تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 15 الأولىالأولى 12345678910111213 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 290

الموضوع: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 235 الى صــــــــ
    239
    الحلقة (41)

    التسبيح في الركوع والسجود
    ومنها أن يقول، وهو راكع: سبحان ربي العظيم (1) ، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى؛ وفي عدد التسبيح الذي تؤدي به السنة اختلاف في المذاهب ذكرناه تحت الخط (2) .
    وضع المصلي يديه على ركبتيه، ونحو ذلك
    ومنها أن يضع المصلي يديّه على ركبتيه حال الركوع، وأن تكون أصابع يديه مفرجة، وأن يبعد الرجل عضديه عن جنبيه، لقوله صلى الله عليه وسلم لأنس رضي الله عنه؛ "وإذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك، وفرج بين أصابعك، وارفع يديك عن جنبيك، أما المرأة فلا تجافي بينهما، بل تضمهما إلى جنبيها، لأنه أستر لها، وهذا الحكم متفق عليه عند ثلاثة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    __________
    (1) المالكية قالوا: إن التسبيح في الركوع والسجود مندوب، وليس له لفظ معين، والأفضل أن يكون باللفظ المذكور
    (2) الحنفية قالوا: لا تحصل السنة إلا إذا أتى بثلاث تسبيحات، فإن أتى بأقل لم تحصل السنة.
    الحنابلة قالوا: إن الإتيان بصيغة التسبيح المذكورة واجب، وما زاد على ذلك سنة.
    الشافعية قالوا: يحصل أصل السنة بأي صيغة من صيغ التسبيح وإن كان الأفضل أن يكون بالصيغة المذكورة، أما ما زاد على ذلك إلى إحدى عشرة تسبيحة فهو الأكمل، إلا أن الإمام يأتي بالزيادة إلى ثلاث من غير شرط، وما زاد على ذلك لا يأتي به، إلا إذا صرح المأمومن بأنهم راضون بذلك.
    المالكية قالوا: ليس للتسبيح فيها عدد معين
    (3) المالكية قالوا: إن وضع يديه على ركبتيه، وإبعاد عضديه عن جنبيه مندوب لا سنة. أما تفريق الأصابع أو ضمها فإنه يترك لطبيعة المصلي، إلا إذا توقف عليه تمكين اليدين من الركبتين
    ********************
    تسوية المصلي ظهره وعنقه حال الركوع
    ومنها أن يسوّي بين ظهره وعنقه في حالة الركوع، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يسوي ظهره حتى لو صب عليه الماء استقر، وأن يسوي رأسه بعجزه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع لم يرفع رأسه، ولم يخفضها، وهذه السنة متفق عليها.
    كيفية النزول للسجود والقيام منه
    ومنها أن ينزل إلى السجود على ركبتيه، ثم يديه، ثم وجهه، وبعكس ذلك عند القيام من السجود بأن يرفع وجهه، ثم يديه، ثم ركبتيه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (1) ، على أن هذا إذا لم يكن به عذر، أما إذا كان ضعيفاً، أو لابس خف، أو نحو ذلك، فيفعل ما استطاع بالإجماع.
    كيفية وضع اليدين حال السجود وما يتعلق به
    ومنها أن يجعل المصلي في حال السجود كفيه حذو منكبيه، مضمومة الأصابع، موجهة رؤوسها للقبلة، وهذا متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (2) .
    ومنها أن يبعد الرجل في حال سجوده بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن جنبيه، وذراعيه عن الأرض؛ وهذا إذا لم يترتب عليه إيذاء جاره في الصلاة، وإلا حرم، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى - باعد بين بطنه وفخذيه - أما المرأة فيسن لها أن تلصق بطنها بفخذيها محافظة على
    __________
    (1) الشافعية قالوا: يسن حال القيام من السجود أن يرفع ركبتيه قبل يديه، ثم يقوم معتمداً على يديه، ولو كان المصلي قوياً أو امرأة.
    المالكية قالوا: يندب تقديم اليدين على الركبتين عند النزول إلى السجود، وأن يؤخرهما عن ركبتيه عند القيام للركعة التالية
    (2) المالكية قالوا: يندب وضع اليدين حذو الأذنين أو قربهما في السجود، مع ضم الأصابع وتوجيه رؤوسها للقبلة.
    الحنفية قالوا: إن الأفضل أن يضع وجهه بين كفيه، وإن كان وضع كفيه حذاء منكبيه تحصل به السنة أيضاً
    ***********************
    سترها، وهذا متفق عليه إلا عند المالكيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    ومنها أن تزيد الطمأنينة عن قدر الواجب، وهذا متفق عليه.
    الجهر بالقراءة
    ومن السنن الجهر بالقراءة للإمام والمنفرد في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء، وفي ركعتي الصبح والجمعة، وهذا متفق عليه عند المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    حد الجهر والإسرار في الصلاة
    ومن السنن الإسرار لكل مصل، فيما عدا ذلك من الفرائض الخمس، وهو سنة عند ثلاثة من الأئمة، وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة؛ أما الجهر والإسرار في غير الفرائض كالوتر ونحوه والنوافل، ففيه تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (3) ، وفي حد الجهر والإسرار
    __________
    (1) المالكية قالوا: يندب للرجل أن يبعد بطنه عن فخذيه، ومرفقيه عن ركبتيه، وضبعيه عن جنبيه إبعاداً وسطاً في الجميع

    (2) الحنفية قالوا: الجهر واجب على الإمام، وسنة للمنفرد، كما تقدم، ثم إن المنفرد مخير بن الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية، فله أن يجهر فيها، وله أن يسر، إلا أن الجهر أفضل، وكذلك المسبوق في الصلاة الجهرية بأن فاتته ركعة من الجمعة خلف الإمام أو الصبح أو العشاء أو المغرب، ثم قام يقضيها، فإنه مخير بين أن يسر فيها وبين أن يجهر، ولا فرق في الصلاة الجهرية بين أن تكون أداء أو قضاء على الصحيح، فإذا فاتته صلاة العشاء مثلاً، وأراد قضاءها في غير وقتها، فإنه مخير بين أن يسر فيها أو يجهر؛ أما صلاة السرية فإنه المنفرد ليس مخيراً فيها. بل يجب عليه أن يسر على الصحيح، فإن جهر في صلاة العصر أو الظهر مثلاً، فإنه يكون قد ترك الواجب، ويكون عليه سجود السهو بناء على تصحيح القول بالوجوب، أما المأموم فإنه يجب عليه الانصات في كل حال، كما تقدم.
    الحنابلة قالوا: المنفرد مخير بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية
    (3) المالكية قالوا: يندب الجهر في جميع النوافل الليلية، ويندب السر في جميع النوافل النهارية، إلا النافلة التي لها خطبة، كالعيد والاستسقاء، فيندب الجهر فيها.
    الحنابلة قالوا: يسن الجهر في صلاة العيد والاستسقاء والكسوف والتراويح والوتر إذا وقع بعد التراويح، ويسر فيما عدا ذلك.
    الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى.
    ************************
    للرجل والمأة تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
    هيئة الجلوس في الصلاة
    ومن السنن أن يضع المصلي يديه على فخذيه، بحيث تكون رأس أصابعهما على الركبتين حال الجلوس متجهة إلى القبلة، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنفية، وخالف المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    أما هيئة الجلوس فإنه فيها تفصيل
    __________
    الشافعية قالوا: يسن الجهر في العيدين، وكسوف القمر، والاستسقاء والتراويح، ووتر رمضان: وركعتي الطواف ليلاً أو وقت صبح، والإسرار في غير ذلك إلا نوافل الليل المطلقة، فيتوسط فيها بين الجهر مرة والإسرار أخرى.
    الحنفية قالوا: يجب الجهر على الإمام في كل ركعات الوتر في رمضان، وصلاة العيدين، والتراويح، ويجب الإسرار على الإمام والمنفرد في صلاة الكسوف والاستسقاء والنوافل النهارية أما النوافل الليلية، فهو مخير فيها
    (1) المالكية قالوا: أقل جهر الرجل أن يسمع من يليه، ولا حد لأكثره، وأقل سره حردّ. اللسان، وأعلاه إسماع نفسه فقط. أما المرأة فجهرها مرتبة واحدة، وهو إسماع نفسها فقط، وسرها هو حركة لسانها على المعتمد.
    الشافعية قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه، ولو واحداً، لا فرق بين أن يكون رجلاً أو امرأة إلا أن المرأة لا تجهر إذا كانت بحضرة أجنبي، وأقل الإسرار أن يسمع نفسه فقط، حيث لا مانع.
    الحنابلة قالوا: أقل الجهر أن يسمع من يليه ولو واحداً، واقل السر أن يسمع نفسه، أما المرأة، فإنه لا يسن لها الهجر، ولكن لا بأس بجهرها إذا لم يسمعها أجنبي؛ فإن سمعها أجنبي منعت من الجهر.
    الحنفية قالوا: أقل الجهر إسماع غيره ممن ليس بقربه، كأهل الصف الأول، فلو سمع رجل، أو رجلان، فقط لا يجزئ، وأعلاه لا حد له، وأقل المخافتة إسماع نفسه، أو من بقربه من رجل أو رجلين؛ أما حركة اللسان مع تصحيح الحروف؛ فإنه لا يجزئ على الأصح، أما المرأة فقد تقدم في مبحث "ستر العورة" أن صوتها ليس بعورة على المعتمد، وعلى هذا لا يكون بينها وبين الرجل فرق في حكم الجهر بالقراءة في الصلاة، ولكن هذا مشروط بأن لا يكون في صوتها نغمة؛ أو لين، أو تمطيط يترتب عليه ثوران الشهوة عند من يسمعها من الرجال فإن كان صوتها بهذه الحالة كان عورة: ويكون جهرها بالقراءة على هذا الوجه مفسداً للصلاة، ومن هنا منعت من الأذان
    (2) المالكية قالوا: وضع يديه على فخذيه مندوب لا سُنة.
    الحنابلة قالوا: يكفي في تحصيل السنة وضع اليدين على الفخذين بدون جعل رؤوس الأسابع على الركبتين
    ***************************
    المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
    الإشارة بالأصبع السبابة في التشهد وكيفية السلام
    ومنها أن يشير بسبابته في التشهد على تفصيل في المذاهب (2) .
    ومنها الالتفاف بالتسليمة الأولى جهة اليمين حتى يرى خدّه الأيمن، والالتفاف بالتسليمة
    __________
    (1) المالكية قالوا: يندب الإفضاء للرجل والمرأة، وهو أن يجعل رجله اليسرى مع الألية اليسرى على الأرض، ويجعل قدم اليسرى جهة الرجل اليمنى، وينصل قدم اليمنى عليها، ويجعل باطن إبهام اليمنى على الأرض.
    الحنفية قالوا: يسن للرجل أن يفرض رجله اليسرى، وينصب اليمنى؛ ويوجه أصابعه نحو القبلة؛ بحيث يكون باطن أصابع رجله اليمنى نحو القبلة بقدر الاستطاعة، ويسن للمرأة أن تتورك بأن تجلس على أليتيها، وتضع الفخذ على الفخذ، وتخرج رجلها من تحت وركها اليمنى.
    الشافعية قالوا: يسن الافتراش، وهو الجلوس على بطن قدمه اليسرى، ونصب قدمه اليمنى في جميع جلسات الصلاة إلا الجلوس الأخير، فإنه يسن فيه التورك بأن يلصق الورك الأيسر على الأرض؛ وينصب قدمه اليمنى، إلا إذا أن يسجد للسهور، فإنه لا يسن له التورك في الجلوس الأخير، بل يسن له في هذه الحالة الافتراش.
    الحنابلة قالوا: يسن الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وفي التشهد الأول، وهو أن يفترش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويخرجها من تحته، ويثني أصابعها جهة القبلة، أما التشهد الأخير في الصلاة الرباعية والثلاثية، فإنه يسن له التورك، وهو أن يفترش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى ويخرجهما عن يمينه؛ ويجعل أليتيه على الأرض
    (2) المالكية قالوا: يندب في حالة الجلوس للتشهد أن يعقد ما عدا السبابة والإبهام تحت الإبهام من يده اليمنى؛ وأن يمد السبابة والإبهام، وأن يحرك السبابة دائماً يميناً وشمالاً تحريكاً وسطاً.
    الحنفية قالوا: يشير بالسبابة من يده اليمنى فقط، بحيث لو كانت مقطوعة أو عليلة لم يشر بغيرها من أصابع اليمنى، ولا اليسرى عند انتهائه من التشهد، بحيث يرفع سبابته عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى بقوله: لا إله إلا الله، ويضعها عند إثبات الألوهية لله وحده بقوله: إلا الله، فيكون الرفع إشارة إلى النفي، والوضع إلى الإثبات.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 239 الى صــــــــ
    247
    الحلقة (42)

    الإشارة بالأصبع السبابة في التشهد وكيفية السلام
    ومنها الالتفاف بالتسليمة الأولى جهة اليمين حتى يرى خدّه الأيمن، والالتفاف بالتسليمة الثانية جهة اليسار حتى يرى خده الأيسر، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    نية المصلي من على يمينه ويساره بالسلام
    يسن أن ينوي المصلي بسلامه الأول من على يمينه، وبسلامه الثاني من على يساره، على تفصيل في المذاهب
    (2) .
    __________
    الحنابلة قالوا: يعقد الخنصر والبنصر من يده، ويحلق بإبهامه مع الوسطى، ويشير بسبابته في تشهد ودعائه عند ذكر لفظ الجلالة، ولا يحركها.(تمام لصــــــ239 )
    الشافعية قالوا: يقبض جميع أصابع يده اليمنى في تشهده إلا السبابة، وهي التي تلي الإبهام، ويشير بها عند قوله إلا الله، ويديم رفعها بلا تحريك إلى القيام في التشهد الأول، والسلام في الشهد الأخير، ناظراً إلى السبابة في جميع ذلك، والأفضل قبض الإبهام بجنبها، وأن يضعها على طرف راحته
    (1) المالكية قالوا: يندب للمأموم أن يتيامن بتسليمة التحليل، وهي التي يخرج بها من الصلاة، وأما سلامه على الإمام فهو سنة، ويكن جهة القبلة، كما يسن أيضاً أن يسلم على من على يساره من المأمومين إن شاركه في ركعة فأكثر، وأما الفذ والإمام، فلا يسلم كل منهما إلا تسليمة واحدة هي تسليمة التحليل، ويندب لهما أن يبدآها لجهة القبلة ويختماها عند النطق بالكاف والميم من "عليكم" لجهة اليمين بحيث يرى من خلفهما صفحة وجهيهما، ويجزئ في غير تسليمة التحليل: سلام عليكم، وعليك السلام: والأولى عدم زيادة: ورحمة الله وبركاته في السلام مطلقاً، إلا إذا قصد مراعات خلاف الحنابلة، فيزيد. ورحمة الله، مسلماً على اليمين واليسار
    (2) الحنابلة قالوا: يسن في كيفية السلام أن يسلم عن يمينه أولاً، ثم على يساره حتى يرى بياض خده الأيمن والأيسر، فإذا نسي وسلم على يساره ابتداء، سلم على يمينه فقط، ولا يعيد السلام على يساره ثانياً، أما إذا سلم تلقاء وجهه، فإنه يسلم عن يمينه ويساره، والسنة أن يقول: "السلام عليكم ورحمة الله"، وأن تكون الثانية أخفض من الأولى، ثم إن كان إماماً ينوي بضمير الخطاب المصلين من الإنس والجن والملائكة، وإن كان مقتدياً ينوي إمامه والمصلين، وإن كان منفرداً ينوي الملائكة الحفظة.
    الشافعية قالوا: ينوي السلام على من لم يسلم عليه من ملائكة ومؤمني إنس وجن، وينوي الرد على من سلم عليه من إمام ومأموم من ابتداء جهة السلام إلى نهايتها.
    الحنابلة قالوا: يسن له أن ينوي بالسلام الخروج من الصلاة، ولا يسن له أن ينوي به الملائكة ومن معه في الصلاة، ولكن إن نوى به الخروج من الصلاة مع السلام على الحفظة ومن معه فيها فلا بأس.
    المالكية قالوا: يندب أن يقصد المصلي بالتسليمة الأولى الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة إن كان غير إمام، وإن كان إماماً قصد الخروج من الصلاة والسلام على الملائكة والمقتدين، وليس على الإمام والفذ غيرها؛ بخلاف المأموم، كما تقدم
    ****************************
    الصلاة على النبي في التشهد الأخير
    ومنها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، وأفضلها أن يقول: "اللهم صلى الله عليه وسلم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد" وهذه الصيغة سنة عند المالكية، والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    الدعاء في التشهد الأخير
    ومنها الدعاء في التشهد الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تفصيل في المذاهب (2) .
    __________
    (1) الشافعية، والحنابلة قالوا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الثاني فرض، كما تقدم تفصيله في مذهب كل واحد منهما في "فرائض الصلاة".
    والأفضل عند الحنابلة أن يقول: "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد" وقد زاد متأخرو الشافعية لفظ السيادة، فيقول: - سيدنا محمد، وسيدنا إبراهيم -
    (2) الحنفية قالوا: يسن أن يدعو بما يشبه ألفاظ القرآن، كأن يقول: "ربنا لا تزغ قلوبنا" أو بما يشبه ألفاظ السنة، كأن يقول: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةمن عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"، ولا يجوز له أن يدعو بما يشبه كلام الناس، كأن يقول: اللهم زوجني فلانة، أو أعطني كذا من الذهب والفضة والمناصب، لأنه يبطلها قبل القعود بقدر التشهد، ويفوت الواجب بعده قبل السلام.
    المالكية قالوا: يندب الدعاء في الجلوس الأخير بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وله أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والأفضل الوارد، ومنه: اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأئمتنا ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزماً، اللهم اغفر لنا ما قدمنا، وما أخرنا، وما أسررنا، وما أعلمنا، وما أنت أعلم به منا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
    الشافعية قالوا: يسن الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقبل السلام بخيري الدين والدنيا، ولا يجوز أن يدعو بشيء محرم أو مستحيل أو معلق، فإن دعا بشيء من ذلك بطلت صلاته، والأفضل أن يدعو بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يقول: "اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت وما أسررت، وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت" رواه مسلم ويسن أن لا يزيد الإمام في دعائه عن قدر التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
    الحنابلة قالوا: يسن للمصلي بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير أن يقول: "أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"، وله أن يدعو بما ورد أو بأمر الآخرة، ولو لم يشبه ما ورد، وله أن يدعو لشخص معين بغير كاف الخطاب، وتبطل الصلاة بالدعاء بكاف الخطاب، كأن يقول: اللهم أدخلك الجنة يا والدي. أما لو قال: اللهم أدخله الجنة، فلا بأس به، وليس له أن يدعو بما يقصد منه ملاذ الدنيا وشهواتها كأن يقول: اللهم الرزقني جارية حسناء، أو طعاماً لذيذاً ونحوه، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، ولا بأس بإطالة الدعاء ما لم يشق على مأموم
    ****************************** *
    مندوبات الصلاة
    قد عرفت مما ذكرناه قبل أن الشافعية، والحنابلة لا يفرقون بين المندوب والسنة والمستحب، فكلها عندهم بمعنى واحد، وقد تقدمت سنن الصلاة مفصلة ومجملة، فهي تسمي عندهم مندوباً ومستحباً، كما تسمى سنناً، أما الذين يفرقون بين المندوب والسنة، وهم المالكية، والحنفية فقد ذكرنا مندوبات الصلاة عندهم تحت الخط (1) .
    __________
    (1) المالكية قالوا: مندوبات الصلاة ثمانية وأربعون: نية الأداء والقضاء في محلهما؛ نية عدد الركعات، الخشوع، وهو استحضار عظمة الله وهيبته، وأنه لا يعبد سواه وهذا هو المندوب، وأما أصل الخشوع فواجب: رفع اليدين حذو المنكبين عند تكبيرة الإحرام فقط وإرسالها بوقار، إكمال سورة الفاتحة، تطويل قراءة الصبح والظهر، مع ملاحظة أن الظهر دون الصبح، تقصير القراءة في العصر والمغرب؛ توسط القراءة في العشاء؛ تقصير الركعة الثانية عن الركعة الأولى في الزمن "ومساواتها لها وتطويل الثانية عن الأولى خلاف الأولى، كما تقدم، إسماع المصلي نفسه القراءة في الصلاة السرية؛ قراءة المأموم في الصلاة السرية؛ تأمين المأموم والفذ مطلقاً، أي في السرية والجهرية؛ تأمين الإمام في الصلاة السرية فقط؛ الإسرار بالتأمين؛ تسوية المصلي ظهره في الركوع، وضع يديه على ركبتيه فيه تمكين اليدين من الركبتين فيه أيضاً، صب الركبتين؛ التسبيح في الركوع، بأن يقول: سبحان ربي العظيم، كما تقدم، مباعدة الرحل مرفقيه عن جنبيه؛ التحميد للفذ والمقتدي؛ التكبير حال الخفض والرفع إلا في القيام من اثنتين، فينتظر بالتكبير حتى يستقل قائماً، ولا يقوم المأموم من اثنتين حتى يستقل إمامه، تمكين الجبهة من الأرض في السجود؛ تقديم اليدين على الركبتين عند الهوي له؛ تأخيرهما عن الركعتين عند القيام، وضع اليدين حذو الأذنين، أو قربهما في السجود مع ضم أصابعهما وجعل رؤوسهما للقبلة أن يباعد الرجل في السجود مرفقيه عن ركبتيه، وبطنه عن فخذيه، وضبعيه عن جنبيه مع مراعاة التوسط في ذلك، وأما المرأة فتكون منضمة لبناء أمرها على الستر، كما تقدم؛ رفع العجز في السجود، الدعاء فيه، التسبيح فيه، الإفضاء في الجلوس كله، وقد تقدم تفصيله، وضع الكفين على رأس الفخذين في الجلوس، تفريج ما بين
    الفخذين في الجولس، عقد ما عدا السبابة والإبهام من أصابع اليد اليمنى تحت إبهامها في جلوس التشهد مطلقاً، مع مدّ السبابة والإبهام، وتحريك السبابة دائماً، يميناً وشمالاً، القنوت في صلاة الصبح خاصة؛ كونه قبل الركوع في الركعة الثانية، لفظه الخاص: "اللهم إنا نستعينك، ونسغفرك، ونؤمن بك؛ ونتوكل عليك، ونخضع لك؛ ونخلع، ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجدّ، إن عذابك بالكافرين ملحق؛ وهو رواية الإمام مالك، دعاء قبل السلام كونه سراً، كون التشهد سراً، تعميم الدعاء، التيامن بتسليمه التحليل فقط.
    الحنفية قالوا: المندوب والأدب والمستحب بمعنى واحد، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يواظف عليه، كما تقدم، فمن آداب الصلاة أن لا ينظر المصلي إلى شيء يشغله عنها، كأن يقرأ مكتوباً بالحائط، أو يتلهى بنقوشه، أو نحو ذلك؛ أو ينظر في قيامه إلى موضع سجوده وفي ركوعه إلى ظاهر قدميه، وفي سجوده إلى ما لان من أنفه؛ وفي قعوده إلى حجره، وفي سلامه إلى كتفيه، الاجتهاد في دفع السعال الطارئ قهراً بقدر الاستطاعة، أما السعال المتصنع، وهو الحاصل بغير عذر، فإنه مبطل للصلاة إذا اشتمل على حروف، كالجشاء، كما يأتي، الاجتهاد في دفع التثاؤب لقوله صلى الله عليه وسلم: "التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فيكظم ما استطاع" أي فليدفعه، بنحو أخذ شفته السفلى، بين اسنانه، فإن لم يستطع ذلك غطى فمه بكمه أو بظاهر يده اليسرى، التسمية بين الفاتحة والسورة، أن يخرج الرجل يديه من كميه عند التحريمة أما المرأة فلا تفعل ذلك محافظة على سترها، أن يقوم المصلي عند سماع، حي على الصلاة، ممن يقيم الصلاة، شروع الإمام في الصلاة بالفعل عند قول المبلغ: قد قامت الصلاة، ليتحقق القول بالفعل أن يدفع المصلي من يمر بين يديه بإشارة خفيفة ولا يزيد على ذلك
    *****************************
    سترة المصلي
    يتعلق بها مباحث:
    أولاً: تعريفها،
    ثانياً: حكمها
    ثالثاً: شروطها وما يتعلق بها، أما تعريفها فهي ما يجعله المصلي أمامه من كرسي، أو عصا، أو حائط، أو سرير: أو غير ذلك ليمنع مرور أحد بين يديه، وهو يصلي، ولا فرق بين أن تكون السترة مأخوذة من شيء ثابت كالجدار والعمود أولا عند الأئمة الثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    __________
    (1) الشافعية قالوا: إن مراتب السترة أربع لا يصح الانتقال عن مرتبة منها إلى التي تليها إلا إذا لم تسهل الأولى، فالمرتبة الأولى: هي الأشياء الثابتة الطاهرة؛ كالجدار والعمد، والمرتبة الثانية: العصا المغروزة ونحوها، كالأثاث إذا جمعه أمامه بقدر ارتفاع السترة، المرتبة الثالثة: المصلى التي يتخذها للصلاة عليها من سجادة وعباءة ونحوهما، بشرط أن لا تكون من فرشٍ المسجد، فإنها لا تكفي في السترة، المرتبة الرابعة: الخط في الأرض بالطول أو بالعرض وكونه بالطول أولى يشترط في المرتبة الأولى والثانية أن تكون ارتفاع ثلثي ذراع فأكثر، وأن لا يزيد ما بينهما وبين المصلي عن ثلاثة أذرع فأقل من رؤوس الأصابع بالنسبة للقائم، ومن الركبتين بالنسبة للجالس، ويشترط في المرتبة الثالثة، والرابعة أن يكون امتدادهما جهة القبلة ثلثي ذراع فأكثر، وأن لا يزيد ما بين رؤوس الأصابع ونهاية ما وضعه من جهة القبلة عن ثلاثة أذرع
    ****************************** **
    وأما حكمها فهو الندب، فيندب للمصلى اتخاذ هذه السترة باتفاق، وقد عرفت أن الشافعية والحنابلة لا يفرقون بين المندوب والسنة؛ فيقولون: إن اتخاذ السترة سنة، كما يقولون: إنه مندوب؛ على أن الحنفية؛ والمالكية الذين يقولون: إن اتخاذ السترة مندوب أقل من السنة، فإنهم يقولون: إذا صلى شخص في طريق الناس بدون سترة، ومر أحد بين يديه بالفعل يأثم لعدم احتياطه بصلاته في طريق الناس، أما الشافعية، والحنابلة فإنهم يقولون لا إثم فيه؛ وإنما يكره فقط، كما سيأتي، في المبحث الذي بعد هذا، وترك السترة لا إثم فيه باتفاق وإنما يندب اتخاذ السترة للإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يندب له، لأن سترة الإمام سترة المأموم، وأما شروطها فهي مختلفة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (1) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: يشترط في السترة أمور: أحدها: أن تكون طول ذراع فأكثر، أما غلظها فلا حد لأقله، فتصح بأي ساتر، ولو كان في غلظ القلم ونحوه، ثانيها: أن تكون مستقيمة، فلا تصح السترة إذا كانت مأخوذة من شيء به اعوجاج، ثالثها: أن تكون المسافة بينها وبين قدم المصلي قدر ثلاثة أذرع، فإذا وجد المصلي ما يصلح أن يكون سترة، ولكنه لم يمكنه أن يغرزه في الأرض لصلابتها، فإنه يصح أن يضعه بين يديه عرضاً أو طولاً، ولكن وضعه عرضاً أفضل، فإن لم يجد المصلي شيئاً يجعله سترة، فإنه يخط بالأرض خطاً في شكل الهلال، وإذا خط خطاً مستقيماً أو معوجاً، فإنه يصح، ولكن الشكل الأول أفضل؛ ويصح أن يستتر بظهر الآدمي، فلو كان أمام المصلي شخص جالس، فله أن يصلي إلى ظهره، ويجعله سترة، أما إذا كان جالساً ووجهه إلى المصلي، فإنه لا يصح الاستتار به؛ بشرط أن لا يكون الآدمي كافراً أو امرأة أجنبية، وإذا كان يملك المصلي سترة مغصوبة أو نجسة، فإنه يصح أن يستتر بها وإن كان الغصب حراماً.
    الشافعية قالوا: يشترط في السترة أن تكون ثلثي ذراع على الأقل طولاً، وأما غلظها فلا حد لأقله، كما يقول الحنفية، والحنابلة، وخالف المالكية، كما ستعرفه من مذهبهم، وأن تكون مأخوذة من شيء مستوياً مستقيماً؛ كما يقول الحنفية؛ والحنابلة أيضاً، وأن يكون بينها وبين المصلي قدر ثلاثة أذرع من ابتداء قدميه، وفاقاً للحنفية، والحنابلة، وخلافاً للمالكية الذين قالوا: يكفي أن يكون بين المصلي وسترته قدر مرور الشاة زائداً على محل ركوعه أو سجوده، بل يكفي أن يكون قدر مرور الهرة،وتسن السترة للمصلي سواء خاف أن يمر أحد بين يديه أو لا، وفاقاً للحنابلة، وخلافاً للمالكية، والحنفية، فإن وجد ما يصلح أن يكون سترة، وتعذر غرزة بالأرض لصلابتها فإنه يضعه بين يديه عرضاً أو طولاً؛ ووضعه بالعرض أولى، كما يقول الحنفية، والحنابلة، وخالف المالكية، فقالوا: لا يكفي وضعه على الأرض طولاً أو عرضاً، بل لا بد من وضعه منصوباً، فإن لم يجد شيئاً أصلاً، فإنه يخط خطاً بالأرض مستقيما عرضاً أو طولاً، بل لا بد من وضعه منصوباً، فإن لم يجد شيئاً أصلاً، فإنه يخط خطاً بالأرض مستقيماً عرضاً أو طولاً، وكونه بالطول أولى، وهذا الحكم قد خالف فيه الشافعية باقي الأئمة الذين قالوا: إن الأولى أن يكون الخط مقوساً كالهلال، ولا يصح الاستتار بظهر الآدمي أو بوجهه مطلقاً عند الشافعية خلافاً للمالكية والحنفية الذين قالوا: يصح الاستتار بظهر الآدمي دون وجهه، وخلافاً للحنابلة الذين قالوا: يصح الاستتار بظهر الآدمي وبوجهه؛ ويصح الاستتار بالسترة المغصوبة، وفاقاً للحنفية، والمالكية، وخلافاً للحنابلة الذين قالوا: لا يصح الاستتار بالسترة المغصوبة، والصلاة إليها مكروهة، وكذا يصح الاستتار بالسترة النجسة، وفاقاً للأئمة؛ ما عدا المالكية الذين قالوا: لا يصح
    الاستتار بشيء نجس، أو متنجس؛ كقصبة المرحاض ونحوها.
    المالكية قالوا: يشترط في السترة أن تكون طول ذراع فأكثر، وأن لا تقل عن غلظ الرمح، وأن يكون بين المصلي وبين سترته قدر مرور الهرة، أو الشاة، زائداً على محل ركوعه وسجوده، وأن تكون منصوبة. فو تعذر غرزها بالأرض لصلابتها، فإنه لا يكفي وضعها بين يديه عرضاً أو طولاً؛ ويصح الاستتار بظهر الآدمي لا بوجهه، بشرط أن لا يكون كافراً، ولا امرأة أجنبية، ويصح الاستتار بالسترة المغصوبة، وإن كان الغصب حراماً، أما السترة النجسة، فإنه لا يصح الاستتار بها؛ وإن لم يجد شيئاً يجعله سترته. فإنه يخط بالأرض خطاً، والأولى أن يكون الخط مقوساً، كالهلال، ولا فرق بين أن تكون السترة جداراً، أو عصا أو كرسياً، أو نحو ذلك باتفاق، وقد ذكرنا لك المتفق عليه، والمختلف فيه في مذهب الشافعية قبل هذا، فارجع إليه إن شئت.
    الحنابلة قالوا: يشترط في السترة أن تكون طول ذراع أو أكثر، ولا حد لغلظها، كما يقول الحنفية، والشافعية، وأن تكون مستوية مستقيمة، فلا تصح بشيء معوج، وأن يكون بينها وبين قدمي المصلي ثلاثة أذرع، وإذا لم يمكن أن يغرز السترة في الأرض لصلابتها، فإنه يضعها بين يديه عرضاً، وهو أولى من وضعها طولاً، وإن لم يجد شيئاً أصلاً خط بالأرض خطاً كالهلال، وهو أولى من غيره من الخطوط، ويصح الاستتار وبظهر الآدمي ووجهه، بشرط أن يكون مسلماً، وأن لا تكون امرأة أجنبية، ولا يصح الاستتار بالسترة المغصوبة أما النجسة فيصح السترة بها
    *************************
    حكم المرور بين يدي المصلي
    يحرم المرور بين يدي المصلي، ولو لم يتخذ سترة بلا عذر، كما يحرم على المصلي أن يتعرض بصلاته لمرور الناس بين يديه، بأن يصلي بدون سترة بمكان يكثر فيه المرور إن مر بين يديه أحد فيأثم بمرور الناس بين يديه بالفعل لا بترك السترة فلو لم يمر أحد لا يأثم، لأن اتخاذ السترة في ذاته ليس واجباً، ويأثمان معاً إن تعرض المصلي، وكان للمار مندوحة؛ ولا يأثمان إن لم يتعرض المصلي، ولم يكن للمار مندوحة، وإذا قصر أحدهما دون الآخر أثم وحده، وهذا الأحكام متفق عليها بين الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، ويجوز المرور بين يدي المصلي لسد فرجة في الصف، سواء كان موجوداً مع المصلين قبل الشروع في الصلاة، أو دخل وقت الشروع فيها، وهذا الحكم متفق عليه، ما عدا المالكيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، كما يجوز مرور من يطوف بالبيت بين يدي المصلي على تفصيل في المذاهب
    (3) ، وفي القدر الذي يحرم المرور فيه بين يدي المصلي اختلاف المذاهب
    (4) .
    ويسن للمصلي أن يدفع المارّ بين يديه بالإشارة بالعين أو الرأس أو اليد، فإن لم يرجع فيدفعه بما يستطيعه، ويقدم الأسهل فالأسهل، بشرط أن لا يعمل في ذلك عملاً كثيراً يفسد الصلاة، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما الحنفية والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، هذه هي أحكام السترة، وهي من السنن أو المندوبات الخارجة عن هيئة الصلاة، وبقي من هذه السنن الأذان، والإقامة، وسيأتي بيانهما.
    __________
    (1) الشافعية قالوا: لا يحرم المرور بين يدي المصلي، إلا إذا اتخذ سترة بشرائطها المتقدمة وإلا فلا حرمة ولا كراهة، وإن كان خلاف الأولى، فإذا تعرض المصلي للمرور بين يديه، ولم يتخذ سترة، ومر أحد بين يديه، فلا إثم على واحد منهما: نعم يكره للمصّلي أن يصلي في مكان يكون فيه عرضة لمرور أحد بين يديه، سواء مر أحد بين يديه أو لم يمر.
    الحنابلة قالوا: إن تعرض المصلي بصلاته في موضع يحتاج للمرور فيه يكره له مطلقاً سواء مر أحد أو لم يمر بين يديه، كما يقول الشافعية، والكراهة خاصة بالمصلي، أما المارّ فإنه يأثم ما دامت له مندوحة للمرور من طريق أخرى
    (2) المالكية قالوا: الداخل الذي لم يشرع في الصلاة لا يجوز له ذلك، إلا إذا تعين ما بين يدي المصلي طريقاً له
    (3) المالكية: أجازوا المرور بالمسجد الحرام أمام مصل لم يتخذه سترة، أما المستتر فالمرور بين يديه كغيره، وكذلك يكره مرور الطائف أمام مستتر، وأما أمام غيره فلا.
    الحنفية قالوا: يجوز لمن يطوف بالبيت أن يمر بين يدي المصلي، وكذلك يجوز المرور بين يدي المصلي داخل الكعبة، وخلف مقام إبراهيم عليه السلام، وإن لم يكن بين المصلي والمار سترة.
    الحنابلة قالوا: لا يحرم المرور بين يدي المصلي بمكة كلها وحرمها.
    الشافعية قالوا: يجوز مرور من يطوف بالبيت أمام المصلي مطلقاً
    (4) الحنفية قالوا: إن كان يصلي في مسجد كبير أو في الصحراء فيحرم المرور بين يديه من موضع قدمه إلى موضع سجوده وإن كان يصلي في مسجد صغير، فإنه يحرم المرور من موضع قدميه موضع قدمه إلى موضع سجوده وإن كان يصلي في مسجد صغير، فإنه يحرم المرور من موضع قدميه إلى حائط القبلة، وقدر بأربعين ذراعاً على المختار.
    المالكية قالوا: إن صلى لسترة حرم المرور بينه وبين سترته، ولا يحرم المرور من ورائها، وإن صلى لغير سترة حرم المرور في موضع ركوعه وسجوده فقط.
    الشافعية قالوا: إن القدر الذي يحرم المرور فيه بين المصلي وسترته هو ثلاثة أذرع فأقل.
    الحنابلة قالوا: إن اتخذ المصلي سترة حرم المرور بينه وبينها ولو بعدت، وإن لم يتخذ سترة حرم المرور في ثلاثة أذرع معتبرة من قدمه
    (5) الحنفية قالوا: يرخص له في فعل ذلك، وإن لم يعدوه سنة، وليس له أن يزيد على نحو الإشارة بالرأس أو العين أو التسبيح، وللمرأة أن تصفق بيديها مرة أو مرتين.
    المالكية قالوا: يندب له أن يدفع المارّ بين يديه

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 248 الى صــــــــ
    257
    الحلقة (43)


    مكروهات الصلاة
    العبث القليل بيده، في ثوبه، أو لحيته، أو غيرها.
    وأما مكروهاتها: فمنها العبث القليل بيده في ثوبه، أو لحيته، أو نحو ذلك بدون حاجة، أما إذا كان لحاجة، كإزالة العرق عن وجهه أو التراب المؤذي، فلا يكره.
    فرقعة الأصابع وتشبيكها في الصلاة
    تكره فرقعة الأصابع لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة". رواه ابن ماجة: ويكره تشبيك الأصابع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً شبك أصابعه في الصلاة ففرج صلى الله عليه وسلم بينها، رواه الترمذي، وابن ماجة.
    وضع المصلي يده على خاصرته والتفاته
    يكره أن يضع المصلّي يده على خاصرته، وكذا يكره أن يلتفت يميناً أو يساراً لغير حاجة، كحفظ متاعه، وفيه تفصيل في المذاهب
    (1) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: المكروه هو الالتفات بالعنق فقطن أما الالتفات بالعين يمنة أو يسرة فمباح، وبالصدر إلى غير جهة القبلة قدر ركن كامل مبطل للصلاة.
    الشافعية قالوا: يكره الالتفات بالوجه، أما بالصدر فمبطل مطلقاً، لأن فيه انحرافاً عن القبلة.
    المالكية قالوا: يكره الالتفات مطلقاً، ولو بجميع جسده ما دامت رجلاه للقبلة، وإلا بطلت الصلاة.
    الحنابلة قالوا: إن الالتفات مكروه، وتبطل الصلاة به إن استدار بجملته، أو استدبر القبلة ما لم يكن في الكعبة أو في شدة خوف، فلا تبطل الصلاة إن التفت بجملته، ولا تبطل لو التفت بصدره ووجهه، لأنه لم يستدبر بجملته
    ****************************** *
    وضع الإلية على الأرض ونصب الركبة في الصلاة
    ومنها الإقعاء، وهو أن يضع أليتيه على الأرض، وينصب ركبتيه، لقول أبي هريرة رضي الله عنه: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقر كنقر الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب"، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    مد الذراع وتشمير الكم عنه
    ومنها افتراش ذراعيه، أي مدها، كما يفعل السبع، ومنها تشمير كميه عن ذراعيه، وهو مكروه باتفاق، إلا أن للمالكية تفصيلاً، فانظر تحت الخط (2) .
    الإشارة في الصلاة
    ومنها الإشارة بالعين أو الحاجب واليد ونحوها، إلا إذا كانت الإشارة لحاجة، كرد السلام ونحوه، فلا تكره؛ وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة، أما الحنفية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    __________
    (1) المالكية قالوا: الإقعاء بهذا المعنى محرم، ولا يبطل الصلاة على الأظهر، وأما المكروه عندهم فله أربع صور: منها أن يجعل بطون أصابعه للأرض ناصباً قدميه، جاعلاً أليتيه على عقبيه، أو يجلس على القدمين وظهورهما للأرض
    (2) المالكية: قيدوا ذلك بأن يكون لأجل الصلاة، وأما إذا كان مشمراً قبل الدخول فيها لحاجة ودخلها كذلك، أو شمر في الصلاة لا لأجلها فلا كراهة
    (3) الحنفية قالوا: تكره الإشارة مطلقاً، ولو كانت لرد السلام، إلا إذا كان المصلي يدفع المار بين يديه؛ فإن له أن يدفعه بالإشارة ونحوها، كما تقدم.
    المالكية قالوا: الإشارة باليد أو الرأس لرد السلام واجبة في الصلاة، أما السلام بالإشارة ابتداء فهو جائز على الراجح، وتجوز الإشارة لأي حاجة إن كانت خفيفة، وإلا منعت، وتكره للرد على مشمت
    ****************************
    شد الشعر على مؤخر الرأس عند الدخول في الصلاة أو بعده
    ومنها عقص شعره، وهو شدة على مؤخر الرأس، بأن يفعل ذلك قبل الصلاة، ويصلي وهو على هذه الحالة، أما فعله في الصلاة فمبطل، إذا اشتمل على عمل كثير، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكيةن فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    رفع المصلي ثوبه من خلفه أو قدامه وهو يصلي
    منها رفع ثوبه بين يديه، أو من خلفه في الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأن لا أكف شعراً ولا ثوباً" ورواه الشيخان.
    اشتمال الصماء، أو لف الجسم في الحِرام ونحوه
    ومنها الاندراج في الثوب، كالحرام ونحوه، بحيث لا يدع منفذاً يخرج منه يديه، ويعبر الفقهاء عن ذلك باشتمال الصماء، فإن لم يكن له إلا ثوب فليتزر به، ولا يشتمل اشتمالة اليهود، وهذا مكروه عند المالكية، والحنفية، أما الحنابلة، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    سدل الرداء على الكتف ونحوه
    ومنها أن يسدل رداءه على كتفيه - كالحرام والملاءة - بدون أن يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر "وأن يغطي الرجل فاه"، وهذا إن كان بغير عذر، وغلا فلا يكره.
    ومنها الاضطباع، وهو أن يجعل الرداء تحت إبطه الأيمن، ثم يلقي طرفه على كتفه الأيسر، ويترك الآخر مكشوفاً، وهذا مكروه عند الحنفية، والحنابلة، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    __________
    (1) المالكية قالوا: ضم الشعر إن كان لأجل الصلاة كره، وإلا فلا
    (2) الحنابلة قالوا: إن اشتمال الصماء المكروه، هو أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، ويجعل طرفيه على عاتقه الأيسر من غير أن يكون تحته ثوب آخر، وإلا لم يكره.
    الشافعية: لم يذكروا اشتمال الصماء في مكروهات الصلاة
    (3) المالكية قالوا: إلقاء الرداء على الكتفين مندوب، بل يتأكد لإمام المسجد، ويندب أن يكون طوله ستة أذرع، وعرضه ثلاثة إن أمكن ذلك، ويقوم مقامه "البرنس".

    الشافعية: لم يذكروا سّدل الرداء المذكور في مكروهات الصلاة
    *********************
    إتمام قراءة السورة حال الركوع
    ومنها إتمام قراءة السور حال الركوع، أما إتمام قراءة الفاتحة حال الركوع فمبطل للصلاة حيث كانت قراءة الفاتحة فرضاً، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    الإتيان بالتكبيرة ونحوها في غير محلها
    ومنها الإتيان بالأذكار المشروعة للانتقال من ركن إلى ركن في غير محلها، لأن السنة أن يكون ابتداء الذكر عند الانتقال وانتهاءه عند انتهائه، فيكره أن يكبر للركوع مثلاً بعد أن يتم ركوعه، أو يقول: "سمع الله لمن حمده، بعد تمام القيام، بل المطلوب أن يملأ الانتقال بالتكبير وغيره من أوله إلى آخره، وهذا الحكم عند الحنفية، والشافعية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم الخط (2) .
    تغميض العينين، ورفع البصر إلى السماء في الصلاة
    ومنها تغميض عينيه إلا لمصحلة، كتغميضها عما يوجب الاشتغال والتلهي، وهذا متفق عليه.
    ومنها رفع بصره إلى السماء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء - أي في الصلاة - لينتهنّ أو لتخطفن أبصارهم" رواه البخاري، وهذا مكروه مطلقاً عند الحنفية، والشافعية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: إن إتمام قراءة الفاتحة حال الركوع مكروه كإتمام قراءة السور حاله، لأن قراءة الفاتحة ليست فرضاً عندهم، كما تقدم، إلا أن الكراهة في إتمام الفاتحة حال الركوع تحريمية، بخلاف إتمام السورة
    (2) الحنابلة قالوا: إن ذلك مبطل للصلاة إن تعمده؛ فلو كبر للركوع بعد تمامه مثلاً بطلت صلاته إن كان عامداً، ويجب عليه سجود السهو إن كان ساهياً، لأن الإتيان بذكر الانتقال بين ابتداء الانتقال وانتهائه واجب.
    المالكية قالوا: إن ذلك خلاف المندوب؛ لأن الإتيان بالأذكار المشروعة للانتقالات في ابتدائها مندوب، كما تقدم
    (3) المالكية قالوا: إن كان ذلك للموعظة والأعتبار بآيات السماء: فلا يكره.
    الحنابلة: استثنوا من ذلك الرفع التجشي، فإنه لا يكره
    **************************
    التنكيس في قراءة السورة ونحوها
    ومنها أن يقرأ في الركعة الثانية سورة أو آية فوق التي قرأها في الأولى كأن يقرأ في الركعة الأولى سورة "الانشراح". وفي الثانية "الضحى"، أو يقرأ في الأولى (قد أفلح من زكاها) وفي الثانية (والشمس وضحاها) ونحو ذلك. أما تكرار السورة في ركعة واحدة أو في ركعتين، فمكروه في الفرض والنفل، وإذا كان يحفظ غيرها، وهذا مكروه عند المالكية والشافعية، أما الحنابلة، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    الصلاة إلى الكانون ونحوه
    ومنها أن يكون بين يدي المصلي تنور أو كانون فيه جمر، لأنه هذا تشبه بالمجوس، خلافاً للشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    الصلاة في مكان به صورة
    ومنها أن يكون بين يديه ما يشغله من صورة حيوان أو غيرها؛ فإذا لم يشغله لا تكره الصلاة الصلاة إليهان وهذا عند المالكية، والشافعية، أما الحنفية، والحنابلةن فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: إن هذا مقيد بالصلاة المفروضة، أما النفل فلا يكره فيه التكرار.
    الحنابلة قالوا: إنه غير مكروه، وإنما المكروه تكرار الفاتحة في ركعة واحدة، وقراءة القرآن كله في صلاة فرض واحدة لا في صلاة نافلة
    (2) الشافعية: لم يذكروا أن الصلاة إلى تنور أو كانون مكروهة
    (3) الحنفية قالوا: تكره الصلاة إلى صورة الحيوان مطلقاً"؛ وإن لم تشغله؛ سواء كانت فوق رأس المصلي؛ أو أمامه أو خلفه أو عن يمينه، أو يساره أو بحذائه؛ وأشدها كراهة ما كانت أمامه، ثم فوقه ثم يمينه، ثم يساره ثم خلفه؛ إلا أن تكون صغيرة بحيث لا تظهر إلا بتأمل كالصورة التي على الدينار؛ فلو صلى، ومعه دراهم عليها تماثيل لا يكره، وكذا لا تكره الصلاة إلى الصورة الكبيرة إذا كانت مقطوعة الرأس، أما صورة الشجر، فإن الصلاة لا تكره إليها إلا إذا شغلته.
    الحنابلة قالوا: يكره أن يصلي إلى صورة منصوبة أمامه، ولو صغيرة لا تبدو للناظرين إلا بتأمل، بخلاف ما إذا كانت غير منصوبة، أو خلفه؛ أو فوقه؛ أو عن أحد جانبيه
    *****************************
    الصلاة خلف صف فيه فرجة
    ومنها صلاته خلف صف فيه فرجة؛ وهذا مكروه باتفاق الأئمة؛ ما عدا الحنابلة؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    الصلاة في قارعة الطريق والمزابل ونحوها
    ومنها الصلاة في المزبلة؛ والمجزرة؛ وقارعة الطريق. والحمام؛ ومعاطن الإبل - أي مباركها - فإنها مكروهة في كل هذه الأماكن، ولو كان المصلي آمناً من النجاسة، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنفية؛ أما المالكية، والحنابلة فانظر ما قالوه تحت الخط (2) .
    الصلاة في المقبرة
    وكذا تكره الصلاة في المقابر على تفصيل في المذاهب
    (3) .
    __________
    (1) الحنابلة قالوا: إن كان يصلي خلف الصف الذي فيه فرجة، فإن كان وحده بطلت صلاته. وإن كان مع غيره كرهت صلاته
    (2) المالكية قالوا: تجوز الصلاة بلا كراهة في المزبلة، والمجزرة، ومحجة الطريق - أي وسطها - إن أمنت النجاسة، أما إذا لم تؤمن، فإن كانت محققة أو مظنونة؛ كانت الصلاة باطلة؛ وإن كانت مشكوكة أعيدت في الوقت فقط، إلا في محجة الطريق إذا صلى فيها، لضيق المسجد، وشك في الطهارة، فلا إعادة عليه، وأما في معاطن الإبل - أي محال بروكها للشرب الثاني، المسمى: عللاً - فهي مكروهة، ولو أمنت النجاسة؛ وتعاد الصلاة في الوقت، ولو كان عامداً على أحد قولين، وأما الصلاة في مبيتها، ومقيلها، فليست بمكروهة، على المعتمد إذا أمنت النجاسة.
    الحنابلة قالوا: الصلاة في المزبلة، والمجزرة، وقارعة الطريق والحمام، ومعاطن الإبل حرام؛ وباطلة. إلا لعفو: كأن حبس بها. ومثلها سقوفها إلا صلاة الجنازة فتصح بالمقبرة على سطحها

    (3) الحنفية قالوا: تكره الصلاة في المقبرة إذا كان القبر بين يدي المصلي؛ بحيث لو صلى صلاة الخاشعين وقع بصره عليه. أما إذا كان خلفه أو فوقه أو تحت ما هو واقف عليه، فلا كراهة على التحقيق. وقد قيدت الكراهة بأن لا يكون في المقبرة موضع أعد للصلاة لا نجاسة فيه ولا قذر، وإلا فلا كراهة، وهذا في غير قبور الأنبياء عليهم السلام، فلا تكره الصلاة عليها مطلقاً.
    الحنابلة قالوا: إن الصلاة في المقبرة، وهي ما احتوت على ثلاثة قبور، فأكثر في أرض موقوفة للدفن، باطلة مطلقاً، أما إذا لم تحتو على ثلاثة، بأن كان بها واحد، أو اثنان، فالصلاة فيها صحيحة بلا كراهة إن لم يستقبل القبر، وإلا كره.
    الشافعية قالوا: تكره الصلاة في المقرة غير المنبوشة، سواء كانت القبور خلفه، أو أمامه، أو علي يمينه، أو شماله، أو تحته، إلا قبول الشهداء والأنبياء، فإن الصلاة لا تكره فيها ما لم يقصد تعظيمهم، وإلا حرم، أما الصلاة في المقبرة المنبوشة بلا حائل، فإنها باطلة لوجود النجاسة بها.
    المالكية قالوا: الصلاة في المقبرة جائزة بلا كراهة إن أمنت النجاسة، فإن لم تؤمن النجاسة ففيه التفصيل المتقدم في الصلاة في المزبلة ونحوها
    ************************
    عد مكروهات الصلاة مجتمعة
    ذكرنا مكروهات الصلاة مجتمعة في كل مذهب على حدة ليسهل حفظها.
    فانظرها تحت الخط (1) .
    __________
    (1) الحنفية: عدُّوا المكروهات، كما يأتي: ترك واجب أو سنة مؤكدة عمداً، وهو مكروه تحريماً، إلا أن إثم ترك الواجب أشد من إثم ترك السنة المؤكدة، عبثه بثوبه وبدنه، رفع الحصى من أمامه مرة إلا للسجود، فرقعة الأصابع، تشبيكها، التخصر؛ الالتفات بعينه فإنه مباح، ولا بصدره، فإنه مبطل، الإقعاء، افتراش ذراعيه، تشمير كميه عن ذراعيه، صلاته في السراويل ونحوها، مع قدرته على لبس القميص، رد السلام بالإشارة، التربع بلا عذر، عقص شعره، الاعتجار، وهو شد الرأس بالمنديل مع ترك وسطها مكشوفاً، رفع ثوبه بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود، سدل إزاره، اندراجه في الثوب، بحيث لا يدع منفذاً يخرج يديه منه، جعل الثوب تحت إبطه الأيمن، وطرح جانبيه على عاتقه الأيسر أو عكسه، إتمام القراءة في غير حالة القيام، إطالة الركعة الأولى في كل شفع من التطوع؛ إلا أن يكون مروياً عن النبي صلى الله عليه وسلم. أو مأثوراً عن صحابي. كقراءة "سبح" و"قل يا أيها الكافرون" و"قل هو الله أحد" في الوتر؛ لأنه ملحق بالنوافل في القراءة، تطويل الركعة الثانية عن الركعة الأولى: ثلاث آيات. فأكثر في جميع الصلوات المفروضة بالاتفاق. والنفل على الأصح. تكرار السورة في ركعة واحدة أو ركعتين في الفرض. أما النفل فلا يكهر فيه التكرار، قراءة سورة أو آية فوق التي قرأها: فصله بسروة بين سورتين قرأهما في ركعتين.
    كأن يقرأ في الأولى {قل هو الله أحد} ، وفي الثانية {قل أعوذ برب الناس} ويترك وسطهما {قل أعوذ برب الفلق} لما فيه من شبه التفضيل والهجر؛ شم الطيب قصداً، ترويحه بالمروحة، أو بالثوب مرة أو مرتين، فإن زاد على ذلك بطلت صلاته؛ تحويل اصابع يديه أو رجليه عن القبلة في السجود وغيره، ترك وضع اليدين على الركبتين في الركوع، ترك وضعهما على الفخذين فيما بين السجدتين وفي حال التشهد، ترك وضع يمينه على يساره بالكيفية المتقدمة حال القيام، التثاؤب؛ فإن غلبة فليكظم ما استطاع، كأن يضع ظهر يده اليمنى، أو كمه على فيه في حالة القيام؛ ويضع ظهره يساره في غيره، تغميض عينيه إلا لمصلحة،رفع بصره للسماء، التمطي، العمل القليل المنافي للصلاة، أما المطلوب فيها فهو منها، كتحريك الأصابع، ومنه قتل قملة بعد أخذها من غير عذر فإن شغلته بالعض فلا يكره قتلها مع التحرز عن دمها.
    تغطية أنفه وفمه، وضع شيء لا يذوب في فمه إذا كان يشغله عن القراءة المسنونة، أو يشغل باله، السجود على كور عمامته، الاقتصار على الجبهة في السجود بلا عذر، كمرض قائم بالأنف، وهو يكره تحريماً، الصلاة في الطريق، وفي الحمام، وفي الكنيف، وفي المقرة، الصلاة في أرض الغير بلا رضاه، الصلاة قريباً من نجاسة، الصلاة مع شدة الحصر بالبول؛ أو الغائط، أو الريح، فإن دخل في الصلاة وهو على هذه الحالة ندب له قطعها، إلا إذا خاف فوات الوقت أو الجماعة، الصلاة في ثياب ممتهنة لا تصان عن الدنس الصلاة وهو مكشوف الرأس تكاسلاً، أما إن كان للتذلل والتضرع فهو جائز بلا كراهة، الصلاة بحضرة طعام يميل طبعه إليه، إلا إذا خاف خروج الوقت أو الجماعة، الصلاة بحضرة كل ما يشغل البال، كالزينة ونحوها، أو يخل بالخشوع، كاللهو واللعب؛ ولهذا نهي عن الإتيان للصلاة بالهرولة، بل السنة أن يأتي إليها بالسكينة والوقار، عدّ الآدمي والتسبيح باليد، قيام الإمام بجملته في المحراب، لا قيامه خارجه وسجوده فيه إلا إذا ضاق المكان فلا كراهة، قيام الإمام على مكان مرتفع عنه، أن يخص الإنسان نفسه بمكان في المسجد يصلي فيه، بحيث يصير ذلك عادة له، القيام خلفه، أو بين يديه، أو بحذائه، إلا أن تكون صغيرة أو مقطوعة الرأس أو لغير ذي روح، الصلاة إلى تنور أو كانون فيه جمرة، أما الصلاة إلى القنديل والسراج إلى القنديل والسراج، فلا كراهة فيها، الصلاة بحضرة قوم نيام: مسح الجبهة من تراب لا يضره في خلال الصلاة. تعيين سورة لا يقرأ غيرها إلا ليسر عليه.
    الشافعية: عدُّوا مكروهات الصلاة كما يأتي: الالتفات بوجهه لا بصدره في غير المستلقي بلا حاجة وأما المستقلي وهو الذي يصلي مستلقياً على ظهره لعذر. فإن الالتفات بوجهه مبطل لصلاته. جعل يديه في كميه عند تكبيرة التحرم. وعند الركوع والسجود وعند القيام من التشهد الأولة وعند الجلوس له أو للأخير بالنسبة للذكر دون الأنثى. الإشارة بنحو عين أو حاجب أو نحوهما. ولو من أخرى بلا حاجة. أما إذا كانت الإشارة لحاجة كرد السلام ونحوه، فلا كراهة ما لم تكن على وجه اللعب. وإلا بطلت. الجهر في موضع الإسرار وعكسه بلا حاجة. جهر المأموم خلف الإمام إلا بالتأمين. وضع اليد في الخاصرة بلا حاجة. الإسراع في الصلاة مع عدم النقص عن الواجب وإلا بطلت. إلصاق الرجل غير العاري عضديه بجنبيه وبطنه بفخذيه في ركوعه وسجوده. أما الأنثى والعاري فينبغي لكل منهما أن يضم بعضه إلى بعض. الإقعاء المتقدم تفسيره. ضرب الأرض بجبهته حال السجود مع الطمأنينة. وإلا بطلت وضع ذراعيه على الأرض حال السجود كما يفعل السبع جلا حاجة. ملازمة مكان واحد للصلاة فيه لغير الإمام في المحراب أما هو فلا يكره له على الراجح والمبالغة في خفض الرأس في الركوع وإطالة التشهد الأول، ولو بما يندب بعد التشهد الأخير إذا كان غير مأموم، وإلا فلا كراهة، والاضطباع المتقدم تفسيره، تشبيك الأصابع، فرقعتها، إسبال الإزار، أي إرخاؤه على الأرض تغميض بصره لغير عذر، وإلا فقد يجب إذا كانت الصفوف عراة.
    وقد يسن إذا كان يصلي إلى حاصط منقوش: رفع بصره إلى السماء، ولا يسن النظر إلى السماء إلا عقب الوضوء فقطن كف الشعر والثوب، تغطية الفم بيده أو غيرها لغير حاجة، أما للحاجة، كدفع التثاؤب فلا يكره البصق أماماً ويميناً لا يساراً، الصلاة مع مدافعة الحدث، الصلاة بحضرة ما تشتاقه نفسه من طعام أو شراب، الصلاة في الطريق التي يكثر بها مرور الناس، كقارعة الطريق والمطاف، الصلاة في محال المعصية كالحمام ونحوه، الصلاة في الكنيسة، الصلاة في موضع شأنه النجاسة، كمزبلة، ومجزرة، ومعطن إبل، استقبال القبر في الصلاة. الصلاة وهو قائم على رجل واحدة، الصلاة وهو قارن بين قدميه، الصلاة عند غلبة النوم. الصلاة منفدراً عن الصف والجماعة قائمة إذا كانت الجماعة مطلوبة وإلا فلا، وهذا كله إن اتسع الوقت. وإلا فلا كراهة أصلاً.
    المالكية قالوا: مكروهات الصلاة هي: التعوذ قبل القراءة في الفرض الأصلي البسملة قبل الفاتحة أو السورة كذلك. وأما في النفل ولو منذوراً فالأولى ترك التعوذ والبسملة إلا لمراعاة الخلاف، فالأولى حينئذ الإتيان بالبسملة في الفرض وغيره، الدعاء قبل القراءة أو أثناءها؛ الدعاء في الركوع، الدعاء قبل التشهد، الدعاء بعده غير التشهد الأخير، دعاء المأموم بعد سلام الإمام، الجهر بالدعاء المطلوب في الصلاة؛ الجهر بالتشهد: السجود على ملبوس المصلي السجود على كور العمامة، ولا إعادة عليه إن كان خفيفاً كالطاقة والطاقتين، فإن كان غير خفيف أعاد في الوقت؛ السجود على ثوب غير ملبوس للمصلي، السجود على بساط أو حصير ناعم إن لم يكن فرض مسجد؛ وغلا فلا كراهة، القراءة في الركوع أو السجود إلا إذا قصد بها في السجود الدعاء: تخصيص صيغة يدعو بها دائماً، الالتفات في الصلاة بلا حاجة مهمة، تشبيك الأصابع، فرقعتها، الإقعاء، وتقدم تفسيره، التحضر، كما تقدم، تغميض العينين إلا لخوف شاغل، رفع البصر إلى السماء لغير موعظة، رفع رجل واعتماد على أخرى إلا لضرورة، وضع قدم على أخرى: إقران القدمين دائماً، التفكر في أمور الدنيا، حمل شيء بكم أو فم إن لم يمنع ما في الفم خروج الحروف من مخارجها، وإلا أبطل، العبث باللحية أو غيرها، حمد العاطس، الإشارة باليد أو الرأس للردّ على مشمت، حك الجسد لغير ضرورة إن كان قليلاً عرفاً، أما لضرورة فجائز، وإن كثر أبطل، التبسم اختياراً إن كان قليلاً عرفاً وإلا ابطل الصلاة ولو اضطراراً.
    ترك سنة خفيفة عمداً؛ كتكبيرة أو تسميعة؛ وأما ترك السنة المؤكدة فحرام قراءة سورة، أو آية في غير الأوليين من الفريضة: التصفيق لحاجة تتعلق بالصلاة رجلاً كان المصفق أو امرأة، والتسبيح لغير حاجة، اشتمال الصماء الاضطباع، وتقدم تفسيرهما، أن يرفع المصلي بالإيماء شيئاً يسجد عليه سواء اتصل ذلك الشيء بالأرض أو لا، وأن ينقل الحصى من ظل أو شمس ليسجد عليه والدعاء بالعجمية لقادر على العربية.
    الحنابلة: عدّوا مكروهات الصلاة كما يأتي: الصلاة بأرض الخسف، الصلاة ببقعة نزل بها عذاب، كأرض بابل، الصلاة في الطاحون. الصلاة على سطح الطاحون، الصلاة في الأرض السبخة، ولا تكره ببيعة وكنيسة ولو صور ما لم تكن منصوبة أمامه، سدل الرداء، اشتمال الصماء، وقد تقدم تفسيرهما، تغطية الوجه، تغطية الفم والأنف، وتشمير الكم بلا سبب، شد الوسط بما يشبه شد الزنار: شد وسط الرجل والمرأة على القميص، ولو بما لا يشبه، الزنار كمنديل، أما الحزام على نحو القفطان فلا بأس به القنوت في غير الوتر، إلا لنازلة، فإنه يسن للإمام الأعظم أن يقنت في جميع الصلوات ما عدا الجمعة، الالتفات اليسير بلا حاجة، سواء كان بوجهه فقط، أو به مع صدره، فإن التفت كثيراً بحيث يستدبر القبلة بجملته بطلت صلاته، ما لم يكن في الكعبة، أو في شدة خوف فإنها لا تبطل، رفع بصره إلى السماء إلا في حال التجشي، إذا كان يصلي مع الجماعة فيرفع وجهه حتى لا يؤذيهم برائحته، ولا كراهة في ذلك، الصلاة إلى صورة منصوبة أمامه، السجود على صورة، حمل المصلي شيئاً فيه صورة ولو صغيرة، كالصورة التي على الدرهم أو الدينار، الصلاة إلى وجه الآدمي أو الحيوان، الصلاة إلى ما يشغله، كحائط منقوش، حمل المصلي ما يشغله، استقباله شيئاً من نار، ولو سراجاً، وقنديلاً، وشمعة موقدة، إخراج لسانه، فتح فمه، أن يضع في فيه شيئاً.
    الصلاة إلى مجلس يتحدث الناس فيه، الصلاة إلى النائم، الصلاة إلى كافر، الاستناد إلى شيء بلا حاجة، بحيث لو أزيل ما استند غليه لم يسقط، وغلا بطلت الصلاة، الصلاة مع ما يمنع كمالها، كحر وبرد، افتراش ذراعيه حال السجود، كالسبع، الإقعاء، وتقدم تفسيره، أن يصلي مع شدة حصر البول أو الغائط أو الريح، الصلاة حال اشتياقه إلى طعام أو شراب أو جماع، تقليب الحصى، العبث، وضع يده على خاصرته، ترويحه بمروحة إلا لحاجة ما لم يكثر، وإلا بطلت صلاته، كما سيأتي في المبطلات، كثرة اعتماده على أحد قدميه تارة، والقدم الثانية أخرى، فرقعة أصابعه، تشبيكها، اعتماده على يده حال جلوسه، الصلاة وهو مكتوف باختياره؛ عقص شعره، وتقدم تفسيره، كف الشعر والثوب، جمع ثوبه بيده إذا سجد؛ تخصيص شيء للسجود عليه بجبهته، مسح أثر السجود، الصلاة إلى مكتوب في القبلة. تعليق شيء في القبلة كالسيف والمصحف، تسوية موضع سجوده بلا عذر تكراره الفاتحة في ركعة. أما جمع سورتين فأكثر في ركعة ولو صلاة في الفرض فلا يكره، قراءة القرآن كله في فرض واحد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 258 الى صــــــــ
    263
    الحلقة (44)

    ما يكره فعله في المساجد وما لا يكره
    المرور في المسجد
    يكره اتخاذ المسجد طريقاً إلا لحاجة على تفصيل في المذاهب (1) .
    النوم في المسجد والأكل فيه
    يكره النوم في المسجد على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: يكره تحريماً اتخاذ المسجد طريقاً بغير عذر، فلو كان لعذر جاز، ويكفي أن يصلي تحية لمسجد كل يوم مرة واحدة، وإن تكرر دخوله، ويكون فاسقاً إذا اعتاد المرور فيه لغير عذر بحيث يتكرر مروره كثيراً، أما مروره مرة أو مرتين فلا يفسق به ويخرج عن الفسق بنية الاعتكاف، وإن لم يمكث.
    المالكية قالوا: يجوز المرور في المسجد إن لم يكثر، فإن كثر كره إن كان بناء المسجد سابقاً على الطريق، وإلا فلا كراهة، ولا يطالب الماء بتحية المسجد مطلقاً.
    الشافعية قالوا: يجوز المرور في المسجد للطاهر وللجنب مطلقاً، وأما الحائض فإنه يكره لها المرور به، ولو لحاجة، بشرط أن تأمن تلويث المسجد؛ وإلا حرم، ويسن أن يصلي المار بالمسجد تحيته كلما دخل إن كان متطهراً، أو يمكنه التطهير عن قرب.
    الحنابلة قالوا: يكره اتخاذ المسجد طريقاً للطاهر والجنب، وإن حرم عليه اللبث به لا وضوء، وكذلك يكره للحائض والنفساء إن أمت تلويث المسجد بلا حاجة، فإن كان للحاجة فلا يكره للجميع ومن الحاجة كونه طريقاً قريباً، فتنتفي الكراهة بذلك
    (2) الحنفية قالوا: يكره النوم في المسجد إلا للغريب، والمعتكف، فإنه لا كراهة في نومهما به، ومن أراد أن ينام به ينوي الاعتكاف، ويفعل ما نواه من الطاعات، فإن نام بعد ذلك نام بلا كراهة.
    الشافعية قالوا: لا يكره النوم في المشجد غلا إذا ترتب عليه تهويش، كأن يكون للنائم صوت مرتفع بالغطيط.
    الحنابلة قالوا: إن النوم في المسجد مباح للمعتكف وغيره، إلا أنه لا ينام أمام المصلين لأن الصلاة إلى النائم مكروهة، ولهم أن يقيموه إذا فعل ذلك.
    المالكية - قالوا: يجوز النوم في المسجد وقت القيلولة، سواء كان المسجد بالبادية أو الحاضرة وأما النوم ليلاً فإنه يجوز لمسجد البادية دون الحاضرة فإنه يكره لمن لا منزل له، أو لمن صعب عليه الوصول إلى منزله ليلاً؛ وأما السكنى دائماً، فلا تجوز إلا لرجل تجرد للعبادة، أما المرأة فلا يحل لها السكنى فيه
    *************************
    وكذا يكره الأكل فيه لغير معتكف على تفصيل في المذاهب؛ فانظره تحت الخط (1) .
    رفع الصوت في المسجد
    يكره رفع الصوت بالكلام أو الذكر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: يكره تنزيهاً أكل ما ليست له رائحة كريهة، أما ما كان له رائحة كريهة كالثوم والبصل؛ فإنه يكره تحريماً، ويمنع آكله من دخول المسجد، ومثله من كان فيه بخر تؤذي رائحته المصلين، وكذا يمنع من دخول المسجد كل مؤذ، ولو بلسانه.
    المالكية قالوا: يجوز للغرباء الذين لا يجدون مأوى سوى المساجد أن يأووا إليها ويأكلوا فيها ما لا يقذر، كالتمر، ولهم أن يأكلوا ما شأنه التقذير، إذا أمن تقذير المسجد به بفرش سفرة أو سماط من الجلد ونحوه، وكل هذا في غير ما له رائحة كريهة، أما هو فيحرم أكله في المسجد.
    الشافعية قالوا: الأكل في المسجد مباح ما لم يترتب عليه تقذير المسجد، كأكل العسل والسمن، وكل ما له دسومه وإلا حرم، لأن تقذير المسجد بشيء من ذلك ونحوه حرام، وإن كان طاهراً، أما إذا ترتب عليه تعفيش المسجد بالطاهر لا تقذيره، كأكل نحول القول في المسجد فمكروه.
    الحنابلة قالوا: يباح للمعتكف وغيره أن يأكل في المسجد أي نوع من أنواع المأكولات بشرط أن لا يلوثه؛ ولا يلقي العظام ونحوها فيه: فإن فعل وجب عليه تنظيفه من ذلك. هذا فيما ليس له رائحة كريهة، كالثوم والبصل، وإلا كره، ويكره لآكل ذلك ومن في حكمه كالأبخر دخول المسجد، فإن دخله استحب إخراجه دفعاً للأذى، كما يكره إخراج الريح في المسجد لذلك
    (2) الحنفية قالوا: يكره رفع الصوت بالذكر في المسجد إن ترتب عليه تهويش على المصلين أو إيقاظ للنائمين، وإلا فلا يكره، بل قد يكون أفضل إذا ترتب عليه إيقاظ قلب الذاكر، وطرد النوم عنه، وتنشيطه للطاعة، أما رفع الصوت بالكلام، فإن كان بما لا يحل فإنه يكره تحريماً، وأن كان مما يحل، فإن ترتب عليه تهويش على المصلي أو نحو ذلك كره؛ وإلا فلا كراهة، ومحل عدم الكراهة إذ دخل المسجد للعبادة، أما إذا دخله لخصوص الحديث فيه فإنه يكره مطلقاً.
    الشافعية قالوا: يكره رفع الصوت بالذكر في المسجد إن هوش على مصلٍّ، أو مدرسٍّ أو قارئ، أو مطالع، أو نائم لا يسنّ إيقاظه، وإلا فر كراهة، أما رفع الصوت بالكلام، فإن كان بما لا يحل كمطالعة الأحاديث الموضوعة ونحوها، فإنه يحرم مطلقاً. وإن كان بما يحل لم يكره إلا إذا ترتب عليه تهويش ونحوه.
    المالكية قالوا: يكره رفع الصوت في المسجد، ولو بالذكر والعلم. واستثنوا من ذلك أموراً أربعة: الأول: ما إذا احتاج المدرّس إليه لإسماع المتعلمين فلا يكره، الثاني: ما إذا أدى الرفع إلى التهويش على مصل؛ فيحرم؛ الثالث: رفع الصوت بالتلبية في مسجد مكة أو منى، فلا يكره؛ الرابع رفع صوت المرابط بالتكبير ونحوه؛ فلا يكره.
    الحنابلة قالوا: رفع الصوت بالذكر في المسجد مباح، إلا إذا ترتب عليه تهويش على المصلين، وإلا كره، أما رفع الصوت في المسجد بغير الذكر، فإن كان بما يباح فلا كراهة إلا إذا ترتب عليه تهويش فيكره، وإن كان بما لا يباح فهو مكروه مطلقاً
    ****************************
    البيع والشراء في المسجد
    يكره إيقاع العقود كالبيع والشراء، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
    نقش المسجد وإدخال شيء نجس فيه
    ومنها نقش المسجد وتزويقه بغير الذهب والفضة، أما نقشه بهما فهو حرام، وهذا الحكم متفق عليه بين الشافعية، والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ؛
    __________
    (1) الحنفية قالوا: يكره إيقاع عقود المبادلة بالمسجد كالبيع والشراء والإجارة؛ أما عقد الهبة ونحوها، فإنه لا يكره، بل يستحب فيه عقد النكاح، ولا يكره للمعتكف إيقاع سائر العقود بالمسجد إذا كانت متعلقة به أو بأولاده بدون إحضار السلعة، أما عقود التجارة فإنها مكروهة له كغيره.
    المالكية قالوا: يكره البيع والشراء ونحوهما بالمسجد بشرط أن يكون في ذلك تقليب ونظر للمبيع وإلا فلا كراهة، وأما البيع في المسجد بالسمسرة فيحرم؛ أما الهبة ونحوها، وعقد النكاح فذلك جائز، بل عقد النكاح مندوب فيه، والمراد بعقد النكاح مجرد الإيجاب والقبول بدون ذكر شروط ليست من شروط صحته ولا كلام كثير.
    الحنابلة قالوا: يحرم البيع والشراء والإجارة في المسجد، وإن وقع فهو باطل، ويسن عند النكاح فيه.
    الشافعية قالوا: يحرم اتخاذ المسجد محلاً للبيع والشراء إذا أزرى بالمسجد - اضاع حرمته - فإن لم يزر كره إلا لحاجة ما لم يضيق على مصل فيحرمن أما عقد النكاح به فإنه يجوز للمعتكف
    (2) المالكية قالوا: يكره نقش المسجد وتزويقه، ولو بالذهب والفضة، سواء كان ذلك في محرابه أو غيره كسقفه وجدرانه، أما تجصيص المسجد وتشييده فهو مندوب.
    الحنفية قالوا: يكره نقش المحراب وجدران القبلة بجص ماء ذهب إذا كان النقش بمال حلال لا من مال الوقف، فإن كان بمال حرام أو من مال الوقف حرم، ولا يكره نقش سقفه وباقي جدرانه بالمال الحلال المملوك، وإلا حرم، ولا بأس بنقشه من مال الوقف إذا خيف ضياع المال فيأيدي الظلمة، أو كان في صيانة للبناء، أو فعل الواقف مثله
    *************************
    ويحرم إدخال النجس والمتنجس فيه ولو كان جافاً، فلا يجوز الاستصباح فيه بالزيت أو الدهن المتنجس، كما لا يجوز بناءه ولا تجصيصه بالنجس، ولا البول فيه ونحوه، ولو في إناء إلا لضرورة، ويستثنى من ذلك الدخول فيه بالنعل المتنجس، فإنه يجوز للحاجة، وينبغي الاحتراز عن تنجيس المسجد بما يتساقط منه؛ وهذا الحكم عند المالكية، والشافعية؛ أما الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    إدخال الصبيان والمجانين في المسجد
    ومنها إدخال الصبيان والمجانبين في المسجد، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
    البصق أو المخاط بالمسجد
    ومنها البصق والمخاط بالمسجد، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (3) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: يكره تحريماً كل ما ذكر من إدخال النجس والمتنجس فيه أو الاستصباح فيه بالمتنجس أو بنائه بالنجس، أو البول فيه.
    الحنابلة قالوا: إن أدى إدخال النجس أو المتنجس فيه إلى سقوط شيء منه في المسجد حرم الإدخال وإلا فلا، وأما الاستصباح فيه بالمتنجس فحرام، كذلك البول فيه ولو في إناء، أما بناءه وتجصيصه بالنجس فهو مكروه
    (2) الحنفية قالوا: إذا غلب على الظن أنهم ينجسون المسجد يكره تُحريماً إدخالهم، وإلا يكره تنزيهاً.
    المالكية قالوا: يجوز إدخال الصبي المسجد إذا كان لا يعبث، أو يكف عن العبث إذا نهى عنه، وإلا حرم إدخاله، كما يحرم إدخاله وإدخال المجانين إذا كان يؤدي إلى تنجس المسجد.
    الشافعية قالوا: يجوز إدخال الصبي الذي لا يميز والمجانين المسجد إن أمن تلويثه وإلحاق ضرر بمن فيه، وكشف عورته، وأما الصبي المميز فيجوز إدخاله فيه إن لم يتخذه ملعباً وإلا حرم.
    الحنابلة قالوا: يكره دخول الصبي غير المميز المسجد لغير حاجة، فإن كان لحاجة كتعليم الكتابة فلا يكره إدخال المجانين فيه أيضاً
    (3) الشافعية قالوا: إن حفر لبصاقه ونحوه حفرة يبصق فيها، ثم دفنها بالتراب.
    فإنه لا يأثم أصلاً، وإن بصق قبل أن يحفر فإنه يأثم ابتداء، فإن دفنها بعد ذلك رفع عنه دوام الإثم، ومثل ذلك ما لو بصق على بلاط المسجد، فإنه يرتفع عنه دوام الإثم بحك بصاقه حتى يزول أثره، فإن بصق بدون أن يفعل شيئاً من ذلك فقد فعل محرماً.
    الحنابلة قالوا: إن البصاق في المسجد الحرام، فإن كانت أرضه ترابية أو مفروشة بالحصباء، فإن دفن بصاقه فقد رفع عنه دوام الإثم، وإن كان أرضه بلاطاً وجب عليه مسحه، ولا يكفي أن يغطيها بالحصير، وإن لم يو بصاقه يلزم من يراه إزالته بدفن أو غيره.
    المالكية قالوا: يكره البصاق القليل في المسجد إذا كانت أرضه بلاطاً، ويحرم الكثير، أما إذا كانت أرضه مفروشة بالحصاء، فإنه لا يكره.
    الحنفية قالوا: إن ذلك مكروه تحريماً فيجب تنزيه المسجد عن البصاق أو المخاط والبلغم، سواء كان على جدرانه أو أرضه، وسواء كان فوق الحصير أو تحتها، فإن فعل وجب عليه رفعه، ولا فرق في ذلك بين أن تكون أرض المسجد ترابية، أو مبلطة، أو مفروشة، أو غير ذلك
    *************************
    نشد الشيء الضائع بالمسجد
    ومنها نشد الضالة فيه، وهي الشيء الضائع، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا رايتم من ينشد الضالة في المسجد فقولوا له: لا ردها الله عليك" وهذا الحكم متفق عليه، إلا أن للشافعية فيه تفصيلاً، فانظره تحت الخط (1) .
    إنشاد الشعر بالمسجد
    ومنها إنشاد الشعر على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
    __________
    (1) الشافعية قالوا: يكره فيه إنشاد الضالة إن لم يهوش على المصلين أو النائمين، وإلا حرم، وهذا في غير المسجد الحرام، فإنه لا يكره فيه إنشاد الضالة لأنه مجمع الناس
    (2) الحنفية قالوا: الشعر في المسجد إن كان مشتملاً على مواعظ وحكم وذكر نعمة الله تعالى وصفة المتقين فهو حسن، وإن كان مشتملاً على ذكر الأطلال والأزمان، وتاريخ الأمم فمباح، وإن كان مشتملاً على هجو وسخف، فحرام، وإن كان مشتملاً على وصف الخدود والقدود والشعور والخصور، فمكروه إن لم يترتب عليه ثوران الشهوة، وإلا حرم.
    الحنابلة قالوا: الشعر المتعلق بمدح النبي صلى الله عليه وسلم مما لا يحرم ولا يكره يباح إنشاده في المسجد.
    المالكية قالوا: إنشاد الشعر في المسجد حسن إن تضمن ثناء على الله تعالى، أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو حثاً على خير، وغلا فلا يجوز.
    الشافعية: إنشاد الشعر في المسجد إن اشتمل على حكم مواعظ وغير ذلك مما لا يخالف الشرع؛ ولم يشوش جائز، وإلا حرم
    ****************************
    السؤال في المسجد، وتعليم العلم به
    لا يجوز السؤال في المسجد، ولا إعطاء السائل صدقة فيه، على تفصيل في المذاهب (1) ،
    ويجوز تعليم العلم في المسجد، وقراءة القرآن والمواعظ والحكم، مع ملاحظة عدم التهويش على المصلين، باتفاق، وسطح المسجد له حكم المسجد، فيكره ويحرم فيه ما يكره ويحرم في المسجد، أما المنازل التي فوق المساجد فليس لها حكم المساجد
    الكتابة على جدران المسجد والوضوء فيه وإغلاقه في غير أوقات الصلاة
    ومنها الكتابة على جدرانه، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (2) ،
    ويباح الوضوء في المسجد ما لم يؤد إلى تقذيره ببصاق أو مخاط، وإلا كان حراما عند الشافعية والحنابلة، وأما المالكية والحنفية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (3) ،
    وكذلك يباح إغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة عند الأئمة الثلاثة، ما عدا الحنفية، فإن لهم تفصيلا فانظره تحت الخط (4)
    __________
    (1) (الحنابلة قالوا: يكره سؤال الصدقة في المسجد، والتصدق على السائل فيه، ويباح التصدق في المسجد على غير السائل وعلى من سأل له الخطيب.
    الشافعية قالوا: يكره السؤال فيه، إلا إذا كان فيه تهويش فيحرم.
    المالكية قالوا: ينهى عن السؤال في المسجد، ولا يعطى السائل، وأما التصدق فيه فجائز.
    الحنفية قالوا: يحرم الشؤال في المسجد، ويكره إعطاء السائل فيه)
    (2) (المالكية قالوا: إن كانت الكتابة في القبلة كرهت لأنها تشغل المصلي، سواء كان المكتوب قرآنا غيره، ولا تكره فيما عدا ذلك.
    الشافعية قالوا: يكره كتابة شيء من القرآن على جدران المسجد وسقوفه، ويحرم الاستناد لما كتب فيه من القرآن. بأن يجعله خلف ظهره.
    الحنابلة قالوا: تكره الكتابة على جدران المسجد وسقوفه، وإن كان فعل ذلك من مال الوقف حرم فعله، ووجب الضمان على الفاعل، وإن كان من ماله لم يرجع به على جهة الوقف.
    الحنفية قالوا: لا ينبغي الكتابة على جدران المسجد خوفاً من أن تسقط وتهان بوطء الأقدام)
    (3) (الحنفية، والمالكية قالوا: الوضوء في المسجد مكروه مطلقاً)
    (4) (الحنفية قالوا: يكره إغلاق المساجد في غير أوقات الصلاة إلا لخوف على متاع، فإنه لا يكره) .
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 264 الى صــــــــ
    270
    الحلقة (45)

