من للعاقر ؟؟!!

بقلم: هدى بنت سلطان القحطاني

ما أجمل أن تري الأبناء حولك يكبرون ويشبون ، وبرداء الصحة والأخلاق يرفلون ، ينادون لبيك يا أبتاه.. لبيك يا أماه .. ! .. ولقد صدق الرب جل وعلا حين قال: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" .. وبين ذلك في آيات كثيرة ، ولا شك أن من حرموا نعمة الإنجاب هم أكثر الناس شعورا بقيمة الأبناء وأهميتهم في هذه الحياة .. وما أشد إحساسهم بالحرمان إذا كانوا ممن لديهم المال والجاه ؟ ! ! .. إذ يتمنون أن تكتمل النعمة بإنجاب الذرية.. لتكتمل المسيرة فخراً وعطاء !

الذين حرموا نعمة الذرية لحكمة منه سبحانه، وابتلاء منه لعباده الصالحين يتمنون ولو طفلا واحدا فقط ! سواء كان بنتا أو ولدا ! ويدعون الله ليلاً ونهاراً كما دعا من قبلهم ذكريا ربه حين قال : " رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين" ، وقال أيضاً: "وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً" .
في المقابل نجد الكثير ممن رزقوا نعمة الأبناء نسوا واجب الشكر تجاه هذه النعمة لقلة دينهم ووعيهم ، فهم يلعنون أبناءهم ، ويقسون عليهم ، وقد يعاملونهم كالحيوانات ، وبعضهم يرمون أبناءهم في الشارع بحجج واهية ، تجاهلوا واجبهم تجاه أبنائهم .. شغلتهم الحياة فراحوا يشبعون ملذاتهم وشهواتهم .. فمنهم من سعى جاهداً من أجل المال .. ومنهم من يطلب الجاه والشهرة .. وآخرون يطلبون النساء .. ومنهم من يروح عن نفسه في السفر والعبث .. بلا أدنى حساب ولا خوف من الله أو من عقابـــــــه !! ..
وبعضهم يضيق ذرعاً بالبنات ويعاملون زوجاتهم أسوأ معاملة لأنهن لا ينجبن إلا البنات أو أنجبن مع الذكران إناثا !! لم يشكروا الله حق شكره على عظم فضله ، بل طغوا وكابروا بأنفسهم الضعيفة يطالبون بالأولاد ويرفضون البنات !! تناسوا دورهم الكبير في عملية الإنجاب وتحديد جنس المولود !! وتناسوا القول : أن النساء مستودع الرجال !! .. كما قال الشاعر:
فإنما أمهات الناس ....... مستودعات وللإنجاب آباء
وبعض الأسر الجديدة يعدون إنجاب الأبناء دعامة أساسية لبقاء الأسرة وضمانا لاستمرار جريان نهر الحب و السعادة بين الزوجين ، وقد يتفرق شمل الأسرة إذا ما تبين أن أحد الزوجين غير قادر على الإنجاب !! ولكن غالباً ما تضحي الزوجة بأمومتها من أجل البقاء مع زوجها الذي أحبته وشاركته حياته، مع أنها هي الضعيفة التي تحتاج إلى من يرعاها ويعتني بها إذا امتد بها العمر طويلاً !!
أما الزوج فإذا عرف أن زوجته هي السبب وراء عدم الإنجاب أي أنها بالمعنى الصحيح "عاقر" فقد يصبر ويحاول تعويضها بالحب والحنان إلا أنه لا يستطيع الاستمرار طويلا في تمثيل دور المحب الذي يضحي من أجل زوجته العاقر، حيث ستدفعه غريزته للإنجاب وحبه للأولاد في طلب الزواج مرة ثانية، وهذا حقه الطبيعي ..
الرجل يستطيع أن يجازف ويغامر بحياته الأسرية من أجل تحقيق هدف له والمرأة تخاف من ذلك ، ولأنها عاطفية وحساسة بطبعها تبقى متعلقة بمن تكون هي سعيدة معه حتى لو كان رجلا عقيما أو فقيرا أو مريضا !! أما الزوج فسرعان ما يبدأ في البحث عن زوجة ثانية دون مراعاة أو استئذان زوجته التي معه لأن رجولته تفرض عليه - كما يدعي - ذلك ! فإذا ما عرفت زوجته الأولى فإن ردود أفعالها تتباين بين البكاء والحزن والاعتذار ورفض البقاء معه والمطالبة بالطلاق أو افتعال ما لا يصدق من أجل منع زواجه بأخرى ، فتحرمه من نعمة الإنجاب بلا أدنى حق ولا أدنى رحمة !!
وهنا أود أن أبين أن كلا منهما خاطئ وقاصر حيث الواجب على الزوجة إن عرفت أنها عاقر أن تخبر زوجها وتتجرد من عاطفتها وغيرتها وتعرض عليه الزواج من أخرى تنجب له الأبناء وتشبع لديه غريزة الأبوة ، هذا إن كانت تحبه فعلاً وتحرص على مصلحته لأن المحب يضحي من أجل سعادة حبيبه حتى لو كانت مؤلمة بالنسبة له !! ويتعاهدان على الإخلاص والوفاء والعدل ، ويدمجها هو بحب وحنان في أسرته الجديدة حتى تعيش مع أبنائه وتمارس أمومتها الحانية فتنتفع وينتفع بها .. فليس هناك أجمل من أن تتفجر ينابيع العاطفة الصادقة من قلب محروم فتغدو شلالات خير من الحب والعطاء والوفاء ! ..
أما إذا كان العقم من الزوج فعليه أن يخبرها ويخيرها في أن تبقى معه أو أن يطلق سراحها لتتزوج غيره وتنجب بإذن الله تعالى وبذلك لا يحرمها ولا يظلمها ولها الرأي والقرار الأخير .. ويبدأ هو في البحث عن زوجة لها ظروف خاصة تناسب وضعه كأرملة أو مطلقة ولها أطفال صغار فيكون لها معيناً ومخلصاً، ولأطفالها أباً حنونا.. فيساهم في رعايتهم وتربيتهم فينتفع وينتفع به !! ..

