتك منفعة هذه الدار بطل العقد وهذا ليس هذا بصحيح لأن لفظ الإجارة يقتضي ملك المنفعة فإضافتها للمنفعة تاكيد لا ضرر منه.
    ومثال الثانية: أن يقول له: جعلت لك منعفة هذه الدار سنة بكذا أو اسكن داري شهرا بكذا فإن ذلك كناية لأنه يحتمل أن يكون جعل المنفعة على طريق إجارة وغيرها.
    وإذا وقع العاقدين على عقد مكتوب كالمتعارف في زماننا فإنه يصح ويقوم التوقيع على المكتوب مقام التلفظ بالصيغة ويكون من باب الكناية.
    ومثل ذلك كل عقد مكتوب فالمتابة تقوم مقام الصيغى الفظية على انها من باب الكناية ولا تنعقد في الإجارة بلفظ البيع فإذا قال له:
    بعتك داري سنة بكذا لا ينعقد مطلقا لا إجارة ولا بيعا وذلك لأن لفظ البيع يقتضي التأبيد ولفظ (سنة) يقتضي التأقيت فيتناقض أول لفظ مع آخرهفلا يكون صريحا ولا كناية وكذلك لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة.
    ثم إن الإجارة تنقسم إلى قسمين: إجارة عين، وإجارة ذمة.
    وإجارة العين هي عبارة عن العقد الوارد على منفعة ةتعلقة بشيء معين نعلوم للمستأجر كالمبيع الحاضر المعلوم للمشتري في البيع وذلك كأن يستأجر شخص عقارا معينا كأرض زراعية معينة لينتفع بزرعها مدة مخصوصة باجرة معينة أو يستأجر كذلك لينتفع بسكناها او شخص معين ليخدمه سنة.
    وأما إجارة الذمة فهي عبارة عن العقد علة منفعة متعلقة بشيء غير معين بل موصوف بالذمة، أو بعبارة أخرى هي كما كانت المنفعة دينا في الذمة كما في السلم.
    وذلك كأن يقول شخص لآخر آجرتك جملا صفته كذا ليحملك إلى بلد كذا فإن المنفعة في هذا بحمل غير معين بل موصوف في ذمة المؤجر فالمراد بالعين (في قولهم إجارة عين) ما قابل الذمة لا ما قابل المنفعة لأن عقد الإجارة وارد على المنفعة أي على أي حال، لكن تارة تكون المنفعة متعلقة بشيء نعين، كمنفعة العين الوراعية النعلومة، وتارة لا تكون كمنفعة الجمل الموصوف كما بيناه.
    وإذا قد عرفت ذلك فعلم انه يشترط في إجاة الذمة أن تكون بصيغة خاصة، فلا تنعقد بغيرها وهي الزمت ذمتك أو أسلمت إليك كذا، فإذا أراد شخص أن يستأجر جملا غير معين من آخر، فلا بد أن يقول له ألزمت ذمتك كذا من القروش في جمل صفته كذا يحمل لي متاعي إلى جهة كذا أو يقول له: أسلمت إليك كذا من القروش مثل ذلك.
    كل عقد يراد به منفعة متعلقة بشيء غير معين كما إذا قال له ألزمت ذمتك بكذا منة الرقوش لخياطة هذا الثوب أو في بناء هذا الحائظ لأن يكون معنى ذلك أن الذي يتعلق به المنفعة غير معين سواء كان هو المخاطب أو غيره ومن هذا يعلم أن إجارة العين لا يجوز معها للأجير أن يأذن لغيره بالعمل، فلو قال له: استأجرتك لبناء هذا الحائط فلم يبنه بنفسه وإذن لغيره بالبناء فيه، فإن ذلك لا يصح. ثم إن العامل الثاني إذا كان يعلم أن التعاقد على أن الذي يباشر العمل هو الأول لا تكون له أجرة على عمله مطلقا، وإذا كان لا يعلم الحقيقة كانت له أجرة المثل على من أذنه.
    ويشترط في إجارة الذمة تسليم الأجرة في المجلس كرأس مال السلم، فلا يجوز فيها التاجيل وإلا كان مقالبلة دين بدين، لأن المنفعة في الذمة والأجرة دين في الذمة، وذلك غير جائز وكما لا يجوز تأجيلها لا يجوز الحوالة بها ولا عليها ولا استبدالها ولا البراءة منها فإذا وقع شيء من ذلك بطل العقد عند شرط التأجيل فإذا اشترطا وتفرقا من المجلس قبل القبض فإنه يبطل أيضا، أما إذا لم يتفرقا قبل العقد فإنه يصح.
    وأما إجارة العين فإن كانت الأجرة فيها معينة كاستأجرتك لتخمني سنة بهذا الجمل فإنه لا يصح تأجيلها أيضا.
    أما إذا كانت دينا في الذمة كاستأجرتك لتخمني سنة بمجمل صفته كذا، فإنه يجوز تأجيلها وتعجيلها. وإذا استأجر شخص من آخر شيئا معينا، ولم يشترط أو التأجيل، كما إذا قال له استأجرت منك هذا الجمل بكذا ولم يشترط شيئا فإن الأجرة في هذه الحالة تكون معجلة.
    وأما الركن الثاني وهو العاقد سواء كان مؤجرا أو مستأجرا فيشترط له الشروط التي تقدمت في البيع من كونه مطلقا ولا مجنون ولا محجور عليه لسفه. كما لا يصح من المكروه بغير حق إلى آخر ما تقدم في البيع الإسلام في بعض الأمور فلا يصح كافر أن يشتري مصحفا أو رقيقا مسلما. وهنا يصح للكافر أن يستأجر مسلما لخدمته وإن كان يكره.
    وكذلك لا يشترط إطلاق التصرف في الإجازة في جميع الصور. فإن السفيه يصح أن يؤجر نفسه في الأمور كلها التي لا يكسب بها عادة ككونه أجيرا في الحج بخلاف المهن التي يكتسب بها كالحدادة والنجارة، فإنه لا يصح أن يؤجر نفسه فيها.
    وأما الركن الثالث: وهو المعقود عليه فإنه يشمل أمرين: الأجرة والمنفعة، كما تقدم قريبا.
    فأما الأجرة فإنها تارة تكون غير معين، وتارة تكون حاضرة معينة. فيشترط في غير المعينة ما يشترط في الثمن من الشروط المتقدمة في مباحث البيع فلا بد أن تكون معلومة قدرا وجنسا ونوعا وصفة.
    مثال ذلك أن يقول: آجرتك هذه الدار بعشرة جنيهات مصؤية صحيحة. فذكر العشرة بيان للقدر والجنيهات بيان لجنس إذا يحتمل أن تكون عشرة قروش أو عشرة ريالات أو جنيه فلما ذكرت الجنيهات تبين جنس العشرة. ومصرية بيان للنوع لأن الجنيه أنواع متععدة كالإنكيزي والمصري وغيرهما وصحيحة بيان لصفة النقد إذ يحتمل دفعها أنصافا من الجنيهات وقد لا تكون رائجة كالصحيح.
    ومثل ذلك ما إذا استأجر حيوانا يشترط أن يبين جنسه من خيل أو إيل ونوعه كبختي أو روسي جمل أو هجين أو نحو ذلك وذكورته وأنوثته وصفته سيره كأن يذكر سريعة السير واسعة الخطا أو بطيئة السير ونحو ذلك.
    وأما إذا كانت الأجرة معينة فإنه يشترط فيها رؤيتها فإذا قال له: أجرتك له: أجرتك هذه الدار بهذا الجمل فإنه يشترط رؤية الجمل.
    والغرض من ذلك رفع اللبس والإبهام حتى لا يقع نزاع بين المتعاقدين ولهذا اشترطوا فيمن استأجر دابة أو راحلة ليركبها بيان قدر السير الذي في الليل والنهار إلا إذا كان للناس في مثل ذلك عرف متبع فإنه يعمل به إلا إذا اشترط أحدهما ما يخالف العرف فإنه يعمل بالشرط. ولا فرق في ذلك بين أن تكون معينة أو غير معينة.
    وكذلك يشترطا بيان الشيء الذي يريد أن يحمله على الراحلة أو على الدابة إن كان غائبا ورؤيته أو جسه باليد إن كان حاضرا. وبيان جنسه إن كان مكيلا.
    ومن أجل ذلك قالوا: لاتصح من الجهالة دابة بعلفها ولا إجارة دار مدة معينة بالإنفاق لما في ذلك على عمارتها لما في ذلك من الجهالة.
    فينبغي في مثل ذلك أن تقدر العمالة أو قيمة الإنفاق على الدابة ويجعل المبلغ أجرة. ثم يأذن المالك لمستأجر في إنفاق هذا المبلغ في علف الدابة بشرط أن يكون هذا الإذن خارج العقد وهذه حيلة يصح العمل بها.
    وكذلك قالوا: تأجير العامل بما يحصل من عمله. فلا يصح تأجير الجزار بجلد الشاة التي يسلخها لأن حال الجلد قبل السلخ مجهول. فيجوز أن يكون رقيقا أو ثخينا أو به عيب ينقص قيمته. وكذلك لا يصح تأجير الطحان ببعض ما يطحنه من الحبوب كربع أو قدح من الدقيق الناتج من لعد التحليل مجهول بالنسبة لما به من النخالة فيجوز أن تكون النخالة كثيرة ويجوز أن تكون يسيرة والباقي بعد التحليل مجهول أيضا فإن الأجرة المعينة كالدقيق المأخوذ من هذا القمح يشترط فيه القدرة على التسليم حال العقد. وهنا ليس كذلك لأن القمح لا يمكن تسليمه دقيقا قبل طحنه. هذا ينافي شرط القدرة على تسليمه. ومثله جلد الشاة فإنه مقدور على تسلينه. وقد يرد على هذا أنهم لأجازوا للشخص أن يستأجر من يحج عنه بالنفقة وهي مجهولة.
    والجواب أن أمر الحج ليس من باب الإجارة وإنما هو من باب الجعالة فهو قد جعل له الانفاق عليه مقابل الحج عنه.
    وأما المنفعة: فيشترط فيها شروط:
    منها: أن تكون لها قيمة فلا تصح الإجارة على منفعة كأن يستأجر أشجارا ليجفف الثياب أو آنية ليزن بها الدكان أو نحو ذلك كما تقدم.
    ومن ذلك ما إذا استأجر شخصا لنادي له بكلمة تروح سلعته كالدلال إلا إذا تكلم كثيرا وعمل أعمالا يستحق عليها الأجرة كالانتقال من مكان إلى مكان وعروض السلعة في كل مكان وتكرار النداء على بيعها ونحو ذلك.
    أما مجرد كلمة أو كلمتين فإنه لا يستحق عليها أجرا واو كانت الكلمة سببا في بيع السلع. فما يأخذه الشخص الذي يستحق عليه الأجر، وإنما يحل له الأجر بنسبة تعبه، وكثره تردده وكلامه، ومع ذلك فلا يستحق عليها إلا أجر المثل والمتعارف بين الناس.
    ومنها أن لا تكون عينا مقصودة بعقد الإجارة كما استأجر بقرة من أجل لبنها فغن العقد يتضمن أن المقصود إنما هو استفياء اللبن واللبن عين لا تملك بعقد الإجارة قصدا لأن الأعيان لا تملك بالإجارة إلا تبعا.
    ومثل ما إذا استأجرت بستانا من أجل ثمره أو بركة ماء من أجل سمكها ونحو ذلك من كل ما تكون فيه المنفعة عينا مقصودة من العقد بخلاف ما إذا كانت المنفعة عينا تابعة كما إذا استأجر امرأة لإرضاع الخياط لأنهما لا يقصدان لذاتهما.
    ومها: أن يكون العمل المتعلقة مقدورا على تسليمه حسا وشرعا فلا يصح استئجار الحائض على كنس المسجد ولا استئجار زوجة الغير بدون إذن زوجها.
    ومنها: أن لا يكون العمل المتعلقة به المنفعة واجبا على الأجير فلا يصح الاستئجار على الصلاة ونحوها من كل العبادات التي لا نيابة فيها أما ما يرصده الواقفون على الأئمة والأذان ونحو ذلك فيؤخذ لا على أنه أجرة وإنما هو جعل أو يؤخذ الأجرة عن الحج عن الغير وغسل الميت وحفر القبر ودفن الموتى وحمل الموتى.
    ومنها: أن يكون العمل والمنفعة معلومين فالخياط يعرف في الثوب والمعلم يعرف عمله بالزمن كما سيأتي. وحمل الدواب يعرف بمقدار المحمول وهكذا. وسيأتي تكملة هذا في مبحث ما يجوز اسئجاره.
    ومن هذا تعلم أقسام الإجارة اثنان وإجارة ذمة.
    الحنابلة - قالوا: يشترط لصحة الإجارة ثلاثة شروط:
    الأول: معرفة الأجرة لقوله عليه الصلاة السلام: "من استاجر أجيرا فليعلمه أجره" فلا تصح الإجارة إذا لم تبين الثمن المؤجل فما صح أن يكون ثمنا في الذمة صح أن يكون أجرة كذلك ويصح إجارة بجنس ما يخرج منها. كما أجر أرضا لشخص يزرعها قمحا بأردبين قمح. ولكن يشترط أن لا يكون في العقد أجرتها بأردبين مما يخرج مما يخرج منها فإن قال ذلك فإنه لا يصح. ويصح إجازة العامل والمرضعة يطعامهما وكستوهما وعند التنازع في صفة الطعام والكسوة يكون لهما الحق في طعام وكسوة مثل طعام الزوجة وكسوتها. وسيأتي (في مبحث ما تجوز إجازته) تكلمه لذلك.
    وإذا أعطى شخص ثوبا لخياط ليخطه أو لصباغ أو نحوهما ولم يعقد إجارة فإنه يصح ويكون لهما أجر المثل بشرط أن يكون الصابع مختصا بالعمل أما إذا لم يكن كذلك فإنه يستحق أجر المثل إلا بشرط أو تعريض.
    ومثل ذلك ما إذا حمل شخص لآخر متاعا إلى مكان بدون عقد فإن للحمال (الشيال) أجر المثل
    (ومثل ذلك ما جرت العادة باستعماله بدون عقد كدخول الحمام وركوب السفن (المعديه) وحلق الرأس وغسل الثياب وشرب الماء والقهوة وغير ذلك من أنواع المباحات فإنه يصح وفيه أجر المثل.
    الشرط الثاني: معرفة المنفعة المعقود عليها فهي كالبيع ينبغي العلم بالمبيع وتعرف المنفعة بأمرين:
    الأول: العرف (وهو ما يتعارفه الناس بينهم) فمتى كان الناس عرف فإنه يكتفى به عن تعيين عين المنفعة وصفتها في ذلك كسكنى الدار فإنها معروفه لا تحتاج إلى بيان. نعم لا يجوز للساكن أن يعمل فيها ما يضرها فإذا استأجر دارا للسكنى فلا يصح أن يعملها مصنعا للحدادة أوللنجارة أو مخزنا للحبوب أو نحو ذلك مما يضر الدار والعرف لا يعتبر هذه الأشياء سكنى.
    الأمر الثاني: الوصف فتعرف المنفعة بالوصف كما إذا استأجر حمالا ليحمل له قطعة حديد فإنه ينبغي له أن يبين زيتها ويبين المكان الذي يريد أن يحملها إليه لأن المنفعة لا يمكن معرفتها إلآ بهذا الببيان وإذا استأجر شخص آخر على أن يحمل متاعا إلى آخر فذهب فوجد المحمول إليه غائبا فرده ثانيا فإن له أجر حمله ذهابا وإيابا أما إذا وجد ميتا فليس له أجر حمله ذهابا فقط؛ وذلك لأن الموت قهري لا يمكن معه احتياط بخلاف غيره فإنه يمن فيه الاحتياط فعلبيها تحديد الزمان والمكان والوقت قبل أن بذهب الحمال.
    ويجوز أن ستأجر الأجنبي الأمة أو الحرة لخدمته ولكن عليه أن يصرف وجهه عن الحرة فلا بنظر إلى شيء منها.
    أما الأمة فإنه يصح له أن ينظر ما عدا عورة الصلاة المتقدمة وعليه أن لا يخلو في بيت مع الأمة أو الحرة لأن الخلوة من داعي الفساد.
    وتصح إجارة المنفعة بالمنفعة سواء اتحد جنسها كسكنى دار بسكنى دار أخرى أم اختلفت كسكنى الدار في نظير صيغته أو تزويجه لأن كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون في الإجارة.
    الشرط الثالث: أن تكون المنفعة مباحة لغير ضرورة وأن تكون مقصودة فلا تصح الإجارة على ضرب شخص أو فعل محرم كالنباحة كما لا تصح إجارة الدار لتكون محلا للباعات أو لبيع الخمر أو للقمار أو نحو ذلك مما لا يحل.
    وكذا لا يحل استئجار أواني الذهب والفضة أو الكلب لأنه لا يباح للضرورة وكذلك لا يحل اسئجار الأشياء التي منفعتها ليست مقصوردة كالأشياء التي يزين بها حانوته أو مائدته.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #134
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 105 الى صــــــــ
    130
    الحلقة (134)


    [مبحث ما تجوز إجارته وما لا تجوز]
    -في الأمور التي تجوز إجازتها والتي لا تجوز تفصيل في المذاهب (1) .

    أما أركان الإجارة فهي خمسة: العاقدان، والعوضان، والصيغة) .