    تفضيل بعض المساجد على بعض بالنسبة للصلاة فيها

    الشريعة الإسلامية لا تفضل مكاناً على آخر لذاته، ولكن التفاضل بين الأمكنة كالتفاضل بين الأشخاص، إنما يكون بسبب ميزة من المزايا المعنوية. فالتفاضل بينمسجد آخر إنما يأتي بسبب كون المسجد قد وقع فيه من الحوادث الدينية والأدبية أكثر من صاحبه، مثلاً المسجد الحرام بمكة، مركز للكعبة التي أمرنا الله تعالى بعبادته على كيفية خاصة عندها، وكذلك المسجد النبوي بالمدينة، له من الفضل بقدر ما وقع فيه من الحوادث الدينية العظيمة، كنزول الوحي فيه وكونه مركزاً لأئمة الدين الذين تلقوا قواعده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا، فلهذا فضل الفقهاء بعض هذه المساجد على بعض، بحسب ما ترجح عندهم من المزايا الدينية الواقعة فيها ولهذا كان في هذا التفاضل تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) ، على أن المراد بالتفاضل بينها هنا إنما هو بالنسبة للصلاة فيها، لا بالنسبة لذاتها.
    __________
    (1) الحنفية قالوا: أفضل المساجد المسجد الحرام بمكة، ثم المسجد النبوي بالمدينة، ثم المسجد الأقصى بالقدس، ثم مسجد قباء، ثم أقدم المساجد، ثم أعظمها مساحة، ثم أقربها للمصلي، والصلاة في المسجد المعدّ لسماع الدروس الدينية أفضل من الأقدم، وما بعده ومسجد الحي أفضل من المسجد الذي به جماعة كثيرة، لأن له حقاً، فينبغي أن يؤديه ويعمره، فالأفضل لمن يصلي في مسجد أن يصلي في المساجد المذكورة بهذا الترتيب.
    الشافعية - قالوا: أفضل المساجد المكي، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ثم الأكثر جمعاً، ما لم يكن إمامه ممن يكره الاقتداء به، وإلا كان قليل الجمع أفضل منه، وكذا لو ترتب على صلاته في الأكثر جمعاً تعطيل المسجد القليل الجمع، لكونه إمامه، أو تحضر الناس بحضوره، وإلا كانت صلاته في القليل الجمع أفضل.
    المالكية قالوا: أفضل المساجد المسجد النبوي، ثم المسجد الحرام، ثم المسجد الأقصى وبعد ذلك المساجد كلها سواء. نعم الصلاة في المسجد القريب أفضل لحق الجوار.
    الحنابلة قالوا: أفضل المساجد المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ثم المساجد كلها سواء، ولكن الأفضل أن يصلي في المسجد الذي تتوقف الجماعة فيه على حضوره، أو تقام بغير حضوره، ولكن ينكسر قلب إمامه، أو جماعته بعدم حضوره. ثم المسجد العتيق. ثم ما كان أكثر جمعاً، ثم الأبعد
    *****************************
    مبطلات الصلاة
    لنذكر لك مبطلات الصلاة مجتمعة في المذاهب تحت الخط (1) ، ثم نذكر لك بعد ذلك المتفق عليه والمختلف فيه من هذه المبطلات مشروحاً.
    __________
    (1) الشافعية قالوا: مبطلات الصلاة: الحدث بأقسامه السابقة، سواء كان موجباً للوضوء؛ أو الغسل، الكلام في الصلاة، وسيأتي تفصيل القدر المبطل؛ البكاء والأنين، الفعل الكثير الذي ليس من جنسها، أو من جنسها، وقد تقدم تفصيله، ومن تحريك يده برفعها وخفضها أو تحريكها الى جهة اليمين وعودها إلى جهة الشمال، أو العكس ثلاث مرات، بحيث يحسب الذهاب والعودة مرة واحدة مع الاتصال، وأما مع الانفصال، فكل منهما يعدّ مرة، بخلاف ذهاب الرِّجل وعودها، فإن كلا منهما يعد مرة، ولو مع الاتصال، الشك في النية، أو في شيء من شروطه صحة الصلاة، أو كيفية النية، بأن يشك هل نوى ظهراً أو عصراً مثلاً، وإنما يبطل الشك في ذلك كله إن دام زمناً يسمع ركناً من أركان الصلاة، وغلا فلا: نية الخروج من الصلاة قبل تمامها، التردد في قطع الصلاة والاستمرار فيها، تعليق قطع الصلاة بشيء، ولو محالاً عادياً.
    كأن يقول بقلبه إن جاء زيد قطعت الصلاة؛ أما إذا علق الخروج من الصلاة على محال عقلي، كالجمع بين الضدين، فلا يضر، صرف نية الصلاة إلى صلاة أخرى؛ إلا الفرض، فله أن يصرفه إلى النفل إذا كان منفرداً ورأى جماعة يريد أن يدخل معهم، طرو الردة أو الجنون في الصلاة، انكشاف العورة في الصلاة مع القدرة على سترها، على ما تقدم، أن يجد من يصلي عرياناً ساتراً، على ما تقدم، اتصال نجاسة غير معفو عنها ببدنه أو بلمبوسه، ولو داخل عينيه أثناء الصلاة، وإنما تبطل بذلك إذا لم يفارقها سريعاً بدون حملها أو حمل ما اتصلت به، تطويل الرفع من الركوع أو الجلوس بين السجدتين؛ ويحصل تطويل الأول بالزيادة على الذكر الوارد فيه بقدر الفاتحة، وتطويل الثاني بالزيادة على الدعاء الوارد فيه بمقدار الواجب من التشهد الأخير، ويستثنى من ذلك تطويل الرفع في الركعة الأخيرة، وتطويل الجلوس بين السجدتين في صلاة التسابيح، فلا يضر مطلقاً؛ سبق المأموم إمامه بركنين فعليين، أو تأخره عنه بهما، ويشترط أن يكون كل منهما من غير عذر؛ التسليم عمداً قبل محلهح تكرير تكبيرة الإحرام بنية الافتتاح مرة ثانية. ترك ركن من أركان الصلاة عمداً، ولو قولياً؛ انقضاء مدة المسح على الخف أثناء الصلاة، أو ظهور بعض ما ستر به من رجل أو لفافة، اقتداؤه بمن لا يقتدي به لكفر أو غيره؛ تكرير ركن فعلي عمداً؛ وصول مفطر إلى جوف المصلي، ولو لم يؤكل؛ تحول عن القبلة بالصدر: تقديم الركن الفعلي عمداً على غيره.
    المالكية: عدوا مبطلات الصلاة كما يأتي: ترك ركن من أركانها عمداً، ترك ركن من أركانها سهواً، ولم يتذكر حتى سلم معتقداً إذا طال الأمر عرفاً، إما إذا سلم معتقداً الكمال، ثم تذكر عن قرب، فإنه يلغي ركعة النقص ويبني على غيرها وتصح صلاته، وأما إذا لم يسلم معتقداً الكمال، بأن لم يسلم أصلاً أو سلم غلطاً، فإن كان الركن المتروك من الركعة الأخيرة، فإنه يأتي به، ويتمم صلاته، وإن كان من غير الأخيرة أتى به إن لم يعقد ركوع الركعة التالية لركعة النقص، فإن عقد كوع الركعة التالية ألغى ركعة النقص، ولا يأتي بالركن المتروك (عقد الركوع برفع الرأس منه مطمئناً معتدلاً إلا في ترك الركوع، فإن عقد الركعة التالية يكون بمجرد الانحناء في ركوعها) ؛ رفض النية وإلغاؤها: زيادة ركن فعلي عمداً كركوع أو سجود؛ زيادة تشهد بعد الركعة الأولى أو الثالثة عمداً إذا كان من جلوس؛ القهقهة عمداً أو سهواً؛ الأكل أو الشرب عمداً؛ الكلام لغير إصلاح الصلاة عمداً، فإن كان لإصلاحها، فإن الصلاة تبطل بكثيره دون يسيره، على ما تقدم؛ التصويت عمداً، النفخ بالفم عمداً، القيء عمداً، ولو كان قليلاً، السلام حال الشك في تمام الصلاة، طرو ناقض الوضوء، أو تذكره، كشف العورة المغلظة، أو شيء منها، سقوط النجاسة على المصلي، أو علمه بها أثناء الصلاة، على ما تقدم، فتح المصلي على غير إمامه، الفعل الكثير ليس من جنس الصلاة، طرو شاغل عن إتمام فرض، كاحتباس بول يمنع من الطمأنينة مثلاً، تذكر أولى الحاضرتين المشتركتي الوقت، كالظهر والعصر، وهو في الثانية، فإذا كان يصلي العصر، ثم تذكر أنه لم يصل الظهر بطلت صلاته، وقيل: لا تبطل، بل يجري فيها التفصيل المتقدم في ترتيب يسير الفوائت، زيادة أربع ركعات يقيناً سهواً على الرباعية، ولو كان مسافراً، أو على الثلاثية،
    واثنتين على الثنائية والوتر، وزيادة مثل النفل المحدود، كالعيد، سجود المسبوق الذي لم يدرك ركعة مع امام، السجود المرتب على إمامه قبل قيامه لقضاء ما عليه، سواء كان السجود قبلياً أو بعدياً، وأما إذا أدرك معه ركعة، فإنه يسجد تبعاً لسجود إمامه، لكن إن كان السجود قبل السلام سجده معه قبل قيامه للقضاء، وإن كان بعد السلام وجب عليه تأخيره حتى يقضي ما عليه، فإن قدمه قبل القضاء بطلت صلاته، السجود قبل السلام لترك سنة خفيفة، كتكبيرة واحدة، أو تسميعة، أو لترك مستحب، كالقنوت، ترك ثلاث سنن من سنن الصلاة سهواً، مع ترك السجود لها حتى سلم وطال الأمر عرفاً.
    الحنابلة: عدوا مبطلات الصلاة كالآتي: العمل الكثير من غير جنسها بلا ضرورة، طرو نجاسة لم يعف عنها، ولم تزل في الحال، استدبار القبلة، طرو ناقض للوضوء، تعمد كشف عورة، بخلاف ما لو كشفت بريح وسترت في الحال، استناده استناداً قوياً لغير عذر، بحيث لو أزيل ما استند إليه لسقط، رجوعه للتشهد الأول بعد الشروع في القراءة إن كان عالماً ذاكراً للرجوع، تعمده زيادة ركن فعلي، كركوع، تقدم بعض الأركان على بعض عمداً، سلامه عمداً قبل تمام الصلاة، أن يلحن في القراءة لحناً يغير المعنى مع قدرته على إصلاحه، كضم ناء "انعمت"، فسخ النية، بأن ينوي قطع الصلاة، التردد في الفسخ، العزم على الفسخ، وإن لم يفسخ بالفعل، الشك في النية بأن عمل عملاً مع الشك، كأن ركع أو سجد مع الشك، الشك في تكبيرة الإحرام، الدعاء بملاذ الدنيا، كأن يسأل جارية حسناء مثلاً إتيانه بكاف الخطاب لغير الله تعالى ورسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، القهقهة مطلقاً، الكلام مطلقاً، تقدم المأموم على إمامه، بطلان صلاة الإمام، إلا إذا صلى محدثاً ناسياً حدثه ونحوه، كما يأتي في باب الإمامة، سلام المأموم عمداً قبل الإمام، سلامه سهواً، إذا لم يعده بعد سلام إمامه، الأكل والشرب، إلا اليسير لناس وجاهل، ولا يبطل النفل بالشرب اليسير عمداً، بلع ما يتحلل من السكر ونحوه، إلا إن كان يسيراً من ساه وجاهل التنحنح بلا حاجة، النفخ إن بان منه حرفان، البكاء لغير خشية الله تعالى، إذا بان منه حرفان، بخلاف ما إذا غلبه، ولا تبطل إذا غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب وإن بان منه حرفان، كلام النائم غير الجالس والقائم، أما كلام النائم القليل إذا كان نوماً يسيراً وكان جالساً أو قائماً، فإنه لا يبطل.
    الحنفية: عدوا مبطلات الصلاة، كما يأتي: الكلام المبين فيما مر إذا كان صحيح الحروف مسموعاً، سواء نطق به سهواً، أو عمداً، أو خطأً، أو جهلاً. الدعاء بما يشبه كلام الناس، نحو: اللهم البسني ثوباً، أو اقض ديني، أو ارزقني فلانة، السلام، وإن لم يقل: عليكم السلام، بنية التحية، ولو ساهياً.
    رد السلام بلسانه، ولو سهواً، لأنه من كلام الناس، أو رد السلام بالمصافحة، العمل الكثير، تحويل الصدر عن القبلة، أكل شيء أو شربه من خارج فمه، ولو قليلاً، أكل ما بين أسنانه، وإن كان قليلاً، وهو قدر الحمصة؛ التنحنح بلا عذر، لما فيه من الحروف، التأفف؛ كنفخ التراب والتضجر؛ الأنين؛ وهو أن يقول: آه؛ التأوه، وهو أن يقول؛ أوه؛ ارتفاع بكائه من ألم بجسده أو مصيبة، كفقد حبيب أو مال، تشميت عاطس بيرحمك الله، جواب مستفهم عن ند الله بقول: لا إله إلا الله؟ قوله: {إنا لله وإنا إليه راجعون} عند سماع خبر سوء، تذكر فائتة إذا كان من أهل الترتيب، وكان الوقت متسعاً، وإنما تبطل إذا لم يصل بعدها خمس صلوات، وهو متذكر للفائتة، فإذا صلى كذلك انقلبت جائزة، كما يأتي في مبحث "قضاء الفوائت"، قول: الحمد لله، عند سماع خبر سار، قول: سبحان الله، أو لا إله إلا الله للتعجب من أمر، كل شيء من القرآن قصد به الجواب، نحو "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" لمن طلب كتاباً ونحوه، وقوله؛ "آتنا غداءنا" لمستفهم عن شيء يأتي به، وقوله: "تلك حدود الله فلا تقربوها" لمن استأذن في أخذ شيء، وإذا لم يرد بهذا ونحوه الجواب، بل أراد الإعلام، بأنه في الصلاة لا تفسد، رؤية المتيمم ماء قدر على استعماله قبل قعوده قدر التشهد، وكذا إذا كان متوضئاً، ولكنه يصلي خلف إمام متيمم فإن فرضه يبطل وتنقلب صلاته في هذه الحالة نفلاً، تمام مدة مسح الخفين قبل قعود قدر التشهد، ومثله نزع الخف ولو بعمل يسير، تعلم الأمي آية إن لم يكن مقتدياً بقارئ، سواء تعلمها بالتلقي أو بالتذكر إن كان ذلك قبل القعود قدر التشهد، وإلا فالتعلم بالتلقي لا يفسدها، إذا قدر من يصلي بالإيماء على الركوع والسجود، فإن الباقي من الصلاة يكون قوياً فلا يصح بناءه على ضعيف، استخلاف من لا يصلح
    إماماً كأمي ومعذور، طلوع الشمس وهو يصلي الفجر، ويكفي أن يرى الشعاع إن لم يمكنه رؤية القرص، إذا زالت الشمس، وهو في صلاة أحد العيدين، دخول وقت العصر وهو يصلي لفوات شرط صحتها وهو الوقت، سقوط الجبيرة عن برء، زوال عذر المعذور بناقض غير سبب العذر أو زواله بخلو وقت كامل عنه، الحدث عمداً، أما سبق الحدث فلا يبطل، بشروط ستأتي، الإغماء، والجنون، والجنابة بنظر أو احتلام نائم متمكن، المحاذاة، وسيأتي بيانها في مبحث خاص، ويفسدها ظهور عورة من سبقه الحدث، وهو ذاهب للوضوء، أو عائد منه، مكنه قدر أداء ركن بعد سبق الحدث مستيقظاً بلا عذر، فلو مكث لزحام، أو ليقطع رعافه لا تبطل، إذا جاوز بغير عذر، أما إذا لم يخرج من المسجد فلا تفسد، انصرافه عن مقامه للصلاة، ظاناً أنه غير متوضئ، أو أن مدة مسحه انقضت، أو أنه عليه فائتة، أو نجاسة، وإن لم يخرج من المسجد، فتح المأموم على غير إمامه لتعليمه بلا ضرورة، أما فتحه على إمامه، فإنه جائز، ولو قرأ المفروض، أخذ المصلي بفتح غيره، امتثال أمر الغير في الصلاة، التكبير بنية الانتقال لصلاة أخرى غير صلاته، كما إذا نوى المنفرد الإقتداء بغيره، أو العكس، أو انتقل بالتكبير من فرض لفرض، أو من فرض إلى نفل وبالعكس، وإنما تفسد الصلاة بواحدة مما ذكر إذا حصل قبل القعود الأخير قدر التشهد.
    وإلا فلا تفسد على المختار، مد الهمزة في التكبير كما تقدم أن يقرأ ما لا يحفظه في المصحف، أو يلقنه غير القراءة، أداء ركن، أو مضي زمن يسع أداء ركن، مع كشف العورة، أو مع نجاسة مانعة عن الصلاة، أن يسبق المقتدير إمامه بركن لم يشاركه فيه، متابعة المسبوق إمامه في سجود السهو إذا تأكد انفراده، بأن قام بعد سلام الإمام أو قبله بعد قعوده قدر التشهد، وقيد ركعته بسجدة، فتذكر الإمام سجود سهو، فتابعه المأموم فيه، عدم إعادة الجلوس الأخير بعد أداء سجدة صلبية. أو سجدة تلاوة تذكرها بعد الجلوس، عدم إعادة ركن أداه نائماً، قهقهة إمام المسبوق، وإن لم يتعمدها، السلام على رأس الركعتين في الرباعين، إذا ظن أنه يصلي غيرها، كما إذا كان في الظهر، فظن أنه يصلي الجمعة، تقدم المأموم على الإمام بقدمه أما مساواته، فإنها لا تبطل، وسيأتي تفصيله في "مبحث الإمامة"

    ****************************
    إذا صلت المرأة جنب الرجل أو أمامه، وهي مقتدية، ويعبر عن ذلك بالمحاذاة
    اتفق الأئمة الثلاثة على أن المرأة إذا صلت خلف الإمام وهي بجنب رجل، أو أمامه لا تبطل صلاتها بذلك، كما لا تبطل صلاة أحد من المصلين المحاذين لها. وخالف الحنفية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: إذا صلت المرأة المشتهاة بجنب الرجل، أو أمامه وهي مأمومة بطلت صلاتها، بشروط تسعة:
    الأول: أن تكون المرأة مشتهاة. فإذا كانت صغير لا تشتهي، فإنه لا يضر،
    الثاني: أن تحاذي المرأة رجلاً من المصلين بساقها وكعبها أما إذا كانت متأخرة عنه بساقها وكعبها، فإنه يصح.
    الثالث: أن تحاذيه في أداء ركن، أو قدر ركن، فإذا كبرت تكبيرة الإحرام، وهي محاذية له، ثم تأخرت، فإن صلاتها لا تبطل، لأن تكبيرة الإحرام ليست ركناً ولا قدر ركن،
    الرابع: أن لا تكون في صلاة الجنازة ونحوها، فإذا حاذته في صلاة الجنازة فإنها لا تبطل، ومثلها كل صلاة ليست مشتملة على ركوع وسجود.
    الخامس: أن تكون مقتدية به، أو تكون محاذية لرجل مقتد معها بإمام واحد. أما إذا كانت تصلي خلف إمام، وهيو يصلي خلف إمام آخر، وكانت محاذية له، فإنه لا يضر؛
    السادس: أن لا يكون بينهما حائل قدر ذراع أو فرجة تسع رجلاً:
    السابع: أن لا يشير إليها بالتأخر، فإذا أشار إليها بالتأخر، ولم تتأخر، فإن صلاته لا تبطل،
    الثامن: أن ينوي إمامتها، أما إذا لم ينوي إمامتها فإن صلاتها لاتصح، ولا تضر محاذاتها في هذه الحالة،
    التاسع: أن يتحد المكان، فإذا صلت في مكان عال، فإن الصلاة تصح لعدم وجود المحاذاة في هذه الحالة
    **********************
    شرح مبطلات الصلاة التكلم بكلام أجنبي عنها عمداً
    التكلم بكلام أجنبي عن الصلاة عمداً مبطل لها باتفاق، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، رواه مسلم.
    وحد الكلام المبطل هو ما كان مشتمل على بعض حروف الهجاء، وأقله ما كان منتظماً من حرفين، وإن لم يفهما، أو حرف واحد مفهم لمعنى، كما إذا قال "ع" - بكسر العين - فإنه حرف واحد، ولكن له معنى في اللغة لأن معناه احفظ. أما إذا نطق بحرف واحد لا معنى له، كما إذا قال: "ج" فإن صلاته لا تبطل بذلك، ومثل النطق بالحرف المهمل الذي لا يمعنى له الصوت الذي لا يشتمل على حرف مفهم، أو أكثر، وهذا متفق عليه عند الأئمة الثلاثة، وللمالكية تفصيل، فانظره تحت الخط (1) ، أما الحرف الواحد المهمل الذي لا يفهم منه معنى، فإنه لا يبطل الصلاة، وكذلك الصوت الذي لم يشتمل حروفاً، فإنه لا يبطلها.
    التكلم في الصلاة بكلام أجنبي سهواً أو جهلاً
    الكلام الأجنبي في الصلاة مبطل لها، ولو كان المتكلم ناسياً، عند الحنفية، والحنابلة؛ وخالفهم الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وإذا تكلم في الصلاة جاهلاً بأن
    __________
    (1) المالكية قالوا: حد الكلام المبطل للصلاة هو ما كان كلمة واحدة مفهمة فأكثر، وقال بعضهم: هو مطلق الصوت، وإن لم يفهم
    (2) الشافعية قالوا: إن تكلم في الصلاة ناسياً: فإنها لا تبطل بذلك الكلام، سواء تكلم قبل السلام أم بعده، بشرط أن يكون الكلام يسيراً وحد اليسير ما كان ست كلمات عرفية فأقل
    ************************
    الكلام يفسد الصلاة، فإن صلاته تبطل باتفاق ثلاثة من الأئمة، لا فرق في ذلك بين أن يكون قد تربى بعيداً عن البلاد الإسلامية التي ليس بها علماء أو كان لا يستطيع الوصول إليهم أولاً، وخالف الشافعية في ذلك التفصيل، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وإذا أكرهه أحد على الكلام وهو في الصلاة، فإنه تبطل باتفاق، وإذا نام نوماً يسيراً لا ينقض الوضوء وهو في الصلاة، وتكلم في هذه الحالة، فإن صلاته تبطل باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، والظاهر يؤيد من قال ببطلان الصلاة، لأن الذي ينام في صلاته، ويتكلم بكلام أجنبي يكون غافلاً عن ربه تمام الغفلة، فما قيمة صلاة من يفعل هذا؟

    التكلم عمداً لإصلاح الصلاة
    إذا نسي الإمام شيئاً من الصلاة، فقال له أحد المأمومين: أنت نسيت كذا، فإن صلاته تبطل باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، وإنما الذي لا يبطل هو لفظ السلام، فلو سلم في صلاة الظهر مثلاً من ركعتين ناسياً، فإن صلاته لا تبطل بالسلام.
    __________
    (1) الشافعية قالوا: إن تكلم الجاهل في صلاته كلاماً يسيراً لا تبطل، بشرط أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو يكون قد تربى بعيداً عن العلماء بحيث لا يستطيع الوصول إليهم لخوف، أو عدم مال، أو ضياع من تلزمه تفقتهم، أو نحو ذلك، وإلا فسدت صلاته، ولا يعذر بالجهل
    (2) الحنابلة قالوا: إذا تكلم في صلاته وهو نائم على هذه الحالة، فإنها لا تبطل
    (3) المالكية قالوا: الكلام لإصلاح الصلاة لا يبطلها، سواء وقع قبل السلام أو بعده من الإمام أو من المأموم، أو منهما، فإن وقع من المأموم، فإنه لا يبطل الصلاة بشرطين: الأول: أن لا يكون كثيراً عرفاً، بحيث يكون به معرضاً عن الصلاة: وإن كانت تدعو الحاجة إليه؛ الثاني: أن لا يفهم الإمام الغرض بالتسبيح له، فإن كثر كلامه أو كان إمامه يفهم إذا سبح له بطلت صلاته، مثلاً إذا سلم إمامه في الرباعية من ركعتين أو صلاها أربعاً، وقام للخامسة، ولم يفهم بالتسبيح، فإن للمأموم أن يقول له: أنت سلمت من اثنتين، أو قمت للركعة الخامسة، أو نحو ذلك.
    هذا إذا وقع الكلام من المأموم. أما إذا وقع من الإمام، فإنه لا يبطل بثلاثة شروط: الشرطين المذكورين في المأموم ويزيد شرط ثالث؛ وهو أن لا يحصل له شك في صلاته من نفسه، بأن لم يشك أصلاً، أو حصل له شك من كلام المأمومين، فإن شك من نفسه وجب عليه أن يطرح ما شك فيه، ويبني صلاته على يقينه، ولا يسأل أحداً؛ وإلا بطلت صلاته


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 271 الى صــــــــ
    278
    الحلقة (46)

    الكلام في الصلاة لإنقاذ الأعمى والكلام خطأً
    الكلام لإنقاذ أعمى من الوقوع في هلاك أو نحوه مبطل للصلاة باتفاق، ويجب على المصلي في مثل هذه الحالة أن يتكلم ويقطع الصلاة، أما المخطئ، وهو الذي يسبق لسانه إلى كلمة غير القرآن فإن صلاته لا تبطل بذلك عند ثلاثة من الأئمة وخالف الحنفية. فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    التنحنح في الصلاة
    ومن الكلام المبطل التنحنح إذا بان منه حرفان فأكثر، وإنما يبطل الصلاة إذا كان لغير حاجة فإن كان لحاجة، كتحسين صوته حتى تخرج القراءة من مخارجها تامة، أو يهتدي إمامه إلى الصواب، ونحو ذلك، فإنه لا يبطل، وكذا إذا كان ناشئاً بدافع طبيعي، فإنه لا يبطل عند الحنفية والحنابلة ما دام لحاجة، وتوسع المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط
    (2)
    الأنين والتأوه في الصلاة
    الأنين والتأوه والتأفف والبكاء إذا اشتملت على حروف مسموعة، فإنها تبطل الصلاة، إلا إذا كانت ناشئة من خشية الله تعالى، أو من مرض بحيث لا يستطيع منعها؛ وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: المخطئ الذي يسبق لسانه إلى كلمة غير القرآن تبطل صلاته أيضاً
    (2) المالكية قالوا: التنحنح لا يبطل الصلاة، وإن اشتمل على حروف مبطلة، سواء كان لحاجة أو لغير حاجة على المختار، ما لم يكن كثيراً، أو تلاعباً، وإلا أبطل.
    الشافعية قالوا: يعفى عن القليل من التنحنح إذا لم يستطع رده إلا إذا كان مرضاً ملازماً، بحيث لا يخلو الشخص منه زمناً يسع الصلاة، وإلا فلا يضر كثيره أيضاً. وكذلك إن تعذر عليه النطق بركن قولي من أركان الصلاة، كقراءة الفاتحة، فإن التنحنح الكثير لأجل أن يتمكن من قراءتها لا يضر، أما إن تعذر عليه النطق بسنة، فإن التنحنح الكثير لا يغتفر له فيها
    (3) المالكية قالوا: إن كان الأنين والتأوه والبكاء ونحوها لوجع. أو كانت ناشئة من خشية الله فإنها لا تبطل الصلاة. لكن الأنين للوجع إن كثر أبطل، وإلا كان حكمها كحكم الكلام، فإن وقعت من المصلي سهواً، فإنها لا تبطل، إلا إذا كانت كثيرة، وإن وقعت عمداً فإنها تبطل إلا إذا تعلق بها غرض لإصلاح الصلاة، على التفصيل المتقدم.
    الشافعية قالوا: الأنين والتأوة والتأفف ونحوها إن بان منها حرفان فأكثر، ففيها صور ثلاث: الأولى: أن تغلب عليه، ولا يستطيع دفعها، وفي هذه الحالة يعفى عن قليلها عرفاً، ولا يعفى عن كثيرها، ولو كان ناشئاً من خول الآخرة؛ الثانية: أن لا تغلب عليه، وحينئذ لا يعفى عن كثيرها ولا قليلها؛ ولو كانت ناشئة من خوف الآخرة؛ الثالثة: إن تكثر عرفاً، وفي هذه الحالة لا يعفى عن قليلها أيضاً، إلا إذا صارت مرضاً ملازماً. فإنها لا تبطل الصلاة للضرورة، ومثلها التثاؤب، والعطاس، والجشاء، كما يأتي
    ****************************** *
    الدعاء في الصلاة بما يشبه الكلام الخالاج عنها
    تبطل الصلاة بالدعاء الذي يشبه الكلام الخارج عنها، وللأئمة في ذلك تفصيل، فانظره تحت الخط (1) .
    إرشاد المأموم لغير إمامه في الصلاة، ويقال له: الفتح على الإمام
    تبطل الصلاة بإرشاد المأموم لغير الإمام الذي يصلي خلفه مثلاً، إذا كان يصلي شخص خلف إمام، ووجد بجانبه شخصاً يصلي إماماً، فقرأ الثاني خطأًن أو عجز عن القراءة فلا يصح للأول وإرشاده، لأنه مرتبط بالإمام، فلا علاقة له بمصل آخر، على أن في هذا الحكم تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (2)
    التسبيح في الصلاة لإرشاد الإمام أو للتنبيه على أنه في الصلاة أو نحو ذلك
    ليس من الكلام المبطل التسبيح للإعلام بأنه في الصلاة، أو لإرشاد الإمام إلى إصلاح خطا وقع فيها. أما التسبيح والهليل والذكر بغير الواد في الصلاة، أو التكلم بآية من القرآن لإفادة الغير غرضاً من الأغراض، ففي كونه مبطلاً للصلاة تفصيل المذاهب (3) .
    تشميت العاطس في الصلاة
    ومن الكلام المبطل تشميت العاطس، فإذا شمّت المصلي عاطساً بحضرته بطلت صلاته، بشرط أن يقول له: "يرحمك الله" بكاف الخطاب. أما إذا قال له: يرحمه الله. أو يرحمنا الله، فإن صلاته لا تبطل بذلك عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
    إذا رد السلام وهو يصلي
    إذا سلم عليه رجل وهو يصلي، فرد عليه السلام بلسانه بطلت صلاته، أما إذا رد عليه بالإشارة فإنها لا تبطل باتفاق، ولكن لا يطلب الرد من المصلي بالإشارة إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .
    التثاؤب والعطاس والسعال في الصلاة
    لا تبطل الصلاة بالتثاؤب والعطاس والسعال والجشاء، ولو كانت مشتملة على بعض الحروف للضرورة، عند المالكية، والحنابلة، أما الشافعية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) .
    العمل الكثير في الصلاة، وهو ليس من جنسها
    تبطل الصلاة بالعمل الكثير الذي ليس من جنس الصلاة، وهو ما يخيل للناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة، وهذا حد العمل الكثير المبطل عند المالكية، والحنابلة، أما الشافعية والحنفية فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ، وهو مبطل للصلاة؛ سواء وقع عمداً أو سهواً، أما العمل القليل، وهو ما دون ذلك، فلا يبطلها باتفاق ثلاثة من الأئمة، وللمالكية تفصيل، فانظره تحت الخط (8) ؛ أما إذا عمل المصلي عملاً زائداً عن الصلاة من جنسها، كزيادة ركوع أو سجود؛ فإن كان عمداً أبطل قليله وكثيره؛ وإن كان سهواً لم يبطل الصلاة مطلقاً، قليلاً كان العمل، أو كثيراً، كما أن الزيادة القولية، كتكرير الفاتحة لا تبطلها مطلقاً، ولو كان عمداً،ويسجد للسهو؛ وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (9)
    التحول عن القبلة والأكل والشرب في الصلاة
    تبطل الصلاة بالتحول عن القبلة في الصلاة، وفي حد التحول تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (10) ؛ وكذا تبطل بالأكل والشرب فيها، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (11) .
    إذا طرأ على المصلي ناقض الوضوء وهو في الصلاة
    تبطل الصلاة إذا طرأ على المصلي ناقض الوضوء، أو الغسل، أو التيمم. أو المسح على الخفين، أو الجبيرة، ما دام المصلي لم يفرغ من صلاته بالسلام، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) . ومنها القهقهة، وهي أن يضحك بصوت يسمعه وحده، أو مع من بجواره؛ وهي مبطلة مطلقاً، قلت، أو كثرت، سواء أكانت عن عمد، أم عن سهو، أم عن غلبة اشتملت على حروف أم لا، عند المالكية، والحنابلة؛ أما الحنفية والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: تبطل الصلاة بالدعاء بما يشبه كلام الناس؛ وضابطه أن لا يكون وارداً في الكتاب الكريم، ولا في السنة، ولا يستحيل طلبه من العباد، فله أن يدعو بما شاء مما ورد في الكتاب والسُّنة؛ أما ما ليس وارداً فيهما، فإن كان يستحيل طلبه من العباد، كطلب الرزق والبركة في المال والبنين ونحو ذلك، مما يطلب من الله وحده، فإن الصلاة لا تبطل به؛ وإن كان لا يتسحيل طلبه من العباد، نحو: اللهم أطعمني تفاحاً: أو زوجني بفلانة، فإنه يبطل الصلاة.
    المالكية قالوا: لا تبطل الصلاة بالدعاء بخير الدنيا والآخرة مطلقاً، فله أن يدعو بما لا يستحيل طلبه من العباد، كأن يقول: اللهم أطعمني تفاحاً، ونحوه.
    الشافعية قالوا: الدعاء الذي يبطل الصلاة هو الذي يكون بشيء محرم، أو مستحيل، أو معلق وله أن يدعو بعد ذلك بما شاء من خير الدنيا والآخرة، بشرط أن لا يخاطب بذلك غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خاطب غيرهما بطلت صلاته، سواء كان المخاطب عاقلاً، كأن يقول للعاطس: يرحمك الله، أو غير عاقل كأن يخاطب الأرض، فيقول لها: ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك، ونحو ذلك.
    الحنابلة قالوا: الدعاء الذي يبطل الصلاة هو الدعاء بغير ما ورد، وليس من أمر الآخرة كالدعاء بحوائج الدنيا وملاذها، كأن يقول: اللهم الرزقني جارية حسناء، وقصراً فخماً، وحلة جميلة ونحو ذلك، ويجوز أن يدعو لشخص معين، بشرط أن لا يأتي بكاف الخطاب، كأن يقول: اللهم ارحم فلاناً، أما إذا قال: اللهم ارحمك يا فلان، فإن صلاته تبطل
    (2) الحنفية قالوا: إذا نسي الإمام الآية، كأن توقف في القراءة، أو تردد فيها، فإنه يجوز للمأموم الذي يصلي خلفه أن يفتح عليه، ولكنه ينوي إرشاد إمامه لا التلاوة، لأن القراءة خلف الإمام مكروهة تحريماً. كما تقدم.
    ويكره للمأموم المبادرة بالفتح على الإمام. كما يكره للإمام أن يلجئ المأموم على إرشاده. بل ينبغي له أن ينتقل إلى المطلوب من سورة أخرى. أو سورة أخرى كاملة. أو يركع إذا قرأ القدر المفروض والواجب. أما فتح المأموم على غير إمامه بأن فتح على مقتد مثله. أو على إمام غير إمامه أو على منفرد أو على غير مصل. فإنه يبطل الصلاة. إلا إذا قصد التلاوة لا الإرشاد. ولكن ذلك يكون مكروهاً تحريماً حينئذ وكذلك أخذ المصلي بإرشاد غيره، فإنه يبطل الصلاة، إلا أخذ الإمام بإرشاد مأمومه، فإنه لا يبطل، فإذا نسي المأموم أو المنفرد الآية فأرشده غيره، فعمل بغرشاده بطلت صلاته، إلا إذا تذكر من تلقاء نفسه، وكما أن امتثال أمر الغير في القراءة يبطل الصلاة، كذلك امتثاله في الفعل، فإنه يبطلها فإذا وجدت فرجة في الصف، فأمره غيره بسدها فامتثل بطلت صلاته، بل ينبغي أن يصبر زمناً ما، ثم يفعل من تلقاء نفسه.
    المالكية قالوا: إن الفتح على الإمام لا تبطل به الصلاة، وإنما يفتح المأموم على إمامه إذا وقف عن القراءة وطلب الفتح بأن تردد في القراءة، أما إذا وقف، ولم يتردد، فإنه يكره الفتح عليه، ويجب الفتح عليه في الحالة الأولى إن ترتب عليه تحصيل الواجب، كقراءة الفاتحة، ويسن إن أدى إلى صلاح الآية الزائدة عن الفاتحة، ويندب إن أدى إلى إكمال السورة، الذي هو مندوب وأما الفتح على غير الإمام، سواء كان خارجاً عن الصلاة أو فيها، فإنه مبطل للصلاة.
    الشافعية قالوا: يجوز للمأموم أن يفتح على إمامه بشرط أن يسكت عن القراءة، أما إذا تردد في القراءة فإنه لا يفتح عليه مادام متردداً، فإن فتح عليه في هذه الحالة انقطعت الموالاة بين قراءته، ويلزمه استئناف القراءة، ولا بد لمن يفتح على إمامه أن يقصد القراءة وحدها، أو يقصد القراءة مع الفتح، أما إن قصد الفتح وحده أو لم يقصد شيئاً أصلاً فإن صلاته تبطل على المعتمد أما الفتح على غير إمامه، سواء كان مأموماً آخر، أو غيره، فإنه يقطع الموالاة في القراءة، فيستأنفها إذا قصد الذكر: ولو مع الإعلام: وإلا بطلت.
    الحنابلة قالوا: يجوز للمصلي أن يفتح على إمامه إذا أرتج عليه - أي منع من القراءة - أو غلظ فيها ويكون الفتح واجباً إذا منع الإمام من القراءة أو غلط في الفاتحة لتوقف صحة الصلاة على ذلك. أما الفتح على غير إمامه سواء أكان في الصلاة أم خارجها. فإنه مكروه لعدم الحاجة إليه ولا تبطل به الصلاة. لأنه قول مشروع فيها
    (3) الحنفية قالوا: إذا تكلم المصلي بتسبيح أو تهليل، أو أثنى على الله تعالى عند ذكره كأن قال: جل جلاله؛ أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، أو قال: صدق الله العظيم، عند فراغ القارئ من القراءة، أو قال مثل قول المؤذن، ونحو ذلك، فإن قصد به الجواب عن أمر من الأمور بطلت صلاته؛ أما إذا قصد مجرد الثناء والذكر أو التلاوة، فإن صلاته لا تبطل كذلك تبطل إذا لم يقصد شيئاً؛ ومثل ذلك ما إذا تكلم بآية من القرآن، لإفادة الغير غرضاً من الأغراض، كأن خاطب شخصاً اسمه يحيى بقوله: "يا يحيى خذ الكتاب بقوة" يريد بذلك أن يأخذ كتاباً عنده؛ أو قال لمن يستأذنه في الدخول وهو في صلاته: "ادخلوها بسلام آمنين"؛ أو سأله رجل، وهو يصلي، ما هو مالك؟ فقال" "والخيل والبغال والحمير لتركبوها" ونحو ذلك فإنه يبطل الصلاة؛ إلا إذا قصد مجرد التلاوة، ومثل ذلك ما إذا أخبر بخبر سوء، وهو في الصلاة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو رأى ما يعجبه فقال: سبحان الله، أو حدث ما يفزعه فقال: بسم الله، أو دعا لأحد أو عليه، فإن صلاته تبطل بذلك، إلا إذا قصد مجرد الذكر أو الثناء، فإنها لا تبطل حينئذ. وكذلك تبطل إذا رفع صوته بالتسبيح أو التهليل؛ يريد بذلك زجر الغير عن أمر من الأمور؛ أما إذا رفع صوته بالقراءة قاصداً الزجر برفع الصوت بالقراءة قاصداً الزجر برفع الصوت لا بالقراءة فإن صلاته لا تفسد، وإنما استثنى من ذلك كله التسبيح للإعلام بأنه في الصلاة، أو تنبيه إمامه إلى خطأ في الصلاة، لما ورد في الحديث: "إذا نابت نائبة في الصلاة فليسبح".
    المالكية قالوا: لا تبطل الصلاة بالقرآن الذي قصد به إفهام الغير غرضاً من الأغراض بشرط أن يكون ذلك في محله وذلك كأن يستأذنه شخص في الدخول عليه وهو يصلي، فيصادف ذلك الاستئذان الفراغ من قراءة الفاتحة، فيشرع في قراءة "ادخلوها بسلام آمنين" جواباً عن ذلك الاستئذان، أما إن وقع في غير محله، كأن يصادف الاستئذان الركوع أو السجود أو قبل الفراغ من الفاتحة، فأجابه بذلك بطلت صلاته. أما إذا أجابه بالتسبيح، أو التهليل: أو بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فإن صلاته لا تبطل بذلك في أي محل من الصلاة لأن الصلاة كلها محل لها.
    الحنابلة قالوا: لا تبطل الصلاة بالتسبيح أو التهليل أو الذكر لغرض من الأغراض؛ فإذا رأى ما يعجبه فقال: سبحان الله، أو أصابته مصيبة، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو أصابه ألم: فقال: بسم الله، ونحو ذلك فإن صلاته لا تبطل به، وإنما يكره لا غير، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، فإنه مستحبة في النفل فقط، أما الفرض فإنها لا تطلب فيه ولا تبطله؛ وكذلك لا يبطلها التكلم بآية من القرآن: لغرض من الأغراض، كأن يقول لمن يستأذنه وهو في صلاته: ادخلوها بسلام آمنين، أو يقول: "يا يحيى خد الكتاب بقوة" مخاطباً بذلك شخصاً اسمه يحيى. أما إذا تكلم بكلمة من القرآن لا تتميز عن كلام الناس، كأن يخاطب شخصاً اسمه إبراهيم بقوله: يا إبراهيم، فإن صلاته تبطل بذلك.
    الشافعية قالوا: إذا تكلم بآية من القرآن، وهو في الصلاة قاصداً بذلك إفهام الغير أمراً من الأمور فقد بطلت صلاته. وكذلك تبطل الصلاة إذا أطلق ولم يقصد شيئاً. أما إذا قصد التلاوة مع هذا الإفهام، فإن صلاته لا تبطل، وكذا إذا استأذنه شخص في أمر فسبح له أو سبح لإمامه لتنبيهه إلى خطأ في الصلاة، أو قال: الله، عند حدوث ما يفزعه، فإنه في هذه الأحوال إن قصد الذكر، ولو مع ذلك الغرض لا تبطل، وإلا بطلت. أما إذا قال: صدق الله العظيم عند سماع آية أو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله عند سماع خبر سوء، فإن صلاته لا تبطل به مطلقاً، إذ ليس فيه سوى الثناء على الله تعالى ولكنه يقطع موالاة القراءة فيستأنفها. ومثل ذلك إجابة المؤذن، وإذا سمع المأموم إمامه يقول: غياك نعبد وإياك نستعين، فقال المأموم مثله محاكاة له أو قال: استعنا بالله. أو نستعين بالله بطلت صلاته إن لم يقصد تلاوة ولا دعاء وإلا فلا تبطل، والإتيان بهذا بدعة منهي عنها، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره فإن كانت بالاسم الظاهر فإنها تقطع الموالاة، ولا تبطل الصلاة، وإن كانت بالضمير، فإنها لا تقطع ولا تبطل
    (4) الحنفية قالوا: إذا شمّت المصلي عاطساً بحضرته بطلت صلاته مطلقاً، سواء قال له: يرحمك الله، بكاف الخطاب. أو قال له، يرحمه الله: نعم إذا عطس هو فقال لنفسه: يرحمني الله، أو خاطب نفسه، فقال: يرحمك الله: فإن صلاته لا تبطل بذلك.
    المالكية قالوا: تبطل الصلاة بتشميت العاطس باللسان مطلقاً
    (5) المالكية قالوا: يرد السلام بالإشارة على الراجح
    (6) الحنفية قالوا: إنها لا تبطل بهذه الأشياء، بشرط أن لا يتكلف غخراج حروف زائدة على ما تقتضيه الطبيعة، كأن يقول في تثاؤبه: هاه هاه، أو يزيد العاطس حروفاً لا تضطره إليها طبيعة العطاس، فإن ذلك يبطل الصلاة.
    الشافعية قالوا: حكم هذه الأشياء كحكم الأنين والتأوه في التفصيل المتقدم، فإن غلبت عليه، ولم يتسطع ردها عفي عن قليلها عرفاً، أما إذا أمكنه ردها ولم يفعل، فإنها تبطل الصلاة إلى آخر ما تقدم
    (7) الشافعية: حدوا العمل الكثير بنحو ثلاث خطوات متواليات يقيناً، وما في معنى هذا؛ كوثبة واحدة كبيرة؛ ومعنى تواليها أن لا نعد إحداها منقطعة عن الأخرى، على الراجح: وإنما يبطل العمل الكثير إذا كان لغير عذر؛ كمرض يستدعي حركة لا يستطيع الصبر عنها زمناً يسع الصلاة قبل ضيق الوقت، وإلا فلا تبطل.
    الحنفية قالوا: العمل الكثير ما لا يشك الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة، فإن اشتبه الناظر فهو قليل على الأصح
    (8) المالكية قالوا: ما دون العمل الكثير قسمان: متوسط، كالانصراف من الصلاة، وهذا يبطل عمده دون سهوه؛ ويسير جداً كالإشارة، وحك البشرة، وهذا لا يبطل عمده ولا سهوه
    (9) المالكية قالوا: تبطل الصلاة بالزيادة من جنسها سهواً إذا كثرت؛ والكثير ما كان مثل الرباعية والثنائية، كأن يصلي الظهر ثمان ركعات: والصبح أربعاً وأربع ركعات في الثلاثية ومثل الفنل المحدود: كالعيد، والفجر بخلاف الوتر، فإنه وإن كان محدوداً، ولكن لا يبطل بزيادة ركعة واحدة؛ بل بزيادة ركعتين فأكثر، أما غير المحدود، كالشفع، فلا يبطل بالزيادة عليه أصلاً كما أن الزيادة إذا قلت - وهي غير ما ذكر - فلا تبطل الصلاة، كزيادة ركعتين أو ثلاث في الرباعية
    (10) المالكية قالوا: التحول عن القبلة لا يبطل الصلاة ما لم تتحول قدماه عن مواجهة القبلة.
    الحنابلة قالوا: إن هذا لا يبطل الصلاة ما لم يتحول المصلي بجملته عن القبلة.
    الحنفية قالوا: إذا تحول بصدره عن القبلة، فإما أن يكون مضطراً أو مختاراً؛ فإن كان مضطراً لا تبطل، إلا إذا مكث قدر ركن من أركان الصلاة على هذه الحالة، وإن كان مختاراً، فإن كان بغير عذر بطلت، وإلا فلا تبطل، سواء قلّ التحول أو كثر.
    الشافعية قالوا: إذا تحول بصدره عن القبلة يمنة أو يسرة، ولو حرّفه غيره قهراً، بطلت صلاته، ولو عاد عن قرب، بخلاف ما لو انحرف جاهلاً أو ناسياً. وعاد عن قرب فإنها لا تبطل
    (11) الحنفية قالوا: كثير الأكل والشرب وقليلهما مفسد للصلاة عمداً أو سهواً، ولو كان المأكول سمسمة أدخلها في فيه، أو كان المشروب قطرة مطر، سقطت في فيه فابتلعها، إلا إذا أكل قبل الشروع في الصلاة، فبقي بين أسنانه مأكول دون الحمصة، فابتلعه وهو في الصلاة فإنها لا تفسد بابتلاعه، أما إن مضغه ثلاث مرات متوالية على الأقل، فإنها تفسد، ويحلق بالأكل المبطل ابتلاع ما يتحلل من السكر والحلوى من فمه، بشرط أن يصل إلى جوفه.
    المالكية قالوا: تبطل الصلاة بالأكل الكثير أو الشرب عمداً، والكثير هو ما كان مثل اللقمة "أما اليسير وهو ما كان مثل الحبة، فإن كانت بين أسنانه، فإنه لا تبطل، ولو ابتلعها بمضغ، لأن المضغ في هذه الحالة لا يكون عملاً كثيراً على التحقيق، وكذا إذا رفعها من الأرض وابتلعها بدون مضغ، فإنها لا تبطل، وأما الأكل أو الشرب سهواً فلا يبطل الصلاة على الراجح، ويسجد له بعد السلام إلا إذا اجتمعا، أو وجد أحدهما مع السلام سهواً، فإنه يبطل الصلاة.
    الشافعية قالوا: كلما وصل إلى جوف المصلي من طعام أو شراب، ولو بلا مضغ، فإنه يبطل الصلاة، سواء كان قليلاً أو كثيراً، إذا كان المصلي عامداً، عالماً، عالماً بتحريم الأكل والشرب، وبأنه في الصلاة ولو مكرهاً. أما إذا كان ناسياً للأكل أو الشرب أو جاهلاً يعذر بجهله، كما تقدم، أو ناسياً أنه في الصلاة فإنه لا يضر القليل منها، بخلاف الكثير: أما المضع بلا بلع، فإنه من قبيل العمل؛ تبطل بكثيره؛ ولا يضر ما وصل مع الريق إلى الجوف من طعام بين أسنانه؛ إذا عجز عن تمييزه ومجده. نعم يبطل الصلاة وصول ما ذاب من السكر أو غيره في الفم إلى الجوف.
    الحنابلة قالوا: يبطل الصلاة الكثير من الأكل والشرب؛ أما اليسير منهما فيبطلها إذا كان عمداً لا نسياناً؛ كما لا تبطل ببلع ما بين أسنانه بلا مضغ؛ ولو لم يجر به الريق؛ ويعرف الكثير واليسير بالعرف. ومثل الأكل فيما تقدم بلع ذوب السكر والحلوى ونحوهما؛ فإنه مبطل للصلاة؛ ما لم يكن يسيراً نسياناً
    (12) الحنفية قالوا: إنما يبطل طرو ناقض لهذه الأمور إذا كان قبل القعود الأخير بقدر التشهد. أما إذا طرأ بعده فلا تبطل به الصلاة على الراجح
    (13) الحنفية قالوا: إنما تبطل بها الصلاة إذا حصلت قبل القعود الأخير قدر التشهد، أما إن كانت بعده، فإنها لا تبطل الصلاة التي تمت بها، وإن نقضت الوضوء، كما تقدم تفصيله في "نواقض الوضوء".
    الشافعية قالوا: لا تبطل القهقهة الصلاة إلا إذا ظهر بها حرفان فأكثر، أو حرف مفهم، فالبطلان ليس بها. وإنما بما اشتملت عليه من الحروف، كما تقدم، وهذا إذا كان باختياره، أما إن غلبه الضحك فإن كان كثيراً أبطل، وإلا فلا

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 279 الى صــــــــ
    287
    الحلقة (47)

    إذا سبق المأموم إمامه بركن من أركان الصلاة
    إذا سبق المأموم إمامه بركن عمداً بطلت صلاته، كأن يركع ويرفع قبل أن يركع الإمام. أما إذا كان سهواً رجع لإمامه، ولا تبطل صلاته عند المالكية، والحنابلة، أما الحنفية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    ومنها ما إذا وجد المتيمم ماء قدر على استعماله، وهو في الصلاة، وفيه تفصيل في المذاهب (2) :
    ومنها أن يجد العريان ثوباً ساتراً لعورته أثناء الصلاة (3) ، ولم يمكنه الاستتار به سريعاً بدون أن يعمل عملاً كثيراً فيها، أما إذا أمكنه الاستتار به بدون عمل كثير، فإنه يستتر به، ويبني على ما تقدم من صلاته.
    إذا تذكر أنه لم يصل الظهر، وهو في صلاة العصر، ونحو ذلك
    إذا تذكر المصلي وقتاً فاته وهو في صلاة غيرها، كما إذا نسي صلاة الظهر، وشرع في صلاة العصر، فإن صلاة العصر تبطل بشرط أن يكون من أصحاب الترتيب، وهو الذي لم تفته صلوات خمس، أو أكثر، كما سيأتي بيانه في "مبحث قضاء الفوائت" وهذا الحكم عند الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
    إذا تعلم شخص آية في الصلاة
    تبطل الصلاة إذا تعلم الأمي آية أثناء الصلاة ما لم يكن مقتدياً بقارئ، وهذا عند الحنفية. والحنابلة فانظر مذهب غيرهما تحت الخط (5) .
    إذا سلم عمداً قبل تمام الصلاة
    ومن مبطلات الصلاة أن يسلم عمداً قبل تمام الصلاة، فإن سلم سهواً معتقداً، كما الصلاة التي شرع فيها فإن صلاته لا تبطل إذا لم يعمل عملاً كثيراً ولم يتكلم، على التفصيل السابق في المذاهب.
    مباحث الأذان [والإقامة]
    [الأذان]
    تعريفه
    قد عرفت أن الأذان سنة للصلاة خارجة عنها، ويتعلق بالأذان مباحث: أحدها: تعريفه: ثانيها: سبب مشروعيته، ودليله؛ ثالثها: ألفاظه؛ رابعها حكمه؛ خامسها: شروطه سادسها: سننه ومندوباته. سابعها: مكروهاته، وإليك بيانها على هذا الترتيب.
    معنى الأذان، ودليله
    الأذان في اللغة معناه الإعلام، قال تعالى: {وأذان من الله ورسوله} أي إعلام، وقال: {وأذان في الناس بالحج} أي أعلمهم، ومعناه في الشرع، الإعلام بدخول وقت الصلاة. بذكر مخصوص، أما دليل مشروعية الأذان، فالكتاب والسنة، والإجماع، قال تعالى: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً} ، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم" رواه البخاري، ومسلم؛ أما كيفيته، وألفاظه فقد بينت في الأحاديث الأخرى.
    متى شرع الأذان وسبب مشروعيته وفضله
    شرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة النبوية بالمدينة المنورة، وهو معلوم من الدين بالضرورة، فمن أنكر مشروعيته يكفر، أما سبب مشروعيته فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صعب على الناس معرفة أوقات صلاته، فتشاوروا في أن ينصبوا علامة يعرفون بها وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كيلا تفوتهم الجماعة، فأشار بعضهم بالناقوس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو للنصارى" وأشار بعضهم بالبوق، فقال: "هو لليهود"، وأشار بعضهم بالدف، فقال: "هو للروم" وأشار بعضهم بإيقاد النار، فقال: "ذلك للمجوس"، واشار بعضهم بنصب راية، فإذا رآها الناس أعلم بعضهم بعضاً، فلم يعجبه صلى الله عليه وسلم ذلك، فلم تتفق آراؤهم على شيء، فقام صلى الله عليه وسلم مهتماً، فبات عبد الله بن زيد مهتماً باهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى في نومه ملكاً علمه الأذان والإقامة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وافقت الرؤيا الوحي، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى حديث رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، وأخرج الترمذي بعضه، وقال: حديث حسن صحيح، وفي "الصحيحين" عن أنس، قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوقدوا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة. أما فضل الأذان فقد دلت عليه أحاديث كثيرة صحيحة: منها ما روي عن أبي هريرة من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء، والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه" متفق عليه، ومنها ما روي عن معاوية من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة" رواه مسلم، ومعنى استهموا - اقترعوا -.
    ألفاظ الأذان
    ألفاظ الأذان، هي: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله"، وهذه الصيغة متفق عليها بين ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، ويزاد في أذان الصبح بعد حي على الفلاح "الصلاة خير من النوم" مرتين ندباً، ويكره ترك هذه الزيادة باتفاق.
    إعادة الشهادتين مرة أخرى في الأذان ويقال لذلك: (ترجيع)
    يكتفي بالصيغة المتقدمة في الأذان، فلا يزاد عليها شيء عند الحنفية، والحنابلة. أما المالكية والشافعية فقد قالوا: بل يسن أن يزيد النطق بالشهادتين بصوت منخفض مسموع للناس، قبل الإتيان بهما بصوت مرتفع، إلا أن المالكية يسمون النطق بهما بصوت مرتفع: ترجيعاً، والشافعية يسمون النطق بهما بصوت منخفض ترجيعاً، ولعل المالكية قد نظروا إلى اللغة، لأن الترجيع معناه الإعادة، والمؤذن ينطق أولاً بالشهادتين سراً، ثم يعيدها جهراً، فتسمية الإعادة جهراً ترجيعاً موافق للغة، والشافعية قد نظروا إلى أن الأصل في الأذان إنما هو الإتيان فيه بالشهادتين جهراً فالنطق بهما قبل ذلك سراً أجدر بأن يسمى ترجيعاً، أي حكاية لما يأتي بعدهما، والأمر فيذلك سهل، وعلى هذا يكون نص الأذان عند الشافعية، والمالكية بعد التكبير هكذا: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله - بصوت منخفض - ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله - بصوت مرتفع - كالتكبير، ثم يقول: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله - بصوت منخفض - ثم يعيدها بصوت مرتفع، كالتكبير، ثم يقول: حي على الصلاة مرتين - بصوت مرتفع - بدون ترجيع، ثم يقول: حي على الفلاح كذلك، ثم يقول: الله أكبر. الله أكبر، ثم ي ختم بقول: لا إله إلا الله" إلا في صلاة الصبح، فإنه يندب أن يقول بعد حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين، وإذا تركهما صح الأذان مع الكراهة، وكذا إذا ترك الترجيع فإنه يكره، ولا يبطل الأذان بتركه، فالشافعية. والمالكية متفقون على صيغة الأذان. إلا في التكبير. فإن الشافعية يقولون: إنه أربع تكبيرات، والمالكية يقولون: إنه تكبيرتان.
    حكم الأذان
    اتفق الأئمة على أن الأذان سنة مؤكدة: ما عدا الحنابلة: فإنهم قالوا: إنه فرض كفاية بمعنى إذا أتى به أحد فقد سقط عن الباقين. على أن للأئمئة تفصيلاً في حكم الأذان؛ فانظره تحت الخط (7) .
    شروط الأذان
    يشترط للأذان شروط: أحدها: النية، فإذا أتى بصيغة الأذان المتقدمة بدون نية وقصدٍ، فإن أذانه لا يصح عند المالكية، والحنابلة، أما الشافعية، والحنفية، فلا يشترطون النية في الأذان؛ بل يصح عندهم بدونها، ثانيها: أن تكون كلمات الأذان متوالية، بحيث لا يفصل بينهما بسكوت طويل، أو كلام كثير، أما الكلام القليل، فإن الفصل به يبطل الأذان، سواء كان جائزاً أو محرماً، وهذا متفق عليه بين الأئمة؛ إلا أن الحنابلة قالوا: الفصل بالكلام القليل المحرم يبطل الأذان، ولو كلمة واحدة، بحيث لو سب شخصاً بكلمة فإن أذانه يبطل عند الحنابلة، ثالثها: أن يكون باللغة العربية. إلا إذا كان المؤذن أعجمياً، ويريد أن يؤذن لنفسه أو لجماعة أعاجم مثله. أما إذا كان يؤذن لجماعة لا يعرفون لغته. فإن أذانه لا يصح طبعاً، لأنهم لا يفهمون ما يقول، وهذا الحكم متفق عليه عند ثلاثة من الأئمة وخالف الحنابلة فقالوا لا يصح الأذان بغير العربية على كل حال، رابعاً: أن يقع الأذان كله بعد دخول الوقت؛ فلو وقع قبل دخول الوقت لم يصح في الظهر والعصر والمغرب والعشاء باتفاق، أما إذا وقع أذان الصبح قبل دخول الوقت. فإنه يصح عند ثلاثة من الأئمة، بشرائط خاصة؛ وخالف الحنفية، فانظره تحت الخط (8) ، خامسها: أن تكون كلمات الأذان مرتبة، فلو لم يرتب كلماته، كأن ينطق بكلمة:حي على الفلاح، قبل حي على الصلاة، فإنه يلزمه إعادة الكلمات التي لم يرتبها، بأن يقول مرة أخرى؛ حي على الصلاة؛ حي على الفلاح، وهكذا، فإن لم يعدها مرتبة بطل أذانه، وهذا الحكم متفق عليه عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) .
    أذان الجوق، ويقال له: الأذان السلطاني
    بقي من شرائط الأذان المتفق عليها أن يأتي به شخص واحد، فلو أذن مؤذن ببعضه، ثم أتمه غيره لم يصح، كما لا يصح إذا تناوبه اثنان أو أكثر، بحيث يأتي كلواحد بجملة غير التي يأتي بها الآخر، وقد يسمي ذلك بعضهم بأذان الجوق، أو الأذان السلطاني، وهو جهل، ومن فعله فقد أبطل سنة الأذان، نعم إذا أتى به اثنان أو أكثر بحيث يعيد كل واحد ما نطق به الآخر بدون تحريف، وبذلك يؤذن كل واحد منهم أذاناً كاملاً فإنه يصح، وتحصل به سنة الأذان، ولكنه بدعة لا ضرورة إليها، وقد تكون غير جائزة إذا قصرت على مقام واحد، وإنما كان جائزاً، لأنه لم يرد في السنة ما يمنعه، والقواعد العامة لا تأباه، لأن أذان اثنين أو أكثر في مكان واحد كأذانهم في عدة أمكنة، ولكن روح التشريع الإسلامي تقضي بالوقوف عند الحد الذي أمر به الدين في العبادات، فما دام ذلك لم يرد في الشريعة الإسلامية بخصوصه، فالأحوط تركه على كل حال.
    شروط المؤذن
    يشترط في المؤذن أن يكون مسلماً، فلا يصح من غيره، وأن يكون عاقلاً، فلا يصح من مجنون، أو سكران؛ أو مغمى عليه، وأن يكون ذكراً، فلا يصح من أنثى أو خنثى، وهذه الشروط متفق عليها ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم مع باقي شروط الأذان عندهم تحت الخط (10) ، ولا يشترط في المؤذن أن يكون بالغاً بل يصح أذان الصبي المميز،سواء أذن بنفسه أو اعتمد في أذانه على مؤذن بالغ باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) ، ولا يشترط أن يكون الأذان ساكن الجمل، فلو قال: حي على الصلاة حي على الصلاة فإنه يصح عند الشافعية، والحنفية؛ أما الحنابلة والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) ، ولكن يسن أن يقف على رأس كل جملة عندها.
    مندوبات الأذان وسنته
    ويندب في الأذان أمور: منها أن يكون المؤذن متطهراً من الحدثين، وأن يكون حسن الصوت مرتفعة، وأن يؤذن بمكان عال، كالمنارة وسقف المسجد، وأن يكون قائماً، إلا لعذر من مرض ونحوه، وأن يكون مستقبل القبلة، إلا لإسماع الناس، فيجوز استدبارها، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (13) .
    ومنها أن يتلفت جهة اليمين في "حي على الصلاة" ووجهة اليسار عند قوله: "حي على الفلاح" بوجهه وعنقه دون صدره وقدميه، محافظة على استقبال القبلة باتفاق ثلاثة من الأئمة. وخالف المالكية فقالوا: لا يندب الالتفاف المذكور، كما خالف الحنابلة في كيفية الالتفاف، فقالوا: يندب أن يلتفت بصدره أيضاً، ولا يضر ذلك في استقبال القبلة ما دام باقي جسمه متجهاً إليها، ومنها الوقوف على رأس كل جملة منه إلا التكبير، فإنه يقف على رأس كل تكبيرتين، وقد عرفت اختلاف المذاهب في هذا الحكم قريباً، فارجع إليها إن شئت.
    __________
    (1) الحنفية قالوا: إذا سبق المأموم إمامه بركن بطلت صلاته، سواء كان عمداً أو سهواً، إن لم بعد ذلك مع الإمام أو بعده، ويسلم معه، أما إن أعاده معه أو بعده وسلم معه فإنها لا تبطل كما سيأتي تفصيل ذلك في "مبحث صلاة الجماعة".
    الشافعية قالوا: لا تبطل صلاة المأموم إلا بتقددمة عن الإمام بركنين فعليين بغير عذر، كسهو مثلاً، وكذا لو تخلف عنه بهما عمداً من غير عذر، كبطء قراءة، كما سيأتي في "باب الجماعة"
    (2) الحنفية قالوا: إذا وجد المتيمم وهو في الصلاة ماءً قدر على استعماله، فإن كان ذلك قبل القعود الأخير قدر التشهد بطلت صلاته، وإلا فلا تبطل، لأن الصلاة تكون قد تمت.
    الشافعية قالوا: إن وجد المتيمم ماء أثناء صلاته فلا تبطل. إلا إذا كان في صلاة لا تغنيه عن القضاء، كما تقدم تفصيله في التيمم.
    المالكية قالوا: إن وجد المتيمم ماءً أثناء صلاته فلا تبطل، إلا إذا كان ناسياً له، بأن كان معه ماء من قبل فنسيه وتيمم، ثم دخل الصلاة، وفي أثنائها تذكره فتبطل الصلاة حينئذ بشرط أن يتسع الوقت لإدراك ركعة من الصلاة بعد استعماله.
    الحنابلة قالوا: إذا وجد المتيمم الماء أثناء الصلاة، وكان قادراً على استعماله، بطلت صلاته بلا تفصيل
    (3) المالكية قالوا: إذا وجد العاري ما يستتر به أثناء الصلاة فإن كان قريباً منه بأن كان بينه وبينه نحو صفين من صفوف الصلاة سوى الذي يخرج منه والذي يدخل فيه أخذه واستتر به. فإن لم يفعل أعاد الصلاة في الوقت وإن كان بعيداً، وحدّ البعد الزيادة على ما ذكر كمل الصلاة، ولا يذهب للساتر ليأخذه وأعادها بعد في الوقت فقط.
    الحنفية قالوا: إذا وجد العاري ما يلزمه أن يستتر به أثناء الصلاة بطلت صلاته مطلقاً. فإذا وجد ثوباً نجساً كله لا تبطل صلاته إذا صلى عارياً. بل هو مخير بين أن يصلي فيه أو يصلي عارياً. أما إذا كان ربع الثوب طاهراً، فإنه يلزمه الاستتار به. وتبطل صلاته بوجوده
    (4) المالكية قالوا: إذا ذكر المصلي فائتة أثناء الصلاة، ففإن كانت يسيرة، وهي ما لم تزد على أربع صلوات، فإن ذكرها قبل عقد ركعة بسجدتيها قطع الصلاة وجوباً، سواء كان فذاً أو إماماً، أما المأموم فإنه يقطع إن قطع إمامه تبعاً له، وإلا فلا يقطع، ويعيدها ندباً في الوقت فقط، وإن ذكرها بعد عقد ركعة بسجدتيها ضم إليها ركعة أخرى وسلم، وصارت صلاته نفلاً، فإن ذكرها بعد تمام ركعتين في صلاة المغرب أو ثلاث في صلاة رباعية فإنه لا يقطع الصلاة، بل يتمها، وتقع صحيحة حينئذ، أما إن كانت الفوائت كثيرة فلا يقطع الصلاة على كل حال.
    الشافعية قالوا: ذكر الفائتة غير مبطل للصلاة، سواء كان الترتيب سنة، كما لو فاتت بعذر، أو واجباً، كما لو فاتت بغير عذر
    (5) المالكية قالوا: إن كان مقتديا بقارى، كفاه الاقتداء، وإن كان غير مقتد، وتعلم الفاتحة أثناء الصلاة بنى على ما تقدم من الصلاة بقراءة ما تعلمه
    (6) المالكية قالوا: يكبر مرتين لا أربعاً
    (7) الشافعية قالوا: الأذان سنة كفاية للجماعة، وسنة عين للمنفرد، إذا لم يسمع أذان غيره. فإن سمعه وذهب إليه وصلى مع الجماعة أجزأه، وإن لم يذهب، أو ذهب ولم يصلِّ فإنه لم يجزئه ويسن للصلوات الخمس المفروضة في السفر والحضر ولو كانت فائتة. فلو كان عليه فوائت كثيرة وأراد قضاءها على التوالي يكفيه أن يؤذن أذاناً واحداً للأولى منها: فلا يسن الأذان لصلاة الجنازة، ولا للصلاة المنذورة، ولا للنوافل، ومثل ذلك ما إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء في السفر، فإنه يصليهما بأذان واحد.
    الحنفية قالوا: الأذان سنة مؤكدة على الكفاية لأهل الحي الواحد، وهي كالواجب في لحوق الإثم لتاركها، وإنما يسن في الصلوات الخمس المفروضة في السفر والحضر للمنفرد والجماعة أداء وقضاء إلا أنه لا يكره ترك الأذان لمن يصلي في بيته في المصر، لأن أذان الحي يكفيه كما ذكر، فلا يسن لصلاة الجنازة والعيدين والكسوف والاستسقاء والتراويح والسنن والرواتب؛ أما الوتر فلا يسن الأذان له، وإن كان واجباً، اكتفاء بأذان العشاء على الصحيح.
    المالكية قالوا: الأذان سنة كفاية لجماعة تنتظر أن ي صلي معها غيرها بموضع جرت العادة باجتماع الناس فيه للصلاة، ولكل مسجد، ولو تلاصقت المساجد أو كان بعضها فوق بعض، وإنما يؤذن للفريضة العينية في وقت الاختيار ولو حكماً؛ كالمجموعة؛ تقديماً أو تأخيراً، فلا يؤذن للنافلة، ولا للفائتة، ولا لفرض الكفاية، كالجنازة. ولا في الوقت الضروري، بل يكره في كل ذلك، كما لا يكره الأذان لجماعة لا تنتظر غيرها، وللمنفرد إلا كان بفلاة من الأرض؛ فيندب لهما أن يؤذناً لها، ويجب الأذان كفاية في المصر، وهو البلد الذي تقام فيه الجمعة: فإذا تركه أهل مصر قوتلوا على ذلك.
    الحنابلة قالوا: إن الأذان فرض كفاية في القرى والأمصار للصلوات الخمس الحاضرة على الرجال الأحرار في الحضر دون سفر، فلا يؤذن لصلاة جنازة؛ ولا عيد، ولا نافلة؛ ولا صلاة منذورة، ويسن لقضاء الصلاة الفائتة؛ وللمنفرد سواء كان مقيماً أو مسافراً، وللمسافر ولو جماعة
    (8) الحنفية قالوا: لا يصح الأذان قبل دخول وقت الصبح أيضاً، ويكره تحريماً على الصحيح، وما ورد من جواز الأذان في الصبح قبل دخول الوقت، فمحمول على التسبيح لإيقاظ النائمين.
    الحنابلة قالوا: يباح الأذان في الصبح من نصف الليل، لأن وقت العشاء المختار يخرج بذلك، ولا يستحب لمن يؤذن للفجر قبل دخول وقته أن يقدمه كثيراً، ويستحب له أن يجعل أذانه في وقت واحد في الليالي كلها، ويعتد بذلك الأذان فلا يعاد، إلا في رمضان، فإنه يكره الاقتصار على الأذان قبل الفجر.
    الشافعية قالوا: لا يصح الأذان قبل دخول الوقت؛ ويحرم إن أدى إلى تلبيس على الناس أو قصد به التعبد إلا في أذان الصبح، فإنه لا يصح من نصف الليل: لأنه يسن للصبح أذانان: أحدهما من نصف الليل، وثانيهما بعد طلوع الفجر.
    المالكية قالوا: لا يصح الأذان قبل دخول الوقت؛ ويحرم لما فيه من التلبيس على الناس إلا الصبح، فإنه يندب أن يؤذن له في السدس الأخير من الليل لإيقاظ النائمين، ثم يعاد عند دخول وقته استناناً
    (9) الحنفية قالوا: يصح الأذان الذي لا ترتيب فيه مع الكراهة، وعليه أن يعيد ما لم يرتب فيه
    (10) الحنفية قالوا: الشروط المذكورة في المؤذن ليست شروطاً لصحة الأذان، فيصح أذان المرأة والخنثى والكافر والمجنون والسكران، ويرتفع الإثم عن أهل الحي بوقوعه من أحد هؤلاء، غير أنه لا يصح الاعتماد على خير الكافر والفاسق والمجنون في دخول وقت الصلاة، إذا يشترط في التصديق بدخول الوقت أن يكون المؤذن مسلماً عدلاً، ولو امرأة، وأن يكون عاقلاً مميزاً عالماً بالأوقات، فإذا أذن شخص فاقد لشرط من هذه الشروط صح أذانه في ذاته، ولكن لا يصح الاعتماد عليه في دخول الوقت، ويكره أذانه، كما يكره أذان الجنب والفاسق، ويعاد الأذان ندباً إذا أذن واحد منهم بدل المؤذن الراتب، أما إذا أذن لجماعة عالمين بدخول الوقت ولم يكن بدل المؤذن الراتب، فلا يعاد الأذان، ولا يصح أذان الصبي غير المميز، ولا يرتفع الإثم به، أما أذان المرأة، فإنه يمتنع إن ترتب عليه إثارة شهوة من يسمع صوتها، كما تقدم في مبحث "الجهر بالقراءة
    (11) المالكية قالوا: يشترط في المؤذن أيضاً أن يكون بالغاً، فإذا أذن الصبي المميز فلا يصح أذانه إلا إذا اعتمد فيه أو في دخول الوقت على بالغ. فيصح أن يكون عدل رواية؛ فلا يصح أذان الفاسق. إلا إذا اعتمد على أذان غيره
    (12) الحنابلة قالوا: يشترط في الأذان أيضاً أن يكون ساكن الجمل. فلو أعربه لا يصح إلا التكبير في أوله. فإسكانه مندوب. كما يقول المالكية. ويحرم أن يؤذن غير المؤذن الراتب إلا بإذنه وإن صح إلا أن يخاف فوات وقت التأذين. فإذا حضر الراتب بعد ذلك سن له إعادة الأذان؛ ويشترط أيضاً لصحته أن لا يكون ملحوناً يغير المعنى. كأن يمد همزة الله. أو باء. أكبر. فإن فعل مثل ذلك لم يصح. ورفع الصوت به ركن إلا إذا أذن لحاضر، فرفع صوته بقدر ما يسمعه، ورفع الصوت على هذا الوجه متفق عليه بين الحنابلة والشافعية.
    المالكية قالوا: يشترط أن يقف المؤذن على رأس كل جملة من جمل الأذان. إلا التكبير الأول، فإنه لا يشترط الوقوف عليه، بل يندب فقط، فلو قال: الله أكبر الله أكبر؛ فإنه يصح مع مخالفة المندوب
    (13) المالكية قالوا: يندب للمؤذن أن يدور حال أذانه، ولو أدى إلى استدبار القبلة بجميع بدنه إذا احتاج إلى ذلك لإسماع الناس، ولكنه يبتدئ أذانه مستقبلاً.
    الشافعية قالوا: يسن التوجه للقبلة إذا كانت القرية صغيرة عرفاً، بحيث يسمعون صوته بدون دوران، بخلاف الكبيرة عرفاً، فيسن الدوران، كما يسن استقبال القرية دون القبلة إذا كانت المنارة واقعة في الجهة القبلية من القرية.
    الحنفية قالوا: يسن استقبال القبلة حال الأذان، إلا في المنارة فإنه يسن له أن يدور فيها ليسمع الناس في كل جهة، وكذا إذا أذن وهو راكب، فإنه لا يسن له الاستقبال، بخلاف الماشي.
    الحنابلة قالوا: يسن للمؤذن أن يكون مستقبل القبلة في أذانه كله، ولو أذن على منارة ونحوها

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله


    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 287 الى صــــــــ
    293
    الحلقة (48)

    إجابة المؤذن
    إجابة المؤذن مندوبة لمن يسمع الأذان، ولو كان جنباً، أو كانت حائضاً أو نفساء، فيندب أن يقول مثل ما يقول المؤذن، إلا عند قول "حي على الصلاة"، "حي على الفلاح" فإنه يجيبه فيها بقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا الحكم متفق عليه، إلا أن الحنفية اشترطوا أن لا تكون حائضاً أو نفساء، فإن كانت فلا تندب لها الإجابة، بخلاف باقي الأئمة، والحنابلة اشترطوا أن لا تكون حائضاً أو نفساء، فإن كانت فلا تندب لها الإجابة، بخلاف باقي الأئمة، والحنابلة اشترطوا أن لا يكون قد صلى الفرض الذي يؤذن له، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ، وكذلك يجيبه في أذان الفجر عند قوله: "الصلاة خير من النوم"، يقول: صدقت، وبررت، وإنما تندب الإجابة في الأذان المشروع، أما غير المشروع فلا تطلب فيه الإجابة، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    ولا تطلب الإجابة أيضاً من المشغول بالصلاة، ولو كانت نفلاً، أو صلاة جنازة، بل تكره ولا تبطل بالإجابة إلا إذا أجابه بقول: صدقت، وبررت، أو بقول: "حي على الصلاة، أو الصلاة خير من النوم" فإنها تبطل كذلك، أما لو قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو صدق الله، أو صدق رسول الله، فإنها لا تبطل، ولا تطلب الإجابة من المشغول بقربان أهله، أو قضاء حاجة، لأنهما في حالة تنافي الذكر، وكذلك لا تطلب من سامع خطبة، وهذه الأحكام متفق عليها عند الشافعية والحنابلة؛ أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، بخلاف المعلم والمتعلم؛ فإن الإجابة تطلب منهما، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: لا تطلب من المعلم أو المتعلم للعلم الشرعي، أما القارئ والذاكر فتطلب منهما الإجابة باتفاق. وأما الأكل فتطلب الإجابة منه عند المالكية؛ والحنابلة؛ وقال الشافعية؛ والحنفية: لا تطلب؛ وتطلب الإجابة في الترجيع عند المالكية؛ والشافعية؛ القائلين به إلا أن الشافعية يقولون: يندب أن يجيبه مرتين؛ والمالكية يقولون: يكتفي بالإجابة في أحدها وإذا تعدد المؤذنون وترتبوا، أجاب كل واحد بالقول ندباً.
    هذا، ويندب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الإجابة، ثم يقول: "اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته".