من الأخطاء الجسيمة التي يقع فيها بعض الرجال حين يكتشفون أن العقم من الزوجة التعجل في الطلاق بلا إحساس أو شعور !! وبعضهم يتزوج عليها ويسومها سوء العذاب بمساعدة زوجته التي أنجبت له الأبناء !! وبعضهم يجعلها لعبة في يد زوجته الجديدة فإن غضبت أو رضيت تدللت عليه بطلاق الأخرى العاقر التي لا ذنب لها في ذلك فيسارع بلا رأفة بطلاقها !! ..
وهذا شيء قاس ومحزن بالنسبة للمرأة لأنها ظلمت وممن ؟ من زوجها الذي كانت تعده رفيق دربها في هذه الحياة ، فبعد ذلك الحب والهناء والاستقرار ها هو اليوم يرميها ويلهث من أجل رضاء الأخرى التي ظلمت أختها المسلمة ولم تراعي الله فيها . ! .. ولم تحاول تقديم الخير لها .. باعت رضا الله وجناته من أجل ملذات وشهوات زائلة ولم تفكر في يوم من الأيام لو كانت هي مكانها ! .. فماذا سيكون شعورها .. ؟! .. وما ردة فعلها لو أن الله ابتلاها بما ابتلى به هذه الزوجة المسكينــــــة ؟؟ !! ..
· لن تضيع