    (1) الحنفية قالوا: الأشياء التي تستأجر:
    (ا) منها ما يصح استئجاره باتفاق.
    (ب) ومنها ما لا يصح استئجاره كذلك.
    (ج) ومنها ما هو مختلف فيه. فأما الذي يصح استئجار فهو خمسة أمور:
    الأول: الدكاكين والدور.
    الثاني: الأراضي الزراعية والأراضي الفضاء للبناء أو لغرس الأشجار فيها.
    والثالث: الحيوانات كاستئجار الجمال والخيل والبغال والحمير والبقر لركوبها أو للحمل عليها أو للحراثة أو نحو ذلك.
    الرابع: استجار الآدمي للخدمة أولحمل المتاع أو لصنع شيء كالخياطة والصباغة والحدادة ونحو ذلك. ومن هذا استئجار المراضع لتقوم برضاع الأطفال وتسمى الظئر.
    الخامس: إجارة الثياب والخيام والحلي ونحو ذلك.
    ويعلق بكل قسم من هذه الأقسام أحكام سترد عليك مفصلة فيما يلي:
    القسم الأول استئجار الدكاكين والدور ويتعلق بها أمور:
    (أحدهما) : أنها تصح إجارتها بدون بيان ما يعمل فيها كما تقدم لأن المعروف من استئجارها إنما هو السكنى والسكنى لا تتفاوت فلا يلزم بيانها.
    ثانيهما: أن للمستأجر أن يسكن بنفسه أو يسكن غيره باجرة ويغير أجرة حتى ولو شرط أن يسكن وحده فهذا الشرط لا يعمل به. ومثل الدكاكين والدور كل شيء لا يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالأرض الزراعية والآدمي المستأجر للخدمة فإن المستعمل بالنسبة لهما لا يختلف حاله أما ما يختلف استعماله باختلاف المستعمل كالدواب والثياب والخيمة فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤخرها لغيره إذ قد يستأجر الدابة لركوبها شخص نحيف تقوى على حمله فربما يؤجرها لشخص ينصها في مكان بعيد عن الشمس والمطر فلا يضر بها فربما يؤجرها لشخص ينصبها في مكان فيه شمس ومطر فتتأثر به.
    ثالثهما: لا يصح للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لصحابها الذي استأجرها منه فلو استأجر محمد دارا من خالد لمدة سنة فلا يصح لمحمد أن يؤجر تلك الدار لخالد سواء كانت تلك الدار ملكا لخالد مستأجرها من شخص آخر حتى واو تخلل بينهما ثالث كأن أجر محمد تلك الدار لبكر وأجرها بكر لخالد منه ابتداء فإنه لا يصح. فلو وقع وأجرت الدار لخالد ثانيا فهل يبطل العقد الأول أو لا يبطل؟ الصحيح أنه لا يبطل العقد الثاني الفاسد الصحيح. وهل يلزم المستأجر وهو محمد بالأجرة أو لا؟ والجواب أنه إذا استلمها فإنه يلوم بأجرتها.
    أما إذا كانت في يد خالد ولم يستلمها محمد فلا يلزم بأجرتها.
    رابعها: إذا استأجر شخص دارا أو دكانا بمبلغ معين كجنيه في الشهر فلا يحل له أن يؤخرها لغيره بزيادة.
    ومثل الدور والدكاكين في ذلك غيرهما من الأشياء المستأجرة كالأرض الزراعية فإنه لا يصح للمستأجر أن يؤجر (من باطنه) بأجرة زائدة على ما استأجر به وإنما يصح له تأجيرها بالأجرة التي استأجر بها بدون زيادة فإذا فعل فإن عليه أن يتصدق بالزيادة. ويستثنى من ذلك ثلاثة أمور:
    الأمر الأول: أن يضم إلى الدار المستأجرة ونحو هما شيئا من ملكه يصلح للتأجير ويؤجره معها فإن فعل ذلك وأجرها بزيادة فإنه يصح.
    الأمر الثاني: أن يحدث في العين المستأجرة إصلاحا كأن يبيض حيطانها ويرم جدرانها إن كانت دارا أو يشق فيها ترعة إن كانت أرضا. وبعضهم يقول إن شق الترعة لا يكفي وإنما الذي يكفي هو أن يحدث في هذه الحالة بناء على ما زاده من العمل ولا يخفى أن في شق الترعة إصلاحا فقوله غير صحيح.
    الأمر الثالث: أن يؤجرها بغير جنس ماستأجر به كما إذا استأجرها بنقود وأجرها بعرض تجارة قيمتها أكثر فإن الزيادة تحل له. هذا وإذا استأجر بيتين صفقة واحدة وزاده في أحدهما عن الآخر فإن له أن يؤجرها بأكثر.
    أما إذا استأجرهما في صفقتين فإن الزبادة لا تحل له.
    (خامسها) : للمستأجر الدور والدكاكين أن يعمل فيها كل مالا يضر ببنائها أو بسقوفها فله أن يبني التنور (الفرن) وإن احترق بها شيء لا يضمنه المستأجر إلا إذا بناها بدون احتياط كأن وضعها تحت سقف خشب يتأثر بما يتصاعد من نارها فإنه في هذه الحالة يكون مقصرا فيضمن ما احترق. وللمستأجر أيضا أن يكسر خشب الوقود. ويستعمل المدق (المطحن) لطحن الملح ونحوه ويستعمل الرحى لطحن الحبوب بشرط أن لا يضر ذلك الاستعمال بالبناء فإنه لا يصح إلا برضا المالك أو باشتراطه في العقد وعلى هذا فلا يصح للمستأجر أن يسكن الدار حدادا أو نجارا أو نحوهما من أرباب الحرف التي تحتاج إلى دق شديد يضر بالمنزل إلا إذا رضي المالك أو اشترطه المستأجر في العقد، وإذا قال المستأجر: إنني اشترطت عليك أن أفعل في المنزل ذلك الذي يضر وقال المالك لم تشترط فإن القول في هذه الحالة للمالك وإذا أقاما البينة فالذي تسمع بينته المستأجر لأنه يريد إثبات شيء زائد على أصل العقد. وإذا استأجره للنجارة فاستعمله للحدادة فإن له إن اتحد ضررهما.
    وإذا استأجر دارا للسكنى فاستعملها للحدادة فأضر ببنائها كان ضامنا للضرر الذي حصل فعليه التعويض وسقط عنه الأجر في هذه الحالة لأن الأجرة لا تجتمع مع الضمان إذ الأصل في المستأجر أن لا يكون ضامنا أما إذا سلمت الدار ولم يضرها الاستعمال فإنه عليه الأجرة لأنه تبين في هذه الحالة أن الاستعمال غير ضار وهذا بخلاف الدابة والخيمة فعلا والثوب ونحوها فإنه إذا استأجر دابة ليرطبها فأجرها لغيره فإنه يكون غاصبا في هذه الحالة فعليه ضمانها إذا حل لها عطب وتسقط عنه الأجرة مطلقا سواء عطبت أو سلمت لأن منافع المغصوب غير مضمونة إلا في أمور ستأتي في بابها، وإنما المضمون هو المغصوب.
    ومثل ذلك ما إذا استأجر خيمة فأجرها لغيره، أو ثوبا أو نحو ذلك، مما يختلف استعماله باستعمال الأشخاص فإنه لا يصح للمستأجر الأول أن يؤجره فإذا فعل كان غاصبا وعليه الضمان وذلك لأن أحوال الناس تتفاوت في مثل ذلك.
    (سادسهما) : يجوز أن يزيد المستأجر في الأجرة أثناء المدة إذا كانت من غير جنس نا استأجر به فإذا استأجر شخص من آخر دكانا مدة سنة شهرية (جنيهين) وعرض في خلال المدة ما يوجب الزيادة فزاد المستأجر متطوعا في الأجرة فإنه لا يصح للمؤجر أن يأخذها إلا إذا كانت من غير جنس الجنيهات التي استأجر بها أما بعد انقضاء المدة فإن الزيادة من المستأجر مطلقا وهل تعتبر الزيادة في أثناء المدة عن الأشهر الباقية، أو توزع على أشهر السنة كلها خلاف وليس للمالك أن يزيد الأجرة على المستأجر مدة عقد الإجارة مطلقا سواء ارتفعت إجارة العين لعارض أو لا إلا في الوقت وملك اليتيم على التفصيل الآتي في الوجه السابع.
    (سابعهما) : إذا أخرجت دارا موقوفة أو ملك فاحش فإن الإجارة تقع فاسدة ومثل الدار في هذا الحكم غيرها من دكان أو أرض زراعية أو غير ذلك مما يصح استئجاره. وقد اختلف في حكم المستأجر فقال بعضهم إنه غاصب، وقال بعضهم: إنه ليس بغاصب وعليه أجر المثل في المدة التي استعمل فيها الدار.
    والمراد بالغين الفاحش مالا يدخل تحت تقويم المقومين بمعنى أن أهل الخبرة بعضهم يقوم الدار مثلا بعشرة وبعضهم يقومها بتسعة وبعضهم يقومها بثمانية وهو يؤرجرها بسبعة فإن ذلك يكون غنبنا فاحشا لأن السبعة لم بقومها بها أحد ومتى ثبت أنها أجرت بغبن فاحش فإن الناظر يؤجرها بأجر المثل لمن يرغب فيها سواء أكان المستأجر الأول. ولا تكفي مجرد دعوى الناظر أو الأجنبي بأن الأجرة بغبن فاحش لأن الناظر متهم بنزعها من يد المستأجر كي يؤجرها لغيره والأجنبي متهم بأنه يريد استئجارها لنفسه بل لا بد من أن يخير من أن يخبر القاضي رجل خبير بمثل هذه الأمور بأن كانت الأجرة وقت العقد بغبن فاحش. وإذا شهدت بينة بأن الأجرة أجرة المثل وقت العقد واتصل بها القضاء فإنه يعمل بها ولا تنقص بخبر الواحد الخبير إلا إذا كذبها الظاهر. أما إذا لم يتصل بها القضاء فإنها تنقص ويعمل بخبر الواحد ذي الخبرة.
    بقيت مسألة أخرى وهي ما إذا أجر الناظر بأجر المثل ثم زادت رغبات الناس فيها فزادت أجرة المثل عما كانت عليه فماذا يكون الحكم فماذا يكون الحكم؟ والجواب أن هذه المسألة على وجهين:
    الوجه الأول: أن لا تكون العين المستأجرة مشغولة بملك المستأجر كالدار والدكان والأرض التي لا زرع بها فإن هذه الأشياء يمكن إخلاؤها من المنقولات التي بها. وحكم هذا أن الزيادة التي عرضت للعين تعرض على المستأجر بعد ثبوتها فإن قبل فذاك وإن لم يقبل فالناظر يفسخ العقد ويحكم به القاضي ثم يؤجر بالزيادة وليس للمستأجر أن يتمسك بأنه أجرها بأجر المثل وليس للناظر أن يزيده في أثناء المدة على الأصح المفتى به. وبعضهم يقول إن المعتبر في ذلك هو وقت العقد فمتى كانت أجرة المثل وقت العقد فلا ينظر للزيادة التي عرضت بكثرة الرغبات وهذا القول وجيه في ذاته لمل يترتب عليه من احترام العقود وعدم نفرة الناس من تأجير الوقف فإنهم إذا عملوا بأنهم مهدون بفسخ العقد لعارض تقل رغبتهم في التأجير فليس من المصلحة نقضه ما دام مؤجرا بأجر المثل وقت العقد على أن بعضهم قال: إنه لا يفسخ في هذه الحالة إلا إذا بلغت الزيادة نصف الذي أجر به أولا فإذا كان مؤجرا بخمسة لا يفسخ إلا إذا زاد إلى عشرة وهذا القول يبرز الفسخ في الجملة لأن مصلحة الوقف في هذه الحالة تكون ظاهرة ولكن المعتمد عندهم أن الفسخ يكون بالزيادة التي لا يتغابن الناس فيها عادة سواء كانت نصفا أو ربعا أما الزيادة اليسيرة كالواحدة من العشرة فإنه لا يفسخ العقد من أجلها باتفاق.
    الوجه الثاني: أن تكون العين المستأجرة مشغولة بملك بحيث لا يمكن إخلاؤها بدون إتلاف ذلك الملك ويشتمل ذلك الوجه على صورتين:
    الصورة الأولى: أن تكون العين مشغولة بالزرع الذي له مدة ينتهي إليها حصاده كالقمح والذرة ونحو ذلك.
    وحكم هذه الصورة أن تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها فإنها تحسب عليه من وقت الزيادة إلى أن يحصد ولو انتهت مدة العقد وإن لم يقبل الزيادة يؤمر بقلع الزرع إن لم يضر بالأرض فإن أضر بها يتملكه الناظر لجهة الوقف بقيمته جبرا على المستأجر.
    الصورة الثانية: أن تكون الأرض مشغووولة بالبناء وغرس الأشجار ليس لها مدة يقلع فيها كانخيل والرمان ونحو ذلك وفي هذه الحالة تعرض الزيادة على المستأجر فإن قبلها تحسب عليه من وقتها إلى انتاهء مدة العقد فقط لأن الشجر والبناء ليست لهما مدة معلومة. فإذا كانت مؤجرة مشاهرة فسخها وأجرها لغيره.
    أما البناء أو الشجر إن كان قلعة يضر بالوقف فالناظر مخير إما أن يضمه للوقف بقيمته أو يتركه حتى يسقط وحده.
    أما إذا لم يضر بالوقف فإنه المستأجر يكلف برفعه وأخذه ومحل هذا كله إذا كان الغرس والبناء بدون إذن الناظر لإغن كان بإذنه فإنه يضم للوقف ويرجع الغارس أو الباني على الناظر بقيمة ما أنفقه.
    وإذا كانت زيادة الأجرة بسبب بناء الناظر أو غرسه فإنه لا يطالب بالزيادة باتفاق لأن الذي نشأت معه الزيادة إنما جاء من ملك المستأجر.
    وبعضهم يقول: إذا غرس المستأجر في أرض الروقف أشجارا أو بنى ومضت مدة الإجارة فله أن يبقيها فلا يقطع الأشجار ولا يهدم البناء ويدفع عليها بقائها في الأرض بمثل ما يستأجر به الأرض لذلك عادة. ولا يملك الناظر ولا المسستحقون جبره فلع الشجرة ورفع البناء ولا ضمنها إلأى جهة الوقف إلا إذا أذنه الناظر بأن يبني لجهة الوقف.
    أما إذا أذنه بأن يبيني لنفسه وأشهد على ذلك فإنه لا يضم ولا يقلع جبرا وقد أفتى بذلك بعضهم ولكن الصحيح خلافه. وقد بالغ بعضهم في رد هذا القول لأنه يرى فيه إجحافا بمصلحة الوقف وتضييعا لأعمال البر على أن الكل فيه مجمعون على أن اللازم الفتوى فيه مصلحة الوقف لأنه عليه يقوم أعمال الخير فكل ما كان فيه مصلحة ينبغي العمل به فإذا كان في ترك الأشجار والبناء بأرض الوقف مصلحة فإنه ينبغي تركها وإلا فلا.
    القسم الثاني: من أقسام ما يصلح للتأجير الأراضي ويتعلق بها مسائل: الأولى أنه لا بد في عقد إجارة الأراضي الزراعية من بيان ما يزرع فيها من قمح أو ذرة أو أرز أو قطن أو نحو ذلك حتى ترتفع الجهالة المفضية للنزاع بخلاف إجارة الدور والدكاكين لأن الغرض استعمال الأولى للسكنى والثانية للتجارة وهذا الاستعمال لا يتفاوت وكل ما يطلبه المالك أن لا يفعل المستأجر شيئا يضر بالبناء أو السقوف وقد عرفت أن المستأجرر ممنوع من فعل كل ما يضر فيصح العقد فيها بدون بيان.
    أما الأراضي الزراعية فقد زرع دون زرع بيان ما يراد زرعه أو يستأجرها على أن يزرع فيها فيها ما يشاء ويرضى المالك بذلك فإذا تعاقدا بدون العقد يكون فاسدا فإذا زرعها بعد العقد وعلم المالك وأقر زرعها فإن الإجارة تنقلب صحيحة ويجب دفع الأجرة المسماة.
    الثانية: إذا استأجرها مدة تسع أن يزرعها مرتين فإن له أن يزرعها مرتين.
    الثالثة: أن للمستأجر الارتفاع بالمساقي الموجودة في الأرض وسقيها منها وله الانتفاع بالطريق الموصلة إليها المملوكة للمؤجر وإن لم ينص عليها في العقد.
    الرابعة: لاتصح إجارة الأرض التي لا تصلح للزراعة كالأرض السبخة أو التي لا يصل إليها الماء كما لا تصح إجارتها في مدة لا يمكن زرعها فيها.
    الخامسة: لاتصح إجارة الأرض المشغولة بالزراعة إلا إذا كانت تلك الزراعة بغير حق حتى يصح قلعها وتسليم الأرض لمستأجر. أما إذا كانت بحق كأن كانت مستأجرة لشخص فزرعها وللم تحصد زرعها فإنه لا يصح إجارتها لآخر حتى ولو كانت الإجازة فاسدة لأن الإجارة الفاسدة لا يكون صاحبها غاصبا بل يكون أجر المثل فلا يجبر على قلع زرعه فإذا استأجر أرضا مشغولة بالزرع فحصد صاحب الزرع زرعه وسلمها اتقلبت صحيحة على أنه يجوز تأجير الأرض المشغولة بالزرع إذا أدرك الزرع وحل موعده حصاده لأن صاحبه يؤمر بحصاده وتسليم الأرض.
    وكذلك يصح تأجيرها وهي مشغولة إذا كان العقد مؤجلا إلى زمن يدرك فيه الزرع.
    السادسة: تصح إجارة الأرض للبناء عليها ولغرس الشجر فيها فإذا استأجر شخص من آخر أرضا فارغة مدة معينة ليني عليها دكانا فإنه يصح، فإذا مضت المدة يهدم بناءه ويسلمها خالية، وإذا استأجرها لغرس فيها شجرا فأثمر الشجر وانتهت المدة وبقي الثمر، فإن الشجر يبقى على الأرض بأجر المثل، ويصح أن يأخذ المالك الشجر والبناء بقيمته بسبب البناء بمعنى البناء والشجر يدفعا المالك فإن كانت الأرض تنقص قيمتها بهدم البناء أو بقلع الشجر فإن المالك يتملكها بقيمتها جبرا على المستأجر وإلا فالمستأجر مخير في أن يقلع أو يعطيها للمالك بالقيمة المذكورة، ولهما أن بتفقا على أن يبقى الشجر أو البناء على المستأجر وتبقى الأرض على ملك صاحبها بدون إجارة بل تكون عارية وتمون منفعتها شركة بينها فلو أجراها لثالث تقسم الأجرة بينهما على تقدير الأرض بلا بناء وعلى تقدير البناء بلا أرض، فإذا كانت أجرة الأرض فارغة تساوي عشرة وكانت أجرة البناء خمسة أخذ كل منهما نصيبه على ذلك الغرض وقد عرفت حكم البناء والغرس غي أرض الوقف فيما تقدم.
    القسم الثالث: مما يصح تأجيره، الحيرانت فبصح أن يستأجر دابة ليركبها أو ليحمل عليها متاعه ونحو ذلك من الأغراض المقصودة للعقلاء كالطحين والحرث، أما أسنئجارها لمجرد الزينة أو لإبهام الناس أنه فرسا أو نحو ذلك فإنه لا يصح كما تقدم.
    وتعلق بها أمور، أحدها: أنه يلزم بيان من يركبها فإذا لم يبين فسدت وتنقلب صحيحه بركوبها فعلا سراء ركبها المستلأجر أو أركبها غيره لأن الراكب تعين عند المؤجر بعد العقد وهذا هو المطلب إذا لا يلزم التعيين ابتداء. وإذا قبدها المستأجر براكب خاص بأن قال: أركبها أنا وفلان فركبها غبره فإنه يكون غاصبا وعليه ضمانها إذا عطبن ولا أجر عليه سواء سلمت أو عطبت كما تقدم لأن منافع المغصوب لاتضمن.
    (ثانيها) : وإذا أستأجرها للحمل فسمى نوعا كا القمح مثلا فإن له أن يحمل عليها مثله أو أخف كا الذرة أو الشعير ولبس له أن يحمل أثقل كا الملح مثلا.
    (ثالثها) : إذا أردف خلفه شخصا آخر وكانت الدابة تطبق حمل الاثنين عادة فإن كان كبيرا يمكنه أن يستمسك وحده بدون من يستند إليه وعطبت الدابة يضمن النصف سواء كان الذى أردفه خفيفا في الوزن أو ثقيلا إذا لاعبرة بالوزن.
    أما إذا كانت الدابة لاتطيق حمل الاثنين فإنه يضمن الكل فإذا أردف صغيرا لا يستمسك بنفسه فإنه بضمن يقدر ثقله.
    (رابعها) : إذا أستأجرها ليحمل عليها مقدارا معينا فحمل عليه أكثر منه فعطبت كان عليه ضمان ما يقابل الثقل الذي زاده فإذا اتفقا على أن تحكل عشرة فحملها خمس عشرة فعطبت كان عليه قيمة ثلث عطبها وعليه الأجر فأما الضمان في مقابل ما زاد في الثقل الموجب لعطبها وأما الأجر فهو في مقابلة الحمل الذي بين مقداره. فلم يجتمع الضمان والأجر هذا إذا كانت الدابة تطيق الكل لأنه حملها ما لا تطيق. (خامسها) : إذا اتفقا على حمل شيء معين ثم حملها صاحبا بيده أكثر منه فعطبت فلا ضمان على المستأجر لأن صاحبا هو الذي باشر فعل ما به عطبها وحده.
    أما إذا اشترك معه المستأجر في وضع الحمل عليها كأن على المستأجر ضمان ربع ما عطيت منها، وذلك لأنه مأذون في النصف الثاني فيه شاركه فيه صاحبه فيكون عليه الربع فإذا اتفقا على أن تحمل ثمان كيلات فحملها ست عشر كيلة فإن وضع الزيادة صاحبها فلا شيء على المستأجر وإن اشترك معه في وضع الزيادة كان علبه الربع وهو ما يقابل أربعة من الزيلدة وعلى صاحبها أربعة تهدر طبعا.
    وإذا كان المحمول كالقمح مثلا موضوعا في وعاءين (جوالين) فوضع المستأجر عليها واحدا ومالكها واحدا ثم عطبت فلا ضمان على المستأجر سواء وضع الحمل هو أولا أو ثانيا لأنه يجعل ما وضعه هو ماكان مستحقا بالعقد وبعضهم يقول: إذا وضع المستأجر الحمل الثاني يضمن الجميع.
    سادسا: إذا وضع عليها شيئا زائدا على ماسماه وسلمت الدابة فإنه لا يلزم المستأجر بدفع شيء سوى ما سماه وإن كان لا يحل له أن يضع عليها شيئا زائدا على ما سماه وذلك لأنه في هذه الحالة يكون غاصبا ومنافع الغضب لا تضمن كما تقدم.
    سابعا: إذا ضرب المستأجر الدابة فعطبت بها فإن عليه الضمان إلا إذا استأذن صاحبها فأذنه فضربها في الموضع المعتاد فإنه لا ضمان عليه.
    وبعضهم يقول: إنه لا ضمان لضرب الدابة أثناء السير لأنه مستفاد بالعقد وهذا الخلاف وقع في ضرب الولي للصبي والأب فبعض الحنفية يقول لا ضمان عليه.
    وبعضهم يقول: يضمنان بالضرب مطلقا إذا عطب الصبي لأن التأديب لا يتوقف على الضرب إذ يمكن زجره وعرك أذنيه ونحو ذلك وقد اتفقوا على عدم جواز ضرب الإنسان المستأجر للخدمة فإذا ضربه زجره وعطب كان عليه الضمان لأن الإنسان الكبير يؤمر وينهي ويفهم فلا معنى لضربه بخلاف الدابة والصبي والصحيح أن الضرب الخفيف الذي لا يترتب عليه ضرر للحيوان ويحمله على السير فإنه مأذون فيه بشرط سلامة الحيوان فإذا ترتب على الضرب عطب كان ضامنا.
    ومثل دابة الغير دابة نفسه فإنه لا يحل ضربها ضربا يترتب عليه عطبها فإنه فعل فإنه يخاصم ويؤدب على ذلك ويملك مخاصمته كل أحد. وله أن بفعل ما يحتاج إلى التأديب والزجر فقط، ويمنع من ضرب الحيوان على وجهه على أي حال فإن فعل فإنه يخاصم لذلك.
    ثامنها: إذا استأجره وعليه سرج فنزعه فعطب كان عليه الضمان وكذلك إذا استأجره بدون سرج فوضع عليه السرج فإن كان مثل هذا الحمار لا يحتمل هذا السرج عادة كان علي الضمان وإلا فلا.
    تاسعها: إذا عين عين له المالك طريقا فسلك غيرها واختلف الطريقان بعدا ووعورة كان عليه الضمان وإذا سلم الحمار فللمالك الأجر المسمى بقطع النظر عن اختلاف الطريق فلا يصح أن يقول له قد سلكت طريقا شاقا أو بعيدا لأن المقصود واحد وهو الوصول إلى جهة معينة فمتى سلم الحيوان لا يظهر تفاوت إنما يظهر التفاوت حال هلاكه.
    القسم الرابع: إجارة الآدمي وهي نوعان:

    الأول: استئجار الصناع وقد عرفت في الشروط أنه لا بد من بيان العمل كالصياغة والصبغ والخياطة فلا بد أن يعين ويبين لونه الذي يريده ونحو ذلك فإذا استأجر صانعا ليعمل له عملا في داره كالمنجدين والنجارين والخياطين الذين يدعون إلى المنازل لأداء ما يطلب منهم عن صانعهم فعملوا عملا وتركوه في يد المستأجر ففسد أو هلك فإن لهم أجورهم.
    فإذا استأجر خياطا ليخيط له ثيابا في داره فقطعها (فصلها) وأعد الخيط الذي يخيطها به ثم تركها في المنزل وانصرف فجاء لص فسرقها فإنه لا يستحق أجر على (التفصيل) لأنه مستأجر على الخياطة وقد سرقت الثياب فلا أجر له وإذا استأجر خبازا ليخبز له فاحترفق الخبز فاحترق في (الفرن) قبل إخراجه فلا أجر له وإن سرق لص الخبز من الخباز فلا أجر له ولا ضمان وقيل عليه ضمانه.
    وإذا استأجر عمالا لحفر بئر وبائها بالطوف ففعلوا ثم انهارت فلهم أجرهم وإذا انهارت قبل بنائها بالطوف فلهم أجر نما عملوا.
    النوع الثاني: استئجار الآدمي للخدمة وهو جائز يالنسبة للرجال بعضعم بعضا بلا كراهية إنما لا يصح للإنسان أن يستأجر أبويه ولو كافرين وإذا عمل الأب فله أجره، ومثل الأبوين الجد والجدة. وإذا استأجر ابنة أو المرأة ابنها فإنه لا يصح وما عدا ذلك فإن استئجار جائز فتصح إجارة الإخوة وسائر الأقارب.
    وبعضهم يقول: لا يصح استئجار العم والأخ الأكبر لما في ذلك من الإذلال الذي لا يليق ولهذا قالوا يكوه أن يؤجر المسلم نفسه لخدمة الكافر وإن كان جائز بخلاف العمل في السقي والزرع والتجارة ونحو ذلك فإنه يصح أن يؤجر له نفسه بلا كراهة لعدم المهانة في نحو ذلك.
    ويجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة الرجل التأكل هي وعيالها بشرط أن لا تختلي معه فإن الخلوة الأجنبية حرام ويكره للرجل أن يخلو بها.
    ولا يجوز للمرأة أن تؤجر نفسها لخدمة بيت زوجها لأن ذلك مستحق عليها أما إذا أجرها فيما ليس من جنس خدمة البيت كزرع حديقة أو رعي ماشية فإنه يجوز. وللمرأة أن تستأجر زوجها للخدمة أو لرعي الغنم وله أن بفسخ إجارتها ولا يخدمها.
    النوع الثالث: إجارة المراضع والقياس عدم جوازها وإنما جازت استحسانا وذلك لأنك قد عرفت مما مضى أن الإجارة إنما ترد على استهلاك المنفعة لا على استهلاك العين والإجارة هنا ترد على استهلاك اللبن كمن استأجر بقرة ليشرب لبنها وإنما استثنى المراضع لحاجة الناس إلى هذا ولمصلحة الصغير وتصح أجرتها بطعامها وكسوتها ولها عند النزاع كسوة وطعام الوسط. ولزوجها أن يطأها وهي مرضعة في بيته لا في بيت المستأجر إلا إذا رضي المستأجر بأن يخلو بها في بيته.
    وللزوج أن يفسخ إجارتها مطلقا سواء كان يتعير بتأجيرها أم لا.
    وللمستأجر أم يفسخ الإجارة بحيل المرضعة ومرضها وفجورها ظاهرا لا يكفرها لأنه لا يضر بالصبي. وعليها أن تفعل مع الصبي ما جرت به العادة من غسل ودهن وتنظيف ثياب ونحو ذلك ولا يلزمها شيء من نفقات ذلك وأجرتها على الوالد الصبي إن لم يكن له مال وإلا ففي ماله.
    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #135
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 105 الى صــــــــ
    130
    الحلقة (135)