    الأذان للصلاة الفائتة
    يسن أن يؤذن للفائتة برفع الصوت إذا كان يصلي في جماعة، سواء أكان في بيته أم في الصحراء، بخلاف ما إذا كان يصلي في بيته منفرداً، فإنه لا يرفع صوته، أما قضاء الفائتة في المسجد، فإنه لا يؤذن لها مطلقاً، ولو كانت في جماعة، وهذا الحكم متفق عليه إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، وإن كانت عليه فوائت كثيرة، وأراد قضاءها في مجلس واحد أذن للأولى منها، ويخير في باقيها، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية فقد عرفت أن الأذان عندهم مكروه للفائتة على أي حال، والشافعية قالوا: يحرم الأذان لباقي الفوائت إذا قضاها في مجلس واحد، أما لو أراد قضاء كل واحدة في مجلس فإنه يؤذن لها بخصوصها.

    الترسل في الأذان
    الترسل معناه التمهل والتأني، بحيث يفرد المؤذن كل جملة بصوته، على أن الفقهاء لهم تفصيل في معنى الترسل، فانظره تحت الخط (5) ، أما حكم الترسل فقد اتفق الحنفية، والمالكية على أنه سنة، وتركه مكروه، بخلاف الشافعية والحنابلة، فإنهم قالوا: إن الترسل مندوب، وتركه خلاف الأولى، أما معنى الترسل السابق فقد زاد فيه بعض المذاهب قيوداً أخرى، فانظره تحت الخط (6) .

    مكروهات الأذان: أذان الفاسق
    يكره في الأذان أمور؛ منها أذان الفاسق، فلو أذن الفاسق صح مع الكراهة عند الحنفية، والشافعية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) .
    ترك استقبال القبلة في الأذان، وأذان المحدث
    يكره ترك استقبال القبلة حال الأذان إلا للإسماع، كما تقدم، كما يكره أن يكون المؤذن محدثاً أصغر أو أكبر، والكراهة في الأكبر أشد، وهذه الكراهة متفق عليها عند المالكية، والشافعية، أما الحنفية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (8) .

    الأذان لصلاة النساء
    الأذان لصلاة النساء في الأداء والقضاء، مكروه عند ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) .

    الكلام حال الأذان
    يكره الكلام اليسير بغير ما يطلب شرعاً. أما بما يطلب شرعاً كرد السلام، وتشميت العاطس، ففيه خلاف المذاهب
    (10) ، وإنما يكره الكلام حال الأذان ما لم يكن لإنقاذ أعمى
    ونحوه، وإلا وجب، فإن كان يسيراً بنى على ما مضى من أذانه، وإن كان كثيراً استأنف الأذان من أوله، ومنها أن يؤذن قاعداً أو راكباً من غير عذر إلا للمسافر، فلا يكره أذانه وهو راكب، ولو بلا عذر، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند المالكية، فإن أذان الراكب عندهم غير مكروه على المعتمد.

    التغني بالأذان
    التغني والترنم في الأذان بالطريقة المعروفة عند الناس في زماننا هذا لا يقرها الشرع، لأنه عبادة يقصد منها الخشوع لله تعالى، على أن في حكم ذلك تفصيل في المذاهب ذكرناه تحت الخط (11) .
    هذا. ولا يكره أذان الصبي المميز، والأعمى إذا كان معه من يدله على الوقت، عند الحنفية والحنابلة، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الشافعية قالوا: يكره أذان الصبي المميز، كما تقدم.
    المالكية قالوا: متى اعتمد الصبي المميز في أذانه أو في دخول الوقت على بالغ صح أذانه وإلا فلا) .

    الإقامة
    تعريفها وصفتها

    الإقامة هي الإعلام بالقيام إلى الصلاة بذكر مخصوص؛ وألفاظها هي "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة؛ قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله"، وهذه الصفة متفق عليها بين الحنابلة والشافعية، أما الحنفية، والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (12) .
    حكم الإقامة
    الإقامة كالأذان، فحكمها حكمه عند ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (13) .
    شروط الإقامة
    شروط الإقامة كشروط الأذان المتقدمة قريباً. إلا في أمرين: أحدهما: الذكورة، فإنها ليست شرطاً في الإقامة، فتصح إقامة المرأة، بشرط أن تقيم لنفسها، أما إذا كانت تصلي مع رجال فإن إقامتها لهم لا تصح عند الشافعية، والمالكية، أما الحنفية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) .
    ثانيهما: إن الإقامة يشترط اتصالها بالصلاة عرفاً دون الأذان، فلو أقام الصلاة، ثم تكلم بكلام كثير، أو شرب؛ أو أكل، أو نحو ذلك، وصلى بدون إقامة، فإنه يصح، لأنه أتى بسنة الإقامة، وهذا الحكم متفق عليه، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (الحنفية قالوا: لا تعاد الإقامة إلا إذا قطعها عن الصلاة كلام كثير، أو عمل كثير، كالأكل، أما لو أقام المؤذن، ثم صلى الإمام بعد الإقامة ركعتي الفجر، فلا تعاد) .

    وقت قيام المقتدي للصلاة عند الإقامة
    اختلفت المذاهب في وقت قيام المقتدي الذي يسمع إقامة الصلاة، فانظره تحت الخط (15) .
    __________
    الشافعية قالوا: يسن التوجه للقبلة إذا كانت القرية صغيرة عرفاً، بحيث يسمعون صوته بدون دوران، بخلاف الكبيرة عرفاً، فيسن الدوران، كما يسن استقبال القرية دون القبلة إذا كانت المنارة واقعة في الجهة القبلية من القرية.
    الحنفية قالوا: يسن استقبال القبلة حال الأذان، إلا في المنارة فإنه يسن له أن يدور فيها ليسمع الناس في كل جهة، وكذا إذا أذن وهو راكب، فإنه لا يسن له الاستقبال، بخلاف الماشي.
    الحنابلة قالوا: يسن للمؤذن أن يكون مستقبل القبلة في أذانه كله، ولو أذن على منارة ونحوها

    (1) الحنابلة قالوا: إنما تندب الإجابة لمن لم يكن قد صلى تلك الصلاة في جماعة، فإن كان كذلك فلا يجيب، لأنه غير مدعو بهذا الأذان.
    الحنفية قالوا: ليس على الحائض أو النفساء إجابة؛ لأنهما ليستا من أهل الإجابة بالفعل؛ فكذا بالقول
    (2) المالكية قالوا: لا يحطي السامع قول المؤذن: "الصلاة خير من النوم"، ولا يبدلها بهذا القول على الراجح، والمندوب في حكاية الأذان عندهم إلى نهاية الشهادتين فقط
    (3) المالكية قالوا: تندب الإجابة للمتنفل، ولكن يجب أن يقول عند: "حي على الصلاة، حي على الفلاح": لا حول ولا قوة إلا بالله؛ إن أراد أن يتم، فإن قالهما كما يقول المؤذن بطلت صلاته إن وقع ذلك عمداً أو جهلاً. وأما المشغول بصلاة الفرض، ولو كان فرضه منذوراً فتكره له حكاية الأذان في الصلاة، ويندب له أن يحكيه بعد الفراغ منه.
    الحنفية قالوا: إذا أجاب المصلي مؤذناً فسدت صلاته، سواء قصد الإجابة أو لم يقصد شيئاً. أما إذا قصدر الثناء على الله ورسوله فلا تبطل صلاته ولا فرق بين النفل والفرض

    (4) المالكية قالوا: يكره الأذان للفائتة مطلقاً، سواء كان المصلي في بيته، أو في الصحراء، وسواء كان في الجماعة أو منفرداً، بلا فرق بين أن يقضيها في مجلس واحد أو لا، كثيرة كانت أو يسيرة
    (5) الحنفية قالوا: الترسل هو التمهل، بحيث يأتي المؤذن بين كل جملتين بسكتة تسع إجابته فيما نطق به، غير أن هذه السكتة تكون بين كل تكبيرتين لا بين كل تكبيرة وأخرى.
    المالكية قالوا: الترسل هو عدم تمطيط في الأذان؛ وإنما يكون التمطيط مكروهاً ما لم يتفاحش عرفاً، وإلا حرم، وبهذا تعلم أن الخروج بالأذان إلى الأغاني الملحونة في زماننا حرام عند المالكية، وفي هذا من الزجر الشديد لمثل هؤلاء الناس ما لا يخفى
    (6) الشافعية قالوا: الترسل هو التأني، بحيث يفرد كل جملة بصوت، إلا التكبير في أوله وفي آخره، فيجمع كل جملتين في صوت واحد.
    الحنابلة قالوا: إن الترسل هو التمهل والتأني في الأذان

    (7) المالكية قالوا: لا يصح أذان الفاسق، إلا إذا اعتمد على غيره، كما تقدم.
    الحنابلة قالوا: لا يصح أذان الفاسق بحال
    (8) الحنابلة، والحنفية قالوا: يكره أذان الجنب فقط، أما المحدث حدثاً أصغر فلا يكره أذانه، وزاد الحنفية أن أذان الجنب يعاد ندباً
    (9) الشافعية قالوا: الأذان لصلاة النساء إن وقع من رجل فلا كراهة فيه، وإن وقع من واحدة منهن فهو باطل، ويحرم إن قصدن التشبة بالرجال، أما إذا لم يقصدن ذلك كان أذانهن مجرد ذكر، ولا كراهة فيه إذا خلا عن رفع الصوت

    (10) الحنفية قالوا: يكره الكلام اليسير، ولو برد السلام، وتشميت العاطس، ولا يطلب من المؤذن أن يرد أو يشمت لا في أثناء الأذان ولا بعده؛ ولو في نفسه، فإن وقع من المؤذن كلام في أثنائه أعاده.
    الشافعية قالوا: إن الكلام اليسير برد السلام، وتشميت العاطس ليس مكروهاً، وإنما هو خلاف الأولى، على الراجح، ويجب على المؤذن أن يرد السلام، ويسن له أن يشمت العاطس بعد الفراغ، وإن طال الفصل.
    الحنابلة قالوا: رد السلام وتشميت العاطس مباح، وإن كان لا يجب عليه الرد مطلقاً؛ ويجوز الكلام اليسير عندهم في أثناء الأذان لحاجة غير شرعية، كأن يناديه إنسان فيجيبه.
    المالكية قالوا: الكلام برد السلام وتشميت العاطس مكروه أثناء الأذان ويجب على المؤذن أن يرد السلام، ويشمت العاطس بعد الفراغ منه
    (11) الشافعية قالوا: التغني هو الانتقال من نغم إلى نغم آخر، والسنة أن يستمر المؤذن في أذانه على نغم واحد.
    الحنابلة قالوا: التغني هو الإطراب بالأذان، وهو مكروه عندهم.
    الحنفية قالوا: التغني بالأذان حسن، إلا إذا أدى إلى تغيير الكلمات بزيادة حركة أو حرف، فإنه يحرم فعله، ولا يحل سماعه.
    المالكية قالوا: يكره التطريب في الأذان لمنافاته الخشوع؛ إلا إذا تفاحش عرفاً فإنه يحرم
    (12) الحنفية قالوا: إن تكبيرات الإقامة أربع في أولها، واثنتان في آخرها، وباقي ما ذكر في ألفاظها يذكر مرتين، ونصها هكذا: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر؛ أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله"

    (13) المالكية قالوا: إن حكم الإقامة ليس كحكم الأذان المتقدم، بل هي سنة عين لذكر بالغ، وسنة كفاية لجماعة الذكورة البالغين، ومندوبة عيناً لصبي وامرأة، إلا إذا كانا مع ذكر بالغ فأكثر، فلا تندب لهما اكتفاء بإقامة الذكر البالغ
    (14) الحنفية قالوا: إن الشروط المذكورة شروط كمال لا شروط صحةن كما تقدم، فيكره أن يتخلف منها شرط، والإقامة مثل الأذان في ذلك، إلا أنه يعاد الأذان ندباً عند فقد شيء منها، ولا تعاد الإقامة، ومن هذا تعلم أن المرأة إذا أقامت الصلاة لرجال، فإن إقامتها تصح مع الكراهة.
    الحنابلة قالوا: إن الذكورة شرط في الإقامة أيضاً، فلا تطلب من المرأة، كما لا يطلب منها الأذان

    (15) المالكية قالوا: يجوز لمن يريد الصلاة غير المقيم أن يقوم للصلاة حال الإقامة أو بعدها بقدر ما يستطيع، ولا يحد ذلك بزمن معين، أما المقيم فيقوم من ابتدائها.
    الشافعية قالوا: يسن أن يكون قيامه للصلاة عقب فراغ المقيم من الإقامة.
    الحنابلة قالوا: يسن أن يقوم عند قول المقيم: قد قامت الصلاة، إذا رأى الإمام قد قام، وإلا تأخر حتى يقوم.
    الحنفية قالوا: يقوم عند قول المقيم: "حي على الفلاح"

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 293 الى صــــــــ
    300
    الحلقة (49)

    سنن الإقامة ومندوباتها
    سنن الإقامة كسنن الأذان المتقدمة، إلا في أمور: منها أنه يسن أن يكون الأذان بموضع مرتفع دون الإقامة باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ ومنها أن يندب الترجيع في الأذان دون الإقامة عند من يقول بالترجيع، وهم المالكية، والشافعية، أما الحنابلة، والحنفية، فقالوا: لا ترجيع لا في الأذان ولا في الإقامة؛ ومنها أنه يسن في الأذان التأني، ويسن في الإقامة الإسراع باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ؛ ومنها أنه يسن أن يضع المؤذن طرفي إصبعيه المسبحة في صماخ أذنيه باتفاق الحنابلة، والشافعيةن وخالف المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .

    الأذان لقضاء الفوائت
    يسن في قضاء الفوائت الأذان للأولى فقط، بخلاف الإقامة، فإنها تسن لكل فائتة، عند ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، ثم إن الإقامة مطلوبة للرجل والمرأة، بخلاف الأذان، فإنه لا يطلب من المرأة عند ثلاثة، وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .
    هذا ويزاد في الإقامة بعد فلاحها "قد قامت الصلاة" كما تقدم في نصها.

    الفصل بين الأذان والإقامة
    أولاً: يسن للمؤذن أن يجلس بين الأذان والإقامة بقدر ما يحضر الملازمون للصلاة في المسجد مع المحافظة على وقت الفضيلة، إلا في صلاة المغرب، فإنه لا يؤخرها، وإنما يفصل بين الأذان والإقامة فيها بفاصل يسير كقراءة ثلاث آيات، وهذا الحكم عند الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) .

    أخذ الأجرة على الأذان ونحوه
    ثانياً: يجوز أخذ الأجرة على الأذان ونحوه، كالإمامة والتدريس باتفاق الحنفية، والشافعية؛ وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) .

    الأذان في أذن المولود، والمصروع ووقت الحريق، والحرب، ونحو ذلك

    يندب الأذان في أذن المولود اليمنى عند ولادته، كما تندب الإقامة في اليسرى، وكذا يندب الأذان وقت الحريق، ووقت الحرب، وخلف المسافر. وفي أذن المهموم والمصروع.
    الصلاة على النبي قبل الأذان والتسابيح قبله بالليل
    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقبه مشروعة بلا خلاف، سواء كانت من المؤذن أو من غيره، لما رواه مسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فقوله: "ثم صلوا عليّ" عام يشمل المؤذن وغيره من السامعين، ولم ينص الحديث على أن تكون الصلاة سراً، فإذا رفع المؤذن صوته بالصلاة بتذكير الناس بهذا الحديث، ليصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم حسناً، إنما الذي يجب الالتفات إليه هو الخروج بالصلاة والسلام عن معنى التعبد إلى التغني، والإتيان بأناشيد تقتضي الانسلاخ من التعبد إلى التطريب، كما يفعله بعض المؤذنين في زماننا، فإن ذلك من أسوأ البدع التي ينبغي تركها، وقد صرح الشافعية، والحنابلة بأنها سنة، ولعلهم أرادوا المعنى الذي ذكرناه.
    أما التسابيح والاستغاثات بالليل قبل الأذان فمنهم من قال: إنها لا تجوز، لأن فيها إيذاء للنائمين الذين لم يكلفهم الله، ومنهم من قال: إنها تجوز لما فيه من التنبيه، فهي وإن لم تكن عليها ضرر شرعي، والأولى تركها، إلا إذا كان الغرض منها إيقاظ الناس في رمضان، لأن في ذلك منفعة لهم.
    مباحث صلاة التطوع
    تعريفها، وأقسامها

    صلاة التطوع هي ما يطلب فعله من المكلف زيادة على المكتوبة طلباً غير جازم، وهي إما أن تكون غير تابعة للصلاة المكتوبة، كصلاة الاستسقاء والكسوف والخسوف والتراويح؛ وسيأتي لكل منها فصل خاص، وإما أن تكون تابعة للصلاة المكتوبة، كالنوافل القبلية والبعدية فأما التابعة للصلاة المكتوبة فمنها ما هو مسنون وما هو مندوب، وما هو رغيبة، وغير ذلك مما هو مفصل في المذاهب تحت الخط (8) .
    الذكر الوارد عقب الصلاة وختم الصلاة
    وردت الشريعة بأذكار خاصة تقال بعد الفراغ من كل صلاة مكتوبة، ومنها أن يقول: سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين، ويقول: الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، ويقول: الله أكبر، ثلاثاً وثلاثين عقب كل صلاة مفروضة من صبح وظهر ... الخ. ومنها غير ذلك، مما ستعرفه، وهل يسن أن يقول هذه الأذكار قبل صلاة النافلة بدون فاصل، أو يقولها بعد صلاة النافلة؟ فإذا صلى الظهر مثلاً، ثم فرغ منه يشرع في قراءة الذكر، أو يصلي سنة الظهر، ثم يشرع في ختم الصلاة بالذكر، في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (8) .
    __________

    (1) الحنابلة قالوا:
    يسن أن تكون الإقامة بموضع عال كالأذان، إلا أن يشق ذلك
    (2) المالكية قالوا: إن التأني المتقدم تفسيره في الأذان مطلوب في الإقامة أيضاً
    (3) الحنفية قالوا: إن هذا مندوب في الأذان دون الإقامة، فالأحسن الإتيان به، ولو تركه لم يكره.
    المالكية قالوا: وضع الأصبعين في الأذنين للإسماع في الأذان دون الإقامة جائز لا سنة

    (4) المالكية قالوا: يكره الأذان للفوائت مطلقاً، بخلاف الإقامة، فإنها تطلب لكل فائتة، على التفصيل السابق
    (5) الحنابلة قالوا: لا تطلب الإقامة من المرأة أيضاً، بل تكره كما يكره أذانها
    (6) المالكية قالوا: الأفضل للجماعة التي تنتظر غيرها تقديم الصلاة أول الوقت بعد صلاة النوافل القبلية إلا الظهر، فالأفضل تأخيرها لربع القامة، ويزاد على ذلك عند اشتداد الحر، فيندب التأخير إلى وسط الوقت، وأما الجماعة التي لا تنتظر غيرها والفذ فالأفضل لهم تقديم الصلاة أو الوقت مطلقاً بعد النوافل القبلية، إن كان للصلاة نوافل قبلية.
    الحنابلة قالوا: يجلس المؤذن بين الأذان والإقامة بقدر ما يفرغ قاضي الحاجة من حاجته والمتوضئ من وضوئه، وصلاة ركعتين، إلا في صلاة المغرب، فإنه يندب أن يفصل بين الأذان والإقامة بجلسة خفيفة عرفاً

    (7) المالكية قالوا: يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة، وعلى الإمامة إن كانت تبعاً للأذان أو للإقامة، وأما أخذ الأجرة عليها استقلالاً فمكروه إن كانت الأجرة من المصلين، وأما إن كانت من الوقف، أو بيت المال فلا تكره.
    الحنابلة قالوا: يحرم أخذ الأجرة على الأذان والإقامة إن وجد متطوع بهما، وإلا رزق ولي الأمر من يقوم لهما من بيت مال المسلمين لحاجة المسلمين إليهما
    (8) الحنابلة قالوا: تنقسم صلاة التطوع التابعة للصلاة المكتوبة إلى قسمين: راتبة، وغير راتبة؛ فالراتبة عشر ركعات، وهي ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: "حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، وسردها" وهي سنة مؤكدة بحيث إذا فاتته قضاها إلا ما فات منهما مع الفرائض وكثر، فتركه أولى، دفعاً للحرج، ويستثنى من ذلك سنة الفجر، فإنها تقضي ولو كثرت، وإذا صلى السنة القبلية للفرض بعده كانت قضاء، ولو لم يخرج الوقت، وغير الرواتب عشرون، وهي: اربع ركعات قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها، وأربع قبل صلاة العصر؛ وأربع بعد صلاة المغرب، وأربع بعد صلاة العشاء، ويباح أن يصلي ركعتين بعد أذان المغرب، وقبل صلاتها، لحديث أنس: كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس، فسئل أنس أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها؟ قال: كان يرانا نصليها، فلم يأمرنا ولم ينهنا، ويباح أن يصلي ركعتين من جلوس بعد الوتر، والأفضل أن يصلي الرواتب والوتر، وما لا تشرع له الجماعة من الصلوات في بيته، ويسن أن يفصل بين كل فرض وسنته بقيام أو كلام، وللجمعة سنة راتبة بعدها وأقلها ركعتان، وأكثرها ست، ويسن أن يصلي قبلها أربع ركعات؛ وهي غير راتبة: لأن الجمعة ليس لها راتبة قبلية.
    الحنفية قالوا: تنقسم النافلة التابعة للفرض إلى مسنونة ومندوبة، فأما المسنونة فهي خمس صلوات: إحداها: ركعتان قبل صلاة الصبح، وهما أقوى السنن، فلهذا لا يجوز أن يؤديهما قاعداً أو راكباً بدون عذر، ووقتهما وقت صلاة الصبح، فإن خرج وقتهما لا يقضيان إلا تبعاً للفرض، فلو نام حتى طلعت عليه الشمس قضاهما أولاً، ثم قضى الصبح بعدهما، ويمتد وقت قضائهما إلى الزوال، فلا يجوز قضاءهما بعده، أما إذا خرج وقتهما وحدهما بأن صلى الفرض وحده فلا يقضيان بعد ذلك،لا قبل طلوع الشمس، ولا بعده؛ ومن السنة فيهما أن يصليهما في بيته في أول الوقت، وأن يقرأ في أولاهما سورة "الكافرون" وفي الثانية "الإخلاص"، وإذا قامت الجماعة لصلاة الصبح قبل أن يصليهما فإن أمكنه إدراكها بعد صلاتهما فعل، وإلا تركهما وأدرك الجماعة، ولا يقضيهما بعد ذلك كما سبق، ولا يجوز له أن يصلي أية نافلة إذا أقيمت الصلاة سوى ركعتي الفجر، ثانيتها: أربع ركعات قبل صلاة الظهر بتسليمة واحدة؛ وهذه السنة آكد السنن بعد سنة الفجر؛ ثالثتها: ركعتان بعد صلاة الظهر، وهذا في غير يوم الجمعة، أما فيه فيسن أن يصلي بعدها أربعاً، كما يسن أن يصلي قبلها أربعاً، رابعتها: ركعتان بعد المغرب، خامستها: ركعتان بعد العشاء، وأما المندوبة فهي أربع صلوات: إحداها: أربع ركعات قبل صلاة العصر، وإن شار ركعتين، ثانيتها: ست ركعات بعد صلاة المغرب، ثالثتها أربع ركعات قبل صلاة العشاء، رابعتها: أربع ركعات بعد صلاة العشاء؛ لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العشاء أربعاً، ثم يصلي بعدها أربعاً، ثم يضطجع وللمصلي أن يتنفل عدا ذلك بما شاء، والسنة في ذلك أن يسلم على رأس كل أربع في نفل النهار في غير أوقات الكراهة، فلو سلم على رأس ركعتين لم يكن محصلاً
    للسنة، وأما في المغرب فله أن يصليها كلها بتسليمة بين الفرض والسنة البعدية بقوله: "اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، أو بأي ذكر وارد في ذلك.
    الشافعية قالوا: النوافل التابعة للفرائض قسمان: مؤكد، وغير مؤكد، أما المؤكد فهو ركعتا الفجر، ووقتهما وقت صلاة الصبح، وهو من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ويسن تقديمها على صلاة الصبح إن لم يخف فوات وقت الصبح أو فوات صلاته في جماعة، فإن خاف ذلك قدم الصبح، وصلى ركعتي الفجر بعده بلا كراهة، وإذا طلعت الشمس، ولم يصل الفجر صلاهما قضاء، ويسن أن يقرأ فيها بعد الفاتحة آية {قولوا آمنا بالله} إلى قوله تعالى: {ونحن له مسلمون} في الركعة الأولى، في سورة البقرة، وفي الركعة الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} إلى {مسلمون} ، في سورة آل عمران، ويسن أن يفصل بينهما وبين صلاة الصبح بضجعة أو تحول أو كلام غير دنيوي، ومن المؤكد ركعتان قبل الظهر أو الجمعة؛ وركعتان بعد الظهر أو الجمعة، وإنما تسن ركعتان بعد الجمعة إذا لم يصل الظهر بعدها، وغلا فلا تسن لقيام سنة الظهر مقامها، وركعتان بعد صلاة المغرب، وتسن في الركعة الأولى قراءة "الكافرون" وفي الثانية "الإخلاص" وركعتان بعد صلاة العشاء، والصلوات المذكورة تسمى رواتب، وما كان منها قبل الفرض يسمى راتبة قبلية، وما كان منها بعد الفرض يسمى راتبة بعدية، ومن المؤكد الوتر وأقله ركعة واحدة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات وأعلاه إحدى عشرة ركعة، والأفضل أن يسلم من كل ركعتين، ووقته بعد صلاة العشاء.
    ولو كانت مجموعة مع المغرب جمع تقديم، ويمتد وقته لطلوع الفجر، ثم يكون بعد ذلك قضاء، وغير المؤكد اثنتا عشرة ركعة، ركعتان قبل الظهر، سوى ما تقدم، وركعتان بعدها كذلك، والجمعة كالظهر وأربع قبل العصر، وركعتان قبل المغرب، ويسن تخفيفهما وفعلهما بعد إجابة المؤذن، لحديث "بين كل أذانين صلاة" والمراد الأذان والإقامة، وركعتان قبل العشاء.
    المالكية قالوا: النوافل التابعة للفرائض قسمان: رواتب وغيرها، أما الرواتب فهي النافلة قبل صلاة الظهر، وبعد دخول وقتها، وبعد صلاة الظهر، وقبل صلاة العصر، وبعد دخول وقتها، وبعد صلاة المغرب، وليس في هذه النوافل كلها تحديد بعدد معين، ولكن الأفضل فيها ما وردت الأحاديث بفضله، وهو أربع قبل صلاة الظهر، وأربع بعدها وأربع قبل صلاة العصر، وست بعد صلاة المغرب؛ وحكم هذه النوافل أنها مندوبة ندباً أكيداً: وأما المغرب فيكره التنفل قبلها لضيق وقتها، وأما العشاء فلم يرد في التنفل قبلها نصر صريح من الشارع، نعم يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة" أنه يستحب التنفل قبلها، والمراد بالأذانين في الحديث الأذان والإقامة "وأما غير الرواتب فهي صلاة الفجر وهي ركعتان، وحكمها أنها رغيبة، والرغيبة ما كان فوق المستحب، ودون السنة في التأكد، ووقتها من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، ثم تكون قضاء بعد ذلك إلى زوال الشمس، ومتى جاء الزوال فلا تقضى، ومحلها قبل صلاة الصبح، فإن صلى الصبح قبلها كره فعلها إلى أن يجيء وقت حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس بعد طلوعها قدر رمح من رماح العرب، وهو طول اثني عشر شبراً بالشبر المتوسط، فإذا جاء وقت حل النافلة فعلها، نعم إذا طلعت الشمس، ولم يكن صلى الصبح، فإنه يصلي الصبح أولاً على المعتمد.
    ويندب أن يقرأ في ركعتي الفجر بفاتحة الكتاب فقط لا يزيد سورة بعدها، وإن كانت الفاتحة فرضاً كما تقدم، ومن غير الرواتب الشفع، وأقله ركعتان وأكثره لا حد له، ويكون بعد صلاة العشاء، وقبل صلاة الوتر، وحكم الشفع الندب، ومنها الوتر وهو سنة مؤكذة آكد السنن بعد ركعتي الطواف، ووقته بعد صلاة العشاء المؤداة بعد مغيب الشفق للفجر، وهذا هو وقت الاختيار، ووقته الضروري من طلوع الفجر إلى تمام صلاة الصبح، ويكره تأخيره لوقت الضرورة بلا عذر، وإذا تذكر الوتر في صلاة الصبح ندب له قطع الصلاة ليصلي الوتر إلا إذا كان مأموماً، فيجوز له القطع ما لم يخف خروج وقت الصبح. ويندب أن يقرأ في الشفع سورة الأعلى في الركعة الأولى، وسورة "الكافرون" في الثانية، وفي الوتر سورة الإخلاص، والمعوذتين، والسنة في النفل كله أن يسلم من ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى" وحملت نافلة النهار على نافلة الليل، لأنه لا فارق
    (9) الحنفية قالوا: يكره تنزيهاً أن يفصل بين الصلاة والسنة إلا بمقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" وأما ما ورد من الأحاديث في الأذكار فإنه لا ينافي ذلك، لأن السنن من لواحق الفرائض، فليست بأجنبية عنها: ويستحب أن يستغفر بعد السنن ثلاثاً ويقرأ آية الكرسي والمعوذتين، ويسبح، ويحمد ويكبر في كل ثلاثاً وثلاثين، ويهلل تمام المائة، بأن يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ثم يقلو: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد؛ ويدعو ويختم بقول: سبحان ربك رب العزة عما يصفون.
    المالكية قالوا: الأفضل في الراتبة التي تصلى بعد الصلاة المكتوبة أن تكون بعد الذكر الوارد بعد صلاة الفريضة، كقراءة "آية الكرسي"، وسورة "الإخلاص"؛ والتسبيح، والتحميد، والتكبير كل منها ثلاث وثلاثون مرة. ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
    الشافعية قالوا: يسن أن يفصل بين المكتوبة والسنة بالأذكار الواردة، فيستغفر الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام. تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ويسبح الله ثلاثاً وثلاثين. ويحمده ثلاثاً وثلاثين. ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول بعد ذلك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
    الحنابلة قالوا: يأتي بالذكر الوارد عقب الصلاة المكتوبة قبل أداء السنن فيقول: أستغفر الله؛ ثلاث مرات، ثم يقول: الله أنت السلام ومنك وإليك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام؛ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا غياه له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، ويسبح، ويحمد، ويكبر ثلاثاً وثلاثين. والأفضل أن يفرغ منهن معاً، بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، وتمام المائة لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 301 الى صــــــــ
    312
    الحلقة (50)

    التنفل في المكان الذي صلى فيه مع جماعة
    إذا صلى الفرض في جماعة، وأراد أن يصلي النافلة، فهل يصليها في المكان الذي صلى فيه الفرض مع الجماعة، أو ينتقل منه إلى مكان آخر؟ في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .

    صلاة الضحى وتحية المسجد
    صلاة الضحى سنة عند ثلاثة من الآئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح، إلى زوالها، والأفضل أن يبداها بعد ربع النهار، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) وأقلها ركعتان، وأكثرها ثمان، فإن زاد على ذلك عامداً عالماً بنية الضحى، لم ينعقد ما زاد على الثمان، فإن كان ناسياً أو جاهلاً انعقد نفلاً مطلقاً عند الشافعية، والحنابلة، أما المالكية، والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ويسن قضاؤها إذا خرج وقتها عند الشافعية. والحنابلة. وانظر مذهب المالكية. والحنفية تحت الخط (5) .

    تحية المسجد
    إذا دخل المصلي مسجداً، فإنه يسن له أن يصلي ركعتين بنية تحية المسجد، وله أن يزيد ما شاء بهذه النية باتفاق الشافعية، والحنابلة. أما الحنفية. والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ويشترط لتحية المسجد شروط: أحدها: أن يدخل المسجد في غير الأوقات التي نهي عن صلاة النفل فيها، كوقت طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر، وسيأتي بيان هذه الأوقات في مبحث خاص. ولا يشترط أن يقصد المكث في المسجد؛ فلو دخل المسجد بنية المرور منه إلى جهة أخرى، فإن تحية المسجد تطلب منه عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (7) ؛ ثانيها: أن يدخل المسجد، وهو متوضئ. فلو دخل المسجد وهو محدث، فإن تحية المسجد لم تطلب منه باتفاق ثلاثة من الأئمة وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) : ثالثها: أن لا يصادف دخوله إقامة صلاة الجماعة، فإذا دخل ووجد الإمام يصلي بجماعة فإنه لا يصلي تحية المسجد باتفاق ثلاثة من الأئمة. وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) : رابعها: أن لا يدخل المسجد عقب خروج الخطيب للخطبة يوم الجمعة، والعيدين، ونحوهما، فإن دخل في ذلك الوقت فلا يصليها عند المالكية، والحنفية؛ أما الشافعية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (10) ، ويستثنى من المساجد المسجد الحرام لحدث بمكة، فإن لتحيته أحكاماً خاصة مفصلة في المذاهب
    (11) ، وإذا لم يتمكن من تحية المسجد لحدث أو غيره، فإنه يندب له أن يقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر أربع مرات، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنابلة: لا يندب له أن يقول ذلك.
    هذا. وينوب عن تحية المسجد مطلق يصليها ذات ركوع وسجود عند دخوله. فمن صلى فائتة كانت عليه بدخوله المسجد. فإن تحية المسجد تؤدي بها ضمناً، بشرط أن ينويها وقال الحنفية والشافعية: يحصل له ثوابها إن لم ينوها. أما إذا نوى عدم صلاة تحية المسجد فإنها تسقط عنه، ولا يحصل له ثوابها.
    هذا ولا تسقط تحية المسجد بالجلوس قبل فعلها وإن كان مكروهاً باتفاق الحنفية،صلاة ركعتين عقب الوضوء وعند الخروج للسفر، أو القدوم منه
    تندب صلاة ركعتين عقب الطهارة وتندب صلاة ركعتين عند الخروج للسفر، وركعتين عند القدوم منه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفراً"، رواه الطبراني، ولما روى كعب بن مالك، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقدم من السفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين. ثم جلس فيه، رواه مسلم.

    التهجد بالليل وركعتا الاستخارة
    يندب أيضا التهجد بالليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة" رواه الطبراني مرفوعاً، وهو أفضل من صلاة النهار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل صلاة بعد الفريضة صلاة الليل، رواه مسلم، ومن المندوب أيضاً ركعتا الاستخارة، لما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة امري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري، وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، قال: ويسمي حاجته" رواه أصحاب السنن، إلا مسلماً.

    صلاة قضاء الحوائج
    يندب لمن كانت له حاجة مشروعة أن يصلي ركعتين، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له عند الله حاجة، أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضأ، ويحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين، ثم ليثن على الله تعالى، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل برْ، والسلامة من كل إثم، لا تدع لي ذنباً غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لي رضاً إلا قضيتها يا أرحم الراحمين" أخرجه الترمذي عن عبد الله بن أبي أوفى.

    صلاة الوتر، وصيغة القنوت الواردة فيه، وفي غيره من الصلوات
    اتفق ثلاثة من الأئمة على أن صلاة الوتر سنة، وقال الحنفية: إن الوتر واجب، وقد عرفت أن الواجب عندهم أقل من الفرض، وكما عرفت أن التحقيق عندهم هو أن ترك الواجب لا يوجب العقوبة الأخروية، كما يوجبها ترك الفرض القطعي وإنما يوجب الحرمان من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكفى بذلك عقوبة عند المؤمنين الذين يرجون شفاعة المصطفى، وقد ذكرنا أحكام الوتر عند كل مذهب تحت الخط (12) .
    صلاة التراويح: حكمها، ووقتها
    هي سنة عين مؤكدة للرجال والنساء عند ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، وتسن فيها الجماعة عيناً، بحيث لو صلتها جماعة، لا تسقط الجماعة عن الباقين، فلو صلى الرجل في منزله صلاة التراويح فإنه يسن له أن يصلي بمن في داره جماعة، فلو صلاها وحده فقد فاته ثواب سنة الجماعة، وهذا الحكم متفق عليه عند الشافعية والحنابلة؛ أما المالكية والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) وقد ثبت كونها سنة في جماعة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الشيخان "أنه صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل ليالي من رمضا، وهي ثلاث متفرقة: ليلة الثالث، والخامس، والسابع والعشري، وصلى في المسجد، وصلى الناس بصلاته فيها، كان يصلي بهم ثمان ركعات، ويكملون باقيها في بيوتهم، فكان يسمع له أزيز كأزيز النحل، ومن هذا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم سن لهم التراويح، والجماعة فيها، ولكنه لم يصل بهم عشرين ركعة، كما جرى عليه العمل من عهد الصحابة، ومن بعدهم إلى الآنن ولم يخرج إليهم بعد ذلك، خشية أن تفرض عليهم، كما صرح به في بعض الروايات، ويتبين أيضاً أن عددها ليس مقصوراً على الثمان ركعات التي صلاها بهم، بدليل أنهم كانوا يكملونها في بيوتهم، وقد بين فعل عمر رضي الله عنه أن عددها عشرون، حيث أنه جمع الناس أخيراً على هذا العدد في المسجد، ووافقه الصحابة على ذلك؛ ولم يوجد لهم مخالف ممن بعدهم من الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ" رواه أبو داود وقد سئل أو حنيفة عما فعله عمر رضي الله عنهما، فقال التراويح سنة مؤكدة، ولم يتخرجه عمر من تلقاء نفسه، ولم يكن فيه مبتدعاً، ولم يأمر به إلا عن أصل لديه، وعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم زيد فيها في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهن فجعلت ستاً وثلاثين ركعة، ولكن كان القصد من هذه الزيادة مساواة أهل مكة في الفضل، لأنهم كانوا يطوفون بالبيت بعد كل أربع ركعات مرة، فرأى رضي الله عنه أن يصلي بدل كل طواف أربع ركعات، وهذا دليل على صحة اجتهاد العلماء في الزيادة على ما ورد من عبادة مشروعة، إذ مما لا ريب فيه أن للإنسان أن يصلي من النافلة ما استطاع بالليل والنهار، إلا في الأوقات التي ورد النهي عن الصلاة فيها؛ أما كونه يسمي ما يصليه زيادة على الوارد تراويح أولاً، فلذلك يرجع إلى الإطلاق اللفظي، والأولى أن يقتصر في التسمية على ما أقره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المجتهدون. وقد ثبت أن صلاة التراويح عشرون ركعة سوى الوتر (15) ، أما وقتها فهو من بعد صلات العشاء، ولو مجموعة جمع تقديم مع المغرب عند من يقول بجواز الجمع للمسافر سفر قصر ونحوه بالشرائط الآتية في مبحث "الجمع بين الصلاتين تقديماً وتأخيراً" إلا عند المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (16) ، وينتهي بطلوع الفجر، وتصح قبل الوتر وبعده وبدون كراهية، ولكن الأفضل أن تكون قبله، باتفاق ثلاثة. وخالف المالكية فقالوا: إن تأخيرها عن الوتر مكروه، فانظر مذهبهم تحت الخط (17) ، فإذا خرج وقتها بطلوع الفجر، فإنه لا تقضى. سواء كانت وحدها أو مع العشاء. باتفاق ثلاثة من الأئمة. وخالف الشافعية. فانظر مذهبهم تحت الخط (18) .

    مندوبات صلاة التراويح
    يندب أن يسلم في آخر كل ركعتين. فلو فعلها بسلام واحد وقعد على رأس كل ركعتين صحت مع الكراهة. إلا عند الشافعية. فانظر مذهبهم في تفصيل المذاهب تحت الخط (19) أما إذا لم يقعد على رأس كل ركعتين ففيه اختلاف المذاهب؛ فانظره تحت الخط (20) ، ويندب لمن يصلي التراويح أن يجلس بدون صلاة للاستراحة، وفي ذلك الجلوس تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (21) ويجلس بعد كل أربع ركعات للاستراحة. هكذا كان يفعل الصحابة رضوان الله عليهم، ولهذا سميت تراويح.

    حكم قراءة القرآن كله في صلاة التراويح وحكم النية فيها، وما يتعلق بذلك
    تسن قراءة القرآن بتمامه فيها بحيث يختمه آخر ليلة من الشهر، إلا إذا تضرر المقتدون به، فالأفضل أن يراعي حالهم، بشرط أن لا يسرع إسراعاً مخلاً بالصلاة، وهذا متفق عليه، إلا عند المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (22) ، وكل ركعتين منها صلاة مستقلة؛ فينوي في أولها ويدعو بدعاء الافتتاح بعد تكبيرة الإحرام، وقبل القراءة عند من يقول به، أما من لا يقول به، وهم المالكية، فانظر تحت الخط (23) ، ويزيد على التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
    وهكذا، والأفضل أن يصلي من قيام عند القدرة، فإن صلاها من جلوس صحت، وخالف الأولى، ويكره أن يؤخر المقتدي القيام إلى ركوع الإمام، لما فيه من إظهار الكسل في الصلاة؛ والأفضل صلاتها في المسجد، لأن كل ما شرعت فيه الجماعة فعله بالمسجد أفضل، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (24) .
    __________

    (1) الحنفية قالوا: إذا كان يصلي الفرض إماماً فإنه يكره له أن ينتقل من مكانه لصلاة النفل، أما المأموم فإن له أن يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفرض، وله أن ينتقل منه بدون كراهة، ولكن الأحسن للمأموم أن ينتقل من مكانه.
    الشافعية قالوا: يسن لمصلي الفرض أن ينتقل من مكانه بعد الفراغ منه لصلاة النفل. فإذا لم يتيسر له الانتقال لزحام ونحوه فإنه يسن له أن يتكلم بكلمة خارجة عن أعمال الصلاة، كأن يقول: أنهيت صلاة الفريضة، ونحو ذلك، ثم يشرع في صلاة النافلة التي يريدها.
    المالكية قالوا: إذا كان يصلي النوافل الراتبة، وهي السنن المطلوبة بعد الفرائض، فالأفضل صلاتها في المسجد، سواء صلاها في المكان الذي صلى فيه الفريضة أو انتقل إلى مكان آخر، وإذا كان يصلي نافلة غير راتبة، كصلاة الضحى، فالأفضل أن يصليها في منزله، ويستثنى من ذلك الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فإنه يندب لمن كان بالمدينة أن يصلي النافلة في المكان الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمام المحراب الذي بجنب المنبر وسط المسجد، فإنه هو المكان الذي كان يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم.
    الحنابلة قالوا: صلاة السنن الراتبة وغيرها سوى ما تشرع فيه الجماعة فعلها في البيت أفضل على كل حال. فإذا صلاها في المسجد فله أن يصليها في المكان الذي صلى فيه الفرض أو ينتقل منه إلى مكان آخر، على أن الشافعية يوافقون أيضاً على أن صلاة النافلة في البيت أفضل

    (2) المالكية قالوا: إن صلاة الضحى مندوبة ندباً أكيداً وليست سنة
    (3) المالكية قالوا: الأفضل تأخير صلاة الضحى حتى يمضي بعد طلوع الشمس مقدار ما بين دخول وقت العصر، وغروب الشمس
    (4) الحنفية قالوا: أكثرها ست عشرة، وإذا زاد على الأكثر في صلاة الضحى، فإما أن يكون قد نواها كلها بتسليمة واحدة، وفي هذه الحالة يجزئه ما صلاه بنية الضحى؛ وينعقد الزائد نفلاً مطلقاً، إلا أنه يكره له أن يصلي في نفل النهار زيادة على أربع ركعات بتسليمة واحدة، وإما أن يصليها مفصلة اثنتين اثنتين، أو أربعاً، وفي هذه الحالة لا كراهة في الزائد مطلقاً.
    المالكية قالوا: إن زاد على الثمان صح الزائد، ولا يكره على الصواب
    (5) المالكية، والحنفية قالوا: إن جميع النوافل إذا خرج وقتها لا تقضى، إلا ركعتي الفجر فإنهما يقضيان إلى الزوال؛ كما تقدم

    (6) الحنفية قالوا: تحية المسجد ركعتان، أو أربع وهي أفضل من الاثنتين؛ ولا يزيد على ذلك بنية تحية المسجد.
    المالكية قالوا: تحية المسجد ركعتان بدون زيادة. وقال المالكية: إن تحية المسجد مندوبة ندباً أكيداً على الراجح. وبعضهم يقول: إنها سنة. والأمر في ذلك سهل
    (7) المالكية قالوا: لا تطلب تحية المسجد إلا ممن دخل المسجد قاصداً الجلوس فيه: أما من قصد مجرد المرور به فإن تحية المسجد لا تطلب منه
    (8) الشافعية قالوا: إذا دخل محدثاً، وأمكنه التطهر في زمن قريب فإنها تطلب منه. وإلا فلا تطلب
    (9) المالكية قالوا: إن صادف دخلوه إقامة الصلاة للإمام الراتب، فإن تحية المسجد: لا تطلب منه: أما إن صادف دخوله صلاة جماعة بإمام غير راتب: فإنه يجوز له أن يصلي تحية المسجد
    (10) الشافعية، والحنابلة قالوا: إذا دخل المسجد والإمام فوق المنبر سن له تحية المسجد قبل أن يجلس بركعتين خفيفتين: ولا يزيد عليهما. فإن جلس لا يقوم لأدائهما
    (11) المالكية قالوا: من دخل الحرام بمكة، وكان مطالباً بالطواف ولو ندباً، أو قاصداً له فتحيته في الطواف، ومن دخل مكة لمشاهدة البيت مثلاً، ولم يكن مطالباً بالطواف، فلا يخلو إما أن يكون من أهل مكة أولا، فإن كان من أهل مكة فتحيته الركعتان، وإلا فتحيته الطواف.
    الحنفية قالوا: التحقيق أن تحية المسجد الحرام هي الركعتان: ولكن من دخل المسجد الحرام، وكان مطالباً بالطواف، أو قاصداً له، فإنه يقدم الطواف، ويصلي بعد ذلك ركعتي الطواف، وتحصل بهما تحية المسجد.
    الشافعية قالوا: من دخل المسجد الحرام وأراد الطواف طلب منه تحيتان، تحية للبيت وهي الطواف، وتحية للمسجد وهي الصلاة والأفضل أن يبدأ بالطواف، ثم يصلي بعده ركعتي الطواف، وتحصل في ضمنها تحية للمسجد. وله أن يصلي بعد الطواف أربعاً ينوي بالأوليين تحية المسجد، وبالأخريين سنة الطواف، ولا يصح العكس؛ أما إذا دخل المسجد غير مريد الطواف فلا يطلب منه إلا تحية المسجد بالصلاة.
    الحنابلة قالوا: إن تحية المسجد الحرام الطواف، وإن لم يكن قاصداً له
    (12) الحنفية قالوا: الوتر واجب، وهو ثلاث ركعات بتسليمة واحدة في آخرها، ويجب أن يقرأ في كل ركعة منها الفاتحة، وسورة أو ما يماثلها من الآيات. وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة "الأعلى". وفي الثانية سورة "الكافرون" وفي الثالثة "الإخلاص". فإذا فرغ المصلي من القراءة في الركعة الثالثة وجب عليه أنيرفع يديه. ويكبر كما يكبر للافتتاح إلا أنه لا يدعو بدعاء الافتتاح. وهو "سبحانك اللهم وبحمدك. وتبارك اسمك. وتعالى جدك. ولا إله غيرك" بل يقرأ القنوت وهو كل كلام تضمن ثناء على الله تعالى ودعاء، ولكن يسن أن يقنت بما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، ونصه: اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع، وترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق، ثم يصلي على النبي وآله ويسلم"؛ ووقته من غروب الشفق إلى طلوع الفجر، فلو تركه ناسياً أو عامداً وجب عليه قضاءه، وإن طالت المدة، ويجب أن يؤخرة عن صلاة العشاء لوجوب الترتيب، فلو قدمه عليها ناسياً صح، كذا لو صلاهما على الترتيب، ثم ظهر له فساد العشاء دونه، فإنه يصح، ويعيد العشاء وحدها، لأن الترتيب يسقط بمثل هذا العذر، ولا يجوز أن يصليه قاعداً مع القدرة على القيام، كما لا يجوز أن يصليه راكباً من غير عذر، والقنوت واجب فيه.
    ويسن أن يقرأ سراً سواء كان إماماً، أو منفرداً، أو مأموماً، ومن لم يحسن القنوت يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة؛ وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، أو يقول: اللهم اغفر لنا ثلاث مرات، وإذا نسي القنوت، ثم تذكره حال الركوع، فلا يقنت في الركوع، ولا يعود إلى القيام، بل يسجد للسهو بعد السلام، فإن عاد إلى القيام وقنت، ولم يعد الركوع لم تفسد صلاته، وإن ركع قبل قراءة السورة والقنوت سهواً فعليه أن يرفع رأسه لقراءة السورة والقنوت،ويعيد الركوع؛ ثم يسجد للسهو؛ وإذا نسي الفاتحة وقراءة السورة والقنوت وركع فإنه يرفع رأسه؛ ويقرأ الفاتحة والسورة والقنوت؛ ويعيد الركوع؛ فإن لم يعده صحت صلاته؛ ويسجد للسهو على كل حال؛ ولا يقنت في غير الوتر إلا في النوازل، أي شدائد الدهر، فيسن له أن يقنت في الصبح، لا في كل الأوقات، على المعتمد، وأن يكون قنوته بعد الرفع من الركوع، بخلاف الوتر، وإنما يسن قنوت النوازل للإمام لا للمنفرد، وأما المأموم فإنه يتابع إمامه في قراءة القنوت، إلا إذا جهر بالقنوت، فإنه يؤمن، ولم تشرع الجماعة في صلاة الوتر إلا في وتر رمضان، فإنها تستحب، لأنه في حكم النوافل من بعض الوجوه، وإن كان واجباً، أما في غير رمضان فإن الجماعة تكره فيه إن قصد بها دعاء الناس للاجتماع فيه، أما لو اقتدى واحد بآخر، أو اثنان بواحد، أو ثلاثة بواحد، فإنه لا يكره، إذ ليس فيه دعاء للاجتماع.
    الحنابلة قالوا: إن الوتر سنة مؤكدة، وأقله ركعة، ولا يكره الإتيان بها، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وله أن يوتر بثلاث، وهو أقل الكمال، وبخمس، وبسبع، وبتسع، فإن أوتر بإحدى عشرة، فله أن يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة، وهذا أفضل، وله أن يصليها بسلام واحد، إما بتشهدين، أو بتشهد واحد، وذلك بأن يصلي عشراً، ويتشهد، ثم يقوم للحادية عشرة من غير سلام، فيأتي بها، ويتشهد، أو يصلي الإحدى عشراً، ويتشهد، ثم يقوم للحادية عشرة من غير سلام، فيأتي بها ويتشهد، ويسلم، وهذا أفضل، وله أن يصليها بتشهد واحد، بأن يصلي التسعة، ويتشهد ويسلم، وله أن يسلم من كل ركعتين، ويأتي بالتاسعة، ويسلم، وإن أوتر بسبع، أو بخمس، بالأفضل أن يصليه بتشهد واحد، وسلام واحد، وله أن يصليه بتشهدين بأن يجلس بعد السادسة أو الرابعة، ويتشهد، ولا يسلم، ثم يقوم فيأتي بالباقي، ويتشهد، ويسلم، وله أن يسلم من كل ركعتين، وإن أوتر بثلاث أتى بركعتين يقرأ في أولهما سورة "سبح" وفي الثانية سورة "الكافرون"، ثم يسلم، ويأتي بالثالثة، ويقرأ فيها سورة الإخلاص، ويتشهد ويسلم، وله أن يصليها بتشهدين، وسلام واحد: كالمغرب، وهذه الصورة هي أقل الصور فضلاً، ويسن له أن يقنت بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة من الوتر في جميع السنة، بلا فرق بين رمضان وغيره. والأفضل أن يقنت بالوارد، وهو: "اللهم إنا نستعينك، ونستهديك؛ ونستغفرك، ونتوب إليك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك؛ ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، اللهم إياك نعبد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك.
    إن عذابك الجد بالكافرين ملحق": "اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيم عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت وقنا شر ما قضيت، إنك سبحانك تقضي ولا يقضي عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"؛ "اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوط من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ وله أن يصلي على الآل أيضاً، ولا بأس أن يدعو في قنوته بما يشاء غير ما تقدم من الوارد، وإن كان الوارد أفضل، ويسن أن يجهر بالقنوت إن كان إماماً أو منفرداً، أما المأموم فيؤمن جهراً على قنوت إمامه، كما يسن للمنفرد أن يفرد الضمائر المتقدمة في نحو "اهدنا"، ويجمع الإمام الضمير، كاللفظ الوارد، ويسن للمصلي أن يقول بعد سلامه من الوتر: سبحان الملك القدوس ثلاثاً، وأن يرفع صوته بالثالثة منها، ويكره القنوت في غير الوتر، إلا إذا نزل بالمسلمين نازلة غير الطاعون، فيسن للسلطان ونائبه أن يقنت في جميع الصلوات المكتوبة للناس، - إلا الجمعة -، بما يناسب تلك النازلة، أما الطاعون فلا يقنت له، فإذا قنت للنازلة غير السلطان ونائبه لا تبطل صلاته، سواء كان إماماً أو منفرداً، وإذا ائتم بمن يقنت في الفجر تابعه في قنوته، وأمن على دعائه إن كان يسمعه، وإن لم يسمع في هذه الحالة سن له أن يدعو بما شاء، ويجوز للمصلي أن يقنت قبل ركوع الركعة الأخيرة من الوتر، بأن يكبر، ويرفع يديه، ثم يقنت، ثم يركع، ولكن الأفضل أن يكون بعد الرفع من الركوع، كما تقدم، ويسن في حال قنوته أن يرفع يديه إلى صدره مبسوطتين، ويجعل بطونهما جهة السماء، ويمسح وجهه بيديه بعد الفراغ من القنوت، ووقته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر الثاني، والأفضل فعله آخر الليل إن وثق من قيامه فيه، فإن لم
    يثق من ذلك أوتر قبل أن ينام، ويسن له قضاؤه مع شفعه إذا فات، ويسن فعله جماعة في رمضان، ويباح فعله جماعة في غير رمضان.
    الشافعية قالوا: الوتر سنة مؤكدة، وهو آكد السنن وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة، فلو زاد على العدد المذكور عامداً عالماً، لم تنعقد صلاته الزائدة، أما لو زاد جاهلاً أو ناسياً، فلا تبطل صلاته، بل تنعقد نفلاً مطلقاً، والاقتصار على ركعة خلاف الأولى، ويجوز لمن يصلي الوتر أكثر من ركعة واحدة أن يفعله موصولاً، بأن تكون الركعة الأخيرة متصلة بما قبلها، أو مفصولاً بأن لا تكون كذلك، فلو صلى الوتر خمس ركعات مثلاً، جاز له أن يصلي ركعتين بتسليمة، ثم يصلي الثلاثة بعدها بتسليمة، وجاز له أن يفصل، بحيث يصلي الركعة الأخيرة منفصلة عما قبلها. سواء صلى ما قبلها ركعتين ركعتين، أو أربعاً، ولا يجوز له في حالة الوصل أن يأتي بالتشهد أكثر من مرتين، والأفضل أن يصليه مفصولاً، ووقته بعد صلاة العشاء، ولو جمعت جمع تقديم مع المغرب، وينتهي إلى طلوع الفجر الصادق، ويسن تأخيره عن أول الليل لمن يثق بالانتباه آخره، كما يسن تأخيره عن صلاة الليل بحيث يختم به، وتسن فيه الجماعة في شهر رمضان، والقنوت في الركعة الأخيرة منه في النصف الثاني من ذلك الشهر، كما يسن القنوت بعد الرفع من ركوع الثانية في الصبح كل يوم، والقنوت كل كلام يشتمل عن ثناء ودعاء، ولكن يسن أن يكون مما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضي عليك.
    وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت، استغفرك وأتوب إليك، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم"، ويقول هذه الصيغة إذا كان منفرداً، فيخص نفسه بالدعاء، بأن يقول: اهدني،وعافني ... الخ، إلا كلمة ربنا في قوله: تباركت ربنا، فإنه لا يقول فيها، ربي، أما الإمام فيقوله بصيغة الجمع: اهدنا، وعافنا ... الخ، ويسن للإمام أن يجهر بالقنوت، ولو كانت صلاته قضاء، ويسن للمنفرد أن يسر به، ولو كانت صلاته أداء أما المأموم، فإنه يؤمن على دعاء الإمام، وإذا ترك المصلي شيئاً من القنوت يسجد له، ويسن قضاء الوتر إذا فات وقته، وكذا كل نفل مؤقت.
    هذا، ويسن أن يقنت للشدائد في جميع أوقات الصلاة، ويجهر فيه الإمام والمنفرد، ولو كانت الصلاة سرية، والمأموم يؤمن على دعاء الإمام، وإذا فات منه شيء لا يسجد له.
    المالكية قالوا: الوتر سنة مؤكدة، بل هو آكد السنن بعد ركعتي الطواف، والعمرة فآكد السنن على الإطلاق ركعتا الطواف الواجب ثم ركعتا الطواف غير الواجب، ثم العمرة ثم الوتر، وهو ركعة واحدة، ووصلها بالشفع مكروه، ويندب أن يقرأ فيها بعد الفاتحة سورة "الإخلاص - والمعوذتين" ويتأكد الجهر بهما، فإن زاد ركعة أخرى فلا يبطل على الصحيح وإن زاد ركعتين بطل، وله وقتان: وقت اختياري، ووقت ضروري، أما الاختياري فيبتدئ من بعد صلاة العشاء الصحيحة المؤداة بعد مغيب الشفق الأحمر، فإن صلى الوتر بعد العشاء، ثم ظهر له فسادها، أعاد الوتر بعد أن يصلي العشاءمرة أخرى، وإذا جمع العشاء مع المغرب جمع تقديم وذلك للمطر، كما يأتي، أخر الوتر حتى يغيب الشفق، فلا تصح صلاتهقبله، يمتد وقته الاختياري إلى طلوع الفجر الصادق، والضروري من طلوع الفجر إلى تمام صلاة الصبح، فلو تذكر الوتر، وهو في صلاة الصبح ندب له قطعها؛ ليصلي الوتر، سواء كان إماماً، أو منفرداً. ويستخلف الإمام ما لم يخف خروج الوقت.
    أما إذا كان مأموماً فيجوز له القطع، ويجوز له التمادي، ومتى قطع صلاة الصبح للوتر صلى الشفع، ثم الوتر، وأعاد ركعتي الفجر لتتصلا بالصبح، ويكره تأخير الوتر إلى وقت الضرورة بلا عذر، ومتى صلى الصبح، فلا يقضي الوتر، لأن النافلة لا تقضي، إلا ركعتا الفجر، كما تقدم، ولا قنوت في الوتر، وإنما هو مندوب في صلاة الصبح فقط، كماتقدم، ويندب أن يكون قبل الركوع، فإن نسيه حتى ركع، فلا يرجع إليه، بل يؤديه بعد الركوع، وبذلك يحصل ندب الإتيان به ويفوت ندب تقديمه، فهما مندوبان كل واحد منهما مستقل، فإن رجع بطلت صلاته ويجوز مع الكراهة صلاة الوتر جالساً مع القدرة على القيام، على المعتمد، وأما الاضطجاع فيه، فلا يجوز مع القدرة على القعود، وتجوز صلاته على الدابة بالركوع والسجود مطلقاً، وبالإيماء للمسافر سفر قصر، ويكون المصلي مستقبلاً جهة السفر إلى آخر ما سيذكر في صلاة النافلة على الدابة، وتقديم الشفع على الوتر شرط كمال، فيكره فعله من غير أن يتقدمه شفع، ويندب تأخيره إلى آخر الليل لمن عادته الاستيقاظ آخره، ليختم به صلاة الليل.
    عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً" وغذا قدمه عقب صلاة العشاء، ثم استيقظ آخر الليل، وتنفل، كره له أن يعيد الوتر تقديماً، لحديث النهي وهو قوله صلى الله عليه وسلم، "لا وتران في ليلة" على حديث "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً" لأن الحاظر مقدم على المبيح، عند تعارضهما، وإذا استيقظ من النوم، وقد بقي على طلوع الشمس ما يسع ركعتين بعد الطهارة ترك الوتر،وصلى الصبح، وأخر ركعتي الفجر يقضيهما بعد حل النافلة للزوال، وإن بقي على طلوعها ما يسع ثلاث ركعات صلى الوتر والصبح، وترك الشفع، وأخر الفجر، كما تقدم، وأما إذا بقي ما يسع خمس ركعات فإنه يصلي الشفع، والوتر والصبح، ويؤخر الفجر، وإن اتسع الوقت لسبع ركعات صلى الجميع، ولا تطلب الجماعة في الشفع والوتر إلا في رمضان، فتندب الجماعة فيهما، كما تندب التراويح

    (13) المالكية قالوا: هي مندوبة ندباً أكيداً لكل مصل من رجال ونساء
    (14) المالكية قالوا: الجماعة فيها مندوبة.
    الحنفية قالوا: الجماعة فيها سنة كفاية لأهل الحي، فلو قام بها بعضهم سقط الطلب عن الباقين
    (15) المالكية قالوا: عدد التراويح عشرون ركعة سوى الشفع والوتر
    (16) المالكية قالوا: إذا جمعت العشاء مع المغرب جمع تقديم أخرت صلاة التراويح حتى يغيب الشفق، فلو صليت قبل ذلك كانت نفلاً مطلقاً ولم يسقط طلبها
    (17) المالكية قالوا: تصلى التراويح قبل الوتر وبعد العشاء، ويكره تأخيرها عن لوتر، لقوله عليه السلام: "اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً"
    (18) الشافعية قالوا: إن خرج وقتها قضيت مطلقاً
    (19) الحنفية قالوا: إذا صلى أربع ركعات بسلام واحد نابت عن ركعتين اتفاقاً، وإذا صلى أكثر من أربع بسلام واحد اختلف التصحيح فيه، فقيل: ينوب عن شفع من التراويح، وقيل: يفسد.
    الحنابلة قالوا: تصح مع الكراهة، وتحسب عشرين ركعة.
    المالكية قالوا: تصح، وتحسب عشرين ركعة، ويكون تاركاً لسنة التشهد والسلام في كل ركعتين. وذلك مكروه.
    الشافعية قالوا: لا تصح إلا إذا سلم بعد كل ركعتين، فإذا صلاها بسلام واحد لم تصح، سواء قعد على رأس كل ركعتين، أو لم يقعد، فلا بد عندهم من أن يصليها ركعتين ركعتين، ويسلم على رأس كل ركعتين
    (20) الحنفية قالوا: هذا الجلوس مندوب، ويكون بقدر الأربع ركعات، وللمصلي في هذا الجلوس أن يشتمل بذكر أو تهليل أو يسكت.
    المالكية قالوا: إذا أطال القيام فيها ندب له أن يجلس للاستراحة اتباعاً لفعل الصحابة وإلاّ فلا
    (21) الحنابلة قالوا: هذا الجلوس مندوب، ولا يكره تركه، والدعاء فيه خلاف الأولى.
    الشافعية قالوا: يندب هذا الجلوس اتباعاً للسلف، ولم يرد فيه ذكر

    (22) المالكية قالوا: يندب للإمام قراءة القرآن بتمامه في التراويح جميع الشهر، وتركذلك خلاف الأولى، إلا إذا كان لا يحفظ القرآن، ولم يوجد غيره يحفظه، أو يوجد غيره يحفظه، ولكن لا يكون على حالة مرضية بالنسبة للإمامة
    (23) المالكية قالوا: يكره الدعاء بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، وهو المسمى بدعاء الاستفتاح عند غيرهم، وقد تقدم بيانه غير مرة، وهو "سبحانك اللهم وبحمدك ... إلخ"، أو "وجهت وجهي ... " إلخ
    (24) المالكية قالوا: يندب صلاتها في البيت ولو جماعة لأنه أبعد عن الرياء بشروط ثلاثة: أن ينشط بفعلها في بيته، وأن لا يكون بأحد الحرمين المكي والمدني؛ وهو من أهل الآفاق لا من أهل مكة، ولا من أهل المدينة. وأن لا يلزم من فعلها في البيت تعطيل المساجد، وعدم صلاتها فيها رأساً فإن تخلف شرط من هذه الشروط فعلت في المسجد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 313 الى صــــــــ
    322
    الحلقة (51)

    مباحث صلاة العيدين
    يتعلق بصلاة العيدين مباحث: أحدها: حكمها ووقتها؛ ثانيها: دليل مشروعيتها، ثالثها: كيفيتها؛ رابعها: حكم الجماعة فيها وقضاءها إذا فاتت: خامسها: أحكام خطبة العيدين، أركانها، شروطها؛ سادسها: حكم الأذان، وإقامة الصلاة في العيدين؛ سابعها: سنن العيدين ومندوباتهما؛ ثامنها: إحياء ليلة العيدين؛ تاسعها: المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد؛ عاشرها: تكبير التشريق.

    حكم صلاة العيدين، ووقتهما
    في حكم صلاة العيدين ووقتهما تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
    دليل مشروعية صلاة العيدين
    شرعت في السنة الأولى من الهجرة، كما رواه أبو داود عن أنس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد ابدلكما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطرة".

