كهف ولا كلب

السيد شعبان جادو

الخطورة تكمُن في ذلك الجَرْو الصغير، لم يلتفت إليه من قبل، أطعَمَه بيديه، كان يَحنو عليه، وجده في حالة يرُثى لها، تركتْه أُمه دون رضاعة، لم يأْبه لعراكه مع الصغار، ظنه يَعبث، فكثيرًا ما تتهارَشُ فاتحةً فمَها، الحياة صراع، والبقاء دائمًا للأصلح، اشتكى الشيخ له: إنه تربَّص بي، ضحِك في سعادة؛ علَّه يكون يومًا ليثًا!

الصغار اختفت، أيمكن أن يكون قد افترسَها؟ بحث عنها، جاب الحديقة، تعِب من السعي وراءها، هجَم عليه في ضراوة؛ أصابه داء الكلب، يُخرج لسانه، يتشمم الأرض، عيناه زائغتان، أبِه مَسُّ شيطان؟ حاول أن يلتمس لها معذرةً، يُحزنه أن يكون الداء قد تمكَّن منه!
الطبيبة أخبرته أنه صار خطرًا، افترس دجاجة ضلَّت الباب، أرنب صغيرة تسلَّلت من حفرة أسفل الجدار، عاجَلها بأنيابه التي صارت مثل أسنان الشر تطحَن ولا تذَر لهارب منها نجاةً!

عينُه صدَّقت ظنونَه، تمنَّى ألا يكون أتاه ذلك الوباء، أطفال الجار يلعبون، في لمحة عينٍ أمسك بثياب الطفل، عناية الله أنْجتْه، أمسك بقطعة خبز ألقى بها إليه، تشمَّمها، يا له مِن حذرٍ!
قطعة وراء قطعة، يقترب في مكر، العصا كانت خلف ظهره، مشهد من ترصد للموت، هوى على ظهره، أَنَّ في لوعة الموت، سال الدمُ مِن شِدقيه، الحُمرة التي طغت على عالَمه، ثوبه الذي مزَّقه غالى به، يوم البلاء كان يتدثَّره، زمن المتاهة يعايشه قيدًا يُثقل خَطْوَه، أعدَّه ليكون معه بالوصيد، الكهف يختال من بعيد عند قمة الجبل، المسير إليه يستغرق أيامًا ولياليَ يَتعب في سبيلها الساري، ليته كان معافًى!

فِراء الأرنب يختلط بدم، فموضع النابين بارز كأنما الْتَهمه في تَشَفٍّ، كل هؤلاء ولَغُوا في ذلك الجسد الأبيض! الحسرة تملَّكتْه، حكاية أمل انتهتْ قبل أن تتمَّ فصلها الأخير، ماذا تُراه يفعل؟ أيُبقي عليه، ويتركه يتغوَّل حتى يُصليه العنت وبالًا؟ أم تُراه يهوي عليه، فيصرعه جسدًا لا رُوح فيه؟!
عزم أمرَه، هوى بالعصا على رأسه، انتابه حزنٌ، أهكذا يُلقي بما تعهَّده فريسةً لا حراك لها؟! الريح تُدوي خارج البيت، تحمل في طيَّاتها حالة من الخوف، السماء تَحبَل بغيومٍ تسدُّ الأُفق، الأشجار تتمايل في صخبٍ، الأمطار تتابعت دون توقُّف، الليل يَستبد بالكون ظلمةً، الهواجس الراعبة تَرعَبُه، ليتَه أبقاه!

أَمَا وَسِعه أن يُروِّضه؟ لو شدَّ حول رقبته طوقًا، أو حتى أدَّبه، فالصغار تُسامرهم العصا، تجعلهم أكثر أُلفةً!
آنَ له أن يتألَّم على ذلك الثوب المسكون بعطر الأحباب، لقد تشمَّمه كثيرًا، اشتراه دثارًا، وها هو الجَرو ينال منه، ليتَه ما سقاه الحليب، كان يَختلسه مِن ضَرع عنزتهم التي تُشبه رقبتها عُنقَ غزالة برِّيَّة!

أمسك بالفأس، حفر له في باطن الثرى، الدموع الساخنة تتساقط من عينيه، ألقى به في تلك الهُوة، نظر خلفه، الذئب الأشهب يختال عند بئر الساقية، يُصدر عواءَه في تشفٍّ مبالغ فيه، استدار في هلعٍ، الخطر يُحيط به من كل مكان، القمر في خسوف متواصل، الجَرو كان يحث القمر ألا يرحل قبل الفجر، هذه الليلة تثاقل المؤذن، ضربتْه الشمس حتى أصبح وهي في كبد السماء، الذئب الأشهب سرق النهار، لفَّه في صُرَّة، وضع عليها خاتَمه، ناباه تركَا القماءة في كل ناحية! انكفأ على جراحه يداويها، صورة الجرو لا تغادره، حين ضربه كان له رجاء أن يَحنوَ عليه، غلبتْه مطامعه، أوْدت به حيث وادي المتاهة!


__________________