    القسم الخامس: استئجار الثياب والحلي والأمتعة والخيام ونحو ذلك فللإنسان أن يستأجر ثوبا ليلبسه أياما معلومة فإن فعل فله أن يستعمله بما قضت به العادة والعرف بالنسبة لحالة الثوب فغن كان قيما فلا يصح أن يلبسه بالليل ولا أن ينام بل يستعمله قياما أعد له فإن نلم فيه فتخرق عليه ضمانه وإذا ألبسه لغيره فضاع أو تخرق كان ضامنا له.
    أما إذا اشترط أن ينصبها في داره فنصبها في جهة أخرى في البد نفسها فلا ضمان عليه إذا كانت الدار مماثلة لداره. أما كانت مكشوفة تنزل فيها الشمس أو المطر فيضر القماش فإنه يضمن.
    وإذا استأجرت المرأة حليا معلوما إلى الليل لتلبسه ثم حبسته أكثر من يوم وليلة تكون غاضبة عليها الضمان وهذا إذا طلب منها ولم تدفعه لأصحابه. أما إذا حفظه بأن وضعته في مكان لا يلبس فيه عادة فإنه لا ضمان عليها.
    هذا ومما ينبغي التنبه له أن كل عين مستأجرة من حيوان أو متاع أو دار إذا فسدت بحيث لا يمكن الانتفاع بها سقط الأجر عن المستأجر من حين فسادها وعليه أجر مانتفع به مما مضى فإذا كان ساكنا بمنزل ثم تخرب في خلال الشهر فخرج منه عليه أن بدفع أجر الأيام التي قضاها من الشهر وإن اختلفا فيها فقال الساكن: إنها عشرة وقال المالك: إنها عشرون يحكم في ذلك حال المنزل والذي يشهد له من علامات الخراب يعمل بقوله.
    وأما الأعيان التي لا يصح استئجارها باتفاق فمنها نزو الذكور من الحيوانات على إناثها فلا يحل لأحد أن يؤجر ثوره ليحبل بقرة غيره ولا يؤجر حمارة الغير وهكذا لأن إحبال الحيوان غير مقدور عليه فلا يصح تأجيره.
    ومنها: الاستئجار على المعاصي مثل الغناء والنوح والملاهي كاستئجار بعض الفارغين من الشبان لبقوموا بأناشيد سخيفة ويتبادلون في مجلس الخمور والمحرمات فإن استئجارهم كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهو الذين يسمونهم (كشكش) ومثل استئجار الأشخاص العاطلين لضرب الناس وإيذائهم بالسبب فإنه كبيرة لا يحل لمسلم أن يفعلها وهي إجارة باطلة لا يستحقون عليها أجرا، وأما إجارة المغنين فإن كان الغناء مما يجوز فإنها تصح وإلا فلا وقد تقدم في باب الوليمة في الجزء الثاني من الكتاب.
    أما الإجارة على الطاعات فأصول مذهب الحنفية تقضي أنها غير صحيحة أيضا لأن كل طاعة يختص بها المسلم لا يصح الاستئجار عليها ولأن كل قرية تقع من العامل إنما تقع عنه لا عن غيره فلو لم يكن أهلا لأدائها لا تنفع منه فلا يصح له أن يأخذ عليها أجرا من غيره ويستدلون بحديث روي عنه عليه السلام: "اقرؤوا القرآن ولا تأكلوا به" وقد عهد عمر إلى عمرو بن العاص: "وإن اتخذت مؤذنا فلا يأخذ على الأذان أجرا" هذا هو أصل مذهبهم وهو بظاهره عام يشمل كل الطاعات فكان من حقه أن لا بعض الطاعات للضرورة فاجازرا أخذ الأجرة على تعليم القرآن خوفا من ضياعه ومثله تعليم العلم. والأذان والإمامة والوعظ خوفا من تعطيلها.
    أما قراءة القرآن خصوصا على المقابر وفي الولائم والمآتم: إنه لا يصح الاستئجار عليها إذ لا ضرورة تدعو إليها. فمن أوصى لقارئ يقرأ على قبره بكذا أوقف له دارا أو أوصى بعتاقة أو نحو ذلك كانت وصيته باطلة لا قيمة لها لأن الأجرة على الطاعات بدعة محرمة كما ذكرنا.
    وإنما تنفذ مثل هذه الوصايا أو الوقفيات إذا جعلت صدقات، وقد قال صاحب الطريقة المحمدية رضي الله عنه ما نصه:
    الفصل الثالث في أمور مبتدعة باطلة أكب الناس على ظن أنها قرب مقصودة.
    ومنها الوصية من الميت بالطعام والضيافة يوم موته أو بعده وبإعطائه دراهم لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح أو يهلل له وكلها بدع منكرات
    باطلة والمأخوذة منها حرام للآخذ وهو عاض بالتلاوة والذكر لأجل الدنيا اهـ.
    ومحصل هذا كله أن أصل المذاهب منع الإجارة على الطاعات، ولهذا أجمعوا على أن الحج عن الغير من باب الإنابة لا من باب الاستئجار فمن حج عن غيره كان نائبا عنه في أداء هذه الفريضة ينفق على نفسه بقدر ما يؤدي فإن زاده معه شيء من المال الذي أخذه وجب لصاحبه ولو كان إجارة لما رد منه شيئا.
    وإما إقتاء المتأخرين بجواز أخذ الأجرة على بعض الطاعات فهو للضرورة خوفا من تعطليها فأجازوا أخذها على التعليم القرآن ونحوه ولم يجيزوه على قراءة القرآن إذ لا ضرورة في القراءة.
    ويرد على هذا ما ثبت من جواز أخذ الأجرة على الرقية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: "إن أحل ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" وأجيب بأن الرقية تلاوة فقط بل المقصود منها الطب وأخذ الأجرة على التداوي جائز.
    وقد يقال في زماننا أن الناس يتصرفون عن تعليم القرآن إذا لم يجدوا فيه شيئا يساعدهم على قوتهم فالعلة التي أباحوا من أجلها أخذ الأجرة على التعليم وهي خوف تقليل الحفاظ هي بعينها موجودة في الحفاظ الذين ينفقون الذين ينتفعون من قراءءتهم، وقد يكون للإفتاء بجواز أخذ الأجرة على القراءة من هذه الجهة وجه، ولكن الذي لا يمكن إقراره بحال إنما هو ما اعتاد بعض القراء من فعل ما ينافي التأديب مع كتاب الله تعالى كتلاوته على قارعة الطريق للتسول به وفي الأماكن التي نهىالشرع عنه الجلوس فيها وتلاوته على حالة تنافي الخشية والاتعاظ بآياته الكريمة كما يفعل بعض القراءة من التغني به في مجالس المآتم والولائم التي نهى الشارع عنها لما فيها من المنكرات وتأوه الناس في مجلسه كما يتأوهون في مجالس الغناء والإمعان في هذه الطريقة الممقوتة حتى أن بعض القراء يحرفون كلمه عن مواضعه تبعا لما يقتضيه نغم وتمشيا مع أهواء الناس وشهواتهم فإن ذلك كله حرام باطل لا يمكن الإقرار عليه بأي حال.
    ومن الأشياء التي لا تصح إجازتها الأياء التي تستأجر على خلاف شرائط الإجازة المتقدمة.
    ومن ذلك استئجار الشخص بجزء من عمله كأن يستأجر جمالا لينقل له جرنه ويأخذ باقية في نظير أجره أو يعطي طحانا إردبا من الحنطة ليطحنه ويأخذ منه كيلة في نظير أجره فإن كل ذلك ممنوع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ولأن القدرة على تسليم الأجرة شرط في صحة الإجارة وفي هذه الحالة أن يسلم الأجرة لأنه ناطقه بالشيء المعمول فالطحان مثلا لا يمكنه أن يأخذ أجره إلا من الدقيق الذي ينتج من القمح المطحون وهو لم يوجد بعد فإذا وقعت مثل الإجازة وجب فيها أجر المثل بشرط أن لا تزيد على المسمى بينهما.
    والحيلة في جواز مثل ذلك أن يفرز أولا ويسلمه للمستأجر كأن يخرج الصوف أو القمح الذي يريد أن يدفعه أجرا ثم يسلمه للمستأجر وهذا جائز.
    ومن ذلك إجارة ماء الشرب وحده فإنها لا تصح واقعة على استهلاك عين السمك وإجارة المرعى لتأكل غنمه حشيشها فإن كل ذلك فيه استهلاك للعين فلا تنفع إجارته ولكنه يصح أن يستأجر تبعا لشيء آخر فيصح أن يستأجر القناة تجري فيها الماء فتقع الإجارة على الماء تبعا ويصح أن يستأجر قطعة من أرض المرعى ليجعلها مأوى لمواشيه (حوش) ويبيح له مالكها الرعي من حشيشها.
    وأما الأشياء المختلف في جواز استئجارها فمنها إجارة الحمام فإن بعضهم يقول: إن أخذ الحمامي أجرة مكروهة من الرجال والنساء. وبعضهم يقول: إنها مكروهة من النساء دون الرجال والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لحاجة الناس إليها وربما كانت حاجة النساء إليها أكثر من لنفاسهن وضعفهن إنما الذي ينبغي النهي عنه هو كشف العورة فيها سواء كان من فيها نساء أم رجال إذ لا يحل للنساء أن ينظرن إلى عورة بعضهن كما لا يحل للرجال على التفصيل المتقدم في مباحث ستر العورة فعلى من يدخل الحمام أن يحتاط في ستر عورته وأن يغض بصره عن النظر إلى عورة غيره وإلا فقد فعل ما لا يحل له فعله سواء أكان ذلك في الحمام أو غيره.
    ومنها أجرة الحجام فقد قال بعضهم بكراهية لما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كسب الحجام خبيث، وثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث" والصحيح أنها جائزة بلا كراهة لما رواه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان مكروها لم يعطيه والحديث الأول منسوخ بما ورد أن رجلا "وقال يا رسول الله إن لي عيالا وغلاما حجاما أفاطعم عيالي من كسبه؟ قال: نعم" وأيضا فإن حديث البخاري مروي عن ابن عباس وحديث النهي رواه في السن عن أبي رافع.
    ومما لا شك فيه أن ابن عباس أعلم وأضبط وأفقه فيعمل بحديثه على أنه إذا اشترط الحجام أجرا معينا كره ذلك فيمكن حمل الكراهة على ذلك.
    ومن ذلك أجرة السمسار والدلال. فإن الأصل فيه عدم الجواز لكنهم أجازوا الناس إليه كدخول الحمام على أن الذي يجوز من ذلك إنما هو أجر المثل.
    فإذا اتفق شخص مع دلال أو مع سمسار على أن يبيع له أرضا بمائة جنيه على أن يكون له قرشين في كل جنيه مثلا فإن ذلك لا ينفذ وإنما الذي ينفذ هو أن يأخذ ذلك الدلال لأجر مثله في هذه الحالة.
    هذا وتصح إجارة الماشطة لتزيين العروس بشرط أن يذكر العمل أو مدته في العقد.
    وإذا استأجر شخص عاملا يمكن تعيين عمله كخياط ليخيط له هذا الثوب بكذا أو خباز ليخبز هذه الأرغفة بكذا أو هذا الإردب فإنه لا يصح له أن يجمع مع هذا التعيين الوقت فيقول خطه اليوم أو غدا أو اخبزه اليوم أو بعد ساعتين فإذا تأخر عن هذا الموعد يكون بأجرة أقل وإنما لا يجوز ذلك لأنه يفضي إلى المنازعة بأن يقول العامل المنفعة المعقودة عليها إنما هي العمل وذكر الوقت للحث على العجيل وحيث قد تم العمل في اليوم أو بعده فإنني استحق عليه الأجر كاملا ويقول المؤجر كلا بل المنفعة المعقود عليها مقدورة بالوقت فالمعقود عليه هو الوقت وحيث لم توجد قيمة المنفعة فلا تستحق الأجرة كاملة فلذا قبل بفساد العقد. نعم إذا قال على أت تفرغ منه أو تخيطه في اليوم فإن العقد ألا يفسد ويعتبر العقد على العمل وذكر هذه الكلمة يكون الغرض منه إنجاز العمل والفرقأن قوله في اليوم معناه أن تعمل في اليوم ولا يلزم أن يعمله جميعه في اليوم. وقوله على أن تفرغ منه اليوم يفيد أن ذكر اليوم ليس مقصودا كالعمل فيكون الغرض من التعاقد إنما هو العمل وأما كونه يفرغ منه اليوم فهو أمر ثانوي معناه اسعجال العمل على أن بعضهم يقول إن الإجارة لا تفسد بذلك مطلقا ولو قال اليوم بدون في أو على ويقع العقد على العمل ويكون الغرض من ذكر الوقت الحث على التعجيل.
    ويجوز أن يقول شخص لآخر إن خطت لي الثوب في هذا اليوم فتكون أجرته درهما وإن خطته غدا تكون أجرته نصف درهم. وإن سكنت هذه الدار حدادا فبعشرة وإن سكنتها عطارا فبخمسة. وهكذا في كل ما فيه ترديد الأجرة بالنسبة للزمان والمكان والمسافة.
    المالكية - قالوا: الأشياء المستأجرة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم ممتنع فلا يصح استئجاره، وقسم جائز، وقسم مكروه.
    فالقسم الأول: وهو الممتنع فهو ما خالف شرطا من شروطها وقد تقدم بيان كثير منه وبقيت أمور: أولها كراء الشجر لأخذ ثمره لأن فيه استفياء عين وهو الثمر قصدا لا تبعا وهو بيع عين قبل وجودها وذلك باطل. أما الشاة لأخذ لبنها فقد مر بيانه في الكلام على المنفعة فارجع إليه.
    وإذا استأجر دارا فيها نخلة أو كرمة فإن كان ثمرها قليلا واشترط المستأجر لأن تكون تابعة للدار في الإجلرة فإنه يغتفر تأجيرها وأخذ ثمرتها بشرط أن لا يزيد ثمن الثمر عن ثلث الأجرة. وذلك بأن تقوم الدار بغير الثمر فإن كانت عشرة وقيمة الثمر بعد إسقاط ما أنفق على الشجر من سقي ونحوه فإنه يصح في هذه الحالة أخذ الثمن لأن الخمسة إذا أضيفت إلى الأجرة وهي عشرة كان المجموع خمسة عشرة والخمسة ثلثها فيصح أخذه حينئذ أما إذا كانت قيمة أكثر من خمسة فإنه لا يصح لأن القاعدة من مذهب مالك أن كل شيء يمكن قليله من كثيره فثلثه والقليل يتسامح فيه ويستثنى من هذه القاعدة أمور ثلاثة:
    (1) الآفات التي تصيب الثمرة المبيعة فغن ثلثها ليس من القليل.
    (2) مساواة المرأة للرجل في دية الجراحة.
    (3) ما تحمله العاقلة من الدبة.

    ثانيها: الإجازة على التعليم الغناء فإنها لا تصح والغناء بالمد التطريب بالأهوية المعروفة في علم الموسيقى وقد عرفت في مباحث الوليمة أن المالكية لا يبحون سماع شيء من الغناء إلا إذا كان على وزان:
    أتيناكم أتيناكم * فحيونا نحيكم
    إلى أخره....
    وكل ما لا يباح لا يصح تأجيره أما غيره فلهم فيه تفصيل فما كان منه مباحا فإنه يصح الأجرة على تعليمه عندهم. ومن ذلك أجرة آلات الطرب كالعود والمزمار فإن استعمالها وسماعها حرام فكذلك ثمنها وإجارتها.
    ثالثهما: إجارة النائحة (المعددة) فإنه حرام بلا خلاف.
    رابعهما: إجارة الدجالين الذين يزعمون أنهم يخبرون عن المسروق ويردون الضائع فإنها لا تحل ومثله الاستئجار على حل المربوط (العاجز عن إتيان امرأته) فغن اسئجاره لا يحل وقيل يحل إن تكرر نفعه.
    خامسها: استئجار الحائض لكنس المسجد فإنه لا يحل.
    سادسها: إجارة الدكان ليباع فيه الخمر والحشيش ونحوه مما يفسد العقل أو يضر بالبدن فإنها لا تصح وكذلك إجارة المنازل لتتخذ بيوتا للدعارة أو محلا للفسق أو نحو ذلك. وكما لا تصح إجارتها كذلك لا يصح بيعها على ثمنها المعتاد إن باعها بثمن زائد عنه.
    سابعها: الإجارة على طاعة مطلوبة من الأجير (طلب عين لا طلب كفاية) إذا كانت لا تقبل النيابة كالصلاة والصيام سواء كان طلبها على سبيل الوجوب أو على الندب. فلا يصح الاستئجار على صلاة ركعتي الفجر والوتر.
    أما ما يقبل النيابة كالحج، وقراءة القرآن وأذكار، والتهليل ونحوها ففيها خلاف مبنى على وصول ثوابها للميت. فبعضهم يقول: إنها تصل فالإجارة عليها صحيحة، وبعضهم يقول: إنها لا تصل فالإجارة عليها لا تصح والمنقول عن الإمام مالك أنها لا تصل وأن الإجارة عليها لا تصح، ولكن الظاهر من قول أصحابه الميل إلى الميل إلى أنها تصل عملا بحديث رواه النسائي: "من دخل مقبرة وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة وأهدى ثوابها لهم كتب الله له من الحسنات بعدد من دفن فيها" فلو لم يكن ثواب القرآن ينفع الميت ويصل إليه لما حث النبي صلى الله عليه وسلم قل هو الله أحد للأموات.
    أما الأعمال المطلوبة من المكلف على سبيل الكفاية كتكفين الميت وتغسيله ودفنه فيجوز الإجارة عليها بلا خلاف فما يأخذه (الحانوتية) على تغسيل الموتى وحملهم ودفنهم من الأجرة (جائز)
    ثامنها: تأجير العامل الذي يجني الزيتون أو النبق ونحوهما أو يعصره زيتا بجزء مما يخرج منه فلو قال له انقض لي هذه الشجرة يختلف في ذلك فمنه ما يسقط من ثمره بالهز كثيره ومنه ما يسقط قليل فيكون القدر الذي ينزل منه مجهول.
    وكذا إذا قال له اعصر هذا الزيتون أو الرقطم ولك جزء مما يخرج منه فإنه لا يصح لأن القدر الذي يخرج من الزيت مجهول وصفة الزيت الخارج بالعصر مجهولة إذ يمكن أن يكون جيدا وأن يكون رديئا ثخينا أو رقيقا نقيا أو مشوبا ينقصه.
    وبعضهم يقول إذا قال له انفض الثمر الذي على هذا الشجر كله ولك سدسه مثلا فإنه يجوز فإذا وقع شئ من هذا فإن للعامل أجر مثله وجميع الثمر أو الزيت لصاحبه فإن اقنسما كان ما يأخذه العامل حراما أما ما يأخذه رب العمل فهو حلالا لأنه كله ملكه.
    ومثل ذلك ما إذا قال له أدريس (هذا الجرن) ولك ثمن ما يخرج من الحب فإنه إجارة فاسدة للجهل بقدر ما يخرج من الحب. أما إذا قال له احصد هذا الغيط ولك سبعه أو ثمنه فإنه يصح لأن الزرع ظاهر مرئي فيمكنه معرفة القدر الذي بخرج منه.
    ثامنها: تأجير أرض صابحة للزراعة ليزرعها با الطهام فإنه لا يصح فإذا اسنأجر فدانا ليزرعه بخمسه (أرادب) من القمح أو الذرة أو الشعير أو نحو ذلك مما تنبته الأرض كالعدس والفول وجميع أنواع الطعام فإنه لا يصح أنه يمكنه أن يزرع الأرض من هذا النوع الذى أستأجر به فتؤل المسألة ألى بيع الطعاملأجل منع التفاضل والغرر لأنه يحتمل أن يخرج له من الزرع قدر الأجرة أو أقل أو أكثر.
    وكذلك لا يجوز تأجيرها بالطعام الذى لا تنبته كالعسل والجبن واللبن والشاة المذبوحة والشاة التى بها لبن. أما الشاة الحية التى لا لبن بها يجرز أنها ليست بطعام في هذه الحالة ولا يتولد منها طعام كذلك لاتصح بالسمك وطير الماء زعلة ذلك أنه ربما يزرعها طعاما كا القمح والذرة ونحو ذلك فيكون فيه بيع بطعام مخالف له وهو ممنوع.
    كذلك لا يجوز تأجيرها بما ينبت منها من غير الطعام كالقطن والكتان والعصفر والزعفران ونحو ذلك لأنه قد يزرع فيها ذلك النوع الذي أجره بها فيكون فيه بيع الزرع بمثله لأجل فإذا وفع فيه شيء من ذلك كان فاسدا وله كراؤها بالنقود.
    ويجوز كراء الأرض بالشجر الذي يمكث فيها زمنا طويلا واختلف في جواز كرائها بما ينبت وحده لا بما ينبته الناس كالحلف والحشيش والصحيح لأنه يجوز.
    وأما كراء الأرض لأجل بناء عليها دكان عليها جرن فيها جائز وكذلك كراء الدور والدكاكين بالطعام فإنه جائز بلا نزاع لانتفاع الشبه التي تقدمت.
    تاسعها: يمنع استئجار صانع على عمل بحيث لو لأتمه في يوم يكون له عشرة وإن لأتمه يومبن يكون له ثمانية لأنه في هذه الحالة يكون قد أجر العامل نفسه بما لا يعرف.
    فإذا استأجر خياطا على هذه الحالة وخاط له الثوب فله أجر مثله خاطه في يوم أو يومين فإن اتفق معه على أجرة معينة ثن قال له بعد ذلك عجل وأزيدك كذا فإن كان على يقين من أنه يستطيع الفراغ منه في الموعد الذي حدده فإنه يجوز أما إن كان لا يدري فيكون مكروها.
    عاشرها: أن يقول لآخر اعمل على دانتي كأن تحتطب عليها أو تحمل عليها الناس تحمل عليها الحبوب أو نحو ذلك أو يقول له اعمل على دابتي ولم يصرح بشيء مما يحمل عليها ولك نصف ما يتحصل من ثمن ما تحتطبه عليه وتبيعه أة نصف ما تكريها به. وتشتمل هذه الصورة على أربعة أوجه: الأول أن يقول اعمل على دابتي فيعمل بنفسه.
    الثاني: أن بقول اعمل عليها فيؤجرها لغيره ليعمل عليها.
    الثالث: أن يقول له خذ دابتي فاكرها فيأخذها ويعمل عليها بنفسه.
    الرابع أن يقول له خذها فاكرها فيأخذها ويكريها لغيره. والإجلرة في جميع هذه الأوجه فاسدة. فإذا وقع ذلك فحكم الأوجه الثلاثة الأول للعامل جميع ما يتحصل وعليه أجرة المثل لمالكها لأنه في هذه الأوجه يكون قد استأجر الدابة إجارة فاسدة فإذا لم يجد عملا يعمله عليها فبعضهم يقول تلزمه أجرتها مطلقا وبعضهم يقول لا تلزمه الأجرة إذ عاقه عن العمل عائق معروف.
    وحكم الوجه الرابع، وهو أن يقول له خذها فاكرها فيكريها، أن كل ما يتحصل من الكراء للمالك ويكون له أجر المثل فيما عمله فإذا تعاقد مع شخص ليحمله من بلد إلى آخر ومشى خلفه كان له أجر المثل على التعاقد وعلى المشي الذي مشاه وما يتحصل من الأجر للمالك لأن العامل في هذه الحالة يكون قد أجر نفسه إجارة فاسدة. هذا كله بعد الشروع في العمل أما قبله فتعين فسخ العقد، وإنما فسدت الإجارة في هذه الأوجه للجهالة بقدر الأجرة.
    أما إذا قال له خذ دابتي الذي واحتطب عليها ولك نصف الذي تجيء به، فإنه يصح بشرطين:
    الأول: أن يكون القدر الذي يجيء به من الخطب معروفا في العرف كأن تجري العادة بأن هذه الدابة تنقل قنطارين في اليوم أو يسترطا ذلك كأن يقولا نقسم كل قنطارين مما تنقله.
    الثاني: أن لا يحجر المالك على العامل كأن يقول لا تأخذ نصيبك إلا بعد أن يجتمع الحطب في مكان كذا، فيصح بهذين الشرطين لانتفاع جهالة هنا محققة فإنه لا يدري بكم يبيع الحطب الذي يجيء به فالثمن مجهول تماما.
    وهل السفينة والحمام والربع ونحو ذلك من الأشياء الثانية مثل الدابة في ذلك؟ والجواب أن بعضهم يقول إنها مثلها فإذا قال العمل في سفينتي أو في حمامي أو في داري أو لنا ولك نصف ما يتحصل من ريعها فإن ما يتحصل يكون لمالكها وللعامل أجر مثله.
    وبعضهم يقول إن السفينة والدار والحمام ونحو ذلك من الأعيان الثابتة التي لا يتولى العامل مؤنتها يكون لمالكها وللعامل أجرة مثله سواء قال اعمل عليها أو اكرها وسواء عمل عليها بنفسه أو أجرها لغيره. والثاني أصح.
    الحادي عشر: أن يبيع شخص لآخر نصف سلعة معين على أن يبيع المشتري النصف الثاني فلا يصح أن يقول شخص لآخر بعتك نصف داري هذه بمائة على أن تتولى بيع نصفها الثاني وإنما تمتنع هذه الصورة إن لم يعين محل البيع أو عين بلدا تبعد عن البلد الذي فيها العقد أكثر من ثلاثة أيام.
    أما إذا قال له أن تبيع لي النصف الثاني في هذه البلدة التي حصل العقد أو في بلد قريب منها فإنه يصح وذلك لأنه في الحال الأولى يكون قد اشترى معينا وهو نصف الدار ولم يتمكن من قبضة إلا بعد بيع النصف الثاني في بلد يبعد عن محل العقد أكثر أيام وذلك ممنوع.
    أما في الحالة الثانية وهي إذا كان محل البيع في البلد أو في بلد يصح تأجير القبض إليها بأن كانت مسافتها ثلاثة أيام فأقل فإنه يصح ولكن يشترط في هذه الحالة أن يجعل العاقدان للبيع أجلا معلوما بأن يقول على أن تبيع لي النصف الثاني بعد شهر مثلا حتى في المسألة بيع وإجارة.
    أما البيع فلأنه قد باع نصف الدار بثمن معلوم.
    وأما الإجارة فلأنه قد اجره على أن يبيع له الثاني في وقت كذا وذلك جائز لأنه يصح أن يجتمع البيع والإجارة في عقد واحد.
    أما إذا لم يؤجلا فيجتمع في المسألة بيع وجعالة فكأن قال بعتك النصف بمائة على أن يكون هذا البيع جعلا لبيع النصف الثاني وهو ممتنع وذلك لأنك التأجيل بعين الإجارة إذ الجعالة يفسدها التأجيل.
    وإذا باع شيئا مكيلا أو موزونا أو معدودا كأن أعطاه عشرين إردبا من القمح وباع له إردبين منها بجنيه وسمسرة على بيع باقيها في خمسة أيام فيكون له نصف أجرة السمسرة فيرد نصف الإردب الذي جعل في مقابل السمسرة ويحتمل أن يبيعها في آخر يوم من العشرة أو بعد العشرة فلا يريد شيئا فقد ترددت أجرة السمسرة وهي الإردب بين كون بعضه إجارة وبعضه سلفا يرده غير جائز.
    وإذا اشترط المشتري إنه باع النصف الثاني لا يرد شيئا من الأجرة فإنه يصح. فتحصل من ذلك أنه لا يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بثمن معين وأجرة سمسرة على بيع النصف الثاني إلا بثلاثة شروط:
    الشرط الأول: أن يعين محل البيع بأن يكون في بلد لا تبعد عنه أكثر من ثلاثة أيام.
    الثاني: أن يجعل لبيع النصف الثاني أجلا.
    الثالث: أن يكون المبيع مثليا لا يعرف فإذا تحققت هذه الشروط صح لأنه يكون بيع وأجرة وهو جائز وإلا فلا.
    وأما القسم الثاني وهو الجائز فهو أمور: منها الأجرة على الإملمة مع الأذان فإنها جائزة بخلاف الأجرة على الصلاة وحدها فإنها لا تجوز كما تقدم.
    ومنها: الأجرة على تعليم القرآن والعلم والصنعة ونحو ذلك فإنها تجوز بشرط أن يعرف المعلم الشخص الذي يريد أن يتعلم.
    ومنها إجارة المراضع: فيصح أن يستأجر شخص مرضعة لابنه وتسمى (ظئرا) بشرط أن يعين الولد الذي يريد إرضاعه فإن كان غائبا فينبغي أن يذكر سنة. أما إذا كان حاضرا فينبغي رؤيته، وإن جربته المرضع لترى قوة رضاعه يكون حسنا.
    وإذا استؤجرت المرضع بإذن زوجها فإنه يمنع من وطئها سواء أضر بالصغير أو لم يضر.
    وبعضهم يقول: إنه لا يمنع من وطئها إلا إذا أضر بالصغير فإن وطئها على القول الأول يكون لأب الصغير فسخ الإجارة.
    وكذلك يمنع الزوج من السفر من بلد أهل الرضيع وإذا سافر الأبوان من بلد الظئر لزمهما دفع الأجرة كالملة وإلا تركا الصبي لترضعه في محل العقد.
    أما إذا أجرت نفسها بغير إذن زوجها فله كل ذلك ويفسخ الإجارة.
    وليس للمرضعة أن ترضع ولدا آخر بعد التعاقد على إرضاع معين ولو لم يضر بالأول فإن فعلت فسخت الإجارة. وليس عليها أن تحضن الصغير لأن الإرضاع لا يستلزم الحضانة وبالعكس.
    وإذا استأجرها لإرضاع صغيرين فمات أحدهما فسخت الإجارة وكذلك تفسخ الإجارة بسبب ظهور حمل المرضع بأن كانت حاملا وقت العقد ولكن لم يظهر حملها ثم ظهر في أثنائه. وهل تفسخ إن خيف الضرر على الرضيع أو تفسخ مطلقا؟ خلاف فبعضهم يقول: مجرد ظهور الحمل كاف في جواز الفسخ وبعضهم يقزل: لا بل يفسخ إن خيف وهل يجب على أهل الصغير الفسخ إن خيف الضرر أولا يجب؟ إذا خافوا عليه الموت يجب عليهم الفسخ وإلا فلا يجب وكذلك تفسخ إجارة المرضع إن مرضت مرضا لا تقدر على إرضاع الصغير وإذا فسخت الإجارة فللمرضع حساب ما أرضعت.
    وإذا كان أب الصغير قد أعطاها الأجرة مقدما فأكلتها فلا تطالب بدفعها. وإذا فسخت الإجارة فلا تلزم المرضع أن تحضر غيرها محلها في إرضاع الصغير.
    ومنها: أنه يجوز للمالك أن يستأجر العين الذي أجرها من المستأجر فإذا استأجر محمد دارا من خالد فإنه يصح لخالد أن يستأجر تلك الدار من محمد بنفس القيمة التي أجر بها أو أكثر أو أقل بجنسها أو بغير جنسها فإذا استأجرها فإذا بجنيه ذهب فله أن يؤجر لمالكها بجنيه كذلك أو بجنيه ونصف كما أن له أن يؤجرها له بإردب من القمح أو بثوب من القماش وهكذا، وإنما الممنوع ما يوجب التهمة.
    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #136
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 105 الى صــــــــ
    130
    الحلقة (136)