    كيفية صلاة العيدين
    في كيفية صلاة العيدين تفصيل المذاهب، فانظرها تحت الخط (2) .
    حكم الجماعة وقضائها إذا فات وقتها
    وفي حكم الجماعة فيها وقضائها إذا فاتته مع الإمام تفصيل، فانظره تحت الخط (3) .
    سنن العيدين ومندوباتهما
    لصلاة العيدين سنن: منها الخطبتان، وقد تقدم بيانهما؛ وتقدم أن المالكية قالوا: إنهما مندوبتان؛ ومنها أن يندب لمستتمع خطبتي العيدين أن يكبر عند تكبير الخطيب، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يحرم الكلام عندها، ولو بالذكر، عند المالكية، والحنابلة؛ أما الشافعية، فقالوا: إن الكلام مكروه أثناء خطبتي العيدين والجمعة ولو بالذكر، وأما الحنفية قالوا: لا يكره الكلام بالذكر أثناء خطبتي الجمعة والعيدين، في الأصح ويحرم بما عداه.
    ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر، وصلاة، وتلاوة قرآن، ونحو ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا ليلة الفطر، وليلة الأضحى محتسباً، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"، رواه الطبراني، ويحصل الإحياء بصلاة العشاء، والصبح في جماعة؛ وقد يقال: إن الوارد في الحديث من الأجر لا يتناسب مع كون ذلك الإحياء مندوباً، لأن حياة القلوب يوم القيامة معناه الظفر برضوان الله تعالى الذي لا سخط لعده، والجواب: أن الشريعة الإسلامية قد كلفت الناس بواجبات، فمن قام بها على الوجه المطلوب للشرع فقد استحق رضوان الله تعالى بدون نزاع، ومن تركها استحق سخطه، أما ما عداها من فضائل الأعمال، فإن الشريعة رغبت فيها فاعلها بالجزاء الحسن، ومن يتركها فلا شيء عليه، وبديهي أن هذا الجزاء لا يحصل لمن لم يقم بالواجبات، فإذا ترك المكلفون صيام رمضان، وترك القادرون الحج إلى بيت الله الحرام، والصدقات المطلوبة منهم، ثم أحيوا ليلة العيد من أولها إلى آخرها لم يفدهم ذلك شيئاً. نعم إذا كان الغرض من ذلك الإقلاع عن الذنب بالتوبة الصحيحة، كان له أثر كبير، وهو محو الذنوب والآثام، لأن التوبة تمحو الكبائر باتفاق.
    ويندب أيضاً الغسل للعيدين بالكيفية المذكورة في صحيفة 108، وما بعدها، فارجع إليها إن شئت، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وقال الحنفية: إنه سنة.
    ويندب التطيب والتزين يوم العيد، أما النساء فلا يندب لهن ذلك إذا خرجن لصلاة العيد خشية الافتتان بهن، أما إذا لم يخرجن فيندب لهن ما ذكر، كما يندب للرجال الذين لم يصلوا العيد، لأن الزينة مطلوبة لليوم لا للصلاة، وذلك متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: إنه سنة لا مندوب.
    ويندب أن يلبس الرجال والنساء أحسن ما لديهم من ثياب، سواء كانت جديدة أو مستعملة، بيضاء، أو غير بيضاء باتفاق، إلا أن المالكية قالوا: يندب لبس الجديد، ولو كان غيره أحسن منه، والحنفية قالوا: لبس الجديد سنة لا مندوب.
    ويندب أن يأكل قبل خروجه إلى المصلى في عيد الفطر، وأن يكون المأكول تمراً ووتراً - ثلاثاً، أو خمساً - وأما يوم الأضحى فيندب تأخير الأكل حتى يرجع من الصلاة.
    ويندب أن يأكل شيئاً من الأضحية إن ضحى، فإن لم يضح خير بين الأكل قبل الخروج وبعده عند الحنابلة، والحنفية، أما الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
    ويندب لغير الإمام أن يبادر بالخروج إلى المصلى بعد صلاة الصبح، ولو قبل الشمس باتفاق ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) ، أما الإمام فيندب له تأخير الخروج إلى المصلى، بحيث إذا وصلها صلى ولا ينتظر.
    ويندب يوم العيد تحسين هيئته بتقليم الأظافر وإزالة الشعر والأدران (6) .
    ويندب أن يخرج إلى المصلى ماشياً، وأن يكبر في حال خروجه جهراً، وأن يستمر على تكبيره إلى أن تفتح الصلاة، وهذا متفق عليه، إلا أن الحنفية قالوا: الأفضل أن يكبر سراً (7) . والمالكية قالوا: يستمر على التكبير إلى مجيء الإمام. أو إلى أن يقوم إلى الصلاة، ولو لم يشرع فيها، والقولان متساويان، أما الإمام قيستمر على تكبيره إلى أن يدخل المحراب.
    ويندب لمن جاء إلى المصلى من طريق أن يرجع من أخرى.
    ويندب أيضاً أن يظهر البشاشة والفرح في وجه من يلقاه من المؤمنين، وأن يكثر من الصدقة النافلة بحسب طاقته، وأن يخرج زكاة القطر إذا كان مطالباً بها قبل صلاة العيد وبعد صلاة الصبح.
    المكان الذي تؤدي فيه صلاة العيد
    تؤدي صلاة العيد بالصحراء، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (8) .
    ومتى خرج الإمام للصلاة في الصحراء ندب له أن يستخلف غيره ليصلي بالضعفاء الذين يتضررون بالخروج إلى الصحراء لصلاة العيد بأحكام المتقدمة: لأن صلاة العيد يجوز أداؤها في موضعين (9) .
    مكروهات صلاة العيد
    يكره التنفل للإمام والمأموم قبل صلاة العيد وبعدها على تفصيل (10) .
    وهناك مندوبات ومكروهات أخرى زادها المالكية؛ والشافعية، والحنفية؛ فانظرها تحت الخط (11) .

    الأذان والإقامة غير مشروعين لصلاة العيد
    لا يؤذن لصلاة العيدين، ولا يقام لها، ولكن يندب أن ينادي لها بقول: "الصلاة جامعة" باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: النداء لها بقول: "الصلاة جامعة" ونحوه مكروه أو خلاف الأولى، وبعض المالكية يقول: إن النداء بذلك لا يكره إلا إذا اعتقد أنه مطلوب. وإلا فلا كراهة.
    حكم خطبة العيدين
    خطبتا العيدين سنة باتفاق، إلا عند المالكية، فإنهم يقولون: إنهما مندوبتان لا سنة، وقد عرفت أن الحنابلة، والشافعية لا يفرقون بين المندوب والسنة، فهم مع المالكية الذين يقولون: إن الخطبتين المذكورتين مندوبتان، ومع الحنفية الذين يقولون: إنهما سنة، ومع ذلك فإن لهما أركاناً وشروطاً كخطبتي الجمعة وإليك بيان أركانهما وشروطهما.

    أركان خطبتي العيدين
    لا توجد حقيقة خطبتي العيدين إلا إذا تحققت أركانهما، هي كأركان خطبتي الجمعة إلا في الافتتاح، فإنهما يسن افتتاحهما بالتكبير، وقد ذكرنا عدد التكبير المطلوب في كيفية صلاة العيدين، فارجع إليه. أما خطبة الجمعة فإنها تفتتح بالحمد، وقد ذكرنا أركان الخطبتين عند كل مذهب تحت الخط (12) .
    شروط خطبتي العيدين
    قد ذكرنا شروط خطبتي العيدين مجملة عند كل مذهب تحت الخط (13) .
    __________
    (1) الشافعية قالوا: هي سنة عين مؤكدة لكل من يؤمر بالصلاة، وتسن جماعة لغير الحاج، أما الحجاج فتسن لهم فرادى.
    المالكية قالوا: هي سنة عين مؤكدة تلي الوتر في التأكد، يخاطب بها كل من تلزمه الجمعة بشرط وقوعها جماعة مع الإمام، وتندب لمن فاتته معه، وحينئذ يقرأ فيها سراً، كما تندب لمن لم تلزمه، كالعبيد والصبيان؛ ويستثنى من ذلك الحاج، فلا يخاطب بها لقيام وقوفه بالمشعر الحرام مقامها، نعم تندب لأهل "منى" غير الحجاج وحداناً لا جماعة، لئلا يؤدي ذلك إلى صلاة الحجاج معهم.
    الحنفية قالوا: صلاة العيدين واجبة في الأصح على من تجب عليه الجمع بشرائطها، سواء كانت شرائط وجوب أو شرائط صحة، إلا أنه يستثنى من شرائط الصحة الخطبة، فإنها تكون قبل الصلاة في الجمعة وبعدها في العيد، ويستثنى أيضاً عدد الجماعة، فإن الجماعة في صلاة العيد تتحقق بواحد مع إمام، بخلاف الجمعة، وكذا الجماعة فإنها واجبة في العيد يأثم بتركها، وإن صحت الصلاة بخلافها في الجمعة، فإنها لا تصح إلا بالجماعة، وقد ذكرنا معنى الواجب عند الحنفية في "واجبات الصلاة" وغيرها، فارجع إليه.
    الحنابلة قالوا: صلاة العيد فرض كفاية على كل من تلزمه صلاة الجمعة، فلا تقام إلا حيث تقام الجمعة ما عدا الخطبة، فإنها سنة في العيد، بخلافها في الجمعة، فإنها شرط، وقد تكون صلاة العيد سنة، وذلك فيمن فاتته الصلاة مع الإمام، فإنه يسن له أن يصليها في أي وقت شاء بالصفة الآتية.
    الشافعية قالوا: وقتها من ابتداء طلوع الشمس، وإن لم ترتفع إلى الزوال، ويسن قضاءها بعد ذلك على صفتها الآتية.
    المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، ولا تقضى بعد ذلك.
    الحنابلة قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس قدر رمح بعد طلوعها إلى قبيل الزوال، وإن فاتت في يومها تقضى في اليوم التالي، ولو أمكن قضاءها في اليوم الأول، وكذلك تقضى، وإن فاتت أيام لعذر، أو لغير عذر.
    الحنفية قالوا: وقتها من حل النافلة إلى الزوال، فإذا زالت الشمس وهو فيها فسدت إن حصل الزوال قبل القعود قدر التشهد، ومعنى فسادها أنها تنقلب نفلاً، أما قضاؤها إذا فاتت فسيأتي حكمه بعد.
    الشافعية قالوا: يسن تأخير صلاة العيدين إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح.
    المالكية قالوا: لا يسن تأخير صلاة العيدين عن أول وقتها

    (2) الحنفية قالوا: ينوي عند أداء كل من صلاة العيدين بقلبه، ويقلو بلسانه، أصلي صلاة العيد لله تعالى، فإن كان مقتدياً ينوي متابعة الإمام أيضاً، ثم يكبر للتحريم، ويضع يديه تحت سرته بالكيفية المتقدمة، ثم يقرأ الإمام والمؤتم الثناء، ثم يكبر الإمام تكبيرات الزوائد، ويتبعه المقتدون، وهي ثلاث سوى تكبيرة الإحرام والركوع، ويسكت بعد كل تكبيرة بمقدار ثلاث تكبيرات، ولا يسن في أثناء السكوت ذكر، ولا بأس بأن يقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يرفع المصلي - سواء كان إماماً أو مقتدياً - يديه عند كل تكبيرة منها، ثم إن كان إماماً يتعوذ، ويسعى سراً، ثم يقرأ جهراً الفاتحة؛ ثم سورة؛ ويندب أن تكون سورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع الإمام ويتبعه المقتدون ويسجد، فإذا قام للثانية ابتدأ بالتسمية ثم بالفاتحة ثم بالسورة، ويندب أن تكون سورة "هل أتاك"، وبعد الفراغ من قراءة السورة يكبر الإمام والقوم تكبيرات الزوائد، وهي ثلاث سوى تكبيرة الركوع، ويرفعون أيديهم عند كل تكبيرة، ثم يتم صلاته.
    وصلاة العيدين بهذه الكيفية أولى من زيادة التكبير على ثلاث، ومن تقديم تكبيرات الزوائد على القراءة في الركعة الثانية، فإن قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا لو كبر الإمام زيادة على الثلاث فيجب على المقتدي أن يتابعه في ذلك إلى ست عشرة تكبيرة، فإن زاد لا تلزمه المتابعة، وإذا سبق المقتدي بتكبيرات بحيث أدرك الإمام قائماً بعدها كبر للزوائد وحده قائماً، وإذا سبقه الإمام بركعة كاملة وقام بعد فراغ الإمام لإتمام صلاته قرأ أولاً ثم كبر للزوائد ثم ركع، ومن أدرك الإمام راكعاً كبر تكبيرة الإحرام، ثم تكبيرات الزوائد قائماً إن أمن مشاركته في ركوعه، وإلا كبر للإحرام قائماً، ثم ركع، ويكبر للزوائد في ركوعه من غير رفع اليدين، ولا ينتظر الفراغ من صلاة الإمام في قضاء التكبيرات، لأن الفائت من الذكر يقضى قبل فراغ الإمام؛ بخلاف الفائت من الفعل، فإنه يقضى بعد فراغه، فإن رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المقتدي تكبيراته سقط عنه ما بقي منها، لأنه إن أتمه فاتته متابعة الإمام الواجبة في الرفع من الركوع، وإن أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع فلا يأتي بالتكبير الزائد، بل يقضي الركعة التي فاتته مع تكبيرات الزوائد بعد فراغ الإمام.
    الشافعية قالوا: صلاة العيد ركعتان كغيرها من النوافل، سوى أن يزيد ندباً في الركعة الأولى - بعد تكبيرة الإحرام ودعاء الافتتاح، وقبل التعوذ والقراءة - سبع تكبيرات، يرفع يديه إلى حذو المنكبين في كل تكبيرة؛ ويسن أن يفضل بين كل تكبيرتين منها بقدر آية معتدلة، ويستحب أن يقول في هذا الفصل سراً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويسن أن يضع يمناه على يسراه تحت صدره بين كل تكبيرتين، ويزيد في الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام خمس تكبيرات يفصل بين كل اثنتين منها، ويضع يمناه على يسراه حال الفصل، كما تقدم في الركعة الأولى، وهذه التكبيرات الزائدة سنة، وتسمى: هيئة، فلو ترك شيئاً منها فلا يسجد للسهو؛ وإن كره تركها؛ ولو شك في العدد بنى على الأقل، وتقديم هذه التكبيرات على التعوذ مستحب، وعلى القراءة شرط في الاعتداد بها، فلو شرع في القراءة ولو ناسياً فلا يأتي بالتكبيرات لفوات محله. والمأموم والإمام في كل ما ذكر سواء، غير أن المأموم إذا دخل مع الإمام في الركعة الثانية فإنه يكبر معه خمساً غير تكبيرة الإحرام؛ فإن زاد لا يتابعه، ثم يكبر في الركعة الثانية التي يقضيها بعد سلام الإمام خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، وإذا ترك الإمام تكبيرات الزوائد تابعة المأموم في تركها، فإن فعلها بطلب صلاته إذا رفع ليديه معها ثلاث مرات متوالية، لأنه فعل كثير تبطل به الصلاة، وإلا فلا تبطل، أما إذا اقتدى بإمام يكبر أقل من ذلك العدد فإنه يتابعه، والقراءة في صلاة العيدين تكون جهراً لغير الموأموم، أما التكبير فيسن الجهر فيه للجميع، ويسن أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة "ق" أو "الأعلى" أو "الكافرون" وفي الثانية "القمر" أو "الإخلاص".
    الحنابلة قالوا: إذا أراد أن يصلي صلاة العيد نوى صلاة ركعتين فرضاً كفائياً. ثميقرأ دعاء الاستفتاح ندبا، ثم يكبر ست تكبيرات ندباً يرفع يديه مع كل تكبيرة، سواء كان إماماً، ويندب أن يقول بين كل تكبيرتين سرأ: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على النبي وآله وسلم تسليماً، ولا يتعين ذلك، بل له أن يأتي بأي ذكر شاء؛ لأن المدوب مطلق الذكر؛ ولا يأتي بذكر بعد التكبيرة الأخيرة من تكبيرات الزوائد المذكورة؛ ثم يتعوذ؛ ثم يبسمل ويقرأ فاتحة الكتاب وسورة "سبح اسم ربك الأعلى" ثم يركع ويتم الركعة؛ ثم يقوم إلى الثانية فيكبر خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام، ويقول بين كل تكبيرتين منها ما تقدم ذكره في الركعة الأولى، ولا يشرع بعد التكبيرة الأخيرة من هذه التكبيرات الزوائد ذكر، ثم يبسمل ندباً؛ ويقرأ الفاتحة ثم سورة "الغاشية" ثم يركع ويتم صلاته، وإن أدرك المأموم إمامه بعد تكبيرات الزوائد أو بعد بعضها لم يأت به، لأنه سنة فات محلها، وإن نسي المصلي التكبير الزائدأو بعضه حتى قرأ، ثم تذكره لم يأت به لفوات محله كما لو ترك الاستفتاح أو التعوذ حتى قرأ الفاتحة، فإنه لا يعود له.
    المالكية قالوا: صلاة العيد ركعتان كالنوافل. سوى أنه يسن أن يراد في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام؛ وقبل القراءة ست تكبيرات، وفي الركعة الثانية بعد تكبيرة القيام. وقبل القراءة خمس تكبيرات، وتقديم هذا التكبير على القراءة مندوب، فلو أخره على القراءة صح وخالف المندوب، وإذا اقتدى شخص بإمام يزيد أو ينقص في عدد التكبير الذي ذكر، أو يؤخره عن القراءة فلا يتبعه في شيء من ذلك، ويندب موالاة التكبير إلا الإمام. فيندب له الانتظار لعد كل تكبيرة حتى يكبر المقتدون به؛ ويكون في هذا الفصل ساكتاً، ويكره أن يقول شيئاً من تسبيح أو تهليل أو غيرهما، وكل تكبيرة من هذه التكبيرات الزائدة سنة مؤكدة؛ فلو نسي شيئاً منها؛ فإن تذكره قبل أن يركع أتى به؛ وأعاد غير المأموم القراءة ندباً وسجد بعد السلام لزيادة القراءة الأولى، وإن تذكره بعد أن ركع فلا يرجع له ولا يأتي به في ركوعه، فإن رجع بطلت الصلاة، وإذا لم يرجع سجد قيل السلام لنقص التكبير: ولو كان المتروك تكبيرة واحدة؛ إلا إذا كان التارك له مقتدياً فلا يسجد؛ لأن الإمام يحمله عنه، وإذا لم يسمع المقتدي تكبيرة الإمام تحرى تكبيره وكبر وإذا دخل مع الإمام أثناء التكبير كبر معه ما بقي منه، ثم كمل بعد فراغ الإمام منه، ولا يكبر ما فاته، سواء دخل في الركعة الأولى أو الثانية، فإن كان في الأولى أتى بست تكبيرات؛ وإن كان في الثاني كبر خمساً، ثم بعد سلام الإمام يكبر في الركعة التي يقضيها ستاً غير تكبيرة القيام، أما إذا أدرك مع الإمام أقل من ركعة فإنه يقوم للقضاء بعد سلامه، ثم يكبر ستاً في الأولى بعد تكبير القيام ويكره رفع اليدين في هذه التكبيرات الزائدة. إنما يرفعهما عند تكبيرة الإحرام ندباً. كما في غيرها من الصلوات. ويندب الجهر بالقراءة في صلاة العيدين.
    كما يندب أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سروة "الأعلى" أو نحوها. وفي الركعة الثانية سورة "الشمس" أو نحوها

    (3) الحنفية قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، فإن فاتته مع الإمام فلا يطالب بقضائها لا في الوقت ولا بعده، فإن أحب قضاءها صلى أربع ركعات بدون تكبيرات الزوائد، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة "الأعلى"، وفي الثانية "الضحى" وفي الثالثة "الانشراح" وفي الرابعة "التين".
    الحنابلة قالوا: الجماعة شرط لصحتها كالجمعة، إلا أنه يسن لمن فاتته مع الإمام أن يقضيها في أي وقت شاء على صفتها المتقدمة.
    الشافعية قالوا: الجماعة فيها سنة لغير الحاج، ويسن لمن فاتته مع الإمام أن يصليها على صفتها في أي وقت شاء، فإن كان فعله لها بعد الزوال فقضاء، وإن كان قبله فأداء.
    المالكية قالوا: الجماعة شرط لكونها سنة، فلا تكون صلاة العيدين سنة إلا لمن أراد إيقاعها في الجماعة، ومن فاتته مع ندب الإمام له فعلها إلى الزوال، ولا تقضى بعد الزوال
    (4) المالكية والشافعية قالوا: يندب تأخير الأكل في عيد الأضحى مطلقاً ضحى أم لا
    (5) المالكية قالوا: يندب لغير الإمام أن يخرج بعد طلوع الشمس إن كان منزله قريباً من المصلى، وإلا خرج بقدر ما يدرك الصلاة مع الإمام
    (6) الحنابلة قالوا: يندب ذلك لكل مطالب بالصلاة، وإن لم تكن صلاة العيد
    (7) الحنفية قالوا: إن السنة تحصل بالتكبير مطلقاً، سواء كان سراً أو جهراً، إلا أن الأفضل يكبر سراً على المعتمد
    (8) المالكية قالوا: يندب فعلها بالصحراء ولا يسن، ويكره فعلها في المسجد من غير عذر إلا بمكة، فالأفضل فعلها بالمسجد الحرام لشرف البقعة، ومشاهدة البيت.
    الحنابلة قالوا: تسن صلاة العيد بالصحراء بشرط أن تكون قريبة من البنيان عرفاً، فإن بعدت عن البنيان عرفاً، فلا تصح صلاة العيد فيها رأساً، ويكره صلاتها في المسجد بدون عذر إلا لمن بمكة، فإنهم يصلونها في المسجد الحرام، كما يقول المالكية.
    الشافعية قالوا: فعلها بالمسجد أفضل لشرفه إلا لعذر كضيفه؛ فيكره فيه للزحام، وحينئذ يسن الخروج للصحراء.
    الحنفية: لم يستثنوا مسجد مكة من المساجد التي يكره فعلها فيها؛ ووافقوا الحنابلة والمالكية فيما عدا ذلك
    (9) المالكية قالوا: لا يندب أن يستخلف الإمام من يصلي بالضعفاء؛ ولهم أن يصلوا، ولكن لا يجهرون بالقراءة، ولا يخطبون بعدها، بل يصلونها سراً من غير خطبة، وصلاة العيدين كالجمعة تؤدي في موضع واحد، وهو المصلى مع الإمام متى كان الشخص قادراً على الخروج لها. فمن فعلها قبل الإمام لم يأت بالسنة على الظاهر، ويسن له فعلها معه. نعم إن فاتته مع الإمام ندب له فعلها، كما تقدم
    (10) المالكية قالوا: يكره التنفل قبلها وبعدها إن أديت بالصحراء كما هو السنة، وأما إذا أديت بالمسجد على خلاف السنة فلا يكره التنفل لا قبلها ولا بعدها.
    الحنابلة قالوا: يكره التنفل قبلها بالموضع الذي تؤدي فيه، سواء المسجد أو الصحراء.
    الشافعية قالوا: يكره للإمام أن يتنفل قبلها بعدها، سواء كان في الصحراء أو غيرها، وأما المأموم فلا يكره له التنفل قبلها مطلقاً ولا بعدها إن كان ممن لم يسمع الخطبة لصمم أو بعد وإلا كره.
    الحنفية قالوا: يكره التنفل قبل صلاة العيد في المصلى وغيرها. ويكره التنفل بعدها في المصلى فقط، وأما في البيت فلا يكره
    (11) المالكية قالوا: يندب الجلوس في أو الخطبتين وبينهما في العيد وأما في خطبة الجمعة فيسن، ولو أحدث في أثناء خطبتي العيدين فإنه يستمر فيهما ولا يستخلف، بخلاف خطبتي الجمعة، فإنه إن أحدث فيهما يستخلف.
    الشافعية قالوا: إن خطبتي الجمعة يشترط لها القيام والطهارة وستر العورة، وأن يجلس بينهما قليلاً؛ بخلاف خطبتي العيدين، فلا يشترط فيهما ذلك، بل يستحب.
    الحنفية قالوا: يكره أن يجلس قبل الشروع في خطبة العيد الأولى، بل يشرع في الخطبة بعد الصعود، ولا يجلس، بخلاف خطبة الجمعة، فإنه يسن أن يجلس قبل الأولى قليلاً
    (12) الحنفية قالوا: خطبة العيدين كخطبة الجمعة، لها ركن واحد، وهو مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير، فيكفي لتحقيق الخطبة المذكورة تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، ولا تشترط عندهم الخطبة الثانية، بل هي سنة كما يأتي في الجمعة.
    المالكية قالوا: خطبتا العيدين كخطبتي الجمعة، لهما ركن واحد، وهو أن يكونا مشتملتين على تحذير أو تبشير، كما يأتي في "الجمعة".
    الحنابلة قالوا: أركان خطبة العيدين ثلاثة: أحدها. الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة، ثانيها: قراءة آية من كتاب الله تعالى، يلزم أن يكون لهذه الآية معنى مستقل، أو تكون مشتملة على حكم من الأحكام، فلا يكفي قوله تعالى: {مدها متان} ، ثالثها: الوصية بتقوى الله تعالى، وأقلها أن يقول: اتقوا الله، واحذروا مخالفة أمره، أو نحو ذلك. أما التكبير في افتتاح خطبة العيد فهو سنة بخلاف الجمعة، فإن افتتاحها بالحمد لله ركن من أركان الخطبة، كما يأتي.
    الشافعية قالوا: أركان خطبة العيدين أربعة: أحدها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في كل من الخطبتين، ولا بد من لفظ الصلاة، فلا يكفي رحم الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يتعين لفظ محمد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الطاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدم المرجع على المعتمد؛ ثانيها: الوصية بالتقوى في كل من الخطبتين ولو بغير لفظها، فيكفي نحو وأطيعوا الله، ولا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها في ذلك، بل لا بد من أن يحثهم الخطيب على الطاعة، ثالثها: قراءة آية من القرآن في إحدى الخطبتين، والأولى أن تكون في الخطبة الأولى، ويشترط أن تكون آية كاملة إذا كانت الآية قصيرة، أما الآية الطويلة فتكفي قراءة بعضها، وأن تكون الآية مشتملة على وعد أو وعيد أو حكم، أو تكون مشتملة على قصة أو مثل أو خبر، فلا يكفي في أداء ركن الخطبة أن يقول: "ثم نظر"، رابعها: أن يدعو الخطيب للمؤمنين والمؤمنات في الخطبة الثانية، ويشترط أن يكون الدعاء بأمر أخروي كالغفران، فإن لم يحفظ فيكفي أن يدعو لهم بالأمر الدنيوي، كأن يقول: اللهم ارزق المؤمنين والمؤمنات ونحو ذلك، وأن يكون الدعاء مشتملاً على الحاضرين في نية الخطيب بأن يقصدهم مع غيرهم، فلو قصد غيرهم بالدعاء بطلت الخطبة، أما افتتاح خطبة العيدين فيسن أن تكون بالتكبير المذكور في كيفية صلاة العيدين، بخلاف افتتاح خطبة الجمعة، فلا بد أن تكون من مادة الحمد، نحو الحمد لله أو أحمد الله أو نحو ذلك، وذلك ركن من أركان خطبة الجمعة، كما ستعرفه
    (13) المالكية قالوا: يشترط في خطبتي العيدين أن تكونا باللغة العربية، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها، فإن لم يوجد فيهم أحد يحسن الخطبة سقطت عنهم الجمعة، وأن تكون الخطبتان بعد الصلاة؛ فإذا خطب قبل الصلاة فإنه يسن إعادتهما بعد الصلاة إن لم يطل الزمن عرفاً.
    الحنفية قالوا: يشترط لصحة الخطبة أن يحضر شخص واحد على الأقل لسماعها؛ بشرط أن يكون ممن تنعقد بهم الجمعة؛ كما يأتي بيانه في مباحث "صلاة الجمعة"، ولا يشترط أن يسمع الخطبة، فلو كان بعيداً عن الخطيب أو أصم فإن الخطبة تصح؛ ويكفي حضور المريض والمسافر؛ بخلاف الصبي والمرأة، ولا يشترط أن تكون باللغة العربية عند الحنفية؛ وكذا لا يشترط أن يخطب بعد الصلاة، وإنما يسن تأخيرهما عن الصلاة، فإن قدمهما على الصلاة، فقد خالف السنة. ولا يعيدهما بعد الصلاة أصلاً.
    الشافعية قالوا: يشترط لصحة الخطبة في العيدين والجمعة أن يجهر الخطيب بأركان الخطبة وحد الجهر المطلوب أن يسمع صوته أربعون شخصاً: وهم الذين لا تنعقد الجمعة بأقل منهم؛ ولا يشترط أن يسمعوا بالفعل؛ بل الشرط أن يكونوا جميعاً قريباً منه مستعدين لسماعه لصمم أو نوم أو بعيدين عنه فإن الخطبتين لا تصح لعدم السماع بالقوة؛ وكذا يشترط أن تكون الخطبتان بعد الصلاة، فإن قدمها على الصلاة فإنه لا يعتد بهما؛ ويندب له إعادتهما بعد الصلاة؛ وإن طال الزمن؛ وهذا هو رأي الحنابلة أيضاً.
    الحنابلة قالوا: يشترط لصحة خطبتي العيدين والجمعة أن يجهر بهما الخطيب؛ بحيث يسمعه العدد الذي تصح به الجمعة؛ وهو أربعون؛ كما يقول الشافعية، فإن لم يسمعوا أركان الخطبتين بلا مانع من نوم أو غفلة أو صمم بطلتا. أما إذا لم يسمع الأربعون بسبب خفض الصوت، أو بعدهم عنه فإنه الخطبة لا تصح، وكذا يشترط أن تكونا قبل الصلاة، كما ذكرنا آنفاً
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 323 الى صــــــــ
    334
    الحلقة (52)

    التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد
    اتفق اثنان من الأئمة على أن التكبير عقب الصلوات الخمس أيام العيد سنة، وقال الحنفية: إنه واجب لا سنة؛ وقال المالكية: إنه مندوب لا سنة: وقد جرت عادتهم أن يسموا هذا التكبير تكبير التشريق؛ ومعنى التشريق تقديد اللحم في منى في هذه الأيام "وقد ذكرنا حكمته؛ وكيفيته مفصلة عند كل مذهب تحت الخط (1) .
    مباحث صلاة الاستسقاء
    يتعلق بها مباحث: أحدها: تعريف الاستسقاء لغة وشرعاً، ثانيها: كيفية صلاة الاستسقاء، ثالثها: حكمها ووقتها. رابعها: ما يستحب للإمام قبل فعلها. وإليك بيانها على هذا الترتيب:تعريف الاستسقاء وسببه
    معنى الاستسقاء في اللغة طلب السقيا من الله أو من الناس، فإذا احتاج أحد إلى الماء وطلبه من الآخر، فإنه يقال لذلك الطلب: استسقاء، وأما معناه في الشرع فهو طلب سقي العباد من الله تعالى عند حاجتهم إلى الماء كما إذا كانوا في موضع لا يكون لأهله أودية وأنهار وآبار يشربون منها ويسقون زرعهم ومواشيهم، أو يكون لهم ذلك ولكن الماء لا يكفيهم، فهذا معنى الاستسقاء وسببه.

    كيفية صلاة الاستسقاء
    إذا احتاج الناس إلى الماء على الوجه الذي ذكرناه فإنه يطلب من المسلمين أن يصلوا صلاة اللاستسقاء بكيفية مفصلة في المذاهب، فانظر تحت الخط (2) .
    حكم صلاة الاستسقاء ووقتها
    هي سنة مؤكدة عند الحاجة إلى الماء، فمتى احتاج الناس إلى الماء فإنه يسن لهم أن يصلوا صلاة الاستسقاء بالكيفية التي ذكرناها، ومتى صلوها على أي كيفية من الكيفيات التي ذكرناها في المذاهب المتقدمة فإنها تجزئ، ولا يلزم أن تصلي على مذهب خاص، لأن تكبيرات الزوائد نقلوا عن بعض أئمتهم أن يكبر فيها كصلاة العيدين، وهكذا؛ ولذا ذكرنا كيفيتها عند كل مذهب على حدة، ليسهل على الناس معرفتها كاملة بدون خلط، أما كونها سنة مؤكدة فقد اتفقت عليه المذاهب ما عدا الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، أما وقتها فهو الوقت الذي تباح فيه صلاة النافلة عند الحنفية، والحنابلة، وسيأتي بيان الأوقات التي تباح فيها النافلة في مبحث خاص، أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (4) .
    هذا، وإذا تأخر نزول المطر فإنه يسن تكرار صلاة الاستسقاء على الصفة السابقة، حتى يأتي الغيث، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .
    ما يستحب للإمام فعله قبل الخروج لصلاة الاستسقاء
    يستحب له أمور: أحدها: أن يأمر الناس قبل الخروج إلى الصلاة بالتوبة والصدقة، والخروج من المظالم باتفاق الجميع، ثانيها: أن يأمرهم بمصالحة الأعداء، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فقالوا: لا يندب له ذلك، ثالثها: أن يأمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم يخرج بهم في اليوم الرابع مشاة في أية ساعة منه، باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف الحنابلة والمالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، رابعها: أن يخرج بهم في ثياب خلقة متذللين، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) . خامسها: أن يأمرهم بأن يخرجوا معهم الصبيان والشيوخ والعجائز والدواب، ويبعدوا الرضع عن أمهاتهم ليكثر الصياح. فيكون ذلك أقرب إلى رحمة الله عز وجل، وهذا متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، وخالف المالكية، والحنابلة فانظر مذهبيهما تحت الخط (8) .
    صلاة كسوف الشمس
    ويتعلق بها مباحث، أولها: حكمها ودليله، وحكمه مشروعيتها: ثانيها: كيفية صلاتها، ثالثها: فرضها وسننها؛ رابعها: حكم الخطبة فيها.

    حكمها ودليله، وحكمة مشروعيتها
    صلاة كسوف الشمس سنة مؤكدة، وقد ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا، حتى ينكشف ما بكم" رواه الشيخان.
    وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى لكسوف الشمس، بحديث رواه الشيخان، كما ثبت أنه صلى لخسوف القمر، كما سيأتي، أما حكمة مشروعيتهان فإن الشمس نعمة من أكبر نعم الله تعالى التي تتوقف عليها حياة الكائنات، وظاهر أن كسوفها فيه إشعار بأنها قابلة للزوال، بل فيه إشعار بأن العالم كله في قبضة إله قدير، يمكنه أن يذهبه في لحظة، فالصلاة في هذه الحالة معناها إظهار التذلل، والخضوع لذلك الإله القوي المتين، وذلك من محاسن الإسلام، الذي جاء بالتوحيد الخالص، وترك عبادة الأوثان، ومنها الشمس والقمر وغيرهما من العوالم.

    كيفية صلاة كسوف الشمس
    اتفق ثلاثة من الأئمة على أنها ركعتان بدون زيادة، فإن فرغ منها قبل انجلائها دعا الله تعالى حتى تنجلي، ويزيد في كل ركعة منها قياماً وركوعاً، فتكون كل ركعة مشتملة على ركوعين وقيامين، وخالف الحنفية في ذلك. فانظر ممذهبهم تحت الخط (9) ، على أن الذين خالفوا الحنفية قالوا: إنه يصح أداء صلاة الكسوف بغير هذه الكيفية، فلو صلاها ركعتين، كهيئة النفل أجزأه ذلك بدون كراهة، فالفرق بينهم وبين الحنفية هو أن الحنفية يقولون: لا بد من صلاتها بركوع واحد وقيام واحد، وغيرهم يقول: يجوز أن يصليها بالكيفية المذكورة، وبغيرها، ومن قال: إنها تصلي بركوعين وقيامين، فإنه يقول: إن الفرض هو القيام الأول، والركوع الأول. أما القيام الثاني والركوع الثاني فهو مندوب على هذا.

    سنن صلاة الكسوف
    يسن أن يطيل القراءة فيقرأ في القيام الأول من الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة "البقرة" أو نحوها؛ وفي القيام الثاني منها بعد الفاتحة سورة "آل عمران" أو نحوها، ويقرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحو سورة "النساء" وفي القيام الثاني نحو سورة "المائدة" بعد الفاتحة فيهما، وهذه الكيفية متفق عليها، إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) . ويسن أن يطيل الركوع والسجود في كل من الركعتين بمقادير مختلفة في المذاهب
    (11) فلا تدرك الركعة بالدخول مع الإمام في القيام الثاني، أو الركوع الثاني من كل ركعة، وخالف المالكية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) ، ولا يراعى حال المأمومين في هذه الصلاة. فيشرع التطويل فيها على ما تقدم، ولو لم يرض المأموم، باتفاق ثلاثة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (13) ، ولا أذان لها؛ ولا إقامة، وإنما يندب أن ينادى لها بقول: "الصلاة جامعة"، يندب إسرار القراءة، إلا عند الحنابلةن فإنهم قالوا: يسن الجهر بالقراءة فيها، ويندب أن تصلى جماعة، ولا يشترط في إمامها أن يكون إمام الجمعة، أو مأذوناً من قبل السلطان؛ وخالف الحنفية في ذلك، فانظر مذهبهم تحت الخط (14) ، ويندب فعلها في الجامع باتفاق ثلاثة، وقال المالكية: لا يندب فعلها في الجامع إلا إذا صلاها جماعة، أما المنفرد فله أن يصليها في أي مكان شاء.

    وقت صلاة الكسوف
    وقتها من ابتداء الكسوف إلى أن تنجلي الشمس ما لم يكن الوقت وقت نهي عن النافلة، فإذا وقع الكسوف في الأوقات التي ينهي عن النافلة فيها اقتصر على الدعاء، ولا يصلي عند الحنفية، والحنابلة؛ أما المالكية، والشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (15) .

    الخطبة في صلاة الكسوف
    الخطبة غير مشروعة فيها، فإذا انجلت الشمس أثناء الصلاة أتمها على صفتها، فإذا غربت الشمس منكسفة فلا يصلي لها؛ أما كون الخطبة غير مشروعة، فهو متفق عليه، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (16) .
    __________
    (1) الحنفية قالوا: تكبير التشريق واجب على المقيم بالمصر بشروط ثلاثة: أحدها: أن يؤدي الصلاة المفروضة في جماعة، فإن صلاها منفرداً فلا يجب عليه التكبير. ثانيها: أن تكون الجماعة من الرجال، فإذا صلت النساء جماعة خلف واحدة منهن فلا يجب عليهن التكبير. أما إذا صلت النساء خلف الرجل فإنه يجب عليهن التكبير سراً لا جهراً.
    أما الإمام ومن معه من الرجال فإنهم يكبرون جهراً، ولا يجب التكبير على من صلى منفرداً أو صلى صلاة غير مفروضة، ثالثها: أن يكون مقيماً، فلا يجب التكبير على المسافر، رابعها: أن يكون بالمصر، فلا يجب على المقيم بالقرى، ويبتدئ وقته عقيب صلاة الصبح من يوم عرفة، وينتهي عقيب صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وهو اليوم الرابع من أيام العيد، وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي تلي العيد، ولفظه هو أن يقول مرة واحدة: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، وله أن يزيد الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، إلى آخر الصيغة المشهورة، وينبغي أن يكون متصلاً بالسلام حتى لو تكلم أو أحدث بعد السلام متعمداً سقط عنه التكبير ويأثم، فلو سبقه حدث بعد السلام فهو مخير إن شاء كبر في الحال لعدم اشتراط الطهارة فيه، وإن شاء توضأ وأتى به، ولا يكبر عقب صلاة الوتر ولا صلاة العيد، وإذا فاتته صلاة من الصلوات التي يجب عليه أن يكبر عقبها فإنه يجب عليه أن يقضي التكبير تبعاً لها، ولو قضاها في غير أيام التشريق وأما إذا قضى فائتة لا يجب عليه التكبير عقبها في أيام التشريق، فإنه لا يكبر عقبها، وإذا ترك الإمام التكبير يكبر المقتدي، ولكن بعد أن يفصل الإمام بين الصلاة والتكبير بفاصل يقطع البناء على صلاته، كالخروج من المسجد، والحدث العمد والكلام، فإن جلس الإمام بعد الصلاة في مكانه بدون كلام وحدث فلا يكبر المأموم.
    الحنابلة قالوا: يسن التكبير عقب كل صلاة مفروضة أديت في جماعة، ويبتدئ وقته من صلاة صبح يوم عرفة إذا كان المصلي غير محرم، ومن ظهر يوم النحر إذا كان محرماً، وينتهي فيهما بعصر آخر أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التي تلي يوم العيد، ولا فرق في ذلك بين المقيم والمسافر، والذكر والأنثى، ولا بين الصلاة الحاضرة والصلاة المقضية في أيام التشريق، بشرط أن تكون من عام هذا العيد، فلا يسن التكبير عقب صلاة النوافل، ولا الفرائض إذا أديت فرادى، وصفته أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد يجزئ في تحصيل السنة أن يقول ما ذكره مرة واحدة، وإن كرره ثلاث مرات فلا بأس، وإذا فاتته صلاة من هذه الصلوات التي يطلب التكبير بعدها وقضاها بعد أيام التشريق فلا يكبر عقب قضائها، ويكبر المأموم إذا نسيه إمامه، ومن عليه سجود بعد السلام، فإنه يؤخره عن السجود، والمسبوق يكبر بعد الفراغ من قضاء ما فاته وبعد السلام، وهذا التكبير يسمى المقيد وعندهم أيضاً تكبير مطلق، وهو بالنسبة لعيد الفطر من أول ليلته إلى الفراغ من الخطبة، وبالنسبة لعيد الأضحى من أول عشر ذي الحجة إلى الفراغ من خطبتي العيد، ويسن الجهر بالتكبير مطلقاً أو مقيداً لغير أنثى.
    المالكية قالوا: يندب لكل مصل ولو كان مسافراً أو صبياً أو امرأة أنيكبر عقب خمس عشرة فريضة، سواء صلاها وحده أو جماعة، وسواء كان من أهل الأمصار أو غيرها، ويبتدئ عقب صلاة الظهر يوم العيد، وينتهي بصلاة الصبح من اليوم الرابع، وهو آخر أيام التشريق، وهي الأيام الثلاثة التالية ليوم العيد، ويكره أن يكبر عقب النافلة، وعقب الصلاة الفائتة، سواء كانت من أيام التشريق أو من غيرها، ويكون التكبير عقب الصلاة، كما تقدم، فيقدمه على الذكر الوارد بعد الصلاة، كقراءة آية الكرسي والتسبيح ونحوه، إلا أنه إذا ترتب عليه سجود بعدي أخره عنه لأن السجود البعدي ملحق بالصلاة، وإذا ترك التكبير عمداً أو سهواً فإنه يأتي به إن قرب الفصل عراً، وإذا ترك الإمام التكبير كبر المقتدي، ولقظ التكبير "الله أكبر الله أكبر" لا غير على المعتمد، والمرأة تسمع نفسها في التكبير فقط، وأما الرجل فيسمع نفسه ومن يليه.
    الشافعية قالوا: التكبير المذكور سنة بعد الصلاة المفروضة، سواء صليت جماعة أو لا، وسواء كبر الإمام أم لا؛ وبعد النافلة وصلاة الجنازة، وكذا يسن بعد الفائتة التي تقضي في أيام التكبير، ووقته لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم العيد، أما الحاج فإنه يكبر من ظهر يوم النحر إلى غروب آخر أيام التشريق، ولا يشترط أن يكون متصلاً بالسلام. فلو فصل بين الفراغ من الصلاة والتكبير فاصل عمداً أو سهواً كبر، وإن طال الفصل ولا يسقط بالفصل؛ وأحسن ألفاظه أن يقول: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً" وسبحان الله بكرة وأصيلاً، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله؛ ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. اللهم صلي على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أنصار سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً" ويسمى التكبير عقب الصلوات بهذه الصيغة: التكبير المقيد، ويسن أيضاً أن يكبر جهراً في المنازل والأسواق والطرق وغير ذلك بهذه الصيغة. من وقت غروب شمس ليلتي العيدين إلى أن يدخل الإمام في صلاة العيد وإذا صلى منفرداً فإنه يكبر إلى أن يحرم بصلاة العيدين، أما إذا لم يصل العيدين، فإنه يكبر إلى الزوال، سواء كان رجلاً أو امرأة، إلا أن المرأة لا ترفع صوتها بالتكبير مع غير محارمها من الرجال، ويسمى ذلك التكبير بالتكبير المطلق، ويقدم التكبير المقيد على الذكر الوارد عقب الصلاة، بخلاف المطلق، فإنه يؤخر عنها
    (2) الشافعية قالوا: صلاة الاستسقاء ركعتان تؤديان في جماعة، ويشترط أن يكون الإمام حاكم المسلمين الأعلى أو نائبه، فإن لم يوجد فإنه يصلي بهم رئيسهم الذي له نفوذ وشوكة، وكيفيتها كصلاة العيدين، فيكبر الإمام ومن خلفه من المأمومين في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، ويكبران في الركعة الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، ويرفع يديه حذو منكبيه عند كل تكبيرة، ثم يتعوذ؛ ثم يأتي بدعاء الافتتاح، ويستحب أن يفصل بين كل تكبيرتين بقدر آية معتدلة، وأن يأتي بذكر بينهما سراً ثم يقرأ جهراً، ويستحب بعد الفاتحة أن يقرأ في الركعة الأولى سورة "ق" أو "سبح اسم ربك الأعلى" وفي الثانية "اقتربت الساعة" أو "هل أتاك حديث الغاشية" قياساً على الوارد في صلاة العيدين، وبعد الفراغ من صلاة الركعتين يندب أن يخطب خطبتين كخطبتي العيدين، إلا أنه لا يكبر في الخطبتين، بل يستغفر الله قبل الشروع في الخطبة الأولى تسع مرات، وفي الخطبة الثانية تسع مرات، وصيغة الاستغفار الكاملة هي أن يقول: "استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا الله الحي القيوم وأتوب إليه" ولو قال استغفر الله، فإنه يكفي، ويندب أن يحول الخطيب رداءه - ولو كان شالاً أو عباءة - وكيفية التحويل أن يجعل يمينه يساره، ويجعل أعلاه أسفله، فيمسك بيده اليمنى طرف ردائه الأسفل من جهة يساره، ويجعله على عاتقه الأيمن، ويمسك بيده اليسرى طرف ردائه الأيمن، ويجعله على عاتقه الأيسر، ويفعل ذلك بعد مضي ثلث الخطبة الثانية، فإذا فرغ من ثلث الخطبة الثانية فإنه يسن له أن يستقبل القبلة ثم يحول رداءه بالكيفية التي ذكرناها، ويكره له أن يترك التحويل، ومتى حول الإمام رداءه فإنه يسن للمأمومين الحالسين أن يحولوا أرديتهم وهم جلوس، كما فعل الإمام، ويسن أن يكثر من الدعاء سراً
    وجهراً، كما يسن أن يكثر في افتتاح دعائه الكرب، وهو: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم" وكذا يسن للخطيب أن يكثر من الاستغفار، ويقرأ قوله تعالى: {استغفروا ربكم أنهاراً} ويدعو في خطبته بدعاء الني صلى الله عليه وسلم؛ وهو "اللهم اجعلها رحمة لا سقيا عذاب، ولا محق، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق؛ اللهم على الزراب - التلال الصغيرة - ومنابت الشجر، وبطون الأودية، اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً - منقذاً من الشدة - هنيئاً مريئاً مريعاً - ذا ريع وخصب - سحاً - شديد الوقع على الأرض عاماً؛ غدقاً، طبقاً، مجللاً، دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والجوع والضنك مالا نشكو إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركات السماء، وأنبت لنا من بركات الأرض، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً".
    الحنفية قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء مختلف فيها، فمنهم من قال: إنها دعاء واستغفار بدون صلاة، وذلك بأن يدعو الإمام قائماً مستقبل القبلة، رافعاً يديه والناس قعود، مستقبلين القبلة يؤمنون على دعائه، وهو: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً، هنيئاً، مريئاً مريعاً، غدقاً، مجللاً، سحاً طبقاً؛ دائماً"، وما أشبه ذلك من الدعاء سراً وجهراً، وهذا القول غير راجح، بل القول الراجح هو أن يصلي للاستسقاء ركعتين، كما يقول غيرهم من الأئمة، غايته أنهم يقولون، إنها مندوبة، وغيرهم يقولون: إنها سنة، كما ستعرفه في بيان حكمها، وكيفيتها، كصلات العيدين، إلا أنه لا يكبر لها تكبيرات الزوائد، بل يقتصر على التكبيرات المطلوبة للصلاة، وبعد الفراغ من الصلاة يخطب الإمام، أو نائبه خطبتين، كالعيد، إلا أنه يقف على الأرض وبيده قوس، أو سيف أو عصا، ويقلب الإمام رداءه بعد أن يمضي جزء من خطبته الأولى، فإن كان مربعاً جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه، وإن كان مدوراً جعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، وإن كان مبطناً - كالبالطو - جعل باطنه خارجاً؛ وظاهره داخلاً. أما الجماعة الذين يصلون معه فإنهم لا يقبلون أرديتهم باتفاق، بلى يكتفي في ذلك بالإمام.
    الحنابلة قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد تماماً؛ فيكبر فيها سبعاً في الركعة الأولى، وخمساً في الثانية، ويقرأ في الأولى "سبح" وفي الثانية "هل أتاك حديث الغاشية" وإن شاء قرأ "إنا أرسلنا نوحاً" في الركعة الأولى، وقرأ في الثانية ما يشاء، ثم يخطب خطبة واحدة لا خطبتين، يجلس قبلها إذا صعد المنبر جلسة الاستراحة، ثم يفتتحها بالتكبير تسعاً، كخطبة العيد، ويكثر فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويكثر فيها الاستغفار، ويقرأ فيها "استغفروا ربكم" الآية، ويسن أن يرفع يديه وقت الدعاء حتى يرى بياض إبطيه، وهو قائل، وتكون ظهور اليدين نحو السماء، وبطونهما جهة الأرض، ويؤمن المأمومون على دعائه؛ ويرفعون أيديهم كالإمام وهم جالسون، ويصح بكل ما يراه، ولكن الأفضل الدعاء بالوارد وهو "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً - منقذا من الشدة - هنيئاً - حاصل بلا مشقة، مريئاً - محمود العاقبة - مريعاً - كثير النبات - غدقاً - بفتح الدال وكسرها، ومعناه كثيراً - مجللاً - المجلل السحاب الذي يعم البلاد نفعه - سحاً - سائلاً من فوق إلى أسفل عاماً، طبقاً - بفتح الطاء والباء؛ وهو الذي طبق البلا مطره - دائماً، نافعاً غير ضار؛ عاجلاً غير آجل، اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت. اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم؛ ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء - الشدة - والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم أنبت لنا الزرع؛ وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء، وانزل علينا من بركاتك، اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء ع لينا مدراراً.
    وإذا دعا الإمام أمن المستمعون، ويستحب أن يستقبل الإمام القبلة أثناء الخطبة ثم يحول رداءه، فيجعل ما على الأيمن على الأيسر، وما على الأيسر على الأيمن، ويفعل المأمومون مثل فعله فيحولون أرديتهم، ويتركون الرداء محولاً، حتى ينزعوه مع ثيابهم، ويدعو سراً حال استقبال القبلة لنزع الرداء فيقول: اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد فإذا فرغ من ذلك الدعاء استقبلهم ثانياً وحثهم على الصدقة والخير، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ثم يقول: أستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، وبذلك ينتهي من خطبته، ولا يشترط لصلاة الاستسقاء أذان، كما لا يشترط الأذان لخطبتها، وينادي لها بقول: الصلاة جامعة، ويفعلها المسافر وسكان القرى؛ ويخطب بهم أحدهم.
    المالكية قالوا: كيفية صلاة الاستسقاء كصلاة العيدين، إلا أنه لا يكبر فيها إلا التكبير المعتاد في الصلوات الأخرى، فلا يزيد التكبيرات المطلوبة في العيدين، وفاقاً للحنفية، وخلافاً للشافعية، والحنابلة، ويخطب فيها خطبتين، فإذا فرغ الإمام من الخطبة الثانية ندب له أن يستقبل القبلة، فيجعل ظهره للناس، ثم يقلب رداءه من خلفه، فيجعل ما على عاتقه الأيسر على عاتقه الأيمن، وبالعطس، ولا يجعل أسفل الرداء أعلاه، ولا أعلى الرداء أسفله، ويندب للرجال الذين يصلون خلفه أن يقلبوا أرديتهم وهم جلوس، بخلاف النساء، ثم يدعو الإمام برفع ما نزل بالناس ويطيل في الدعاء، ويندب الدعاء بالوارد، ومنه ما جاء في خبر الموطأ وهو: كان صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللهم اسق عبادك وبهيمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت".
    المالكية: متفقون مع الشافعية، والحنابلة على أنها سنة مؤكدة تلي صلاة العيد في التأكد للرجال إذا أديت جماعة ولكنها تندب لمن فاتته مع الإمام، كما تندب للصبي المميز؛ وللمرأة المسنة. أما الشابة فإنه يكره لها الخروج لصلاة الاستسقاء، وإن خيفت الفتنة بخروجها، فإنه يحرم عليها الخروج
    (3) الحنفية قالوا: الصحيح أنها مندوبة؛ نعم قد ثبت طلبها بالكتاب والسنة، ولكن الثابت بهما هو الاستغفار، والحمد لله، والثناء عليه، والدعاء، أما الصلاة فإنها لم ترد فيها أحاديث صحيحة، على أنه لا خلاف عندهم في أنها مشروعة للمنفرد بدون جماعة، لأنها نفل مطلق، أما ما ورد في الكتاب الكريم فهو قوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً} وشرع منقبلنا شرع لنا إذا قصه الله ورسوله من غير إنكار، وقد رويت أحاديث صحيحة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فدعا الله تعالى، ومما يناسب المقام أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استسقى به وهو صغير، فقد ورد أن أهل مكة أصابهم قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجب العيال. فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس تجلت عنها سحابة قتماء، وحول أغيلمة فأخذه أبو طالب، وألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه، وما في السماء قزعة، فأقبل السحاب من ههنا؛ وهنا؛ واغدودق؛ وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي؛ وفي ذلك يقول أبو طالب:
    وأبيض يستسقي الغمام بوجهه؟؟ ثمال اليتامى عصمة للأرامل
    أخرجه ابن عساكر
    (4) المالكية قالوا: وقتها كالعيد من حل النافلة بعد طلوع الشمس إلى زوالها.
    الشافعية قالوا: تصح ولو في أوقات النهي عن النافلة؛ لأنها صلاة ذات سبب
    (5) الحنفية قالوا: إن تكرار صلاة الاستسقاء مندوب لا سنة، كما تقدم، ولا تكرار إلا في ثلاثة أيام متتالية بدون زيادة
    (6) الحنابلة قالوا: لا يندب أن يخرج بهم في اليوم الرابع؛ بل يندب الخروج مع الإمام في اليوم الذي يعينه.
    المالكية قالوا: يندب الخروج في ضحى اليوم الرابع، إلا من بعدت داره، فإنه يخرج في الوقت الذي يمكنه من إدراك صلاتها مع الإمام
    (7) الحنابلة قالوا: يخرجون لصلاة الاستسقاء بثياب الزينة، كصلاة العيد
    (8) المالكية قالوا: المندوب هو إخراج الصبيان المميزين الذين تصح صلاتهم، أما غيرهم من الأطفال فإنه يكره إخراجهم، كما يكره إخراج البهائم.
    الحنابلة قالوا: يسن خروج الصبيان المميزين، كما يقول المالكية أما غيرهم فإنه يباح إخراجهم كالبهائم والعجائز
    (9) الحنفية قالوا: صلاة الكسوف لا تصح بركوعين وقيامين، بل لا بد من قيام واحد، وركوع واحد كهيئة النفل بلا فرق، على أنهم قالوا: أقلها ركعتان، وله أن يصلي أربعاً أو أكثر، والأفضل أن يصلي أربعاً بتسليمة واحدة أو بتسليمتين
    (10) الحنفية قالوا: يسن تطويل القراءة في الركعة الأولى بنحو سورة "البقرة" وفي الثانية بنحو "آل عمران" ولو خففهما، وطول الدعاء، فقد أتى بالسنة. لأن السنة عندهم استيعاب وقت الكسوف بالصلاة والدعاء، فإذا خفف أحدهما طول الآخر، ليبقى على الخشوع، والخوف إلى الانجلاء
    (11) الحنفية قالوا: يسن تطويل الركوع والسجود فيهما، بلا حد معين.
    الحنابلة قالوا: يطيل الركوعين في كل ركعة بلا حد، ولكن يسبح في الركوع الأول من الركعة الأولى بمقدار مائة آية. وفي الركوع الثاني منها بمقدار سبعين آية، ومثلها الركعة الثانية، إلا أن أفعالها تكون أقصر من أفعال الأولى، أما السجود فيسن تطويله في كل من الركعتين بحسب العرف.
    الشافعية قالوا: يطيل الركوع الأول من الركعة الأولى بمقدار مائة آية من سورة "البقرة" والثاني بمقدار ثمانين آية منها، ويطيل الأول من الركعة الثانية بمقدار سبعين آية منها، والثاني بمقدار خمسين آية منها، أما السجود، فإنه يطيل منه السجدة من كل ركعة بمقدار الركوع الأول منها، ويطيل السجدة الثانية من كل ركعة بمقدار الركوع الثاني منها.
    المالكية قالوا: يندب تطويل كل ركوع بما يقرب من قراءة السورة التي قبله، فيطول الركوع الأول بما يقرب من قراءة سورة "البقرة" والثاني بما يقرب من قراءة سورة "آل عمران" وهكذا؛ أما السجود في كل ركعة، فيندب تطويله، كالركوع الذي قبله، والسجدة الثانية تكون أقصر من الأولى، قريباً منها، ويندب أن يسبح في ركوعه وسجوده
    (12) المالكية قالوا: الفرض في كل ركعة هو قيامها وركوعها الأخيران، والسنة هو الأولان، فلو دخل مع الإمام في القيام الثاني في إحدى الركعتين فقد أدرك الركعة
    (13) المالكية قالوا: إنما يشرع التطويل فيها على الصفة المتقدمة ما لم يتضرر المأمومون أو يخش خروج وقتها الذي هو من حل النافلة إلى زوال الشمس
    (14) الحنفية قالوا: يشترط في إمامها أن يكون إمام الجمعة على الصحيح، فإن لم يوجد فلا بد من إذن السلطان، فإن لم يمكن ذلك صليت فرادى في المنازل

    (15) الشافعية قالوا: متى تيقن كسوف الشمس سن له أن يصلي هذه الصلاة. ولو في وقت النهي، لأنها صلاة ذات سبب.
    المالكية قالوا: وقتها من حل النافلة، وهو ارتفاع الشمس بعد طلوعها قدر رمح إلى الزوال فلا تصلي قبل هذا الوقت، ولا بعده
    (16) الشافعية قالوا: يسن لها خطبتان لجماعة الرجال - كالعيد - بعد صلاتها، ولو انجلت الشمس، ويبدل التكبير بالاستغفار، لأنه هو المناسب للحال، ولا يشترط فيهما من شروط خطبتي الجمعة إلا أن يسمع الناس، وكونها باللغة العربية، وكون الخطيب ذكراً.
    المالكية قالوا: إذا انجلت الشمس بتمامها أثناء الصلاة، فإن كان ذلك قبل إتمام ركعة بسجدتيها أتمها كالنوافل من غير زيادة القيام، والركوع في كل ركعة، ومن غير تطويل، أما إذا كان ذلك بعد تمام ركعة بسجدتيها، فقيل: يتمها على هيئتها بزيادة القيام والركوع، ولكن من غير تطويل، وقيل: يتمها كالنوافل، والقولان متساويان.
    الحنفية قالوا: صلاة خسوف القمر كصلاة كسوف الشمس، إلا أنها مندوبة ولا تشرع فيها الجماعة، ولا يسن إيقاعها في الجامع بل تؤدي في المنازل وحداناً.
    الشافعية قالوا: صلاة الخسوف كصلاة الكسوف، إلا في أمرين: أحدهما: الجهر بالقراءة في الخسوف دون الكسوف، ثانيهما: إن صلاة الكسوف تفوت بغروب الشمس كاسفة. بخلاف القمر، فإنه إذا غرب خاسفاً فعلت صلاته إلى أن تطلع الشمس، وإذا فاته كل من صلاة الكسوف والخسوف لم يقض

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 334 الى صــــــــ
    343
    الحلقة (53)

    صلاة خسوف القمر، والصلاة عند الفزع
    وأما صلاة خسوف القمر، فحكمها وصفتها، كصلاة كسوف الشمس المتقدمة، إلا في أمور مفصلة في المذاهب
    (1) ، وأما الصلاة عند الفزع فهي مندوبة، فندب أن يصلي ركعتين عند الفزع من الزلازل أو الصواعق أو الظلمة والريح الشديدين، أو الوباء، أو نحو ذلك من الأهوال، لأنها آيات من الله تعالى يخوف بها عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعوا إلى طاعته، فعند وقعها ينبغي الرجوه إليه تعالى بالعبادة التي يدور عليها أمر سعادتهم في الدنيا والآخرة، وهي كالنوافل المطلقة فلا جماعة لها ولا خطبة، ولا يسن فعلها في المسجد بل الأفضل فيها أن تؤدي بالمنازل، وهذا متفق عليه عند المالكية، والحنفية. أما الحنابلة فقالوا: لا تندب الصلاة لشيء من الأشياء المذكورة إلا للزلازل إذا دامت فيصلي لها ركعتان كصلاة الكسوف، وأما الشافعية فلم يذكروا أن الصلاة مندوبة لشيء من هذه الأمور.

    الأوقات التي نهى الشارع عن الصلاة فيها
    تقدم في مباحث أوقات الصلاة الخمس المفروضة أن للصلوات أوقاتاً تؤدي فيها. بحيث لو تأخرت عنها كان المصلي آثماً إذا فعلها في وقت الحرمة، وفاعلاً للمكروه إذا صلاها في وقت الكراهة، ولكن اتفق ثلاثة من الأئمة على أن الصلاة تكون صحيحة متى وقعت بعد دخول وقتها، وخالف الحنفية في ثلاثة من الأئمة على أن الصلاة تكون صحيحة متى وقعت بعد دخول وقتها، وخالف الحنفية في ثلاثة أوقات، فقالوا: إن الصلاة المفروضة لا تنعقد فيها أصلاً، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، وأما صلاة النافلة فقد اختلفت آراء المذاهب في أوقاتها المنهي عن صلاتها فيها، فانظرها تحت الخط (3) .
    قضاء النافلة إذا فات وقتها أو فسدت بعد الشروع
    إذا فاتت النافلة فلا تقضى إلا ركعتي الفجر، فإنهما يقضيان من وقت حل النافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال، على التفصيل المتقدم، باتفاق الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (4) .
    وإذا شرع في النفل ثم أفسده فلا يجب عليه قضاؤه، لأنه لا يتعين بالشروع فيه، باتفاق الشافعية والحنابلة، وخالف المالكية؛ والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .

    هل تصلي النافلة في المنزل أو في المسجد؟
    صلاة النافلة في المنزل أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، رواه البخاري؛ ومسلم ويستثنى النافلة التي شرعت لها الجماعة كالتراويح؛ فإن فعلها في المسجد أفضل على التفصيل المتقدم في مبحثها.

    صلاة النفل على الدابة
    وتجوز صلاة النافلة على الدابة بلا عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) .
    مباحث الجمعة
    يتعلق بها مباحث: أحدها: حكمها ودليله: ثانيها: وقتها، ثالثها: متى يجب السعي لصلاة الجمعة، رابعها: شروطها، خامسها: شرح بعض هذه الشروط، وهي حكم حضور النسار الجمعة، حكم تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة في البلد الواحد، الجماعة التي تصح بها الجمعة، الخطبة - أركانها - شروطها - سننها - مكروهاتها - الكلام حال الخطبة وعند خروج الخطيب من خلوته وجلوسه على المنبر - الترقية بين يدي الخطيب، سادسها: بيان ما لا يجوز فعله يوم الجمعة في المسجد أو يره، كتخطي رقاب الناس في المسجد، وعدم جواز السفر يومها، سابعها: هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من الجمعة؛ ثامنها: هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؛ تاسعها: بيان حكم من أدرك إمام الجمعة في بعض الصلاة؛ عاشرها: مندوبات صلاة الجمعة، وإليك بيان هذه المباحث بالتفصيل.

    حكم الجمعة، ودليله
    صلاة الجمعة فرض على كل من استكملت فيه الشروط الآتي بيانها، وهي ركعتان، لما روي عن عمر رضي الله عنه عنه أنه قال: "صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد والنسائي، وابن ماجة بإسناد حسن، وهي فرض عين على كل مكلف قادر مستكمل لشروطها، وليست بدلاً عن الظهر فإذا لم يدركها فرض عليه صلاة الظهر أربع ركعات، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والاجماع؛ أما الكتاب فقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} ، وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفوا عن الجمعة بيوتهم" رواه مسلم، وقد انعقد الاجماع على أن الجمعة فرض عين.

    وقت الجمعة، ودليله
    وقت الجمعة وهو وقت الظهر، من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء، كما تقدم بيانه في مبحث "أوقات الصلاة" فلا تصح الجمعة قبل هذا الوقت، ولا بعده باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) وإذا خرج الوقت وهم في صلاة الجمعة، ففي حكم صلاتهم خلاف في المذاهب، فانظره تحت الخط (8) ، أما دليل وقتها فهو ما رواه البخاري في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس، وأخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع، قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء (الظل) .

    متى يجب السعي لصلاة الجمعة، ويحرم البيع؟، الأذان الثاني
    يجب السعي لصلاة الجمعة على من تجب عليه الجمعة إذا نودي لها بالأذان الذين بين يدي الخطيب، ويحرم البيع في هذه الحالة لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} فقد أمر الله تعالى بالسعي إلى الصلاة عند النداء، ولم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى هذا الأذان، فكان إذا صعد صلى الله عليه وسلم المنبر أذن المؤذن بين يديه، وقد روى ذلك البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وقد زاد عثمان رضي الله عنه نداء قبل هذا عندما كثر الناس، روي عن السائب بن يزيد، قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر. فلما كان زمن عثمان، وكثر الناس، زاد النداء الثاني على الزوراء، وفي رواية زاد الأذان الثالث ولكن المراد به هنا الأذان، وإنما سماه ثالثاً لأن الإقامة تسمى أذاناً؛ ومما لا ريب فيه أن زيادة هذا الأذان مشروعة، لأن الغرض منه الإعلام، فلما كثر الناس كان إعلامهم بوقت الصلاة مطلوباً، وسيدنا عثمان من كبار الصحابة المجتهدين الذين عرفوا قواعد الدين ونقلوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أنه يجب على المكلف بالجمعة أن يسعى إليها متى سمع النداء الذي بين يدي الخطيب، لأنه هو المقصود بالآية الكريمة، وخالف الحنفية فقالوا: متى سمع أذان الجمعة بعد زوال الشمس فإنه يجب عليه أن يسعى، فالأذان المعروف الآن على المئذنة ونحوها يوجب السعي إلى الصلاة، لأنه نداء مشروع، والآية عامة، فلم تخصه بالأذان الذي بين يدي الخطيب، كما يقول الثلاثة.
    أما البيع فقد اتفق الحنفية، والشافعية على أنه حرام عند أذان الجمعة. وإن كان صحيحاً، إلا أن الشافعية أرادوا الأذان الذين بين يدي الخطيب، والحنفية، أرادوا الأذان الذي قبله إلى انتهاء الصلاة، أما المالكية، والحنابلة؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (9) .
    هذا حكم من تجب عليهم الجمعة، أما من لا تجب عليهم فإنه لا يجب عليهم السعي، ولا يحرم عليهم البيع، فإن كان أحد المتعاقدين يلزمه، والآخر لا يلزمه، فإنه يحرم عليهما معاً، وذلك لأن من لا تجب عليه أعان من تجب عليه على المعصية. ومن هذا تعلم أنه لا يجب السعي، ولا يحرم البيع قبل الأذان المذكور على الخلاف المتقدم؛ نعم يجب السعي على من كانت داره بعيده عن المسجد بقدر ما يدرك به أداء الفريض.

    __________
    (1) المالكية قالوا: صلاة خسوف القمر مندوبة لا سنة على المعتمد، بخلاف الكسوف فإنها سنة، كما تقدم، وصفتها كالنوافل بلا تطويل في القراءة، وبدون زيادة القيام والركوع؛ ويندب الجهر فيها بالقراءة، ووقتها من ابتداء الخسوف إلى انجلاء القمر، وينهى عنها في أوقات النهي عن النافلة، ويحصل المندوب بصلاة ركعتين، ويندب تكرارها حتى ينجلي القمر أو يغيب أو يطلع الفجر، بخلاف صلاة الكسوف، فإنه لا تكرر إلا إذا انجلت الشمس ثم انكسفت، ويكره إيقاعها في المسجد، كما تكره الجماعة فيها.
    الحنابلة قالوا: صلاة الخسوف كالكسوف، إلا أنه إذا غاب القمر خاسفاً ليلاً أديت صلاة الخسوف بخلاف الشمس، كما تقدم

    (2) الحنفية قالوا: إن الصلاة المفروضة لا تنعقد أصلاً في ثلاثة أوقات:
    أحدها: وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع، فلو شرع في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس قبل أن يفرغ من صلاته، بطلت صلاته؛ إلا إذا كان في الركعة الأخيرة وجلس بمقدار التشهد، فإنهم اختلفوا في هذه الحالة، فمنهم من قال تبطل، ومنهم من قال: لا،
    ثانيها: وقت توسط الشمس في كبد السماء إلى أن تزول، وقد تقدم معنى الزوال في مباحث "أوقات الصلاة، ثالثها: وقت احمرار الشمس حال غروبها إلى أن تغرب، إلا عصر اليوم نفسه، فإنه ينعقد، ويصح بعد احمرار الشمس المذكور عند غروبها مع الكراهة التحريمية، ومثل الصلوات المفروضة في هذا الحكم سجدة التلاوة ولكن عدم صحة سجدة التلاوة في هذه الأوقات مشروطة بوجوبها قبل دخول هذه الأوقات، بأ، سمعها مثلاً قبل طلوع الشمس، ثم سجد وقت طلوع الشمس، أما إذا سمع آية سجدة في وقت من هذه الأوقات، وسجد فإنه يصح، فلو سمع قارئاً يقرأ آية سجدة عند طلوع الشمس أو وقت توسط الشمس في كبد السماء، أو حال احمرار الشمس عند غروبها، وسجد فإن سجدته تصح، ولكن الأفضل تأخير السجدة إلى الوقت من هذه الأوقات ولم يصل عليها فلا يصح له أن يصلي عليها عند دخول هذه الأوقات، أما إذا حضرت وقت دخولها فإن الصلاة عليها تصح، بل يكره تأخير الصلاة إلى الوقت الذي تجوز فيه الصلاة، وهذا كله في الصلوات المفروضة
    (1) الحنفية قالوا: يكره التنفل تحريماً في أوقات، وهي: بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح، إلا سنتها فلا تكره، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس فلا يصلي في هذا الوقت نافلة، ولو سنة الفجر إذا فاتته، لأنها متى فاتت وحدها سقطت، ولا تعاد، كما تقدم، وبعد صلاة فرض العصر إلى غروب الشمس، وعند خروج الخطيب من خلوته للخطبة، سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو حج أو نكاح أو كسوف أو استسقاء، وعند إقامة المؤذن للصلاة المكتوبة، إلا سنة الفجر إذا أمن فوت الجماعة في الصبح، كما تقدم، وقبل صلاة العيد وبعدها على ما تقدم، وبين الظهر والعصر المجموعتين في عرفة جمع تقديم ولو سنة الظهر، وبين المغرب والعشاء المجموعتين في المزدلفة جمع تأخير، ولو سنة المغرب، وعند ضيق وقت المكتوبة، وإذا وقع النفل في وقت من هذه الأوقات انعقد مع الكراهة التحريميةن ويجب قطعه وأداؤه في وقت الجواز.
    الحنابلة قالوا: يحرم التنفل ولا ينعقد، ولو كان له سبب في أوقات ثلاثة، وهي:
    أولاً: من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قدر رمح إلا ركعتي الفجر، فإنها تصح في هذا الوقت قبل صلاة الصبح، وتحرم ولا تنعقد بعده؛
    ثانياً: من صلاة العصر، ولو مجموعة مع الظهر جمع تقديم، إلى تمام الغروب، إلا سنة الظهر، فإنها تجوز بعد العصر المجموعة مع الظهر؛
    ثالثاً: عند توسط الشمس في كبد السماء حتى نزول، ويستثنى من ذلك كله ركعتا الطواف، فإنها تصح في هذه الأوقات مع كونها نافلة، ومثلها الصلاة المعادة. بشرط أن تقام الجماعة وهو بالمسجد، فإنه يصح أن يعيد الصلاة التي صلاها مع الجماعة، وإن وقعت نافلة، وكذا تحية المسجد إذا دخل حال خطبة الإمام وقت توسط الشمس في كبد السماء فإنها تصح، وإذا شرع في صلاة النافلة قبل دخول وقت من هذه الأوقات ثم دخل الوقت وهو فيها فإنه يحرم عليه إتمامها، وإن كان صحيحة، أما صلاة الجنازة فإنها تحرم في وقت توسط الشمس في كبد السماء إلى أن تزول، وفي وقت شروعها في الغروب إلى أن يتكامل الغربو؛ وفي وقت طلوعها إلى أن تتكامل، فيحرم فعلها في هذه الأوقات، ولا تنعقد إلا لعذر فيجوز.
    الشافعية قالوا: تكره صلاة النافلة التي ليس لها سبب تحريماً، ولا تنعقد في خمسة أوقات، وهي:
    أولاً: بعد صلاة الصبح أداء إلى أن ترتفع الشمس:
    ثانياً: عند طلوع الشمس إلى ارتفاعها قدر رمح؛
    ثالثاً: بعد صلاة العصر أداء، ولو مجموعة مع الظهر في وقته،
    رابعاً: عند اصفرار الشمس حتى تغرب؛ خامساً: وقت استواء الشمس في كبد السماء إلى أن تزول؛ أما الصلاة التي لها سبب متقدم عليها كتحية المسجد وسنة الوضوء، وركعتي الطواف، فإنها تصح بدون كراهة في هذه الأوقات لوجود سببها المتقدم، وهو الطواف، والوضوء، ودخول المسجد، وكذا الصلاة التي لها سبب مقارن، كصلاة الاستسقاء، والكسوف، فإنها تصح بدون كراهة أيضاً لوجود سببها المقارن، وهو القحط، وتغيب الشمس؛ أما الصلاة التي لها سبب متأخر كصلاة الاستخارة والتوبة، فإنها لا تنعقد لتأخير سببها؛ ويستثنى من ذلك الصلاة بمكة، فإنها تنعقد بلا كراهة في أي وقت من أوقات الكراهة، وإن كانت خلاف الأولى؛ ويستثنى أيضاً من وقت الاستواء يوم الجمعة، فإنه لا تحرم فيه الصلاة، نعم تحرم الصلاة مطلقاً بعد جلوس الخطيب على المنبر يوم الجمعة إلا تحية المسجد، فإنها تسن بشرط أن لا تزيد عن ركعتين، فلو قام لثالثة بطلت صلاته كلها؛ وأما خطبة غير الجمعة فتكره الصلاة فيها تنزيهاً؛ ويكره تنزيهاً التنفل عند إقامة الصلاة المفروضة غير الجمعة؛ أما هي فيحرم التنفل عند إقامتها إن ترتب عليه فوات ركوعها الثاني مع الإمام، ويجب قطع النافلة عند ذلك، وإذا شرع في النفل قبل إقامة الصلاة ثم أقيمت وهو يصليه أتمه إن لم يخش فوات الجماعة بسلام الإمام، وإلا ندب له قطعه إن لم يغلب على ظنه الحصول على جماعة أخرى.
    المالكية قالوا: يحرم التنفل، وهو كل ما عدا الصلوات الخمس المفروضة، كالجنازة التي لم يخف عليها التغير، وسجود التلاوة وسجود السهو، في سبع أوقات، وهي من ابتداء طلوع الشمس إلى تمامه، ومن ابتداء غروب الشمس إلى تمامه، وحال خطبة الجمعة اتفاقاً، والعيد على الراجح، وحال خروج الإمام للخطبة، وحال ضيق الوقت الاختياري، أو الضروري للصلاة المكتوبة، وحال تذكر الفائتة - إلا الوتر لخفته - لأنه يجب قضاءها بمجرد تذكرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" وحال إقامة الصلاة للإمام الراتب، لقوله عليه الصلاة والسلام: "وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ويكره ما ذكر من النفل وما ماثله مما تقدم في أوقات. الأول: بعد طلوع الفجر إلى قبيل طلوع الشمس، ويستثنى من ذلك أمور: رغيبة الفجر، فلا تكره قبل صلاة الصبح، أما بعدها فتكره، والورد، وهو ما رتبه الشخص على نفسه من الصلاة ليلاً، فلا يكره فعله بعد طلوع الفجر. بل يندب، ولكن بشروط:
    -1 - أن يفعله قبل صلاة الفجر والصبح، فإن صلى الصبح فات الورد، وإن تذكره في أثناء ركعتي الفجر قطعهما وصلى الورد، وإن تذكره بعد الفراغ منهما صلى الورد وأعاد الفجر، لأن الورد لا يفوت إلا بصلاة الصبح، كما تقدم 2 - أن يكون فعله قبل الاسفار؛ فإن دخل الاسفار كره فعله
    3 - أن يكون معتاداً له، فإن لم يعتد التنفل في الليل كره له التنفل بعد طلوع الفجر
    4 - أن يكون تأخيره بسبب غلبة النوم آخر الليل، فإن أخره كسلاً كره فعله بعد طلوع الفجر
    5 - أن لا يخاف بفعله فوات صلاة الصبح في جماعة، وإلا كره الورد إن كان الشخص خارج المسجد، وحرام إن كان فيه. وكانت الجماعة للإمام الراتب، ويستثنى أيضاً من الكراهة في الوقت المذكور صلاة الشفع والوتر إذا لم يصلهما حتى طلع الفجر، فإنه يطالب بهما ما دام لم يصل الصبح إلا إذا أخر الصبح حتى بقي على طلوع الشمس مقدار صلاته فقط، فإنه يترك الشفع والوتر حينئذ ويصليه، ويستثنى أيضاً صلاة الجنازة، وسجود التلاوة إذا فعل قبل الإسفار ولو بعد صلاة الصبح.
    فلا تكرهان، أما بعد الإسفار فتكره صلاتهما، إلا إذا خيف على الجنازة التغير بالتأخير فلا تؤخر؛
    الثاني: من أوقات الكراهة بعد تمام طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح، وهو اثنا عشر شبراً بالشبر المتوسط،
    الثالث: بعد أداء فرض العصر إلى قبيل الغروب، ويستثنى من ذلك صلاة الجنازة، وسجود التلاوة إذا فعلا قبل اصفرار الشمس، أما بعد الاصفرار فتكرهان، إلا إذا خيف على الجنازة التغير،
    الرابع: بعد تمام غروب الشمس إلى أن تصلى المغرب،
    الخامس: قبل صلاة العيد أو بعدها بالمصلى، على التفصيل السابق، وإنما ينهى عن التنفل في جميع الأوقات السابقة - أوقات الحرمة والكراهة - إذا كان مقصوداً، فمتى قصد التنفل كان منهياً عنه نهي تحريم أو كراهة، على ما تقدم، ولو كان منذوراً، أو قضاء نفل أفسده، أما إذا كان النفل غير مقصود كأن شرع في فريضة وقت النهي فتذكر أن عليه فائتة بعد صلاة ركعة من الفرض الحاضر فإنه يندب أن يضم إليها ركعة أخرى، ويجعله نفلاً ولا يكره، وإذا أحرم بنفل في وقت النهي وجب عليه قطعه إن كان في أوقات الحرمة إلا من دخل المسجد والإمام يخطب، فشرع في النفل جهلاً أو نسياناً فلا يقطعه، أما إذا خرج الخطيب إلى المنبر بعد الشروع في النفل فلا يقطعه، ولو لم يعقد ركعة، بل يجب الإتمام، وندب له قطعه في أوقات الكراهة، ولا قضاء عليه فيهما

    (4) الشافعية قالوا: يندب قضاء النفل الذي له وقت كالنوافل التابعة للمكتوبة والضحى والعيدين، أما ما ليس له وقت فإنه لا يقضي، سواء كان له سبب، كصلاة الكسوف، أو ليس له سبب كالنفل المطلق.
    الحنابلة قالوا: لا يندب قضاء شيء من النوافل إلا السنن التابعة للفريضة والوتر
    (5) الحنفية قالوا: إذا شرع في النفل المطلوب منه ثم أفسده، لزمه قضاءه: فإن نوى ركعتين أو لم ينو عدداً، ثم أفسده، لزمه قضاء ركعتين، وكذا إن نوى أربعاً على الصحيح، ولو شرع في نفل يظنه مطلوباً منه، ثم تبين له أثناء الصلاة أنه غير مطلوب لم يلزمه قضاءه.
    المالكية قالوا: يجب قضاء النفل إذا أفسده فإن نوى ركعتين أو لم ينو عدداً ثم أفسده وجب عليه قضاء ركعتين. أما إذا نوى أربع ركعات، ثم أفسدها: فإن كان الافساد قبل عقد الركعة الثالثة برفع رأسه من ركوعها مطمئناً معتدلاً وجب قضاء ركعتين، وإن كان بعد عقد الركعة الثالثة بما ذكر وجب عليه قضاء أربع ركعات
    (6) الشافعية قالوا: صلاة النافلة على الدابة جائزة إلى الجهة التي يقصدها المسافر، ولا يجوز له الانحراف عنها إلا للقبلة، فإن انحراف لغير القبلة عالماً عامداً بطلت صلاته. وإنماتجوز بشرط السفر، ولو لم يكن سفر قصر؛ ويصليها صلاة تامة بركوع وسجود.
    إلا إذا الشافعية قالوا: عليه ذلك فإنه يومئ بركوعه وسجوده، بحيث يكون انحناء السجود أخفض من انحناء الركوع إن سهل، وإلا فعل ما أمكنه ويجب عليه فيها استقبال القبلة إن لم يشق عليه. فإن شُق عليه استقبالها في كل الصلاة وجب عليه أن يستقبلها عند افتتاح الصلاة بتكبيرة الإحرام، فإن شُق عليه ذلك أيضاً سقط استقبال القبلة بشروط ستة:
    الأول: أن يكون السفر مباحاً،
    الثاني: أن يقصد السفر إلى مكان لا يسمع فيه نداء الجمعة.
    الثالث: أن يكون السفر لغرض شرعي، كالتجارة،
    الرابع: دوام السفر حتى يفرغ من الصلاة التي شرع فيها، فلو قطع السفر وهو يصلي لزمه استقبالها،
    الخامس: دوام السير، فلو نزل أو وقف للاستراحة في أثناء الصلاة لزمه الاستقبال ما دام غير سائر
    السادس: ترك فعل الكثير بلا عذر، كالركض والعدو بلا حاجة في أثناء الصلاة المذكورة، أما إن كان لحاجة فلا يضر، ويجب أن يكون مكانه على الدابة طاهراً؛ بخلاف ما إذا بالت الدابة أو دمي فمها أو وطئت نجاسة رطبة: فإن كان زمامها بيده بطلت صلاته، وإلا فلا، أما إن كانت النجاسة جافة فإن فارقتها الدابة حالاً صحت الصلاة، وإلا فلا تصح، ومن جعل دابته تطأ نجاسة بطلت صلاته مطلقاً، ويجوز للمسافر أن يتنفل ماشياً، فإن كان في غير وحل لزمه إتمام الركوع والسجود والتوجه فيهما إلى القبلة، كما يجب عليه التوجه إليها عند إحرامه والجلوس بين السجدتين، ولا يمشي إلا في قيامه واعتداله من الركوع قائماً، وتشهده وسلامه كذلك، ومن كان ماشياً في نحو ثلج أو وحل أو ماء جاز له الإيماء بالركوع والسجود، إلا أنه يلزمه استقبال القبلة فيهما، والماشي إذا وطئ نجاسة عمداً في أثنائها بطلت صلاته مطلقاً، فإن وطئها سهواً صحت صلاته إن كانت جافة وفارقها حالاً، وإلا بطلت صلاته.
    المالكية قالوا: يجوز للمسافر سفراً تقصر فيه الصلاة - وسيأتي بيانه - أن يصلي النفل، ولو كان وتراً، على ظهر الدابة، بشرط أن يكون راكباً لها ركوباً معتاداً، وله ذلك متى وصل إلى مبدأ قصر للصلاة على الأحوط، ثم إن كان راكباً في "شقدف وتختروان" ونحوهما مما يتيسر في الركوع والسجود عادة صلى بالركوع والسجود قائماً أو جالساً إن شاء بالإيماء، ويقوم استقبال جهة السفر مقام استقبال القبلة، وإن كان راكباً لأتان ونحوها صلى بالركوع والإيماء للسجود، بشرط أن يكون الإيماء للأرض لا للسرج ونحوه، وأن يحسر عمامته عن جبهته، ولا تشترط طهارة الأرض التي يومئ لها. ولا يجب عليه استقبال القبلة أيضاً. ويكفيه استقبال جهة السفر، فلو انحرف عنها عمداً لغير ضرورة بطلت صلاته. إلا إن كان الانحراف للقبلة فتصح، لأن القبلة هي الأصل، ويندب للمسافر المذكور أن يبدأ صلاته لجهة القبلة، ولا يجب ولو تيسر، أما الماشي والمسافر سفراً لا تقصر فيه الصلاة لكونه قصيراً أو غير مباح مثلاً، وكذا راكب الدابة ركوباً غير معتاد - كالراكب مقلوباً - فلا تصح صلاته إلا بالاستقبال والركوع والسجود. ويجوز للمتنفل على الدابة أن يفعل ما لا بد منه من ضرب الدابة بسوط ونحوه، وتحريك رجله، وإمساك زمامها بيده، ولكنه لا يتكلم ولا يلتفت، وإذا شرع في الصلاة على ظهرها ثم وقف، فإن نوى إقامة تقطع حكم السفر نزل وتمم بالأرض بالركوع والسجود، وغلا خفف القراءة وأتم على ظهرها، وأما الفرض على ظهر الدابة ولو كان نفلاً منذوراً، فلا يصح إلا في الهودج ونحوه، بشرط استقبال القبلة والركوع والسجود والقيام، أما على الأتان ونحوها فلا يصح إلا لضرورة، كما تقدم في مباحث "استقبال القبلة في صلاة الفرض".
    الحنفية قالوا: تندب الصلاة على الدابة إلى أي جهة توجهت إليها دابته؛ فلو صلى إلى جهة غير التي توجهت إليها دابته لا تصح لعدم الضرورة، ولا يشترط في ذلك السفر، بل يتنفل المقيم بلا عذر، متى جاوز المصر إلى المحل الذي يجوز للمسافر فيه الصلاة فيه، وينبغي أن يومئ لأن الصلاة على الدابة شرعت بالإيماء، فلو سجد على شيء وضعه أو سجد على السرج اعتبر سجوده إيماء إن كان أخفض من الركوع، ولا يشترط استقبال القبلة في ابتداء الصلاة، لأنها لما جازت إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها، نعم يستحب ذلك مع عدم المشقة، ويجوز أن يحث دابته على السير بالعمل القليل، كما يجوز له أن يفتتح صلاته على الدابة، ثم ينزل عنها بالعمل القليل ويتمها بانياً على ما صلاه؛ أما إذا افتتح الصلاة وهو على الأرض، فلا يجوز له أن يتمها بانياً على ظهر الدابة، ولو افتتح صلاته خارج المصر، ثم دخل المصر أتم على الدابة، وأما صلاة الفرض والواجب وسنة الفجر، فإنها لا تجوز على الدابة إلا لضرورة، كخوف من لص أو سبع على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وقد تقدم بيانه في "استقبال القبلة"، ولا يمنع صحة الصلاة على الدابة نجاسة كثيرة عليها. ولو كانت في السرج والركابين في الأصح، ولا يجوز للماشي أن يتنفل ماشياً بل يقف إذا أراد التنفل، ويؤدي الصلاة تامة.
    الحنابلة قالوا: يجوز للمسافر سفراً مباحاً إلى جهة معينة، سواء كان سفر قصر أو لا أن يتنفل على ظهر الدابة أو على الأرض إذا كان ماشياً؛ ويجب على المتنفل على الدابة أن يركع ويسجد ويستقبل القبلة في جميع الصلاة متى أمكنه ذلك بلا مشقة. فإن شُق عليه شيء من ذلك فلا يجب، فيستقبل جهة سفره إن شُق عليه استقبال القبلة، ويومئ للركوع، أو السجود إن تعسر واحد منهما، ويلزم أن يكون الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع إن تيسر، وأما الماشي فيلزمه افتتاح الصلاة إلى جهة القبلة. وأن يركع ويسجد بالأرض إلى جهة القبلة أيضاً، ويفعل باقي الصلاة وهو ماس مستقبلاً جهة مقصده، ومن كان يتنفل على الدابة وهو ماش، وكان مستقبلاً جهة مقصده، ثم عدلت به دابته أو عدل هو عنها فإن كان العدل لجهة القبلة صحت وإن كان لغيرها، فإن كان لغير عذر بطلت صلاته مطلقاً، وإن كان لعذر وطال العدول عرفاً بطلت، وإلا فلا، ويشترط طهارة ما تحت الراكب المتنفل من برذغة ونحوها بخلاف الحيوان، فلا تشترط طهارته، أما من سافر ولم يقصد جهة معينة، وكذا من سافر سفراً مكروهاً أو محرماً فإنه يلزمه كل ما يلزم في الصلاة من استقبال القبلة وغيرها
    (7) الحنابلة قالوا: يبتدئ وقت الجمعة من ارتفاع الشمس قدر رمح، وينتهي بصيرورة ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال، ولكن ما قبل الزوال وقت جواز يجوز فعلها فيه، وما بعد الزوال وقت وجوب يجب إيقاعها فيه، وإيقاعها فيه أفضل.
    المالكية قالوا: وقتها من زوال الشمس إلى غروبها، بحيث يدركها بتمامها مع الخطبة قبل الغروب، فإن علم أن الوقت الباقي إلى الغروب لا يسع إلا ركعة منها بعد الخطبة. فلا يسرع فيها، بل يصلي الظهر فإن شرع يصح
    (8) الحنفية قالوا: تبطل صلاتهم بخروج الوقت قبل تمامها لفوات الشرط، ولو بعد القعود قدر التشهد.
    الشافعية قالوا: إذا شرعوا في صلاتها، وقد بقي من الوقت ما يسعها، ولكنهم أطالوا فيها حتى خرج الوقت لم يبطل ما صلوه، بل يتمونها ظهراً بانين على صلاتهم الأولى من غير نية الظهر، ويسر الإمام فيما بقي. ويحرم أن يقطعوا الصلاة. ويستأنفوا الظهر من أوله، أما إذا شرعوا فيها بعد أن ضاق الوقت ظانين أنه يسعها فلم يسعها، وخرج وهم في الصلاة بطلت صلاتهم، ولا تنقلب ظهراً.
    الحنابلة قالوا: إذا شرعوا في صلاة الجمعة آخر وقتها فخرج الوقت وهم فيها أتموها جمعة.
    المالكية قالوا: إن شرع في الجمعة معتقداً إدراكها بتمامها ثم غربت الشمس قبل تمامها، فإن كان الغروب بعد تمام ركعة بسجدتيها أتمها جمعة، وغلا أتمها ظهراً
    (9) المالكية قالوا: إذا وقع البيع وقت الأذان المذكور كان فاسداً ويفسخ، إلا إذا تغيرت ذات المبيع، كأن ذبح أو أكل منه أو نحو ذلك، وكذا إذا تغير سوقه، كأن نزل ثمنه أو صعد ونحو ذلك مما يفوت به البيع الفاسد، كما يأتي في "الجزء الثاني" فإذا وقع شيء من ذلك فإن البيع يمضي، وتجب قيمة المبيع يوم قبضه لا الثمن الذي وقع العقد عليه.
    الحنابلة قالوا: إذا وقع البيع في هذا الوقت لا ينعقد رأساً


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 344 الى صــــــــ
    354
    الحلقة (54)

    [شروط الجمعة، تعريف المصر والقرية]
    يشترط لصلاة الجمعة ما يشترط لصلاة الظهر وغيره من الصلوات المذكورة في صحيفة 161 وما بعدها في مبحث "شروط الصلاة" المتقدم بيانها، ولكن للجمعة شروط زائدة على شروط الصلاة المتقدمة، فلنذكرها لك مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط (1) ، ثم نبين المتفق عليه، والمختلف فيه.
    [حضور النساء الجمعة]
    قد عرفت أن الذكورة شرط في وجوب الجمعة، فلا تجب على المرأة، ولكن تصح منها إذا صلتها بدل الظهر، وهل الأفضل للمرأة أن تصلي الجمعة، أو تصلي الظهر في بيتها؟ في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (2) ، أما غير المرأة ممن تجب عليهم الجمعة، كالعبد، فإنه يستحب له حضور الجمعة.
    [تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة]
    الغرض من صلاة الجمعة هو أن يجتمع الناس في مكان واحد خاشعين لربهم، فتتوثق بينهم روابط الإلفة، وتقوى صلات المحبة، وتحيا في أنفسهم عاطفة الرحمة والرفق، وتموت عوامل البغضاء والحقد، وكل منهم ينظر إلى الآخر نظرة المودة والإخاء، فيعين قويهم ضعيفهم، ويساعد غينيهم فقيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويشعرون جميعاً بأنهم عبيد الله وحده، وأنه هو الغني الحميد، ذو السلطان القاهر، والعظمة التي لا حد لها.ذلك بعض أغراض الشريعة الإسلامية من حيث الناس على الاجتماع في العبادة؛ ومما لا ريب فيه أن تعدد المساجد لغير حاجة يذهب بهذه المعاني السامية، لأن المسلمين يتفرقون في المساجد.
    فلا يشعرون بفائدة الاجتماع، ولا تتأثر أنفسهم بعظمة الخالق الذي يجتمعون لعبادته خاضعين متذللين،
    فمن أجل ذلك قال بعض الأئمة: إذا تعددت المساجد لغير حاجة فإن الجمعة لا تصح إلا لمن سبق بها في هذه المساجد، فمن سبق بيقين كانت الجمعة له، وأما غيره فإنه يصليها ظهراً، وإليك بيان آراء المذاهب في هذا الموضوع تحت الخط (3) .


    [هل تصح صلاة الجمعة في الفضاء؟]
    اتفق ثلاثة من الأئمة على جواز صحة الجمعة في الفضاء،
    وقال المالكية: لا تصح إلا في المسجد وقد ذكرنا بيان المذاهب تحت الخط (4) .


    [الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها]
    اتفق الأئمة على أن الجمعة لا تصح إلا بجماعة، ولكنهم اختلفوا في عدد الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بهم، كما اختلفوا في شروط هذه الجماعة، وقد ذكرنا آراء المذاهب تحت الخط (5) .

    (1) الحنفية قالوا: تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شروط الصلاة إلى قسمين: شروط وجوب؛ وشروط صحة، فشروط وجوبها عندهم ستة، أحدها: الذكورة، فلا تجب على الأنثى، ولكن إذا حضرتها وأدتها، فإنها تصح منها، وتجزئها عن صلاة الظهر، ثانيها: الحرية، فلا تجب على من به رق، ولكن إذا حضرها وأداها فإنها تصح منه، ثالثها: أن يكون صحيحاً، فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشياً، فإن عجز عن الذهاب إلى المسجد ماشياً سقطت عنه الجمعة، وإن وجد من يحمله باتفاق الحنفية، أما الأعمى الذي لا يمكنه الذهاب إليها بنفسه فالإمام يقول: إنها تسقط عنه؛ ولو وجد قائداً متبرعاً، أو بأجر يقدر عليه، والصاحبان يقولان إن قدر على الذهاب، ولو بقائد متبرع، أو بأجر يقدر عليه لزمه الذهاب، فيجوز للأعمى أن يقلد أحد الرأيين، ولكن الأحوط أن يقلد مذهب الصاحبين، خصوصاً أن الجمعة تصح منه باتفاق، رابعها: الإقامة في المحل الذي تقام فيه الجمعة، أو في محل متصل به، فمن كان في محل يبعد عن مكان الجمعة فإنها لاتجب عليه، وقدروا مسافة البعد بفرسخ، وهو ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، وهي - خمسة كيلو مترات، وأربعون متراً - وهذا هو المختار للفتوى، وبعضهم قدر هذه المسافة بأربعمائة ذراعٍ؛ وتسمى "غلوة"، وبذلك تعلم أنها لا تجب على المسافر إلا إذا نوى أن يقيم خمسة عشر يوماً، خامسها: أن يكون عاقلاً، فلا تجب على المجنون ومن في حكمه؛ سادسها: البلوغ، فلا تجب على الصبي الذي لم يبلغ.
    هذا، ولا يشتبه عليك عد العقل والبلوغ من شروط وجوب الجمعة الزائدة على شروط وجوب الصلاة، وذلك لأن الحنفية عدوا في كتبهم المشهورة شروط الصلاة مقصورة على شروط الجواز والصحة، وإلا فمما لا شك في أن البلوغ من شروط وجوب الصلاة، وكذلك القدرة في شرائط الجمعة اكتفاء بعدّها في شروط الصلاة كان له وجه حسن؛ وأما شروط صحتها فهي سبعة أحدها: المصر، فلا تجب على من كان مقيماً بقرية لقول علي رضي الله عنه: "لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة" رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" موقوفاً على علي "رضي الله عنه"، وكذلك رواه عبد الرزاق، والفرق بين القرية والمصر أن المصر ما لا تسع أكبر مساجده أهله المكلفين بصلاة الجمعة، ولو لم يحضروا بالفعل، وبهذا أفتى أكثر فقهاء الحنفية، وعليه فتصح الجمعة في كل بلاد القطر المصري التي بها مساجد تقام فيها الجمعة، إذ لا توجد قرية يسع أكبر مساجدها جميع أهلها المكلفين، فإذا فرض ووجدت قرية صغيرة، ويقال لها: نزلة، لا ينطبق عليها هذا الشرط، فإنه لا يصح من أهلها الجمعة إذا لم يكن بينها وبين بلدة أخرى أقل من مسافة فرسخ، وإلا فإنه يلزمهم الذهاب إلى هذه البلدة لأداء الجمعة؛ ولكن المشهور من مذهب أبي حنيفة أن المصر هو كل موضع له أمير وقاض يقدر على إقامة أكثر الحدود، وإن لم ينفذها بالفعل، فلا تصح الجمعة على هذا الرأي في مساجد البلدان التي لا ينطبق عليها هذا الشرط وحيث أن معظم علماء المذهب أفتوا بالرأي الأول فمن الحيطة العمل به خصوصاً أن جميع الأئمة لم يشترطوا هذا الشرط، فالذين يتركون صلاة الجمعة بناء على ما اشتهر عند بعض الحنفية في تعريف المصر لم يأخذوا بالأحوط لديهم، خصوصاً إذا ترتب على ترك الجمعة تشكيك العامة واستهانتهم بأداء واجباتهم الدينية، على
    أن عندهم الذي يعولون عليه في هذا هو ما رواه ابن أبي شيبة عن علي موقوفاً، وقد نقل الزيلعي في كتابه "نصب الراية" أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه في هذا الموضوع شيء، وعلى فرض أنه حديث صحيح فمن أين جاء تعريف المصر بأنه ما كان له أمير وقاض ينفذ الحدود؟، فالحق واضح، والارتكاز على هذا لا يفيد مطلقاً، ولهذا جرى جمهور محققي الحنفية على أن المصر هو ما كان أكبر مسجد فيه لا يسع أهله الذين تجب عليهم الصلاة، وإن لم يحضروا فعلاً؛ أما الأئمة الآخرون فإنهم لم يعولوا على هذا الأثر الذي نقل عن علي كرم الله وجهه، وستعرف شرائطهم بعد هذا؛ ثانيها: إذن السطان أو نائبه الذي ولاه إمارة، فإذا ولى الإمام خطيباً فغن له أن يولي غيره، ولو لم يأذن بالإنابة على الظاهر، وبعضهم يقول: لا يجوز إلا إذنه بإنابة غيره:
    ثالثها: دخول الوقت، فلا تصح الجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر، وقد عرفت أن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة مطلقاً، ولو غير جمعة، كما هو شرط لوجوبها، ولكنهم ذكروه أيضاً في شرائط صحة الجمعة تساهلاً، وإذا خرج الوقت قبل تمام صلاتها فإن صلاتهم تبطل، ولو بعد القعود قدر التشهد؛ وقد عرفت أن وقت الجمعة هو وقت الظهر، وهو من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء؛
    رابعها: الخطبة، وسيأتي بيانها؛
    خامسهاً: أن تكون الخطبة قبل الصلاة؛
    سادسها: الجماعة، فلا تصح الجمعة إذا صلاها منفرداً، ويشترط في الجماعة عند الحنفية أن يكونوا ثلاثة غير الإمام، وإن لم يحضروا الخطبة، كما سيأتي في مبحث "الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها"؛
    سابعها: الإذن العام من الإمام - الحاكم - فلا تصح الجمعة في مكان يمنع منه بعض المصلين، فلو أقام الإمام الجمعة في داره بحاشيته وخدمه، فإنها تصح مع الكراهة، ولكن بشرط أن يفتح أبوابها، ويأذن
    للناس بالدخول فيها، ومثلها الحصن والقلعة، على أنه لا يضر إغلاق الحصن أو القلعة لخوف من العدو، فتصح الصلاة فيها مع إغلاقها متى كان مأذوناً للناس بالدخول فيها، وتصح صلاة الجمعة في الفضاء،
    بشرطين: أحدهما إذن الإمام؛
    ثانيهما: أن لا يبعد عن المصر أكثر من فرسخ، أو يكون له علاقة بالمصر، كالمحل الذي أعد لسباق الخيل، أو لدفن الموتى، وسيأتي في مبحثه.
    المالكية قالوا: تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين:
    شروط وجوب، وشرط صحة، فأما شروط وجوبها فهي كشروط وجوب الصلاة المتقدمة، وتزيد عليها أمور؛ أحدها الذكورة، فلا تجب الجمعة على المرأة، ولكن إن صلتها مع الجماعة فإنها تصح منها، وتجزئها عن صلاة الظهر؛
    ثانيها: الحرية، فلا تجب على العبد، ولكن إذا حضرها وأداها فإنها تصحمنه، وهذا الشرطان متفق عليهما في المذاهب بنصهما،
    ثالثها: عدم العذر المبيح لتركها، فتسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكباً أو محمولاً، فإذا قدر على السعي لها، ولو بأجرة لا تجحف به، فإنها تجب عليه، وإذا كان مقعداً فإنه لا يلزمه الذهاب إلى الجمعة، إلا إذا وجد من يحمله، ولم يتضرر من ذلك؛
    رابعها: أن يكون مبصراً، فلا تجب على الأعمى إذا تعذر عليه الحضور بنفسه، أو لم يجد قائداً، فإن أمكنه المشي بنفسه، أو وجد قائداً، فإنها تجب عليه؛
    خامسها: أن لا يكون شيخاً هرماً يصعب عليه الحضور،
    سادسها: أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين، ومثل الحروالبر الشديدين المطر والوحل الشديدان،
    سابعها: أن يخاف من ظالم يحبسه أو يضربه ظلماً، أما إن كان يستحق ذلك فإن الجمعة لا تسقط عنه،
    ثامنها: أن يخاف على مال أو عرض أو نفس، ويشترط في المال أن يكون ضياعه مجحفاً به،
    تاسعها: أن يكون مقيماً بالبلد الذي تقام به الجمعة، أو مقيماً بقرية أو خيمة تبعد عنه ثلاثة أميال وثلث ميل.
    وتعتبر هذه المسافة من المنارة التي في طرف البلد إن جاز تعدد مساجد الجمعة، بأن كان هناك ضرورة توجب التعدد، أما إذا منع تعدد المساجد فتعتبر هذه المسافة من منارة الجامع الذي أقيمت فيه الجمعة أولاً، فالمقيم والمسافر الذي نوى إقامة أربع أيام تامة تجب عليه الجمعة، وإن كانت لا تنعقد بالمسافر الذي نوى الإقامة؛ أما الاستيطان، وهو الإقامة بنية التأبيد، فهو شرط لوجوبها ابتداء ولصحتها، فلاتجب الجمعة ابتداء إلا على قوم أقاموا في بلدة على التأبيد بحيث يمكن حمايتها والذود عنها من الطوارئ الغالبة؛ عاشرها: أن يكون في بلدة مستوطنة، فلو نزل جماعة كثيرة بمكان ونووا فيه الإقامة شهراً مثلاً، وأرادوا أن يقيموا جمعة في ذلك المكان، فلا تجب عليهم ولا تصح، ولا يشترط في بلد الجمعة أن يكون مصراً، فتصح في القرية وفي الأخصاص، وهي البيوت المبنية من الجريد أو القصب الفارسي - البوص -؛ وأما بيوت الشعر فلا تجب الجمعة على أهلها، ولا تصح، لأن الغالب عليهم الارتحال، إلا إذا كانوا قريبين من بلدها، فتجب عليهم تبعاً، كما تقدم.
    وأما شروط صحة الجمعة فهي خمسة:
    الأول استيطان قوم ببلدة أو جهة، بحيث يعيشون في هذا البلد دائماً آمنين على أنفسهم من الطوارئ الغالبة، وكما أن الاستيطان شرط في الصحة، فهو شرط في الوجوب، كما تقدم بيانه في "شرائط الوضوء":
    الثاني: حضور اثني عشر غير الإمام، ويلزم حضور جميع أهل البلد، ولو في أول جمعة على الصحيح؛ نعم يشترط وجودهم في البلد أو قريباً منه بحيث يمكن الاستنجاد بهم في كلجمعة؛
    الثالث: الإمام ويشترط فيه أمران:
    أحدهما: أن يكون مقيماً أو مسافراً نوى إقامة أربعة أيام، وقد تقدم.
    ثانيهما: أن يكون هو الخطيب، فلو صلى بهم غير من خطب، فالصلاة باطلة إلا إذا منع الخطيب من الصلاة مانع يبيح له الاستخلاف، كرعاف، ونقض وضوء، فيصح أو يصلي غيره إن لم ينتظر زوال عذره في زمن قريب، وإلا وجب انتظاره؛ والقرب مقدار صلاة الركعتين الأوليين من العشاء وقراءتهما:
    الرابع الخطبتان، وقد تقدم الكلام عليهما؛
    الخامس: الجامع، فلا تصح الجمعة في البيوت ولا في أرض براح مثلاً، ويشترط في الجامع شروط أربعة
    الأول: أن يكون مبنياً، فلا تصح في مسجد حوط عليه بأحجار أو طوب من غير بناء؛
    الثاني: أن يكون بناؤه مساوياً على الأقل للبناء المعتاد لأهل البلد، فلو كان البلد أخصاصاً صح بناء المسجد من البوص؛
    الثالث: أن يكون في البلد أو قريباً منها، بحيث يصل إلى المكان المقيم به دخان البلد التي تقام فيها الجمعة،
    الرابع: أن يكون المسجد واحداً فلو تعددت المساجد في البلد الواحد فلا يصح إلا في الجامع القديم، على التفصيل الذي تقدم في "مبحث تعدد المساجد".
    الشافعية قالوا: تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين: شروط وجوب: وشروط صحة، فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم في شروط وجوب الصلاة، فمنها الشروط التي ذكرها المالكية إلى الشرط العاشر، فمنهم متفقون معهم في أن الجمعة لا تجب على المريض والمقعد والأعمى إلا بالشروط التي ذكرها المالكية في شرائط الوجوب، وكذا لا تجب في حال البرد والحر الشديدين جداً، كما يقول المالكية، ومثلهما المطر والوحل والخوف من عدو ظالم أو حاكم ظالم كذلك، وكذا لا تجب على من خاف ضياع مال، سواء كان مجحفاً به أو لا، خلافاً للمالكية في ذلك، وكذا لا تجب على من خاف على عرضه أو نفسه، كما لا تجب على المرأة والرقيق، ولكنها تصح منهما، وقد وافق الحنابلة على هذه الشروط أيضاً، إلا أن الحنابلة قالوا: لا تجب على الأعمى، إلا إذا وجد قائداً أو ما يقوم مقامه من علامة يستند إليها حتى يصل إلى المسجد، كجدار يمكنه أن يستند إليه أو حبل يمسكه أو نحو ذلك، وقد عرفت أن الحنفية يقولون: تسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشياً، فإن عجز عن ذلك سقطت عنه، وإن وجد من يحمله باتفاق، أما الأعمى ففيه خلاف، فبعضهم يقول: تسقط عنه، ولو وجد قائداً متبرعاً، ومنهم من يقول: إذا قدر الذهاب ولو بقائد متبرع أو بأجر يقدر عليه فإن الذهاب يجب عليه. كما تقدم في شرائط الوجوب عند الحنفية، وقد وافق الحنفية جميع الأئمة على أن الجمعة لا تجب على من خاف من ظالم يعتدي على ماله أو عرضه أو نفسه، بشرط أن يكون ضياع ماله مجحفاً به، كما يقول المالكية، والحنابلة، خلافاً للشافعية، أما إن كان ظالماً، فإن الجمعة لا تسقط عنه بالخوف من القصاص.
    ومن شروط وجوب الجمعة عند الشافعية الإقامة بمحل الجمعة أو بمحل قريب منه، كما يقول غيرهم من الأئمة، إلا أن لهم في ذلك تفصيلاً، وهو أنهم يشترطون فيمن كان مقيماً بمحل قريب من محل الجمعة أن يسمع الأذان أو النداء، فلا تجب الجمعة على من كان مقيماً بمكان بعيد لا يسمع أهله النداء، إلا إذا بلغ عددهم أربعين، فتجب عليهم في هذه الحالة إقامة الجمعة بمحلهم.
    ولا يلزمهم السعي للبلد القريب منهم، ولا يشترط في وجوب الجمعة الاستيطان، وهو الإقامة على التأبيد، بحيث لا يرحلون عن محلهم صيفاً أو شتاءً إلا لحاجة، كالمعتاد في القاطنين ببلد، وإنما الاستيطان المذكور شرط لانعقاد الجمعة، فلا تنعقد الجمعة إلا بمن كان مستوطناً، بمعنى أنه لو حضر من المستوطنين أقل من أربعين، وكمل العدد بغير متوطن، فإن الجمعة لا تنعقد، ولا تصح، كما لا تجب عليهم من أول الأمر، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب الجمعة على المسافر، إلا إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام في بلد الجمعة، وإذا خرج للسفر من بلده بعد فجر الجمعة فإنها تجب عليه إذا أدرك الجمعة في المحل المسافر إليه، إما إذا خرج من بلده قبل فجر يوم الجمعة، فإنها لا تجب عليه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السفر طويلاً أو قصيراً، إلا إذا كان يريد الذهاب إلى مكان قريب يسمع فيه أذان الجمعة من البلدة التي خرج منها، أما إذا سمع النداء من بلدة غيرها فإنها لا تجب عليه، وعلى هذا إذا خرج الحصادون والعمال من بلدهم إلى مكان أعمالهم قبل الفجر، فإن الجمعة عند الشافعية فهي ستة أشياء:
    الأول: أن تقع كلها وخطبتاها في وقت الظهر يقيناً:
    الثاني: أن تقع بأبنية مجتمعة، سواء كانت مصراً أو قرية، أو بلداً، أو غاراً بالجبل، أو سرداباً، فلا تصح في الصحراء، والضابط المعتمد لصحة الجمعة في الأبنية ما لا تقصر الصلاة فيه تصح فيه الجمعة كفضاء داخل سور البلد، وما تقصر الصلاة فيه لا تصح فيه،
    الثالث: أن تقع الصلاة جماعة بشرائطها المتقدمة،
    الرابع: أن يكون عدد جماعتها أربعين بالشروط المتقدمة،
    الخامس. أن تكون صلاة الجمعة متقدمة على غيرها في مكانها، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث "تعدد الجمعة"،
    السادس: تقدم الخطبتين بالأركان والشروط الآتي بيانها.
    الحنابلة قالوا: تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شرائط الصلاة المتقدمة إلى شروط وجوب. وشروط صحة، فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم، فمنها الشروط التي ذكرت عند المالكية، والشافعية، والحنفية، ومنها الحرية، فلا تجب على العبد، والذكورة، فلا تجب على الإناث، وتصح منهم إذا حضروها، ومنها عدم العذر المبيح لتركها، فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكباً أو محمولاً، أما إذا قدر ولو بأجرة لا تجحف به، فإنها تجب عليه، ومثل المريض المقعد، ومنها أن يكون مبصراً، فلا تجب على الأعمى ولو وجد قائداً؛ إلا إذا أمكنه أن يستند إلى حبل متصل بمسجد الجمعة، ومنها أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين، أو وقت مطر ووحل شديدين كذلك، ومنها أن يخاف من حبس ونحوه، وهو مظلوم لا ظالم، ومنها أن يخاف على مال من الضياع، أو يخاف على عرض أو نفسه، ويشترط أن يكون ضياع المال مجحفاً به، ومنها الإقامة ببناء يشمله اسم واحد كمصر، فكل القاطنين في مدينة مصر تجب عليهم الجمعة، ولو كان بينهم وبين المحل التي تقام فيه فراسخ كثيرة، لأنها مدينة واحدة لها اسم واحد، أما الجهات التي لها أسماء خاصة بها، كعين شمس، ومصر الجديدة، والزيتون ومعادي الخبيري، ونحو ذلك، فإن كل جهة منها مستقلة بنفسها في هذا الشرط، بحيث لا تجب الجمعة إلا على من كان متوطناً بها إذا كانت الجمعة تقام فيها، فإن لم تكن بها مساجد تقام فيها الجمعة، ولكن بجوارها جهة أخرى تقام فيها الجمعة، فإنه يجب أن يذهب إلى الجهة التي تقام فيه الجمعة، بشرط أن تكون بين الجهتين مسافة فرسخ فأقل.
    أما إذا كانت المسافة أكثر فإن الجمعة لا تجب، وقد عرفت حد الفرسخ فيما مضى من مذهب الحنفية، ولا تجب الجمعة على سكان الخيام، ولا على أهل القرى الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعين، فإن كانوا أربعين فأكثر، فإن الجمعة تجب عليهم إذا كانوا لا يفارقونها صيفاً ولا شتاءً، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب على المسافر إلا إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ وأقل مسافة السفر المعتبرة عند الحنابلة أن يكون بين المسافر وبين المحل التي تقام فيه الجمعة فرسخ فأقل، وإلا فلا تجب عليه؛ وأما شروط صحة الجمعة فهي أربعة: أحدها. دخول الوقت، فلا تصح قبله ولا بعده، ولكن وقت الجمعة عندهم كوقت صلاة العيد، فمتى طلعت الشمس وارتفعت بمقدار ما تحل فيه الصلاة النافلة.
    فإن صلاة الجمعة تبتدئ عندهم، وقد تقدم توضيح مذهبهم في مبحث "وقت الجمعة" فارجع إليه أن شئت،
    ثانيها: أن يكون مقيماً بمدينة أو قرية على الوجه المتقدم ذكره في شروط الوجوب، فلا تصح الصلاة عندهم في صحراء أو خيمة أو نحو ذلك، خلافاً للحنفية الذين قالوا: تصح في الصحراء، ثالثها: أن يحضرها أربعون فأكثر بالإمام، وإن كان بعضهم أخرس، أما إن كانوا كلهم كذلك فإن الجمعة لا تصح، رابعها: الخطبتان بشروطهما وأحكامهما

    (2) الحنفية قالوا: الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها ظهراً، سواء كانت عجوزاً أو شابة، لأن الجماعة لم تشرع في حقها.
    المالكية قالوا: إن كانت المرأة عجوزاً انقطع منها ارب الرجل جاز لها أن تحضر الجمعة، وغلا كره لها ذلك، فإن كانت شابة وخيف من حضورها الافتتان بها في طريقها أو في المسجد، فإنه يحرم عليه الحضور دفعاً للفساد.
    الشافعية قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مشتهاة، ولو كانت في ثياب رثة، ومثلها غير المشتهاة إن كانت تزينت أو تطيبت، فإن كانت عجوزاً وخرجت في أثواب رثة، ولم تضع عليها رائحة عطرية، ولم يكن للرجال فيها غرض؛ فإنه يصح لها أن تحضر الجمعة بدون كراهة؛ على أن كل ذلك مشروط بشروطين:
    الأول: أن يأذن لها وليها بالحضور، سواء كانت شابة أو عجوزاً، فإن يأذن حرم عليها؛
    الثاني: أن لا يخشى من ذهابها للجماعة افتتان أحد بها، وإلا حرم عليها الذهاب.
    الحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة، بشرط أن تكون غير حسناء؛ أما إن كانت حسناء، فإنه يكره لها الحضور مطلقاً
    (3) الشافعية قالوا: إما أن تتعدد الأمكنة التي تقام فيها الجمعة لغير حاجة إلى هذا التعدد، أو تتعدد لحاجة، كأن يضيق المسجد الواحد عن أهل البلدة، فإذا تعددت المساجد أو الأمكنة التي تقام فيها الجمعة لغير حاجة كانت الجمعة لمن سبق بالصلاة، بشرط أن يثبت يقيناً أن الجماعة التي صلت في هذا المكان سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، أما إذا لم يثبت ذلك، بل ثبت أنهم صلوا جميعاً في وقت واحد، بأن كبروا تكبيرة الإحرام معاً، أو وقع شك في أنهم كبروا معاً، أو سبق أحدهم بالتكبير فإن صلاتهم تبطل جميعاً، وفي هذه الحالة يجب عليهم أن يجتمعوا معاً، ويعيدوها جمعة إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن صلوها ظهراً.
    أما إذا تعددت لحاجة، فإن الجمعة تصح في جميعها، ولكن يندب أن يصلوا الظهر بعد الجمعة.
    المالكية قالوا: إذا تعددت المساجد في بلد واحد، فإن الجمعة لا تصح إلا في أول مسجد أقيمت فيه الجمعة من البلد، ولو كان بناءه متأخراً، مثلاً إذا كان في البلد - زوايا - لم تقم فيها الجمعة، ثم بني مسجد أقيمت فيه الجمعة، ثم بني بعده مسجد آخر أقيمت فيه الجمعة، فإن الجمعة لا تصح إلا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة أولاً، ولكن هذا الحكم عندهم مشروط بأربعة شروط: أحدها: أن لا يهجر القديم بالصلاة في الجديد، بأن يترك الناس الصلاة في القديم رغبة في الجديد بدون عذر؛ ثانيها: أن يكون القديم ضيقاً، ولا يمكن توسعته، فيحتاج الناس إلى الجديد، - والمسجد الضيق هو الذي لا يسع من يغلب حضورهم الجمعة وإن لم تكن واجبة عليهم -، ثالثها: أن لا يخشى من اجتماع أهل البلدة في مسجد واحد حدوث فتنة أو فساد، كما إذا كان بالبلدة أسرتان متنافستان إحداهما شرقي البلد، والثانية غربيها، فإنه يصح لكل منهما أن تتخذ لها مسجداً خاصاً؛ رابعها: أن لا يحكم حاكم بصحتها في المسجد الجديد.
    الحنابلة قالوا: تعدد الأماكن التي تقام فيها الجمعة في البلد الواحد إما أن يكون لحاجة أو لغير حاجة، فإن كان لحاجة، كضيق مساجد البلد عمن تصح منهم الجمعة، وإن لم تجب عليهم، وإن لم يصلوا فعلاً - فإنه يجوز، وتصح الجمعة، سواء أذن فيها ولي الأمر، أو لم يأذن، وفي هذه الحالة يكون الأولى أن يصلي الظهر بعدها، أما إن كان التعدد لغير حاجة، فإن الجمعة لا تصح إلا في المكان الذي أذن بإقامتها فيه ولي الأمر، ولا تصح في غيره حتى ولو سبقت، وإذا أذن ولي الأمر بإقامتها في مساجد متعددة لغير حاجة، أو لم يأذن أصلاً، فالصحيحة منها ما سقت غيرها بتكبيرة الإحرام، فإن وقعت الصلاة في وقت واحد، بأن كبروا تكبيرة الإحرام معاً بطلت صلاة الجميع إن تيقنوا ذلك، ثم إذا أمكن إعادتها جمعة أعادوها، وإلا صلوها ظهراً، أما إذا لم تعلم الجمعة السابقة، فإن الجمعة تصح في واحد غير معين، فلا تعاد جمعة، ولكن يجب على الجميع أن يصلوا ظهراً.
    الحنفية قالوا: تعدد الأماكن التي تصح فيها الجمعة لا يضر، ولو سبق أحدها الآخر في الصلاة على الصحيح، ولكن إذا علم يقيناً من يصلي الجمعة في مسجد أن غيره سبقه من المصلين في المساجد الأخرى، فإنه يجب عليه أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر بتسليمة واحدة، والأفضل أن يصليها في منزله حتى لا يعتقد العامة أنها فرض، وقد عرفت أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض، وإن شئت قلت: إنه سنة مؤكدة.
    أما إذا شك في أن غيره سبقه فإنه يندب له أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر فقط، وعليه أن يقرأ في كل ركعة سورة أو ثلاث آيات قصار، لاحتمال أن تكون هذه الصلاة نافلة، وقد تقدم أن قراءة السورة ونحوها واجبة في جميع ركعات النفل، وهل يصلي الركعات الأربع المذكورة قبل صلاة أربع ركعات سنة الجمعة أو بعدها؟
    والجواب: يصليها بعدها فإذا صلاها قبلها فقد خالف الأولى والأمر في ذلك سهل، وعلى هذا يطلب ممن يصلي الجمعة أن يصلي بعدها أربع ركعات سنة الجمعة، ثم يصلي بعدها أربع ركعات بنية آخر ظهر، على الوجه المتقدم، ثم يصلي بعدها ركعتين سنة وقت الظهر كما تقدم في السنن

    (4) المالكية قالوا: لا تصح الجمعة في البيوت ولا في الفضاء، بل لا بد أن تؤدي في الجامع.
    الحنابلة قالوا: تصح الجمعة في الفضاء إذا كان قريباً من البناء، ويعتبر القرب بحسب العرف فإن لم يكن قريباً فلا تصح الصلاة، وإذا صلى الإمام في الصحراء استخلف من يصلي بالضعاف.
    الشافعية قالوا: تصح الجمعة في الفضاء إذا كان قريباً من البناء، وحد القرب عندهم المكان الذي لا يصح فيه للمسافر أن يقصر الصلاة متى وصل عنده، وسيأتي تفصيله في مباحص "قصر الصلاة" ومثل الفضاء الخندق الموجود داخل سور البلد إن كان لها سور.
    الحنفية قالوا: لا يشترط لصحة الجمعة أن تكون في المسجد، بل تصح في الفضاء، بشرط أن لا يبعد عن المصر بأكثر من فرسخ، وأن يأذن الإمام بإقامة الجمعة فيه، كما تقدم في الشروط

    (5) المالكية قالوا: أقل الجماعة التي تنعقد بها الجمعة اثنا عشر رجلاً غير الإمام، ويشترط فيهم شروط:
    أحدها: أن يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة، فلا يصح أن يكون منهم عبد أو صبي أو امرأة،
    الثاني: أن يكونوا متوطنين، فلا يصح أن يكون منهم مقيم ببلد الجمعة لتجارة مثلاً أو مسافر نوى الإقامة أربعة أيام،
    الثالث: أن يحضروا من أول الخطبتين إلى تمام الصلاة، فلو بطلت صلاة واحد منهم، ولو بعد سلام الإمام، وقبل سلامه هو، فسدت الجمعة على الجميع؛
    الرابع أن يكونوا مالكيين أو حنفيين، فإن كانوا من الشافعية أو الحنابلة الذين يشترطون أن يكون عدد الجماعة أربعين، فلا تنعقد الجمعة بهم إلا إذا قلدوا مالكاً أو أبا حنيفة، ولا يلزم عند إقامة أول جمعة في قرية حضور أهل القرية كلهم، بل يكفي حضور الاثني عشر على الراجح؛ ويشترط في الإمام أن يكون ممن تجب عليه الجمعة ولو كان مسافراً نوى الإقامة أربعة أيام، لكن بشرط أن تكون الإقامة بغير قصد الخطبة، فإن أقام بقصد الخطبة فلا يصح أن يكون إماماً.
    الحنفية قالوا: يشترط في الجماعة التي تصح بها الجمعة أن تكون بثلاثة غير الإمام، وإن لم يحضروا الخطبة، فلو خطب بحضور واحد، ثم انصرف قبل الصلاة وحضر ثلاثة رجال بعد ذلك وصلى بهم صحت من غير أن يعيد عليهم الخطبة، ويشترط فيها أن يكونوا رجالاً ولو كانوا عبيداً أو مرضى أو مسافرين أو أميين أو بهم صمم، لأنهم يصلحون للإمامة في الجمعة، إما لكل أحد، وإما لمثلهم في الأمي والأخرس بعد أن يخطب واحد غيرهم، إذ لا يشترط أن يكون الخطيب هو إمام الجمعة، فصلاحيتهم للابتداء لغيرهم أولى، بخلاف النساء أو الصبيان، فإن الجماعة في الجمعة لا تصح بهم وحدهم لعدم صلاحيتهم للإمامة بمثلهم فيها ويشترط أن يستمروا مع الإمام حتى يسجد السجدة الأولى.
    فإن تركوه بعد ذلك بطلت صلاتهم وحدهم وأتمها هو جمعة، وإن تركوه قبل أن يسجد بطلت صلاة الجميع عند أبي حنيفة؛ ويشترط في الإمام أن يكون ولي الأمر الذي ليس فوقه ولي أو من يأذنه بإقامة الجمعة، وهذا شرط في صحة الجمعة، فلو لم يكن الإمام ولي الأمر أو نائبه لم تنعقد الجمعة وصلاها الناس ظهراً، ويجوز لمن أذنه الإمام بإقامة الجمعة أن ينيب غيره، وأن يصرح له بذلك.
    الشافعية قالوا: يشترط في الجماعة التي تصح بها الجمعة أمور:
    أحدها: أن يكونوا أربعين ولو بالإمام، فلا تنعقد الجمعة بأقل من ذلك؛ فإن نقص العدد عن ذلك جاز تقليد إمام لا يشترط ذلك العدد بشرط أن يحترز المقلد عن التلفيق، كأن يكون في طهارته موافقاً لذلك المذهب؛ ويشترط فيهم أن يكونوا ممن تنعقد بهم الجمعة، بأن يكونوا أحراراً ذكوراً مكلفين متوطنين بمحل واحد، فلا تنعقد بالعبيد والنساء والصبيان والمسافرين، وأن يستمروا مع الإمام في صلاة صحيحة مغنية عن القضاء، بحيث لا تلزمهم إعادتها لعذر إلى أن تنتهي الركعة الأولى، أما الركعة الثانية فلا يشترط فيها بقاء الجماعة، بمعنى أنهم لو نووا مفارقة الإمام فيها وأتموا صلاتهم لأنفسهم صحت جمعتهم، وكذلك الإمام إذا نوى مفارقتهم فيها وأتم لنفسه.
    أما إذا فسدت صلاة واحد منهم قبل سلام الإمام أو بعده فإن صلاة الجمعة تبطل على الجميع، لأنه يشترط دوام العدد إلى تمامها، فإن أمكنهم إعادتها جمعة لاتساع الوقت وجبت وإلا صلوها ظهراً؛ ويشترط أيضاً أن يفتتح المقتدون صلاتهم عقب افتتاح الإمام صلاته بدون أن يتأخروا عنه زمناً لا يسع قراءة الفاتحة والركوع قبل رفعه من الركوع، فلو تأخروا عن تكبيرة الإمام حتى صار الزمن الذي بين تكبيرهم للإحرام ورفع الإمام من الركوع لا يسع قراءة الفاتحة والركوع لم تنعقد الجمعة، أما الإمام فإن كان من الأربعين فإنه يشترط فيه أن يستكمل الشروط التي شرطت في المقتدين.
    وإن كان زائداً عن الأربعين صح أن يكون صبياً أو عبداً أو مسافراً؛ ويشترط أن ينوي الإمام الإمامة وإن كان صبياً أو عبداً أو مسافراً؛ وكذا يشترط في المقتدين أو ينووا الاقتداء. فإن لم ينو الإمام أو المقتدون ذلك لم تنعقد، ويشترط أيضاً بقاء العدد كاملاً من أول الخطبة إلى انتهاء الصلاة.
    الحنابلة قالوا: يشترط في جماعة الجمعة شروط:
    1 - أن لا يقل عددهم عن أربعين، ولو بإمام.
    -2 - أن يكونوا ممن تجب عليهم الجمعة بأنفسهم، وهم الأحرار الذكور البالغون المستوطنون بالمحل الذي يصح أن تقام فيه الجمعة، وهو البلد المبني بناء معتاداً، فلا يصح أن يكون من جماعة الجمعة رقيق ولا أنثى ولا صبي ولا مسافر ولا مقيم غير مستوطن ولا مستوطن بمحل خارج عن بلد الجمعة وإن وجبت عليه تبعاً، كما تقدم.
    -3 - أن يكونوا قد حضروا الخطبة والصلاة ولا يشترط أن يحضروا جميع الصلاة. فلو حضر الأربعون جميع الخطبة وبعض الصلاة ثم انصرفوا بعد مجيء بدلهم صحت، أما لو نقص العدد عن الأربعين في أثناء الصلاة قبل حضور ما يكمله، فإنه تبطل.
    وتجب إعادتها جمعة إن أمكن؛ ثم نقص عدد الأربعين حتى صاروا اثني عشر.
    فإن الصلاة لا تبطل عليهم، ويجب على الإمام أن يستخلف منهم من يتم بهم صلاتهم. أما هو فصلاته باطلة حيث كان مذهبه يشترط الأربعين؛ فإن كان المأمومون يرون أنه لا بد من أربعين والإمام لا يرى ذلك، ثم نقص عددهم عن الأربعين قبل حضور ما يتم به العدد المذكور، فإن الصلاة تبطل على الجميع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 354 الى صــــــــ
    364
    الحلقة (55)

    [أركان خطبتي الجمعة، افتتاحها بالحمد]
    قد ذكرنا لك في مباحث "صلاة العيدين" أن أركان خطبتها كأركان خطبة الجمعة ما عدا افتتاح خطبة العيد، فإنه يكون بالتكبير وافتتاح خطبة الجمعة يكون بالحمد، وقد ذكرنا لك في مباحث "صلاة العيد" اركان الخطبتين مفصلة عند كل مذهب، على أننا قد بينا هناك أن افتتاح خطبة الجمعة بالحمد ركن عند الشافعيةن والحنابلة، أما المالكية،
    والحنفية قالوا: إنه ليس بركن لا في خطبة العيد ولا في خطبة الجمعة، ولذا رأينا أن نذكر لك أركان خطبة الجمعة ههنا أيضاً ليسهل نظرها في كل مذهب، فانظرها تحت الخط (1) .

    [شروط خطبتي الصلاة، هل يشترط أن تكونا بالعربية، وهل يشترط لهما النية؟]
    يشترط لخطبتي الجمعة أمور:
    أحدها: أن تتقدما على الصلاة، فلا يعتد بهما إن تأخرتا عنها، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ،
    ثانيها:
    نية الخطبة فلو خطب بغير النية لم يعتد بخطبته عند الحنفيةن والحنابلة،
    وقال الشافعية والمالكية:
    إن النية ليست بشرط في صحة الخطبة، إلا أن الشافعية اشترطوا عدم الانصراف عن الخطبة،
    فلو عطس وقال: الحمد لله، بطلت خطبته، وهذا الشرط لم يوافقهم عليه أحد،
    ثالثها:
    أن تكونا بالعربية على تفصيل في المذاهب. فانظره تحت الخط (3) ،
    رابعها:
    أن تكونا في الوقت، فلو خطب قبله، وصلى فيه لم تصح باتفاق، خامسها: أن يجهر الخطيب بهما، بحيث يسمع الحاضرين، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (4) .
    [هل يصح الفصل بين الخطبتين والصلاة بفاصل؟]
    سادسها: أن لا يفصل الخطيب بين الخطبة والصلاة بفاصل طويل، وقد اختلفت في تحديد المذاهب فانظره تحت الخط (5) .

    هذا وقد ذكرنا الشروط مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط (6) .
    [سنن الخطبة - الدعاء لأئمة المسلمين وولاة الأمور في الخطبة]
    وأما سنن الخطبة فقد ذكرناها مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط (7) .

    [مكروهات الخطبة]
    مكروهات الخطبة هي ترك سنة من السنن المتقدمة، فمن ترك سنة من سنن الخطبة فإنه يكره له ذلك باتفاق الحنفية، والمالكية، أما الشافعية، والحنابلة فلهم في ذلك تفصيل ذكرناه تحت الخط (8) .

    يبتدع بعض الناس أن يتكلموا بين يدي الخطيب بقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية، ويزيدون عليها أنشودة طويلة،
    ثم إذا فرغ المؤذن الذي يؤذن بين يديه يقول:
    "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة: أنصت، فقد لغوت" الحديث: ثم يقول بعد ذلك: أنصتوا تؤجروا، وكل هذا بدعة لا داعي إليها، ولا لزوم لها، خصوصاً ما يعلنه ذلك المؤذن من الجهل بمعنى الحديث، لأنه يأمر بالانصات وعدم الكلام،
    ثم يتكلم هو بعده بقوله:
    أنصتوا تؤجروا، ولا أدري ما هو الداعي لهذه الزيادة التي لم يأمرنا بها الدين، وقواعده تأباها، لأن الغرض في هذا المقام إظهار الخضوع والخشوع لله عز وجل، فكل تهويش أو كلام سوى كلام الخطيب لغو فاسد لا قيمة له، وقد وافق على هذا المالكية، والحنفية على المعتمد عندهم، وإليك تفصيل المذاهب في ذلك تحت الخط (9) .
    [مبحث الكلام حال الخطبة]
    لا يجوز الكلام حال الخطبة على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (10) .

    [تخطي الجالسين لحضور الجمعة أو اختراق الصفوف]
    لا يجوز اختراق صفوف الجالسين لحضور الجمعة،
    ويقال له:
    تخطي الرقاب بشروط مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (11) .

    [السفر يوم الجمعة]
    لا يجوز السفر يوم الجمعة باتفاق المذاهب، إلا أن في حكمه تفصيلاً ذكرناه تحت الخط (12) .[لا يصح لمن فاتته الجمعة بغير عذر أن يصلي الظهر قبل فراغ الإمام]من وجبت عليه الجمعة، وتخلف عن حضورها بغير عذر لا يصح أن يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من صلاة الجمعة بسلامه منها، فلو صلى الظهر في هذه الحالة لم تنعقد، باتفاق الشافعية، والحنابلة، وخالف الحنفية، والمالكية. فانظر مذهبهم تحت الخط (13) .

    (1) الحنفية قالوا: الخطبة لها ركن واحد، وهو مطلق الذكر الشامل للقليل والكثير.
    فيكفي لتحقق الخطبة المفروضة تحميد أو تسبيحة أو تهليلة، نعم يكره تنزيهاً الاقتصار على ذلك، كما سيأتي في سنن الخطبة، والمشروط عندهم إنما هو الخطبة الأولى، وأما تكرارها فهو سنة كما يأتي في السنن.
    الشافعية قالوا: أركان الخطبة خمسة:
    أحدها: حمد الله، ويشترط أن يكون من مادة الحمد، وأن يكون مشتملاً على لفظ الجلالة، فلا يكفي أن يقول: أشكر الله، أو أثني عليه، أو الحمد للرحمن، أو نحو ذلك، وجاز له أن يقول: أحمد الله، أو إني حامد لله، وهذا الركن لا بد منه في كل من الخطبتين الأولى
    والثانية،
    ثانيها: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل من الخطبتين، ولا بد من لفظ الصلاة، فلا يكفي رحم الله سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا يتعين لفظ محمد، بل يكفي أن يذكر اسماً من أسمائه الظاهرة، ولا يكفي الضمير في ذلك، ولو مع تقدم المرجع على المعتمد،
    ثالثها: الوصية بالتقوى في كل من الخطبتين، ولو بغير لفظها، فيكفي نحو: وأطيعوا الله، ولا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها في ذلك من غير حث على الطاعة،
    رابعها: قراءة آية من القرآن في إحداهما، وكونها في الأولى أولى، ويشترط أن تكون آية كاملة أو بعضاً منها طويلاً، وأن تكون مفهمة معنى مقصوداً من وعد أو وعيد أو حكم أو قصة أو مثل أو خبر، أما نحو قوله تعالى: {ثم نظر} فلا يكفي في أداء ركن الخطبة.
    خامسها: الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في خصوص الثانية، ويشترط أن يكون الدعاء بأمر أخروي، كالغفران إن حفظه، وإلا كفى الدعاء بالأمر الدنيوي، وأن لا يخرج منه الحاضرين بأن يقصد غيرهم.
    المالكية قالوا: الخطبة لها ركن واحد. وهو أن تكون مشتملة على تحذير أو تبشير، ولا يشترط السجع فيهما على الأصح فلو أتي بها نظماً أو نثراً صح وندب إعادتها إذا لم يصل، فإن صلى فلا إعادة.
    الحنابلة قالوا: أركان الخطبتين أربعة:
    الأول: الحمد لله في أول كل منهما بهذا اللفظ، فلا يكفي أحمد الله مثلاً؛
    الثاني: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتعين لفظ الصلاة،
    الثالث: قراءة آية من كتاب الله تعالى، ويلزم أن تكون مستقلة بمعنى أو حكم، فنحو قوله تعالى: {مدها متان} لا يكفي في ذلك؛ الرابع:: الوصية بتقوى الله تعالى، وأقلها أن يقول: اتقول الله. أو نحو ذلك

    (2) المالكية قالوا: إذا أخرت الخطبتان عن الصلاة أعيدت الصلاة فقط وصح الخطبتان لاو يعيدهما، بشرط أن يعيد الصلاة قبل أن يخرج من المسجد بدون تأخير، أما إذا لم يعدها قبل الخروج من المسجد أو مضى زمن طويل عرفاً قبل إعادتها. فإنه يجب أن يعيد الخطبتين ويعيد الصلاة بعدهما
    (3) الحنفية قالوا: تجوز الخطبة بغير العربية ولو لقادر عليها، سواء كان القوم عرباً أو غيرهم.
    الحنابلة قالوا: لا تصح الخطبة بغير العربية إن كان قادراً عليها، فإن عجز عن الإتيان بها أتى بغيرها مما يسحنه، سواء كان القوم عرباً أو غيرهم؛ لكن الآية التي هي ركن من أركان الخطبتين لا يجوز له أن ينطق بها بغير العربية، فيأتي بدلها بأي ذكر شاء بالعربية، فإن عجز سكت بقدر قراءة الآية.
    الشافعية قالوا: يشترط أن تكون أركان الخطبتين باللغة العربية؛ فلا يكفي غير العربية متى أمكن تعلمها، فإن لم يمكن خطب بغيرها، هذا إذا كان القوم عرباً، أما إن كانوا عجماً فإنه لا يشترط أداء أركانهما بالعربية مطلقاً، ولو أمكنه تعلمها ما عدا الآية، فإنه لا بد أن ينطق بها بالعربية: إلا إذا عجز عن ذلك، فإنه يأتي بدلها بذكر أو دعاء عربي؛ فإن عجز عن هذا أيضاً فعليه أن يقف بقدر قراءة الآية؛ ولا يترجم، وأما غير أركان الخطبة فلا يشترط لها العربية بل ذلك سنة.
    المالكية قالوا: يشترط في الخطبة أن تكون باللغة العربية، ولو كان القوم عجماً لا يعرفونها فإن لم يوجد فيهم من يحسن اللغة العربية بحيث يؤدي الخطبة بها سقطت عنهم الجمعة
    (4) الحنفية قالوا: يشترط الجهر بالخطبة بحيث يسمعها من كان حاضراً إذا لم يكن به مانع من سماعها؛ فإذا قام به مانع من صمم ونحوه أو كان بعيداً عن الخطيب. فإنه لا يشترط أن يسمعه، على أن الخطبة عند الحنفية تكفي بقول: لا إله إلا الله؛ أو بقول: الحمد لله، أو بقول: سبحان الله. فإذا جهر بهذا فإنه يكون خطبة ولو لم يسمعه أحد؛ ولكن يكره الاقتصار على ذلك والصاحبان يقولان: أقل الخطبة أن يأتي بذكر قدر التشهد من قول: التحيات لله إلى قول: عبده ورسوله، وعلى كل حال فلا بد من حضور واحد على الأقل لسماعها ممن تنعقد بهم الجمعة، بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً ولو كان معذوراً بسفر أو مرض.
    الشافعية قالوا: يشترط أن يجهر الخطيب بأركان الخطبة بحيث يمكنه أن يسمع الأربعين الذين تنعقد بهم الجمعة، أما سماعهم بالفعل فليس بشرط، بل يكفي أن يسمعوه ولو بالقوة، بمعنى أنهم يكونون جميعاً قريباً منه مستعدين لسماعه وإن انصرفوا عن سماعه بنعاس ونحوه؛ أما إن كانوا غير مستعدين لسماعه، كأن كانوا صماً أو نياماً نوماً ثقيلاً أو بعيدين عنه؛ فلا تجزء الخطبتان لعدم السماع بالقوة.
    الحنابلة قالوا: يشترط لصحة الخطبتين أن يجهر الخطيب بهما بحيث يسمع العدد الذي تجب عليه الجمعة بنفسه أركان الخطبتين حيث لا مانع من نوم أو غفلة؛ أو صمم ولو لبعضهم؛ فإن لم يسمع العدد المذكور لخفض صوته أو بعدهم عنه لم تصح لفوات المقصود من الخطبة.
    المالكية قالوا: من شروط صحة الخطبة الجهر بها؛ فلو أتي بها سراً لم يعتد بها ولا يشترط سماع الحاضرين ولا إصغاؤهم؛ وإن كان الإصغاء واجباً عليهم في ذاته
    (5) الشافعية قالوا: يشترط الموالاة بين الخطبتين، أي بين أركانهما: وبينهما وبين الصلاة، وحد الموالاة أن لا يكون الفصل بقدر ركعتين بأخف ممكن، فإذا زاد عن ذلكك بطلت الخطبة ما لم تكن الزيادة عظة.
    المالكية قالوا: يشترط وصل الخطبتين بالصلاة، كما يشترط وصلهما ببعضهما، ويغتفر الفصل اليسير عرفاً.
    الحنفية قالوا: يشترط أن لا يفصل الخطيب بين الخطبتين والصلاة بفاصل أجنبي، كالأكل ونحوه، أما الفاصل غير الأجنبي كقضاء فائتة وافتتاح تطوع بينهما فإنه لا يبطل الخطبة، وإن كان الأولى إعادتها، وكذا لو أقسد الجمعة ثم أعادها، فإن الخطبة لا تبطل:
    الحنابلة قالوا: يشترط لصحة الخطبتين الموالاة بين أجزائهما. وبينهما وبين الصلاة، والمولاة هي أن لا يفصل بينهما بفاصل طويل عرفاً
    (6) الحنفية قالوا: شروط صحة الخطبة ستة: أن تكون قبل الصلاة، أن تكون بقصد الخطبة. أن تكون في الوقت. أن يحضرها واحد على الأقل، أن يكون ذلك الواحد ممن تنعقد بهم الجمعة، أن لا يفصل بين الخطبة والصلاة بفاصل أجنبي، أن يجهر بها الخطيب بحيث يسمعها من كان حاضراً إن لم يوجد مانع كما تقدم، أما العربية فإنها ليست شرطاً في صحة الخطبة ولو كان قادراً عليها عند الإمام وشرطاً للقادر عليها عندهما، على ما تقدم في تكبيرة الإحرام وأذكار الصلاة.
    الشافعية قالوا: شروط صحة الخطبة خمسة عشر: أن تكون قبل الصلاة، أن تكون في الوقت، أن لا ينصرف عنها بصارف: أن تكون بالعربية، أو يوالي بين الخطبتين، وبينهما وبين الصلاة: أن يكون الخطيب متطهراً من الحدثين، ومن نجاسة غير معفو عنها، أن يكون مستور العورة في الخطبتين: أن يخطب واقفاً، إن قدر فإن عجز صحت الخطبة من جلوس، أن يجلس بين الخطبتين بقدر الطمأنينة، فلو خطب قاعداً لعذر سكت بينهما وجوباً بما يزيد عن سكتة التنفس، وكذا يسكت بينهما إن خطب قائماً وعجز عن الجلوس، أن يجهر بحيث يمكنه أن يسمع الأربعين الذين تنعقد بهم الجمعة أركان الخطبتين، أن يكون الأربعون سامعين، ولو بالقوة أن تقعا في مكان تصح فيه الجمعة، أن يكون الخطيب ذكراً، أن تصح إمامته بالقوم، أن يعتقد الركن ركناً، والسنة سنة إن كان من أهل العلم، وإلا وجب أن لا يعتقد الفرض سنة، وإن جاز عكس ذلك.
    الحنابلة قالوا: شروط صحة الخطبتين تسعة: أن تكون في الوقت، أن يكون الخطيب ممن تجب عليه الجمعة بنفسه، فلا تجزئ خطبة عبد أو مسافر، ولو نى إقامة مدة ينقطع بها السفر، أن يشتملا على حمد الله تعالى، أن يكونا باللغة العربية، أن تشتمل كل منهما على الوصية بتقوى الله تعالى، أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقرأ آية كاملة من القرآن في كل منهما أن يوالي بين أجزائهما وبينهما وبين الصلاة أن يؤديهما بنية، أن يجهر بأركانهما بحيث يسمع العدد الذي تجب عليه الجمعة بنفسه حيث لا مانع من السماع، كنوم أو غفلة، أو صمم بعضهم.
    المالكية قالوا: يشترط لصحة الخطبتين تسعة شروط: أن يكونا قبل الصلاة، أن تتصل الصلاة بهما أن تتصل أجزاؤهما بعضها ببعض، أن يكون باللغة العربية، أن يجهر بهما، أن يكونا داخل المسجد، أن يكونا مما تسميه العرب خطبة، أن يحضرهما الجماعة التي تنعقد بها الجمعة وهي اثنا عشر رجلاً، كما يأتي، وإن لم يسمعوا الخطبة، القيام فيها، وقيل: إنه سنة، وقد اعتمد كل من القولين؛ فمن الاحتياط القيام فيها
    (7) الشافعية قالوا: سنن الخطبة هي: ترتيب الأركان بأن يبدأ بالحمد أولاً.
    ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يوصي الناس بالتقوى، ثم يقرأ الآية، ثم يدعو للمؤمنين، والدعاء في الخطبة الثانية لأئمة المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح واعانة على الحق؛ ولا بأس بالدعاء للملك والسلطان بخصوصه، وزيادة السلام على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة عليه، والصلاة والسلام على الآل والصحب، والانصات وقت الخطبة لمن كان يسمعها لو أنصت، أما من لا يستطيع سماعها، فيندب له الذكر، وأفضله سورة "الكهف" ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أن تكون الخطبة على منبر؛ فإن لم يكن؛ فعلى شيء مرتفع عن مستوى القوم، وأن يكون المنبر عن يمين من يستقبل المحراب، وأن يسلم الخطيب على من كان عند المنبر قبل الصعود عليه إن خرج من الخلوة المعهودة، فإن دخل من باب المسجد سلم على كل من مر عليه كغيره، وأن يقبل عليهم إذا صعد فوق المنبر؛ وأن يجلس على المنبر قبل الخطبة الأولى، وأن يسلم على القوم قبل أن يجلس، أما رد القوم السلام عليه كلما سلم فواجب، وأن يؤذن واحد بين يدي الخطيب لا جماعة. وإلا كره، وأما الأذان الذي قبله على المنارة فسنة إن توقف اجتماع الناس لها عليه، وأن تكون الخطبة فصيحة قريبة منفهم العامة، متوسطة بين الطوب والقصر، يسراه بسيف، ولو من خشب، أو عصا، أو نحو ذلك، ويشغل يمناه بحرف المنبر.
    الحنابلة قالوا: سنن الخطبة هي أن يخطب الخطيب على منبر أو موضع مرتفع، وأن يسلم على المأمومين إذا خرج عليهم، وأن يسلم عليهم أيضاً بعد أن يصعد على المنبر، ويقبل عليهم بوجهه، وأن يجلس حتى يؤذن المؤذن بين يديه، وأن يجلس بين الخطبتين قليلاً بقدر سورة "الإخلاص" وأن يخطب قائماً؛ وأن يعتمد على سيف أو قوس أو عصا. وأن يستقبل بخطبته جهة وجهه، فلا يلتفت يميناً أو شمالاً، وأن يقصر الخطبتين، وأن تكون الأولى أطول من الثانية وأن يرفع صوته بهما حسب طاقته، وأن يدعو للمسلمين، ويباح الدعاء لواحد معين، كولي الأمر أو ابنه أو أبيه، ونحو ذلك، وأن يخطب من صحيفة.
    المالكية قالوا: يسن للإمام أن يجلس على المنبر قبل الخطبة الأولى حتى يفرغ المؤذن من الأذان، وأن يجلس بين الخطبتين قليلاً، وقدّره بعضهم بقراءة سورة "الإخلاص"، ويندب أن تكون الخطبة على منبر، والأفضل أن لا يصعد إلى أعلاه لغير حاجة، بل يقتصر في الصعود على قدر ما يتمكن من إسماع الناس، وأن يسلم على الناس حال خروجه للخطبة، وأصل البدء بالسلام سنة، وكونه حال الخروج وهو المندوب، ويكره أن يؤخر السلام إلى صعوده على المنبر فلو فعل؛ فلا يجب على سامعه الرد عليه، وأن يعتمد حال الخطبتين على عصا ونحوها؛ وابتداء كل من الخطبتين بالحمد والثناء على الله تعالى، وأن يبتدئهم بعد الحمد بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وختم الأولى بشيء من القرآن، وختم الثانية بقول: يغفر الله لنا ولكم، ويقوم مقام ذلك: اذكروا الله يذكركم، واشتمالهما على الأمر بالتقوى والدعاء لجميع المسلمين، والترضي على الصحابة، ويستحب الدعاء لوليّ الأمر بالنصر على الأعداء وإعزاز الإسلام به، ويستحب أيضاً الطهارة في الخطبتين، وأن يدعو فيهما بإجزال النعم، ودفع النقم، والنصر على الأعداء، والمعافاة من الأمراض والأدواء، وجاز الدعاء لوليّ الأمر بالعدل والإحسان، ويندب أن يزيد في الجهر حتى يسمع القوم الخطبة، وأن يكون جهره في الثانية أقل من جهره في الأولى، وأن تكون الثانية أقصر من الأولى، وأن يخفف الخطبتين.
    الحنفية قالوا: يسن للخطبة أمور: بعضها يرجع إلى الخطيب، وبعضها يرجع إلى نفس الخطبة، فيسن للخطيب أن يكون طاهراً من الحدثين الأكبر والأصغر؛ فإن لم يكن كذلك صحت مع الكراهة، ويندب إعادة خطبة الجنب إن لم يطل الفصل، وأن يجل الخطيب على المنبر قبل الشروع في الخطبة، وأن يخطب وهو قائم، فلو خطب قاعداً أو مضطجعاً أجزأه مع الكراهة، وأن يعتمد على سيف متكئاً عليه بيده اليسرى في البلاد التي فتحت عنوة، بخلاف البلاد التي فتحت صلحاً، فإنه يخطب فيها بدون سيف، وأن يستقبل القوم بوجهه فلا يلتفت يميناً ولا شمالاً، وأن يخطب خطبتين إحداهما سنة والأخرى شرط لصحة الجمعة: كما تقدم، وأن يجلس بينهما بقدر ثلاث آيات على المذهب، فلو ترك الجلوس أساء، وأن يبدأ الأولى منهما بالتعوذ في نفسه، ثم يجهر فيها بالحمد لله والثناء عليه بما هو أهله؛ والشهادتين، والصلاة والسلام صلى الله عليه وسلم، والعظة بالزجر عن المعاصي، والتخويف والتحذير مما يوجب مقت الله تعالى وعقابه وسبحانه والتذكير بما به النجاة في الدنيا والآخرة، وقراءة آية من القرآن، ويبدأ الثانية بالحمد لله والثناء عليه. والصلاة والسلام على رسوله، ويدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات، ويستغفر لهم، أما الدعاء للملك والأمير بالنصر والتأييد والتوفيق لما فيه مصلحة رعيته ونحو ذلك فإنه مندوب، لأن أبا موسى الأشعري كان يدعو لعمر في خطبته، ولم ينكر عليه أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
    ويسن للخطيب أيضاً أن يجلس في ناحية خلوته، ويكره له أن يسلم على القوم، وأن يصلي في المحراب قبل الخطبة، وأن يتكلم في الخطبتين بغير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    (8) الحنابلة قالوا: إن ترك السنن المتقدمة منه ما هو مكروه، ومنه ما هو خلاف الأولى، فمن المكروه استدبار القوم حال الخطبة، ورفع يديه حال الدعاء فيه
    (9) المالكية قالوا: الترقية بدعة مكروهة لا يجوز فعلها، إلا إذا شرطها واقف في كتاب وقفه.
    الحنفية قالوا: إن الكلام بعد خروج الإمام من خلوته إلى أن يفرغ من صلاته مكروه تحريماً، سواء كان ذكراً أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أو كلاماً دنيوياً، وهذا هو مذهب الإمام، وهو المعتمد. وبذلك تعلم أن الترقية وكل كلام مكروه تحريماً في هذا المقام، وقال صاحباه: لا يكره الكلام كذلك إلا حال الخطبة، أما بعد خروج الإمام من خلوته وحال جلوسه على المنبر ساكتاً فلا يكره الكلام، وإنما تكره الصلاة، وعلى هذا فلو تكلم بذكر أو صلاة على النبي بدون تهويش، فإنها تجوز عندهما، وعلى كل حال فالترقية بهذه الكيفية بدعة مكروهة في نظر الحنفية، وتركها أحوط على كل حال.
    الشافعية قالوا: إن الترقية المعروفة بالمساجد - وإن كانت بدعة، لم تكن في عهد رسول الله ولا عهد أصحابه - ولكنها حسنة لا يأباها الدين، لأنها لا تخلو من حث على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وتحذير بالجواز لا يبيحون التغني بالصيغ المشهورة المعروفة، كقولهم: اللهم صل وسلم وكرم ومجد وبارك على من تظلله الغمامة، الخ، فإن ذلك التغني لا يجوز لاتفاق.
    الحنابلة قالوا: لا يجوز الكلام حال الخطبتين، أما قبلهما أو بينهما عند سكوت الخطيب فإن الكلام يباح، ويباح الكلام أيضاً إذا شرع الخطيب في الدعاء، وبذلك تعلم حكم الترقية عندهم
    (10) الحنفية قالوا: يكره الكلام تحريماً حال الخطبة، سواء أكان بعيداً عن الخطيب أم قريباً منه في الأصح، وسواء أكان الكلام دنيوياً أم بذكر ونحوه على المشهور؛ وسواء حصل من الخطيب لغو بذكر الظلمة أو لا، وإذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه في نفسه، ولا بأس أن يشير بيده ورأسه عند رؤية المنكر، وكما يكره الكلام تحريماً حال الخطبة كذلك تكره الصلاة كما تقدم، باتفاق أهل المذهب: أما عند خروج الإمام من خلوته فالحكم كذلك عن أبي حنفية، لأن خروج الإمام عنده يقطع الصلاة والكلام، وعند صاحبيه يقطع الصلاة دون الكلام، ومن الكلام المكروه رد السلام بلسانه ويقلبه، ولا يلزمه قبل الفراغ من الخطبة أو بعدها، لأن البدء بالسلام غير مأذون فيه شرعاً، بل يأثم فاعله، فلا يجب الرد عليه، وكذا تشميت العاطس، ويكره للإمام أن يسلم على الناس، وليس من الكلام المكروه والتحذير من عقرب أو حية، أو النداء لخوف على أعمى ونحو ذلك، مما يترتب عليه دفع ضرر.
    المالكية قالوا: يحرم الكلام حال الخطبة وحال جلوس الإمام على المنبر بين الخطبتين، ولا فرق في ذلك بين من يسمع الخطبة وغيره، فالكل يحرم عليه الكلام، ولو كان برحبة المسجد أو الطرق المتصلة به، وإنما يحرم الكلام المذكور ما لم يحصل من الإمام لغو في الخطبة، كأن يمدح من لا يجوز مدحه أو يذم من لا يجوز ذمه، فإن فعل ذلك سقطت حرمته، ويجوز الكلام حال جلوسه على المنبر قبل الشروع في الخطبة وفي آخر الخطبة الثانية عند شروع الخطيب في الدعاء للمسلمين أو لأصحاب الرسول عليه السلام أو الخليفة، ومن الكلام المحرم حال الخطبة ابتداء السلام ورده على من سلم، ومنه أيضاً نهي المتكلم حال الخطبة. وكما يحرم الكلام تحرم الإشارة لمن يتكلم ورميه بالحصى ليسكت؛ ويحرم أيضاً الشرب وتشميت العاكس، لكن يندب للعاطس والإمام يخطب أن يحمد الله سراً، وكذلك إذا ذكر الخطيب آية عذاب أو ذكر النار مثلاً، فإنه يندب للحاضر أن يتعوذ سراً قليلاً، وإذا دعا الخطيب ندب للحاضر التأمين، ويكره الجهر بذلك، ويحرم الكثير منه ومثل التأمين التعوذ والاستغفار والصلاة على النبي عليه السلام إذا وجد السبب لكل منهما، فيندب كل منهما سراً إذا كان قليلاً، وأما التنفل فيحرم بمجرد خروج الإمام للخطبة، والقاعدة أن خروج الخطيب يحرم الصلاة، وكلامه يحرم الكلام.
    الشافعية قالوا: من كان قريباً من الخطيب بحيث لو أنصت يسمعه يكره له تنزيهاً أن يتكلم أثناء أداء الخطيب أركان الخطبة، وإن لم يسمع بالفعل، وقيل: يحرم؛ أما ما زاد على أركان الخطبة فإنه لا يكره الكلام في أثناء أدائه، كما لا يكره الكلام قبل الخطبة، ولو خرج الإمام من خلوته ولا بعدها قبل إقامة الصلاة ولا بين الخطبتين، وكذا لا يكره كلام من كان بعيداً عنه، بحيث لو أنصت لا يسمع؛ ويسن له حينذاك أن يشتغل بالذكر، ويستثنى من كراهة الكلام المذكور أربعة أمور:
    الأول: تشميت العاطس، فإنه مندوب؛
    الثاني: رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه الكرم من غير مبالغة في رفعه، فإنه مندوب أيضاً؛
    الثالث: رد السلام، فإنه واجب، وإن كان البدء بالسلام على مستمع الخطبة من الكلام المكروه؛
    الرابع: ما قصد به دفع أذى، كإنقاذ أعمى أو التحذير من عقرب ونحوه، فإنه واجب، أما الصلاة حال الخطبة فقد تقدم حكمها.
    الحنابلة قالوا: يحرم على من كان قريباً من الخطيب يوم الجمعة - بحيث يسمعه - أن يتكلم حال الخطبة بأي كلام، ذكراً كان أو غيره، ولو كان الخطيب غير عدل، إلا الخطيب نفسه، فإنه يجوز له أن يتكلم مع غيره لمصلحة، كما يجوز لغيره أن يتكلم معه: نعم يباح للمستمع أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكر اسمه، ولكن يسن له أن يصلي عليه سراً، وكذا يجوز له أن يؤمِّن على الدعاء، وأن يحمد إذا عطس خفية، وأن يشمت العاطس، وأن يرد السلام بالقول لا بالإشارة؛ أما من كان بعيداً عن الخطيب بحيث لا سمعه، فإنه يجوز له الكلام، وإذا اشتغل بالقراءة والذكر ونحو ذلك كان أفضل من السكوت، وليس له أن يرفع صوته بذلك لئلا يشغل غيره عن الاستماع للخطيب، وكذلك لا يحرم الكلام قبل الخطبتين أو بعدهما، ولا في حال سكوت الخطيب بين الخطبتين، ولا عند شروع الخطيب في الدعاء، لأنه يكون قد فرغ من أركان الخطبة، والدعاء لا يجب الانصات له ومن سمع غيره يتكلم فليس له إسكاته بالقول، بل له أن يشير له بوضع إصبعه السبابة على فيه، وقد يجب الكلام حال الخطبة إذا كان لإنقاذ ا'مى أو تحذير الغير من حية أو عقرب أو نار أو نحو ذلك

    (11) الحنفية قالوا: تخطي الصفوف يوم الجمعة لا بأس به بشرطين:
    الأول: أن لا يؤذي أحداً به، بأن يطأ ثوبه أو يمس جسده؛
    الثاني: أن يكون ذلك قال شروع الإمام في الخطبة، وإلا كره تحريماً، ويستثنى من ذلك ما إذا تخطى لضرورة، كأن لم يجد مكاناً يجلس فيه إلا بالتخطي، فيباح له حينئذ مطلقاً.
    الشافعية قالوا: تخطي الرقاب يوم الجمعة مكروه، وهو أن يرفع رجله، ويخطي بها كتف الجالس؛ أما المرور بين الصفوف بغير ذلك فليس من التخطي، ويستثنى من التخطي المكروه أمور: منها أن يكون المتخطي ممن لا يتأذى منه كأن يكون رجلاً صالحاً أو عظيماً، فإنه لا يكره؛ ومنها أن يجد أمامه فرجة يريد سدها، فيسن له في هذه الحالة أن يتخطى لسدها؛ ومنها أن يجلس في الصفوف الأمامية التي يسمع الجالسو فيها الخطيب من لا تنعقد بهم الجمعة، كالصبيان ونحوهم، فإنه يجب في هذه الحالة على من تنعقد بهم الجمعة أن يتخطوا الرقاب؛ ومنها أن يكون المتخطي إمام الجمعة. إذا لم يمكنه الوصول إلى المنبر إلا بالتخطي.
    الحنابلة قالوا: يكره لغير الإمام والمؤذن بين يدي الخطيب إذا دخل المسجد لصلاة الجمعة أن يتخطى رقاب الناس إلا إذا وجد فرجة في الصف المتقدم، ولا يمكنه الوصول إليها إلا بالتخطي، فإنه يباح له ذلك؛ والتخطي المكروه وهو أن يرفع رجله، ويخطي بها كتف الجالس.
    المالكية قالوا: يحرم تخطي الرقاب حال وجود الخطيب على المنبر، ولو كان لسد فرجة في الصف، ويكره قبل وجود الخطيب على المنبر إن كان لغير سد فرجة، ولم يترتب عليه إيذاء أحد من الجالسين، فإن كان لسد فرجة جاز، وإن ترتب عليه إيذاء حرم، ويجوز التخطي بعد فراغ الخطبة وقبل الصلاة، كما يجوز المشي بين الصفوف ولو حال الخطبة

    (12) الحنفية قالوا: يكره الخروج من المصر يوم الجمعة بعد الأذان الأول إلى أن يصلي الجمعة على الصحيح، أما السفر قبل الزوال فلا يكره.
    المالكية قالوا: يكره السفر بعد فجر الجمعة لمن لا يدركها في طريقه وإلا جاز، كما يجوز السفر قبل الفجر، أما السفر بعد الزوال فحرام، ولو كان قبل الأذان إلا لضرورة، كفوات رفقة يخشى منه ضرراً على نفسه أو ماله، كذا إذا علم أنه يدركها في طريقه، فيجوز له السفر في الحالتين.
    الشافعية قالوا: يحرم على من تلزمه الجمعة السفر بعد فجر يومها إلا إذا ظن أنه يدركها في طريقه أو كان السفر واجباً، كالسفر لحج ضاق وقته وخاف فوته، أو كان لضرورة، كخوفه فوات رفقة يلحقه ضرر بفوتهم، وأما مجرد الوحشة بفوتهم فلا يبيح السفر، أما السفر قبل فجرها فمكروه.
    الحنابلة قالوا: يحرم سفر من تلزمه الجمعة بعد الزوال إلا إذا لحقه ضرر، كتخلفه عن رفقته في سفر مباح فيباح له السفر بعد الزوال حينئذ، أما السفر قبل الزوال فمكره، وإنما يكون السفر المذكور حراماً أو مكروهاً إذا لم يأت بها في طريقه، وإلا كان مباحاً

    (13) الحنفية قالوا: من لا عذر له يمنعه عن حضور الجمعة إذا لم يحضرها وصلى الظهر قبل صلاة الإمام انعقد ظهره موقوفاً، فإن اقتصر على ذلك بأن انصرف عن الجمعة بالمرة صح ظهره؛ وإن حرم عليه ترك الجمعة، أما إذا لم ينصرف بأن مشى إلى الجمعة، فإن كان الإمام لم يفرغ من صلاته، بطل ظهره بالمشي إذا انفصل عن داره وانعقد نفلاً، ووجب عليه أن يدخل مع الإمام في صلاته، فإن لم يدركه أعاد الظهر، وإن كان الإمام قد فرغ من صلاته لم يبطل ظهره بالمشي، ومثله ما إذا كان مشيه مقارناً لفراغ الإمام أو قبل إقامة الجمعة.
    المالكية قالوا: من تلزمه الجمعة، وليس له عذر يبيج له التخلف عنها إن صلى الظهر، وهو يظن أنه لو سعى إلى الجمعة أدرك منها فصلاته باطلة على الأصح، ويعيدها أبداً، وأما إذا كان بحيث لو سعى إلى الجمعة لا يدرك منها ركعة فصلاته الظهر صحيحة، كما تصح ممن لا تلزمه الجمعة، ولو علم أنه لو سعى إليها يدركها بتمامها


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 364 الى صــــــــ
    376
    الحلقة (56)

    أما من لا تجب عليه الجمعة كالمريض ونحوه صلاة الظهر منه، ولو حال اشتغال الإمام بصلاة الجمعة، ويندب له تأخير الظهر إذا رجال زوال عذره، أما إذا لم يرج ذلك فيندب له تعجيلها في أول وقتها، ولا ينتظر سلام الإمام، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    [هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؟]
    من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره جاز له أن يصلي الظهر جماعة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
    [من أدرك الإمام في ركعة أو أقل من صلاة الجمعة]
    من أدرك الإمام في الركعة الثانية فقد أدرك الجمعة. فعليه أن يأتي بركعة ثانية ويسلم باتفاق أما إذا أدركه في الجلوس الأخير فقط فإنه يلزمه أن يصلي أربع ركعات ظهراً، بأن يقف بعد سلام الإمام، ويصلي أربع ركعات؛ ولا يكون مدركاً للجمعة باتفاق المالكية، والشافعية، وخالف الحنفية؛ والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (3) .
    [مندوبات الجمعة]
    تحسين الهيئة - قراءة سورة الكهف - المبادرة بالذهاب للمسجد، وغير ذلك.وأما مندوبات الجمعة، فمنها تحسين الهيئة، بأن يقلم أظفاره، ويقص شاربه، وينتف إبطه ونحو ذلك ومنها التطيب والاغتسال، وهو سنة باتفاق ثلاثة.
    وقال المالكية:
    إنه مندوب لا سنة. والأمر في ذلك سهل، ذكرناه قبلاً، ومنها قراءة سورة الكهف يومها وليلتها، فيندب لمن يحفظها أو يمكنه قراءتها. في المصحف أن يفعل ذلك؛ أما قراءتها في المساجد فإن ترتب عليها تهويش أو إخلال بحرمة المسجد برفع الأصوات، والكلام الممنوع، فإنه لا يجوز باتفاق، وقد تقدم في مبحث "ما يجوز فعله في المساجد. وما لا يجوز" فارجع إليه إن شئت: ومنها الاكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،
    ومنها الاكثار من الدعاء يومها لقوله صلى الله عليه وسلم:
    "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه" وأشار بيده يقللها، رواه مسلم، ومنها المبادرة بالذهاب إلى موضع إقامتها لغير الإمام؛ أما هو فلا يندب له التكبير، وليس للمبادرة وقت معين، فله أن يذهب قبل الأذان. ومنها المشي بسكينة إلى موضعها بساعتين أو أكثر أو أقل، عند ثلاثة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ، ومنها أن يتزين بأحسن ثيابه، والأفضل ما كان أبيض؛ باتفاق الشافعية، والحنفية، أما المالكية، والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (5) .
    [مباحث الإمامة في الصلاة]
    يتعلق بها مباحث:
    الأول: تعريفها، وبيان العدد الذي تتحقق به،
    الثاني:
    حكمها، ودليله،
    الثالث:
    شروطها،
    ويتعلق بالشروط أمور:
    منها حكم إمامة النساء، ومنها حكم إمامه الصبي المميز، ومنها حكم إمامة الأميّ الذي لا يقرأ ولا يكتب، ومنها حكم إمامة المحدث الذي نسي حدثه، ومنها حكم إمامة الألثغ ونحوه، ومنها نية المأموم الاقتداء، ومنها نية الإمام الإمامة، ومنها اقتداء الذي يصلي فرضاً بإمام يصلي نفلاً؛ ومنها متابعة المأموم لإمامه، ومنها اتحاد فرض المأموم والإمام، فلا تصح صلاة الظهر خلف عصر مثلاً؛ فكل هذه المباحث تتعلق بمبحث واحد من مباحث الإمامة، وهو المبحث الثالث،
    وبقي من مباحثها المبحث الرابع:

    أعني الأعذار التي تسقط بها صلاة الجماعة،
    الخامس: مبحث من له حَق التقدم في الإمامة،
    السادس:
    مبحث مكروهات الإمامة،
    السابع: مبحث كيف يقف المأموم مع إمامه،؟ وكيف يقف الإمام مع المأمومين،؟ ومن أحق بالوقوف في الصف الأول،
    الثامن:
    تراص الصفوف وتسويتها،
    التاسع:
    يصح لمن صلى فرضاً جماعة أن يصلي مع جماعة أخرى،
    العاشر:
    تكرار الجماعة في المسجد الواحد،
    الحادي عشر:
    مبحث بيان القدر الذي تدرك به الجماعة،
    الثاني عشر:
    مبحث إذا فات المقتدي أداء بعض الركعات أو كلها مع إمامه لعذر، كزحمة ونحوها،
    الثالث عشر: مبحث الاستخلاف. وإليك بيانها بالعناوين الآتية.
    [تعريف الإمامة في الصلاة، وبيان العدد الذي تتحقق به]
    الإمامة في الصلاة معروفة، وهي أن يربط الإنسان صلاته بصلاة إمام مستكمل للشروط الآتي بيانها، فيتبعه في قيامه وركوعه وسجوده وجلوسه ونحو ذلك، مما تقدم بيانه في "أحكام الصلاة" فهذا الربط يقال له: إمامة،
    ولا يخفى أن هذا الربط واقع من المأموم:
    لأنه كناية عن اتباع المأموم الإمام في أفعال الصلاة. بحيث لو بطلت صلاة المأموم لا تبطل صلاة الإمام، أما إذا بطلت صلاة الإمام فإن صلاة المأموم تبطل، لأنه قد ربط صلاته بصلاة الإمام، وتتحقق الإمامة في الصلاة بواحد مع الإمام فأكثر، لا فرق بين أن يكون الواحد المذكور رجلاً أو امرأة، باتفاق، فإن كان صبياً مميزاً فإن الإمامة تتحقق به عند الحنفية،
    والشافعية:
    وخالف المالكية، والحنابلة،
    فقالوا:
    لا تتحقق صلاة الجماعة بصبي مميز مع الإمام وحدهما.
    [حكم الإمامة في الصلوات الخمس، ودليله]

    اتفقت المذاهب على أن الإمامة مطلوبة في الصلوات المفروضة فلا ينبغي للمكلف أن يصلي منفرداً بدون عذر من الأعذار الآتي بيانها؛
    على أن الحنابلة قالوا:
    إنها فرض عين في كل صلاة من الصلوات الخمس المفروضة، ولم يوافقهم على ذلك أحد من الأئمة الثلاثة، كما ستعرفه في التفصيل الآتي؛ وقد استدل الحنابلة، ومن وافقهم من العلماء على ذلك بما رواه البخاري عن أبي هيرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    قال:
    "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب. ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجدب عرقاً سميناً، أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء "العرق" - بفتح العين، وسكون الراء - قطعة لحم على عظم، "والمرماتين" بكسر الميم -
    تثنية مرماة: وهي سهم دقيق يتعلم عليه الرمي ليصطاد به ما يملأ به بطنه، فهذا الحديث يدل على أن الجماعة فرض، لأن عقوبة التحريق بالنار لا تكون إلا على ترك الفرض، وارتكاب المحرم الغليظ، ولا يلزم في الدلالة على ذلك أن يحرقهم بالفعل، بل يكفي أن يعلم الناس عظيم قدر الجماعة، واهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنها، وهذا وجيه، ولكن مما لا شك فيه أن هذا الحديث لم تذكر فيه سوى صلاة العشاء، فإذا كان للحنابلة ومن معهم وجه في الاستدلال به، فإنما يكون في صلاة العشاء وحدها، أما باقي الصلوات الخمس فلا تؤخذ من هذا الحديث؛
    على أن علماء المذاهب الأخرى قد أجابوا عن هذا بأجوبة كثيرة: منها أن هذا الحديث كان في بدء الإسلام، حيث كان المسلمون في قلة، وكانت الجماعة لازمة في صلاة العشاء بخصوصها، لأنها وقت الفراغ من الأعمال،
    فلما كثر المسلمون نسخ بقوله صلى الله عليه وسلم:
    "
    صلاة الجماع تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة"، فإن الأفضلية تقتضي الاشتراك في الفضل، ويلزم من كون صلاة الفذ فاضلة أنها جائزة،
    وأيضاً فقد ثبت نسخ التحريق بالنار في الحنفية قالوا:
    المتخلفين باتفاق؛ فالاستدلال به على الفرضية ضعيف،
    وقد استدل الحنابلة على فرضية الصلاة جماعة أيضاً بقوله تعالى:
    {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة، فلتقم طائفة منهم معك، وليأخذوا أسلحتهم، فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم، ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} ، ووجه الإستدلال أن الله تعالى قد كلفهم بصلاة الجماعة في وقت الشدة والحرج، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما كلفهم بأن يصلوها على هذا الوجه،
    ولكن علماء المذاهب الأخرى قالوا:
    إن الآية تدل على أن الإمامة مشروعة، لا على أنها فرض عين؛ أما قولهم: إن هذا الوقت وقت خوف وشدة فذلك صحيح، ولكن تعليمهم للصلاة بهذه الكيفية قد يكون فيه حذر أكثر من صلاتهم فرادى، لأن الفئة الواقفة إزاء العدو حارسة للأخرين، فإذا وجدت فرصة للعدو للهجوم عليهم بغتة نبهتهم الفرقة الحارسة ليقطعوا صلاتهم، ويقاوموا عدوهم، وذلك منتهى الدقة والحذر؛ نعم تدل الآية على عظم قدر الصلاة جماعة عند المسلمين الأولين الذين كانوا يشعرون بعظمة خالف الكائنات الحي الدائم الذي لا يفنى حقاً، ويعرفون أن الصلاة تذلل لخالقهم، وخضوع لا ينبغي إهماله حتى في أحرج المواقف وأخطرها، ومما لا شك فيه أن صلاة الجماعة مطلوبة باتفاق، إنما الكلام في أنها فرض عين في جميع الصلوات الخمس، وجمهور أئمة المسلمين على أنها ليست كذلك.وبعد فحكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة مبين في كل مذهب من المذاهب الأربعة تحت الخط (6) .
    [حكم الإمامة في صلاة الجمعة والجنازة والنوافل]
    قد عرفت حكم الإمامة في الصلوات الخمس المفروضة، وبقي حكمها في غير ذلك من الصلوات الأخرى، كصلاة الجنازة والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء، وباقي النوافل، فانظره مفصلاً في كل مذهب تحت الخط (7) .
    [شروط الإمامة: الإسلام]
    يشترط لصحة الجماعة شروط: منها الإسلام، فلا تصح إمامة غير المسلم باتفاق، فمن صلى خلف رجل يدعي الإسلام، ثم تبين له أنه كافر.
    فإن صلاته الذي صلاها خلفه تكون باطلة، وتجب عليه إعادتها؛ وقد نظر بعضهم أن هذه الصورة نادرة الوقوع، ولكن الواقع غير ذلك، فإن كثيراً ما يتزيا غير المسلم بزي المسلم لأغراض مادية، ويظهر الورع والتقوى ليظفر ببغيته، وهو في الواقع غير مسلم.
    [البلوغ، وهل تصح إمامة الصبي المميز؟]
    ومن شروط صحة الإمامة البلوغ، فلا يصح أن يقتدي بالغ بصبي مميز في صلاة مفروضة،
    باتفاق ثلاثة من الأئمة:
    وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (8) .
    هذا في الصلاة المفروضة، أما صلاة النافلة فيصح للبالغ أن يقتدي بالصبي المميز فيها، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) .
    هذا، ويصح للصبي المميز أن يصلي إماماً بصبي مثله باتفاق.
    [إمامة النساء]
    ومن شروط الإمامة - الذكورة المحققة - فلا تصح إمامة النساء، وإمامة الخنثى المشكل إذا كان المقتدي به رجال، أما إذا كان المقتدي به نساء فلا تشترط الذكورة في إمامتهن، بل يصح أن تكون المرأة إماماً لا مرأة مثلها، أو الخنثى.
    باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) .
    [العقل]
    ومن شروط صحة الإمامة العقل، فلا تصح إمامة المجنون إذا كان لا يفيق من جنونه، أما إذا كان يفيق أحياناً ويجن أحياناً، فإن إمامته تصح حال إفاقته، وتبطل حال جنونه باتفاق.
    [اقتداء القارئ بالأمي]
    اشترطوا لصحة الإمامة أن يكون الإمام قارئاً إذا كان المأموم قارئاً، فلا تصح إمامة أمي بقارئ، والشرط هو أن يحسن الإمام قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فلو كان إمام قرية مثلاً يحسن قراءة ما لا تصح الصلاة إلا به، فإنه يجوز للمتعلم أن يصلي خلفه، أما إذا كان أميّاً، فإنه لا تصح إمامته إلا بأمي مثله، سواء وجد قارئ يصلي بهما أولا، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) .
    [سلامة الإمام من الأعذار كسلس البول]
    ويشترط أيضاً لصحة الإمامة أن يكون الإمام سليماً من الأعذار، كسلس البول، والإسهال المستمر، وانفلات الريح، والرعاف، ونحو ذلك، فمن كان مريضاً بمرض من هذه فإن إمامته لا تصح بالسليم منها، وتصح بمريض مثله إن اتحد مرضهما، أما إن اختلف، كأن كان أحدهما مريضاً بسلس البول، والآخر بالرعاف الدائم، فإن إمامتهما لبعضهما لا تصح، وهذا القدر متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة؛ وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (12) .
    [طهارة الإمام من الحدث والخبث]
    ومن شروط صحة الإمامة المتفق عليها أن يكون الإمام طاهراً من الحدث والخبث؛ فإذا صلى شخص خلف رجل محدث أو على بدنه نجاسة، فإن صلاته تكون باطلة، كصلاة إمامه، بشرط أن يكون الإمام عالماً بذلك الحدث، ويتعمد الصلاة.
    وإلا فلا تبطل، على تفصيل في المذاهب، ذكرناه تحت الخط (13) .
    [إمامة من بلسانه لثغ ونحوه]
    من شروط صحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً لا يتحول في النطق عن حرف إلى غيره، كأن يبدل الراء غيناً، أو السين ثاء، أو الذال زاياً، أو الشين سيناً، أو غير ذلك من حروف الهجاء.
    وهذا ما يقال له: ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حروف الهجاء. وهذا يقال له ألثغ لأن اللثغ في اللغة تحول اللسان من حرف إلى حرف، ومثل هذا يجب عليه تقويم لسانه، ويحاول النطق بالحرف صحيحاً بكل ما في وسعه، فإن عجز بعد ذلك فإن إمامته، لا تصح إلا لمثله، أما إذا قصر، ولم يحاول إصلاح لسانه فإن صلاته تبطل من أصلها، فضلاً عن إمامته، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والشافعية، والحنابلة،
    إلا أن الحنفية يقولون:
    إن مثل هذا إذا كان يمكنه أن يقرأ موضعاً من القرآن صحيحاً غير الفاتحة وقرأه فإن صلاته لا تبطل، لأن قراءة الفاتحة غير فرض عندهم، وخالف في ذلك كله المالكية،
    فقالوا:
    إن إمامته صحيحة مطلقاً، كما هو موضح في مذهبم الآتي، ومثل الألثغ في هذا التفصيل من يدعم حرفاً في آخر خطأ، كأن يقلب السين تاء، ويدغمها في تاء بعدها، فيقول مثلاً المتقيم بدل "المستقيم"؛ فمثل هذا يجب عليه أن جتهد في إصلاح لسانه، فإن عجز صحت إمامته لمثله، وإن قصر بطلت صلاته وإمامته.أما الفأفأء، وهو الذي يكرر الفاء في كلامه، والتمتام وهو الذي يكرر التاء فإن إمامته تصح لمن كان مثله، ومن لم يكن، مع الكراهة عند الشافعية، والحنابلة،
    أما المالكية قالوا:
    إنها تصح بدون كراهة مطلقاً،
    والحنفية قالوا:
    إن إمامتهما كإمامة الألثغ، فلا تصح إلا لمثلهما بالشرط المتقدم، وقد ذكرنا مذهب المالكية في ذلك كله تحت الخط (14) .
    [إمامة المقتدي بإمام آخر]
    من شروط صحة الإمامة أن لا يكون الإمام مقتدياً بإمام غيره، مثلاً إذا أدرك شخص إمام المسجد في الركعتين الأخيرتين من صلاة العصر، ثم سلم الإمام، وقام ذلك الشخص ليقضي الركعتين، فجاء شخص آخر ونوى صلاة العصر مقتدياً بذلك الشخص الذي يقضي ما فاته، فهل تصح صلاة المقتدي الثاني أو لا؟ وأيضاً إذا كان المسجد مزدحماً بالمصلين، وجاء شخص في آخر الصفوف، ولم يسمع حركات الإمام، فاقتدى بأحد المصلين الذين يصلون خلفه، فهل يصح اقتداؤه أو لا؟ في ذلك كله تفصيل، فانظره تحت الخط (15) .


    (1) الحنفية قالوا: يسن للمعذور تأخير صلاة الظهر بعد صلاة الجمعة، أما صلاته قبل ذلك فمكروهة تنزيهاً، سواء رجا زوال عذره أو لا
    (2) الحنفية قالوا: من فاتته صلاة الجمعة لعذر أو لغيره يكره له صلاة ظهر الجمعة بالمصر بجماعة، أما أهل البوادي الذين لا تصح منهم الجمعة فيجوز لهم صلاة ظهر الجمعة بجماعة من غير كراهة، لأن يوم الجمعة بالنسبة لهم كغيره من باقي الأيام.
    الشافعية قالوا: من فاتته الجمعة لعذر أو لغيره سن له أن يصلي الظهر في جماعة، ولكن إن كان عذره ظاهراً كالسفر ونحوه سن له أيضاً إظهار الجماعة، وإن كان عذره خفياً، كالجوع الشديد، سن إخفاء الجماعة، ويجب على من ترك الجمعة بلا عذر أن يصلي عقب سلام الإمام فوراً.
    الحنابلة قالوا: من فاتته الجمعة لغير عذر أو لم يفعلها لعدم وجوبها عليه، فالأفضل له أن يصلي الظهر في جماعة مع إظهاره، ما لم يخش الفتنة من إظهار جماعتها؛ وإلا طلب إخفاءها.
    المالكية قالوا: تطلب الجماعة في صلاة الظهر يوم الجمعة من معذور يمنعه عذره من حضور الجمعة، كالمريض الذي لا يستطيع السعي لها والمسجون؛ ويندب له إخفاء الجماعة لئلا يتهم بالإعراض عن الجمعة؛ كما يندب له تأخيرها عن صلاة الجمعة، أما من ترك الجمعة بغير عذر أو لعذر لا يمنعه من حضورها، كخوف على ماله لو ذهب للجمعة، فهذا يكره له الجماعة في الظهر
    (3) الحنفية قالوا: من أدرك الإمام في أي جزء من صلاته فقد أدرك الجمعة ولو تشهد سجود السهو، وأتمها جمعة على الصحيح.
    الحنابلة قالوا: من أدرك مع إمام الجمعة ركعة واحدة بسجدتيها أتمها جمعة، وإلا أتمها ظهراً إن كان يصلي الجمعة في وقت الظهر؛ بشرط أن ينويه، وإلا أتمها نفلاً، ووجبت عليه صلاة الظهر

    (4) المالكية قالوا: يندب الذهاب للجمعة وقت الهاجرة، ويبتدئ بقدر ساعة قبل الزوال، وأما التكبير، وهو الذهاب قبل ذلك؛ فمكروه


    (5) المالكية قالوا: المندوب لبس الأبيض يوم الجمعة، فإن وافق يوم الجمعة يوم العيد لبس الجديد أو النهار، ولو كان أسود، لما عرفت أن السنة يوم العيد هي أن يلبس الجديد مطلقاً أبيض أو أسود فإذا خرج لصلاة الجمعة فإنه يندب له أن يلبس الأبيض، وبذلك يكون قد أدى حَق العيد وحَق الجمعة.
    الحنابلة قالوا: المندوب يوم الجمعة هو الأبيض لا غير
    (6) المالكية قالوا: في حكم الجماعة في الصلوات الخمس قولان: أحدهما مشهور، والثاني أقرب إلى التحقيق، فأما الأول فهو أنها سنة مؤكدة بالنسبة لكل مصل، وفي كل مسجد، وفي البلد الذي يقيم به المكلف، على أنه إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، وإلا قوتلوا لاستهانتهم بالسنة، وأما الثاني فهو أنه فرض كفاية في البلد، فإن تركها جميع أهل البلد قوتلوا؛ وإن قام بها بعضهم سقط الفرض عن الباقين، وسنة في كل مسجد للرجال، ومندوبة لكل مصل في خاصة نفسه، وللمالكي أن يعمل بأحد الرأيين، فإذا قال: إنها سنة عين مؤكدة يطلب اداؤها من كل مصل وفي كل مسجد؛ فقوله صحيح عندهم، على أنها وإن كانت سنة عين مؤكدة بالنسبة لكل مصل.
    ولكن إن قام بها بعض أهل البلد لا يقاتل الباقون على تركها، فالبلد الذي فيها مسجد تقام فيه الجماعة يكفي في رفع القتال عن الباقين، ومن قال إنها فرض كفاية فإنه يقول إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، وقد وافقهم الشافعية في هذا القول، وإن خالفوهم في التفصيل الذي بعده.
    الحنفية قالوا: صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة سنة عين مؤكدة، وإن شئت قلت هي واجبة، لأن السنة المؤكدة هي الواجب على الأصح؛ وقد عرفت أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض، وأن تارك الواجب يأثم إثماً أقل من إثم تارك الفرض، وهذا القول متفق مع الرأي الأول للمالكية الذين يقولون: إنها سنة عين مؤكدة: ولكنهم يخالفونهم في مسألة قتال أهل البلدة من أجل تركها، وإنما تسن في الصلاة المفروضة للرجال العقلاء الأحرار، غير المعذورين بعذر من الأعذار الآتية. إذا لم يكونوا عراة، وسيأتي بيان الجماعة في حَق النساء والصبيان، وباقي شروط الإمامة.
    الشافعية قالوا: في حكم صلاة الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة أقوال عندهم: الراجح منها أنها فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، فإذا أقيمت الجماعة في مسجد من مساجد البلدة سقطت عن باقي سكان البلدة، وكذا إذا أقامها جماعة في جهة من الجهات، فإنها تسقط عن باقي أهل الجهة. وبعض الشافعية يقول: إنها سنة عين مؤكدة، وهو مشهور عندهم، ومثل الصلوات الخمس في ذلك الحكم صلاة الجنازة، على أنهم قالوا: إن صلاة الجنازة تسقط إذا صلاها رجل واحد أو صبي مميز، بخلاف ما إذا صلتها امرأة واحدة، كما سيأتي في مباحث "صلاة الجنازة".
    الحنابلة قالوا: الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة، فرض عين بالشرائط الآتي بيانها، وقد عرفت استدلالهم

    (7) المالكية قالوا: الجماعة في صلاة الجمعة شرط لصحتها، فلا تصح إلا بها، والجماعة في صلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين شرط لتحقق سنيتها، فلا يحصل له ثواب السنة إلا إذا صلاها جماعة، والجماعة في صلاة التراويح مستحبة.
    أما باقي النوافل فإن صلاتها جماعة تارة يكون مكروهاً، وتارة يكون جائزاً، فيكون مكروهاً إذا صليت بالمسجد، أو صليت بجماعة كثيرين، أو كانت بمكان يكثر تردد الناس عليه، وتكون جائزة إذا كانت بجماعة قليلة، ووقعت في المنزل ونحوه في الأمكنة التي لا يتردد عليها الناس.
    الحنفية قالوا: تشترط الجماعة لصحة الجمعة والعيدين، وتكون سنة كفاية في صلاة التراويح والجنازة، وتكون مكروهة في صلاة النوافل مطلقاً، والوتر في غير رمضا؛ وإنما تكره الجماعة في ذلك إذا زاد المقتدون عن ثلاثة، أما الجماعة في وتر رمضان ففيها قولان مصححان:
    أحدهما: أنها مستحبة؛
    ثانيهما: أنها غير مستحبة، ولكنها جائزة، وهذا القول أرجح.
    الشافعية قالوا: الجماعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة فرض عين، وفي الركعة الثانية من صلاة الجمعة سنة، فلو أدرك الإمام في الركعة الأولى من صلاة الجمعة، ثم نوى مفارقته في الركعة الثانية وصلاها وحده صحت صلاته: وكذلك تكون فرض عين في خمسة مواضع أخرى:
    الأول: في كل صلاة أعيدت ثانياً في الوقت، فلو صلى الظهر مثلاً منفرداً أو في جماعة، ثم أراد أن يعيد صلاته مرة أحرى، فإنه لا يجوز له ذلك، إلا إذا صلاه جماعة؛
    الثاني: تفترض الجماعة في الصلاة المجموعة جمع تقديم في حالة المطر، وإنما تفترض الجماعة في الصلاة الثانية فإذا وجد مطر شديد بعد دخول وقت الظهر مثلاً، فإن له أن يصلي الظهر منفرداً، ويصلي العصر مع الظهر لشدة المطر، بشرط أن يصلي العصر جماعة، فلو صلاه منفرداً فلا تصح صلاته؛
    الثالث: الصلاة التي نذر أن يصليها جماعة، فإنه يفترض عليه أن يصليها كذلك، بحيث لو صلاها منفردا، فإنها لا تصح؛
    الرابع: الصلاة المفروضة التي لم يوجد أحد يصليها جماعة إلا اثنان: فإذا فرض ولم يوجد في جهة إلا اثنان، فإن الجماعة تكون فرضاً عليهما، وذلك لأنك عرفت أن الجماعة في الصلوات الخمس المفروضة فرض كفاية في الأصح، فإذا لم يوجد أحد يصليها إلا اثناء تعينتت عليهما؛
    الخامس: تكون الجماعة فرض عين إذا وجد الإمام راكعاً، وعلم أنه اقتدى به أدرك ركعة في الوقت، ولو صلى منفرداً فاتته الركعة.
    أما الجماعة في صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان فهي مندوبة عند الشافعية، ومثل ذلك الصلاة التي يقضيها خلف إمام يصلي مثلها، كما إذا كان عليه ظهر قضاء، فإنه يندب أن يصليه خلف إمام يصلي ظهراً مثله، وكذلك تندب الجماعة لمن فاتته الجمعة لعذر من الأعذار، فإنه يندب له أن يصلي الظهر بدلاً عن الجمعة في جماعة وتباح الجماعة في الصلاة المنذورة وتكره في صلاة أداء خلف قضاء وعكسه، وفي فرض خلف نفل وعكسه، وفي وتر خلف تراويح وعكسه.
    الحنابلة قالوا: تشترط الجماعة لصلاة الجمعة، وتسن الرجال الأحرار القادرين في الصلوات المفروضة إذا كانت قضاء، كما تسن لصلاة الجنازة؛ أما النوافل فمنها ما تسن فيه الجماعة وذلك كصلاة الاستسقاء والتراويح والعيدين ومنها ما تباح فيه الجماعة، كصلاة التهجد ورواتب الصلوات المفروضة

    (8) الشافعية قالوا: يجوز اقتداء البالغ بالصبي المميز في الفرض إلا في الجمعة، فيشترط أن يكون بالغاً إذا كان الإمام من ضمن العدد الذي لا يصح إلا به، فإن كان زائداً عنهم صح أن يكون صبياً مميزاً
    (9) الحنفية قالوا: لا يصح اقتداء البالغ بالصبي مطلقاً، لا في فرض، ولا في نفل على الصحيح
    (10) المالكية قالوا: لا يصح أن تكون المرأة ولا الخنثى المشكل إماماً لرجال أو نساء، لا في فرض، ولا في نفل، فالذكورة شرط في الإمام مطلقاً مهما كان المأموم
    (11) المالكية قالوا:
    لا يصح اقتداء أمي عاجز عن قراءة الفاتحة بمثله إن وجد قارئ ويجب عليهما معاً أن يقتديا به، وإلا بطلت صلاتهما، أما القادر على قراءة الفاتحة، ولكنه لا يحسنها، فالصحيح أنه يمنع ابتداء من الاقتداء بمثله إن وجد من يحسن القراءة، فإن اقتدى بمثله صحت، إما إذا لم يوجد قارئ فيصح اقتداء الأمي بمثله على الأصح
    (12) المالكية قالوا: لا يشترط في صحة الإمامة سلامة الإمام من الأعذار المعفو عنها في حقه فإذا كان الإمام به سلس بول معفو عنه لملازمته ولو نصف الزمن، كما تقدم، صحت إمامته، وكذا إذا كان به انفلات ريح أو غير ذلك مما لا ينقض الوضوء، ولا يبطل الصلاة، فإمامته صحيحة نعم يكره أن يكون إماماً لصحيح ليس به عذر.
    الشافعية قالوا: إذا كان العذر القائم بالإمام لا تجب معه إعادة الصلاة، فإمامته صحيحة، ولو كان المقتدي سليماً
    (13) المالكية قالوا:
    لا تصح إمامة المحدث إن تعمد المحدث، وتبطل صلاة من اقتدى به؛ أما إذا لم يتعمد، كأن دخل في الصلاة ناسياً الحدث أو غلبه الحدث، وهو فيها، فإن عمل بالمأمومين عملاً من أعمال الصلاة بعد علمه بحدثه أو بعد أن غلبة بطلت صلاتهم، كما تبطل صلاتهم إذا اقتدوا به بعد عملهم بحدثه وإن لم يعلم الإمام، أما إذا لم يعلموا بحدثه ولم يعلم الإمام أيضاً إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاتهم صحيحة، وأما صلاة الإمام فباطلة في جميع الصور، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة، وحكم صلاة الإمام والمأموم إذا علق بالإمام نجاسه، كالحكم إذا كان محدثاً في هذا التفصيل، إلا أن صلاته هو تصح إذا لم يعلم بالنجاسة إلا بعد الفراغ من الصلاة، لأن الطهارة من الخبث شرك لصحة الصلاة مع العلم، كما تقدم.
    الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمحدث إذا علم المأموم به ابتداء، فإن علم بذلك في أثناء الصلاة وجبت عليه نية المفارقة، وأتم صلاته وصحت، وكفاه ذلك، وإن علم المأموم بحدث إمامه بعد فراغ الصلاة فصلاته صحيحة؛ وله ثواب الجماعة؛ أما صلاة الإمام فباطلة في جميع الأحوال لفقد الطهارة التي هي شرط للصلاة، ويجب عليه إعادتها؛ ولا يصح الاقتداء أيضاً بمن به نجاسة خفية، كبول جف مع علم المقتدي بذلك، بخلاف ما إذا جهله، فإن صلاته صحيحة في غير الجمعة، وكذا في الجمعة إذا تم العدد بغيره، وإلا فلا تصح للجميع لنقص العدد المشترط في صحة الجمعة؛ أما إذا كان على الإمام نجاسة ظاهرة، بحيث لو تأملها أدركها، فإنه لا يصح الاقتدار به مطلقاً، ولو مع الجهل بحاله.
    الحنابلة قالوا: لا تصح إمامة المحدث حدثاً أصغر أو أكبر، ولا إمامة من به نجاسة إذا كان يعلم بذلك. فإن جهل ذلك المقتدي أيضاً حتى الصلاة صحت صلاة المأموم وحده، سواء كانت صلاة جمعة أو غيرها، إلا أنه يشترط في الجمعة أن يتم العدد المعتبر فيها، وهو - أربعون - بغير هذا الإمام وإلا كانت باطلة على الجميع، كما تبطل عليهم أيضاً إذا كان بأحد المأمومين حدث أو خبث إن كان لا يتم العدد إلا به.
    الحنفية قالوا: لا تصح إمامة المحدث ولا من به نجاسة لبطلان صلاته، أما صلاة المقتدين به فصحيحة إن لم يعلموا بفساد علمون بشهادة عدول، أو بإخبار الإمام العدل عن نفسه بطلب صلاتهم ولزمهم وإعادتها؛ فإن لم يكون الثي أخبر بفساد صلاته عدلاً فلا يقبل قوله ولكنيستحب لهم إعادتها احتياطاً
    (14) المالكية قالوا: الألثغ، والتمتام والفأفاء، والأرت، وهو الذي يدغم حرفاً في آخر خطأً، ونحوهم من كل ما لا يستطيع النطق ببعض الحروف. تصح إمامته وصلاته لمثله ولغير مثله من الأصحاء الذين لا اعوجاج في ألسنتهم، ولو وجد من يعلمه، وقبل التعليم، واتسع الوقت له، ولا يجب عليه الاجتهاد في إصلاح لسانه على الراجح، ومن هذا تعلم أن المالكية لا يشترطون لصحة الإمامة أن يكون لسان الإمام سليماً
    (15) المالكية قالوا: من اقتدى بمسبوق أدرك مع إمامه ركعة بطلت صلاته، سواء كان المقتدي مسبوقاً مثله أو لا. أما إذا حاكى المسبوق مسبوقاً آخر في صورة إتمام الصلاة بعد سلام الإمام من غير أن ينوي الاقتداء به، فصلاته صحيحة، وكذا إن كان المسبوق لم يدرك مع إمامه ركعة كأن دخل مع الإمام في التشهد الأخير، فيصح الاقتداء به، لأنه منفرد لم يثبت له حكم الاقتدار.
    الحنفية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمسبوق، سواء أدرك مع إمامه ركعة أو أقل منها، فلو اقتدى اثنان بالإمام، وكانا مسبوقين، وبعد سلام الإمام نوى أحدهما الاقتداء بالآخر بطلت صلاة المقتدي، أما إن تابع أحدهما الآخر ليتذكر ما سبقه من غير نية الاقتداء، فإن صلاتهما صحيحة لارتباطهما بإمامهما السابق.
    الشافعية قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن اقتدى به بعد أن سلم الإمام أو بعد أن نوى مفارقته - ونية المفارقة جائزة عندهم صح الاقتداء به، وذلك في غير الجمعة؛ أما في صلاتها، فلا يصح الاقتداء.
    الحنابلة قالوا: لا يصح الاقتداء بالمأموم ما دام مأموماً، فإن سلم إمامه، وكان مسبوقاً صح اقتداء مسبوق مثله به، إلا في صلاة الجمعة، فإنه لا يصح اقتداء المسبوق بمثله

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 376 الى صــــــــ
    386
    الحلقة (57)


    [الصلاة وراء المخالف في المذاهب]
    من شروط الإمامة أن تكون صلاة الإمام صحيحة في مذهب المأموم، فلو صلى حنفي خلف شافعي وسال منه دم ولم يتوضأ بعده، أو صلى شافعي خلف حنفي لمس امرأة مثلاً، فصلاة المأموم باطلة، لأنه يرى بطلان صلاة إمامه، باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف المالكية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
    [تقدم المأموم على إمامه وتمكن المأموم من ضبط أفعال الإمام]
    ومن شروط صحة الإمامة أن لا يتقدم المأموم على إمامه، فإذا تقدم المأموم بطلت الإمامة والصلاة، وهذا الحكم متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (2) ، على أن الذين اشترطوا عدم تقدم المأموم على إمامه استثنوا من هذا الحكم الصلاة حول الكعبة،
    فقالوا: إن تقدم المأموم على إمامه جائز فيها، إلا أن الشافعية لهم في الصلاة حول الكعبة،
    فقالوا:
    إن تقدم المأموم على إمامه جائز فيها، إلا أن الشافعية لهم في هذا تفصيل مذكور تحت الخط (3) ثم إن كانت الصلاة من قيام، فالعبرة في حصة صلاة المقتدي بأن لا يتقدم مؤخر قدمه على مؤخر قدم الإمام، وإن كانت من جلوس. فالعبرة بعدم تقدم عجزه على عجز الإمام فإن تقدم المأموم في ذلك لم تصح صلاته؛ أما إذا حاذاه فصلاته صحيحة بلا كراهة، عند الأئمة الثلاثة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (4) ؛ ومنها تمكن المأموم منضبط أفعال إمامه برؤية أو سماع،
    ولو بمبلغ فمتى تمكن المأموم من ضبط أفعال إمامه صحت صلاته:
    إلا إذا اختلف مكانهما، فإن صلاته تبطل على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (5) .
    [نية المأموم الاقتداء، ونية الإمام الإمامة]
    ومن شروط صحة الإمامة:
    نية المأموم الاقتداء بإمامه في جميع الصلوات، باتفاق ثلاثة من الأئمة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) ، وتكون النية من أول صلاته بحيث تقارن تكبيرة الإحرام من المأموم حقيقة أو حكماً، على ما تقدم في بحث "النية" فلو شرع في الصلاة بنية الانفراد، ثم وجد إماماً في أثنائها فنوى متابعته، فلا تصح صلاته لعدم وجود النية من أول الصلاة، فالمنفرد لا يجوز انتقاله للجماعة، كما لا يجوز لمن بدأ صلاته في جماعة أن ينتقل للانفراد، بأن ينوي مفارقة الإمام إلا لضورة، كأن أطال عليه الإمام، وهذا كله متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة، وخالف الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (7) .
    أما نية الإمام الإمامة، كأن ينوي صلاة الظهر أو العصر إماماً، فإنها ليست بشرط في الإمامة، إلا في أحوال مفصلة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (8) .
    [اقتداء المفترض بالمتنفل]
    ومن شروط الإمامة أن لا يكون الإمام أدنى حالاً من المأموم، فلا يصح اقتداء مفترض بمتنفل، إلا عند الشافعية، فانظر مذهبهم تحت الخط (9) ، وكذا لا يجوز اقتداء قادر على الركوع مثلاً بالعاجز عنه، ولا كاس بعار لم يجد ما يستتر به، باتفاق الحنفية، والحنابلة، وخالف الشافعية، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (10) ، لا متطهر بمتنجس عجز عن الطهارة، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف المالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (11) ، وكذا لا يجوز اقتداء القارئ بالأمي، كما تقدم، نعم يصح اقتداء القائم بالقاعد الذي عجز عن القيام، على تفصيل في المذاهب.

    [متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصلاة]
    ومن شروط الإمامة متابعة المأموم لإمامه في أفعال الصلاة، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (12)


    (1) المالكية، والحنابلة قالوا: ما كان شرطاً في صحة الصلاة، فالعبرة فيه بمذهب الإمام فقط، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي بحنفي أو شافعي لم يمسح جميع الرأس في الوضوء فصلاته صحيحة لصحة صلاة الإمام في مذهبه، وأما ما كان شرطاً في سحة الاقتداء، فالعبرة فيه بمذهب المأموم، فلو اقتدى مالكي أو حنبلي في صلاة فرض بشافعي يصلي نفلاً فصلاته باطلة، لأن شرط الاقتداء اتحاد صلاة الإمام والمأموم

    (2) المالكية قالوا: لا يشترط في الاقتداء عدم تقدم المأموم على الإمام، فلو تقدم المأموم على إمامه - ولو كان المتقدم جميع المأمومين - صحت الصلاة على المعتمد على أنه يكره التقدم لغير ضرورة
    (3) الشافعية قالوا: لا يصح تقدم المأموم على الإمام حول الكعبة إذا كانا في جهة واحدة؛ أما إذا كان المأموم في غير جهة إمامه، فإنه يصح تقدمه عليه؛ ويكره التقدم لغير ضرورة، كضيق المسجد، وإلا فلا كراهة
    (4) الشافعية قالوا: تكره محاذاة المأموم لإمامه
    (5) الشافعية قالوا: إذا كان الإمام والمأموم في المسجد فهما في مكان واحد غير مختل، سواء كانت المسافة بين الإمام والمأموم تزيد على ثلاثمائة ذراع أو لا، فلو صلى الإمام في آخر المسجد والمأموم في أوله صح الاقتداء، بشرط أن لا يكون بين الإمام والمأموم حائل يمنع وصول المأموم إليه - كباب مسمر - قبل دخوله في الصلاة، فلو سدت الطريق بينهما في أثناء الصلاة لا يضر، كما لا يضر الباب المغلق بينهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون إمكان وصول المأموم إلى الإمام مستقبلاً أو مستديراً للقبلة، وفي حكم المسجد رحبته ونحوها. أما إذا كانت صلاتهما خارج المسجد، فإن كانت المسافة بينهما لا تزيد على ثلاثمائة ذراع الآدمي صحت الصلاة، ولو كان بينهما فاصل: كنهر تجري فيه السفن، أو طريق يكثر مرور الناس فيه على المعتمد، بشرط أن لا يكون بينهما حائل يمنع المأموم من الوصول إلى الإمام لو أراد ذلك، بحيث يمكنه الوصول إليه غير مستدبر للقبلة، ولا منحرف، ولا فرق في الحائل الضارّ بين أن يكون باباً مسمراً أو مغلقاً أو غير ذلك، فإن كان أحدهما في المسجد والآخر خارجه، فإن كانت المسافة بين من كان خارجاً عن المسجد وبين طرف المسجد الذي يليه أكثر من ثلاثمائة ذراع بطل الاقتداء، وإلا فيصح بشرط أن لا يكون بينهما الحائل الذي مر ذكره في صلاتهما خارج المسجد.
    الحنفية قالوا: اختلاف المكان بين الإمام والمأموم مفسد للإقتداء، سواء اشتبه على المأموم حال إمامه أو لم يشتبه على الصحيح، فلو اقتدى رجل في داره بإمام المسجد، وكانت داره منفصلة عن المسجد بطريق ونحوه، فإن الاقتداء لا يصح لاختلاف المكان، أما إذا كانت ملاصقة للمسجد بحيث لم يفصل بينهما إلا حائط المسجد، فإن صلاة المقتدي تصح إذا لم يشتبه عليه حال الإمام، ومثل ذلك ما إذا صلى المقتدي على سطح داره الملاصق لسطح المسجد، لأنه في هاتين الحالتين لا يكون المكان مختلفاً، فإن اتحد المكان وكان واسعاً، كالمساجد الكبيرة، فإن الاقتداء يكون به صحيحاً لما دام لا يشتبه على المأموم حال إمامه إما بسماعه أو بسماع المبلغ أو برؤيته أو برؤية المقتدين يه، إلا أنه لا يصح اتباع المبلغ إذا قصد بتكبيرة الإحرام مجرد التبليغ، لأن صلاته تكون باطلة حينئذ، فتبطل صلاة من يقتدي بتبليغه، وإنما يصح الاقتداء في المسجد الواسع إذا لم يفصل بين الإمام وبين المقتدي طريق نافذ تمر فيه العجلة - العربة - أو نهر يسع زورقاً يمر فيه. فإن فصل بينهما ذلك لم يصح الاقتداء، أما الصحراء فإن الاقتداء فيها لا يصح إذا كان بين الإمام والمأموم خلاء يسع صفين، ومثل الصحراء المساجد الكبيرة جداً، كبيت المقدس.
    المالكية قالوا: اختلاف مكان الإمام والمأموم لا يمنع صحة الاقتداء، فإذا حال بين الإمام والمأموم نهر أو طريق أو جدار فصلاة المأموم صحيحة متى كان متمكناً من ضبط أفعال الإمام، ولو بمن يسمعه، نعم لو صلى المأموم الجمعة في بيت مجاور للمسجد، مقتدياً بإمامه، فصلاته باطلة، لأن الجامع شرط في الجمعة، كما تقدم,
    الحنابلة قالوا: اختلاف مكان الإمام والمأموم يمنع صحة الاقتداء على التفصيل الآتي، وهو إن حال بين الإمام والمأموم نهر تجري فيه السفن بطلت صلاة المأموم، وتبطل صلاة الإمام أيضاً، لأنه ربط صلاته بصلاة من لا يصح الاقتداء به، وإن حال بينهما طريق، فإن كانت الصلاة مما لا تصح في الطريق عند الزحمة لم يصح الاقتداء، ولو اتصلت الصفوف بالطريق، وإن كانت الصلاة مما لا تصح في الطريق عند الزحمة، كالجمعة ونحوها، مما يكثر فيه الاجتماع، فإن اتصلت الصفوف بالطريق صح الاقتداء مع الفصل بين الإمام والمأموم، وإن لم تتصل الصفوف فلا يصح الاقتداء، وإن كان الإمام والمأموم بالمسجد صح الاقتداء، ولو كان بينهما حائل متى سمع تكبيرة الإحرام، أما إذا كان خارج المسجد أو المأموم خارجه والإمام فيه، فيصح الاقتداء بشرط أن يرى المأموم الإمام، أو يرى من وراءه ولو في بعض الصلاة، أو من شباك، ومتى تحققت الرؤية المذكورة صح الاقتداء، ولو كان بينهما أكثر من ثلاثمائة ذراع

    (6) الحنفية قالوا: نية الاقتداء شرط في غير الجمعة والعيد على المختار، لأن الجماعة شرط في صحتهما، فلا حاجة إلى نية الاقتداء
    (7) الشافعية قالوا: لا تشترط نية الاقتداء في أول الصلاة، فلو نوى الاقتداء في أثناء صلاته صحت مع الكراهة إلا في الجمعة ونحوها مما تشترط فيه الجماعة، فإنه لا بد فيها من نية الاقتداء من أول الصلاة، بحيث تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام، وكذا يصح للمأموم أن ينوي مفارقة إمامه ولو من غير عذر، لكن يكره إن لم يكن هناك عذر، ويستثنى من ذلك الصلاة التي تشترط فيها الجماعة كالجمعة، فلا تصح نية المفارقة في الركعة الأولى منها ومثلها الصلاة التي يريد إعادتها جماعة؛ فلا تصح نية المفارقة في شيء منها، وكذا الصلاة المجموعة تقديماً ونحوها.
    الحنفية قالوا: تبطل الصلاة بانتقال المأموم للانفراد، إلا إذا جلس مع إمام الجلوس الأخير بقدر التشهد، ثم عرضت ضرورة، فإنه يسلم ويتركه، وإذا تركه بدون عذر صحت الصلاة مع الإثم، كما سيأتي في مبحث "أحوال المقتدي"
    (8) الحنابلة قالوا: يشترط في صحة الاقتداء نية الإمام الإمامة في كل صلاة، فلا تصح صلاة المأموم إذا لم ينو الإمام الإمامة.
    الشافعية قالوا: يشترط في صحة الاقتداء أن ينوي نية الإمام الجماعة في الصلوات التي تتوقف صحتها على الجماعة، كالجمعة، والمجموعة للمطر، والمعادة.
    الحنفية قالوا: نية الإمامة شرط لصحة صلاة المأموم إذا كان إماماً لنساء، فتفسد صلاة النساء إذا لم ينو إمامهن الإمامة، وأما صلاته هو فصحيحة، ولو حاذته امرأة، كما تقدم في المحاذاة.
    المالكية قالوا: نية الإمامة ليست بشرط في صحة المأموم، ولا في صحة صلاة الإمام إلا في مواضع: أولاً: صلاة الجمعة، فإذا لم ينو الإمامة بطلت صلاته، وصلاة المأموم؛ ثانياً: الجمع ليلة المطر، ولا بد من نية الإمامة في افتتاح كل من الصلاتين، فإذا تركت في واحدة منهما بطلت على الإمام والمأموم لاشتراط الجماعة فيها، وصحت ما نوى فيها الإمامة، إلا إذا ترك النية في الأولى، فتبطل الثانية أيضاً تبعاً لها، ولو نوى الإمامة؛ وقال بعض المالكية: إن الأولى لا تبطل على أي حال، لأنها وقعت في محلها؛ ثالثها: صلاة الخوف على الكيفية الآتية:
    وهي أن يقسم الإمام الجيش نصفين، يصلي بكل قسم جزءاً من الصلاة، فإذا ترك الإمام الإمامة بطلت الصلاة على الطائفة الأولى فقط، وصحت للإمام والطائفة الثانية، رابعاً المستخلف الذي قام مقام الإمام لعذر، فيشترط في صحة صلاة من اقتدى به أن ينوي هو الإمامة، فإذا لم ينوه فصلاة من اقتدى به باطلة، وأما صلاته هو فصحيحة، ولا تشترط نية الإمامة لحصول فضل الجماعة على المعتمد، فلو أم شخص قوماً، ولم ينو الإمامة حصل له فضل الجماعة؛ والمراد بكون نية الإمام شرطاً في المواضع السابقة أن لا ينوي الانفراد
    (9) الشافعية قالوا: يصح اقتداء المفترض بالمتنفل مع الكراهة
    (10) الشافعية قالوا: يصح اقتداء الكاسي بالعاري الذي لم يجد ما يستتر به، إلا أن المالكية قالوا: إنه يكره، والشافعية لم يقولوا بالكراهة
    (11) المالكية قالوا: يصح اقتداء المتطهر بالمتنجس العاجز عن الطهارة مع الكراهة.
    المالكية قالوا: لا يصح اقتداء القائئم بالقاعد العاجز عن القيام، ولو كانت الصلاة نفلاً، إلا إذا جلس المأموم اختياراً في النفل، فتصح صلاته خلف الجالس فيه، أما إذا كان المأموم عاجزاً عن الأركان فيصح أن يقتدي بعاجز عنها إذا استويا في العجز بأن يكونا عاجزين معاً عن القيام، ويستثنى من ذلك من يصلي بإيماء، فلا يصح أن يكون إماماً لمثله؛ لأن الإيماء لا ينضبط فقد يكون إيماء الإمام أقل من إيماء المأموم، فإن لم يستويا في العجز كأن يكون الإمام عاجزاً عن السجود، والمأموم عاجزاً عن الركوع فلا تصح الإمامة.
    الحنفية قالوا: يصح اقتداء القائم بالقاعد الذي يستطيع أن يركع ويسجد، أما العاجز عن الركوع والسجود فلا يصح اقتداء القائم به إذا كان قادراً، فإن عجز كل من الإمام والمأموم، وكانت صلاتهما بالإيماء صح الاقتداء، سواء كانا قاعدين أو مضطجعين أو مستلقيين أو مختلفين، بشرط أن تكون حالة الإمام أقوى من حالة المقتدي، كأن يكون مضطجعاً، والإمام قاعداً.
    الشافعية قالوا: تصح صلاة القائم خلف القاعد والمضطجع العاجزين عن القيام والقعود، والقادر على الركوع والسجود بالعاجز عنهما.
    الحنابلة قالوا: لا يصح اقتداء القائم بالقاعد الذي عجز عن القيام، إلا إذا كان العاجز عن القيام إماماً راتباً، وكان عجزه عن القيام بسبب علة يرجى زوالها
    (12) الحنفية قالوا: متابعة المأموم لإمامه تشمل أنواعاً ثلاثة: أحدها: مقارنة فعل المأموم لفعل إمامه، كأن يقارن إحرامه إحرام إمام وركوعه ركوعه وسلامه سلامه؛ ويدخل في هذا القسم ما لو ركع قبل إمامه، وبقي راكعاً حتى ركع إمامه فتابعه فيه، فإنه يعتبر في هذه الحالة مقارناً له في الركوع؛ ثانيها: تعقيب فعل المأموم لفعل إمامه، بأن يأتي به عقب فعل الإمام مباشرة ثم يشاركه في باقية؛ ثالثها: التراخي في الفعل بأن يأتي بعد إتيان الإمام بفعله متراخياً عنه، ولكنه يدركه فيه قبل الدخول في الركن الذي بعده فهذه الأنواع الثلاثة يصدق عليها أنها متابعة في أفعال الصلاة فلو ركع إمامه فركع معه مقارناً أو عقبه مباشرة وشاركه فيه أو ركع بعد رفع إمامه من الركوع، وقبل أن يهبط للسجود، فإنه يكون متابعاً له في الركوع، وهذه المتابعة بأنواعها تكون فرضاً فيما هو فرض من أعمال الصلاة، وواجبة في الواجب، وسنة في السنة، فلو ترك المتابعة في الركوع مثلاً بأن ركع ورفع قبل ركوع الإمام، ولم يركع معه أو بعده في ركعة جديدة بطل صلاته؛ لكونه لم يتابع في الفرض؛ وكذا لو ركع وسجد قبل الإمام، فإن الركعة التي يفعل فيها ذلك تلغى، وينتقل ما في الركعة الثانية إلى الركعة الأولى، وينتقل ما في الثالثة إلى الثانية، وما في الرابعة إلى الثالثة، فتبقى عليه ركعة يجب عليه قضاؤها بعد سلام الإمام: وإلا بطلت صلاته، وسيأتي لهذا إيضاح في مبحث "صلاة المسبوق"، ولو ترك المتابعة في القنوت إثم، لأنه ترك واجباً، ولو ترك المتابعة في تسبيح الركوع مثلاً فقد ترك السنة، وهناك أمور لا يلزم المقتدي أن يتابع فيها إمامه، وهي أربعة أشياء: الأول: إذا زاد الإمام في صلاته سجدة عمداً، فإن لا يتباعه،
    الثاني: أن يزيد عما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم في تكبيرات العيد،
    فإنه لا يتابعه؛
    الثالث: أن يزيد عن الوارد في تكبيرات صلاة الجنازة بأن يكبر لها خمساً، فإنه لا يتابعه،
    الرابع: أن يقوم ساهياً إلى ركعة زائدة عن الفرض بعد القعود الأخير، فإن فعل وقيد ما قام لها بسجدة سلم المقتدي وحده، وإن لم يقيدها بسجدة وعاد إلى القعود الأخير وسلم سلم المقتدي معه، أما إن قام الإمام إلى الزائدة قبل القعود الأخير وقيدها بسجدة؛ فإن صلاتهم جميعاً تبطل؛ وهناك أمور تسعة إذا تركها الإمام يأتي بها المقتدي ولا يتابعه في تركها وهي: رفع اليدين في التحريمة؛ وقراءة الثناء؛ وتكبيرات الركوع؛ وتكبيرات السجود؛ والتسبيح فيهما، والتسميع؛ وقراءة التشهد، والسلام، وتكبير التشريق، فهذه الأشياء التسعة إذا ترك الإمام شيئاً منها لم يتابعه المقتدي، في تركها بل يأتي بها وحده، وهناك أمور مطلوبة إذا تركها المقتدي وهي خمسة أشياء:
    تكبيرات العيد والقعدة الأولى، وسجدة التلاوة، وسجود السهو، والقنوت إذا خاف فوات الركوع أما إن لم يخف ذلك فعليه القنوت.
    هذا، وقد تقدم أن القراءة خلف الإمام مكروهة تحريماً، فلا تجوز المتابعة فيها، وسيأتي الكلام في المتابعة في السلام والتحريمة في مبحث "إذا فات المقتدي بعض الركعات أو كلها" أنه يجب على المأموم أن يتبع إمامه في السلام متى فرغ المأموم من قراءة التشهد، فإذا أتم المأموم تشهده قبل إمامه، ثم سلم قبله، فإن صلاته تصح مع كراهة التحريم إن وقع ذلك بغير عذر، والأفضل في المتابعة في السلام أن يسلم المأموم مع إمامه لا قبله ولا بعده؛ وقد عرفت حكم ما إذا سلم قبله؛ أما إذا سلم بعده فقد ترك الأفضل، أما إن كبر تكبيرة الإحرام قبله، فلا تصح صلاته، وإن كبر معه، فإن صلاته لا تصح، وإن كبر بعده فقد فاته إدراك وقت فضيلة تكبيرة الإحرام؛ وسيأتي بيان هذا في مبحث "إذا فات المقتدي بعض الركعات" ... الخ.
    المالكية قالوا: متابعة المأموم لإمامه هي عبارة عن أن يكون فعل المأموم في صلاته واقعاً عقب فعل الإمام، فلا يسبقه، ولا يتأخر عنه، ولا يساويه، وتنقسم هذه المتابعة إلى أربعة أقسام:
    الأول: المتابعة في تكبيرة الإحرام، وحكم هذه المتابعة أنها شرط لصحة صلاة المأموم، فلو كبر المأموم تكبيرة احرام قبل إمامه أو معه بطلت صلاته؛ بل يشترط أن يكبر المأموم بعد أن يفرغ إمامه من التكبير؛ بحيث لو كبر بعد شروع إمامه؛ ولكن فرغ من التكبير قبل فراغ الإمام أو معه بطلت صلاته،
    الثاني: المتابعة في السلام؛ فيشترط فيها أن يسلم المأموم بعد سلام إمامه، فلو سلم قبله سهواً، فإنه ينتظر حتى يسلم الإمام، ويعيد السلام بعده، وتكون الصلاة صحيحة، فإذا بدأ المأموم بالسلام بعد الإمام، وختم معه أو بعده فإن صلاته تصح؛ أما إذا ختم قبله بطلت صلاته؛ فيحسن أن يسرع الإمام بالسلام كي لا يسبقه أحد من المأمومين بالفراغ من السلام قبله، فتبطل صلاته، وكذلك تكبيرة الإحرام؛ وإذا ترك الإمام السلام، وطال الزمن عرفاً بطلت صلاة الجميع، ولو أتى به المأموم، لما عرفت من أن السلام ركن لكل مصل فلو تركه الإمام بطلت صلاته، وتبطل صلاة المأمومين تبعاً؛
    الثالث: المتابعة في الركوع والسجود، ولهذه المتابعة ثلاث صور:
    الصورة الأولى: أن يركع أو يسجد قبل إمامه سهواً أو خطأً، وفي هذه الحالة يجب أن ينتظر إمامه حتى يركع أو يسجد ثم يشاركه في ركوعه مطمئناً ولا شيء عليه، فإن لم ينتظر إمامه بل رفع من ركوعه عمداً أو جهلاً بطلت صلاته، أما إذا رفع سهواً فإنه عليه أن يرجع ثانياً إلى الاشتراك مع الإمام في ركوعه وسجوده، وتصح صلاته؛
    الصورة الثانية: أن يركع أو يسجد قبل إمامه عمداً، وفي هذه الحالة إن انتظر الإمام وشاركه في ركوعه وسجوده، فإن صلاته تصح، ولكنه يأثم لتعمد
    سبق الإمام، أما إذا لم ينتظره ورفع من ركوعه أو سجوده قبل الإمام، فإن كان ذلك عمداً، فإن صلاته تبطل.
    وإن كان سهواً فإنه ينبغي له أن يرجع إلى الاشتراك مع الإمام
    ثانياً، ولا شيء عليه؛ الصورة الثالثة: أن يتأخر المأموم عن إمامه حتى ينتهي من الركن، كأن ينتظر حتى يركع إمامه؛ ويرفع من الركوع وهو واقف يقرأ مثلاً وفي هذه الصورة تبطل صلاة المأموم بشرطين:
    الأول: أن يفعل ذلك في الركعة الأولى، أما إذا وقع منه ذلك في غير الركعة الأولى، فإن صلاته تصح، ولكنه يأثم بذلك؛
    الثاني: أن يصدر منه ذلك الفعل عمداً لا سهواً، أما إذا وقع منه سهواً، فإن عليه أن يلغي هذه الركعة ويعيدها بعد فراغ الإمام من صلاته؛
    القسم الرابع: ما لا تلزم فيه المتابعة، وله حالات ثلاث: الحالة الأولى: ما يطلب من المأموم.
    وإن لم يأت به الإمام، وذلك في أمور: منها ما هو سنة، وذلك كما في تكبيرات الصلاة، سوى تكبيرة الإحرام والتشهد.
    فيسن للمأموم أن يأتي بها وإن لم يأت بها الإمام، ومثلها تكبيرات العيد، فإنها يأت بها المأموم، ولو تركها الإمام؛ ومنها ما هو مندوب كالتكبير في أيام التشريق عقب الصلوات المفروضة المتقدم بيانه في مباحث "العيدين" فإنه يندب أن يأتي به المأموم، فلو تركه الإمام فإنه يندب المأموم أن يأتي به؛ الحالة الثانية: ما لا تصح متابعة الإمام فيه، وذلك فيما إذا وقع من الإمام عمل غير مشروع في الصلاة من زيادة أو نقصان أو نحو ذلك، فإذا زاد في صلاته ركعة أو سجدة أو نحوهما من الأركان فإن المأموم لا يتبعه في ذلك؛ بل يسبح له، وإن زاد الإمام ذلك عمداً بطلت صلاته وصلاة المأموم طبعاً، وكذا لا يتبع المأموم إمامه إذا زاد في تكبيرات العيد على ما يراه المالكي، كما تقدم في العيد، ومثل ذلك ما إذا زاد الإمام في تكبير صلاة الجنازة على أربع، فإن المأموم لا يتبعه في هذه الزيادة، ومثل ذلك ما إذا زاد الإمام في تكبير صلاة الجنازة على أربع، فإن المأموم لا يتبعه في هذه الزيادة، ومثل ذلك ما إذا زاد الإمام ركناً في صلاته، كما إذا صلى الظهر أربع ركعات ثم سها وقام للخامسة، فإن المأموم لا يتبعه في ذلك القيام، بل يجلس ويسبح له، وإن تابعه المأموم فيها عمداً بطلت صلاته، إلا إذا تبين أن المأموم مخطئ، والإمام مصيب بعد الصلاة.
    هذا وإذا ترك الإمام الجلوس الأول وهمَّ للقيام للركعة الثالثة فإذا لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه، ورجع، فلا شيء عليه، أما إذا فارق الأرض بيديه وركبتيه ثم رجع، فإن صلاته لا تبطل على الصحيح، ويسجد بعد السلام، لأن المفروض أنه رجع قبل أن يقوم، ويقرأ الفاتحة وعلى المأموم أن يتابعه في كل ذلك، والحنفية يقولون: إذا فعل ذلك، وكان للقيام أقرب بطلت صلاته، وكذا يتبع المأموم إمامه إن سجد للتلاوة في الصلاة، فإذا ترك المأموم السجود، كما إذا كان حنفياً يرى أن سجود التلاوة يحصل ضمن الركوع، فإن المأموم يتركه أيضاً.
    الحنابلة قالوا: متابعة المأموم لإمامه، هي أن لا يسبق المأموم إمامه بتكبيرة الإحرام أو السلام أو فعل من أفعال الصلاة، فإذا سبقه بتكبيرة الإحرام، فإن صلاته لم تنعقد، سواء فعل ذلك عمداً أو سهواً. ومثل ذلك ما إذا ساواه في تكبيرة الإحرام بأن كبر مع إمامه، فإن صلاته لم تنعقد، فالمقارنة في تكبيرة الإحرام مفسدة للصلاة، بخلاف غيرها من باقي الأركان، فإنها مكروهة فقط، وإذا سبق المأموم إمامه بالسلام، فإن كان ذلك عمداً بطلت صلاته، فإذا سلم قبله ولم يأت بالسلام بعده بطلت صلاته؛ هذا ما إذا سبق المأموم إمامه بتكبيرة الإحرام أو السلام. أما إذا سبقه في فعل غير ذلك؛ فلا يخلو إما أن يسبقه بالركوع، أو بالهوي للسجود، أو بالسجود أو بالقيام، ولكل منها أحكام: فإذا سبقه بالركوع عمداً بأن ركع ورفع من الركوع قبل إمامه متعمداً بطلت صلاته، أما إذا ركع قبل إمامه، وظل راكعاً حتى ركع إمامه، وشاركه في ركوعه، فإن صلاته لا تبطل إذا رجع وركع بعد ركوع إمامه، أو ركع ورفع قبل إمامه سهواً أو خطاً، فإنه يجب عليه أن يرجع ويركع ويرفع بعد إمامه، ويلغو ما فعله أولاً في الحالتين، فإن ركع ورفع وحده عمداً أو سهواً قبل الإمام، وظل واقفاً حتى فرغ الإمام من الركوع والرفع منه، ثم شاركه في الهوي للسجود بطلت صلاته.
    هذا إذا ركع ورفع قبل إمامه: أما إذا ركع قبله ورفع ولم يتبعه في ذلك عمداً، فإن صلاته تبطل، أما إذا تخلف عن متابعة الإمام في ركوعه ورفعه سهواً أو لعذر، فإن صلاته لا تبطل، وفي هذه الحالة يجب عليه أن يركع ويرفع وحده إذا لم يخف فوات الركعة الثانية مع الإمام، فإن خاف ذلك فإنه يجب عليه أن يتبع الإمام في أفعاله، ويلغي الركعة التي فاتته مع الإمام، وعلي قضاؤها بعد سلام إمامه، ومثل الركوع في هذا الحكم غيره من أفعال الصلاة، سواء كان سجوداً أو قياماً أو غيرهما، فإنه إذا لم يتبع الإمام فيه سهواً أو لعذر، فإن عليه أن يقضيه وحده إن لم يخف فوت ما بعده مع إمامه، وإلا تبع الإمام فيما بعده، وأتى بركعة بعد سلام إمامه.
    هذا، إذا لم يتبع إمامه في الركوع؛ أما إذا لم يتبعه في الهوي للسجود، فإن هوى الإمام للسجود وهو واقف حتى سجد الإمام ثم هوى وحده وأدرك الإمام في سجوده، أو سبق الإمام في القيام للركعة التالي، بأن سجد مع الإمام ثم قام قبل أن يقوم الإمام فإن صلاته لا تبطل بذلك، ولكن يجب عليه أن يرجع ليتبع الإمام في ذلك وإذا وقع منه ذلك سهواً فإنه لا يضر من باب أولى، ولكن يجب عليه أن يرجع أيضاً، ويتابع فيه إمامه، ويلغي ما فعله وحده فإذا لم يأتِ به فإن الركعة لا تحسب له، وعليه أن يأتي بها بعد سلام الإمام، وإذا لم يتبع إمامه في ركنين، كأن ركع إمامه وسجد ورفع من سجوده وهو قائم، فإن كان ذلك عمداً فإن صلاته تبطل على أي حال، وإن كان سهواً فإن أمكنه أن يأتي بهما ويدرك إمامه في باقي أفعال الصلاة، فذاك وإلا ألغيت الركعة، وعليه الإتيان بها بعد السلام، وإذا تخلف بركعة كاملة أو أكثر عن الإمام لعذر، كنوم يسير حال الجلوس، ثم تنبه، فإنه يجب عليه عند تنبهه أن يتبع الإمام فيما بقي من الصلاة، ثم يقضي ما فاته بعد سلام إمامه لأنه يكون كالمسبوق.
    الشافعية قالوا: متابعة المأموم لإمامه لازمة في أمور يعبر عنها بعضهم
    - بشروط القدوة -
    الأول: أن يتبع المأموم إمامه في تكبيرة الإحرام، فلو تقدم المأموم على إمامه أو ساواه في حرف من تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته أصلاً، وإذا شك في تقدمه على إمامه بتكبيرة الإحرام، فإن صلاته تبطل، بشرط أن يحصل له هذا الشك أثناء الصلاة؛ أما إذا شك في ذلك بعد الفراغ من الصلاة فإن شكه لا يعتبر، ولا تجب عليه الإعادة،
    الثاني: ان لا يسلم المأموم قبل سلام إمامه، فلو وقع منه ذلك بطلت صلاته، أما إذا سلم معه فإن صلاته تصح مع الكراهة، وإذا شك في أنه سلم قبل الإمام بطلت صلاته؛ الثالث: أن لا يسبق المأموم إمامه ركنين من أركان الصلاة؛ ولهذا المأموم حالتان: أن يكون المأموم مسبوقاً، وهو الذي لم يدرك مع إمامه ذلك الزمن، فإذا كان مدركاً وسبق إمامه بركنين، كأن ترك إمامه قائماً، ثم ركع وحده ورفع من الركوع وهوى للسجود، ولم يشترك مع إمامه، فإن صلاته تبطل، بشروط:
    الأول: أن يسبقه بركنين، كما ذكرنا، فلو سبق المأموم إمامه بركن واحد، كأن ترك إمامه يقرأ، ثم ركع وحده، ولم يرفع من ركوعه حتى ركع إمامه وشاركه في ركوعه، فإن صلاة المأموم لا تبطل بذلك السبق، ولكن يحرم على المأموم أن يسبق إمامه بركن واحد فعلي بغير عذر؛
    الثاني: أن لا يكون الركنان فعليان لا قوليان، فإذا سبق المأموم إمامه بركنين قوليين، كأن قرأ التشهد وصلى على النبي قبل إمامه، فإن ذلك لا يضر، سواء كان عمداً أو جهلاً أو نسياناً؛ وإذا سبق إمامه بركنين: أحدهما قولي، والآخر فعلي، كأن قرأ الفاتحة قبل إمامه، ثم ركع قبله، فإنه يحرم عليه سبقه بالركوع، أما سبقه بقراءة الفاتحة فإنه لا شيء فيه.
    الشرط الثالث: أن يسبقه بالركنين عمداً، أما إذا ركع قبل إمامه ورفع جهلاً، فإن صلاته لا تبطل؛ وكذا لو فعل ذلك نسياناً، ولكن يجب عليه في هذه الحالة أن يرجع ويتبع إمامه متى ذكر، ويلغي ما عمله وحده، ومثل ذلك ما إذا لو فرض وتعلم الجاهل وهو في الصلاة، فإنه يجب عليه أن يرجع ويتبع إمامه، وإلا بطلت صلاتهما.
    هذا حكم ما إذا كان المأموم مدركاً، وسبق إمامه بركنين فعليين عمداً أو جهلاً أو نسياناً، أو سبقه بركنين قوليين أو بركن قولي وركن فعلي؛ أما إذا كان المأموم مدركاً وتخلف عن إمامه بأن سبقه إمامه، كما إذا كان المأموم بطيء القراءة، والإمام معتدل القراءة، فإنه في هذا الحال يغتفر للمأموم أن يتخلف عن إمامه ولا يتبعه في ثلاثة أركان طويلة، وهي الركوع والسجدتان، أما الاعتدال من الركوع أو من السجود؛ والجلوس بين السجدتين فهما ركنان قصيران، فلا يحسبان في تخلف المأموم عن إمامه، فإذا سبقه الإمام بأكثر من ذلك كأن لم يفرغ المأموم من قراءته إلا بعد شروع الإمام في الركن الرابع، فإن عليه في هذه الحالة أن يتبع إمامه فيما هو فيه من أفعال الصلاة، ثم يقضي ما فاته منها بعد سلام الإمام، فإن لم يتبع إمامه قبل شروعه في الركن الخامس فإن صلاته تبطل، ولا فرق في هذا الحكم بين أن يكون المأموم المدرك مشغولاً بقراءة مفروضة أو بقراءة مسنونة، كدعاء الافتتاح.
    هذا حكم المأموم المدرك، وهو الذي ذكرناه في الحالة الأولى، أما الحالة الثانية للمأموم المسبوق، وهو الذي لم يدرك مع إمامه زمناً يسع قراءة الفاتحة فهي أنه يسن له أن لا يشتغل بسنة، بل عليه أن يشتغل بقراءة السنة، ثم ركع إمامه وهو يقرأ الفاتحة، فإنه يجب عليه أن يتبع إمامه في الركوع، ويسقط عنه في هذه الحالة ما بقي عليه من قراءة الفاتحة، فإن لم يتبع الإمام في الركوع في هذه الحالة حتى رفع الإمام فاتته الركعة، ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف عن الإمام بركنين فعليين، كأن يترك إمامه يركع ويرفع من الركوع، ويهوي للسجود، وهو واقف يقرأ الفاتحة، فإذا اشتغل المسبوق بسنة، كقراءة دعاء الافتتاح فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يتخلف عن الإمام، ويقرأ بقدر هذا الدعاء من الفاتحة، فإذا فرغ من ذلك وأدرك الركوع مع الإمام احتسبت له الركعة، أما إذا رفع الإمام من الركوع وأدركه في هذا الرفع، فإنه يجب عليه أن يتبع إمامه في الرفع من الركوع، ولا يركع هو، وتفوته الركعة، فإذا لم يفرغ من قراءة ما عليه وأراد الإمام الهوي للسجود، فيجب على المأموم في هذه الحالة أن ينوي مفارقة إمامه، ويصلي وحده، فإن لم ينو المفارقة عند هوي الإمام للسجود، في هذه الحالة بطلت صلاته، سواء هوى معه للسجود أو لا.
    هذذا حكم المأموم المسبوق، وبقي في الموضوع أمور: منها إذا سها المأموم عن قراءة الفاتحة، ثم ذكرها قبل ركوع الإمام وجب عليه التخلف عن الإمام لقراءة الفاتحة، ويغفر له مفارقة الإمام بثلاثة أركان طويلة، كما تقدم، أما إذا تذكرها بعد ركوعه مع الإمام، فلا يعود لقراءتها ثم يأتي بعد سلام الإمام بركعة، وإذا لم يقرأ الفاتحة انتظاراً لسكوت إمامه بعد الفاتحة، فلم يسكت الإمام، وركع قبل أن يقرأ المأموم الفاتحة، فإنه يكون في هذه الحالة معذوراً، ويلزمه أن لا يتبع إمامه في ركوعه، بل عليه أن يقرأ الفاتحة، ويغتفر له عدم المتابعة في ثلاثة أركان طويلة، وهي الركوع والسجودان، وعليه أن يتم الصلاة خلف الإمام حسب الحالة التي هو عليها، سواء أدرك الإمام في أفعاله أو لا.
    هذا إذا كان الإمام معتدل القراءة، أما إن كان سريع القراءة، وكان المأموم موافقاً لإمامه، فإنه يقرأ ما يمكنه من الفاتحة، ويتحمل عنه الإمام الباقي، ولا يغتفر له التخلف عن إمامه بثلاثة أركان طويلة


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 386 الى صــــــــ402
    الحلقة (58)

    [اقتداء مستقيم الظهر بالمنحني]

    ومن شروط صحة الإمامة أن لا يكون ظهر الإمام منحنياً إلى الركوع، فإن وصل انحناؤه إلى حد الركوع فلا يصح اقتداء الصحيح به؛ ولكن يصح لمثله أن يقتدي به، وهذا متفق عليه بين ثلاثة من الأئمة،
    وخالف الشافعية فقالوا: إن إمامته تصح لمثله ولغيره، ولو وصل انحناؤه إلى حد الركوع.
    [اتحاد فرض الإمام والمأموم]
    ومنها اتحاد فرض الإمام والمأموم فلا تصح صلاة ظهر مثلاً خلف عصر، ولا ظهر أداء، خلف ظهر قضاء، ولا عكسه، ولا ظهر يوم السبت خلف ظهر يوم الأحد، وإن كان كل منهما قضاء، هذا متفق عليه بين المالكية، والحنفية، أما الشافعية، والحنابلة، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) ؛ نعم يصح اقتداء المتنفل بالمفترض، وناذر نفل بناذر آخر، والحالف أن يصلي نفلاً بحالف آخر؛ والناذر بالحالف، ولو لم يتحد المنذور أو المحلوف عليه، كأن نذر شخص صلاة ركعتين عقب الزوال، ونذر الآخر صلاة ركعتين مطلقاً، كما يصح اقتداء المسافر بالمقيم في الوقت وخارجه، ويلزم إتمام الصلاة أربعاً، وهذا متفق عليه إلا عند الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .
    هذا، وللإمامة شروط أخرى مبينة في المذاهب في أسفل الصحيفة (3) .
    [الأعذار التي تسقط بها الجماعة]
    تسقط الجماعة بعذر من الأعذار الآتية: المطر الشديد، والبرد الشديد؛ والوحل الذي يتأذى به، والمرض، والخوف من ظالم، والخوف من الحبس لدين إن كان معسراً؛ والعمى، إن لم يجد الأعمى قائداً، ولم يهتد بنفسه، وغير ذلك مما تقدم في الأعذار التي تسقط بها الجمعة.
    [من له التقدم في الإمامة]
    قد ذكرنا من له التقدم على غيره في الإمامة عند كل مذهب تحت الخط (4) .

    [مبحث مكروهات الإمامة: إمامه الفاسق والأعمى]
    تكره إمامة الفاسق إلا إذا كان إماماً لمثله باتفاق الحنفية، والشافعية، أما الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبيهما تحت الخط (5) ، وكذا تكره إمامة المبتدع إذا كانت بدعته غير مكفرة باتفاق، ويكره تنزيهاً للإمام إطالة الصلاة، إلا إذا كان إمام قوم محصورين، ورضوا بذلك فإنه لا يكره كما تقدم، باتفاق ثلاثة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (6) .
    [اقتداء المتوضئ بالمتيمم وغير ذلك]

    هذا، ويصح اقتداء متوضئ بمتيمم، وغاسل بماسح على خف أو جبيرة بلا كراهة، باتفاق الحنفية والحنابلة، أما الشافعية، والمالكية فانظر مذهبيهما تحت الخط (7) .
    وللإمامة مكروهات أخرى مبينة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (8) .

    [كيف يقف المأموم مع إمامه]
    إذا كان مع الإمام رجل واحد أو صبي مميز قام ندباً عن يمين الإمام مع تأخره قليلاً، فتكره مساواته (9) ووقوفه عن يساره أو خلفه، إذا كان معه رجلان قاما خلفه ندباً، وكذلك إذا كان خلفه رجل وصبي، وإن كان معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمينه والمرأة خلف الرجل، ومثل الرجل في هذه الصورة الصبي، وإذا اجتمع رجال وصبيان وخناثى وإناث، قدم الرجال ثم الصبيان ثم الخناثى ثم الإناث، وهذه الأحكام متفق عليها بين الأئمة، إلا الحنابلة، فإنهم قالوا: إذا صلى رجل واحد مع إمام واقف عن يسار الإمام ركعة كاملة، بطلت صلاته، وإذا صلى رجل وصبي، فإنه يجب أن يكون الرجل عن يمين الإمام، وللصبي أن يصلي عن يمينه أو يساره لا خلفه.وينبغي للإمام أن يقف وسط القوم، فإن وقف عن يمينهم أو يسارهم فقد أساء بمخالفته السنة؛ وينبغي أن يقف أفضل القوم في الصف الأول حتى يكونوا متأهلين للإمامة عند سبق الحدث ونحوه، والصف الأول أفضل من الثاني، والثاني أفضل من الثالث، وهكذا؛ وينبغي أيضاً لمن يسد الفرج أن يكون أهلاً للوقوف في الصف الذي به الفرجة، فليس للمرأة أن تنتقل من مكانها المشروع لسد فرجة في صف لم يشرع لها الوقوف فيه، أما الصبيان فإنهم في مرتبة الرجال إذا كان الصف ناقصاً، فيندب أن يكملوه إذا لم يوجد من يكمله من الرجال، باتفاق ثلاثة؛ وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (10) .
    وينبغي للقوم إذا قاموا إلى الصلاة أن يتراصوا، ويسدوا الفرج، ويسووا بين مناكبهم في الصفوف، فإذا جاء أحد للصلاة، فوجد الإمام راكعاً أو وجد فرجة بعد أن كبر تكبيرة الإحرام ففيما يفعله في هاتين الحالتين تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (11) .
    [إعادة صلاة الجماعة]
    إذا صلى الظهر أو المغرب أو العشاء وحده أو في جماعة، ثم وجد جماعة أخرى تصلي ذلك الفرض الذي صلاه. فهل له أن يعيده مع هذه الجماعة؟ في هذا الحكم تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (12) .
    [تكرار الجماعة في المسجد الواحد]
    يكره تكرار الجماعة في المسجد الواحد بأن يصلي فيه جماعة بعد أخرى، وفيه تفصيل في المذاهب(13) .
    [ما تدرك به الجماعة، والجماعة في البيت]
    تدرك الجماعة إذا شارك المأموم إمامه في جزء من صلاته، ولو آخر القعدة الأخيرة قبل السلام، فلو كبر قبل سلام إمامه فقد أدرك الجماعة، ولو لم يقعد معه، وهذا الحكم متفق عليه بين الحنفية، والحنابلة، والشافعية،
    إلا أن الشافعية استثنوا من ذلك صلاة الجمعة فقالوا:
    إنها لاتدرك إلا بإدراك ركعة كاملة مع الإما، كما تقدم "في الجمعة"، أما المالكية فانظر مذهبهم تحت الخط (14) .هذا، ولا فرق في إدراك فضل الجماعة بين أن تكون في المسجد أو في البيت، ولكنها في المسجد أفضل إلا للنساء.
    [إذا فات المقتدي بعض الركعات أو كلها]
    من لا يدرك إمامه في جميع صلاته لا يخلو حاله عن أمرين:
    أحدهما: أن يفوته ركعة من ركعات الصلاة أو أكثر بسبب عذر أو زحمة ونحوها، بعد الدخول في الصلاة، ثانيهما: أن يفوته شيء من ذلك قبل الدخول فيها مع الإمام، كأن يدرك الإمام في الركعة الثانية أو الثالثة أو الأخيرة، وفي كل هذا تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (15) .



    (1) الشافعية، والحنابلة قالوا: يصح الاقتداء في كل ما ذكر، إلا أن الحنابلة قالوا: لا يصح ظهر خلف عصر ولا عكسه، ونحو ذلك؛ والشافعية قالوا: يشترط اتحاد صلاة المأموم وصلاة الإمام في الهيئة والنظام، فلا يصح صلاة ظهر مثلاً خلف صلاة جنازة، لاختلاف الهيئة، ولا صلاة صبح مثلاً خلف صلاة كسوف، لأن صلاة الكسوف ذات قيامين وركوعين
    (2) الحنفية قالوا: لا يصخ اقتداء ناذر بناذر لم ينذر عين ما نذر الإمام، أما إذا نذر المأموم عين ما نذره الإمام، كأن يقول: نذرت أن أصلي الركعتين اللتين نذرهما فلان، فيصح الاقتداء، وكذا لا يصح اقتداء الناذر بالحالف، أما اقتداء الحالف بالناذر. والحالف بالحالف فصحيح، كذا قالوا: ولا يصح اقتداء المسافر بالمقيم في الرباعية خارج الوقت: لأن المأموم بعد الوقت فرضه الركعتان، فتكون الجلسة الأولى فرضاً بالنسبة له، والإمام فرضه الأربع، لأنه مقيم، فتكون الجلسة الأولى سنة بالسنة له، فيلزم اقتداء مفترض بمتنفل، وهو لا يصح وسيأتي في "صلاة المسافر"
    (3) الحنفية: زادوا في شروط صحة الاقتداء أن لا يفصل بين المأموم والإمام صف من النساء، فإن كن ثلاثة فسدت صلاة ثلاثة رجال خلفهن من كل صف إلى آخر الصفوف، وإن كانتا اثنتين فسدت صلاة اثنين من الرجال خلفهما إلى آخر الصفوف، وإن كانت واحدة فسدت صلاة من كانت محاذية له عن يمينها ويسارها ومن كان خلفها، وقد تقدمت شروط فساد الصلاة بمحاذاة المرأة في "مفسدات الصلاة".
    الحنابلة: زادوا في شروط الاقتداء أن يقف المأموم إن كان واحداً عن يمين الإمام، فإن وقف عن يساره أو خلفه بطلت إن كان ذكراً أو خنثى، أما المرأة فلا تبطل صلاتها بالوقوف خلفه، لأنه موقفها المشروع، وكذا بالوقوف عن يمين الإمام، نعم تبطل صلاتها بالوقوف عن يساره، وهذا كله فيما إذا صلى المأموم المخالف لموقفه الشرعي ركعة مع الإمام، أما إذا صلى بعض ركعة، ثم عاد إلى موقفه الشرعي، وركع مع الإمام فإن صلاته لا تبطل، وأن يكون الإمام عدلاً، فلا تصح إمامة الفاسق ولو كان بمثله، ولو كان فسقه مستوراً، فلو صلى خلف من يجهل فسقه، ثم علم بذلك بعد فراغ صلاته وجبت عليه إعادتها إلا في صلاة الجمعة والعيدين، فإنهما تصحان خلف الفاسق بلا إعادة إن لم تتيسر صلاتهما خلف عدل، والفاسق هو من اقترف كبيرة أو دوام على صغيرة.
    الشافعية: زادوا في شروط صحة الاقتداء موافقة المأموم لإمامه في سنّة تفحش المخالفة فيها، وهي محصورة في ثلاث سنن:
    الأولى؛ سجدة التلاوة في صبح يوم الجمعة، فيجب على المقتدي أن يتابع إمامه إذا فعلها، وكذا يجب عليه موافقته في تركها،
    الثانية: سجود السهو، فيجب على المأموم متابعة إمامه في فعله فقط، أما إذا تركه الإمام فيسن للمأموم فعله بعد سلام إمامه،
    الثالثة: التشهد الأول، فيجب على المأموم أن يتركه إذا تركه إمامه، ولا يجب عليه أن يفعله إذا فعله الإمام، بل يسن له فعله عند ذلك، أما القنوت فلا يجب على المقتدي متابعة إمامه فيه فعلاً ولا تركاً، وأن يكون الإمام في صلاة لا تجب إعادتها، فلا يصح الاقتداء بفاقد الطهورين، لأن صلاته تجب إعادتها.
    المالكية: زادوا في شروط صحة الإمامة أن لا يكون الإمام معيداً صلاته لتحصيل فضل الجماعة، فلا يصح اقتداء مفترض بمعيد؛ لأن صلاة المعيد نفل، ولا يصح فرض خلف نفل؛ وأن يكون الإمام عالماً بكيفية الصلاة على الوجه الذي تصح به؛ وعالماً بكيفية شرائطها، كالوضوء والغسل على الوجه الصحيح، وإن لم يميز الأركان من غيرها، وأن يكون الإمام سليماً من الفسق المتعلق بالصلاة، كأن يتهاون في شرائطها أو فرائضها، فلا تصح إمامة من يظن فيه أن يصلي بدون وضوء، أو يترك قراءة الفاتحة، أما إذا كان فسقه غير متعلق بالصلاة، كالزاني وشارب الخمر، فإن إمامته تصح مع الكراهة على الراجح
    (4) الحنفية قالوا: الأحق بالإمامة الأعلم بأحكام الصلاة صحة وفساداً، بشرط أن يجتنب الفواحش الظاهرة، ثم الأحسن تلاوة وتجويداً للقراءة، ثم الأورع، ثم الأقدم إسلاماً؛ ثم الأكبر سناً، إن كانا مسلمين أصليين، ثم الأحسن خلقاً، ثم الأحسن وجهاً، ثم الأشرف نسباً، ثم الأنظف ثوباً فإن استووا في ذلك كله أقرع بينهم إن تزاحموا على الإمامة، وإلا قدموا من شاؤوا، فإن اختلفوا ولم يرضوا بالقرعة قدم من اختاره أكثرهم، فإن اختار أكثرهم غير الأحق بها أساؤوا بدون إثم، وهذا كله إذا لم يكن بين القوم سلطان، أو صاحب منزل اجتمعوا فيه، أو صاحب وظيفة، وإلا قدم السلطان، ثم صاحب البيت مطلقاً، ومثله الإمام الراتب في المسجد، وإذا وجد في البيت مالكه ومستأجره؛ فالأحق بها المستأجر.
    الشافعية قالوا: يقدم ندباً في الإمامة الوالي بمحل ولايته، ثم الإمام الراتب، ثم الساكن بحق إن كان أهلاً لها، فإن لم يكن فيهم من ذكر قدم الأفقه، فالأقرأ: فالأزهد، فالأورع، فالأقدم هجرة. فالأسن في الإسلام، فالأفضل نسباً، فالأحسن سيرة، فالأنظف ثوباً وبدناً وصنعة، فالأحسن صوتاً،فالأحسن صورة، فالمتزوج، فإن تساووا في كل ما ذكر أقرع بينهم، ويجوز للأحق بالإمامة أن يقدم غيره لها، ما لم يكن تقدمه بالصفة، كالأفقه، فليس له ذلك.
    المالكية قالوا: إذا اجتمع جماعة كل واحد منهم صالح للإمامة يندب تقديم السلطان أو نائبه، ولو كان غيرهما أفقه وأفضل، ثم الإمام الراتب في المسجد، ورب المنزل، ويقدم المستأجر له على المالك. فإن كان رب المنزل امرأة كانت هي صاحبة الحق، ويجب عليها أن تنيب عنها، لأن إمامتها لا تصح، ثم الأعلم بأحكام الصلاة؛ ثم الأعلم بفن الحديث رواية وحفظاً، ثم العدل على مجهول الحال، ثم الأعلم بالقراءة، ثم الزائد في العبادة، ثم الأقدم إسلاماً، ثم الأرقى نسباً، ثم الأحسن في الخلق، ثم الأحسن لباساً، وهو لابس الجديد المباح فإن يتساوى أهل رتبة قدم أورعهم، وحرم على عبدهم، فإن استووا في كل شيء أقرع بينهم، إلا إذا رضوا بتقديم أحدهم، فإذا كان تزاحمهم بقصد العلو والكبر سقط حقهم جميعاً.
    الحنابلة قالوا: الأحق بالإمامة الأفقه الأجود قراءة، ثم الفقيه الأجود قراءة، ثم الأجود قراءة فقط، وإن لم يكن فقيهاً إذا كان يعلم أحكام الصلاة، ثم الحافظ لما يجب للصلاة الأفقه، ثم الحافظ لما يجب لها الفقيه، ثم الحافظ لما يجب العالم فقد صلاته، ثم قارئ لا يعلم فقه صلاته، فإن استووا في عدم القراءة قدم الأعلم بأحكام الصلاة، فإن استووا في القراءة والفقه قدم أكبرهم سناً، ثم الأشرف نسباً، فالأقدم هجرة بنفسه، والسابق بالإسلام كالسابق بالهجرة، ثم الأتقى، ثم الأورع، فإن استووا فيما تقدم أقرع بينهم، وأحق الناس بالإمامة في البيت صاحبه إن كان صالحاً للإمامة، وفي المسجد الإمام الراتب، ولو عبداً فيهما، وهذا إذا لم يحضر البيت أو المسجد ذو سلطان، وإلا فهو الأحق

    (5) الحنابلة قالوا: إمامة الفاسق، ولو لمثله، غير صحيحة إلا في صلاة الجمعة والعيد إذا تعذرت صلاتهما خلف غيره، فتجوز إمامته للضرورة.
    المالكية قالوا: إمامة الفاسق مكروهة ولو لمثله
    (6) الحنفية قالوا: يكره للإمام تحريماً التطويل في الصلاة إلا إذا كان إمام قوم محصورين، ورضوا بالتطويل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أم فليخفف"، والمكروه تحريماً إنما هو الزيادة عن الإتيان بالسنن
    (7) الشافعية قالوا: إنما يصح ذلك بشرط أن لا تلزم الإمام إعادة الصلاة التي يصليها، فإذا مسح شخص على جبيرة وكان ذلك المسح غير كاف في صحة الصلاة بدون إعادة فإنه يصح أن يكون إماماً، وغلا فلا.
    المالكية قالوا: اقتداء المتوضء بالمتيمم والغاسل بالماسح على خف أو جبيرة مكروه، فهو من مكروهات الإمامة عندهم
    (8) الحنفية قالوا: يكره تنزيهاً إمامة الأعمى إلا إذا كان أفضل القوم، ومثله ولد الزنا، وكذا تكره إمامة الجاهل، سواء كان بدوياً أو حضرياً مع وجود العالم، وتكره أيضاً إمامة الأمرد الصبيح الوجه، وإن كان أعلم القوم إن كان يخشى من إمامته الفتنة، وإلا فلا، وتكره إمامة السفيه الذي لا يحسن التصرف، والمفلوج، والأبرص، الذي انتشر برصه، والمجذوم، والمجبوب والأعرج الذي يقوم ببعض قدمه، ومقطوع اليد، ويكره أيضاً إمامة من يؤم الناس بأجر، إلا إذا شرط الواقف له أجراً، فلا تكره إمامته، لأنه يأخذه كصدقة ومعونة، وتكره أيضاً إمامة من خالف مذهب المقتدي في الفروع إن شك في كونه لا يرعى الخلاف فيما يبطل الصلاة أو الوضوء أما إذا لم يشك في ذلك بأن علم أنه يرعى الخلاف، أو لم يعلم من أمره شيئاً، فلا يكره، ويكره أيضاً ارتفاع مكان الإمام عن سائر المقتدين بقدر ذراع فأكثر، فإن كان أقل من ذلك فلا كراهة، كما يكره أيضاً ارتفاع المقتدين عن مكانه بمثل هذا القدر، والكراهة في كلتا الحالتين مقيدة بما إذا لم يكن مع الإمام في موقفه أحد منهم ولو واحداً، فإن كان معه واحد فأكثر فلا كراهة، وتكره إمامة من يكره الناس إذا كان ينفرهم من الصلاة خلفه لنقص فيه، ويكره تحريماً جماعة النساء، ولو في التراويح، إلا في صلاة الجنازة، فإن فعلن تقف المرأة فيه، ويكره تحريماً جماعة النساء، ولو في التراويح، إلا في صلاة الجنازة، فإن فعلن تقف المرأة وسطهن، كما يصلي العراة، ويكره حضورهن الجماعة، ولو الجمعة والعيد والوعظ بالليل، أما بالنهار فجائز إذا أمنت الفتنة، وكذا تكره إمامة الرجل لهن في بيت ليس معهن رجل غيره ولا محرم منه، كزوجه وأخته.
    الشافعية قالوا: تكره إمامة من تغلب على الإمامة ولا يستحقها، ومن لا يتحرز عن النجاسة، ومن يحترف حرفة ذيئة كالحجام، ومن يكهه أكثر القوم لأمر مذموم كإكثار الضحك، ومن لا يعرف له أب، وكذا ولد الزنا إلا لمثله؛ وتكره إمامة الأقلف، ولو بالغاً، كما تكره إمامة الصبي، ولو أفقه من البالغ؛ وكذا الفأفاء والوأواء، ولا تكره إمامة الأعمى، وتكره إمامة من كان يلحن لحناً لا يغير المعنى، وتكره أيضاً إمامة من يخالف مذهب المقتدير في الفروع، كالحنفي الذي يعتقد أن التسمية ليست فرضاً، ويكره ارتفاع مكان الإمام عن مكان المأموم وعكسه من غير حاجة، كأن كان وضع المسجد يقتضي ذلك، فإنه لا يكره الارتفاع حينئذ.
    الحنابلة قالوا: تكره إمامة الأعمى والأصم والأقلف، ولو بالغاً، ومن كان مقطوع اليدين أو الرجلين أو إحداهما إذا أمكنه القيام، وإلا فلا تصح إمامته إلا لمثله، وتكره إمامة مقطوع الأنف، ومن يصرع أحياناً، وتكره إمامة الفأفاء والتمتام، ومن لا يفصح ببعض الحروف، ومن يحلن لحناً لا يغير المعنى، كأن يجردال الحمد لله، ويكره أيضاً ارتفاع مكان الإمام عن المأموم ذراعاً فأكثر، أما المأموم فلا كراهة في ارتفاع مكانه وتكره إمامة من يكرهه أكثر القوم بحق لخلل في دينه أو فضله، ولا يكره الاقتداء به، وتكره إمامة الرجل للنساء، ولو واحدة، إن كن أجنبيات، ولم يكن معهن رجل.
    المالكية قالوا: تكره إمامة البدوي - وهو ساكن البادية - للحضري - ساكن الحاضرة - ولو كان البدوي أكثر قراءة من الحضري، أو أشد إتقاناً للقراءة منه، لما فيه من الجفاء والغلظة، والإمام شافع فينبغي أن يكون ذا لين ورحمة؛ وكذا تكره إمامة من يكرهه بعض الناس لتقصير في دينه غير ذوي الفضل من الناس، وأما من يكرهه أكثر الناس أو ذو الفضل، فتحرم إمامته، ويكره أن يكون الخصي إماماً راتباً، وكذلك من يتكسر في كلامه كالنساء، وولد الزنا.
    وأما إمامتهم من غير أن يكونوا مرتبين، فلا تكره، ويكره أن يكون العبد إماماً راتباً: والكراهة في الخصي وما بعده مخصوصة بالفرائض والسنن، وأما النوافل فلا يكره أن يكون واحد من هؤلاء إماماً راتباً فيها، وتكره إمامة الأقلف - وهو الذي لم يختن - ومجهول الحال الذي لا يدري هل هو عدل أو فاسق، ومجهول النسب، وهو الذي لا يعرف أبوه، ويكره اقتداء من بأسفل السفينة بمن في أعلاها، لئلا تدور السفينة، فلا يتمكنون من ضبط أعمال الإمام واقتداء من عل جبل أبي قبيس بمن في المسجد الحرام، وتكره صلاة رجل بين نساء أو امرأة بين رجال، وصلاة الإمام بدون رداء يلقيه على كتفه إن كان في المسجد، وتنفل الإمام بمحرابه، والجلوس به على هيئته وهو في الصلاة، وأما إمامة الأعمى فهو جائزة، ولكن البصير أفضل، وكذلك يجوز علو المأموم على إمامه ما لم يقصد به الكبر، وإلا حرم، وبطلت به الصلاة، ولو كان المأموم بسطح المسجد، وهذا في غير الجمعة، أما صلاة الجمعة على سطح المسجد فباطلة، كما تقدم؛ وأما علو الإمام على مأمومه فهو مكروه، إلا أن يكون العلو بشيء يسير، كالشبر والذراع، أو كان لضرورة، كتعليم الناس كيفية الصلاة فيجوز، ويكره اقتداء البالغ بالصبي في النفل، ويكره اقتداء المسافر بالمقيم وبالعكس، إلا أن الكراهة في الأول آكد

    (9) الحنفية قالوا: لا تكره المساواة
    (10) الحنفية قالوا: إذا لم يكن في القوم غير صبي واحد دخل في صف الرجال، فإن تعدد الصبيان جعلوا صفاً وحدهم خلف الرجال، ولا تكمل بهم صفوف الرجال
    (11) الحنفية قالوا: إذا جاء الصلاة أحد فوجد الإمام راكعاً، فإن كان في الصف الأخير فرجة فلا يكبر للإحرام خارج الصف، بل يحرم فيه، ولو فاتته الركعة، ويكره له أن يحرم خارج الصف، أما إذا لم يكن في الصف الأخير فرجة، فإن كان في غيره من الصفوف الأخرى فرج لا يكبر خارجها أيضاً، وإن لم يكن بها فرج كبر خلف الصفوف، وله أن يجذب إليه واحداً ممن أمامه في الصف بشرط أن لا يعمل عملاً كثيراً مفسداً للصلاة ليكون له صفاً جديداً، فإن صلى وحده خلف الصفوف كره وأما إذا دخل المقتدي في الصلاة، ثم رأى فرجة في الصفوف التي أمامه مما يلي المحراب، فيندب له أن يمشي لسد هذه الفرجة بمقدار صف واحد، فإذا كان المقتدي المذكور في الصف الثاني، ورأى الفرجة في الصف الأول جاز له الانتقال إليه؛ أما إذا كان في الثالث والفرجة في الأول، فلا يمشي إليها ولا يسدها، فإن فعل ذلك بطلت صلاته، لأنه عمل كثير.
    الحنابلة قالوا: إذا جاء إلى الصلاة فوجد الإمام راكعاً. وكان في الصف الأخير فرجة جاز له أن يكبر خارج الصف محافظة على الركعة، وأن يمشي إلى الفرجة فيسدها، وهو راكع، أو بعد رفعه من الركوع إذا لم يسجد الإمام، فإن لم يدخل الصف قبل سجود الإمام، ولم يجد واحداً يكون معه صفاً جديداً بطلت صلاته؛ أما إذا كبر خلف الصف لا لخوف فوات الركعة، ولم يدخل في الصف إلا بعد الرفع من السجود، فإن صلاته تبطل، وإذا أحرم المقتدي ثم وجد فرجة في الصف الذي أمامه ندب له أن يمشي لسدها إن لم يؤد ذلك إلى عمل كثير عرفاً، وإلا بطلت صلاته؛ أما إذا جاء ليصلي مع الجماعة فلم يجد فرجة في الصف، ولا يمكنه أن يقف عن يمين الإمام، فيجب عليه أن ينبه رجلاً من الصف يقف معه خلف الصف بكلام أو بنحنحة، ويكره له أن ينبهه بجذبه، ولو كان عبده، أو ابنه، فإن صلى ركعة كاملة خلف الصف وحده بطلت صلاته.
    المالكية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام في الصلاة، فإن ظن أنه يدرك الركعة إذا أخر الدخول معه حتى يصل إلى الصف أخر الإحرام ندباً حتى يصل إليه، وإن ظن أن الركعة تفوته إذا أخر الإحرام حتى يصل إلى الصف ندب له الإحرام إن ظن أنه يدرك الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع لو مشى إليه بعد الدخول في الصلاة، وإن لم يظن ذلك آخر الإحرام حتى يدخل في الصف، ولو فاتته الركعة إلا إذا كان الإمام في الركعة الأخيرة، فإنه يحرم خارج الصف للمحافظة على إدراك الجماعة، وإذا مشى في الصلاة لسد الفرجة، فإنه يرخص له في المشي مقدار صفين، سوى الذي خرج منه، والذي دخل فيه، فإذا تعددت الفرج مشى للأول من جهة المحراب حيث كانت المسافة لا تزيد على ما ذكر، وإذا مشى وهو جالس أو ساجد أو رافع من الركوع؛ فإن فعل ذلك كره، ولا تبطل على المعتمد، وإذا جاء المأموم ولم يجد في الصف فرجة، فإنه يحرم خارجه، ويكره له أن يجذب أحداً من الصف ليقف معه، ولو جذب أحداً كره له أن يوافقه.
    الشافعية قالوا: إذا جاء المأموم فوجد الإمام راكعاً، وفي الصف فرجة ندب له أن يؤخر الدخول معه حتى يصل إلى الصف، ولو فاتته الركعة. وأما إذا دخل في الصلاة، ثم وجد بعد ذلك فرجة في صف من الصفوف جاز له أن يخترق الصفوف حتى يصل إلى الفرجة، بشرط أن لا يمشي ثلاث خطوات متوالية، وبشرط أن يكون مشيه في حال قيامة وغلا بطلت صلاته؛ وإنما يمشي في الصلاة لسد الفرجة إذا كانت موجودة قبل دخوله في الصلاة، أما إذا حدثت الفرجة بعد دخوله في الصلاة، فليس له أن يخترق الصفوف، وأما إذا جاء إلى الصلاة، ولم يجد فرجة في الصف، فإنه يحرم خارجه، وليس له بعد إحرامه أن يجذب في حال قيامه رجلاً من الأحرار يرجو أن يوافقه في القيام معه، بشرط أن يكون الصف المجذوب منه أكثر من اثنين، وإلا فلا يسن الجذب
    (12) الشافعية قالوا: تسن إعادة الصلاة في الوقت مطلقاً، سواء صلى الأولى منفرداً أو بجماعة،بشرط أن تكون الصلاة الثانية كلها في جماعة، وأن ينوي إعادة الصلاة المفروضة؛ وأن تقع الثانية في الوقت ولو ركعة فيه على الراجح، وأن يعيدها الإمام مع من يرى جواز إعادتها أو ندبها، وأن تكون الأولى مكتوبة أو نفلاً تسن فيه الجماعة، وأن تعاد مرة واحدة على الراجح، وأن تكون غير صلاة الجنازة؛ وأن تكون الثانية صحيحة، وإن لم تغن عن القضاء، وأن لا ينفرد وقت الإحرام بالصلاة الثانية عن الصف، مع إمكان دخوله فيه، فإن انفرد فلا تصح الإعادة، أما إذا انفرد بعد إحرامه، فإنها تصح، وأن تكون الصلاة الثانية من قيام لقادر، وأن تكون الجماعة مطلوبة في حَق من يعيدها الصلاة في جماعة إذا أقيمت الجماعة، وهو في المسجد، سواء كان وقت الإعادة وقت نهي أو لا، وسواء كان الذي يعيد معه هو الإمام الراتب أو غيره، أما إذا دخل المسجد فوجد الجماعة مقامة، فإن كان الوقت وقت نهي حرمت عليه الإعادة، ولم تصح، سواء قصد بدخوله المسجد تحصيل الجماعة أو لا، أما إذا لم يكن الوقت وقت نهي وقصد المسجد للإعادة، فلا يسن له الإعادة، وإن لم يقصد ذلك كانت الإعادة مسنونة، وهذا كله في غير المغرب، أما المغرب فلا تسن إعادته مطلقاً، ومن أعاد الصلاة ففرضه الأولى، والثانية نافلة، فينويها معادة أو نافلة.
    المالكية قالوا: من أدى الصلاة وحده أو صلاها إماماً لصبي يندب له أن يعيدها ما دام الوقت باقياً في جماعة أخرى منعقدة بدونه بأن تكون مركبة من اثنين سواه، ولا يعيدها مع واحد إلا أن يكون إماماً راتباً، فيعيد معه؛ ويستثنى من الصلاة التي تعاد المغرب والعشاء بعد الوتر فتحرم إعادتهما لتحصيل فضل الجماعة، ويستثنى أيضاً من صلى منفرداً بأحد المساجد الثلاثة، وهي: مسجد مكة، والمدينة، وبيت المقدس فلا يندب له إعادتها جماعة خارجها، ويندب إعادتها جماعة فيها، وإذا أعاد المصلي منفرداً صلاته لتحصيل فضل الجماعة تعين أن يكون مأموماً، ولا يصح أن يكون إماماً لمن لم يصل هذه الصلاة، كما تقدم، وينوي المعيد الفرض، مفوضاً الأمر لله تعالى في قبول أي الصلاتين، فإذا نوى النفل بالصلاة المعادةن ثم تبين بطلان الأولى، فلا تجزئه الثانية؛ وأما من أدى الصلاة في جماعة فيكره له صلاتها في جماعة مرة أخرى، إلا إذا كانت الجماعة الأولى خارج المساجد الثلاثة، ثم دخل أحدها فيندب له إعادتها به جماعة لا فرادى.
    الحنفية قالوا: إذا صلى منفرداً، ثم أعاد صلاته مع إمام جماعة جاز له ذلك، وكانت صلاته الثانية نفلاً، وإنما تجوز إذا كان إمامه يصلي فرضاً لا نفلاً، لأن صلاة النافلة خلف الفرض غير مكروهة، وإنما المكروه صلاة نفل خلف نفل إذا كانت الجماعة أكثر من ثلاثة، كما تقدم، فإن صلوا جماعة ثم أعادوا الصلاة ثانياً بجماعتهم كره إن كانوا أكثر من ثلاثة. وإلا فلا يكره إذا أعادوها بغير أذان، فإن أعادوها بأذان كرهت مطلقاً، ومتى علم أن الصلاة الثانية تكون نفلاً أعطيت حكم الصلاة النافلة في الأوقات المكروهة، فلا تجوز إعادة صلاة العصر، لأن النفل ممنوع بعد العصر، وإذا شرع في صلاته منفرداً أو كانت الصلاة أداء لا قضاء ولا منذورة ولا نافلة، ثم أقيمت بجماعة فيستحب له أن يقطعها واقفاً بتسليمة واحدة ليدرك فضل الجماعة، وهذا إذا لم يسجد، أما إعادة الصلاة لخلل فيها كترك واجب ونحوه، فسيأتي بيانه في قضاء الفوائت. بعيداً عنه، فلا يكره وإلا كره تحريماً؛ كما لا يكره مطلقاً تكرار الجماعة في مسجد المحلة بلا أذان وإقامة
    (13) الحنفية قالوا: لا يكره تكرار الجماعة في مساجد الطرق، وهي ما ليس لها إمام وجماعة معينون، أما مسجد المحلة - وهي ما لها إمام وجماعة ميعنون - فلا يكره تكرار الجماعة فيها أيضاً إن كانت على غير الهيئة الأولى، فلو صليت الأولى في المحراب والثانية صليت بعد ذلك.
    الحنابلة قالوا: إذا كان الإمام الراتب يصلي بجماعة فيحرم على غيره أن يصلي بجماعة أخرى وقت صلاته، كما يحرم أن تقوم جماعة قبل صلاة الإمام الراتب، بل لا تصح صلاة جماعة غير الإمام الراتب في كلتا الحالتين، ومحل ذلك إذا كان بغير إذن الإمام الراتب، أما إذا كان بإذنه، فلا تحرم، كما لا تحرم صلاة غيره، إذا تأخر الإمام الراتب لعذر أو ظن عدم حضوره، أو ظن حضوره، ولكن كان الإمام لا يكره أن يصلي غيره في حال غيبته، ففي هذه الأحوال لا تكره إمامة غيره، وأما إمامة غير الراتب بعد إتمام صلاته فجائزة من غير كراهة إلا في المسجد الحرام، والمسجد النبوي، فإن إعادة الجماعة فيهما مكروهة إلا لعذر، كمن نام عن صلاة الإمام الراتب بالحرمين، فله أن يصلي جماعة بعد ذلك بلا كراهة، ويكره للإمام أن يؤم بالناس مرتين في صلاة واحدة بأن ينوي بالثانية فائتة، وبالأولى فرض الوقت مثلاً.
    الشافعية قالوا: يكره إقامة الجماعة في مسجد بغير إذن إمامه الراتب مطلقاً قبله أو بعده أو معه إلا إذا كان المسجد مطروقاً أو ليس له إمام راتب، أو له وضاق المسجد عن الجميع أو خيف خروج الوقت، وإلا فلا كراهة.
    المالكية قالوا: يكره تكرار الجماعة مرة أخرى بعد صلاة الإمام الراتب في كل مسجد أو موضع جرت العادة باجتماع الناس للصلاة فيه، وله إمام راتب، ولو أذن الإمام في ذلك، وكذلك تكره إقامة الجماعة قبل الإمام الراتب إذا صلى في وقته المعتاد له، وإلا فلا كراهة، وأما إقامة جماعة مع جماعة الإمام الراتب فهي محرمة، والقاعدة عندهم أنه متى أقيمت الصلاة للإمام الراتب فلا يجوز أن تصلي صلاة أخرى فرضاً أو نفلاً، لا جماعة ولا فرادى، ويتعين على من في المسجد الدخول مع الإمام إذا كان لم يصل هذه الصلاة المقامة أو صلاها منفرداً، أما إذا كان قد صلاها جماعة فيتعين عليه الخروج من المسجد لئلا يطعن على الإمام، وإذا كان على من بالمسجد فرض غير الفرض الذي يريد الإمام أن من يصليه، كأن كان عليه الظهر وأقيمت صلاة العصر للراتب فإنه يتابع الإمام في الصورة فقط، وينوي الظهر وهو منفرد فيها، وعليه أن يحافظ على ما يجب على المنفرد، وإذا وجد بمسجد أئمة متعددة مرتبون، فإن صلوا في وقت واحد حرم لما فيه من "التشويش"، وإذا ترتبوا أن يصلي أحدهم، فإذا انتهى صلى الآخر، وهكذا، فهو مكروه على الراجح، وأما المساجد أو الموضع التي ليس لها إمام راتب فلا يكره تكرار الجماعة فيها بأن يصلي جماعة جماعة، ثم يحضر آخرون فيصلون جماعة، وهكذا
    (14) المالكية قالوا: تدرك الجماعة، ويحصل فضلها الوارد في الحديث السابق بإدراك ركعة كاملة مع الإمام بأن ينحني المأموم في الركوع قبل أن يرفع الإمام رأسه منه، وإن لم يطمئن في الركوع إلا بعد رفع الإمام، ثم يدرك السجدتين أيضاً مع الإمام، ومتى أدرك الركعة على هذا النحو حصل له الفضل، وثبتت له أحكام الاقتداء، فلا يصح أن يكون إماماً في هذه الصلاة ولا يعيدها في جماعة أخرى؛ ويلزمه أن يسجد لسهو الإمام قبلياً كان أو بعدياً، ويسلم على الإمام، وعلى من على يساره وغير ذلك من أحكام المأموم، أما إذا دخل مع الإمام بعد الرفع من الركوع أو ادرك الركوع معه ولم يتمكن من السجود معه لعذر، كزحمة ونحوها مما تقدم، فلا يحصل له فضل الجماعة، ولا يثبت له أحكام الاقتداء، فيصح أن يكون إماماً في هذه الصلاة، ويستحب أن يعيدها في جماعة أخرى لإدراك فضل الجماعة، ولا يسلم على الإمام، ولا على المأموم الذي على يساره ونحو ذلك، وإنما قالوا: إن الفضل الوارد في الحديث هو الذي يتوقف على إدراك ركعة كاملة، لأن مطلق الأجر لا يتوقف على ذلك، فمن أدرك التشهد فقط مع الإمام لا يحرم من الثواب والأجر، وإن كان لا يحصل له الفضل الوارد في قوله عليه السلام: صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بسبعة وعشرين درجة، وهذا هو الحديث السابق
    (15) الحنفية قالوا: إن الأول يسمى لاحقاً، والثاني يسمى مسبوقاً، فاللاحق هو من دخل الصلاة مع الإمام، ثم فاته كل الركعات أو بعضها لعذر، كزحام؛ والمسبوق هو من سبقه إمامه بكل الركعات أو بعضها، وحكم اللاحق كحكم المؤتم حقيقة فيما فاته، فلا تنقطع تبعيته للإمام، فلا يقرأ في قضاء ما فاته من الركعات، ولا يسجد للسهو فيما يسهو فيه حال قضائه، لأن لا سجود على المأموم فيما يسهو فيه خلف إمامه، ولا يتغير فرضه أربعاً بنية الإقامة إن كان مسافراً، وكيفية قضاء ما فاته أن يقضيه في أثناء صلاة الإمام ثم يتابعه فيما بقي إن أدركه، فإن لم يدركه مضى في صلاته إلى النهاية، ولا يقرأ شيئاً في قيامه حال القضاء، لأنه معتبر خلف الإمام، وإذا كان على الإمام سجود سهو فلا يأتي به اللاحق إلا بعد قضاء ما فاته، وقد يكون اللاحق مسبوقاً بأن يدخل مع الإمام في الركعة الثانية ثم تفوته ركعة أو أكثر وهو خلف الإمام، وفي هذه الحالة يقضي ما سبق به بعد أن يفرغ من قضاء ما فاته بعددخوله مع الإمام، وعليه القراءة في قضاء ما سبق به، فاللاحق إذا كان مسبوقاً عليه أن يقضي ما فاته بعد دخوله في الصلاة بدون قراءة ثم يتابع الإمام فيما بقي من الصلاة ان أدركه فيها ثم يقصي ما سبق به بقراءة، فإن كان على الإمام سجود سهو في هذه الحالة أتى به بعد قضاء ما سبق به فإن قضى ما سبق به قبل أن يقتضي ما فاته صحت صلاته مع الإثم لترك الترتيب المشروع. أما المسبوق له أحكام كثيرة: منها أنه إن أدرك الإمام في ركعة سرية أتى بالثناء بعد تكبيرة الإحرام، وإن أدركه في صلاة ركعة جهرية لا يأتي به على الصحيح مع الإمام، وإنما يأتي به عند قضاء ما فاته وحينئذ يتعوذ، ويبسمل للقراءة كالمنفرد.
    فإن أدرك الإمام وهو راكع أو ساجد تحرّى، فإن غلب على ظنه أنه لو أتى بالثناء أدركه في جزء من ركوعه أو سجوده أتى به وإلا فلا، وإن أدركه في القعود لا يأتي بالثناء، بل يكبر ويقعد قدر التشهد، إلا في مواضع:
    الأول: إذا خاف المسبوق الماسح زوال مدته إذا انتظر سلام الإمام،
    الثاني: إذا خاف خروج الوقت وكان صاحب عذر، لأنه إذا انتظره في هذه الحالة ينتقض وضوءه،
    الثالث: إذا خاف في الجمعة دخول وقت العصر إذا انتظر سلام الإمام،
    الرابع إذا خاف المسبوق دخول وقت العصر في العيدين أو خاف طلوع الشمس إذا انتظر سلام الإمام، الخامس إذا خاف المسبوق أن يسبقه الحدث؛ السادس: إذا خاف أن يمر الناس بين يديه إذا انتظر سلام الإمام، فهذه المواضع كلها يقوم فيها المسبوق قبل أن يسلم إمامه، ويقضي ما فاته متى كان الإمام قد قعد قدر التشهد؛ أما إذا قام قبل أن يتم الإمام القعود بقدر التشهد، فإن صلاة المسبوق تبطل، وكما أن المسبوق لا تجب عليه متابعة إمامه في سلام عند وجود عذر من هذه الأعذار، فكذلك المدرك لا تجب عليه المتابعة عند وجود ذلك العذر، فإن لم يوجد عذر وجب على المأموم أن يتابع إمامه في السلام إن كان قد أتم التشهد، فإن سلم إمامه، قبل ذلك لا يسلم معه، بل يتم تشهده ثم يسلم، فإذا أتم المأموم، تشهده قبل إمامه، ثم سلم قبله صحت صلاته مع الكراهة إن كانت بغير عذر من تلك الأعذار، والأفضل في المتابعة في السلام أن يسلم المأموم مع إمامه لا قبله ولا بعده، فإن سلم قبله كان الحكم ما تقدم، وإن سلم بعده فقد ترك الأفضل، وكذلك المتابعة في تكبيرة الإحرام، فإن المقارنة فيها أفضل، أما إن كبر قبله فلا تصح صلاته، وإن كبر بعده فقد فاته إدراك وقت فضيلة تكبيرة الإحرام، ومنها أن يقضي أول صلاته بالنسبة للقراءة، وآخرها بالنسبة للتشهد، فلو أدرك
    ركعة من المغرب قضى ركعتين، وقرأ في كل واحدة منهما الفاتحة وسورة، لأن الركعتين اللتين يقضيهما هما الأولى والثانية بالنسبة للقراءة، ويقعد على رأس الأولى منهما ويتشهد، لأنها الثانية بالنسبة لها، فيكون قد صلى المغرب في هذه الحالة بثلاث قعدات، ولو أدرك ركعة من العصر مثلاً قضى ركعة يقرأ فيها الفاتحة والسورة ويتشهد، ثم يقضي ركعة أخرى يقرأ فيها الفاتحة والسورة ولا يتشهد، ثم يقوم لقضاء الأخيرة وهو مخير في القراءة فيها وعدمها، والقراءة أفضل، ولو أدرك ركعتين من العصر مثلاً قضى ركعتين يقرأ فيهما الفاتحة والسورة، ويتشهد، فلو ترك القراءة في إحداهما بطلت صلاته، ومنها أنه في حكم المنفرد فيما يقضيه إلا في مواضع أربعة؛ أحدها: أنه لا يجوز له أن يقتدي بمسبوق مثله، ولا أن يقتدي به غيره، فلو اقتدى مسبوق بمسبوق فسدت صلاة المقتدي دون الإمام، ولو اقتدى هو بغيره بطلت صلاته، ثانيها: أنه لو كبر ناوياً لاستثناف صلاة جديدة من أولها وقطع الصلاة الأولى تصح، بخلاف المنفرد، ثالثها: أنه لو سها الإمام إلى سجود التلاوة، فإن صلاته وصلاة المسبوق صحيحة.
    المالكية قالوا: المقتدي إن فاتته ركعة أو أكثر قبل الدخول مع الإمام فهو مسبوق، وحكمه أنه يجب عليه أن يقضي بعد سلام الإمام ما فاته من الصلاة، إلا أن يكون بالنسبة للقول قاضياً، وبالنسبة للفعل بانياً، ومعنى كونه قاضياً أن يجعل ما فاته أول صلاته؛ فيأتي به على الهيئة التي فات عليها بالنسبة للقراءة، فيأتي بالفاتحة وسورة أو بالفاتحة فقط سراً أو جهراً على حسب ما فاته، ومعنى كونه بانياً أن يجعل ما أدركه أو صلاته، وما فاته آخر صلاته، لإيضاح ذلك نقول: دخل المأموم مع الإمام في الركعة الرابعة من العشاء وفاتته ثلاث ركعات قبل الدخول؛ فإذا سلم الإمام يقوم المأموم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة وسورة جهراً، لأنها أولى صلاته بالنسبة للقراءة؛ ثم يجلس على رأسها للتشهد، نها ثانية له بالنسبة للجلوس، ثم يقوم بعد التشهد فيأتي بركعة بالفاتحة وسورة جهراً، لأنها ثانية له بالنسبة للقراءة، ولا يجلس للتشهد على رأسها، لأنها ثالثة له بالنسبة للجلوس، ثم يقوم فيأتي بركعة يقرأ فيها بالفاتحة فقط سراً: لأنها ثالثة له بالنسبة للقراءة ويجلس على رأسها للتشهد، لأنها رابعة له بالنسبة للأفعال ثم يسلم، ومن القول الذي يكون قاضياً فيه القنوت، فإذا دخل مع الإمام في ثانية الصبح يقنت فيها تبعاً مامه، فإذا سلم الإمام قام بركعة القضاء، ولا يقنت فيها، لأنها أولى بالنسبة للقنوت؛ ولا قنوت في أولى الصبح، فالقول الذي يكون قاضياً فيه هو القراءة والقنوت، ثم إذا ترتب على الإمام سجود سهو، فإن كان قبلياً سجده مع الإمام قبل قيامه للقضاء، وإن كان بعيداً أخره حتى يفرغ من قضاء ما عليه، والمسبوق يقوم بالقضاء بتكبير إن أدرك مع الإمام ركعتين أو أدرك أقل من ركعة، وإلا فلا يكبر حال القيام، بل يقوم ساكتاً، وأما إذا فات المأموم شيء من الصلاة بعد
    الدخول مع الإمام لعذر، كزحمة أو نعاس لا ينقض الوضوء، فله ثلاث أحوال: الأولى أن يفوته ركوع أو رفع منه، الثانية: أن تفوته سجدة أو السجدتان: الثالثة: أن تفوته ركعة أو أكثر، فالحالة الأولى أنه إذا فات المأموم الركوع أو الرفع منه مع الإمام؛ فإما أن يكون ذلك في الركعة الأولى أو غيره، فإن كانت في الركعة الأولى تبع الإمام فيما هو فيه من الصلاة، وألغى هذه الركعة لعدم انسحاب المأمومية عليه بفوات الركوع مع الإمام.
    ولعدم عقد الركعة مع الإمام في حالة فوات الرفع معه بناء على أن عقد الركوع برفع الرأس منه مع الإمام، وعليه أن يقضي ركعة بعد سلام الإمام بدل الركعة التي ألغاها، وإن كان ذلك الفوات في غير الركعة الأولى، فإن ظن أنه لو ركع أو رفع يمكنه أن يسجد مع الإمام ولو سجدة واحدة فعل ما فاته ليدرك الإمام، ثم إن تحقق ظنه فالأمر واضح، وإن تخلف ظنه، كأن كان بمجرد ركوعه رفع الإمام رأسه من السجدة الثانية؛ فإنه يلغي ما فعله، ويتبع الإمام فيما هو فيه، ويقضي ركعة بعد سلامه: وإن لم يظن إدراك شيء من السجود مع الإمام ألغى هذه الركعة؛ وقضى ركعة بعد سلام الإمام، فإن خالف ما أمر به، وأتي بما فاته، فإن أدرك مع الإمام شيئاً من السجود صحت صلاته وحسبت له الركعة، وإلا بطلت لمخالفة ما أمر به مع قضاء ما فاته من طلب إمامه؛ الحالة الثانية: أن يفوته سجدة أو سجدتان، وحكم ذلك أن المأموم إما أن يظن أن يدرك الإمام قبل رفع رأسه من ركوع الركعة التالية أو لا، ففي الحالة الأولى يفعل ما فاته، ويلحق الإمام وتحسب له الركعة، وفي الحالة الثانية يلغي الركعة، ويتبع الإمام فيما هو فيه، ويأتي بركعة بعد سلام الإمام، ولا سجود عليه بعد السلام لزيادة الركعة التي ألغاها، لأن الإمام يحمل مثل ذلك عنه؛ الحالة الثالثة: أن تفوته ركعة أو أكثر بعد الدخول مع الإمام، وحكم ذلك أنه يقضي ما فاته بعد سلام الإمام على نحو ما فاته بالنسبة للقراءة والقنوت، ويكون بانياً في الأفعال على ما تقدم، وقد يفوت المأموم جزء من الصلاة قبل الدخول مع الإمام؛ ثم يفوته ركعة أيضاً أو أكثر بعد الدخول لزحمة ونحوها، مثال ذلك: أن يدخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية الرباعية؛ فيدرك معه الثانية والثالثة، وتفوته الرابعة فقد فاته الآن ركعتان: إحداهما: قبل الدخول مع الإمام،
    والثانية بعد الدخول معه، وحكم ذلك أنه يقدم في القضاء الركعة الثانية التي هي رابعة الإمام، فيأتي بها بالفاتحة فقط سراً، ولو كانت الصلاة جهرية لم يجلس عليها،لأنها أخيرة الإمام، ثم يقوم فيأتي بركعة بدل الأول؛ ويقرأ فيها بالفاتحة وسورة لأنها أولى؛ ويجهر إن كانت الصلاة جهرية، ويجلس عليها، لأنها أخيرته هو ثم يسلم.
    الحنابلة قالوا: من اقتدى بالإمام من أول الصلاة أو بعد ركعة فأكثر وفاته شيء منها؛ فهو في الحالتين مسبوق، فمن دخل مع إمامه من أول صلاته وتخلف عنه بركن بعذر كغفلة أو نوم لا ينقض الوضوء وجب عليه أن يأتي بما فاته متى زال عذره إذا لم يخش فوت الركعة التالية بعدم إدراك ركوعها مع الإمام، وصارت الركعة معتداً بها، فإن خشي فوت الركعة التالية مع الإمام على صفتها وإن تخلف عن إمامه بركعة فأكثر لعذر من الأعذار السابقة تابعه، وقضى ما تخلف به عن إمامه بعد فراغه على صفته، ومعنى قضاء ما فاته على صفته، أنه لو كان ما فاته الركعة الأولى أتى عند قضائها بما يطلب فعله فيها من استفتاح وتعوذ وقراءة سورة بعد الفاتحة، وإن كانت الثانية قرأ سورة بعد الفاتحة، وإن كانت الثالثة أو الرابعة قرأ الفاتحة فقطن وإن دخل مع إمامه وأدرك ركوع الأولى ثم تخلف عن السجود معه لعذر وزوال عذره بعد رفع إمامه من ركوع الثانية تابع إمامه في سجود الثانية وتمت له بذلك ركعة ملفقة من ركوع الأولى وسجود الثانية، ويقضي ما فاته بعد سلام إمامه على صفته.
    كما تقدم وهذا كله إذا كان المقتدي قد دخل مع إمامه من أول صلاته، أما إذا دخل معه بعد ركعة فأكثر فيجب عليه قضاء ما فاته بعد فراغ إمامه من الصلاة؛ ويكون ما يقضيه أول صلاته، وما أداه مع إمامه آخر صلاته، فمن أدرك الإمام في الظهر في الركعة الثالثة وجب عليه قضاء الركعتين بعد فراغ إمامه، فيسفتح ويتعوذ ويقرأ الفاتحة وسورة في أولاهما، ويقرأ الفاتحة وسورة في الثانية لما علمت، ويخير في الجهر إن كانت الصلاة جهرية غير جمعة، فإنه لا يجهر فيها، ويجب على المسبوق أن يقوم للقضاء قبل تسليمة الإمام الثانية، فإن قام فيها بلا عذر ويبيح المفارقة وجب عليه أن يعود ليقوم بعدها، وإلا انقلبت صلاته نفلاً، ووجبت عليه إعادة الفرض الذي صلاه مع الإمام، وإنما يكون ما يقصيه المسبوق أول صلاته فيما عدا التشهد، أما التشهد فإنه إذا أدرك إمامه في ركعة من رباعية، أو من المغرب فإنه يتشهد بعد قضاء ركعة أخرى لئلا يغير هيئة الصلاة، وينبغي للمسبوق أن يتورك في تشهد إمامه الأخير إذا كانت الصلاة مغرباً أو رباعية تبعاً لإمامه، وإذا سلم المسبوق مع إمامه سهواً وجب عليه أن يسجد للسهو في آخر صلاته، وكذا يسجد للسهو إن سها فيما يصليه مع الإمام، وفيما انفرد بقضائه، ولو شارك الإمام في سجوده لسهوه، وإذا سها الإمام ولم يسجد لسهوه وجب على المسبوق سجود السهو بعد قضاء ما فاته، ويعتبر المسبوق مدركاً للجماعة متى أدرك تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام التسليمة الأولى، ولا يكون المسبوق مدركاً للركعة إلا إذا أدرك ركوعها مع الإمام، ولو لم يطمئن معه، وعليه أن يطمئن وحده، ثم يتابعه.
    الشافعية قالوا: ينقسم المقتدي إلى قسمين: مسبوق، وموافق؛ فالمسبوق هو الذي لم يدرك مع الإمام زمناً يسع قراءة الفاتحة من قارئ معتدل، ولو أدرك الركعة الأولى؛ والموافق هو الذي أدرك مع الإمام بعد إحرامه وقبل ركوع إمامه زمناً يسع الفاتحة، ولو في آخر ركعة من الصلاة، فالعبرة في السبق وعدمه بإدراك الزمن الذي يسع قراءة الفاتحة بعد إحرامه وقبل ركوع الإمام وعدم إدراكه، ولكل حكم؛ أما المسبوق فله ثلاثة أحوال:
    الحالة الأولى: أن يدخل مع الإمام وهو راكع،
    الحالة الثانية: أن يدخل مع الإمام وهو قائم، ولكنه بمجرد إحرامه ركع مع الإمام؛
    الحالة الثالثة: أن يدخل مع الإمام وهو قائم، ولكنه قريب من الركوع بحيث يتمكن المأموم من قراءة شيء من الفاتحة، وحكم المأموم في الحالتين الأوليين أنه يجب عليه الركوع مع الإمام من قراءة شيء من الفاتحة، وتحسب له الركعة إن اطمأن مع الإمام يقيناً في الركوع، وغلا فلا يعتد بها، ويأتي بركعة بدلها بعد سلام الإمام، وفي الحالة ويندب له ترك دعاء الاستفتاح والتعوذ، فإن اشتغل بشيء منهما وجب عليه أن يستمر قائماً بدون ركوع حتى يقرأ من الفاتحة بقدر الزمن الذي صرفه في دعاء الاستفتاح أو التعوذ؛ ثم إن اطمأن مع الإمام في الركوع يقيناً حسبت له الركعة وإلا فلا، وتصح صلاته ولا تجب عليه نية المفارقة، إلا إذا استمر في القراءة الواجبة عليه حتى هوى الإمام للسجود، فحينئذ تجب عليه نية المفارقة، وإلا بطلت صلاته لتأخره عن إمامه بركنين فعليين بلا عذر، وأما الموافق فقد تقدمت أحكامه في مبحث "المتابعة"، ثم إن كلا من المسبوق والموافق بالمعنى المتقدم قد يكون مسبوقاً، بمعنى أنه فاته بعض ركعات الصلاة مع الإمام، وحكم هذا أن أول صلاة المأموم في هذه الحالة هو ما أدركه مع الإمام، فلو أدرك مع الإما الركعة
    الثانية، ثم قام للإتيان بما فاته تحسب له الركعة التي أداها مع الإمام الأولى، وإن كانت ثانية بالنسبة للإمام فيسن له أن يقنت في الركعة التي يأتي بها، لأنها ثانية له، وإن كان قد قنت في الركعة التي أداها مع الإمام متابعة له. وينبغي للمسبوق الذي لم يتحمل عنه الإمام الفاتحة أن يجعل صلاته غير خالية من السورة بعد الفاتحة، فمثلاً إذا أدرك الإمام في ثالثة الظهر ثم فعل ما فاته بعد فراغه يسن له أن يأتي بآية أو سورة بعد الفاتحة فيهما، لئلا تخلو صلاته من سورة




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 402 الى صــــــــ417
    الحلقة (59)

    [الاستخلاف في الصلاة]

    [تعريفه - وحكمه مشروعيته]
    الاستخلاف في اصطلاح الفقهاء هو أن ينيب إمام الصلاة أو أحد المأمومين رجلاً صالحاً للإمامة ليكمل بهم الصلاة بدل إمامهم لسبب من الأسباب الآتية، مثال ذلك أن يصلي الإمام بجماعة ركعة أو ركعتين أو أقل أو أكثر ثم يعرض له في الصلاة مانع يمنعه من إتمام الصلاة بهم، كمرض فجائي أو سبق حدث أو غير ذلك من الموانع، ففي هذه الحالة يصح أن يختار الإمام رجلاً من المصلين خلفه أو من غيرهم من الموجودين ويوقفه إماماً ليكمل ما بقي من الصلاة بالمأمومين، فإن لم يفعل الإمام ذلك فللمأمومين أن يختاروا واحداً منهم وينيبوه بدل هذا الإمام بدون أن يتكلموا أو يتحولوا عن القبلة، كما ستعرفه،
    ولعل قائلاً يقول:
    لماذا كل هذا؟ أليس من السهل المعقول أنه إذا عرض مانع يمنع الإمام من المضي في صلاته تبطل، ويأتي غيره من الصالحين للإمامة ويصلي بالجماعة؟
    والجواب:
    إن الصلاة لها حرمة عظيمة في نظر الشريعة الإسلامية، فمتى شرع الإنسان في الصلاة وقف يناجي ربه خاضعاً خاشعاً، فإنه ينبغي له أن يحتفظ بموقفه هذا حتى يفرغ منه، فإذا سها عن فعل لزمه أن يأتي به ويجبره بالسجود، وإذا عرض للإمام ما يبطل صلاة الجماعة خرج من الصلاة واستخلف غيره ليكملها، والغرض من كل هذا تأدية الصلاة كاملة بعد الشروع فيها، لأنها عمل من الأعمال اللازمة في نظر الشريعة الإسلامية التي لا ينبغي التساهل في أمره على كل حال.
    [سبب الاستخلاف]
    أما سبب الاستخلاف ففيه تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
    [حكم الاستخلاف في الصلاة]
    اختلفت المذاهب الأربعة في حكم الاستخلاف، فانظر كل مذهب تحت الخط (2) .
    [مباحث سجود السهو]

    [تعريفه - محله - هل تلزم النية فيه؟]
    معنى السجود في اللغة مطلق الخضوع، سواء كان بوضع الجبهة على الأرض أو كان بأمارة أخرى من أمارات الخضوع، كالطاعة، ومعنى السهو في اللغة الترك من غير علم، فإذ قيل سها فلان، فمعناه ترك الفعل من غير علمه، أما إذا قيل سها عن كذا، فمعناه تركه وهو عالم، وبذا تعلم أن اللغة تفرق بين قول سها فلان، وبين قول سها فلان عن كذا، ولا فرق في اللغة بين النسيان وبين السهو، أما الفقهاء فإنهم لا يفرقون بين النسيان وبين السهو أيضاً، بل عندهم السهو والنسيان والشك بمعنى واحد، وإنما يفرقون بين هذه الأشياء وبين الظن؛
    فيقولون:
    إن الظن هو إدراك الطرف الراجح، فإذا ترجح عند الشخص أنه فعل الفعل كان ظاناً، بخلاف السهو والنسيان والشك، فإنه يستوي عند إدراك الفعل وعدمه، بدون أن يرجح أنه فعل، أو أنه لم يفعل.هذا هو معنى سجود السهو في اللغة، أما معناه في اصطلاح الفقهاء وبيان محله وبيان النية فيه، فانظره تحت الخط (3) .
    [سبب سجود السهو]
    الأسباب التي يشرع من أجلها سجود السهو مختلفة في المذاهب، فانظرها تحت الخط (4) .

    (1) الحنفية قالوا: سبب الاستخلاف هو أن يحدث الإمام في الصلاة بدون اختيار، يخرج منه ريح أو يسيل منه دم أو نحو ذلك من النجاسات التي تخرج من بدن الإنسان وهو يصلي، أما إذا أصابته نجاسة تمنع من الاستمرار في الصلاة، أو كشفت عورته بمقدار ركن من أركان الصلاة ونحو ذلك، فإن صلاته تفسد وتفسد معها صلاة المأمومين فلا يصح الاستخلاف في هذه الحالة، كما لا يصح الاستخلاف إذا ضحك الإمام قهقهة أو جن أو أغمي عليه أو غير ذلك مما يأتي في شروط الاستخلاف، ويجوز الاستخلاف إذا عجز عن قراءة القدر المفروض، أما إذا عجز عن الركوع أو السجود بسبب حصر البول أو الغائط فإنه لا يستخلف إذا أمكنه أن يصلي قاعداً، وعلى المأمومين في هذه الحالة أن يتموا صلاتهم خلفه قياماً، وهذا هو رأي الإمام أبي حنيفة، ولا يصح الاستخلاف إذا خاف حصول ضرر أو ضياع مال، بل يقطع الصلاة، ويبتدئ المقتدون به الصلاة من أولها بحسب ما يتاح لهم.
    المالكية قالوا: أسباب الاستخلاف ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن يخاف الإمام وهو في صلاته على مال، سواء كان ماله أو مال غيره، وفي هذه الحالة يجب عليه قطع الصلاة لإنقاذ ذلك المال، ويندب له أن يستخلف إماماً غيره، على أنه يشترط لقطع الصلاة بسبب الخوف على المال أن يترتب على ضياعه أو تلفه هلاك صاحبه أو حصول ضرر شديد له، وفي هذه الحالة يجب على الإمام أن يقطع الصلاة مطلقاً، سواء كان المال قليلاً أو كثيراً، وسواء اتسع الوقت لإدراك الصلاة بعد ذلك أو لم يتسع. أما إذا لم يخف ضياعه، ولكنه لم يطمئن لتركه بدون حراسة فإنه في هذه الحالة يصح له أن يقطع الصلاة بشرطين: الشرط الأول: أن يكون الوقت متسعاً بحيث يمكنه أن يؤدي الصلاة التي قطعها قبل خروج الوقت، الشرط الثاني؛ أن يكون المال كثيراً - والمال الكثير هنا هو ما كان له قيمة وشأن عند صاحبه - فإذا فقد شرط من هذين الشرطين في هذه الحالة فإنه لا يصح له قطع الصلاة، ومثل الخوف على المال الخوف على نفس من الهلاك والتلف، فإذا خاف على أعمى الاصطدام بسيارة أو الوقوع في حفرة عميقة يضره الوقوع فيها فإنه في هذه الحالة يجب عليه قطع الصلاة لإنقاذه.
    والحاصل أن الخوف على المال أو النفس بالشروط المذكورة يجعل قطع الصلاة فرضاً على الإمام، ويندب له أن يستخلف من يكمل بهم الصلاة، وعرفت أن الحنفية قالوا: إن الخوف على مثل هذا يوجب قطع الصلاة، ولكن لا يجوز له حال الخوف أن يستخلف، بل تبطل صلاته وصلاة من خلفه، وللمأمومين أن يقيموا إمامين يصلي كل إمام بفريق، وإذا أقام الصلاة خليفة عنه وأقام المقتدون إماماً ثانياً، وصلت كل فرقة خلف واحد منهما، فإن الصلاة تصح، ولكن إذا أقام الإمام خليفة حرم على المأمومين أن يقيموا غيره، وإن كانت تصح الصلاة خلف من أقاموه.
    هذا كله في غير صلاة الجمعة، أما إذا وقع ذلك وهو يصلي الجمعة إماماً. فإذا لم يستخلف في الجمعة وصلوها فرادى فإنها تبطل لاشتراط الجماعة فيها، وإذا استخلف الإمام واحداً واستخلف المقتدون واحداً فإن الجمعة تصح خلف من استخلفه الإمام، وتبطل خلف غيره، فإن لم يستخلف الإمام أحداً، واستخلف المقتدون اثنين فإن الجمعة تصح لمن سبق منهم، فإن تساويا في السلام بطلت صلاة الجمعة، وعليهم أن يقيموها جمعة ثانياً إن كان الوقت باقياً، وإلا صلوها ظهراً وقد خالف الحنفية في ذلك كله فقالوا: إن لم يستخلف الإمام وصلوها فرادى بطلت صلاتهم، سواء في الجمعة أو في غيرها، وكذلك إذا استخلف الإمام واحداً واستخلف المقتدون واحداً. بطلت الصلاة خلف من استخلفه المقتدون، وإذا لم يستخلف الإمام ولا المقتدون، وتقدم واحد عن المصلين وأتم بهم الصلاة، فإنها تصح.
    الشافعية قالوا: سبب الاستخلاف خروج الإمام عن الإمامة بطرو حدث، سواء كان الحدث عمداً أو قهراً عنه، أو تبين له أنه كان محدثاً قبل شروعه في الصلاة، وهذا السبب عندهم ليس ضروراً، بل للإمام أن يستخلف غيره، ولو بدون سبب، وإذا قدم الإمام واحداً وقدم المقتدون واحداً، فإن الصلاة تصح خلف كل منهما، ولكن الأولى بالإمامة من قدمه المقتدون، لا من قدمه الإمام، إلا إذا كان إماماً راتباً، فإن الأولى بالإمامة من قدمه الإمام الراتب، وإذا قدم الإمام الواحد، وتقدم واحد آخر بدون أن يقدمه أحد فإن الصلاة تصح خلف كل منهما، ولكن الأولى بالإمامة من قدمه الإمام، سواء كان راتبا أو غير راتب، ولا يخفى أن الشافعية قد خالفوا الحنفية، والمالكية في هذه الأحكام.
    الحنابلة قالوا: سبب الاستخلاف هو أن يحصل للإمام مرض شديد يمنعه من إتمام الصلاة؛ ومنه ما إذا عجز عن ركن قولي، كقراءة الفاتحة؛ أو واجب قولي، كتسبيحات الركوع والسجود، فإن حصل له عذر كهذا فإنه يجوز له أن يستخلف واحداً بدله؛ ولو لم يكن من المقتدين، ليتم بهم الصلاة، وليس من الأعذار عندهم سبق الحدث، فإذا انتقض وضوء الإمام أثناء صلاته بطلت صلاته وصلاة من خلفه؛ ولا يجوز له الاستخلاف، وإذا حصل للإمام عذر يبيح الاستخلاف ولم يستخلف جاز للمقتدين أن يستخلفوا واحداً ليتم بهم الصلاة؛ كما يجوز لهم أن يتموها فرادى بدون إمام، وإذا استخلف القوم واستخلف الإمام واحداً آخر فالصلاة لا تصح إلا خلف من استخلفه الإمام، كما يقول الحنفية

    (2) الحنفية قالوا: إن الاستخلاف أفضل، بحيث لو لم يتسخلف الإمام أو المقتدون، ولم يتقدم واحد منهم بدون استخلاف فإن الصلاة تبطل، ويعيدوها من أولها مع مخالفة الأفضل، بشرط أن يكون الوقت متسعاً لأداء الصلاة فيه، أما إذا ضاق الوقت فإن الاستخلاف يكون واجباً، ولا فرق عندهم في ذلك بين الجمعة وغيرها؛ وإذا استخلف الإمام واحداً، واستخلف المقتدون واحداً آخر، فإن الصلاة لا تصح إلا خلف من استخلفه الإمام، وإذا تقدم واحدا من المقتدين بدون استخلاف وأتم بهم الصلاة فإنها تصح، أما إذا يستخلف الإمام أو القوم، أو يتقدم واحد بدون استخلاف وصلوا وحدهم فرادى، فإن صلاتهم تبطل.
    الحنابلة قالوا: حكم الاستخلاف الجواز، فيجوز عند حصول سبب من الأسباب المتقدم بيانها أن يستخلف الإمام واحداً من المقتدين به أو من غيرهم ليكمل بهم الصلاة، وإذا استخلف الإمام واحداً واستخلف المقتدون غيره، فإن الصلاة لا تصح إلا خلف من استخلفه الإمام، كما يقول الحنفية، على أنهم قالوا: يجوز للمقتدين أن يتمو صلاتهم فرادى بدون استخلاف خلافاً للحنفية؛ كما هو موضح في مذهبهم، ولذا لم يشترط الحنابلة أن يكون الوقت متسعاً، لأنهم يبيحون للمقتدين أن يكملوا صلاتهم وحدهم بدون إمام في مثل هذه الحالة، وكذا لم يفرقوا بين صلاة الجمعة وغيرها، لأن لهم أن يتموا صلاة الجمعة وحدهم بدون إمام.
    المالكية قالوا: حكم الاستخلاف الندب، لأنك قد عرفت في تفصيل مذهبهم أنه يجوز للمقتدين أن يتموا صلاتهم فرادى إذا لم يستخلف الإمام، أو لم يستخلف هم واحداً، بشرط أن لا يكونوا في صلاة الجمعة، أما الجمعة، فتبطل إذا صلوها فرادى، وعليهم إعادتها جمعة إن كان الوقت متسعاً، ولم يستخلفوا، كما تقدم تفصيله في مذهبهم قريباً، على أنهم لم يصرحوا بكون الاستخلاف واجباً في صلاة الجمعة، كما قال الشافعية: بل ظاهر مذهبهم أن حكم الاستخلاف الندب على أي حال، فيكره للإمام والمأمومين أن لا يستخلفوا.
    الشافعية قالوا: حكم الاستخلاف الندب، بشرط أن يكون الخليفة صالحاً لإمامة هذه الصلاة، إلا في الجمعة، فإن الاستخلاف فيها واجب في الركعة الأولى، فإذا طرأ عذر على الإمام في الركعة الأولى فإنه يجب عليه أن يستخلف عنه من يتم الصلاة، أما إذا صلى بهم ركعة كاملة ثم طرأ عليه العذر، فإنه يندب له أن يستخلف من يصلي بهم الركعة الثانية، ولهم أن ينووا مفارقة الإمام بعد ذلك، ويصلوا الركعة الثانية فرادى؛ ويشترط لصحة الاستخلاف في الجمعة شرطان:
    أحدهما: أن يكون الخليفة مقتدياً بالإمام قبل الاستخلاف، فلا يصح في الجمعة استخلاف من لم يكن مقتدياً به، كما يصح في غيرها؛
    ثانيهما: أن يكون الاستخلاف سريعاً، فلو مضى زمن قبل الاستخلاف يسع ركناً قصيراً من أركان الصلاة، كالركوع، فإنه لا يصح الاستخلاف بعد ذلك، ثم إن خليفة الجمعة إن كان قد أدرك الركعة الأولى مع الإمام الأولى، فإن الجمعة تتم له وللمقتدين، أما إذا اقتدى بالإمام في الركعة الثانية فإن الجمعة تتم للمقتدين به فقط، أما هو فلا تتم له الجمعة.
    الشافعية قالوا: لا يشترط شيء لصحة الاستخلاف في غير الجمعة، كما تقدم، فيجوز أن يستخلف غير مقتد، وأن يستخلف بعد طول الفصل، ولو خرج الإمام من المسجد، إلا أنهم يحتاجون لنية الإقتداء بالقلب بدون نطق في حالة ما إذا كان الخليفة غير مقتد قبل الإستخلاف، وكانت صلاته مخالفة لصلاة الإمام، كأن كان في الركعة الأولى مثلاً والإمام في الثانية، فإن لم يكن كذلك لا يحتاجون لنية، وكذا فيما إذا طال الفصل بأن مضى زمن يسع ركناً فأكثر، فإنهم يحتاجون لتجديد النية، وعلى الخليفة أن يراعي نظم صلاته بما يفيد أنهم ينتظرونه أو يفارقونه إن كان مسبوقاً، والإنتظار أفضل، وإذا لم يستخلف أحد في غير الجمعة ينوي المقتدين المفارقة ويتمون صلاتهم فرادى وتصح؛ أما الجمعة فمتى أدركوا الركعة الأولى جماعة فإن لهم نية المفارقة، ويتموا فرادى في الثانية إذا بقي العدد إلى آخر الصلاة.
    الحنفية قالوا: يشترط لصحة الاستخلاف ثلاثة شروط:
    الشرط الأول: أن لا يخرج الإمام من المسجد الذي كان يصلي فيه قبل الاستخلاف، فإن خرج لم يصح الاستخلاف، لا منه ولا من القوم، لأن صلاة الجميع تبطل بخروجه،
    الشرط الثاني: أن يكون الخليفة صالحاً للإمامة، فإذا استخلف أمياً أو صبياً بطلت صلاة الجميع. وصورة الاستخلاف أن يتأخر منحنياً واضعاً يده على أنفه، كأنه سال منه دم الرعاف قهراً، وهذا وإن كان خلاف الواقع، ولكن الحكمة فيه واضحة، وهي المحافظة على نظام الصلاة والآداب العامة، الشرط الثالث من شروط الاستخلاف: تحقق شروط البناء على ما أداه من الصلاة، فإذا لم تتحقق هذه الشروط فإن الصلاة تبطل ولا يصح الاستخلاف، وهي أحد عشر شرطا:
    الأول: أن يكون الحدث قهرياً
    الثاني: أن يكون من بدنه، فلو أصابته نجاسة مانعة لا يجوز له البناء،
    الثالث: أن يكون الحدث غير موجب للغسل، كإنزال بالتفكر؛
    الرابع: أن لا يكون نادراً، كالقهقهة والإغماء والجنون.
    الخامس: أن لا يؤدي الإمام ركناً مع الحدث أو يمشي،
    السادس: أن لا يفعل منافياً، كأن يحدث عمداً بعد الحدث القهري،
    السابع: أن لا يفعل ما لا احتياج إليه: كأن يذهب إلى ماء بعيد مع وجود القريب،
    الثامن: أن لا يتراخى قدر ركن بغير عذر كزحمة،
    التاسع: أن لا يتبين أنه كان محدثاً قبل الدخول في الصلاة،
    العاشر: أن لا يتذكر فائتة إن كان صاحب ترتيب، الدي عشر: أن لا يتم المؤتم في غير مكانه، فلو سبق المصلي الحدث سواء كان إماماً أو مأموماً ثم ذهب ليتوضأ وجب عليه بعد الوضوء أن يعود ويصلي مع الإمام، أما المنفرد فهو بالخيار إن شاء أتم في مكانه أو غيره.
    المالكية قالوا: يشترط لصحة الاستخلاف أن يكون الخليفة قد أدرك مع الإمام جزءاً من الركعة التي حصل فيها العذر قبل تمام رفع الإمام رأسه من الركوع، فلا يصح استخلاف من فاته الركوع مع الإمام إذا حصل له العذر بعده في هذه الركعة، كما لا يصح استخلاف من دخل مع الإمام بعد حصول العذر، وعلى الخليفة أن يراعي نظم صلاة الإمام، فيقرأ من انتهاء قراءة الإمام إن علم الإنتهار، وإلا ابتدأ القراءة، ويجلس في محل الجلوس وهكذا، فإذا كان الخليفة مسبوقاً أتم بالقوم صلاة الإمام حتى لو كان على الإمام سجود قبلي سجده وسجده معه القوم، ثم أشار لهم بالانتظار؛ وقام لقضاء ما فاته، فإذا أتى به وسلم سلموا بسلامه، فإذا سلموا ولم ينتظروه بطلت صلاتهم، وأما إذا كان على الإمام الأول سجود بعدي فيؤخره الخليفة المسبوق حتى يقضي ماعليه، ويسلم بالقوم ثم يسجده بعد ذلك، وإذا كان في المأمومين مسبوق فلا يقوم لقضاء ما عليه حتى يسلم الخليفة، ولو كان الخليفة مسبوقاً انتظره جالساً حتى يقضي ما عليه ويسلم، فإذا سلم قام هو للقضاء، وإن لم ينتظره بطلت صلاته، مثلاً إذا أدرك المقتدي الإمام الأول في الركعة الثانية، ثم استخلف الإمام الثاني في الركعة الثالثة، وكان الخليفة أيضاً مسبوقاً مثل المأموم، فإنه في هذه الحالة يجب على المقتدي أن لا يسلم، بل ينتظر وهو جالس حتى يفرغ الإمام الثاني - وهو الخليفة - من قضاء ما عليه ويسلم، فإذا سلم قام المقتدي المنتظر وقضى ما عليه، وإن لم ينتظره وقام لقضاء ما عليه بطلت صلاته.
    هذا ويندب الإمام أن يخرج ممسكاً بأنفه موهما أنه راعف، كما يقول الحنفية.
    الحنابلة قالوا: لا يشترط في الخليفة إلا الشروط المطلوبة في الإمام، فلا يشترط أن يكون مقتدياً؛ كي لا يشترط شيء من الشروط التي ذكرها الحنفية، لأن الاستخلاف لا يصح عند الحنابلة إلا عند العجز عن أداء ركن قولي أو فعلي من أركان الصلاة؛ أما من عرض له ناقض ينقض وضوءه فقد بطلت صلاته، ولا يصح له أن يستخلف، على أنهم قالوا: يجب على الخليفة أن يبني على نظم صلاة الإمام لئلا يختلط الأمر على المقتدين، فإذا كان الخليفة مسبوقاً بنى على نظم صلاة الإمام، واستخلف قبل السلام من يسلم بهم، وقام لقضاء ما سبقه به الإمام، فإن لم يفعل، فلهم أن يسلموا لأنفسهم ولهم أن ينتظروه من جلوس حتى يقضي ما فاته، ويسلم بهم
    (3) الحنفية قالوا: سجود السهو هو عبارة عن أن يسجد المصلي سجدتين بعد أن يسلم عن يمينه فقط، ثم يتشهد بعد السجدتين، ويسلم بعد التشهد، فإن لم يتشهد يكون تاركاً للواجب، وتصح صلاته، وبعد الفراغ من التشهد لسجود السهو يجب أن يسلم، فإن لم يسلم يكون تاركاً للواجب، ولا يكفيه السلام الأول الذي خرج به من الصلاة، لأن السجود للسهو يرفعه، كما يرفع التشهد الأخير الذي قبل السلام، أما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء فإنه يأتي بهما في التشهد الأخير قبل السلام، ولا يأتي بهما في سجود السهو على المختار، وقيل: يأتي بهما فيه أيضاً احتياطاً، وقولهم: يأتي بسجود السهو بعد أن يسلم عن يمينه فقط، خرج به ما إذا سلم التسليمة الثانية، فإنه إذا سلم التسليمتين فقد سقط سجود السهو عنه على الصحيح، فإن فعل ذلك عمداً فإنه يأثم بترك الواجب، وإن سلم التسليمتين سهواً فقد سقط عنه سجود السهو، ولا إثم عليه، كما لا إعادة لسجود السهو مرة أخرى، لأن نسيان سجود السهو يسقطه، وكذا إذا تكلم بكلام أجنبي عن الصلاة عمداً أو سهواً، فإن فعل ذلك سقط عنه سجود السهو، ولا يجب السجود إذا ترك الواجب عمداً أو ترك ركناً من أركان الصلاة أو نحو ذلك عمداً، لأنه إن ترك الواجب عمداً صحت صلاته مع الإثم، وسقط عنه السجود، وإن ترك الركن عمداً بطلت صلاته، ولا يجبره سجود السهو، فالسجود عند الحنفية لا يكون إلا عند السهو، أما الترك عمداً فلم يشرع لجبره السجود؛ وهل تجب نية لسجود السهو أو لا؟ فقال بعضهم: إن سجود السهو لا تجب له نية، وذلك لأنه قد جيء به لجبر نقص واجب من صلاته، أو لجبر خلل وقع فيها ثم أصلحه، والنية لا تجب لكل جزء من أجزاء الصلاة، فسجود السهو لا تجب له النية؛ وقال بعضهم: بل تجب له النية، لأنه صلاة، ولا تصح صلاة بدون نية، فكما
    تجب النية لسجود التلاوة وسجدة الشكر، فكذلك تجب لسجود السهو، لأنها كلها كالصلاة، فكما تجب النية للصلاة تجب لها، وهذا القول الثاني هو الظاهر والاحتياط في العمل بهز
    الشافعية قالوا: سجود السهو هو أن يأتي المصلي بسجدتين كسجود الصلاة قبل السلام، وبعد التشهد والصلاة على النبي وآله بنية، وتكون النية بقلبه لا بلسانه، لأنه إن تلفظ بها بطلت صلاته، لأنك قد عرفت أن سجود السهو عندهم لا يكون إلا قبل السلام من الصلاة، فإذا تكلم بطلت صلاته طبعاً، وإذا سجد بدون نية عامداً عالماً بطلت صلاته، وإنما تشترط النية للإمام والمنفرد، أما المأموم فإنه لا يحتاج للنية اكتفاء بنية الاقتداء بإمامه، ولا يلزم عند الشافعية أن يكون ذلك السجود بسبب السهو، بل يكون بترك جزء من الصلاة على الوجه الآتي بيانه في أسباب سجود السهو عمداً أو سهواً، وإنما سمي سجود السهو، لأن الغالب أن الإنسان لا يترك بعض صلاته عمداً، وإذا كان سببه السهو يحسن أن يقول في سجوده: سبحان الذي لا ينام ولا يسهو، أما إذا كان عمداً، فيحسن أن يستغفر الله في سجوده وبهذا تعلم أن الحنفية متفقون مع الشافعية في اشتراط النية لسجود السهو، ومختلفون معهم فيما عدا ذلك، لأن الشافعية يقولون: هو قبل: السلام، والحنفية يقولون: بل هو بعده، والشافعية يقتصرون على السجدتين؛ والحنفية يقولون: لا بد من التشهد والجلوس.
    المالكية قالوا: سجود السهو سجدتان يتشهد بعدهما بدون دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن كان سجود السهو بعد السلام، فإنه يسجد ويتشهد ويعيد السلام وجوباً، فإن لم يعده فلا تبطل صلاته، وقد عرفت مذهبي الشافعية، والحنفية في ذلك، فأما الشافعية، فإنهم يقولون: إن سجود السهو قبل السلام دائماً، فالسلام بعد السجدتين لا بد منه، وأما الحنفية فإنهم يقولون إن السلام في سجود السهو واجب بحيث لو تركه يصح السجود مع الإثم، ثم إن سجود السهو عند المالكية إذا كان قبل السلام فلا يحتاج إلى نية، لأن نية الصلاة تكفي لكونه بمنزلة جزء من الصلاة عندهم، أما إن كان بعد السلام فإنه يحتاج لنية لكونه خارجاً عن الصلاة، وهم في ذلك متفقون مع الحنفية في أن النية لازمة لسجود السهو بعد السلام، ومختلفون مع الشافعية، كما عرفت في مذهبهم.
    هذا، وإذا نسي سجود السهو في صلاة الجمعة بسبب نقص ثم سلم فإنه يتعين عليه أن يسجد بالجامع الذي صلى فيه، وأما إذا كان لزيادة فيها فيسجده في أي جامع كان، لأنه بعد السلام، ولا يجزئ سجوده في غير مسجد تقام فيه الجمعة، ثم إن كان سجود السهو نقصاً فقط أو نقصاً وزيادة، فإن محله يكون قبل السلام، فإذا نقص السورة ناسياً مثلاً، ولم يتذكر حتى انحنى للركوع، فإنه لا يرجع لقراءة السورة، وإلا بطلت صلاته إذا رجع، وإذا لم يرجع فعليه أن ينتظر، حتى يتشهد التشهد الأخير، ويصلي على النبي ويدعو ثم يسجد سجدتين يتشهد فيهما والتشهد فيهما سنة، ولا يصلي على النبي في تشهده، ولا يدعو ثم يسلم، وإن كان سببه الزيادة فقط سجد بعد السلام، وإذا أخره كره، وإذا قدم البعدي حرم إن تعمد التقديم أو التأخير، وغلا فلا كراهة، ولا حرمة، ولا تبطل صلاته فيهما.
    الحنابلة قالوا: سجود السهور هو أن يكبر ويسجد سجدتين، وهذا القدر متفق عليه، ويجوز أن يكون قبل السلام وبعده لسبب من الأسباب الآتي بيانها، ثم إن كان السجود بعدياً فإنه يأتي بالتشهد قبل السلام، وإذا كان قبلياً لا يأتي بالتشهد في سجود السهو اكتفاء بالتشهد الذي قبله، كما يقول الشافعية؛ على أن الحنابلة يقولون: الأفضل أن يكون سجود السهو قبل السلام مطلقاً إلا في صورتين:
    إحداهما: أن يسجد لنقص ركعة فأكثر في صلاته، فإنه يأتي بالنقص ثم يسجد بعد السلام؛
    ثانيتهما: أن يشك الإمام في شيء من صلاته، ثم يبني على غالب ظنه، فإن الأفضل في هذه الحالة أيضاً أن يسجد بعد السلام، ويكفيه لجميع سهوه سجدتان، وإن تعدد موجبه، وإذا اجتمع سجود قبلي وبعدي رجح القبلي
    (4) الحنفية قالوا: أسباب سجود السهو أمور:
    "السبب الأول": أن يزيد أو ينقص في صلاته ركعة أو أكثر أو نحو ذلك، فإذا تيقن أنه زاد ركعة في الصلاة مثلاً، كأن صلى الظهر أربعاً، ثم قام للركعة الخامسة، وبعد رفعه من الركوع تبين أنها الخامسة، فإن له في هذه الحالة أن يقطع الصلاة بالسلام قبل أن يجلس، وله أن يجلس ثم يسلم، ولكن الأولى أن يجلس ثم يسلم، ويسجد للسهو على كل حال ومثل ذلك ما إذا تيقن أنه نقص ركعة بأن صلى الظهر ثلاث ركعات وجلس، ثم تذكر، فإن عليه أن يقوم لأداء الركعة الرابعة، ثم يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، الخ، ثم يسجد للسهو بالكيفية المتقدمة؛ أما إذا شك في صلاته فلم يدر كم صلى فلا يخلو إما أن يكون الشك طارئاً عليه فلم يتعوده، أو يكون الشك عادة له، فإن كان الشك نادراً يطرأ عليه في بعض الأحيان فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يقطع الصلاة، ويأتي بصلاة جديدة، ولا بد أن يقطع الصلاة بفعل مناف لها، فلا يكفي قطعها بمجرد النية، وقد عرفت أن قطعها بلفظ السلام واجب، وله في هذه الحالة أن يجلس ويسلم، فإذا سلم وهو قائم فإنه يصح مع مخالفة الأولى، كما تقدم، أما إذا كان الشك عادة له فإنه لا يقطع الصلاة، ولكن يبني على ما يغلب على ظنه، مثلاً إذا صلى الظهر وشك في الركعة الثالثة هل هي الثالثة أو الرابعة، فإن عليه أن يعمل بما يظنه؛ فإن غلب على ظنه أنه في الرابعة وجب عليه أن يجلس ويتشهد ويصلي على النبي ثم يسلم ويسجد للسهو بالكيفية المتقدمة في تعريفه، وإن غلب على ظنه أنه في الركعة الثالثة فإنه يجب عليه أن يأتي بالركعة الرابعة ويتشهد كذلك، ويصلي على النبي ... الخ، ثم يسلم ويسجد للسهو بعد السلام بالكيفية المتقدمة؛ وعلى هذا القياس.
    هذا إذا كان يصلي منفرداً، أما إذا كان إماماً وشك في صلاته وأقره المأمومون على أنه زاد أو نقص في صلاته فإنه يلزمه أن يعيد الصلاة عملاً بقولهم، أما إذا اختلف معهم، فأجمعوا على أنه صلى ثلاث ركعت، وقال هو إنه موقن بأنه صلى أربعاً فإنه لم يعد الصلاة عملاً ببقينه، فإذا انضم واحد من المصلين أو أكثر إلى الإمام أخذ بقول الإمام، وإذا شك الإما وتيقن بعض المصلين بتمام الصلاة وبعضهم بنقصها، فإن الإعادة تجب على من شك فقطن وإذا تيقن الإمام بالنقص لزمهم الإعادة إلا إذا تيقنوا بالتمام، وإذا تيقن واحد من المأمومين بالنقص وشك الإمام والقوم فإن كان في الوقت فالأولى أن يعيدوا احتياطاً، وإلا فلا.
    هذا، وإذا أخبره عدل، ولو من غير المأمومين بعد الصلاة، بأنه صلى الظهر ثلاثاً وشك في صدقه وكذبه أعاد الصلاة احتياطاً، أما لو أخبره عدلان فإنه يلزمه الأخذ بقولهما، ولا يعتبر شكه، فإذا كان المخبر غير عدل فإن قوله لا يقبل، وإذا شك في النية أو تكبيرة الإحرام، أو شك وهو في الصلاة في أنه أحدث أو أصابته نجاسة أو نحو ذلك، فإن كان هذا الشك عارضاً له في أول مرة فإن عليه أن يقطع الصلاة ويتأكد مما شك فيه ويعد الصلاة، أما إن اعتاد ذلك الشك فإنه لا يعبأ به، ويمضي في صلاته، أما إذا شك بعد تمام الصلاة فإن شكه لا يضر؛
    "السبب الثاني من أسباب سجود السهو": أن يسهو عن القعود الأخير المفروض ويقوم، وحكم هذه الحالة أنه يعود ويجلس بقدر التشهد ثم يسلم ويسجد للسهو، لأنه أخر القعود المفروض عن محله، فإذا مضى في الصلاة وسجد قبل أن يجلس انقلبت صلاته نفلاً بمجرد رفع رأسه من السجدة ويضم إليها ركعة سادسة، ولو كان في صلاة العصر، ولا يسجد للسهو في هذه الحالة على الأصح، لأنه انقلابه نفلاً يرفع سجود السهو، بخلاف ما لو كان نفلاً من الأصل، فإنه يسجد له، وعلى كل حال فيكون ملزماً بإعادة الفرض الذي انقلب نفلاً،
    "السبب الثالث من أسباب سجود السهو" أن يسهو عن القعود الأول، وهو واجب لا فرض، فإذا سها عن القعود الأول من صلاة الفرض بأن لم يجلس في الركعة الثانية، وهم بالقيام، فإن تذكر قبل أن يقوم وجلس ثانياً فإن صلاته تصح ولا سجود عليه أما إن تذكر بعد أن يستوي قائماً فإنه لا يعود للتشهد، ولو عاد فبعضهم يقول: إن صلاته تبطل، وذلك لأن الجلوس للتشهد الأول ليس بفرض والقيام فرض، وقد اشتغل بالنفل، وترك الفرض لما ليس بفرض مبطل للصلاة، ولكن التحقيق أن صلاته بهذا العمل لا تفسد، لأنه في هذه الحالة لم يترك فرض القيام، بل أخره، ونظير ذلك
    ما لوسها عن قراءة السورة وركع، فإنه يبطل الركوع ويعود إلى القيام، ويقرأ السورة وتصح صلاته، وعليه سجود السهو لتأخير الركن أو الفرض عن محله.
    هذا إذا كان المصلي منفرداً أو إماماً إذا كان مأموماً وقام وجلس إمامه للتشهد فإنه يجب عليه أن يجلس، لأن، هذا الجلوس يفترض عليه بحكم المتابعة لإمامه،
    "السبب الرابع": أن يقدم ركناً على ركن، أو يقدم ركناً على واجب، ومثال ما إذا قدم ركناً على ركن هو أن يقدم الركوع على القراءة المفروضة، بأن يكبر تكبيرة الإحرام، ويقرأ الثناء مثلاً، ثم يسهو ويركع قبل أن يقرأ شيئاً، وفي هذه الحالة إذا ذكر فإنه يجب عليه أن يعود، ويقرأ ثم يركع ثانياً، ويسجد للسهو على الوجه المتقدم، فإن لم يذكر فإن الركعة تعتبر ملغاة، وعليه أن يأتي بركعة قبل أن يسلم ثم يسلم ويسجد للسهو، ومثال ما إذا قدم ركناً على واجب فهو كتقديم الركوع على قراءة السورة، وقد عرفت حكمه مما تقدم قريباً، وهو أنه إذا ذكر أثناء الركوع فإنه يرفع من الركوع ويقرأ السورة ثم يركع ثانياً، وإن لم يذكر فإنه يسجد للسهو بعد السلام،
    "السبب الخامس من أسباب سجود السهو": أن يترك واجباً من الواجبات الآتية، وهي أحد عشر
    "الأول": قراءة الفاتحة، فإن تركها كلها أو أكثرها في ركعة من الأوليين في الفرض وجب سجود السهو، أما لو ترك أقلها فلا يجب، لأن للأكثر حكم الكل، ولا فرق في ذلك بين الإمام والمنفرد، وكذا لو تركها أو أكثرها في أي ركعة من النفل أو الوتر فإنه يجب عليه سجود السهو لوجوب قراءتها في كل الركعات "الثاني": ضم سورة أو ثلاث آيات قصار أو آية طويلة إلى الفاتحة، فإن لم يقرأ شيئاً أو قرأ آية قصيرة وجب عليه سجود السهو، أما إن قرأ آيتين قصيرتين فإنه لا يسجد، لأن للأكثر حكم الكل، فإن نسي قراءة الفاتحة أو قراءة السورة وركع ثم
    تذكرها عاد وقرأ ما نسيه، فإن كان ما نسيه هو الفاتحة أعادها وأعاد بعدها قراءة السورة وعليه إعادة الركوع ثم يسجد للسهو، أما إذا نسي قنوت الوتر وخر راكعاً ثم تذكره، فإنه لا يعود لقراءته، وعليه سجود السهو، فإن عاد وقنت لا يرتفض ركوعه وعليه سجود السهو أيضاً، من قرأ الفاتحة مرتين سهواً وجب عليه سجود السهو، لأنه أخر السورة عن موضعها ولو نكس قراءته بأن قرأ في الأولى سورة الضحى، والثانية سورة سبح مثلاً لا يجب عليه سجود السهو، لأن مراعات ترتيب السور من واجبات نظم القرآن لا من واجبات الصلاة، وكذا من آخر الركوع عن آخر السورة بأن سكت قبل أن يركع، فإنه لا يجب عليه سجود السهو، وهذه الصورة كثيرة الوقوع عند الشافعية فيما إذا كان يصلي إماما:
    "الثالث": تعيين القراءة في الأوليين من الفرض فلو قرأ في الأخريين أو في الثانية والثالثة فقط وجب عليه سجود السهو، بخلاف النفل والوتر، كما تقدم
    "الرابع": رعاية الترتيب في فعل مكرر في ركعة واحدة وهو السجود، فلو سجد سجدة واحدة سهواً، ثم قام إلى الركعة التالية فأداها بسجدتيها، ثم ضم إليها السجدة التي تركها سهواً صحت صلاته ووجب عليه سجود السهو لترك هذا الواجب، وليس عليه إعادة ما قبلها، أما عدم رعاية الترتيب في الأفعال التي لم تتكرر كأن أحرم فركع ورفع ثم قرأ الفاتحة والسورة، فإن الركوع يكون ملغى، وعليه إعادته بعد القراءة، ويسجد للسهو لزيادة الركوع الأول
    "الخامس": الطمأنينة في الركوع والسجود، فمن تركها ساهياً وجب عليه سجود السهو على الصحيح
    "السادس": القعود الواجب، وهو ما عدا مضى في صلاته وسجد للسهو.
    لأنه ترك واجب القعود، وقد تقدم بيان ذلك قريباً "السابع" قراءة التشهد، فلو تركه سهواً سجد للسهو، ولا فرق بين تركه في القعود الأول أو الثاني، وقد عرفت تفصيل حكمها قريباً "الثامن": قنوت الوتر، ويتحقق تركه بالركوع قبل قراءته فمن تركه سجد للسهو "التاسع": تكبيرة القنوت، فمن تركها سهواً سجد للسهو "العاشر": تكبيرة ركوع الركعة الثانية من صلاة العيد، فإنها واجبة بخلاف تكبيرة الأولى، كما تقدم "الحادي عشر": جهر الإمام وإسراره فيما يجب فيه ذلك، فإن ترك ما يجب من ذلك وجب عليه سجود السهون وهذا في غير الأدعية والثناء ونحوها، فإنه لو جهر بشيء منها لم يسجد للسهو، ولا فرق في كل ما تقدم بين أن تكون الصلاة فرضاً أو تطوعاً.
    المالكية قالوا: أسباب سجود السهو تنحصر في ثلاثة أشياء:
    "السبب الأول": أن ينقص من صلاته سنة، وهذا السبب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: أن يترك سنة مؤكدة داخلة في الصلاة. كالسورة إذا لم يقرأها في محلها سهواً، فإن وقع منه ذلك، سواء كان ذلك الترك محققاً، أو مشكوكاً فيه، فإنه يعتبر نقصاً ويسجد قبل السلام، ومثل ذلك ما لو شك في كون الحاصل منه نقصاً، أو زيادة، فإنه يعتبره نقصاً، ويسجد قبل السلام، لما عرفت من أن القاعدة عندهم أن النقص يجبر بالسجود قبل السلام، ويشترط لسجود السهو بترك السنة ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن تكون مؤكدة، كما ذكر، فإن لم تكن مؤكدة، كما إذا ترك تكبيرة واحدة من تكبيرات الركوع أو السجود، أو ترك مندوباً، كالقنوت في الصبح سهواً، فإنه لا سجود عليه، فإذا سجد للسنة غير المؤكدة قبل السلام بطلت صلاته، لكونه قد زاد فيها ما ليس منها؛ أما إن سجد بعد السلام فإنها لا تبطل، لكونه زاد زيادة خارجة عن الصلاة، فلا تضر؛ الشرط الثاني: أن تكون داخلة في الصلاة، أما إذا ترك سنة من السنن الخارجة عن الصلاة، كالسترة المتقدمة، فإنه لا يسجد لها إذا نسيها؛ الشرط الثالث: أن يتركها سهواً، أما إذا ترك سنة مؤكدة عمداً داخلة في الصلاة، ففي صحة صلاته وبطلانها خلاف؛ ومثل السنة المؤكدة في هذا الحكم، وفي الشروط السنتان غير المؤكدتين الداخلتين في الصلاة، فمن تركهما سهواً فإنه يسجد لهما قبل السلام، ومن تركهما عمداً ففي صلاته خلاف، وأما من ترك من سنتين عمداً فصلاته باطلة على الراجح، فعليه أن يستغفر الله ويعيدها.
    وحاصل هذا كله أن ترك السنة المؤكدة والسنتين الخفيفتين يجبر بسجود السهو وإن ترك السنة الخفيفة والمندوب - ويقال له فضيلة - لا يشرع له السجود، فإذا سجد له قبل السلام بطلت صلاته، وإذا سجد له بعد السلام فلا تبطل، أما إذا ترك فرضاً من الفرائض فإنه لا يجبر بسجود السهو، ولا بد من الإتيان به، سواء تركه في الركعة الأخيرة أو غيرها، إلا أنه إذا كان الركن المتروك من الأخيرة فإنه يأتي به إذا تذكره قبل أن يسلم معتقداً كما صلاته، فإن سلم معتقداً ذلك فإن تدارك الركن المتروك وألغى الركعة الناقصة وأتى بركعة بدلها صحت صلاته، وعليه أن يسجد للسهو بعد سلامه لكونه قد زاد ركعة ألغاها، وهذا إن قرب الزمن عرفاً بعد السلام، وغلا بطلت صلاته، وإن كان الركن المتروك من غير الركعة الأخيرة فإنه يأتي به ما لم يعقد ركوع الركعة التي تليها، وعقد الركوع يكون برفع الرأس منه مطمئناً معتدلاً، إلا إذا كان المتروك سهواً هو الركوع، فإن ع قد الركعة التالية يكون بمجرد الانحناء في ركوعها وإن لم يرفع منه، كما تقدم، فإذا ترك سجود الركعة الثانية ثم قام للركعة الثالثة، فإنه يأتي بالسجود المتروك إذا تذكؤ قبل أن يرفع رأسه من ركوع الركعة التي قام لها مطمئناً معتدلاً، فإن لم يتذكر حتى رفع من ركوعها مضى في صلاته وجعل الثالثة ثانية، فيجلس على رأسها، ويأتي بعدها بركعتين ثم يسلم ويسجد قبل سلامه لنقص السورة من الركعة الثانية التي كانت ثالثة قرأ فيها بأم القرآن فقط، ولزيادة الركعة التي ألغاها، وكيفية الإتيان بالنقص أن تارك الركوع يرجع قائماً، ويندب له أن يقرأ شيئاً يصل لحد الركوع ثم يرفع بنيته، وتدرك سجدة واحدة يجلس ليأتي بها من جلوس، وتارك سجدتين يهوي لهما من قيام ثم يأتي بهما، ويستثنى مما تقدم الفاتحة إذا تركها سهواً، ولم يتذكر حتى
    ركع، فإنه يمضي في صلاته على المشهور، ويسجد قبل السلام، سواء كان الترك لها في ركعة من الصلاة أو أكثر متى أتى بها، ولو في ركعة واحدة من صلاته، وذلك لأن الفاتحة، وإن كان المعتمد في المذهب هو القول بوجوبها في كل ركعة من ركعات الصلاة، إلا أنه إذا أتى بها في ركعة واحدة منها وتركها في الباقي سهواً، فإن صلاته تصح، ويجبر تركها بالسجود قبل السلام مراعاة للقول بوجوبها في ركعة واحدة، ويندب له إعادة الصلاة احتياطاً في الوقت وخارجه، فإن ترك السجود لترك الفاتحة فإن كان عمداً بطلت الصلاة وإن كان سهواً أتى به إن قرب الزمن عرفاً، وإلا بطلت، كما تبطل إذا ترك الفاتحة عمداً أو تركها سهواً، وتذكر قبل الركوع، ولم يأت بها على القول بعدم وجوبها في كل ركعة لاشتهار القول بوجوبها في الكل.
    السبب الثاني: الزيادة، وهي زيادة فعل ليس من جنس أفعال الصلاة، كأكل خفيف سهواً أو كلام خفيف كذلك، أو زيادة ركن فعلي من أركان الصلاة كالركوع والسجود، أو زيادة بعض من الصلاة، كركعة أو ركعتين على ما تقدم في "مبطلات الصلاة"، فأما إذا كانت الزيادة من أقوال الصلاة، فإن لم يكن القول المزيد فريضة، كأن زاد سورة في الركعتين الأخيرتين من الرباعية سهواً، فلا يطلب منه السجود ولا تبطل صلاته إذا سجد بعد السلام؛ لأنها زيادة خارج الصلاة فلا تضر، كما تقدم، وإن كان القول المزيد فريضة، كالفاتحة إذا كررها سهواً، فإنه يسجد لذلك، والزيادة على ما ذكر تقتضي السجود، ولو كانت مشكوكاً فيها، فمن شك في صلاة الظهر مثلاً هل صلى ثلاثاً أو أربعاً، فإنه يبني على اليقين، ويأتي بركعة، ويسجد بعد السلام، لاحتمال أن الركعة التي أتى بها زائدة بركعة وتراً، ويسجد بعد السلام، لاحتمال أنه صلى الشفع ثلاث ركعات، فيكون قد زاد ركعة. ومن الزيادة أن يطيل في محل لا يشرع فيه التطويل، كحال الرفع من الركوع والجلوس بين السجدتين، والتطويل أن يمكث أزبد من الطمأنينة الواجبة والسنة زيادة ظاهرة، أما إذا طول بمحل يشرع فيه التطويل، كالسجود والجلوس الأخير، فلا يعد ذلك زيادة، فلا سجود، ومن الزيادة أيضاً أن يترك الإسرار بالفاتحة، ولو في ركعة، ويأتي بدله بأعلى الجهر، وهو أن يزيد على إسماع نفسه ومن يليه؛ أما إذا ترك الجهر، وأتى بدله بأقل السر، وهو - حركة اللسان - فإنه نقص لا زيادة، فيسجد له قبل السلام إن كان ذلك في الفاتحة فقط، أو فيها وفي السورة فإن كان في السورة فقط، فلا يسجد له إن كان ذلك في ركعة واحدة لأنه سنة خفيفة، بخلاف ما إذا كان في ركعتين، فإنه يسجد له.
    هذا، وإذا ترك المنفرد أو الإمام الجلوس للتشهد الأول، فإنه يرجع للإتيان به استناناً ما لم يفارق الأرض بيديه وركبتيه، وإلا فلا يرجع، فلو رجع فلا تبطل صلاته، ولو كان رجوعه بعد قراءة شيء من الفاتحة، أما إذا رجع بعد تمام الفاتحة فتبطل، وعلى المأموم أن يتبع إمامه في الركوع إذا رجع قبل مفارقة الأرض بيديه وركبتيه، أو رجع بعد المفارقة وقبل تتميم الفاتحة، كما يتبعه في عدم الرجوع إذا فارق الأرض بيديه وركبتيه، فإن خالفه في شيء من ذلك عمداً ولم يكن متأولاً أو جهلاً بطلت صلاته.
    السبب الثالث من أسباب السجود: نقص وزيادة معاً، والمراد بالنقص هنا نقص سنة، ولو كانت غير مؤكدة، والمراد بالزيادة ما تقدم في السبب الثاني، فإذا ترك الجهر بالسورة وزاد ركعة في الصلاة سهواً فقد اجتمع له نقص وزيادة، فيسجد لذلك قبل السلام ترجيحاً لجانب النقص على الزيادة.
    الحنابلة قالوا: أسباب السهو ثلاثة، وهي: الزيادة، والنقص، والشك في بعض صوره إذا وقع شيء من ذلك سهواً، أما إن حصل عمداً فلا يسجد له، بل تبطل به الصلاة إن كان فعلياً، ولا تبطل إن كان قولياً في غير محله، ولا يكون السهو موجباً للسجود إلا إذا كان في غير صلاة جنازة، أو سجدة تلاوة، أو سجود سهو، أو سجود شكر.
    فإنه لا يسجد للسهو في ذلك كله، أما الزيادة في الصلاة فمثالها أن يزيد قياماً أو قعوداً، ولو كان القعود قدر جلسة الاستراحة عند من يقول بها، أو أن يقرأ الفاتحة مع التشهد في القعود أو يقرأ التشهد مع الفاتحة في القيام؛ فإنه يسجد للسهو وجوباً في الزيادة الفعلية، وندباً في القولية التي أتى بها في غير محلها، كما ذكر؛ وأما النقص في الصلاة فمثاله أن يترك الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة، أو نحو ذلك سهواً، فيجب عليه إذا تذكر ما تركه قبل الشروع في قراءة الركعة التي تليها أن يأتي به وبما بعده ويسجد للسهو في آخر صلاته، فإن لم يتذكره حتى شرع في قراءة الركعة التالية لغت الركعة وقامت ما بعدها مقامها، وأتى بركعة بدلها، ويسجد للسهو وجوباً، فإن رجع إلى ما فاته بعد الشروع في قراءة التالية عالماً بحرمة الرجوع، فإن صلاته تبطل، أما إذا كان معتقداً جوازه فلا تبطل، وإذا تذكره قبل الشروع في قراءة التالية، ولم يعد إلى ما تركه عمداً، فإن كان عالماً بالحكم بطلت صلاته، وإن كان جاهلاً بالحكم لغت الركعة، وقامت تاليتها مقامها، وأتى بركعة بدلها وسجد للسهو وجوباً: أما إذا لم يتذكر ما فاته إلا بعد سلامه، فيجب عليه أن يأتي بركعة كاملة إن كان ما تركه من غير الركعة الأخيرة، فإن كان منها فيجب عليه أن يأتي به وبما بعده، ثم يسجد للسهو، وهذا إذا لم يطل الفصل، ولم يحدث أو يتكلم، وإلا بطلت صلاته، وجبت إعادتها، وأما الشك في الصلاة الذي يقتضي سجود السهو، فمثاله أن يشك في ترك ركن من أركانها، أو في عدد الركعات، فإنه في هذه الحالة يبني على المتيقن، ويأتي بما شك في فعله؛ ويتم صلاته، ويسجد للسهو وجوباً، ومن أدرك الإمام راكعاً، فشك هل شارك الإمام في الركوع قبل أن يرفع أو لم يدركه لم يعتد بتلك الركعة، ويأتي بها مع ما يقضيه
    ويسجد للسهو، أما إذا شك في ترك واجب من واجبات الصلاة؛ كأن شك في ترك تسبيحة من تسبيحات الركوع أو السجود، فإنه لا يسجد للسهو، لأن سجود السهو لا يكون للشك في ترك الواجب، بل يكون لترك الواجب سهواً؛ وإذا أتم الركعات وشك وهو في التشهد في زيادة الركعة الأخيرة لا يسجد للسهو، أما إذا شك في زيادة الركعة الأخيرة قبل التشهد، فإنه يجب عليه سجود السهو. ومثل ذلك ما إذا شك في زيادة سجدة على التفصيل المتقدم. ومما تقدم يعلم أن الشك لا يسجد له في بعض صوره، فمن سجد السهو في حالة لم يشرع لها سجود السهو وجب عليه أن يسجد للسهو لذلك، لأنه زاد في صلاته سجدتين غير مشروعتين، ومن علم أنه سها في صلاته، ولم يعلم هل السجود مشروع لهذا السهو أو لا لم يسجد، لأنه لم يتحقق سببه، والأصل عدمه، ومن سها في صلاته وشك هل سجد لذلك السهو أو لا سجد للسهو سجدتين فقطن وإذا كان المأموم واحداً وشك في ترك ركن أو ركعة، فإنه يجب عليه أن يبني على الأقل، كالمنفرد، ولا يرجع لفعل إمامه، فإذا سلم إمامه لزمه أن يأتي بما شك فيه، ويسجد للسهو، ويسلم، فإن كان مع إمامه غيره من المأمومين، فإنه يجب عليه أن يرجع إلى فعل إمامه، وفعل من معه من المأمومين، وإذا شك شكاً يشرع السجود له، ثم تبين له أن مصيب لم يسجد لذلك الشك، ومن لحن لحناً يغير المعنى سهواً أو جهلاً وجب عليه أن يسجد للسهو، وإذا ترك سنة من سنن الصلاة أبيح له السجود.
    الشافعية قالوا: تنحصر أسباب سجود السهو في ستة أمور:
    الأول: أن يترك الإمام أو المنفرد سنة مؤكدة، وهي التي يعبر عنها بالأبعاض، وذلك كالتشهد الأول، والقنوت الراتب، وهو غير قنوت النازلة، أما لو ترك سنة غير مؤكدة، وهي التي يعبر عنها بالهيئات، كالسورة ونحوها مما تقدم، فإنه لا يسجد لتركها عمداً أو سهواً، فلو ترك فرضاً، كسجدة أو ركوع، فإن تذكره قبل أن يفعل مثله أتى به فوراً، وإن لم يتذكره إلا بعد فعل مثله قام المثل مقامه، بحيث يعتبر أولاً، ويلغي ما فعله بينهما، فإن ترك الركوع مثلاً ثم تذكره قبل أن يأتي بالركوع الثاني أتى به، ثم يلغى مما فعله أولاً، ويمضي في إتمام صلاته، ويسجد قبل السلام، فإن تذكره بعد الإتيان بالركوع الثاني قام الثاني مقام الأول؛ وهكذا يقوم المتأخر مقام المتقدم، ويلغي مابينهما متى تذكر قبل السلام، وأما إذا تذكره بعد السلام، فإن لم يطل الفصل عرفاً ولم تصبه نجاسة غير معفو عنها، ولم يتكلم أكثر من ست كلمات؛ ولم يأت بفعل كثير مبطل وجب عليه أن يقوم ويركع، ثم يأتي بما يكملهان ويتشهد، ويسجد للسهو، ثم يسلم، ومن ترك سنة مؤكدة كالتشهد الأول المتقدم ذكره، ثم قام، فإن كان إلى القيام أقرب؛ فلا يعود له؛ فإن عاد عامداً عالماً بطلت صلاته، أما إن عاد ساهياً أو جاهلآً، فلا تبطل؛ إلا أنه يسن له السجود؛ ولو ترك القنوت المشروع لغير النازلة؛ ونزل للجلوس حتى بلغ حد الركوع لا يعود له، فإن عاد عالماً عامداً بطلت صلاته، وإلا كان حكمه كما تقدم في التشهد؛ وهذا إن كان غير مأموم، فإن كان مأموماً وترك التشهد والقنوت قصداً فهو مخير بين أن يعود لمتابعة إمامه أو ينتظره حتى يلحقه إمامه فيمضي معه، وإن تركهما سهواً يجب عليه العود مع الإمام، فإن لم يعد بطلت صلاته، إلا إذا نوى المفارقة في الصورتين، فإنه حينئذ يكون منفرداً، فلو ترك الإمام والمقتدي التشهد الأول مثلاً أو القنوت عمداً وكانا إلى القيام أقرب في الأول، وبلغا حد الركوع في الثاني، ثم عاد الإمام فيجب على المأموم أن لا يعود معه، وإنما يفارقه بالنية بقلبه أو ينتظره في القيام أو في السجود، فإن عاد المأموم معه عالماً عامداً بطلت صلاته، وإلا فلا تبطل، وإذا ترك الإمام التشهد الأول وقام، وجب على المأموم أن يقوم معه، فإن عاد الإمام، فلا يعود المأموم معه؛
    السبب الثاني: الشك في الزيادة، فلو شك في عدد ما أتى به من الركعات بنى على اليقين، وتمم الصلاة وجوباً، وسجد لاحتمال الزيادة، ولا يرجع الشاك إلى ظنه ولا لإخبار مخبر، إلا إذا بلغ عدد المخبرين التواتر فيرجع لقولهم؛
    السبب الثالث: فعل شيء سهواً يبطل عمده فقط، كتطويل الركن القصير بأن يطيل الاعتدال أو الجلوس بين السجدتين، ومثل ذلك الكلام القليل سهواً، ولا يسجد إلا إذا تيقنه، فإن شك فيه فلا يسجد، أما ما لا يبطل عمده ولا سهوه، كالتفات بالعنق، ومشي خطوتين، فلا يسجد لسهوه ولا لعمده، وأما ما يبطل عمده وسهوه ككلام كثير وأكل، فلا يسجد له أصلاً، لبطلان الصلاة؛
    السبب الرابع: نقل ركن قولي غير مبطل في غير محله، كأن يعيد قراءة الفاتحة كلها أو بعضها في الجلوس، وكذلك نقل السنة القولية، كالسورة من محلها إلى محل آخر. كأن يأتي بها في الركوع فإنه يسجد له؛ ويستثنى من ذلك إذا قرأ السورة قبل الفاتحة، فلا يسجد لها؛
    السبب الخامس: الشك في ترك بعض معين، كأن شك في ترك قنوت: لغير النازلة، أو ترك بعض مبهم، كأن لم يدر هل ترك القنوت أو الصلاة على النبي في القنوت.
    وأما إذا شك هل أتى بك الأبعاض أو ترك شيئاً منها؛ فلا يسجد؛
    السبب السادس: الاقتداء بمن في صلاته خلل، ولو في اعتقاد المأموم، كالاقتداء بمن ترك القنوت في الصبح، أو بمن يقنت قبل الركوع فإنه يسجد بعد سلام الإمام وقبل سلام نفسه، وكذلك إذا اقتدى بمن يترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، فإنه يسجد



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,451

    افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله

    الفقه على المذاهب الأربعة
    المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
    الجزء الاول
    [كتاب الصلاة]
    صـــــ 417 الى صــــــــ424
    الحلقة (60)

    [حكم سجود السهو]
    في حكم سجود السهو تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) .
    [مباحث سجدة التلاوة]

    [دليل مشروعيتها]
    ورد في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيقرأ السورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا موضعاً لمكان جبهته" وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" رواه مسلم. وقد أجمعت الأمة على أنها مشروعة عند قراءة مواضع مخصوصة من القرآن.[حكمها]أما حكمها، فهو السنية للقارئ والمستمع، بالشروط الآتية، باتفاق ثلاثة من الأئمة، وخالف الحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (2) .

    [شروط سجدة التلاوة]
    وأما شروطها فمنها أن يكون السامع قاصداً للسماع، فإن لم يقصد فلا تجب عليه عند المالكية، والحنابلة، أما الشافعية والحنفية فانظر مذهبهم تحت الخط (3) ، ومنها غير ذلك مما هو مفصل تحت الخط (4) .

    [أسباب سجود التلاوة]
    أسباب سجود التلاوة موضحة في المذاهب: فانظرها تحت الخط (5) .
    [صفة سجود التلاوة، أو تعريفها وركنها]
    في صفة سجود التلاوة أو تعريفها وركنها تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (6) .



    (1) الحنفية قالوا: سجود السهو واجب على الصحيح، يأثم المصلي بتركه، ولا تبطل صلاته، وإنما يجب إذا كان الوقت صالحاً للصلاة، فلو طلعت الشمس عقب الفراغ من صلاة الصبح، وكان عليه سجود سهو سقط عنه لعدم صلاحية الوقت للصلاة، وكذا إذا تغيرت الشمس بالحمرة قبل الغروب وهو في صلاة العصر، أو فعل بعد السلام مانعاً من الصلاة وكأن أحدث عمداً، أو تكلم، وكذا إذا خرج من المسجد بعد السلام، ونحو ذلك مما يقطع البناء كما تقدم ففي كل هذه الصور يسقط عنه سجود السهون ولا تجب عليه إعادة الصلاة، إلا إذا كان سقوط السجود بعمل مناف لها عمداً، فتجب عليه الإعادة، وإنما يجب سجود السهو على الإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يجب عليه سجود السهو إذا حصل موجبه منه حال اقتدائه بالإمام، أما إذا حصل الموجب من إمامه، فيجب عليه أن يتابعه في السجود إذا سجد الإمام، وكان هو مدركاً أو مسبوقاً كما تقدم، فإن لم يسجد الإمام سقط عن المأموم؛ ولا تجب عليه إعادة الصلاة إلا إذا كان ترك الإمام إياه بعمل مناف للصلاة عمداً، فيجب عليه الإعادة، كما تجب على إمامه، والأولى ترك سجود السهو في الجمعة والعيدين إذا حضر فيها جمع كثير لئلا يشتبه الأمر على المصلين.
    الحنابلة قالوا: سجود السهو تارة يكون واجباً، وتارة يكون مسنوناً، وتارة يكون مباحاً وذلك لاختلاف سببه على ما يأتي، وهذا بالنسبة للإمام والمنفرد، أما المأموم فيجب عليه متابعة إمامه في السجود، ولو كان مباحاً، فإن لم يتابعه بطلت صلاته، فإن ترك الإمام أو المنفرد السجود فإن كان مسنوناً أو مباحاً، فلا شيء في تركه، وإن كان واجباً، فإن كان الأفضل فيه أن يكون قبل السلام، كأن كان لترك واجب من واجبات الصلاة سهواً بطلت الصلاة بتركه عمداً، أما إذا تركه سهواً وسلم، فإن تذكره عن قرب عرفاً أتى به وجوباً، ولو تكلم أو انحرف عن القبلة ما لم يحدث أو يخرج من المسجد، وإلا سقط عنه، ولا تجب عليه إعادة الصلاة، كما إذا طال الزمن عرفاً، وإن ترك جهلاً لم تبطل صلاته، وأما إذا كان الأفضل فيه أن يكون بعد السلام - وهو ما إذا كان سببه السلام سهواً قبل إتمام الصلاة - فإن تركه عمداً أثم ولا تبطل صلاته، وإن تركه سهواً وتذكره في زمن قريب عرفاً وجب الإتيان به، وغلا أثم والصلاة صحيحة، وإن طال الزمن عرفاً أو أحدث أو خرج من المسجد سقط عنه، وإن تركه جهلاً، فلا إثم عليه وصحت صلاته، وإذا سها المأموم حال اقتدائه، وكان موافقاً يحمله عنه الإمام فإن كان مسبوقاً طلب منه السجود كالمنفرد، وقد تقدم معنى الموافق وغيره، وإذا ترك الإمام سجود السهو الواجب فعله المأموم وجوباً إذا يئس من فعل الإمام له، إلا إذا كان مسبوقاً فيجب عليه أن يسجد بعد قضاء ما فاته.
    المالكية قالوا: سجود السهو سنة للإمام والمنفرد، أما المأموم إذا حصل منه سبب السجود، فإن الإمام يحمله عنه إذا كان ذلك حال الاقتداء، فإن كان على إمامه سجود سهو، فإنه يتابعه فيه، وإن لم يدرك سببه مع الإمام، فإن لم يتابعه بطلت صلاته حيث يكون ترك السجود مبطلاً وغلا فلا، وسيأتي بيان ما يبطل تركه وما لا يبطل، وإذا ترك الإمام أو المنفرد السجود، فإن كان محله بعد السلام سجد في أي وقت كان، ولو في أوقات النهي، وإذا ترك السجود الذي محله قبل السلام، فإن كان سببه نقص ثلاث سنن من سنن الصلاة بطلت صلاته إذا كان الترك عمداً، وإن كان سهواً فإن تذكره قبل أن يطول الزمن عرفاً أتى به وصحت صلاته، بشرط أن يحصل منه مناف للصلاة بعد السلام. كالحدث ونحوه، وغلا بطلت صلاته كما تبطل إذا لم يتذكر حتى طال عليه الزمن عرفاً بعد السلام، وأما إذا كان سبب السجود نقص أقل من ثلاث سنن كتكبيرتين من تكبيرات الصلاة المسنونة، فلا شيء عليه إن تركه عمداً، وإن تركه سهواً وسلم، فإن قرب الزمن أتى به، وإلا تركه وصلاته صحيحة، وإذا ترتب على الإمام سجود سهو طلب من المأموم أن يأتي به، ولو تركه إمامه.
    الشافعية قالوا: سجود السهو تارة يكون واجباً، وتارة يكون سنة، فيكون واجباً في حالة واحدة، وهي ما إذا كان المصلي مقتدياً وسجد إمامه للسهو، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد تبعاً لإمامه، فإن لم يفعل عمداً بطلت صلاته، ووجب عليه إعادتها إن لم يكن قد نوى المفارقة قبل أن يسجد الإمام، وإذا ترك الإمام سجود السهور، فلا يجب على المأموم أن يسجد، بل يندب ويكون سنة في حَق المنفرد والإمام لسبب من الأسباب الآتية إلا إذا أدى سجود الإمام - لتشويش - على المقتدين به لكثرتهم، فيسن له ترك السجود وإذا ترك المنفرد أو الإمام السجود المسنون، فلا شيء فيه، ولا تبطل الصلاة بتركه، أما المأموم إذا سها حال اقتدائه بإمامه فلا سجود عليه لتحمل الإمام له إذا كان أهلاً للتحمل، كأن لم يتبين أنه محدث، أما إذا سها المأموم حال انفراده عن الإمام، كأن سها في حال قضاء ما فاته معه، فإنه كالمنفرد يسن له السجود حيث وجد سببه
    (2) الحنفية قالوا: حكم سجدة التلاوة الوجوب تارة يكون موسعاً وتارة يكون مضيقاً، فيكون موسعاً إن حصل موجبه خارج الصلاة فلا يأثم بتأخير السجود إلى آخر حياته إن مات ولم يسجد، ولكن يكره تأخيره تنزيهاً، ويكون الوجوب مضيقاً إن حصل موجب للسجود في الصلاة بأن تلا آية السجدة وهو يصلي، فإنه يجب عليه في هذه الحالة أن يؤديه فوراً، وقدر الفور بأن لا يكون بين السجدة وبين تلاوة آيتها زمن يسع أكثر من قراءة ثلاث آيات، فإن مضى بينهما زمن يسع ذلك بطول الفور، ثم إن آية السجدة إما أن تكون وسط السورة أو آخرها، فإن كانت وسطها فالأفضل للمصلي أن يسجد لها عقب قراءتها وقبل إتمام السورة ثم يقوم فيختم السورة ويركع، فإن لم يسجد وركع قبل انقطاع الفور السابق ونوى بالركوع السجدة أيضاً فإنه يجزئه كما يجزئ السجود للصلاة قبل انقطاع الفور المذكور ولو لم ينوبه السجدة أيضاً، انقطع الفور فلا تسقط عنه لا بالركوع ولا بسجود الصلاة وعليه قضاءها بسجدة خاصة ما دام في صلاته، فإذا خرج من الصلاة فلا يقضيها لفوات وقتها، إلا إذا كان خروجه بالسلام، ولم يأت بمناف للصلاة بعده فإنه يقضيها عقب السلام أما إن كانت الآية آخر السورة فالأفضل أن يركع وينوي السجدة ضمن الركوع، فإذا سجد لها ولم يركع وعاد إلى القيام فيندب أن يتلو آيات من السورة التي تليها ثم يركع ويتم للصلاة
    (3) الحنفية قالوا: لا يشترط القصد، بل يطلب من السامع السجود ولو لم يقصد السماع
    (4) الحنفية قالوا: يشترط لها ما يشترط للصلاة إلا التحريمة ونية تعين الوقت، فإنهما لا يشترطان لها، ولا يؤتى بالتحريمة فيها كما سيأتي في صفتها، ويشترط لوجوبها كذلك ما يشترط لوجوب الصلاة من الإسلام والبلوغ والعقل والطهارة من الحيض والنفاس، فلا تجب على كافر وصبي ومجنون، ولا على حائض أو نفساء، لا فرق بين أن يكون أحد هؤلاء قارئاً أو سامعاً، أما من سمع من أحدهم فإنه يجب عليه السجود إن كان أهلاً للوجوب أداء أو قضاء، فيجب على السكران والجنب لأنهما أهل للوجوب قضاء، إلا إذا كان القارئ مجنوناً فإنها لا تجب على من سمع منه، ومثله الصبي الذي لا يميز، لأنه صحة التلاوة يشترط لها التمييز، وكذا إذا سمع آية السجدة من غير آدمي كأن يسمعها من الببغاء أو من آلة حاكية (كالفونوغراف) ، فإن هذا السماع لا يوجب السجود لعدم صحة التلاوة بفقد التمييز.
    الحنابلة قالوا: يشترط لها بالنسبة للقارئ والمستمع ما يشترط لصحة الصلاة من طهارة الحدث واجتناب النجاسة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك مما تقدم، ويزاد في المستمع شرطاً. الأول: أن يصلح القارئ للإمامة له ولو في صلاة النفل، فلو سمعها من امرأة لا يسن له السجود، وأولى إذا سمعها من غير آدمي كالآلة الحاكية والببغاء، نعم إذا سمعها من أمي أو زمن لا يصلحان لإمامته فإنه يسن أن يسجد للاستماع منهما؛ الثاني: أن يسجد القارئ، فإن لم يسجد فلا يسن للمستمع، ولا يصح السجود أمام القارئ أو عن يساره إذا كان يمينه خالياً، ويكره أن يقرأ الإمام آية سجدة في صلاة سرية، ولا يلزم المأموم متابعته لو سجد لذلك، بخلاف الجهرية، فإنه يلزم متابعته فيها.
    المالكية قالوا: يشترط لها في القارئ والمستمع شروط صحة الصلاة من طهارة حدث وخبث واستقبال قبلة وستر عورة وغير ذلك مما تقدم، ويسجدها القارى، ولو كان غير صالح للإمامة؛ كالفاسق والمرأة، ولو قصد بقراءته إسماع الناس حسن صوته، وكذلك يسجدها في الصلاة إذا قرأ آيتها فيها، ولو كانت صلاة فرض، إلا أنه يكره تعمد قراءة آيتها في الفريضة.
    هذا إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً، أما المأموم فإنه يسجد تبعاً لإمامه، فلو لم يسجد فلا تبطل صلاته، لأنها ليست جزءاً من الصلاة، وإذا قرأها هو دون إمامه فلا يسجد، فلا سجد بطلت صلاته لمخالفة فعله فعل الإمام؛ ويستثنى من الصلاة صلاة الجنازة فلا يسجد فيها، كما أنه إذا قرأ آية السجدة في خطبة جمعة أو غيرها لا يسجد، ولا تبطل صلاة الجنازة ولا الخطبة لو سجد، ويزاد في المستمع شروط ثلاثة: أولاً: أن يكون القارئ صالحاً للإمامة في الفريضة، بأن يكون ذكراً بالغاً عاقلاً مسلماً متوضئاً، فلو كان القارئ مجنوناً أو كافراً أو غير متوضئ فلا يسجد هو ولا المستمع، كما لا يسجد السامع الذي لم يقصد الاستماع، وإن كان القارئ امرأة أو صبياً سجد القارئ دون المستمع؛ ثانياً: أن لا يقصد القارئ إسماع الناس حسن صوته، فإن كان ذلك فلا يسجد المستمع؛ ثالثاً: أن يكون قصد السامع من السماع أن يتعلم من القارئ القراءة أو أحكامها من إظهار وإدغام ومد وقصر وغير ذلك، أو الروايات، كرواية ورش أو غيره، أو يعلم القارئ ذلك، ومتى استكملت شروط السامع فإنه يسجدها، ولو ترك القارئ السجود إلا في الصلاة فيتركها تبعاً للإمام، وإذا كان القارئ غير متوضئ ترك آية السجود ويلاحظها بقلبه محافظة على نظام التلاوة، وكذا إذا كان الوقت ينهي فيه عن سجود التلاوة، وإذا كرر المعلم أو المتعلم آية السجدة فيسن السجود لكل منهما عند قراءتها أول مرة فقط، وإذا جاوز القارئ محل السجود بيسير كآية أو آيتين طلب منه السجود ولا يعيد قراءة محله مرة أخرى وإن جاوره بكثير أعاد آية السجدة وسجد، ولو كان في صلاة فرض، ولكن لا يسجد في الفرض إلا إذا لم ينحن للركوع؛ أما في النفل فإنه يأتي بآية السجدة في الركعة الثانية، ويسجد إن لم يركع، فإن ركع في الثانية فاتت السجدة.
    الشافعية قالوا: يشترط لسجود التلاوة شروط:
    أولاً: أن تكون القراءة مشروعة، فلو كانت محرمة، كقراءة الجنب، أو مكروهة، كقراءة المصلي في حال الركوع مثلاً، فلا يسن السجود للقارئ ولا للسامع،
    ثانياً: أن تكون مقصودة، فلو صدرت من ساه ونحوه، كالطير (والفونوغراف) ، فلا يشرع السجود؛
    ثالثاً: أن يكون المقروء كل آية السجدة، فلو قرأ بعضها فلا سجود؛
    رابعاً: أن لا تكون قراءة آية السجدة بدلاً من قراءة الفاتحة لعجزه عنها، وغلا فلا سجود،
    خامساً: أن لا يطول الفصل بين قراءة الآية والسجود، وأن لا يعرض عنها، فإن طال وأعرض عنها فلا سجود، والطول أن يزيد على مقدار صلاة ركعتين بقراءة متوسطة بين الطول والقصر؛
    سادساً: أن تكون قراءة الآية من شخص واحد، فلو قرأ واحد بعض الآية، وكملها شخص آخر فلا سجود؛
    سابعاً: يشترط لها ما يشترط للصلاة من طهارة واستقبال وغير ذلك، وهذه الشروط في جملتها عامة للمصلي وغيره، ويزاد في المصلي شرطان آخران:
    أولاً: أن لا يقصد بقراءة الآية السجود، فإن قصد ذلك وسجد بطلت صلاته إن سجد عامداً عالماً، ويستثنى من ذلك قراءة سورة "السجدة" في صبح يوم الجمعة، فإنها سنة، ويسن السجود حينئذ، فإن قرأ في صبح يوم الجمعة غير هذه السورة وسجد بطلت صلاته بالسجود إن كان عامداً عالماً، كما تبطل صبح يوم الخميس مثلاً لو قرأ فيها السورة المذكورة وسجد، ويجب على المأموم أن يسجد تبعاً لإمامه حيث كان سجوده مشروعاً، فإن ترك متابعة الإمام عمداً مع العلم بطلت صلاته،
    ثانياً: أن يكون هو القارئ؛ فإن كان القارئ غيره وسجد فلا يسجد، فإن سجد بطلت صلاته إذا كان عالماً عامداً، ولا يسجدها مصلي الجنازة بخلاف الخطيب، فيسن له السجود، ويحرم على القوم السجود لما فيه من الإعراض عن الخطبة
    (5) الحنفية قالوا: أسباب سجود التلاوة ثلاثة أمور:
    الأول: التلاوة؛ فتجب على التالي، ولو لم يسمع نفسه، كأن كان أصم، لا فرق بين أن يكون خارج الصلاة أو فيها، إماماً كان أو منفرداً، أما المأموم فلا تجب عليه بتلاوته، لأنه ممنوع من القراءة خلف إمامه فلا تعتبر تلاوته موجباً لها، وإذا تلا الخطيب يوم الجمعة أو العيدين آية سجدة وجبت عليه وعلى من سمعه، فينزل من فوق المنبر ثم يسجد ويسجد الناس معه، ولكن يكره له أن يأتي بآية السجدة وهو على المنبر؛ أما الإتيان بها وهو في الصلاة، فإنه لا يكره إذا أدى السجدة ضمن الركوع أو السجود؛ بخلاف ما إذا أتى بها وحدها، فإنه يكره لما فيه من التهويش على المصلين،
    الثاني: سماع آية سجدة من غيره، والسامع إما أن يكون في الصلاة أو لا، وكذا المسموع منه، فإن كان السامع في الصلاة، وكان منفرداً أو إماماً، فإنه يجب في الصلاة أو لا، وكذا المسموع منه، فإن كان السامع في الصلاة، وكان منفرداً أو إماماً، فإنه يجب عليه فعلها خارج الصلاة، إلا إذا سمعها من مأموم على الصحيح، فإنه لا تجب عليه السجدة، أما إذا كان السامع مأموماً، فإن سمعها من غير إمامه فحكمه كذلك، وإن سمعها من إمامه، فإن كان مدركاً للصلاة وجبت عليه متابعته في سجوده، وإن كان مسبوقاً فإن أدرك الإمام قبل سجوده للتلاوة تابعه أيضاً، وإن أدركه بعد سجود التلاوة في الركعة التي تلا فيها الآية لم يسجد أصلاً، وإن أدركه في الركعة التي بعدها سجد بعد الصلاة؛
    الثالث: الاقتداء، فلو تلاها الإمام وجبت على المقتدي وإن لم يسمعها.
    الحنابلة قالوا: لها سببان: التلاوة، والاستماع بالشروط المتقدمة، وبشرط أن لا يطول الفصل عرفاً بينها وبين سببها، فإن كان القارئ أو السامع محدثاً ولا يقدر على استعمال الماء تيمم وسجد، أما إذا كان قادراً على استعمال الماء فإن السجود يسقط عنه، لأنه لو توضأ يطول الفصل هذا، ولا يسجد المقتدي للتلاوة إلا متابعة لإمامه:
    المالكية قالوا: سببها التلاوة والسماع بشرط أن يقصده، كما تقدم بيانه في شروطها.
    الشافعية قالوا: سببها التلاوة والسماع بالشروط المتقدمة

    (6) الحنفية قالوا: صفة سجود التلاوة أو تعريفه هو أن يسجد الإنسان سجدة واحدة بين تكبيرتين:
    إحداهما: عند وضع بجهته على الأرض للسجود،
    وثانيتهما: عند رفع جبهته، ولا يقرأ التشهد ولا يسلم، والتكبيرتان المذكورتان مسنونتان، فلو وضع جبهته على الأرض دون تكبير صحت السجدة مع الكراهة، فلسجود السهو ركن واحد عندهم، وهو وضع الجبهة على الأرض، أو ما يقوم مقامه من الركوع أو السجود، أو من الإيماء للمريض: أو للمسافر الذي يصلي على الدابة في السفر، لأن سجدة التلاوة تؤدي عند الحنفية ضمن الركوع أو السجود أو الإيماء، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثلاثاً، أو يقول ما يشاء مما ورد، نحو اللهم اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، ويستحب لمن تلاها جالساً أن يقف ويخر لها ساجداً، ومن كرر آية سجدة في مجلس واحد سجد كذلك سجوداً واحداً، فإن اختلف المجلس فإنه يكرر السجود.
    الحنابلة قالوا: تعريف سجدة التلاوة هو أن يسجد بدون تكبيرة إحرام، بل بتكبيرتين: إحداهما عند وضع جبهته على الأرض، والثانية.
    عند رفعها، ولا يتشهد، إلا أنه يندب له الجلوس إذا لم يكن في الصلاة ليسلم جالساً على أنهم قالوا: إن التكبيرتين ليستا من أركان السجدة بل هما واجبتان؛ فأركان السجدة عندهم ثلاثة: السجود، والرفع منه، والتسليمة الأولى، أما التسليمة الثانية فليست بركن ولا واجب، ويندب أن يدعو في سجوده بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية.
    المالكية قالوا: تعريف سجود التلاوة هو أن يسجد سجدة واحدة بلا تكبيرة إحرام وبلا سلام "بل يكبر للهوي وللرفع استناناً.
    وإذا كان قائماً يهوي لها من قيام، سواء كان في صلاة أو غيرها، ولا يطلب منه الجلوس، بل يسجد كما يسجد القائم من ركوع الصلاة المعتادة، لا فرق بين أن يكون في صلاة أو غيرها، وإذا كان راكباً على دابة أو غيرها نزل وسجد على الأرض، إلا إذا كان مسافراً أو كان مقيماً وتوفرت فيه شروط صلاة النفل على الدابة المتقدم ذكرها، ويسجد عليها بالإيماء.
    هذا، ويندب أن يدعو في سجوده بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية.
    الشافعية قالوا: سجدة التلاوة، إما أن يفعلها المتلبس بالصلاة أو غيره، فتعريفها بالنسبة لغير المصلي هو أن ينوي بلسانه، ثم يكبر تكبيرة الإحرام، ثم يسجد سجدة واحدة كسجدات الصلاة، ثم يجلس بعد السجدة ثم يسلم، وبهذا تعلم أن أركان سجدة التلاوة لمن لم يكن في الصلاة خمسة، أما إذا كان في الصلاة وقرأ آية فيها سجدة فإنه يسجد، وتتحقق السجدة بأمرين؛
    أحدهما: النية ولا بد أن تكون بالقلب، بحيث لو تلفظ بها بطلت صلاته،
    ثانيتهما: أن يسجد سجدة واحدة كسجدات الصلاة؛ وإذا كان مأموماً فلا تطلب منه النية بل تكفيه نية إمامه، ويشترط لغير المصلي أن يقارن بين النية وتكبيرة الإحرام، ويسن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ويسن التكبير للهوّي للسجود والرفع منه، والدعاء فيه، والتسليمة الثانية ويسن أن يدعو بالدعاء المتقدم ذكره عند الحنفية.
    هذا، ويقوم مقام سجود التلاوة ما يقوم مقام تحية المسجد، فمن لم يرد فعل سجدة التلاوة قرأ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أربع مرات، فإن ذلك يجزئه عن سجدة التلاوة، ولو كان متطهراً



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •