نص نفيس عن شيخ الإسلام، في سبب انشغاله بأصول الدين، وعدم كتابته كتابا محرر في فروع الدين.
قال البزَّار في معرض حديثه عن شيخ الإسلام:
"ولقدْ أكثر - رضي الله عنه - التصنيفَ في الأصول، فضلاً عن غيرها مِن بقيَّة العلوم، فسألتُه عن سببِ ذلك، والتمستُ منه تأليفَ نصٍّ في الفقه، يجمع اختياراتِه وترجيحاتِه؛ ليكون عمدةً في الإفتاء،
فقال لي ما معناه: الفروعُ أمرُها قريب، ومتى قلَّد المسلمُ فيها أحدَ العلماء المقلَّدين، جازَ له العملُ بقوله ما لَم يتيقَّن خطأَه،
وأمَّا الأصول: فإنِّي رأيتُ أهلَ البِدع والضلالات والأهواء؛ كالمتفلسفة، والباطنية، والملاحِدة، والقائلين بوَحدةِ الوجود، والدهرية، والقدرية، والنُّصيريَّة، والجهميَّة، والحلولية، والمعطِّلة، والمجسِّمة، والمشبِّهة، والراوندية، والكلاَّبية، والسليميَّة، وغيرهم مِن أهل البدع؛ قد تجاذبوا فيها بأَزِمَّة الضلال، وبان لي أنَّ كثيرًا منهم إنما قصَد إبطال الشريعة المقدَّسة المحمديَّة، الظاهرة العليَّة على كلِّ دِين، وأنَّ جمهورهم أوقع الناسَ في التشكيك في أصولِ دِينهم.
ولهذا قلَّ أنْ سمعت أو رأيت مُعرِضًا عن الكتاب والسُّنة، مُقبِلاً على مقالاتهم إلا وتَزندَق، أو صار على غير يَقينٍ في دِينه واعتقاده.
فلما رأيتُ الأمرَ على ذلك، بان لي أنَّه يجب على كلِّ مَن يقدِر على دفْع شُبهتهم وأباطيلهم، وقطْع حُجَّتهم وأضاليلهم، أنْ يبذل جهدَه؛ ليكشف رذائِلَهم، ويزيِّف دَلائلهم؛ ذبًّا عن الملة الحنيفيَّة، والسُّنة الصحيحة الجليَّة...،فهذا ونحوه؛ هو الذي أوجب أنِّي صرفتُ جلَّ همِّي إلى الأصول، وألْزمني أن أوردتُ مقالاتهم، وأجبتُ عنها بما أنعمَ الله تعالى به مِن الأجوبة النقليَّة والعقليَّة".
الأعلام العلية (٣٥ - ٣٧)
منقول