    وذلك كما أجر له داره بجنيهين شهريا وأجل له الأجرة فلا يستلمها إلا بعد سنة، ثم استأجرها منه بجنيه واحد على أن يدفع له الأجرة فورا فإن في هذا شبهة، وهو أنه فعل ذلك لبقرضه بفائدة.
    ومثل ذلك ناظر الوقف فإنه لا يجوز له أن يستأجر ما أجره لغيره لأن فيه تهمة أنه فعل ذلك ليستولي على العين وينتفع بها فأجرها بأجرة زهيدة للغير ليأخذها منه بذلك.
    ومها: لأنه يجوز أن يستأجر دابة، أو دارا إلى مدة معينة بأجرة معلومة بشرط أنه إن استغنى عنها أثناء هذه المدة سلمها لصاحبها وحاسبه لقدر المدة التي استعملها فيها إن كانت دارا، أو المسافة التي قطعتها بها إن كانت دابة.
    هذا وإن كانت المنفعة التي باعها المالك مجهولة فيه لعدم بيان المدة إلا أن الجهالة فيها يسيرة فإن المعتاد أن الذي يستأجر شيئا من ذلك إنما يعمل حسابه فلا يستغني عنه غالبا، وإن استغنى عنه فإنما يستغني عنه في أخريات المدة فيتغفر تسهيلا للتعامل. ولكن يشترط أن لا يدفع المستأجر للمالك الأجرة لأنه إن دفعها له يحتمل أن يرجع بعضها إن لم يستوف المدة، ويحتمل أن لا يرجع إن استوفاها. فيكون تارة أجرة، وتارة سلفا وهو ممنوع.
    ومنها: أنه يجوز للمالك أن يؤجر الشيء الذي استأجره مدة تلي مدة الإجارة فإذا أجره داره سنة ولم تنته جاز له أن يؤجرها مدة أخرى تبتدئ بعد نهاية السنة لا فرق في ذلك بين أن يؤجرها للمستأجر الأول أو لغيره.
    ومنها: أنه يجوز للمالك أن يبيع أرضا على أن تبقى نتفعتها أو أكثر أو أقل ويسلمها للمشتري بعد نهاية تلك المدة. فللمشتري في هذه الحالة أن يؤجرها قبل أن يستلمها على أن تبتدي مدة الإجارة عند نهاية مدة المنفعة التي اشترطها البائع. ولكن يشترط لجواز تأجيرها أن يغلب على تأجيرها وما لا يصح تأجيره فلا يصح دفع أجرته مقدما طبعا.
    أما ما يغلب الظن بقاؤه فإنه يصح دفع الأجرة مقدما وإذا احتمل الأمران على السواء فقيل يجوز العقد لا النقد وقيل لا يجوز.
    وللبائع أن يشترط الانتفاع بسلعته التي باعها عام فأقل إذا كانت دارا ونحوها والانتفاع بها مدة طويلة واو سنين إذا كانت أرضا أما إذا كانت حيوانا فإنه لا يصح أن يشترط الانتفاع به أكثر من ثلاثة أيام.
    ومنها: أنه يجوز أن يستأجر شخص أرضا على أن يبنيها مسجدا مدة السنين فإذا انقضت المدة ردم البناء وأخذ الثاني انقاضه وتعود الأرض ملكا لصاحبها ولا يجبر أحدهما على بقاء ما يخصه. ومنها: أنه يجوز الاستئجار على طرح ميتة ونحوها من النجاسات كالمواد البرازية وإن كان فيه مباشرة للنجاسة.
    ومنها: أنه يجوز إجارة المبنية بناء جديدة وأرض مأمونة الري مدة طويلة إلى ثلاثين سنة. وأما الدار القديمة فإنه يصح تأجيرها مدة يظن معها بقاؤها سليمة.
    وأما الأرض التي ريها غير مؤمون فإنه يجوز العقد دون دفع الأجرة كما تقدم هذا في الملك وأما في الوقف فإنه لا يصح تأجيره في الدور ونحوها أكثر من سنة سواء كانت موقوفة على معين كفلان وأولاده أو لا كالفقراء. وأما الأرض فإنه لا يصح تأجيرها أكثر من ثلاث سنين سواء كان المؤجر الناظر الأجنبي أو المستحق إن كانت على معين.
    أما إذا كانت موقوفة على غير معين كالفقراء، فإنه يصح تأجيرها إلى أربعة سنين دون زيادة. فإن كان المستأجر ممن يؤول الوقف يصح أن يؤجرها له زما طويلا كعشر سنين ونحوهما لأن الوقف يرجع إليه.
    وإذا وجدت ضرورة تقتضي مد زمن الإجارة أكثر من المدة التي تقدمت، كما إذا تهدم الوقف. وليس له ريع يبنى منه فإنه يصح للناظر أن يؤجر ليبني بها ولو طال الزمن كأربعين عاما.
    ومنها: أنه يجوز أن يبيع شخص لآخر سلعة بمائة مع أنها تساوي مائة وخمسين على أن أن يتجر المشتري في ثمنها فيكون الثمن محموع أمرين: المائة والاتجار، ففيه إجارة وبيع إنما يشترط بصحة ذلك شروط:
    أحدهما: أن يكون الثمن معلوما.
    ثانيهما: أن يحضر المشتري الثمن ويشهد عليه لينتقل من دين في ذمته إلى أمانة عنده وإلا كان سلفا جر نفعا يتهم بتأخيره ليزيده بربح التجارة.
    ثالثها: أن تكون المدة التي يريد له فيها معلومة كسنة مثلا.
    رابعها: أن يعين النوع الذي يتجر فيه لأن التجارة تتفاوت بتفاوت السلع في الصعوبة والسهولة.
    خامسها: أن يكون ذلك النوع موجودا في زمن الأجل.
    سادسها: أن يكون العامل مديرا يتصرف في السلع بأن يشتري ويبيع ولا يكون محتكرا بمعنى أنه يجمع السلع ولا يبيعها إلا إذا ارتفعت أثمانها لأن ذلك يؤدي إلى البيع في زمن مجهول فيدخل الجهل في الثمن لأن الثمن مجموع الأمرين كما عرفت: المائة والعمل.
    سابعها: أن لا يتجر له في الربح لأن الربح مجهول.
    ثامنها: أنه يلزم أن يشترط المشتري الذي يريد أن يتجر في الثمن على البائع أن الثمن إذا تلف منه شيء يدفع البائع غيره حتى لا يكون له وجه في ادعاء أن المشتري لم يتجر في كل الثمن بل اتجر في بعضه فلم يستلم الثمن كاملا في هذه الحالة، فإذا اشترط ذلك وتلف بعض الثمن ولم ينشأ البائع تكتمله بل رضي أن يتجر له المشتري في الباقي فإنه يصح ولا يلزم بالتكلمة لأن الغرض من الشرط دفع النزاع من البائع ومتى رضي فقد انتهى الأشكال.
    ومنها: أنه يجوز استئجار طريق في دار أو غيرها للمرور فيها. ومنها: أنه يجوز استئجار مجراة تصب فيها مياه المرحاض.
    وكذلك استئجار مجراة يصب فيها الماء الذي يسقي الزرع، أما شراء نفس الماء فإنه لا يجوز سواء كانت مدة شرائه قليلة أو طويلة على المعتمد.
    ومنها: أنه يجوز إجارة المنقولات كالأواني والدلاء والفؤوس.
    وأما القسم الثالث: وهو المكروه فأمور منها: إجارة الحلي فإنها مكروهة سواء كان ذهبا أو فضة وعلة الكراهة أن الله تعالى لم يجعل له زكاته في إعارته فيكره أن يأخذ عليه أجرا.
    ومن ذلك تعلم أن الذي تكره إجارته هو الحلي المباح الاستعمال، أما المحرم فإن الزكاة واجبة فيه فتمنع إجارته فإذا استأجر رجل حليا فإن الإجارة لا تصح وبعضهم يرى كراهة إجارته سواء كان استعماله حلالا أو ممنوعا.
    ومنها: أنه يكره لمن استأجر دابة ليركبها أن يؤجرها لمثله في الخفة والإهانة ولا ضمان عليه إن ضاعت بلا تفريط أو ماتت أما أجرها ليحمل عليها شيئا فإنه لا يجوز له أن يؤجرها لغيره عليها مثل ذلك.
    ويجوز كراء الدابة بعلقها أو طعام صاحبها أو بهما معا سواء انضم لذلك نقد أو لا ليركبها أو ليطحن بها زمنا نحو شهر إذا كانت مسافة الركوب أو قدر الطحن معروفين في العادة بأن كان الركوب في البلد وما قاربها الطحن للقمح ونحوه لا الحبوب الصبغة كالترمس.
    ومنها: الأجرة على تعليم الفقه والفرائض فإنها الغرض نشر العلم الديني وأخذ الأجرة عليه ومكروه في الجملة فلذا كانت مكروهة.
    ومنها: استئجار من يقرأ القرآن بتطريب ونغم لا يخرجانه عن وضعه فإن استئجار مكروه والمراد من يقطع صوته بالأنغام لا من يجود القرآن
    بالصوت الحسن أما ما يخرج بالقراءة عن وضعها فإنه يحرم استئجاره وحرم قراءة القرآن بالشاذ وهو ما زاد على العشرة على الرلجح وبعضهم يقول ما زاد على السبعة.
    ومنها: أنه يكره للمسلم أن يكري نفسه أو ولده لكافر إلا إذا لم يكن مختصا به كالخياط الذي يخيط للمسلم والكافر فإنه لا يكره. هذا ولا يحل للمسلم أن يضع نفسه تحت يد الكافر في الخدمة كخدم البيوت والمراضع فإنهم لا يحل لهم وإن فعلوا تفسخ الإجلرة ويكون لهم أجر المثل.
    الشافعية - قالوا: الأمور التي يصح استئجارها والتي لا يصح تقدم معظمها في الشروط وبقيت أمور:
    منها: أنه لا تصح الإجارة على الطاعات التي تجب لها كالصلاة فرضا كانت أو نفلا إلا أنه يصح الإجارة على الإمامة على أن يكون الأجر في مقابل إتعاب مفسه بالحضور إلى كوضع معين والقيام بها في وقت معين لا على أداء الصلاة.
    ومثل ذلك ما يتعلق بالصلاة كالخطبة فإنه لا تصح الإجارة على نفس أدائها وإن كانت تصح على القيود الخاصة التي يتقيد بها الخطيب من الحضور إلى المكان ونحوه وتصح الإجارة على الحج كما تقدم في بابه.
    ومنها: أنه لا تصح الإجارة على التدريس إلا إذا عين المسائل التي يريد دراستها وكذا لا تصح الإجارة على زيارة القبور ولو قبر النبي صلى الله عليه وسلم للدعاء عنده.
    ومنها: أنه تصح الإجارة على قراءة القرآن لحي أو ميت ويحصل له الثواب سواء قرأ بحضرته أو أهدى له ثواب القراءة كأن يقول: اللهم اجعل ثواب هذا لفلان وهل يحصل ثواب القراءة للقارئ أيضا أو لا؟ خلاف: فبعضهم يقول: إنه يثاب يقول: إن كل عبادة كان الحامل عليها أمرا دنيويا لا ثواب فيها للفاعل.
    ومنها: أنه تصح الإجارة على كل مسنون كالأذان والإقامة. وعلى ذكر الله تعالى كالتهاليل (العتاقة) إذا كان فيها كلفة يستحق عليها الأجر ولا يصح الإجارة على أن يرفع صوته بها.
    ومنها: أنه تصح الإجارة على تعليم القرآن على المعتمد ويقدر تعليم القرآن بالزمن وبتعيين محل العمل، مثال ذلك اسئجار الدواب مثلا فإنه يمكن ضبط منافعها بيان محل عملها فأما عملها فهو سيرها أو ركوبها وأما محله فهو المسافة التي يقع فيها ذلك السير والركوب فلك أن تقدر المنفعة بمحل العمل وهو الركوب والسير كأن يستأجرها لتركبها إلى بلد سواء عملت يوما أو أقل أوأكثر ولك أن تقدر المنفعة كأن تستأجرها يوما فأكثر.
    ومن ذلك ما يفعله الناس في زماننا من تأجير السيارات (الأتومبيلات) بالمسافة أو الساعة فإنه جائز في كل من الحالين.
    أما إذا كان لا يمكن ضبط المنفعة بتعيين محل العمل فإنه يجب تقديرها بالزمن فقط كتعليم القرآن فإن عمل المعلم لا يمكن تقدير المسافاة التي يقع فيها فيقدر بالزمن خاصة كأن يستأجيره لعمله شهرا بكذا أو ليعمله سورة خاصة بكذا أما تعيين المنفعة ببيان محل العمل والزمن معا فإنه لا يصح كما إذا قال له: خط لي هذا الثوب في هذا النهار فإن عمل الخياط غرز الإبرة ومحله نفس الخياطة الحاصلة وهي التي تقدر عليها الأجرة فلا يصح حينئذ تقديره بالزمان لأن الزمان قد لا يفي بالعمل فيوجد النزاع.
    نعم إن كان الغرض من ذكر الزمن الإسراع فإنه يصح. واعلم أن الاستئجار لمجرد الخياطة باطل لأنها عمل مستقل على قطع لبثياب. أما الاستئجار على الخياطة وقطع القماش وقطع (التفصيل) فإنها صحيحة.
    ومنها: أنها تصح الإجارة لإرضاع الصبي ةتقدر بالزمان كأن يستأجرها لترضع ولده مدة كذا بكذا من النقد أو غيره ويشترط تعيين الطفل الذي يريد إرضاعه بالرؤية أو الوصف على المعتمد كما يشترط تعيين مكان الإرضاع سواء كان بيت المستأجر أو المرضعة.
    ويصح استئجار المسلمة والكافرة والحرة والأمة كما يصح أن تباشر التعاقد بنفسها أو بواسطة زوجها وعليها أن تعمل ما يزيد في اللبن وأن تمتنع عن كل ما يضر بالصبي فإن كان يضره أن يطأها زوجها فإنها تمنع منه وإلا فلا. فإذا لم تفعل وتغيلا لبنها أو قل ثبت الخيار للمستأجر فإن شاء فسخ العقد وإن شاء أقره.
    ومنها: أنه يصح إجارة العين مدة تبقى فيها غالبا فيؤجر الدار ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنة أو سنتين بحسب حاله وللمستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه، وله أن يتنازل عنها لغيره فإذا استأجر دارا فله أن يؤجرها لغيره بشرط أن يكون مثله في الاستعمال، فلا يصح له أن يسكن حدادا أو نجارا إذا لم يكن هو كذلك لما في إسكانها من الضرر ما لم يشترط أن يسكن من يشاء. وإذا اشترط المالك أنه لا يجوز للمستأجر إسكان غيره فسد العقد.
    وأما المحل المستأجر فإن كان معينا فإنه لا يصح اسبداله بغيره فإذا استأجر هذه الدار ليسكنها فإنه لا يجوز للمالك أن يسكنه دارا غيرها فإذا شرط استبدالها في العقد فإنه يصح.
    هذا واعلم أن كل شيء يمكن الانتفاع به شرعا مع بقاء عينه مدة الإجارة فإنه يصح تأجيرها فلا تصح إجارة الملاهي كالزمارة والدربكة أما بقية الطبول فيصح استئجارها.
    الحنابلة - قالوا: تنقسم الأشياء التي يمكن عليها عقد إجارة إلى ثلاثة أقسام:
    مالا يصح لمخالطة شرط من الشروط المتقدمة، وما يصح بدون كراهية وما يصح بكراهية.
    القسم الأول: ما يصح بلا كراهة وهو أمور:
    منها: أنه استئجار المرضعة بإذن زوجها وللزوج الاستمتاع بها وقت فراغ ويصح إجارة الوالدة لإرضاع ولدها بأجرة معلومة ولو بطعامها وكسوتها وإن لم يعين الطعام والكسوة وإذا استؤجرت للرضاع فلا تلزمها الحضانة إلا إذا نص عليها. وبشرط لصحة الإجارة للرضاع شروط:
    الأول: رؤية الطفل المرتضع ولا يكفي وصفه لأن الرضاع يختلف باختلاف كبره وصغره ونهمته وقناعته.
    الثاني: معرفة مدة الرضاع لأنه لا يمكن تقدير الرضاع إلا بالزمن فإن العمل وهو السقي لا يمكن تعيينه.
    الثالث: معروفة مكان الرضاع هل عند المرضعة أو في منزل المستأجر لأنه يختلف سهولة وصعوبة.
    ويجب على المرضعة أن تأكل وتشرب ما بدر لبنها ويصلح لبنها ويصلح به، وللمستأجر أن يطالبها بذلك كما يجب عليها أن تجتنب كل ما يضر بالصبي.
    ويجوز للمسلمة أن ترضع الطفل الكتابي بالأجرة، وهل لها أن ترضع المجوسي (الوثني) خلاف.
    ومنها: أنه يجوز استئجار الدابة بعلفها أو بأجر معين مع علفها بشرط صاحب الدابة ذلك، مع بيان نوع العلف أو فول أو نحوهما وكقدح وهكذا. وبعضهم يقول يصح مطلقا من غير بيان.
    ومنها: أنه يجوز استئجار الدابة (المولودة) فيجوز لها أن تأخذ الأجرة على ذلك. ولو من غير شرط.
    ومنها: أنه يجوز الإجارة على حصد الزرع بجزء مشاع منه كربعه وخمسه وهكذا كما تجوز الإجارة على جني النخل بجزء من ثمره، أما نفض الزيتون (هزه) ببعض ما يتساقط منه فإنه لا يصح لجهل بالباقي وللعامل أجر مثله.
    أما جني الزيتون كله بجزءمشاع كسدسسه مثلا فإنه يصح.
    ومنها إجارة الوقف فإنها تصح لأن منافع الوقف مملوكة للوقوف عليه، ثم إن كان المؤجر ناظرا بأصل الاستحقاق بمعنى أن الواقف لم يعين ناظرا بل وقف على شخص، وعلى هذا يكون ذلك الشخص الموقوف عليه نظرا للوقف إذا لم يشترط ناظرا يكون المستحق هو للناظر، فإن كان ذلك، فإن الأجرة تبطل بموته.
    وإذا كان المستأجر قد دفع أجرة مقدما فإنه يأخذها من تركه المؤجر، أما إذا كان المؤجر ناظرا بشرط الواقف، فإن الإجارة لا تفسخ بموته، ويشترط أن تكون مدة الإجارة معلومة في الوقف وفي الملك، كما يشترط أيضا أن بغلب على الطن بقاء العين سليمة في مدة الإجارة وإن طالت، حتى ولو كان المتعاقدان أو أحدهما مرمان يظن موتهما قبل انقضاء مدة الإجارة ولا فرق في ذلك بين الملك والوقف.
    ومنها: أنه يصح تأجير العين مضافة إلى الزمان المستقل، فإذا أجرت أرضا في سنة أربع تبتدئ سنة خمس فإنه يصح سواء كانت العين مشغولة وقت العقد برهن أو إجارة أو لم تكن مشغولة ما دام يمكن تسليمها وقت زمن الإجارة.
    وإذا كانت الأرض مشغولة ببناء أو بغرس شجر للغير ونحو ذلك مما لا يمكن إخلاء الأرض منه فإنه لا يصح تأجيرها إلا بإذن صاحب البناء أو الشجر، فإن كانت مشغولة ببنات لا يدوم أو بمنقولات يمكن إخلاؤها منها كاجرن أو أثاث المنازل فإنه يصح تأجيرها مطلقا. هذا والمنافع التي لحدثها المستأجر على العين تكون مملوكة له.
    ومنها: أنه يص للمستأجر أن يؤجر العين التي استأجرها لغيره لأن المنفعة أصبحت مملوكة له فيجوز أن يستوفيها بنفسه، أو بنائه، بشرط أن يكون مثله أو أقل منه في استعمال تلك العين. فإذا استأجر منزلا ليسكن فيه فإنه لا يصح له أن يؤجره لحداد (أو صباغ) أو نحو ذلكويصح تأجير العين لمؤجرها بأجرة زائدة أو أقل أو مساوية.
    فإذا استأجر زيد من عمرو دارا فلزيد أن يؤجرها لعمرو صاحبها بهذه العشرة أو بأزيد منها، أو بأقل. بشرط أن لا يكون الغرض التحابل على الربا كأن يؤجره منه بعشرة لأجل، ثم ستأجرها منه بخمسة مقبوضة كبيع العينة المتقدم في كتاب البيوع، فإن ذلك لا يصح هنا.
    ومنها: أنه يجوز أخذ الأجرة على الحمام، كما تقدم في الشروط وما يأخذه الحمامي يكون أجرة السطل والمئزر والمكان ويدخل الماء تبعا لأنه لا يصح إجارة الماء استقلالا، ويحرم على من يدخل الحمام أن يستعمل ماء أكثر من العادة ولا يلزم تعيين الأجرة فيه كغيره من المباحات المتعارفة كركوب السفينة وحلق الرأس ونحو ذلك فإنه لا يلزم فيه تعيين الأجر كما تقدم.
    ومنها: إجارة الحلي فإنها بأجرة من جنسه ومن غير جنسه.
    القسم الثاني: مالا تصح إجارته وهو ماخالف الشروط المتقدمة، وبقيت أمور:
    منها: أن يقول للخياط إن خطت الثوب فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصفه لأنه لا جزم بشيء فيوجد التنازع بخلاف ما إذا استأجر سيارة أو دابة على إن رده اليوم بخمسة وإن رده غدا فبعشرة، فإن ذلك يجوز لأنه عين لكل زمن عرضا فلا جهالة فيه ولا نزاع.
    ومنها: أنه لا يجوز إجارة عين إلا بخمسة شروط:
    الأولى: أن يقع التعاقد على نفع العين الذي يمكن اسيفاؤه دون إجزاء تلك العين فلا تصح إجارة الطعام للأكل لأن الانتفاع إنما هو باستهلاك أجزاء الطعام لا بشيء آخر ومثله إجارة الشمع ليوقده لأنه يستهلك نفس العين. وكذا إجارة حيوان يأخذ لبنه أو صوفه أو يره فإنه لا يصح لأن المنفعة لا تقع إلا باستهلاك نفس العين المتولدة من الحيوان وإنما صح تأجير المرضعة لأنها يحصل منها عمل كوضع الثدي في فم المرضع وإمساكه بين يديها واحتمال ما يترتب على إرضاعه من ألم في بعض الأحيان ونحو ذلك فهي مستأجرة لهه المنافع واللبن غير معقود عليه مستقلا وأيضا فإنه أجير لحاجة الناس إليه ضرورة وكذا لا يصح استئجار شجرة لأخذ تمرها ونحو ذلك.
    الشرط الثاني: معرفة العين المؤجرة بروؤية إن كانت لا تضبط بالصفات كالدار والحمام. فمن أراد أن يستأجر دارا فلا تصح إجارتها إلا بعد معلينتها، ومثلها الحمام.
    أما إن كانت العين يمكن ضبطها بالصفات فإنه يصح تأجيرها بدون رؤية كالأراضي الزراعية فإنه يكتفي فيها بوصفها وذكر حدودها ونحو ذلك. وهل يصح إجارة الحمام مطلقا أو تصح مع الكراهة والجواب أن الكراهة فيه تنزيهية.
    الشرط الثالث: القدرة على التسليم فلا تصح إجارة الحمل الشارد كما لا يصح بيعه ولا إجارة مشاع لغير شريكه لأنه لا يقدر على تسليمه إلا أن يؤجر الشريكان معا أو يؤجر أحدهما بإذن الآخر.
    الشرط الرابع: اشتمالها على المنفعة المعقودة عليها، فلا تصح إجارة عين لغرض من الأرغاض وهو غير موجود فيها، فلا تصح إجارة الأخرس ليعلم العلم، وذلك ظاهر.
    الشرط الخامس: كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها كالبيع.
    ومن الأشياء التي لا تصح إجارتها ذكور الحيوانات التي تستأجر لإحبال إناثها، فلا يحل استئجار ثور ليحبل بقرة، ولا حملا ليحبل ناقة، وهكذا لأن المقصود من ذلك إنما هو منيه وهو محرم لا قيمة له فلا يصح الاستئجار عليه فإذا احتاج شخص إلى ذلك ولم يجد من يعطيه فإنه يصح له فإنه يصح له أن بدفع الأجرة ويكون الإثم على من أخذها ولكن لا بأس أن يدفع هدية بعد العمل بدون تعاقد ومنها لأنه لا تصح الإجارة على فعل قربة إلى الله تعالى كالحج والصلاة والآذان والإقامة وتعلين القرآن والفقه والحديث وإنما يصح الأخذ عليه على أنه جعالة لا أجرا كما يجوز أخذه بلا شرط على أنه يصح الوقف على الطاعات التي يتعدى نفعها للغير كالآذان وتعليم القرآن ونحوه والإمامة والقضاء والفتيا فيجوز لمن يقوم بهذه المصالح أن يأخذ الموقوف عليه من ذلك كما يجوز له أن يأخذ مرتبا عليها (رزقا) لا بعنوان كونه أجرا ولا يخرجه أخذ ذلك عن كونه قربة.
    ولا يصح أن يصلي أحد عن آخر فرضا ولا نافلة في حياته وبعد مماته وتصح الإجارة على تعليم الخط والحساب والشعر المباح وشبهة كما تصح الإجارة على خدمة المساجد.
    وأما القسم الثالث المكروه فهو إجارة الحجام فإنها وإن كانت صحيحة إلا أنه يكره الأكل من كسبه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #137
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 130 الى صــــــــ
    147
    الحلقة (137)

    [- مبحث ما يضمنه العامل إذا تلف وما لا يضمنه]
    -وإذا استأجر شخص عاملا من العمال ليخيط له ثوبا أو يصبغه، أو يبيني له دارا أو يخبز لخ خبزا أو نحو ذلك فأفسد العامل الثوب أو حرق الخبز أو أخل البناء فهل يلومه الضمان ويدفع تعويض ما أفسده أو لا ذلك تفصيل المذاهب (1) .
    [مبحث ما يفسخ به عقد الإجارة وما لا يفسخ]
    -عقد الإجارة اللازمة ولكنه يفسخ بأمور مفصلة في المذاهب (2) .