إن ظلم المرأة العاقر قضية هامة من قضايا المجتمع التي يتناساها أو يحاول أن يقلل من نتائجها وآثارها.. لكن المرأة المؤمنة الصالحة التي ابتليت بعدم الإنجاب لن تضيع – بإذن الله - ولن يضيعها أحد، ولن يهمش المجتمع دورها في بنائه.. فواجبها إن كانت ذات دين وتقى أن تجعل الدعوة للإصلاح والاستقامة أكبر همها .. وإن كانت معلمة فلتربي أبناء المسلمين على الخير والمعالي ولتعتبرهم في مقام أبنائها الذين حرمت منهم.. وإن كانت ذات مال فلتوجه بعضه لكفالة الأيتام ورعاية الأطفال المحرومين من المسلمين.. وإن كانت ذات أهل وأقارب فلتتوجه إلى الاهتمام بأبناء إخوانها وأخواتها وإغداق الحب والحنان عليهم والاهتمام بأحوالهم ، وإن كان من أقاربها من هو كثير الأولاد ضعيف الحال فلتحاول مساعدته وزوجته في تربيتهم ورعايتهم، ولتتكفل بما يسعدهم ويعينهم على تربية أبنائهم التربية الصالحة الناجحة (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)) ولسوف ترى نتائج عمل الخير ولو بعد حين لأن من زرع الجميل فسيحصد ثماره ، ولأن الإحسان لا يجازي إلا الإحسان .. وسترى لها أبناء ومحبين من عائلات كثيرة .. وسوف ترى الحب والاحترام من الجميع في كل مكان لأن الله لا يغفل عن من رضي بقضائه وفعل الخير من أجله .
وإن كان زوجها معها محباً مقدراً لها فهذا فضل من الله ورحمة .. لذلك عليها أن توجه لهذا الزوج المتعاون كل أحاسيسها ومشاعرها وتغمره بفيض حنانها وعطفها ودفء قلبها وعطاء أمومتها .. لأنه كل شيء لها فهو زوجها وطفلها المدلل الكبير .. !
ولا بد أن نعرف أن الأم هي من تربي .. وليست من تنجب ! .. فالتربية والرعاية والعناية بالطفل هم الأساس ، أما عملية الإنجاب فتمارسها جميع الكائنات الحية الأنثوية من حيوانات وحشرات بأي شكل كان !!
وفي الغرب ما عادت مشكلة الإنجاب أو عدمه تؤرق النساء أو الرجال حيث لديهم حلولهم ؛ فالتبني عندهم حل لكل امرأة عاقر أو رجل عقيم !! وهو أيضا حل جميل لمن يحب التنويع في أطفاله !! أو حل سهل لجميع العاملات في حقول الفن والسينما اللاتي يخفن على جمال أجسادهن من التغيرات التي تتم بسبب الحمل والولادة .. ويخفن من نفور العشاق وضياع الفرص والأدوار !! والملاجئ ودور الأيتام والرعاية تنتظر أمثال هؤلاء !! .. (ولا أنسى أن أذكركم بأطفال المسلمين المهجرين من ديارهم والمنفصلين عن أهلهم كأطفال البوسنة والهرسك وبعض الأفارقة) .. أخذوهم صغاراً ليربوهم على ما يريدون .. باعوهم لمن يحتاجهم من الأسر المحرومة من الأبناء .. ولمن يصنعون منهم ما يحتاجون .. المجرمين المحترفين .. الراقصين .. الممثلين .. اللاعبين .. الفنانين .. المنحلين .. باعوهم أيضا لمن يعمل في مجال التنصير بالكنائس والمؤسسات التبشيرية .. أو لمن يحتاجهم لأي عمل سواء أخلاقي أو غير أخلاقي !! مسحوا قبل ذلك هويتهم الإسلامية وألبسوهم الصليب.. ليست عندهم مشكلة في الإنجاب لأنه لا يوجد لديهم أصلاً تصور رباني لبناء أسرة شرعية سعيدة !!
فعلى العاقر أن تشكر الله على كل حال فقد يكون رحمها بذلك ورد عنها شيئا لا تقدر عليه ، ((وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم)) ، فالأبناء ليسوا في كل حال نعمة فبعضهم ابتلاء ونقمة ومصيبة وفتنة كما أوضح الله عز وجل ذلك في مواطن عديدة من القرآن الكريم منها قوله سبحانه: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم) .. وقوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم) .. وقوله تعالى (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا) .
وصحيح أن المال والبنون زينة الحياة الدنيا لكن الباقيات الصالحات هي خير عند ربك ثوباً وخيراً أملاً .. وقد نظر عمر بن الخطاب إلى رجل يحمل طفلاً على عنقه فقال : ما هذا منك ؟ قال: ابني يا أمير المؤمنين ، قال : أما أنه إن عاش فتنك وإن مات حزنك !
ولا ننسى أن هناك الكثير من النساء الصالحات اللاتي أثرن في الحياة الإنسانية، وتركن بصمات خالدة في التاريخ لا يستطيع أحد أن يمسحها أو يزيلها لم يذقن طعم الإنجاب، ولم يحملن ولم يلدن ، ولكنهن مارسن دورهن الحاني في المجتمع كأمهات المؤمنين السيدة عائشة وحفصة وميمونة وبعض الصحابيات، وبعض الزاهدات والداعيات، وغيرهن كثير .. كثير ..