برقية عاجلة

عبد الفتاح الشهاري

في غمرة إحساسٍ شعرته بمدى الظلم الذي تعانينه في حياتك العامة بسبب تعلقنا بعاداتٍ وأعراف أكثر منها توجيهات ربانية وسنن نبوية ، فكان حالنا وأنتِ كتلك الأم التي خافت على رضيعها فجمعته في ثوب لها ، ووضعت ذلك الثوب داخل ثوبٍ آخر، وغطته بلحاف ، وأغلقت عليه النوافذ حتى لا يدخل إليه البعوض ، وأغلقت الباب حتى لا يوقظه أحد ، وأطفأت كل جهاز للتهوية حتى لا يُصاب بالبرد والالتهاب وإذا به بعد ساعات قد فارق الحياة، وانطفأت روحه، فما فادها ذلك الحب إلا تجنٍ على وليدها وما ذلك إلا من قلة خبرة، ونفاد حيلة، وعدم مشورة، وحنانٍ في غير محله، وحُبٍّ خاطئ ، ومن الحب ما قتل .
لذا فإنني وفي لحظات تأمل بسيطة - ربما أكون مخطئاً فيها وربما أصيب - خالجتني رغبة بأن أبعث إليكِ بهذه البرقية العاجلة..

أختي الكريمة :
يبدو أن ما يجعلك في قفص الاتهام ، ودائماً يشار إليك بالريبة أو التوجس أو الحذر أو في أحايين كثيرة بالابتعاد عن مشورتك، أو عدم الاعتماد على رأيك، هو سطحية تفكيرك، والتفاتك إلى سفاسف الأمور، وترهات الأحداث، وابتعادك عن معالجة قضاياك الساخنة، وعدم انغماسك في آلام أمتك، وآمال بني جلدتك، من مسلمي العالم.

أخيتي :

لا تجعلي السوس ينخر جسدك كما فعل بشبابنا ممن يطلق عليهم في مصطلحات اللغة مسمى (الرجال)، فلتحملي على عاتقك ما عجزوا عن حمله، ناوليهم غرساً من بذور القيم والوفاء، ولقنيهم درساً من معاني الشيم والعطاء، وناوليهم فأساً ليحطموا به التميع والخواء..
أخيتي :

ليست – والله - تلك الأجساد المتمايلة التي التفت عليها أضيق الألبسة بقدوة لك، وليست تلك الأوجه التي التصقت عليها عشرات الصبغات بأسوة لك، وليست تلك الرؤوس التي تكشفت وانسدلت منها جدائل الشعر مثلاً يستحق أن تحتذي به.. فلتكن لك شخصيتك المستقلة .. أبهريهم بما تخفينه من عزيمة صادقة تنوء على حملها الجبال، وفجري من بواطن عقلك أفكاراً تخدمي بها كل الأجيال، وأطلقي لعقلك العنان، واغزي كل ميدان، اقتحمي أسوار السياسة، والاقتصاد، والطب، والتربية، والتعليم، والإعلام وخطي ببنانك عباراتٍ صادقة تترجم حال الأمة وقد تصل إلى العالم قبل أن تصل إليه مئات خطابات التنديد، وعبارات الشجب والاستنكار.

أختي الكريمة ..

عندما تملكين الشعور بالمسئولية وقتها لا ينبغي لنا أن نخشى من تصرفاتك، أو نضع الحواجز أمامك، أو نراقب تحركاتك ، أو نتتبع علاقاتك ، عندما تتملكين الثقة فإنك ستفرضين علينا أن نحترمك لذاتك ، وأن نسعى جاهدين نطلب نصحك ومشورتك..
واعلمي أن فتاتنا مدعاة للفخر أينما كانت، وكيفما كانت، ابنة في المنزل، أو طالبة في المدرسة، أو أخت في العمل، وليس يعيبها أو ينقصها شيء من قدرها، أو من سلوكها أنها أنثى ، وليس عدل أن يُحكم عليها بكونها أنثى قبل النظر إلى شخصيتها، وإن شابها ما ينقص من الشأن ويضع من القدر قليلاً، فإن ذلك نتيجة حتمية لأمة شابها نقص في حياتها، وفي شخصيتها أمام الأمم !!