    (1) الحنفية - قالوا العامل الأجير ينقسم إلى قسمين: مشترك، وخاص. فالمشترك هو الذي لا يجب عليه أن يختص بواحد سواء عمل لغيره أو لا.
    ومثال الأول: الخياط الذي يقبل الثياب لخياطها من أشخاص كثيرين والنجار والحداد الذين يعملون في دكاكينهم.
    ومثال الثاني: أن يعمل واحد من الصناع في منزل الآخر عملا غير مؤقت كما استأجر شخص نجارا ليعمل له شبابيك في داره بدون أن يجعل له أجرة يومية فإن النجار في هذه الحالة لا يجب عليه أن يختص به بل له عملا لغيره وإن لم يعمل (ويسمى هذا العمل مقاولة)
    وأما الخاص (ويسمى أجير وحده - بسكون الحاء وفتحها - مأخوذة من الوحد بمعنى الوحيد) فهو الذي يجب عليه أن لا يعمل لغيره من استأجره وذلك كالأجير اليومي الذي له أدرة يومية فإنه لا يصح أن يشغل وفته بشيء غير العمل المستأجرة فلو استأجر بجارا شهرا على أن يعمل شبابيك وأبواب لا يصح للنجار أن يقبل عملا آخر من غيره حلال هذا الشهر سواء شرط عليه أن لا يعمل لغيره أو لم يشترط ولكن الأولى أن ينص على ذلك في العقد فيقول لع اعمل لي خاصة ولا تعمل لغيري.
    وحكم الأجير المشترك أن فيما هلك في يده تفصيلا وذلك لأنه إما أن يهلك بفعله أو بفعل غيره فإن هلك بفعله فإنه يضمنه سواء كان معتديا أو لا فإذا أعطى شخص ثيابا لخياط كي يخيطها له فاستعملها الخياط لنفسه فاتلفها عمدا أو فصلها فأخطأها في تفصيلها فأفسدها فإنه يلزم بها اتفاقا ومثل ذلك ما إذا دق الثوب حال الصباغة فأتلفه فالصانع الذي يتلف المصنوع فيه عليه ضمانه لأنه مسؤول عن اتقان صنعته عذرا له.
    وإذا هلك بفعل غيره فإن كان يمكن العامل أن يتحرز عن الهلاك ثم قصر فإنه يضمنه كذلك كما إذا كان يمكنه أن يضع الثياب في صندوق فأهملها ووضعها في مكان غير مكان حصين فأصابها زيت فأفسدها أو عبث الصبيان أو سرقت. أما إذا لم يمكنه الاحتراز كما إذا وضعتها في مكان حصين ثم حرقت بالقضاء والقدر أو سرقت فإن ذلك خلافا. وبعضهم يقول: يضمن مطلقا سواء كان معروفا بالصلاح أو لا. وبعضهم يقول: لا يضمن مطلقا. وبعضهم يقول: إن كلن معروفا بالصلاح لا يضمن وإن اكن معروفا بضده ضمن فإن كان مستور الحال فعليه نصف القيمة صلحا. وبعضهم أفتى بالصلح على نصف القيمة لا فرق بين المعروف بالصلاح وغيره.
    هذا ولا يضمن الآدمي فلو استأجر شخص دابة وركبها وأمر صاحبه تسوقها فسقط من عليها أثناء سيرها فأصابه كسر أو رضوض أو غيره فإنه لا شيء على صاحب الدابة وذلك لأنة الآدمي إنما يضمن بالجناية عليه ولا جناية هنا لأنه أذن صاحب الدابة ومثل ذلك ما إذا ركب ركب في سفينة فغرق.
    وكذا إذا مات من عمل الطبيب بشرط أن لا يتجاوز المرضع المعتاد وأن يكون قد احتاط لعمله كل الاحتياط المعروف عادة فإن ترك شيئا من ذلك فأتلف عضوا للمريض أو أماته بسبب ذلك فإن على الاحتياط المقصر الضمان فيلزمه أن يدفع دية العضو الذي أفسده كاملة إذا برئ المريض. ويدفع نصفها إذا هلك وسبب ذلك أنه في الحالة الأولى قد أفسد عضوا كاملا فعليه ديته كاملة وفي الحالة الثانية أتلف نفسا بسببين:
    أحدهما: مأذون فيه وهو إجراء العملية للمريض.
    والثاني: غير مأذون فيه وهو تجاوز المحل المعتاد وعدم الحيطة فلهذا كان عليه النصف.
    أما حكم الأجير الخاص (وهو ما أجره شخص واحد ليعمل له ولا يعمل لغيره) فإنه لا يضمن هلك في يده بغير صنعته بلا خلاف إلا إذا تعمد الفساد.
    وأما ما هلك بعمله هو فإن كان مأذونا فيه ضمنه فإذا أمر النجار أن يعمل في هذا الشباك فتركه وعمل في باب فأفسده كان عليه ضمانه لأنه غير مأذون فيه وقد يكون الأجير الخاص مستأجرا لاثنين أو أكثر كما استأجر جماعة راعيا ليرعى لهم أغنامهم مدة شهر بحيث لا يعمل لغيرهم فإنه في هذه الحالة يكون أجيرا خاصا لا أجير (وحده) وهو في هذه الحالة يضمن ما فسد بعمله فإذا ساق الغنم فنطح بعضها بعضا أو وطئ كبيرها صغيرها فكسره أو قتله كان ضامنا.
    ومن هذا تعلم أن لاضمان على المرضعة إذا ضاع الولد من يدها أو سرق ما عليه من الحلي إذا كانت ترضعه في بيت أهله لأنها تكون في هذه الحالة أجير وحد. أما إذا أخذته في بيتها كانت ضامنة له مسؤولة عنه.
    ومثلها حارس السوق وحافظ (العمارة) فإنه يضمن ولكن يشترط في عدم ضمانه أن لا يكون مفرطا فإذا كسر القفل وهو نائم أو ترك الباب مفتوحا ونام بعيدا منه كان مفرطا عليه ضمان ما فقد بخلاف ما إذا تسلق اللص الجدار أو نقبه أو نحو ذلك فإن الحارس لا يكون ضامنا في هذه الحالة وإذا بنى المستأجر (كانونا أو فرنا) في الدار المستأجرة بسببها الجيران
    أو المنزل فإنه لا ضمان عليه إلا إذا ثبت أنه تجاوز الحد في إشغال النار أو قد نارا لا يوقد مثلها عادة.
    وإذا انقلبت شاة من راعي الغنم، وخاف أنه إذا تبعها يضيع الباقي فإنه لا يتبعها ولا ضمان عليه في ضياعها.
    وها هنا أمور:
    أحدهما: إذا تلف المؤجر والمستأجر، كان القول لمن يشهد له الظاهر فلو باع شجرا به ثمر واختلفا في الثمر فالقول قول من يده الثمر مع يمينه.
    ومثل ذلك ما إذا استأجر خادما شهرا، ثم ادعى أنه مرض مدة في أثنائه فلم يؤد الخدمة المطلوبة منه، فإنه إذا وجدت أمارات تدل على ذلك فيصدق وإلا فلا.
    ثانيهما: إذا استأجر أرضا للزراعة، فغرقت قبل أن يزرعها، أو لم يصبها الماء فلا أجر عليه، أما إذا زرعها فأصابت الزرع آفة فأهلكته، فقيل يجب عليه الأجر، وقيل لا، والمعتمد أنه إذا لم يتمكن من زرعها مرة أخرى في مدته، ولو كانت من نوع أقل فإنه يجب عليه الأجر، وإلا فإنه يرفع عنه الأجر من وقت ما أضيب الزرع ويدفع المدة التي قبله.
    ثالثهما: عمل الأجير يضاف إلى أستاذه، فإذا تلف صبي النجار شيئا كان المسؤول عنه النجار إلا إذا تعمد الأجير إفساده، فإنه يكون مسؤولا عنه هو.
    المالكية - قالوا: الأصل فيمن استولى على شيء بإجارة أو كراء أن يكون أمينا ولا ضمان على الأمين فيما يتلف أو يضيع منه بشرط أن لا يتعدى على ما بيده أو يهمل في صيانته ويصدق في دعوى التلف أو الضياع سواء كان بيده من الأشياء التي إخفاؤها بسهولة كالجمال والبقر ونحوها. ويعبرون عنها بما لا يعاب عليه أو كان من الأشياء التي يمكن إخفاؤها كالنقود والثياب ونحوهما ويعبرون عنها بما عليه يغاب ويستثنى من هذه القاعدة أمران:
    أحدهما: الأكرياء على حمل الطعام والشراب بخصوصه.
    ثانيهما: الصناع فأما الأرباء كالحمالين (اليالين والعربجية ونحوهم) فإنهم يضمنون ما تلف منهم أو ضاع من الطعام خاصة كالقمح والأرز والعسل والسمن والفواكه الرطبة والجافة. وغير ذلك من كل ما يؤكل. وكذلك ما يشرب كزجاج (الشربات) ونحوها وذلك لأن الطمع في مثل هذه الأشياء كثير والأيدي تكتد إليها فمن المصلحة أن يضمنها الحمالون صيانة الأموال الناس، إنما يضمنون بشرطين:
    الشرط الأول: أن يكون التلف أو الهلاك حاصلا بسببهم. كما إذا فعل أحدهم في حفظها بأن ربطها بحبل واهن فانقطع الحبل فانكسرت، أو طرحها بعنف فسقطت فانكسرت أو نحو ذلك.
    أما إذا حصل ذلك لأسباب قهرية رجله أو رجل دابته فانكسر الإناء وتلف ما فيه من سمن أو عسل أو غيرهما فإنه لا يضمن إلا إذا ساق دابته بشدة غير معتادة أو سار سيرا غير معتاد فإنه في هذه الحالة يكون متسببا فعليه الضمان.
    الشرط الثاني: أن لا يكون صاحب الطعام المحمول معه أجر حمالا ليحمل له فاكهة وصاحبه في سيره إلى منزله فتلفت الفاكهة فإنه لا يكون مسؤولا عنها في هذه الحالة لأنه لم يسلمها للحمال ويتركه وشأنه بل لازمه في سيرها وحفظها. فلا ضمان على الحمال سواء كان حاملا على سفينة أو دابة أو عربة أو كان حاملا بنفسه.
    وأما الصناع فإنهم يضمنون ما يتعلق بهم فالخياط مثلا يضمن الثياب التي يخيطها ولا يضمن ما توضع فيه (كالبقجة) . فإذا ضاعت أو تلفت البقجة (وتسمى - بخشة - بضم الباء وسكون الخاء) فإنه لا يضمنها. والحداد يضمن السكين التي يصلحها ولا يضمن قرابها التي توضع فيه. وبعضهم يقول: إنه يضمن هذه الأشياء إذا كانت تلزم للأشياء المصنوعة. مثال ذلك: إذا كان مستأجر لينسخ كتاب فإنه يضمن هذه النسخة التي ينقل منها لأنها لازمة لا بد منها. فإذا كان قراب السيف لازما للصنعة فإنه يضمنه وهو أحسن من الأول. والنساج يضمن الغزل الذي ينسجه. والنحاس يضمن المحاس الذي يصنعه. والطحان يضمن الحب الذي يطحنه. وصاحب المعصرة يضمن السمسم أو بذر الخس أو الزيتون الذي يعصره، وهلم جرا. وقد عرفت أن الصناع أجراء وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم الضمان عن الأجراء. ولكن العلماء استثنوا الصناع فحكموا بضمانهما اجتهاد لضرورة الناس وفقد العمال. فلو لم يضمنوا لسها عليهم التصرف فيما تحت أيديهم بدعوى أنهم هلك منهم. وفي ذلك ضرر عظبم يعود عليهم وعلى الناس، لأن تبديد سلع الناس يوجب الثقة بهم وانصرف الناس عنهم. فتتعطل مطالع الناس العاطلون من الصياغ. وفي ذلك ضرر عظيم على الأمم. فمصالح الناس وضيانة أموالهم تقضي بتضمين العمال وكثيرا ما يبني مالك مذهبه على المصالح العامة في مثل هذه الأحوال للضرورة.
    أما ما نقله بعضهم من أن مالكا ينظر إلى المصلحة مهما ترتب عليها من ارتكاب المحظور حتى أجلز قتل ثلث الناس لإصلاح الثلثين فهو مكذوب على المالك رضي اله عنه. فإن الشريعة قد جعلت للناس حدودا يقفون عندها، وجعلت للجناية عقوبات خاصة. فمن سببت عليه جناية ينال جزاءها. وبذلك ينصلح الناس، وتستقيم أحوالهم. أما ذلك القول الهراء، فإنه يفتح باب الشر على مصراعيه، ويجعل للظلمة سبيل على الأبرياء فيسفكون الدماء بحجة أن فيه إصلاح للناس وأي مجتهد يجرئ على تقرير تلك القاعدة الفاسدة، ولذا قال بعض أئمة المالكية لا يصح أن يسطر هذا في الكتب فإنه لا يوافق شيئا من القواعد الشرعية. ومن ذلك ما قاله من أن الناس إذا كانوا في مركب وسقلت بهم فإنهم يقترعون على من يلقي منهم في البحر بنجات الباقين فإن ذلك ليس بصحيح فإنه لا معنى لإزهاق روح إنسان من أجل حياة مثله فلا يصح أن يرمي آدمي في البحر لنجات الباقين ولو ذميا.

    وإنما يضمن الصانع ما تحت يده بشروط:

    الشرط الأول: أن ينصب نفسه للصنعة لعموم الناس، كأن يجعل له محل خاصا يتقبل فيه مصنوعات الناس - لافرق في ذلك بين أن يعمل في دكان بالسوق أو يعمل في داره - فإن لم ينصب نفسه للصنعة ولم يجعلها سبب معاشه كنجار ترك صنع النجارة واشتغل بالزراعة ثم عمل لشخص بخصوصه أو عمل لجماعة بخصوصهم فإنه لا ضمان عليه فيما تلف أو هلك من صنعته سواء استلم المتاع ليعمل في داره أو عمله بمنزل صاحبه.
    الشرط الثاني: أن يستلم المتاع ليعمل في دكانه فإن أفسده أو أضاعه ليكون عليه ضمانه حتى لو كان صاحبه حاضرا معه أما إذا لم يستلم
    بل عمله في منزل صاحبه فإنه لا يضمنه.
    الشرط الثالث: أن لا تقوم البينة على أن المتاع قد ضاع منه قهرا بدون تفريط ولا تضييع، فإذا قامت البينة على ذلك فإنهم لا يضمنون وقيل عليهم الضمان مطلقا حتى ولو قامت البينة على أنه ما أضاعوه هم بل ضاع قهرا والأول أصح.
    ومثال ذلك الأعمال التي فيها خطورة طبيعية كثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف واحتراق الخبز عند الفران أو الثوب في قدر الصباغ وما أشبه ذلك فإن الصابع لا يضمنها إلا إذا تعدى أو عمل ما لا يلائم الصنعة غاليا فيضمن حينئذ ومن ذلك البيطار الذي يضع حدوة الدابة أو الفرس أو الخاتن الذي يختن الصبيان فيموتون بسبب ذلك، فإنه لا يضمن إلا إذا أهمل أو عمل خلاف الصنعة. كذلك الطبيب الذي يقوم بعملية الجراحة أو يضف دواء لا يلائم المريض فيترتب على عمله موته فإنه لا يضمن مادام قام بواجبه ولم يخطئ العلاج.
    أما إذا أخطأ العلاج فوصف للمريض دواء لا يوصف لهذا المريض فقتله فإن كان من أهل المعرفة فإن دية المقتول تكون على عاقلة ذلك الطبيب وإن لم يكن من اهل المعرفة فإنه يعاقب.
    وإذا شرط الصانع نفى الضمان فقال لصاحبه المتاع إنه لاضمان عليه إذا تلف او ضاع فلا ينفعه ذلك وقيل ينفعه ويعامل بذلك الشرط.
    الشافعية - قالوا: المستولى على شيء بإجارة إما ان يكون مستاجرا او اجيرا (صانعا) فأما المستأجر فإن حكمه حكم الأمين على الأصح فلا يضمن الشيء الذي استأجره إذا تلف أو ضاع فمن استأجر دابة فهلكت أو ثوبا فتلف فإنه لا يطالب بتعويض إلا إذا تعدى بأن استعملها استعمالا غير عادي فلو ضرب الدابة فوق العادة أو كبح لجامها بعنف غير معتاد فترتب على ذلك هلاكها صار ضامنا لها وكذلك إذا أركبها أثقل منه وكذا إذا خملها زيادة على المتفق عليه إلا إذا كان صاحبها معه فإنه يضمن بقدر الزيادة التي زادها في هذه الحالة، وهل يضمن ما تلف من المنافع أولا؟ الأصح أنه لا يضمن فمن استأجر دكانا شهر مثلا فلما انتهى الشهر تركها مفتوحة حتى مضى شهر آخر بدون أن ينتفع بها مالكها لا يطالب المستأجر بأجرة ذلك الشهر إلا إذا أغلقها ولم يخبر صاحبها.
    وأما الأجير وهو الصابع فإنه لا يضمن ما هلك في يده بدون تعد إذا لم ينفرد بالمتاع بأن قعد معه صاحبه حتى عمله أو أحضره منزله ليعمل لأن المال غير مسلم إليه في الحقيقة وإنما المالك استعان به في عمله كما يستعين بالوكيل بلا خلاف. أما إذا انفرد بالعمل ففيه أقوال ثلاثة أظهرها أنه لا ضمان عليه أيضا. وبعضهم يقول: إنه يضمن مطلقا وبعضهم يقول: إنه يضمن إذا كان أجيرا مشتركا وهو الذي يلتزم العمل في ذمته. أما الأجير الخاص وهو من أجر نفسه مدة معينة لعمل فإنه يضمن.
    وإذا تلف المتاع أو ضاع بتعدي الأجير فإنه يضمنه مطلقا قطعا بلا خلاف ومن التعدي أن يزيد الخباز مثلا في نار الفرن فيحترق الخبز فإنه يكون متعديا بذلك.
    أما إذا أوقدها بحسب المعتاد ولكن احترق الخبز بطبيعة العجين فإنه لا يضمن. ومن التعدي أيضا أن يضرب المعلم تلميذه ضربا يفضي به إلى الموت فإنه في هذه الحالة يضمن ومن التعدي أن يؤجر العامل لعمل فيعطيه لغيره ليعمله فيفسده فإنه يكون متعديا بذلك فيضمن ويصدق يمبنه أنه ما تعدى إذا شهد خبيران بتعديه. ومن هذا يتضح أن الأجير لحفظ حانوت لا يضمن متاعها إذا سرق ومثله الخفراء والحراس.
    الحنابلة - قالوا: الأجير ينقسم إلى قسمبن:
    خاص ومشترك. فالأجير الخاص هو الذي تقدر منفعته بالزمن كأن يستأجره ليبني له حائطا كل يوم بكذا أو يخيط له أثوابا وله في الشهر كذا وهو الذي يعرف الآن بالأجير (باليومية) أو (بالشهرية) .
    والاجير المشترك هو الذى تقدر منفعته بالعمل كان يستاجره على ان يبنى له هذا المنزل وشبابيكه بكذا وهو المعروف فى زمننا بالاجير (بالمقاولة) ولا يختص بواحد بل يتقبل العمال من كثيرين.
    وحكم الاجير الخاص انه لا يضمن ما أتلفه من الاشياء التى يعمل فيها إلا إذا تعمد الإتلاف او فرط فإنه يضمن حينئذ. وعليه ان يعمل للمستاجر فى كل الوقت الذى استاجرهفيه سوى زمن فعل الصلوات الخمس فى اوقاتها وصلاة الجمعة والعيدين فإنها لاتدخل فى العقد وإن لم ينص عليها وللمستاجر منعه من صلاة الجماعة إلا إذا اشترط انه لا يمنعه منها وليس للعامل ان ينيب عنه غيره لان الإجارة متعلقة بعينه ويستحق الاجير الخاص الاجرة بمجرد تسليم نفسه للعمل سواء عمل ام لم يعمل فى بيت المستاجر أو في بيت نفسه.
    وإذا عمل الاجير الخاص عملا لغير مستاجره فأضر به فإنه يلزم بقية ما أضاعه عليه من ذلك وإما حكم الاجير المشترك فإنه يضمن ما تلف من عمله ولو خطأ فلو خرق الصباغ الثوب من دقة أو مده او عصره فإن عليه قيمته كما إذا اخطا الخياط ففصل ثوب زيد على عمرو فإنه يضمنه. وكذا إذا عثر حماره فسقط ماعليه فانكسر فإنه يضمنه.
    ومثل ذلك من إذا كان مستاجرا لحمل شيء على رأسه فعثرت رجله فأتلفه فإنه يضمنه وكذا إذا اتلف شيئا بسبب سوق الدابة او إنقطاع الحبل الذى يشد به وغير ذلك.
    لا يضمن الأجير المشترك مافقد بغير فعله إذا وضعه فى حرز مثله (فى محل حصين يوضع فيه مثله) فلو وضع الخياط الثياب فى (دولاب أو صندوق) ثم سرقة أو حرقت فلا شيء عليه. ولا اجرة للاجير المشترك فيما عمله وتلف قبل تسليمه سواء عمله فى بيت المستاجر أو فى بيته.
    وكذا لا يضمن الطبيب المعروف بالحذق إذا لم يخطئ فى عمله بحسب المتبع عادة فلو عمل الطبيب للمريض عملية جراحية وقام بواجبه من الاحتياط الذى يجب ان يعمل فى مثله ولكن عرض ما ليس فى حسابه فقضى على حياة المريض فإنه لا شيء على الطبيب. ومثله الختان (الذي يطاهر الأولاد) والحجام والبيطري (الذى يعالج الحيوان أو يعمل له حدوة) فإنهم لا يضمنون شيئا إذا عملوا الاحتياط التام الذى يجب أن يعمل فى مثل هذه الاحوال. فإن الطبيب ونحوه غير معروف بالحذق فى الصناعة مالناس الذين يدعون المعرفة بقطع (الباسور) أو (قطع العرق) أو (إزالة غشاوة العيون) أو نحو ذلك مع أنهم لم يدرسوا شيئا من قواعد الطب فإنهم يضمنون كل ما بترتب من اعمالهم من الضرر. وإذا عمل الطبيب الحاذق عملية لصغير بدون إذن وليه فاصابه ضرر فإنه يضمن ولو يخطئ فإذا اذنه وليه فاخطا كان الطبيب ضامنا.
    وكذا لا يضمن الراعي ما يتلف من الماشية إلا إذا تعدى أو فرط في حفظها فإنه يضمن في هذه الحالة فإذا نام عنها فأكلها الذئب أو ضربها مفرطا فهلكت أوز ضربها من غير حاجة أو عرضها للهلاك في موضع لا يصح أن يمشي بها فيه يضمن في ذلك.
    وكذا لا يضمن المستأجر العين التي تلفت في يده بغير تعد ولا تفريط فمن استأجر حمارة فهلكت في يده بدون أن يضربها ضربا مبرحا أو يفرط في حفظها فلا ضمان عليه. والقول قوله، في عدم التعدي بيمينه.
    وإذا أحرق المستأجر حطبا أو نحوه فاحتملها الريح إلى أرض الغير فأحرقت منها شيئا فلا ضمان عليه وكذلك المالك.
    أما إذا سقى أرضه فأثر ذلك الماء في أرض الغير فأفسده منها شيئا فإنه يضمن لأنه في هذه الحالة يكون مباشرا لا متسببا فعليه الضمان.
    وإذا اغتصب شخص من آخر داره فقال له: اخل لي داري وإلا فعليك بعشرين جنيها في كل شهر أو أكثر أو أقل فإن لم يخلها لزمته بالأجرة المذكورة إلا إذا أنكر الغاصب الملكية فإنه في هذه الحالة لا يكون راضيا بالإجارة فإذا ثبتت الملكية لغير فإنه يلزم بأجر المثل.

    (2) (الحنفية - قالوا: يفسخ عند الإجارة بأمور:
    أحدهما:
    أن يكون للمتعاقدين أو لأحدهما خيار الشرط كما تقدم في البيع لأن الإجارة بيع المنافع فهي قسم من أقسام البيع فإذا أستأجر شخص دارا من الأخر على أن له الخيار ثلاثة أيام وهى مدة الخيار فله أن يفسخ العقد قبل مضي هذه المدة بشرط أن يعلم المالك بذلك على الأصح فإن كان الملك غائبا ولم يعلم بالفسخ فإنه لا ينفذ.
    ثانيها: خيار الرؤية فلو أستأجر أراضي زراعية مي جهات متعددة ثم رأى بعضها فله أن يفسخ الإجارو في الكل ولا يتوقف الفسخ على رضاء المالك وعلى القضاء في خيار الشرط وخيار الرؤية فمتى فسخ المستأجر العقد وأعلن المالك با لفسخ فإنه ينفذ وليس للمالك الخيار إلا ذا اشترطه.
    أما في حال عدم الرؤية فإن العقد يكون لازما فب حق المالك وإن لم يكن لازما في حق المستأجر.
    ثالثها: خيار العيب فإذا أستأجر شخص دارا أو أرضا زراعية أو دابة أو غير ذلك وكان بها عيب فإن للمستأجر أن يفسخ العقد ولا ينفسخ العقد بنفسه بل لابد من أن يفسخه الستأجر سواء كان له خيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب فإذا علم بالعيب قبل العقد فإنه لا خيار له لرضائه به.
    ثم أن العيب يكون على ثلاثة أوجه:
    الوجه الأول:
    أن يحدث في العين المستأجرة بدون أن يكون له تأثير في المنفعة مطلقا مما إذا استاجر دارا فسقطت منها حائط لاتضر بالسكنى ولا تقتل الانتفاع أو أستأجرجملا ليحمل عليه فذهبت إحدى عينه وحكم هذا العيب أنه لا يثبت به الخيار للمستأجر لأن العقد في الحقيقة وارد على المنفعة دون العين وهي في هذه الحالة لم ينقص منها شيء.
    الوجه الثاني: أن يكون له تأثير في المنفعة كلها بحيث لا يمكن لمستأجر أن ينتفع بهذه العين في الرغض الذي ايتأجرها من أجله كما استأجرها من أجله كما إذا استأجر دارا فانهدمت. وحكم هذا أن الأجرة تسقط من سقوط الدار ولكن لا يفسخ العقد إلا إذا فسخه المستأجر لأنه أن ينتفع بالأرض ولا يشترط في الفسخ حضور المالك ولا رضاه.
    ومثل ذلك ما استأجر أرضا زراعية فانقطع الماء الذي تروي به حتو لو كانت تروى بالمطر فانقطع فإنه في هذه الحالة لا أجرة على المستأجر وله فسخ العقد بدون حضور المالك، وإذا وجد ماء يكفي لري بعضها فقط فإنه لا يسقط خيار المستأجر، بل هو مخير في أن يفسخ العقد جميعه أو يأخذ ما روي بحسابه، وإذا انقطع الماء ولكن كان يرجى عودته فإنه لا خيار للمستأجر وكذا إذا قل الماء.
    الوجه الثالث: أن يكون للعيب تأثير في بعض المنفعة بحيث يقلل الانتفاع ولا يفوته كما إذا استأجر رجلا للخدمة فمرض مرضا ينقص من عمله فالمستأجر بالخيار، إن شاء أمضى العقد، وإن شاء فسخه، فإن لم يفسخ العقد ومضت المدة فإن عليه الأجرة كلها.
    فإذا استأجر شيئا حدث به عيب يمكن إزالته كسد بالوعة دورة المياه ونحوها، وأزاله المالك فلا خيار للمستأجر، فإن أزاله بلا إذن المالك كان متبرعا ليس له حق في مطالبة المالك به.
    فإن انتهت مدة الإجارة كان له قلعه إذا كان بعد القلع ينتفع به، كما إذا بنى حائطا باللبن المحروق أو الحجارة فإن له نقضها وأخذها لينتفع بها.
    وأما إذا كان بعد الهمد لا ينتفع به فليس له قلعة في هذه الحالة سفه غير مفيد وخير للمستأجر أن يترطه للمالك ينتفع به.
    هذا ولا يجبر المالك على إصلاح الخلل الذي يحدث في ملكه فإن أبى الإصلاح فالمستأجر بالخيار، إما أن يبقى أو يخرج من الدار إلا إذا كان عالما بذلك الخلل قبل العقد فإنه ليس له أن يخرج في هذه الحالة لأن علمه به قبل العقد يسقط خياره كما تقدم.
    أما إذا كانت الدار وقفا فإن الناظر يجبر على إزالة الخلل لأن ترك الخلل ضار بملحة الوقف والناظر ملزم بمراعاة مصلحة الوقف.
    ومن هذا يتضح أن على المالك إصلاح المنازل المملوكة كإصلاح بالوعة الماء (والخزانات الخاصة بدورات المياه) وعليه تفريغها (كمسحها) حتى لو امتلأت من المستأجر لأن ما يوجد بهذه الأشياء يكون منه قبل تسليمها إلا إذا اقتضى العرف أن يكون تفريغها على المستأجر إخراج الرماد والتراب مطلقا، سواء في الحمام أو غيره إلا إذا كان التراب موجودا من قبل، فليس على المستأجر إخراجه وإن اختلفا فيه فالقول للمستأجر.
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #138
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الاجارة]
    صـــــ 130 الى صــــــــ
    147
    الحلقة (138)

    رابعها: أن يستأجر شخص آخر على عمل قد يترتب على تنفيذ العقد ضرر بسببه في نفس المستأجر، أو ماله. ولذلك أمثلة:
    منها: أنة يستأجر طبيبا لبتر عضو من أعضائه لوجود آلام به. ثم عدل عن هذا فإن له العدول سواء سكن الألم أو لم يسكن لأن إزالة العضو في ظاهر الأمر ضرر والشخص أمين على نفسه فربما سكن الألم وسلم العضو فيكون إزالته ضررا حقيقيا.
    ومنها: أن يستأجر طباخا ليطبخ له وليمة عرسه ثم عدل فليس للطباخ أن يطالبه بتنفيذ عقد الإجارة لأنه قد يترتب على تنفيذ العقد خسارة المواد التي يعمل فيها من اللحم والسمن ونحو ذلك فليس للطباخ أن يطالب بتنفيذ عقد الإجارة، ولا يشترط أن يوجد سبب ظاهر للعدول سوى ذلك كطلاق العروس أو موتها كما لا يشترط زوال الألم في مثال الأول بل مجرد احتمال الخسارة كاف في عدم لزوم عقد الإجارة.
    ومنها: أن يستأجر عمالا لهدم منزل ليجدد بدله ثم عدل عن ذلك فليس لهم المطالبة بتنفيذ العقد لأن الهدم يترتب عليه ضياع مال.
    ومنها: أن يستأجر خياطا ليخيط له أثوابا ثم عدل لأنه قد يترتب على تمزيقها (تفصيلها) وخياطتها خسارة إذ ربما يكون قد استغنى عن لبسها أو لا حاجة له إليها فليس للخياط أن يطالب بتنفيذ العقد.
    ومثل ذلك: ما إذا ترتب على تنفيذ العقد استهلاك عين، كما إذا استأجر شخص آخر ليكتب له كتابا على ورق اشتراه أو يطبعه له فإن له أن يعدل لأن تنفيذ العقد يترتب عليه ضياع الورق.
    وذلك نظير ما مر في في المزارعة من أن لصاحب البذر الحق في الفسخ العامل لما يترتب على تنفيذ العقد من خسارة بذره. وإذا ترتب على فسخ العقد ضرر العامل أو صاحب الأرض فإنه يرجع فيه للعرف.
    خامسها: أن يوجد للمالك يضطره إلى بيع العين المستأجرة ولذلك أمثلة:
    ومنها: أن يكون المالك مدينا ولا مال يسد منه دينه سوى هذه العين فإن له أن يبيعها، ويفسخ الإجارة وثبت الدين بإقرار المالك، كما إذا أقر لشخص بأن عليه دينا، وحل موعده فإن له أن يفسخ عقد الإجارة أو بعده؟
    والجواب: أنه لا يلزم ذلك بل لو أقر لشخص بدين العقد يلزمه وتفسخ به الإجارة، ولا يقال إن الإقرار يتعلق بذمة المقر وحده وليس للغير حق فيه فيعامل به.
    وللدائن ملك المدين فتعديه للمستأجر غير مقصود على أنه يشترط أن يكون فسخ العقد بالقضاء، فلا يصح للمالك أن يبيع داره المستأجرة ليسدد دينه المقر به إلا إذا فسخ العقد القاضي على الصحيح ومتى كان الفسخ بالقضاء فإن الإقرار بالدين يكون عذرا واضحا لا خفاء فيه.
    ومن هذا تعلم أن كل عذر خفي لا يصح أن يكون سببا لفسخ عقد الإجارة إلا إذا فسخ به القاضي.
    وأما الأعذار الواضحة فإنه لا يشترط فيها القضاء على الصحيح، وذلك كما إذا كان على المالك دين ثابت بطريق رسمي كالديوان المسجلة المعروفة بين الناس فإن له في هذه الحالة الفسخ بدون قضاء، وإنما يكون لح حق بيع العين لسداد الدين إذا لم يكن قبض أجرة معجلة تستغرق كل ثمنها ولا يزيد منها شيء يسد الدين، فإن كانت الأجرة المعجلة تستغرق كل ثمنها، فلا تفسخ الإجارة، ولا تباع العين.
    أما إذا كان ثمنها يزيد على قبضه معجلا من المستأجر فإن له أن يبيعها وعليه أن يبدأ بسداد دين المستأجر وما فضل فلغيره من الدائنين. بقي ما إذا إذا أجر دارا لرجل ثم أقر هذه الدار ملك للغير فإنه في هذه الحالة لا يفسخ عقد الإجارة بل يقضي بالدار لمن أقر بها انقضاء مدة الإجارة.
    ومن الأعذار الصحيحة لفسخ عقد الإجارة عدم القدرة على النفقة على نفسه أو أهله، فمن كانت دارا مستأجرا للغير، ثم أعسر ولم يجد ما ينفقه فإن له أن يفسخ الإجارة ويبيعها وهل القضاء شرطا أو لا؟ المختار أن القاضي يحتم بنفاذ هذا البيع ويحصل بذلك فسخ عقد المستأجر فإذا باعها بغير إذنه فإن البيع يكون صحيحا ولكنه لا ينفذ إلا بعد انقضاء مدة الإجارة بيعا صحيحا موقوفا وليس للمستأجر أن يفسخه.
    أما المشتري فقيل يملك الفسخ إذا علم مستأجر وقيل لا يملك ويالثاني أخذ المشايخ.
    ومثل المؤجر المرهون فإنه لا يصح بيعه فإن بيعه بدون إذن الراهن يقع صحيحا موقوفا لا ينفذ حتى يسد الرهن.
    ومن الأعذار السفر فمن أراد أن يسافر من جهة إلى أخرى فإن له أن بفسخ الإجارة ومن ذلك ما إذا استأجر القروي دارا في المصر ثم أراد أن ينتقل إلى قريته فإن له فسخ العقد.
    ومن الأعذار إفلاس المستأجر فإذا استأجر شخص من آخر دكانا ليتجر فيه ثم أفلس له أن يفسخ عقد الإجارة. وأما إذا كسدت الدكان فليس له أن يفسخ بذلك.
    وإذا أراد أن يترك التجارة في النوع الموجود في الدكان ويتجر في نوع آخر كما إذا كان يتجر في القماش فأراد أن يتجر في الطعام فإن له أن ينتقل من هذه الدكان إلى غيرها ويفسخ العقد بشرط أن لا تكون صالحة للعمل الذي يريد أن يعمله وإلا فلا.
    ومنا أن يستأجر دابة ليسافر بها إلى جهة ثم بدا له أن لا يسلفر إلى هذه الجهة فإن له أن يفسخ العقد في هذه الحالة ولو في نصف الطريق ولصاحب الدابة الأجرة بنسبة المسافة التي قطعتها. وإذا اشترى دابة بعد استئجار دابة الغير فإن له أن يفسخ العقد أيضا.
    أما إذا استأجر دارا مدة ثم اشترى دارا فليس له أن يفسخ العقد لأنه يمكنه أن ينتفع بتأجير داره التي اشتراها بخلاف الدابة فإنه وإن كان يمكنه تأجيرها إلا أن استعمال الدابة يختلف باختلاف راكبها فقد لا يرغب
    صاحبها في أن يركبها غيره أو قد يؤجرها لمن يركبها فيضرها كما تقدم.
    وإذا استأجر شخص آخر ليسافر في خدمته يوجب فسخ عقد الإجارة بشرط أن يعقد الإجارة لنفسه لا لغيره. أما إذا عقدها لغيره فإن عقد لا ينفسخ بموته كما إذا وكل المالك شخصا في تأجير داره التي يملكها ففعل ثم مات الوكيل فإن العقد لا ينفسخ لأن الوكيل وإن كان مباشرا للعقد لم يكن له بل لموكله الذي ينتفع بالأجرة فلا تنفسخ الإجارة إلا إذا مات المالك وكذا إذا وكل شخص آخر في أن يستأجر له منزلا يسكنه ففعل ثم مات الوكيل فإن العقد لا ينفسخ. والحاصل أن عقد الإجارة لا يبطل بموت الوكيل سواء كان من طرف المؤجر أو المستأجر على الصحيح، وبعضهم
    يقول إن موت وكيل المستأجر يوجب فسخ العقد لأن للموكل فهو بمنزلة المالك بمعنى أن الملك يثبت للوكيل بشراء أولا ثم للمالك ثانيا وسواء صح أو لا فإن ملك الوكيل غير مستقر على أي حال فلا يصح أن يكون مالكا بموته تبطل بموته الإجارة.
    ومثل الوكيل الوصي ومتولي الوقف فإذا استأجر شخص من وصي القاصر أو وليه كالأب والجد أو من القاضي ثم مات القاشي المؤجر فإن الإجارة لا تفسخ مستحق الأجرة وهو القاصر باق موجود والمستحق عليه وهو المستأجر باق فلا تفسخ بموت مباشر العقد حتى ولو كان ناظر الوقف هو المستحق الوحيد الذي يملك كل الغلة فإنه إذا مات لا تفسخ الإجارة لأنه لا يملك العين الموقوفة على الصحيح.
    وإذا مات العاقدين الذي عقد لنفسه فإنها تنفسخ بدون حاجة إلى فسخ إلا لضرورة كأن مات المؤجر في موضع ليس به حاكم ولا قاض يرفع إليه. كما إذا استأجر شخص جملا من آخر ليسافر به في الصحراء ثم مات المؤجر أثناء السير فإن الإجارة في هذه الحالة في هذه الحالة تبقى إلى أن ينتهي السير إلى مكان به قاض أو حاكم يرفع إليه الأمر للمستأجر نفسه أو لغيره حسب المصلحة.
    أما إذا مات المستأجر أثناء الطريق فإنه يحسب عليه الأجر بنسبة المسافة التي قطعتها.
    وإذا استأجر شخص من آخر دارا ثم مات المؤجر وبقي المستأجر في الدار فإن طالبه الورثة بالأجرة ثم سكن بعد المطالبة فإنه يلزم بها وإن طالبوه بها فإن كان المنزل معدا للاستغلال بأن بناه لذلك أو اشتراه لذلك أو بناه لسكناه م أخبر الناس بأنه أعداه للاستغلال فأنه يلزم بالأجرة وإلا فلا وبعضهم يقول إنه يقول إنه يكون معدا للاستغلال بتأجيره ثلاث سنين متوالية.
    ومن هذا تعلم أن الموت لا يبطل الاعداد للاستغلال خلافا لمن يقول ذلك ولا يفسخ عقد الإجارة بحنون أحد المتعاقدين ولو مطبقا كما لا تفسخ بما يظهره المستأجر فيها من الفسق كشرب الخمر والزنا واللواط فإن ذلك ليس عذرا يجعل للمالك أو الجيران الحق في الفسخ وإنما لهم نهيه عن الخمر ورفع أمره للحاكم ليغروه حتى يكف عن الشر والفساد وإذا رأى الحاكم أنت يخرجه فإن له ذلك كما يفعله الناس في زماننا من الفساد في بيوتهم المسكونة لهم وسط جيران صالحين فإن لهؤلاء الجيران أن يخرجه أو يؤدبه.
    المالكية - قالوا: ينفسخ عقد الإجارة بأمور: أحدها أن تتلف العين المتعلقة بها المنفعة المطلوبة بحيث لا يمكن للمستأجر أن يستوفيها كما إذا استأجر شخص من آخر دارا فانهدم أو اكترى فماتت فإن العقد في هذه الحالة ينفسخ لأن المستأجر لا يمكنه أن يستوفي المنفعة التي عقد أجلها:
    ثانيها: أن يستأجر شخص آخر على قلع ضرس فيسكن ألم الضرس قبل أو على عملية جراحية فيزول عملها فإنه هذه الحالة ينفسخ العقد.
    أما إذا لم يسكن الألم فإن المستأجر يلزمه دفع الأجرة وإن لم يعمل من غير أن يجبر على قلع ضرسه أو شق دمله مثلا.
    ثالثها: أن تغتصب الدار المستأجرة مثلا أو تغتصب منفعتها ولا يمكن تخليصها من الغاصب بالحاكم أو بشيء آخر.
    رابعها: أن يأمر الحاكم بإغلاق الدكاكين أو هدمها مثلا فإن الإجارة تنفسخ بذلك.
    خامسها: تنفسخ إجارة المرضع بظهور حملها أو حصول مرض لها لا تقدر معه على إرضاع الطفل كما تقدم.
    سادسها: تنفسخ بمرض خادم عجز عن فعل ما استؤجر عليه فإن عوفي بعد ذلك قبل انقضاء المدة فإن الإجارة تعود ويكمل باقي العمل. إذا استأجر دابة فمرضت ثم صحت أثناء المدة فإن الإجارة لا ترجع لما يلحق المستأجر من الضرر في السفر بالانتظار.
    سابعها: تنفسخ الإجارة ببلوغ الصبي وهو رشيد وهذه المسألة على وجهين:
    أحدهما:
    أن يؤجر الوصي نفسه للخدمة.
    ثانيهما: أن يؤجر الوصي دار الصبي أو دابته أو نحوهما من الأشياء المملوكة له، فأما في المسألة الأولى فإن القاصر إذا بلغ وهو رشيد غير سفيه فإنه يصح له أن يفسخ الإجارة بشرط أن يؤجر الولي وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لا يظن شيئا وفي هذه الحالة له أن بفسخ العقد متى بلغ رشيدا بقي من مدة الإجارة زمن كثير أو قليل.
    أما إذا ظن عدم بلوغه في المدة فبلغ فيها فلا يخلو إما أن يكون الباقي منها بعد بلوفه أكثر من شهر أو شهر فأقل فإن كان الباقي منها أكثر من شهر فإن القاصر يخير في هذه الحالة وإن كان الباقي شهر فأقل فليس له الإجارة بل يازم بإتمام المدة لكونها قليلة لا يترتب عليها شيء من الضرر.
    أما المسألة الثانية فإن له أن بفسخ العقد بالشرط الذي يذكر في المسألة الأولى وهو أن يؤجره داراه أو سلعته وهو يظن بلوغه في مدة الإجارة أو لا يظن شيئا فإذا أجرها وهو يظن عدم بلوغه في تلك المدة فليس للقاصر فسخ العقد بعد بلوغه راشدا بقي من المدة زمن قليل على المعتمد وذلك هو الفرق بين المسألتين. وبعضهم يقول إنه لا فرق بينهما فإن له الفسخ إذا كانت المدة الباقية كثيرة لا يسيرة وقد علمت أن المعتمد الأول لأن الوصي له حق الخيار عند البلوغ. أما إذا ظن بلوغه أثناء المدة ثم أجرها زيادة عن المدة التي يظن بلوغه عندها كان للقاصر الخيار لأن الوصي قد تصرف قيما لا يصح لح أن يتصرف فيه.
    أما إذا بلغ الصبي سفيها فلا خيار مطلقا سواء بقي من الإجارة زمن كثير أو قليل.
    ولا ينفسخ عقد الإجارة بإقرار المالك للغير بالعين المستأجرة فمن أجر دارا لشخص ثم أقر لآخر بأنه باعها له أو أجرها له قبل عقد الإجارة مع الثاني ولم يوافقه المستأجر الثاني ولا بينة له فإن الإجارة تستمر وليس له فسخها ويعمل لمن أقر بيعها قبل عقد الإجارة لزيد كان المشتري مخيرا بين فسخ البيع الذي أقر به المؤجر فيأخذ الثمن الذي أقر المالك أنه باع وإن كان أكثر من قيمة الدار أو يأخذ منه القيمة يوم البيع إن كانت أكثر من الثمن وإنما كان الخيار لأن المستأجر قد حال بين المبيع "وهي الدار وبين المقر له إذ بأخذ الأجرة التي أجر بها المالك قبل الاقرار أو يأخذ المثل فإذا انقضت مدة الإجارة استلم العين المؤجرة ما لم تتلف فإن أخذ قيمتها من المقر فإن أقر أنه باعها قبل عقد الإجارة وكان ذلك الإقرار بعد انقضاء مدة اجارة كان للمقر الحق في أخذ أجرتها التي أجرها المقر أو أخذ أجر المثل ثم يضع يده على العين إن كانت قائمة وإلا فله قيمتها.
    وإذا أقر بأنه وهبها فلمن أقر مما أجرها به أو أجرها المثل ثم يضع عليها بعد انقضاء مدة الإجارة وإن تلفت فله قيمتها.
    وإذا أقر بأنه أجرها لشخص قبل أن يؤجرها للآخر فللمقر له أن يأخذ الأكثر مما أجرت به وأجر المثل.
    ولا تنفسخ بظهور فسق مستأجر كزنا وشرب خمر وينهى عن المنكر فإن انتثل وإلا رفع أمره للحاكم إن حصل لفسقه ضرر للدار أو للجار والحاكم يؤجر الدار لغيره على حسابه في مدة الإجارة إن أمكن فإذا لم يوجد لها ساكن أخرج منها وعليه أجرتها مادامت خالية.
    فإذا رشد السفيه فلا يخلو إما أن يكون الولي قد دوره وأرضه ونحوهما أو يكون قد أجرها لنفسه.
    فإذا كان الأول للسفيه فسخ هقد الإجارة بعد الرشد مطلقا سواء بقي كثير لأن الولي قد يتصرف فيما يجوز له التصرف فيه ولا يعتبر ظن رشده في مدة الإجارة ولا عدمه.
    وإن كان الثاني وهو ما إذا أجره نفسه فإنه لا يخلو إما أن يكون قد أجرها ليعمل في صناعة أو نحوها ليعيش منها وفي هذه الحالة لا يصح له فسخ الإجارة أيضا أو يكون قد أجره في عمل لا يترتب عليه معيشته فإن له أن بفسخ الإجارة لأن الولي لا تسلط على نفس السفيه وإنما هو متسلط على ماله فقط ولهذا لو أجر السفيه فلا كلام لوليه إلا في حالة
    غبنه.
    وكذلك ليس للسفيه أن بفسخ العقد عند رشده إذا أجره نفسه لأن تصرف كتصرف الرشيد.
    ثامنها: ينفسخ عقد إجارة الوقف إذا مات مستحقة الذي أجره قبل موته انقضاء تلك المدة.
    أما إذا مات المؤجر المالك أو المستأجر فإن العقد لا ينفسخ بموتها أحدهما ويحل الوارث محلها في اسيفاء المنفعة والفرق بين الأمرين أن له التصرف في نقل المنفعة وإنما حال حياته وبعد مماته فلمالك الدار ونحوها أن يملك منفعتها لغيره بعد وفاته. أما الموقوف عليه فليس له أن يتصرف إلا حال حياته، أما بعد وفاته فلا، فإذا مات فسخت الإجارة سواء انتقل الاستحقاق لولده أو لمن في طبقته أو لمن يليه وسواء بقي من مدة الإجارة زمن كثير أو يسير وسواء كان المستحق المؤجر ناظرا
    أو غير ناظر فإذا مات الناظر غير المستحق في الوقف فلا تنفسخ الإجارة بموته.
    ومثل المستأجر المالك إذا كان فسقه يضر بالجيران فإن الحاكم يبيع الدار قهرا عنه أو يؤجرها بغيره ويخرجه منها، ومن اكترى دارا أو اشتراها وبها سوء كان ذلك عيبا ترد به.
    الشافعية - قالوا: ينفسخ عقد الإجارة بأمور.
    (أحدها) تلف العين المستأجرة فإذا استأجر شخص دارا فهدمت تلك الدار أثناء مدة الإجارة فإن العقد ينفسخ في المدة الباقية.
    أما المدة التي مضت فإن على المستأجر أن يدفع قسطها من الأجرة باعتبار أجرة مثل هذه الدار بقطع النظر عن الأجرة المسماة. فإذا استأجر دكانا بثلاثين جنيها في السنة وكان يؤجر مثله بتسعين جنيها ثم هدم مضى ستة أشهر وكانت أجرة الدكان في المدة الباقية تتضاعف لكثرة المترددين عليها بحيث تساوي ستين جنيها وتساوي الستة الأولى ثلاثين جنيها فإن عليه أن بدفع ثلث الأجرة كلها وزهو ثلاثون جنيها وإن كانت تساوي الأجرة المسماة بتمامها للسنة وإنما يجب عليه دفع الأجرة للماضي إذا قبض العين المستأجرة وهلك المحمول على ظهرها فلا أجرة أجرة لمالكها ومثل هذا ما إذا استأجر سفيه غلافت حمولتها وسلمت هي.

    ويشترط للفسخ شروط ثلاثة:

    الأول: أن تتلف كما ذكر في أول الكلام. أما إذا حدث بها عيب كما أصاب الدابة عرج يقلل منفعتها فإن للمستأجر في هذه الحالة خيار العيب ولا تنفسخ الإجارة.
    الثاني: أن يكون التلف تماما بحيث لا يمكن الانتفاع بها. أما إذا اتلف بعضها مع إمكان الانتفاع بما بقي منها كما إذا نهدم بعض الدار وبقي منها شيء صالح للسكنى فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك ويكون للمستأجر الخيار في هذه الحالة بين أن يسكن أو يخرج.
    الثالث: أن تكون الإجارة ذمة فإذا استأجر منه جملا معين لينقل به جرنه فأحضر له جملا فأصابه عرج أو مرض قلل منفعته أو هلك الجمل فإن على المالك أن يستحضر جملا غيره لأنه أجر جملا في ذمته بدون تعيين فكل جمل يحضره يكون معقودا على منفعته بخلاف إجارة العين فإن العقد وارد على منفعته بخصوصه فإذا هلك فسخ العقد وإذا أصابه عيب يثبت الخيار للمستأجر وقد عرفت مما مضى أن العقار كادور لا يصح تأجيرها إجارة ذمة بل لا بد من تعيينها.
    (ثانيها) حبس العين المؤجرة عن المستأجر فإذا لم يتمكن المستأجر من منفعتها انفسخ عقد الإجارة سواء حبسها المالك ولو لقبض الأجرة بدون عقد جديد لأن المقصود هو المنفعة وهي باقية في جانب المستقبل لم تمس بسوء.
    (ثالثها) أن يحدث عيب في العين المستأجرة وفي هذه الحالة يكون للمستأجر الخيار ولا تنفسخ الإجارة بالعذر الطارئ فإذا استأجر حماما وتعذر عليه الحصول على وقوده أو استأجر دارا ثم أراد السفر لى بلدة أخرى أو اكترى دابة ليسافر ثم عدل عن السفر فإن كل هذا لا ينفسخ به عقد الإجارة ولا يثبت لصاحبه الخيار. ومثل ذلك ما إذا أجر داره ثم حضر أهله المسافرون ودعت الحاجة إلى أن يسكنوا فيها فإن ذلك ولا تنفسخ به الإجارة.
    وإذا استأجر أرضا زراعية فزرعها ثم هلك الزرع بجائحة من شدة حر أو برد أو كثرة مرض أو أكله الجراد أو الدود فليس له فسخ العقد ولا حط شيء من الأجرة لأن الجائحة لم تؤثر في المنفعة وإنما أثرت في المزاروع وهذا لصاحب فيه بخلاف ما إذا غرقت الأرض فإن منفعتها تتعطل في هذه الحالة فيفسخ به العقد.
    وكذا لا تفسخ الإجارة بموت العاقدين أو أحدهما بل تبقى إلى انقضاء المدة ويحل الوارث محل العاقد.
    وكذا لا تفسخ الإجارة بموت متولي إدارة الوقف، فإذا أجر ناظر الوقف عينا لمدة ثم مات أثنائها لا تفسخ الإجارة إلا إذا أجر المستحق الذي له النظر حصته ثم مات وانتقل الوقف إلى مستحق
    له النظر بعده فإنه في هذه الحالة تنفسخ على الأصح بشرط أن يكون له النظر مدة حياته. أما إذا كان له النظر على كل الوقف، أو كان الناظر غير المستحق فإن الإجارة لا تنفسخ، وكذا لا تنفسخ ببلوغ الصبي الذي أجره وليه إذا أجره مدة لا يبلغ فيها بالسن فبلغ بالاحتلام على الأصح أما إذا أجره مدة يبلغ فيها بالسن فإن الإجارة تنفسخ فيما زاده على خمس
    عشرة سنة وصحت فيما دونه، وبعضهم يقول إنها فيما قبل البلوغ وبعده حتى لا تتفرق الصفقة والأول أصح.
    وكذا لا تنفسخ باتقطاع ماء الأرض الزراعية إلا إذا تعذر سوق الماء فإذا تعذر فإن الإجارة تنفسخ.
    وإذا استأجر أرضا غريقة بالماء، ثم زال بعضه وانكشف جزء من الأرض انفسخت الإجارة فيما لم يزل عنه الماء وثبت الخيار فورا في الذي زال عنه.
    الحنابلة - قالوا: الإجارة عقد لا ينفسخ إلا بأمور منها خيار المجلس أو خيار الشرط على ما تقدم في مباحث الخيار.
    ومنها: أن يجد المستأجر عيبا في العين التي استأجرها لم يعلم به من قبل أو حدث بها عيب بشرط أن يطون ذلك العيب سببا في نقصان المنفعة التي استأجرها نقصانا يظهر به التفاوت في الأجرة فإن له في هذه الحالة فسخ العقد إلا إذا كان ذلك العيب خفيفا بحيث يمكن زواله من غير لحوق ضرر بالمستأجر كعرج الدابة المؤقت.
    مثال العيب الذي تنقص بها المنفعة أن تكون الدابة جمرحا أو بها عرج يتأخر به عن القافلة أو يتعب معه راكبها ونحو ذلك، أو تكون الدار مختلة البناء يخشى من سقوطها، أو بها حائط مهدومة، أو انقطع لومته الأجرة بتمامها، وإذا اختلفا في العيب فقال المستأجر إنه عيب يفسخ به، وقال المؤجر لا، فإنه يرجع في ذلك إلى أهل الخبرة وما يقررونه به، ويكفي خبيران في ذلك.
    ومنها: أن يتصرف المالك في العين المؤجرة قبل تسليمها أو امتنع من التسليم حتى مضت مدة الإجارة فإن العقد في هذه الحالة.
    أما إذا تصرف فيها بعد التسليم، كأن أجر دارا فسكنها زيد، ثم أجرها مرة أخرى لعمرو، فإن هذا التصرف لا يفسخ العقد، وعلى المستأجر جميع الأجرة، فإذا سكن المالك في جزء منها يعد تأجيرها كلها كان عليه أجرة المثل فيما سكن فيه.
    وإذا أجر المالك عيبا مدة معينة ثم امتنع من تسليمها للمستأجر في نصف المدة وسلمها بعد ذلك فإن العقد ينفسخ في المدة التي لم يسلمها فيها فقط وعلى المستأجر أن يدفع أجرة المدة الباقية على حساب الأجرة المسماة بينهما أما إذا سكن المستأجر في الدار بعد المدة ثم منعه المالك من السكن الباقي لا يكون له الحق في الأجرة الماضية تنفسخ سواء كانت قبل القبض أو بعده ولا أجرة عليها فإن تلف في أثناء المدة انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة أما الماضية فإنه يدفع عنها بحساب الأجرة المسماة. فإذا استأجر دارا فانهدمت في أثناء المدة فإن العقد ينفسخ فيما بقي، وكذا إذا استأجر أرضا للزرع فانقطع ماؤها مع الحاجة إليه فإن الإجارة تنفسخ فيما بقي من المدة أما إذا استأجر أرضا زراعية ثم زرعها فغرق الزرع أو اجتاحه آفة أو لم ينبت رأسا فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك ولا يلزم المالك بحط شيء من الأجرة.
    ولا تنفسخ الإجلرة بموت أحد العاقدين أو موتهما إلا إذا كان المؤجر موقوفا عليه فأجرها لكون الوقف عليه ولا ناظر له بشرط الواقف فإن الإجارة تنفسخ بموته.
    وكذلك لا تفسخ الأعذار كما استأجر دكانا يبيع فيه بضاعة فاحترقت فإن الإجارة لا تنفسخ بذلك.
    ويبث الخيار للمستأجر بغضب العين المؤجرة فإذا استأجر فدانا ليزرعه فاغتصبه شخص فإن كان الفدان غير معين يلزم المالك تسليمه غيره كان مخيرا بين فسخ الإجارة أو الانتظار حتى يرد المغضوب فإن كان لمدة فسخ العقد نهاية المدة أما إذا كان غير معين لمدة فإن للمستأجر الخيار بين فسخ العقد والانتظار حتى ترد العين المغصوبة وإذا فسخ العقد كان الغاصب ملزما بالإجارة وله حق الفسخ ولو بعد فراغ المدة وعليه أجرة ما مضى قبل الفسخ من المسمى) .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #139
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوكالة]
    صـــــ 148 الى صــــــــ
    163
    الحلقة (139)

    [مباحث الوكالة]
    [تعريفها]
    -هي بكسر الواو وفتحها، ومعناها في اللغة الحفظ والكفاية والضمان، يقال فلان وكيل فلان، بمعنى حافظة أو ضامنة أو كافية: وأما في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب (1) .
    [- دليلها وأركانها]
    -الوكالة بالمعنى المتقدم جائزة بإجماع المسلمين فلم ينقل عن أحد القول بمنعها وقد يستدل على جوازها بقوله تعالى: {فابعثوا أحدكم بورقكم} فإن ذلك توكيل لأحدهم وقد أقره الله تعالى ورسوله إذ لم يرد ناسخ له وشرع من قبلنا لنا ما لم يرد ناسخ ينسخه وقد استدل على جوازها بفعل النبي صلى اللله عليه وسلم فقد روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل حكيم بن حزام بشراء أضحية ولكن في سنده مجعول وراه الترمزي عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم ولكن حبيبا لم يسمع من حكيم فإذا كان حبيب ثقة يكون الاحتجاج بالحديث صحيحا وإلا فلا. وروي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع في تزويج ميمونة. وكل عمر بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة وسواء صح سند هذه الأحاديث أو لا. فإن إجماع المسلمين عليها من غير أن يحالف فيها أحد من أئمتهم دليل على جوازها من غير نزاع. أما أركانها فهي أربعة. موكل بكسر الكاف، وموكل بفتحها وموكل فيه، وصيغة (2) .
    [- شروط الوكالة]
    -تنقسم الوكالة إلى أقسام منا يرجع إلى الموكل. ومنها يرجع إلى الوكيل. ومنها ما يرجع إلى الموكل فيه. ومنها ما يرجع إلى الصيغة التي تتحقق بها الوكالة وفي ذلك تفصيل المذاهب (3)

    (1) (المالكية - قالوا: الوكالة هي أن ينبت (يقيم) سخص غيره في حق له يتصرف فيه كتصرفه بدون أن يقيد الإنانية بما بعد الموت فيخرج بذلك الوصية فإنها نيابة شخص لآخر بعد موته فلا تسمى الوصية وكالة. وهل تسمى إنابة إمام المسلمين غيره من الولاة والقضاء وأئمة الصلاة وكالة أو لا؟ خلاف، والمشهور أنها لا تسمى وكالة، وعلى هذا ينبغي أن يزاد في التعريف قيد يخرج هذه الإنانية فيقال: هي أن ينيب
    شخص لا إمارة له سياسة أو دينية غيره في حق له الخ، أما من قال إنها تسمى وكالة فلا حاجة به إلى هذا القيد.
    الحنفية - قالوا: الوكالة هي أن يقيم سخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم على أن يكون الموكل (بكسر الكاف) ممن يملك التصرف فقوله في تصرف جائز خرج به ما إذا وكل الصبي غيره في هبة ماله أو طلاق زوجه فإن تصرف الصبي في ذلك غير جائز لما علمت في باب الحجر أنه ممنوع من التصرفات الضارة به سواء كانت قولية أو فعلية، وقولهم: معلوم خرج به التصرف المجهول كما إذا قال له: وكلتك في مال أو أنت وكيلي في كل شيء فإنه لا يثبت له بهذه الصيغة التصرف فيما يملكه الموكل وإنما يثبت لح حق حفظه.
    وقوله: على أن يكون الموكل ممن يملك التصرف خرج به ما إذا وكل شخص آخر في شيء لا يملك الموكل (بالكسر) التصرف فيه. ويرد على هذا أن أبا حنيفة يقول: إنه يصح أن يوكل المسلم ذميا في بيع الخمر والخنزير وأن يوكل المحرم شخصا غير محرم بالصيد مع أن المسلم ممنوع من الصيد وعلى هذا تكون زيادة قيد ممن يملك التصرف غير صحيحة. فإن التوكيل سصح من الشخص الذي لا يملك التصرف.
    والجواب أن المراد ممن يملك التصرف في الأشياء في ذاتها بصرف النظر عن العوارض التي منعته والأصل في الأشياء الإباحة ولولا نهي الشارع عن بيع الخمر والخنزير لما منع شخص من التصرف فيهما.
    الشافعية - قالوا: الوكالة هي عبارة عن تعويض شخص شيئا إلى غيره ليفعله حال حياته إذا كان للمفوض الحق في فعل ذلك الشيء وكان ذلك الشيء مما يقبل النيابة فقوله أن يفوض لشخص ... الخ معناه أن يرد الشخص الموكل (بكسر الكاف) أمر الشيء الذي له حق التصرف فيه إلى وكيله وذلك الشيء هو الموكل فيه لتصرف الوكيل فيه كتصرف الموكل مدة حياته. ولا بد أن يكون التوكيل بصيغة. وبذلك تعلم أن التعرف قد اشتمل على أركان الوكالة الأربعة وهي: موكل، وصيغة، وموكل فيه. وخرج بقوله حال حياته الوضية فإن الوكيل لا يتصرف فيها بعد موت الموكل فلا تسمى وكالة أما باقي محترزات قيود التعريف فإنها ستتضح فإنها لك في بيان الشروط.
    الحنابلة - قالوا: الوكالة هي استنابة شخص جائز التصرف شخصا مثله جائز التصرف فيما تدخله النيابة من حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين وسيأتي تفصيلها إن شاء الله) .

    (2) (الحنفية - قالوا: الوكالة ركن واحد وهي الصيغة التي تتحقق بها كقوله: وكلتك ببيع هذا الجمل أو شراء هذه البقرة أو نحو ذلك ولا يشترط لتحقق الوكالة أن تكون الصيغة مشتملة على قبول الوكيل. ولكن إذا رد الوكيل الوكالة ترتد فإذا قال له شئت تبيع هذه الناقة بالنيابة عني، فسكت، ولكنه باعها فإنه يجوز.
    أما إذا قال له: لا أقبل ثم باعها فإن بيعه لا يصح لأنه رد التوكيل وكذا إذا وكل شخصا في أن يطلق امرأته فأبى ثم طبقها فإن طلاقه لا يقع لأنه رد الوكالة فلا شأن له ولكن إذا سكت ولم يرد ولم يقبل صريحا فإن التوكيل يكون صحيحا فإذا طلقها على ذلك يصح طلاقه وبذلك تعلم أن الحنفية يخصون الركن بما كان داخلا في الماهية.
    أما ما كان خارجا فإنه لا يسمى ركنا عندهم ولو توقفت الماهية عليه.
    (3) الحنفية - قالوا: شروط الوكالة التي ترجع إلى الموكل هو أن يكون الموكل ممن يملك فعل ما وكل به بنفسه فلا يصح التوكيل من المجنون جنونا مطبقا والصبي الذي لا يعقل أصلا. لأن النجنون لا يملك التصرف في شيء بنفسه مطلقا، ومثله الذي لا يعقل، أما الصبي الذي يعقل فقد عرفت في مباحث الحجر أن تصرفه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
    الأول: أن يتصرف تصرفا ضارا به لا محالة كالطلاق والهبة والصدقة ونحوها، وفي هذه الحالة لا يصح تصرفه مطلقا فلا يصح أن يطلق زوجه أو أن يهب غيره من ماله أو أن يتصدق بشيء منه فإن فعل وقع ذلك التصرف باطلا فهو لا يملك التصرف فلا يملك أن يوكل فيه غيره.
    الثاني: أن يتصرف تصرفا نافعا له كقبول الهبة والصدقة فإن فيه منفعة محققة له، وفي هذه الحالة يقع تصرفه صحيحا مطلقا ولو لم يأذنه وليه فهو يملك ذلك التصرف فيصح له أن يوكل فيه غيره.
    الثالث: أن يتصرف تصرفا يحتمل النفع والضر كالبيع والشراء والإجارة وفي هذه الحالة إن كان وليه قد أذنه بذلك التصرف فإنه يقع صحيحا فيصح له أن يوكل فيه غيره وإن لم يأذنه يقع موقوتا على إذنه فإن أجازه إلا فلا ومثله التوكل.
    أما المجنون جنونا متقطعا بحيث يجن تارة ويفيق أخرى فإنه يصح أن يوكل في حالة صحوه بشرط أن يكون لحوه وقت معلوم حتى تعرف لإفاقته من جنونه وإلا فلا يصح له أن يوكل. وأما المعتوه وهو الغالب عليه اختلاط الأمور فإنه لا يصح توكيله.
    أما الإسلام فليس شرطا في الموكل فيجوز أن يوكل الذمي غيره كالمسلم لأن حقوقههم مضمونة من الضياع كحقوقنا وإذا وكل الذمي المسلم بتقاضي ثمن الخمر فإنه يكوه للمسلم أن يفعل وإذا وكل الذمي المسلم أن يرهن له خمرا في نظير نقود أو يرهن له عينا في نظير خمر يأخذه فإنه يصح إذا أخبر به على أنه رسول فيقول: أرهن لفلان خمرا. أما إذا أضافه لنفسه بأن قال: ارهن لي خمرا أو أقرضني نقودا في نظير خمر فإنه لم يكن رهنا وهل النرتد كذلك أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إذا وكل المرتد شخصا فإن ذلك التوكيل يقع موقوفا، فإن أسلم المرتد نفذ ما صدر منه توكيله الغير وإن مات أو خرج من دار الإسلام إلى دار الإسلام إلأى دار الحرب بطل توكيله فإن لحق بدار الحرب ثم عاد إلى الإسلام فإن كان القاضي حكم بلحوقه بدار الحرب فإن التوكيل يبطل وإن لا فإنه ينفذ. وبعضهم يقول: إن للمرتد أن يوكل غيره ويقع توكيله صحيحا نافذا. هذا إذا كان المرتد رجلا. أما المرأة المرتدة فإن توكيلها جائز في قولهم جميعا لأن ردتها لا تعتبر في حكم ملكها فهي ملكها كالمسلمة في ذلك.
    وإذا وكلت قبل ردتها ثم ارتد فغن توكيلها لا يبطل إلا إذا وكلت بتزويجها وهي مرتدة فإنه يكون باطلا فإن زوجها حال ردتها لا يصح، أما إذا عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح. أما إذا وكلته بأن يزوجها وهي مسلمة ثم اردت ثم عادت إلى الإسلام فزوجها فإنه لا يصح لأن ردتها أبطلت التوكيل في ذلك.
    وأما الشروط التي ترجع إلى الوكيل فهي أمران:
    أحدهما: أن يكون عاقلا فلا يصح لشخص أن يوكل مجنونا أو صبيا لا يعقل أما البلوغ والحرية فلا يشترطان في الوكيل فيصح أن يكون الوكيل صبيا عاقلا يدرك ما يترتب على العقود من المتافع والمضار سواء أذنه وليه ومثله العبد في ذلك.
    ثانيهما: أن يعلم الوكيل بالوكالة فعلم الوكيل شرط في صحة تصرفه بلا خلاف فإذا وكل شخصا آخر في بيع متاعه ولم يعلم الوكيل فباع المتاع قبل العلم بكل تصرفه إلا إذا أجازه الموكل وعلم الوكيل بالتوكيل يثبت بالمشافهة أو الكتابة إليه أو بإخيار رجلين أو واحد عدل أو غير عدل وصدقه الوكيل.
    أما الإسلام وعدم الردة فلا يشترطان في الوكيل باتفاق وإن كان عدم الردة مختافا فيه في الموكل فيصح للمسلم أن يوكل الذمي حتى في بيع الخمر والخنزير عند أبي حنيفة الذي يقول إن الموكل إذا كان ذميا بلا خلاف.
    وإذا وكل المسلم حربيا في دار الحرب وكان المسلم في دار الإسلام فغن التوكيل باطلا في هذه الحالة، وكذلك العكس، وهو ما إذا وكل الحربي مسلما وهو في دار الحرب والمسلم في دار الإسلام.
    وأما الشروط التي ترجع إلى الموكل فيه فمنعها أن لا يكون من الأمور المياحة فلا يصح لشخص أن يوكل غيره في أن يحتطب له أو يسقي له الماء أو يستخرج له شيئا من المعادن المباحة كالحديد والرصاص والجواهر ونحو ذلك فإذا حصل الوكيل على شيء من ذلك فهو له وليس للموكل منه شيء، ومثل ذلك ما إذا وكله ليشحذ له فإن التوكيل لا يصح وإذا شحذ الوكيل شيئا فهو له.
    ومنها: أن لا يكون الموكل فيه استقراصا (طلب قرض من الغير) فإذا وكل شخص آخر في أن يطلب من شخص أن يقرضه مالا فقال الوكيل: أقرضني كذا كان الرقض للوكيل لا للموكل، فإذا هلك كان المسؤول عنه الوكيل، وللوكيل أن لا يعطيه للموكل، نعم إذا قال: فلان أرسلني إليك لتقرضه فأعطاه فإن القرض يكون للمرسل وهذا يسمى (رسولا) لا وكيلا والفرق بين الرسول والوكيل أن الوكيل يكون بألفاظ التوكيل الآتي بيانها في الصيغة بخلاف الرسول فإنه يكون بلفظ الرسالة كأن يقول له: كن رسولا عني في كذا، أو أرسلتك لتأتي بكذا، فلا بد في الرسول أن يضيف العقد إلى المرسل. بخلاف الوكيل فإن له أن ينسب لنفسه وللمرسل إلا في أمور كانكاخ والهبة وسيأتي بيانها.
    ومن شورط الموكل فيه أن لا يكون حدا من الحدود التي لا تشترط فيها الدعوى كحد الزنا وحد الشرب، فإن إثباته تكفي فيه شهادته الحسبة بدون دعوى فلا يصح فيه التوكل، لا في إيفائه ولا في استيفائه، والمراد قبضه.
    أما الأول فظاهر لأنه لا يصح أن يقول شخص لآخر وكلتك عني في تأدية حد الرب فتسلم طهرك للجلد ولو وقع لأنه لا يصح إلا من الجاني.
    وأما الثاني: فلأن هذا الحديث بدون دعوى فلا يصح فيه التوكيل مطلقا.
    وأما الحدود التي تحتاج إلى إقامة الدعوى كحد القذف وحد السرقة في صحة التوكيل فيها خلافا فأبو حنيفة ومحمد يقولان بأن التوكيل يصح في إثبات الحد فإذا وكب شخص آخر في حد القذف على من قذفه فإنه يصح هذا التوكيل سواء كان الموكل حاضرا أو غائبا أما في الاسيفاء فإنه يجوز التوكيل إذا كان الموكل حاضرا بأن يحضر هو ووكيله حال تنفيذ الحد، وأبو يوسف يقول: لا يصح فيه التوكيل كسابقه، إلا أنه يقول: إن الممنوع إنما هو التوكيل في إثبات الحد، أما التوكيل في إثبات المال المسروق فإنه يونفق عليه أبا حنيفة ومحمدا، ولا يخفى أن حد الزنا وحد الشرب من حقوق الله تعالى، وكذلك حد القذف وحد الشرب، ومعنى كونها من حقوق الله أن الله تعالى قرر لها عقوبة ثابتة ليس للمجني عليه فيها شأن فلا بد من تنفيذها، فالظاهر أن أبا يوسف يقول: إن التوكيل فيها لا معنى له سواء احتاجت لدعوى أو لا.
    وأما حقوق العباد فإنها تنقسم إلى قسمين:
    نوع لا يجوز اسيفاؤه مع وجود شبهة، ونوع يجوز استيفاؤه مع الشبهة.
    مثال الأول: القصاص في القتل أو القود، وهو القصاص في إتلاف عضو أو نحوه مما هو أقل من النفس؛ وهذا النوع يصح التوكيل في إثباته عند أبى حنيفة ومحمد أيضا، ولا يجوز في إيفائه ولا في استيفائه.
    أما الأول: فظاهر، إذا لا يصح أن يوكل شخص آخر في أن يقتل نفسه بدلا عنه ليدفع عنه حد جنايته أو يقطع عضوا منه لأن ذلك لا يصلح إلا من الجاني نفسه.
    ومثال الثاني: وهو ما يجوز استيفاؤه مع الشبهة كالديوان والأعيان وسائر الحقوق غير القصاص، فإنه يصح للوكيل أن يستلمها مه وجود شبهة عفو صاحبها وتركها لمن هي عليه، فهذا النوع يصح التوكيل فيه إيفاء واستيفاء باتفاق.
    ويجوز التوكيل في سائر العقود سوى ما ذكر كالبيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق والهبة والصدقة والخلع والصلع والإعارة والاستعارة وقبض الحقوق والخصومات وتقاضي الديون والرهن والارتهان وطلب الشفعة والرد بالغيب والقسمة والاستيهاب (أي طلب الهبة من الغير) إلا أن بعض هذه العقود لا يصح للوكيل فيها أن يسندها إلى نفسه بل من إسنادها إلى الموكل.
    ومنها: النكاح فإن الوكيل لا بد أن يقول: قبلت زواج موكلي، أو زوجت فلانة موكلتي، فإذا قال: قبلت الزواج ولم يصفه، أو قال الزواج فإنه بنعقد له لا لموكله، بخلاف ما إذا كان وطيلا في الطلاق فإنه إذا أضافه إلى نفسه أن يقول: امرأة فلان طالق. أما إذا قال: امرأتي طالق فإنها تطلق فليس الإضافة إلى نفسه أن يقول: لمراتي بل معناها أن يسند طلاق امرأة موكله إلى نفسه، ولا يشترط أن يقول: ففلان وكلني في أن أطلق امرأته.
    ومنها: الهبة فإنه لا بد فيها من الإضافة إلى الموكل فإذا وكل إنسان آخر أن يهب مائة فقال: وهبت ولم يقل موكلي فإن الهبة لا تصح.
    ومنها: الصلح عن دم العمد والصلح عن الإنكار فإذا ادعى شخص على آخر مائتين فأنكر المدعي عليه، ثم وكل عنه من يصالح على مائة فإنه لا بد في ذلك من الإضافة، فإذا قال المدعي على مائة صالحت وقبل وكيل المدعي عليه بأن قال: قبلت الصلح لفلان فإنه يصح.
    أما إذا قال: قبلت ولم يسند القبول لموكله فإنه لا يصح الصلح. وهذا بخلاف الصلح عن إقرار فإنه يصح إضافته إلى الوكيل والموكل.
    ومنها: التصدق فإذا وكله أن يتصدق من ماله بكذا فإنه ينبغي أن يضيفها الوكيل إلى الموكل.
    وأما الصيغة فإنها تنقسم إلى قسمين: (خاصة وعامة) :
    فأما الخاصة فهي اللفظ الذي يدل على التوكل في أمر خاص كقوله: وكلتك في شراء هذا البيت مثلا. وأما العامة فهي لفظ يدل على العموم كقوله: أنت وكيلي في كل شيء وقوله: ما صنعت من شيء فهو جائز، وجائز أمرك في كل شيء فليس لها لفظ خاص حتى لو قال: أردت أن تقوم مقامي، أو أحببت، أو رغبت فإنه يصح. وهل ينفذ تصرف الوكيل بعد ذلك في كل شيء أو يستثنى بعض الأمور؟
    والجواب: أن ذلك يختلف باختلاف العبارات، فإذا قال له: أنت وكيلي في كل شيء يكون وكيلا له في حفظ المال لا غير على الصحيح.
    ومثل ذلك ما لو قال له: أنت وكيلي في كل شيء وقليل، وإذا قال له: أنت وكيلي في كل شيء جائز أمرك يكون وكيلا في جميع التصرفات المالية كالبيبع، والشراء، والهبة، والصدقة.
    واختلف في الإعتاق، والطلاق، والوقف. فقال بعضهم: إنه لا يكون وكيلا فيها إلا إذا دل دليل سابق في الكلام وبعضهم يقول: إنه يشملها.
    وإذا قال: وكلتك في جميع أموري فقال له: طلقت امرأتك أو قفت جميع فإنه لا يجوز على الأصح.
    وإذا قال له: وكلتك في جميع أموري ولأقمتك مقام نفسي لا تكون الوكالة عامة إلا إذا قال: في جميع أموري التي يجوز فيها التوكل فإنها في هذه الحالة تكون عامة تشمل البيع والشراء والأنكحة وغير ذلك.
    وأما في الحالة الأولى وهي قوله: وكلتك في جميع أموري، وأقمتك مقام نفسي بدون أن يقول: في أموري التي يجوز فيها التوكيل فإنه ينظر إلى حال الموكل فإن كانت له صناعة خاصة فإنه يكون وكيلا عنه فيها.
    أما إذا لم تكن له صناعة خاصة وكانت له معاملات مختلفة فإن الوكالة تقع باطلة. والحاصل أن الوكيل وكالة عامة يملك كل شيء إلا الطلاق والعتاق والهبة والصدقة على المفتي به، وكذا لا يملك الإبراء والحط عن الديون لأنها تبرع وهو لا يملك التبرع.
    وكذا لا يملك الإقراض والهبة بشرط العوض، ويملك ما وراء ذلك فيملك قبض الدين وإيفاءه والدعوى بحقوق على الموكل والأقارير على الموكل بالديون ولا يختص بمجلس القاضي لأن ذلك في الوكيل بالوكالة الخاصة.
    على أن هناك صيغا لا ينعقد بها التوكل أصلا منها أن يقول له: لا أنهاك عن طلاق زوجتي ومنها أن يقول له: أنت وصيتي.
    ومنها: أن يقول لغيره: اشتر لي جملا بعشرة جنيهات أو جارية بخمسين جنيها، فذلك لا يكون توكيلا وإنما يكون مشورة. أما قال له: اشتر لي جملا بعشرة جنيهات ولك على شرائك درهم فإنه يكون وكيلا.
    ومنها: أن يقول شخص لآخر مديون له اشتر بمالي عليك جملا أو عبدا فإنه لا يصح التوكيل، وأما إذا قال له: اشتر لي جمل فلان أو هذه الجارية فإنه يصح.
    ومنها: أن يقول لمديونه أسلم مالي عليك في قمح أو سمن مثلا (يعني استلمه في السلم) فإنه لا يصح التوكيل.
    أما إذا عين الشخص الذي يتعاقد معه عقد السلم بأن يقول: أسلم مالي عليك إلى فلان في كذا فإنه يصح.
    أما الصيغ الخاصة فإن منهم بأن يقول شخص لآخر: إذا لم تبع جملي هذا تكون امرأتي طالقا فإذا قال له ذلك وكله في بيع الجمل.
    ومنها: أن يقول: سلطتك على بناء هذه الدار مثلا بمنزلة قوله: وكلتك.
    ومنها: أن يقول: فوضت إليك دوابي أو أمر مماليكي وبذلك يملك حفظها ورعيها وعلفها والإنفاق عليها.
    ومنها: أن يقول: فوضت إليك امرأتي وبذلك يملك طلاقها في المجلس فقط، أما إذا قال له: ملكتك أمر امرأتي فإنه يملك طلاقها في المجلس وغيره.
    الماكية - قالوا: الشروط المتعلقة بالوكيل ثلاثة:
    الأول: الحرية فلا تصح بين رقيق وحر ولا بين رقيقين، إلا إذا كان الرقيق مأذونا له بالتجارة من سيده فإنه حينئذ يكون في حكم الحر.
    الثاني: الرشد فلا تصح بين سفيهين ولا بين سفيه ورشيد. على أن هذا الشرط لهم فيه اختلاف فبعضهم يقول: يجوز في بعض الأمور، ولكن ظاهر المذهب يقتضي أن المحجور عليه لا يصح أن يوكل أحدا عنه في الخصومة في تخليص ماله وطلب حقوقه. ويجوز للغير أن يوكله عن نفسه إلا إذا كانت امرأة محجورا عليها فإن لها أن توكل عنها غيرها فيما يتعلق بأمر عصمتها بل ليس لوليها قيام في ذلك إلا بتوكيل منها.
    والحاصل: أن في ذلك طريقين أحدهما: أنه لا يجوز توكيله ولا توكيله مطلقا وعلى ذلك الشرط الرشد. ثانيهما: أنه يجوز أن يتوكل عن غيره ولا يوكل هو عنه. أما المرأة الذي يضارها زوجها فلا خلاف في صحة توكيل الغير عنها.
    الثالث: البلوغ ولا يصح بين صبيين ولا بين صبي وبالغ أما إذا كانت صغيرة متزوجة وأرادت أن تخاصم زوجها أو وليها فإن توكيلها يكون مقبولا بل لازما كما عرفت.
    فهذه الشروط هي التي تلزم الوكيل والموكل.
    أما الإسلام فإنه ليس شرطا في الموكل بلا نزاع فيجوز للذمي أن يوكل المسلم عنه ويقع توكيله صحيحا. ولكن هل يصح للمسلم أن يوكل الذمي عنه؟.
    والجواب: أنه لا يصح وإنما لم يذكر هذا الشرط في الشروط لأن الذمي أهل للتوكيل والتوكل ما دام حرا بالغا رشيدا. ولكن المانع من جملة وكيلا عن المسلم أمر عارض وهو ما عساه أنه يتصرف تصرفا لا تقره الشريعة.
    ولهذا قالوا في الشركة: إنه لا يصح للمسلم أن يشارك الذمي إذا كان بيع الذمي وشراؤه بحضرة المسلم خوفا من أنه إذا انفرد بذلك يدخل في معاملته ربا أو يشتري خمرا أو خنزيرا وذلك لا تقره الشريعة فإذا تأكد من أنه يتعامل بما تحرمه الشريعة وجب عليه أن يتصدق بالربح الذي أصابه من شركته فغن شك يستحب له التصدق. أما إذا تأكد من حسن معاملته ومطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه لا شيء عليه.
    ومثل الذمي في ذلك المسلم الذي لا يحافظ على دينه فالمانع من توكيل الذمي هو الخوف من تصرفا لا يطابق الشريعة الإسلامية وواجب على المسلم أن يحتفظ بدينه فلا يصح له أن يبيح لغيره التصرف باسمه فيما لا يقره الدين ولهذا اعتبر المسلم الذي لا يحافظ على دينه كالذمي.
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #140
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,495

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الثالث
    [مباحث الوكالة]
    صـــــ 148 الى صــــــــ
    163
    الحلقة (140)

    وأما الشروط المتعلقة بالموكل فيه فإنها ترجع إلى شيء واحد وهو أن يكون من الأمور التي تقبل شرعا ولا تتعين فيه شراء ولا تتعين فيه مباشرة له بنفسه فيجوز لشخص أن يوكل عنه غيره في عقد بيع وشراء وإجارة، ونكاح وصلح ومضاربة ومساقاة عقد يجوز فسخه كما في المزارعة قبل رمي البذر فإنه يصح لأحد العاقدين فسخه يصح له أن يوكل غيره في الفسخ.
    ومثل ذلك البيع الفاسد كما إذا باع صبي مميز شيئا فللولي أن يوكل من يفسخه ومن ذلك الطلاق حل لقيد النكاح فيجوز لشخص أن يوكل غيره في طلاق زوجه وفي الخلع كما يجوز له أن يوكل شخصا في إقالة من اشترى منه شيئا. وكذا له أن يوكل في قضاء دين عليه وقبض حق له على الغير. وكذا يجوز له أن يوكل - في حد أو قصاص أو تأديب - فللزوج أن يوكل عنه أباه مثلا في تأديب زوجه إذا تركت الصلاة لأن للزوج عن حق عقوبة زوجه إذا تركت الصلاة فله أن يوكل غيره في ذلك.
    ولولي الدم أن يوكل عنه على القتل وللشخص أن يوكل عنه في استيفاء الحدود والعقوبات.
    وكذا له أن يوكل في الحوالة كأن يكون مدينا لشخص بكذا وله دين عند آخر فله أن يوكل شخصا في أن يحيل الدائن الذي يطالبه بدينه على المدين الذي له دين. وكذا يصح التوكيل على أن يبرئ شخصا من حق له عليه حتى ولو كان الحق مجهولا عند الجميع لأن الإبراء من الحقوق لا يتوقف على علمها.
    وليس له أن يوكل غيره في العبادات إلا في المالية منها كأداء الزكاة فإنه يصح التوكيل في أدائها وقد اختلف في الحج فقيل ويصح فيه التوكيل وقيل لا يصح كما تقدم.
    وهل يصح لصاحب الوظيفة الدينية أن ينيب عنه كالمؤذنين والإمام والقارئ في مكان خاص؟
    والجواب: انه يجوز التوكيل فيها حيث لم يشترط الواقف عدم النيابة فيها.
    أما إذا لم يشترط عدم النيابة فيها فإن الأجرة تسقط ولا يستحقها ولا النائب.
    أما إذا لم يشترط عدم النيابة فالأجرة تكون للأصل وهما على ما تراضيا عليه معا كانت النيابة لضرورة أو لغير ضرورة. ويلتحق بالعبادات الشهادة والإيمان فليس له أن يوكل عنه من يؤدي الشهادة بدله ولا يحلف اليمين عنه. ومثل ذلك الإيلاء واللعان فإنه لا يصح له أن يوكل عنه من يولي من امرأته بأن يحلف أن لا يقربها مدة معلومة أو من يلاعن عنه مع امرأته التي يتهمها بالزنا كما هو مبين في محله لأن اللعان شهادات مؤكدة باليمين وذلك لا تصح فيه الوكالة.
    ولا تصح الوكالة في المعاصي كالسرقة والظهار كأن يقول له: وكلتك في أن تظاهر من امراتي فإن الظهار منكر من القول وزور فإذا قال زوجة موكلي عليه أمه لا يصح الظهار.
    وبعضهم يقول: إن هذا كالطلاق إذ لا فرق بين ذلك وبين امرأته موكلي طالق فإن كلا منهما إنشاء كالبيع والنكاح فيصح التوكيل فيهما. وهل التوكل في طلاق محرم كما إذا قال له: وكلتك في طلاق زوجي وهي حائض مثل الظهار فلو طلقها الوكيل لا يقع به الطلاق أو لا؟ خلاف فبعضهم يقول: إنه لا يقع لأنه توكيل على معصية.
    وبعضهم يقول: إنه يقع الطلاق في نفسه ليس بمعصبة وإنما حرمته عارضة بسبب الحيض وهذا الخلاف فيما إذا وكله في أن يطلقها حال الحيض. أما إذا وكله في أن يطلقها مطلقا فطلقها الوكيل حال الحيض فغن طلاقه يقع على الموكل اتفاقا لأن أصل التوكيل لم يكن على معصية. وحاصل ما تقدم أن الأفعال التي كلف الشارع بها الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: ما كان لمصلحة تتعلق بخصوص الفاعل بحيث لو باشر الفعل غيره فأتت المصلحة التي شرع من أجلها فهذا تمنع النيابة قطعا وذلك كالإيمان بالله تعالى فإن الغرض من التصديق بالإله العبودية له وإجلاله وتعظيمه وذلك أمر خاص بالشخص نفسه ومصلحته ترجع إليه بخصوصه فلا يصح أن ينيب فيه غيره.
    ومثل ذلك الصلاة والصيام فإنهما ما شرعا إلا لتعظيم الله وإجلاله وإظهار العبودية له تعالى وذلك لا يكون إلا من الشخص نفسه فلا يصح أن ينيب غيره فيه.
    وكذا حلف اليمين فإنه ما شرع إلا للدلالة على صدق المدعي وذلك لا يحصل بحلف غيره فلا تصلح النيابة. وكذا النكاح بمعنى الوطء فإن الغرض منه إعفاف النفس عن الفاحشة والمحافظة على الأنساب وذلك لا يحصل بفعل الغير فلا يصح له أن ينيب غيره فيه بخلاف النكاح بمعنى العقد فغن الغرض منه تحقيق سبب إباحة الزوج وهذا السبب بتحقيق مباشرة الشخص بنفسه وبمباشرة وكيله بدون أن تفرت مصلحته الخاصة.
    القسم الثاني: ما كانت المصلحة تتعلق بتحقيق الفعل بقطع النظر عن الأشخاص وذلك كرد المغضوب والعارية وقضاء الديون وتفريق الزكاة وإيصال الحقوق لأهلها فإن الشارع طلب من المكلف فعل هذه الأشياء لما فيها من المنافع فمتى وجد الفعل فقد تحققت المصلحة سواء كانت لفعل المكلف أو بفعل وكيله حتى ولو لم يشعر المكلف بفعلها.
    القسم الثالث: ماكان مشروعا لمصلحة تتردد بين الفعل من جهة وبين الفاعل من جهة كالحج فإنه شرع لأمرين:
    أحدهما تعظيم الله تعالى وإجلاله والخضوع له وهذه المصلحة متعلقة بالفاعل لا تحصل من سواه.
    ثانيهما: إنفاق المال الذي ينتفع به الناس ومصلحة الاتفاق تحقق بحصوله من أي شخص فمن نظر إلى الحالة الأولى ملحقا
    بالقسم الأول فقال: إن الحج لا تصح فيه الإنابة وبذلك قال مالك: فمن حج عن شخص لا ينفعه في إسقاط الفريضة وإنما له ثواب الإنفاق والدعاء، وقد قطع النظر عن الإنفاق لأنه أمر عارض بدليل أن المكي يحج بلا مال.
    وأما من نظر إلى المعنى الثاني وهو الإنفاق - كالإمام الشافعي - فإنه يقول بجواز الحج عن الغير وذلك لأن القربة المالية لا تنفك غالبا عن السفر فلا ينظر إلى المكي الذي يحج بلا نفقه لأن ذلك نادر.
    وأما الصيغة فلها اعتبارات ثلاثة وذلك لأنه إما أن ينظر إليها بالنسبة إلى جانب الموكل. أو بانسبة إلى جانب الوكيل. أو بالنسبة إلى جانب الموكل فيه. فإن نظر إليها بالنسبة للموكل فإنه يشترط لها أن تدل على معنى الوكالة عرفا أو لغة أو عادة فإذا خالفت اللغة العرف يعمل بالعرف ولا ينظر للغة.
    ولا يشترط لها أن تكون بلفظ مخصوص فإذا قال له: وكلتك أو أنت وكيل عني فإنه يصح. وكذا إذا قال له: تصرف عني بالفظ تصح بإشارة الأخرس أو الممنوع عن الكلام بسبب من الأسباب. ومثل انعقاد باعادة أن يكون لأخوين دار مملوكة لهما وقد جرت أحدهما أن يؤجرها ويقبض أجرتها فإنه يعتبر وكيلا عن أخيه ويصدق في دعواه أنه أعطاه من الأجرة ما لم يثبت أنه متعد.
    أما إن نظر إلى الصيغة بالنسبة للوكيل فإنه يشترط أن يقترن بها من جانب الوكيل ما يدل على قبول التوكيل. وهل قبول الوكيل يجب أن يكون فورا، أو يصح مع التراخي؟ خلاف. والتحقيق أنه ينظر في ذلك العرف والعادة فإن كانت الصيغة الصادرة من الموكل تستدعي الجواب فورا في العرف فإنه يجب أن يكون قبول الوكيل فورا وإلا فلا.
    وأما إذا نظر إلى الصيغة بالنسبة للموكل فيه يجب أن يكون معلوما سواء كانت الوكالة متعلقة بأمر عام كما إذا فوض له التصرف. أو كانت متعلقة بشيء خاص كما إذا وكله في بيع سلعة خاصة أو طلب حق خاص ونحو ذلك.
    أما طريق علم الموكل فيه فإنه يكون بلفظ يدل عليه أو لغة وقد عرفت أن العرف مقدم على اللغة إذا خالفها ويقوم مقام اللفظ إشارة الأخرس أو غير القادر بأي سبب فإذا قال له: أنت وكيلي أو كلتك ولم يبين الشيء الذي وكله فيه ولا قرينة تدل عليه ولا عرف بين الناس فيه فإنه لا يكفي في صحة الوكالة وإن كان لفظ وكلتك يدل على الوكالة لغة لأنه اعتبار للغة ما لم يؤيدها العرف فلا بد من بيان الموكل فيه بصيغة عامة أو خاصة.
    مثال الأولى: أن يقول له: وكلتك وكالة مفوضة أو وكلتك في جميع أموري أو أقمتك مقامي في أموري أو نحو ذلك مما يدل على التوكيل العام.
    ومثال الثانية: أن يقول له: وكلتك في شراء هذه الدار أو المطالبة لي بحقي الذي عند فلان أو نحو ذلك.
    ويترتب على الوكالة العامة نفاذ تصرف الوكيل في كل ما لا يضر بالمال للموكل أن يرد تصرفه أو يضمنه (يلزمه) شيئا أما ما يضر بالمال لا ينفذ فليس للوكيل أن يتصدق من مال موكله ولا يهبه ولا يفعله ما ينقصه. إلا إذا قال له: وكلتك وكالة مفوضة وكل ما يصدرعنك ينفذ ولو كان ضارا فإن تصرف الوكيل في هذه الحالة ينفذ فيه ضرر بالمال وإن كان يحرم عليه أن يفعل ما يضر بموكله ولو أذنه لأنه أمينة والأمين يجب عليه ألا يضر بمن ائتمنه على أي حال غير أنه لا ينفذ تصرفه إذا كان فيه سفه ويبذير. أما إذا تصرف بمعصية فإن الوكالة تكون من أصلها لما عرفت من انها لا تصح في المعاصي.
    ويستثني من الوكالة العامة أمور:
    أحدها: طلاق زوجة الموكل فإنه لا يدخل في التوكيل حتى ولو قال له: كل تصرفك نافذ ولو فيه ضرر وذلك لأن طلاق الزوجة لا بد له عرفا من توكيل خاص بأن يقول له: وكلتك على طلاق زوجتي فلانة أو يشير إليها لأن يقول: وكلتك على طلاق هذه.
    ثانيها: تزويج البنت فليس للوكيل أن يزوج بنت موكله إلا بتوكيل خاص بأن يقول وكلتك على زواج بنتي فلانة أو هذه مشيرا إليها.
    ثالثها: بيع داره التي يسكنها. فلا بد له من توكيل خاص أيضا بأن يقول: وكلتك على بيع داري الفلانية أو هذه الدار.
    رابعها: بيع عبده القائم بأمور فإنه لا يدخل في الوكالة العامة. فهذه الأمور الأربعة لا تدخل في الوكالة العامة بل لا بد فيها من التوكيل الخاص.
    الشافعية - قالوا: يشترط في الموكل أن يكون أهلا لمباشرة الشيء الذي يزيد أن يوكل فيه غيره بحيث يصح له أن يتصرف فيه بنفسه وبذلك يخرج الصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران المتعدي بسكره والفاسق في تزويج من له عليها الولاية لأن الفسق يسلب الولاية والمعتوه والمجور عليه لسفه في مال ونحوه. والمرأة في عقد نكاح فإنها غير أهل لمباشرته بنفسها بدون ولي فلا يصح أن تنوب عن غيرها فيه ومثلها المحرم في ذلك فإنه ليس له أن يباشر عقد النكاح بنفسه مادام محلاما فلا يصح للغير أن يوكله فيه.
    وضابط ذلك أن كل ما جاز للإنسان أن يتصرف بنفسه في شيء جاز له أن يوكل فيه غيره. وكل ما لا يجوز أن يتصرف الإنسان في شيء بنفسه بدون وليه فإنه لا يجوز له أن يوكل فيه غيره ولكن هذا الضابط مبني على الغالب لأنه يستثني من الشق الأول منه مسائل: منها ما إذا ظفر شخص بحق له في دار مغلقة ولا يمكنه الوصول إليه إلا بكسر الباب أو نقب الجدار فإن له أن يباشر ذلك بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره ولو عجز عن العمل ما لم يكن من ذوي الهيئات ولا يليق بحاله أن يباشر ذلك العمل بنفسه فإنه في هذه الحالة يصح أن يوكل غيره فهذا الرجل يجوز له التصرف بنفسه ولا يجوز له أن يوكل غيره.
    ومنها: السفيه المجور عليه إذا أذنه بالنكاح فإن له أن يباشر بنفسه وليس له أن يوكل عنه غيره.
    ومنها: الوكيل القادر على القيام بالعمل فيما وكل فيه فإن له أن يباشر العمل وليس بوكل عنه غيره إلا إذا كان غير لا ئق به.
    وكذلك يستثنى من الشق الثاني مسائل: منها الأعمى فإنه لا يجوز له أن يتصرف في بعض الأعيان التي يتوقف التصرفات فيها على الرؤية ولكنه يجوز له أن يوكل فيها غيره فهذا لا يجوز له التصرف بنفسه ومع ذلك فإنه يجوز له أن يوكل فيه غيره.
    ومنها: المحرم بحج أو عمرة فإنه لا يصح له أن يباشر عقد النكاح بنفسه كما تقدم ولكن يصح له أن يوكل عنه غيره ليعقد له عقد النكاح بعد التحلل من الإحرام وسواء نص في التوكل على أن العقد يكون بعد التحلل أو أطلق ولم ينص فإنه يحمل على أن يكون العقد بعد التحلل نعم يجوز لغير المحرم أن يوكل عنه شخصا يباشر له عقد النكاح لأن المحرم في هذه الحالة يكون سفيرا لا يباشر عقدا.
    وكما أن الموكل يشترط فيه أن يكون أهلا للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه غيره كذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلا للتصرف فيما يريد أن يوكل فيه غيره. فكل ما جاز للإنسان أن يتصرف في شيء بنفسه جاز له أن يتوكل فيه غيره. وكل ما لا يجوز له أن يتصرف فيه بنفسه لا يجوز له أن يتوكل فيه عن غيره.
    وهذا الضابط أيضا مبني على الغالب تستثني من الشق منه مسائل:
    منها: المرأة فإن لها أنتتوكل في طلاق غيرها. وليس لها أن تباشر طلافها بنفسها فهي لا يجوز لها التصرف في هذه المسألة مع أنه يجوز لها أن تتوكل.
    ومنها: السفيه المحجور عليه والعبد فغن لهما أن يتوكلا في قبول النكاح بدون إذن السيد. أما في إيجاب النكاح فإنه لا يجوز منهما مع أنه لا يصح لهما أن يتصرفا في قبول النكاح لأنفسهما بدون إذن الولي والسيد.
    ومنها الصبي المأمون الذي لم يجرب عليه الكذب مرة واحدة فإنه يجوز توكيله في إيصال الهدية والإذن في دخول الدار. وتفرقة الزكاة وذبح الأضحية. ومع ذلك فهو ممنوع من التصرف.
    فهذه شروط الوكيل والموكل. ويزاد عليها في الوكيل معنيا فلو قال لاثنين: وكلت أحدكما في بيع كذا لم يصح. وأما الموكل فيه فإنه يشترط فيه أمور:
    أحدها: ان يكون معلوما ولو بوجه ما فإذا كان مجهولا جهالة تامة فغن التوكيل لا يصح، فمثال المجهول أن يقول له: وكلتك في جميع أموري أو في كثير وقليل فهذا التوكيل لا يصح لما في الجهالة من الغرر المفضي للنزاع.
    ومثال المعلوم من بعض الوجوه أن يقول له: وكلتك في بيع أموالي أو دوابي أو نحو ذلك ولو لم تكن أمواله معلومة من جميع الوجوه لأنه يكتفي بتميزها عن غيرها من العقود الأخرى.
    ثانيها: أن يكون قابلا لنيابة والشيء الذي يقبل النيابة هو إبرام العقود وفسخها فله أن يوكل عنه في البيع والهبة والضمان والوصية والحوالة وغيرها من العقود. وصورة التوكيل في الضمان أن يقول: جعلت موكلي ضامنا لك كذا وفي الوصية أن يقول جعلت موصبا لك بكذا. وصورة التوكيل في الحوالة أن يقول الوكيل: أحلتك بمالك على موكلي من دين بنظيره مما له على فلان. وكذا فسخ العقود فله أن يوكل في إقالة شخص من شراء سلعة أو في رد سلعة اشتراها لظهور عيب فيها. أو في فسخ عقد له حق فسخه بخيار المجلس أو بشرط من الشروط. وكذلك له أن يوكل غيره في قبض دين أو عين أو يوكله في أن يعطي غيره دينا عليه.
    أما إذا كان عليه عين (كالقمح أو الدواب) فإنه لا يصح أن يوكل غيره في تسليمها بل لا بد من أن يسلمها بنفسه على المعتمد. وكذا يصح له أن يوكل غيره في خصومة من دعوى وفي جواب عن دعوى سواء أرضي الخصم أم لا.
    وكذا له أن يوكل في تملك أمر مباح كاصطياد السمك أو الطير. وله أيضا أن يوكل في استيفاء العقوبة وتوقيعها على الجاني فيجوز التوكيل في حضور توقيع في الحدود ولكن لا يصح التوكيل في إيفائها بمعنى أنه يوكله في أن يتحمل عنه العقوبة، فإن ذلك لاقبل النيابة (راجع مذهب الحنفية) .
    ولا يصح التوكيل في العبادات البدنية التي لا بد لها أو لمتعلقها من نية كالصلاة والإمامة فإن الإمامة وإن كانت لا تحتاج إلى نية ولكنها تتعلق بالصلاة والصلاة لا بد من نية ويلحق بهذا اليمين والإيلاء والظهار والشهادة والنذر فإن كل هذا لا يقبل النيابة.
    أما العبادات التي تتركب من بدنية ومالية فإنه يصح فيها التوكيل كالحج والعمرة وتجهيز الميت وبنذر في الحج توابعه كركعتي الطواف فإنها وإن كانت صلاة لا تنفع فيها النيابة ولكن تقبل النيابة في هذه الحالة تبعا.
    ومجمل القول أن العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصيام لا تقبل النيابة والعبادات المالية المحضة أو المركبة من بدنية ومالية فإنها تقبل الإنابة.
    ثالثها: أن يكون الموكل فيه مملوكا فإذا وكله في طلاق امرأة سيزوجها كانت الوكالة باطلة.
    أما الصيغة فإنها لفظ يدل على التوكيل من أحدهما (الوكيل أو الموكل) وعدم رد من الآخر فإذا قال الموكل: وكلتك في كذا أو فوضت إليك كذا سواء كان مشافهة أو كتابة أو مراسلة فإنه يصح.
    ولا يشترط أن يقول الوكيل: قبلت بل الشرط ألا يرفض التوكيل، وكذلك لا يشترط عمله بالتوكيل فإذا وكل شخص أخاه في أن يتصرف في شيء قبل أن بعلم بالتوكيل نفذ تصرفه ولا يشترط الفور فلو علم بالتوكيل ولم يشترط العمل فورا أو لم يرده فورا فإنه لا يضر على انه يشترط اللفظ من الجانبين في صورتين:
    إحداهما: إذا كان لشخص عين مملوكة، ولكنها في يد غيره بإجارة أو إعارة أو نحو ذلك ثم وهبها لشخص آخر فوكل الموهوب له واضع اليد بقبضها فإن ابتوكيل في هذه الحالة لا يصح إلا إذا قبله واضع اليد لفظا حتى تزول عنه يده، ولا يكتفي بإمساك الأرض، لأن معنى ذلك استدامة إجارتها أو إعارتها.
    ثانيهما: الوكالة بجعل، فإذا وكل شخص آخر بأن يشتري له أرضا معلومة وله على ذلك كذا فإنه لا بد في ذلك من القبول لفظا لأن في هذه
    الحالة تكون إجارة وشروطها أن يكون العمل الذي يقوم به الوكيل مضبوطا.
    الحنابلة - قالوا: يشترط في الموكل أن يكون أهلا للتصرف في الشيء الذي يريد أن يوكل فيه، لأن من لا يصح أن يتصرف بنفسه فلا يصح أن يتصرف لنائبه بطريق الأولى إلا في أحوال ضرورية
    منها: أن يكون الموكل أعمى فإنه ممنوع من التصرف فيما يحتاج لرؤية كعقد البيع وافجارة، ولكنه يجوز أن يوكل غيره عنه في ذلك لأن منعه عن التصرف لعجزه عن العلم بالمبيع لا لنقص فيه.
    ومثل الأعمى الغائب فإن له أن يوكل غيره في عقد البيع أو الإجارة وإن كان ممنوعا من التصرف لعدم الرؤية، فخرج بذلك الصبي والسفيه والمجنون ونحوهم كما تقدم في البيع على أنه يصح توكيل الصبي المميز بإذن وليه في كل تصرف لا يشترط فيه اليلوغ، فلا يصح توكيله في نحو إيجاب النكاح، ولكن يصح توكيله في قبوله. أما الطلاق فإنه يصح توكيله بدون إذن وليه إذا عقله.
    وكذلك يشترط في الوكيل أن يكون أهلا للتصرف فيما يوكل فيه فلا يصح له أن يوكل في شيء ممنوع من التصرف بنفسه إلا في أمور:
    أحدها: أن يتوكل الحر الغني القادر على النككاح في زواج أمه لمن يتاح له فإنه ممنوع من تزويجها ولكنه يباح ل له أن يتوكل في تزويجها لغيره.
    ثانيها: أن يتوكل الغني عن فقير في قبض الزكاة، فإنه ممنوع عن أخذ الزكاة لنفسه، ولكنه يصح توكيله عن غيره، ومثل ذلك الزكاة والكفارة والنذر.
    ثالثها: أن يتوكل في قبول زواج أخته أو عمته لأجنبي فإنه ممنوع من زواجها لنفسه مع جواز توكيله في قبول زواجها لغيره.
    ومنها: توكيل المرأة في طلاق نفسها أو طلاق غيرها فإنه صحيح، مع أن المرأة لا تتصرف في الطلاق من غير توكيل. فهذه الصور جارية على الغالب.
    وأما الموكل فيه فهو كل ما فيه حق الآدمي من العقود فيصح في البيع والشراء والإجارة والمضاربة والقرض والإبراء والطلاق والرجعة والحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمساقاة والصلح والهبة والصدقة والوصية والقسمة وغير ذلك من العقود. وكذلك يصح في تملك المباحات من صيد واحتطاب وإحياء أرض ميتة.
    ولا تصح الوكالة في العقود التي لا تقبل النيابة كالظهار واللعان والنذر والإيلاء والقسامة، والقسم بين الزوجين والشهادة والتقاط لقطة أو لقيط، كما لا تصح في المعاصي والرضاع وغير ذلك.
    ويصح للرجل أن يوكل غيره في أن يقبل له النكاح بشرط أن يسند الوكيل إليه العقد فيقول ولي الزوجة. زوجت موكلك فلانا أو زوجت فلانا فلانة ويقول الوكيل: قبلت النكاح لفلان أو لموكلي فلان فإن لم يذكر ذلك فإن النكاح يفسد وإن نوى موكله.
    أما حقوق الله تعالى فمنها لا يقبل النيابة وهي الأعمال البدنية المحضة والصيام والطهارة، فهذه لا يصح التوكل فيها. ومنها النيابة وهي الأعمال المالية المحضة أو المركبة من المالية والبدنية، والأولى كتفرقة الصدقة والزكاة والنذر والكفارة وهذه تصح فيها الوكالة مطلقا والثانية أعمال الحج والعمرة فإنهما مركبان من أعمال مالية وبدنية ولكن لا تصح النيابة فيهما مطلقا بل عند العجز عن أدائهما.
    ويصح له التوكيل في إثبات الحدود وفي استيفائها ممن وجبت عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فاعترفت فأمر بها فرجمت" فقد وكله في إثبات الحد واستيفائه والأولى أن يكون استيفاء الحد الموكل في الحدود المتعلقة بحقوق العباد لجواز أن يرحمه ويعفو عنه فيسقط الحد.
    وأما الصيغة فهي كل لفظ يدل على الإذن في التصرف: كوكلتك أو فوضت إليك في كذا أو نحو ذلك. وتنعقد الوكالة بقول بع هذا الجمل أو اعتق هذا العبد. وتنفذ أيضا بقول: أفمتك مقامي أو جعلتك نائبا عني، ويصح قبول الوكالة لفظ أو فعل من الوكيل يدل على القبول، ولا يشترط علم الوكيل بالوكالة فلو وكل شخص آخر ولم يعلم ولكنه تصرف بعد التوكيل نفذ تصرفه. ولا يشترط الفور لقبول الوكالة بل يصح قبولها ولو بعد سنة فأكثر.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •