تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 57 من 57

الموضوع: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله -ما جاء به الرسول هو أكمل ما تأتي به شريعة فإنه صلى الله عليه وسلم أمر ان يقاتل الناس حتى يدخلوا في الاسلام ويلتزموا طاعة لله ورسوله ولم يؤمر ان ينقب عن قلوبهم ولا أن يشق بطونهم بل يجرى عليهم احكام الله في الدنيا إذا دخلوا في دينه ويجرى أحكامه في الآخرة على قلوبهم ونياتهم - فأحكام الدنيا على الاسلام - وأحكام الآخرة على الإيمان - ولهذا قبل إسلام الأعراب ونفى عنهم ان يكونوا مؤمنين وأخبر أنه لا ينقصهم مع ذلك من ثواب طاعتهم لله ورسوله شيئا وقبل إسلام المنافقين ظاهرا وأخبر أنه لا ينفعهم يوم القيامة شيئا وأنهم في الدرك الأسفل من النار
    فأحكام الرب تعالى جارية على ما يظهر للعباد ما لم يقم دليل على ان ما أظهروه خلاف ما أبطنوه كما تقدم تفصيله وأما قصة الملاعن فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال بعد ان ولدت الغلام على شبه الذي رميت به: "لولا مامضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن" فهذا والله أعلم إنما أراد به لولا حكم الله بينهما باللعان لكان شبه الولد بمن رميت به يقتضى حكما آخر غيره ولكن حكم الله باللعان ألغي حكم الشبه فإنهما دليلان وأحدهما أقوى من الآخر فكان العمل به واجبا وهذا كما لو تعارض دليل الفراش ودليل الشبه فإنا نعمل دليل الفراش ولا نلتفت إلى الشبه بالنص والاجماع فأين في هذا ما يبطل المقاصد والنيات والقرائن التي لا معارض لها وهل يلزم من بطلان الحكم بقرينة قد عارضها ما هو أقوى منها بطلان الحكم بجميع القرائن وسيأتي دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وجمهور الأئمة على العمل بالقرائن واعتبارها في الأحكام
    وأما إنفاذه للحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب فليس في الممكن شرعا غير هذا وهذا شأن عامة المتداعيين لا بد أن يكون أحدهما محقا والآخر مبطلا وينفذ حكم الله عليهما تارة بإثبات حق المحق وإبطال باطل المبطل وتارة بغير ذلك إذا لم يكن مع المحق دليل
    وأما حديث ركانة لما طلق امرأته ألبتة وأحلفه النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما أراد واحدة فمن أعظم الادلة على صحة هذه القاعدة وان الاعتبار في العقود بنيات أصحابها ومقاصدهم وإن خالفت ظواهر ألفاظهم فإن لفظ ألبتة يقتضى أنها قد بانت منه وانقطع التواصل الذي كان بينهما بالنكاح وأنه لم يبق له عليها رجعة بل بانت منه ألبتة كما يدل عليه لفظ ألبتة لغة وعرفا ومع هذا فردها عليه وقبل قوله أنها واحدة مع مخالفة الظواهر اعتمادا على قصده ونيته فلولا اعتبار القصود في العقود لما نفعه قصده الذي يخالف ظاهر لفظه مخالفة ظاهرة بينة فهذا الحديث أصل لهذه القاعدة وقد قيل: منه في الحكم ودينه فيما بينه وبين الله فلم يقض عليه بما أظهر من لفظه لما أخبره بأن نيته وقصده كان خلاف ذلك
    وأما قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل في حكم الدنيا استعمال الدلالة التي لا يوجد أقوى منها يعني دلالة الشبه فإنما أبطلها بدلالة أقوى منها وهي اللعان كما أبطلها مع قيام دلالة الفراش واعتبرها حيث لم يعارضها مثلها ولا أقوى منها في إلحاق الولد بالقافة وهي دلالة الشبه فأين في هذا إلغاء الدلالات والقرائن مطلقا [مهم جدا ]
    أحكام الدنيا تجري على الاسباب:
    وأما قوله: إنه لم يحكم في المنافقين بحكم الكفر مع الدلالة التي لا أقوى منها وهي خبر الله تعالى عنهم وشهادته عليهم
    فجوابه ان الله تعالى لم يجر أحكام الدنيا على علمه في عباده وإنما أجراها على الاسباب التي نصبها أدلة عليها وإن علم سبحانه ونعالى أنهم مبطلون فيها مظهرون لخلاف ما يبطنون وإذا أطلع الله رسوله على ذلك لم يكن ذلك مناقضا لحكمه الذي شرعه ورتبه على تلك الاسباب كما رتب على المتكلم بالشهادتين حكمه وأطلع رسوله وعباده المؤمنين على أحوال كثير من المنافقين وأنهم لم يطابق قولهم اعتقادهم وهذا كما اجرى حكمه على المتلاعنين ظاهرا ثم أطلع رسوله والمؤمنين على حال المرأة بشبه الولد لمن رميت به وكما قال: إنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار وقد يطلعه الله على حال آخذ ما لا يحل له أخذه ولا يمنعه ذلك من إنفاذ الحكم وأما الذي قال:يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلاما أسود فليس فيه ما يدل على القذف لا صريحا ولا كناية وإنما أخبره بالواقع مستفتيا عن حكم هذا الولد أيستلحقه مع مخالفة لونه للونه ام ينفيه فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم وقرب له الحكم بالشبه الذي ذكره ليكون أذعن لقبوله وانشراح الصدر له ولا يقبله على إغماض فأين في هذا ما يبطل حد القذف بقول من يشاتم غيره أما أنا فلست بزان وليست امي بزانية ونحو هذا من التعريض الذي هو أوجع وانكى من التصريح وأبلغ في الأذى وظهوره عند كل سامع بمنزلة ظهور الصريح فهذا لون وذلك لون وقد حد عمر بالتعريض في القذف ووافقه الصحابة رضى الله عنهم أجمعين -----وأما قوله رحمه الله إنه استشار الصحابة فخالفه بعضهم فإنه يريد ما رواه عن مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما للآخر والله ما أنا بزان ولا أمي بزانية فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال قائل: مدح أباه وأمه وقال آخرون: قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد فجلده عمر الحد ثمانين وهذا لا يدل على أن القائل الاول خالف عمر فإنه لما قيل: له إنه قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا فهم أنه أراد القذف فسكت وهذا إلى الموافقة أقرب منه إلى المخالفة وقد صح عن عمر من وجوه أنه حد في التعريض فروى معمر عن الزهري عن سالم عن ابيه أن عمر كان يحد في التعريض بالفاحشة وروى ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن صفوان وأيوب عن عمر أنه حد في التعريض وذكر أبو عمر ان عثمان كان يحد في التعريض وذكره ابن أبي شيبة وكان عمر بن عبد العزيز يرى الحد في التعريض وهو قول أهل المدينة والاوزاعي وهو محض القياس كما يقع الطلاق والعتق والوقف والظهار بالصريح والكتابة واللفظ إنما وضع لدلالته على المعنى فإذا ظهر المعنى غاية الظهور لم يكن في تغيير اللفظ كثير فائدة --[مهم جدا]
    قاعدة يجب التنبيه عليها لعموم الحاجة إليها وهي ان الشارع انما قبل توبة الكافر الاصلي من كفره بالاسلام لانه ظاهر لم يعارضه ما هو أقوى منه فيجب العمل به لانه مقتض لحقن الدم والمعارض منتف فأما الزنديق فإنه قد أظهر ما يبيح دمه فإظهاره بعد القدرة عليه للتوبة والاسلام لا يدل على زوال ذلك الكفر المبيح لدمه دلالة قطعية ولاظنية أما انتفاء القطع فظاهر وأما انتفاء الظن فلأن الظاهر انما يكون دليلا صحيحا إذا لم يثبت ان الباطن بخلافه فإذا قام دليل على الباطن لم يلتفت إلى ظاهر قد علم ان الباطن بخلافه ولهذا اتفق الناس على انه لا يجوز للحاكم ان يحكم بخلاف علمه وان شهد عنده بذلك العدول وإنما يحكم بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها وكذلك لو أقر إقرارا علم أنه كاذب فيه مثل ان يقول لمن هو أسن منه وهذا ابني لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقا وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العدل والأمر والنهى والعموم والقياس إنما يجب إتباعها إذا لم يقم دليل أقوى منها يخالف ظاهرها
    وإذا عرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته وتكذيبه واستهانته بالدين وقدحه فيه فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر مما كان يظهره قبل هذا وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة فلا يجوز الاعتماد عليه لتضمنه إلغاء الدليل القوي وإعمال الدليل الضعيف الذي قد أظهر بطلان دلالته ولا يخفى على المنصف قوة هذا النظر وصحة هذا المأخذ -

    وهذا مذهب أهل المدينة ومالك واصحابه والليث بن سعد وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة وهو إحدى الروايات عن أحمد نصرها كثير من اصحابه بل هي أنص الروايات عنه وعن أبي حنيفة واحمد انه يستتاب وهو قول الشافعي وعن أبي يوسف روايتان إحداهما انه يستتاب وهي الرواية الاولى عنه ثم قال: آخرا أقتله من غير استتابه لكن إن تاب قبل ان يقدر عليه قبلت توبته وهذا هو الرواية الثالثة عن احمد
    ويالله العجب كيف يقاوم دليل إظهاره للاسلام بلسانه بعد القدرة عليه أدلة زندقته وتكررها منه مرة بعد مرة وإظهاره كل وقت للاستهانة بالاسلام والقدح في الدين والطعن فيه في كل مجمع مع استهانته بحرمات الله واستخفافه بالفرائض وغير ذلك من الادلة ولا ينبغي لعالم قط ان يتوقف في قتل مثل هذا ولا تترك الادلة القطعية لظاهر قد تبين عدم دلالته وبطلانها ولا تسقط الحدود عن أرباب الجرائم بغير موجب
    نعم لو أنه قبل رفعه إلى السلطان ظهر منه من الاقوال والاعمال ما يدل على حسن الاسلام وعلى التوبة النصوحة وتكرر ذلك منه لم يقتل كما قاله ابو يوسف واحمد في إحدى الروايات وهذا التفصيل أحسن الاقوال في المسألة
    ومما يدل على ان توبة الزنديق بعد القدرة لا تعصم دمه قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} قال: السلف في هذه الآية أو بأيدينا بالقتل إن أظهرتم ما في قلوبكم وهو كما قالوا: لان العذاب على ما يبطنونه من الكفر بأيدي المؤمنين لا يكون إلا بالقتل فلو قبلت توبتهم بعد ما ظهرت زنذقتهم لم يمكن المؤمنين ان يتربصوا بالزنادقة ان يصيبهم الله بأيديهم لانهم كلما أرادوا ان يعذبوهم على ذلك أظهروا الاسلام فلم يصابوا بأيديهم قط والادلة على ذلك كثيرة جدا-------------------------
    وعند هذا فأصحاب هذا القول يقولون نحن أسعد بالتنزيل والسنة من مخالفينا في هذه المسألة المشنعين علينا بخلافها وبالله التوفيق ----[ من-اعلام الموقعين عن رب العالمبن- بتصرف]


  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    وقال بن القيم رحمه الله - فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ، ودلائل الحال ، ومعرفة شواهده ، وفي القرائن الحالية والمقالية ، كفقهه في جزئيات وكليات الأحكام : أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها . وحكم بما يعلم الناس بطلانه لا يشكون فيه ، اعتمادا منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله . فهاهنا نوعان من الفقه ، لا بد للحاكم منهما : فقه في أحكام الحوادث الكلية ، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس ، يميز به بين الصادق والكاذب ، والمحق والمبطل . ثم يطابق بين هذا وهذا فيعطي الواقع حكمه من الواجب ، ولا يجعل الواجب مخالفا للواقع . ومن له ذوق في الشريعة ، واطلاع على كمالاتها وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ، ومجيئها بغاية العدل ، الذي يسع الخلائق ، وأنه لا عدل فوق عدلها ، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح : تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها ، وفرع من فروعها ، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها وحسن فهمه فيها : لم يحتج معها إلى سياسة غيرها ألبتة .

    فإن السياسة نوعان : سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها ، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر ، فهي من الشريعة ، علمها من علمها ، وجهلها من جهلها .

  3. #43

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟


    جزاك الله خيرا - أخي محمد - على هذا البحث والجمع الطيب.
    واعلم أني لا أخالف ما تقرّر في جريان أحكام العباد في الدنيا على الظاهر بل أسلّمه ولا أتجاوزه قيد أنملة إن شاء الله.
    لكن أريد المساعدة في إزالة الإشكال عن خاطري وهو:
    أنّ هؤلاء الأعراب طائفة معيّنة وقد قالوا: أسلمنا، فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم، وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟


  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة

    أنّ هؤلاء الأعراب طائفة معيّنة وقد قالوا: أسلمنا، فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم، وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟

    الفرق بين الإسلام والإيمان من المسائل التي أطال العلماء في بيانها في كتب العقائد ، وحاصل ما يقررونه في هذا : أنه إذا ورد أحد هذين اللفظين مفردا عن الآخر فالمقصود به دين الإسلام كله ، ولا فرق حينئذ بين الإسلام والإيمان .
    وأما إذا ورد هذان اللفظان معًا في سياق واحد ، فالإيمان يراد به : الأعمال الباطنة ، وهي أعمال القلوب كالإيمان بالله تعالى ، وحبه وخوفه ورجائه سبحانه وتعالى والإخلاص له .
    وأما الإسلام : فيراد به الأعمال الظاهرة التي قد يصحبها الإيمان القلبي ، وقد لا يصحبها فيكون صاحبها منافقا أو مسلما ضعيف الإيمان .------قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
    "إذا اقترن أحدهما بالآخر فإن الإسلام يفسر بالاستسلام الظاهر الذي هو قول اللسان ، وعمل الجوارح ، 1- ويصدر من المؤمن كامل الإيمان ، 2- وضعيف الإيمان ، قال الله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، 3- ومن المنافق ، لكن يسمى مسلما ظاهرا ، ولكنه كافر باطنا .
    ويفسر الإيمان بالاستسلام الباطن الذي هو إقرار القلب وعمله ، ولا يصدر إلا من المؤمن حقا كما قال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)
    وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى
    ، فكل مؤمن مسلم ولا عكس" انتهى.
    "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (4/92) .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    " اسم " الإيمان " تارة يذكر مفردا غير مقرون باسم الإسلام ، ولا باسم العمل الصالح ، ولا غيرهما ، وتارة يذكر مقرونا بالإسلام كقوله في حديث جبرائيل : (ما الإسلام ... وما الإيمان) ، وكقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ) الأحزاب/35 ، وقوله عز وجل : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) الحجرات/14، وقوله تعالى : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
    فلما ذكر الإيمان مع الإسلام :
    جعل الإسلام هو الأعمال الظاهرة : الشهادتان والصلاة والزكاة والصيام والحج .
    وجعل الإيمان ما في القلب من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .
    وإذا ذكر اسم الإيمان مجردا دخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة ، كقوله في حديث الشعب : (الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعلاها : قول لا إله إلا الله ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق) .
    وكذلك سائر الأحاديث التي يجعل فيها أعمال البر من الإيمان " انتهى باختصار.

    "مجموع الفتاوى" (7/13-15) .
    والآية الواردة في السؤال موافقة لهذا المعنى في وصف أهل بيت لوط عليه السلام مرة بالإيمان ومرة أخرى بالإسلام.
    فالمراد بالإسلام هنا الإسلام الظاهر ، والإيمان هو الإيمان القلبي الحقيقي ، فلما وصف الله تعالى أهل البيت جميعاً وصفهم بالإسلام ، وذلك لأن امرأة لوط عليه السلام من أهل بيته ، وكانت مسلمة في الظاهر ، كافرة في حقيقة الأمر ، ولما وصف الله تعالى المخرجين الناجين وصفهم بالإيمان . (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذاريات/35 – 36 .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    "امرأة لوط كانت منافقةَ كافرةً في الباطن ، وكانت مسلمة في الظاهر مع زوجها ، ولهذا عُذِّبت بعذاب قومِها . فهذه حال المنافقين الذين كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستسلمين له فيَ الظاهر ، وهم في الباطن غير مؤمنين" انتهى .
    "جامع المسائل" (6/221) .
    وقال أيضا رحمه الله :
    "وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ، وعارضوا بين الآيتين .
    وليس كذلك ؛ بل هذه الآية توافق الآية الأولى ؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمنا ، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين ؛ وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين ، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا ؛ بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب ، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه ، وفي الباطن مع قومها على دينهم ، خائنة لزوجها ، تدل قومها على أضيافه ، كما قال الله تعالى فيها : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) التحريم/10 وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش ، والمقصود أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة ، ولم تكن من الناجين المخرجين ، فلم تدخل في قوله : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وكانت من أهل البيت المسلمين ، وممن وجد فيه ، ولهذا قال تعالى : ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
    وبهذا تظهر حكمة القرآن ، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج ، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود" انتهى .
    "مجموع الفتاوى " (7/472-474)
    وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
    "قال تعالى في قصة لوط : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
    فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين ؛ لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره ، إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته بالكفر وهي كافرة ، أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا الذين دخل الإيمان في قلوبهم" انتهى .
    "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/47-49)

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة

    أريد المساعدة في إزالة الإشكال عن خاطري وهو: أنّ هؤلاء الأعراب طائفة معيّنة وقد قالوا: أسلمنا، فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم، وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟

    فى المشاركة السابقة ازالة الاشكال -
    فقيل لهم: لستم مؤمنين، فإن كانوا منافقين فقد عُومِلوا هنا بخلاف ظاهرهم
    لا لم يعاملوا بخلاف ظاهرهم - الايمان المنفى فى الاية عن المنافقين هو الايمان الباطن والمثبت الظاهر -مسلما ظاهرا ، ولكنه كافر باطنا-
    وإن كانوا صادقين فقد قيل لهم: لستم مؤمنين،
    النوع الثانى ضعيف الايمان- اذا حملنا الاية عليه فهى فى نفى كمال الايمان وليس اصله
    وهو ما نهت عنه ءاية النساء بعموم لفظها! وعلى كلا التقديرين فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟
    و آية النساء تقدم الكلام عليها باستطراد
    فما هو الأصوب في الجمع بين الآيتين؟
    بمعرفة الفرق بين اجتماع الاسلام والايمان وافتراقهما - واحكام الظاهر والباطن - يتبين الاصوب

  6. #46

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    فى المشاركة السابقة ازالة الاشكال - لا لم يعاملوا بخلاف ظاهرهم - الايمان المنفى فى الاية عن المنافقين هو الايمان الباطن والمثبت الظاهر -مسلما ظاهرا ، ولكنه كافر باطنا- النوع الثانى ضعيف الايمان- اذا حملنا الاية عليه فهى فى نفى كمال الايمان وليس اصله
    و آية النساء تقدم الكلام عليها باستطراد بمعرفة الفرق بين اجتماع الاسلام والايمان وافتراقهما - واحكام الظاهر والباطن - يتبين الاصوب
    بارك الله فيك، لعلي لم أوضّح المقصود من أنهم عوملوا بخلاف الظاهر! هنا مسائل:
    المسألة الأولى: أصل الإشكال كان في تعارض الآيتين ظاهراً، فإن آية النساء نهت المسلمين عن القول: لست مؤمنا، لمن قال إنه مسلم. وظاهر آية الحجرات: أنه قيل لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا.
    المسألة الثانية: من أظهر الإسلام أو قال: إني مسلم أو ءامنت بالله فلا يقال له: لست مؤمنا على ظاهر آية النساء.
    المسألة الثالثة: هؤلاء الأعراب في ءاية الحجرات قيل لهم: لستم مؤمنين، ولا يخرج أمرهم عن حالين:
    إما أن يكونوا منافقين، فإن كانوا منافقين فقد عُوملوا بغير ما أظهروه من الإسلام؛ لأنه قيل لهم: لستم مؤمنين؛ فعوملوا بحكم الباطن لما قالوا: نحن مسلمون، وهو ما نهت عنه ءاية النساء.
    وإن لم يكونوا منافقين وكانوا من ضعاف الإيمان، فقد قيل لهم: لستم مؤمنين وهو ما نهت عنه أيضا ءاية النساء {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}.

    المسألة الرابعة: ءاية الذاريات {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيه غير بيت من المسلمين} تزيد الأمر إشكالاً؛ لأنّ فيها جواز إطلاق المسلم على المنافق الذي عُلم كفره بالقطع واليقين لا الظن والاجتهاد بناء على القول المفرّق بين الإسلام والإيمان كما أطلق المسلم على امرأة لوط عليه السلام، وإلا لزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران.
    المسألة الخامسة
    : يلزم على هذا الرأي جواز تسمية المؤمنين المخلصين بالمسلمين من أجل منافق واحد فيهم.
    المسألة السادسة
    : يمكن أن يكون أهل البيت موزّعين إلى مؤمن كامل، وناقص الإيمان، ومنافق وهو واحد، ومع ذلك أطلق على الجميع وصف المسلمين من أجل ناقص الإيمان، أو من أجل المنافق الواحد، أو هما معاً، لكن جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا؛ فلزم أن يكونوا جميعاً مؤمنين لقوله: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين}، ويلزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران، أو إطلاق اسم المسلم على جماعة كاملي الإيمان من أجل منافق واحد فيهم.

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    أصل الإشكال كان في تعارض الآيتين ظاهراً، فإن آية النساء نهت المسلمين عن القول: لست مؤمنا، لمن قال إنه مسلم
    قال الرازي
    (يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) ( النساء : 94 ) وأجمع المفسرون على أن هذه الآيات إنما نزلت في حق جماعة من المسلمين لقوا قوما فأسلموا فقتلوهم وزعموا أنهم إنما أسلموا من الخوف ، وعلى هذا التقدير : فهذه الآية وردت في نهي المؤمنين عن قتل الذين يظهرون الإيمان.-----قال الألوسي لاتقولوا لمن أظهر لكم مايدل على إسلامه : (لست مؤمنا) وإنما فعلت ذلك خوف القتل بل اقبلوا منه ما أظهر وعاملوه بموجبه. ---قال ابن جرير الطبري:
    ولا تقولوا لمن استسلم لكم فلم يقاتلكم مظهرا لكم أنه من أهل ملتكم ودعوتكم (لست مؤمنا) فتقتلوه ابتغاء عرض الحياة الدنيا------وقال ابن جرير الطبري: -الصواب من القراءة في ذلك عندنا (لمن ألقى إليكم السلم) بمعنى من استسلم لكم مذعنا لله بالتوحيد مقرا لكم بملتكم. وإنما اخترنا ذلك لاختلاف الرواية في ذلك فمن راوٍ روى أنه استسلم بأن شهد شهادة الحق وقال إني مسلم ومن راو روى أنه قال السلام عليكم فحياهم تحية الإسلام ومن راو روى أنه كان مسلما بإسلام قد تقدم منه قبل قتلهم إياه

    وكل هذه المعاني يجمعها السلم لأن المسلم مستسلم والمحيي بتحية الإسلام مستسلم والمتشهد شهادة الحق مستسلم لأهل الإسلام فمعنى السلم جامع جميع المعاني التي رويت في أمر المقتول الذي نزلت في شأنه هذه الآية وليس كذلك في السلام لأن السلام لا وجه له في هذا الموضع إلا التحية فلذلك وصفنا السلم بالصواب-------
    قال شيخ الاسلام بن تيمية في الجواب الصحيح:
    (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا) فأمرهم بالتبين والتثبت في الجهاد وأن لا يقولوا للمجهول حاله لست مؤمنا يبتغون عرض الحياة الدنيا فيكون إخبارهم عن كونه ليس مؤمنا خبرا بلا دليل بل لهوى أنفسهم ليأخذوا ماله وإن كان ذلك في دار الحرب إذا ألقى السلم وفي القراءة الأخرى السلام فقد يكون مؤمنا يكتم إيمانه كما كنتم أنتم من قبل مؤمنين تكتمون إيمانكم فإذا ألقى المسلم السلام فذكر أنه مسالم لكم لا محارب فتثبتوا وتبينوا لا تقتلوه ولا تأخذوا ماله حتى تكشفوا أمره هل هو صادق أو كاذب. انتهى -------قال ابن تيمية في منهاج السنة: وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا) وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلا في غنيمة له فقال أنا مسلم فلم يصدقوه وأخذوا غنمه فأمرهم الله سبحانه وتعالى بالتثبت والتبين ونهاهم عن تكذيب مدعي الإسلام طمعا في دنياه.انتهى -------
    وظاهر آية الحجرات: أنه قيل لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا.
    هؤلاء دخلوا فى الاسلام - وفرق كبير بين الابتداء وإرادة الدخول باظهار الاسلام كما فى اية النساء وبين من دخل فى الاسلام من الاعراب كما فى اية الحجرات وقد تبين معنى الايمان المنفى فى اية الحجرات---فلا تعارض بين الايمان المنفى فى اية الحجرات - والنهى فى اية النساء ---
    إما أن يكونوا منافقين، فإن كانوا منافقين فقد عُوملوا بغير ما أظهروه من الإسلام؛ لأنه قيل لهم: لستم مؤمنين؛ فعوملوا بحكم الباطن لما قالوا: نحن مسلمون، وهو ما نهت عنه ءاية النساء.
    هم عوملوا بالاسلام - والنهى كان لدعواهم الايمان وقد بينا سبب ذلك
    وهو ما نهت عنه ءاية النساء
    الاية فى سورة النساء متفقة مع اية الحجرات فى الحكم الظاهر -- ففى سورة النساء فواضح جدا من اسباب النزول-- وفى سورةالحجرات ففى قوله تعالى ولكن قولوا اسلمنا
    وإن لم يكونوا منافقين وكانوا من ضعاف الإيمان، فقد قيل لهم: لستم مؤمنين وهو ما نهت عنه أيضا ءاية النساء {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا}
    ضعاف الايمان -يقال لهم لستم مؤمنين-[لستم مؤمنين حقا] يعنى لم تأتو بكمال الايمان الواجب هذا هو الايمان المنفى وليس اصل الايمان كما سبق فلا تعارض مع اية النساء
    المسألة الرابعة: ءاية الذاريات {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيه غير بيت من المسلمين} تزيد الأمر إشكالاً؛ لأنّ فيها جواز إطلاق المسلم على المنافق الذي عُلم كفره بالقطع واليقين لا الظن والاجتهاد بناء على القول المفرّق بين الإسلام والإيمان كما أطلق المسلم على امرأة لوط عليه السلام،.
    وما الاشكال فى ذلك فان عبد الله بن ابى بن سلول اشد من امراة لوط ومع ذلك كان يأخذ حكم الظاهر
    وإلا لزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران.
    لا يلزم الترادف كما سبق فى اقتران الاسلام والايمان
    المسألة الخامسة: يلزم على هذا الرأي جواز تسمية المؤمنين المخلصين بالمسلمين من أجل منافق واحد فيهم.
    وهذا هو منصوص الاية لا اشكال
    المسألة السادسة: يمكن أن يكون أهل البيت موزّعين إلى مؤمن كامل، وناقص الإيمان، ومنافق وهو واحد، ومع ذلك أطلق على الجميع وصف المسلمين من أجل ناقص الإيمان، أو من أجل المنافق الواحد، أو هما معاً، لكن جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا؛
    ما دام جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا فالفرضية الاخيرة هى الراجحة وهى[أو من أجل المنافق الواحد] .[/quote]قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
    "قال تعالى في قصة لوط : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) .
    أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا الذين دخل الإيمان في قلوبهم"


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    "امرأة لوط كانت منافقةَ كافرةً في الباطن ، وكانت مسلمة في الظاهر مع زوجها ، ولهذا عُذِّبت بعذاب قومِها . فهذه حال المنافقين الذين كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مستسلمين له فيَ الظاهر ، وهم في الباطن غير مؤمنين" انتهى .
    "جامع المسائل" (6/221) .
    وقال أيضا رحمه الله :
    "وقد ظن طائفة من الناس أن هذه الآية تقتضي أن مسمى الإيمان والإسلام واحد ، وعارضوا بين الآيتين .
    وليس كذلك ؛ بل هذه الآية توافق الآية الأولى ؛ لأن الله أخبر أنه أخرج من كان فيها مؤمنا ، وأنه لم يجد إلا أهل بيت من المسلمين ؛ وذلك لأن امرأة لوط كانت في أهل البيت الموجودين ، ولم تكن من المخرجين الذين نجوا ؛ بل كانت من الغابرين الباقين في العذاب ، وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه ، وفي الباطن مع قومها على دينهم ، خائنة لزوجها ، تدل قومها على أضيافه ، كما قال الله تعالى فيها : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) التحريم/10 وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش ، والمقصود أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة ، ولم تكن من الناجين المخرجين ، فلم تدخل في قوله : (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وكانت من أهل البيت المسلمين ، وممن وجد فيه ، ولهذا قال تعالى : ( فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
    وبهذا تظهر حكمة القرآن ، حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج ، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود" انتهى .
    "مجموع الفتاوى " (7/472-474) --
    فلزم أن يكونوا جميعاً مؤمنين لقوله: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين}، ويلزم الترادف بين المفهومين عند الاقتران،
    لا يلزم شئ من هذا
    أو إطلاق اسم المسلم على جماعة كاملي الإيمان من أجل منافق واحد فيهم
    لا اشكال فى هذا بنص الاية

  8. #48

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    هؤلاء دخلوا فى الاسلام - وفرق كبير بين الابتداء وإرادة الدخول باظهار الاسلام كما فى آية النساء وبين من دخل فى الاسلام من الاعراب كما فى اية الحجرات....
    وفيه مسائل:
    المسألة الأولى: الفرق بين ابتداء الإسلام وإرادة الدخول فيه وبين من أسلم من قبلُ في جواز القول للثاني: لست مؤمنا، بخلاف المبتدئ في الدخول يحتاج إلى دليل مع أني لم أره إلا في هذه المشاركة، لأن عموم قوله:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} يردّ هذا التفريق؛ إذا عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال إلا بدليل، وعلى هذا فحال ابتداء الإسلام كغيرها من الحالات.

    المسألة الثانية:
    (وقد تبين معنى الايمان المنفى فى اية الحجرات---فلا تعارض بين الايمان المنفى فى اية الحجرات - والنهى فى اية لنساء )
    والتعارض ظاهر بغض النظر عن طبيعة الإيمان المنفيّ في الحجرات لأن هؤلاء الأعراب قالوا: نحن مسلمون فقيل: لستم مؤمنين، والقول لهؤلاء (لستم مؤمنين) يعارض النهي {ولا تقولوا...لست مؤمنا}.

    المسألة الثالثة: (هم عوملوا بالاسلام - والنهى كان لدعواهم الايمان وقد بينا سبب ذلك الاية فى سورة النساء متفقة مع اية الحجرات فى الحكم الظاهر)
    ليس الإشكال في أنهم عوملوا بالإسلام، وإنما الإشكال في القول: لستم مؤمنين لمنع ءاية النساء عن هذا القول في حق المسلم، وإذا كان لا يقال لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا للنهي، فمن باب أولى أن لا يقال لمن قال: ءامنت بالله كالأعراب لست مؤمنا؛ لأننا نعتمد في الحكم بالإسلام والإيمان على الظاهر من إيمان وإسلام.
    ومن قال: أسلمت لا يقال له: لست مؤمنا، ومن قال ءامنت بالله لا يقال له: لست مؤمنا، وقد قيل للأعراب: لستم مؤمنين وقد قالوا: ءامنا بالله، فهذا وجه التعارض بين ظاهر الآيتين.

    المسألة الرابعة: (ففى سورة النساء فواضح جدا من اسباب النزول-- وفى سورةالحجرات ففى قوله تعالى ولكن قولوا اسلمنا).
    هذا من تخصيص عموم اللفظ بالسبب وهو غير وجيه والصواب خلافه كما يقال: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولم أر من قال بقصر الآية على سببها مع الفرق بين حديث الإسلام وقديمه.

    المسالة الخامسة: (
    ضعاف الايمان -يقال لهم لستم مؤمنين-[لستم مؤمنين حقا] يعنى لم تأتو بكمال الايمان الواجب هذا هو الايمان المنفى وليس اصل الايمان كما سبق فلا تعارض مع اية النساء).
    عبارة حقّاً زيادة ليست في الآية، وعموم النهي في الآية {لست مؤمنا} عموم لفظي يستلزم عموم الأحوال، فمن قال لضعيف الإيمان إذا قال: ءامنت بالله ورسوله: لست مؤمنا فقد صادم النهي في النساء، وهؤلاء الأعراب قد قالوا: ءامنا بالله فقيل لهم: لستم مؤمنين، وهذا خلاف ءاية النساء بغض النظر عن حال إيمانهم في الكمال؛ لأن عموم الأعيان يستلزم عموم الأحوال، ونقصان الإيمان حال من الأحوال.

    المسألة السادسة
    :
    (
    وما الاشكال فى ذلك فإ ن عبد الله بن ابى بن سلول اشد من امراة لوط ومع ذلك كان يأخذ حكم الظاهر).
    الإشكال: أن الأصل إلحاق الفرد بحكم الأعمّ والأغلب؛ فلماذا خولف الأصل، وأُلحق الأغلب بحكم الفرد النادر؟ كان المفروض أن يقال لأهل البيت: مؤمنين؛ إلحاقا للفرد (امرأة لوط) بالأعم الغالب وهم المؤمنون الناجون لا العكس
    .
    وابن أبيّ بن سلول لم يكن معلوم الكفر بالقطع واليقين قبل موته، وإنما كانت تظهر عليه علامات النفاق؛ وإذا حُقق أو سئل أنكر وحلف واتخذ يمنيه جنّة، ولو كان معلوم الكفر قطعاً لما صلّى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما عُلم نفاقه بالقطع بعد رحيله إلى الجحيم ونزول القرآن فيه.

    المسألة السابعة: (ما دام جميع أهل البيت نجوا إلا واحدا فالفرضية الاخيرة هى الراجحة وهى[أو من أجل المنافق الواحدا يلزم شئ من هذالا اشكال فى هذا بنص الاية). الإشكال ظاهر لمخالفة الأصول من غير ضرورة وهو إلحاق الأكثر (المؤمنون الناجون) بحكم الفرد الواحد (امرأة لوط).

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    قال الشوكاني في فتح القدير: ﴿فَأخْرَجْنا مَن كانَ فِيها مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ هَذا كَلامٌ مِن جِهَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ: أيْ: لَمّا أرَدْنا إهْلاكَ قَوْمِ لُوطٍ أخْرَجْنا مَن كانَ في قُرى قَوْمِ لُوطٍ مِن قَوْمِهِ المُؤْمِنِينَ بِهِ.
    ﴿فَما وجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِينَ﴾ أيْ: غَيْرَ أهْلِ بَيْتٍ.
    يُقالُ: بَيْتٌ شَرِيفٌ، ويُرادُ بِهِ أهْلُهُ، قِيلَ: وهم أهْلُ بَيْتِ لُوطٍ، والإسْلامُ: الِانْقِيادُ والِاسْتِسْلامُ لِأمْرِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾ الحُجُراتِ: ١٤ ] وقَدْ أوْضَحَ الفَرْقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - بَيْنَ الإسْلامِ والإيمانِ في الحَدِيثِ في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما الثّابِتِ مِن طُرُقٍ «أنَّهُ سُئِلَ عَنِ الإسْلامِ، فَقالَ: أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتِي الزَّكاةَ، وتَحُجَّ البَيْتَ وتَصُومَ رَمَضانَ وسُئِلَ عَنْ الإيمانِ فَقالَ: أنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، والقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ» فالمَرْجِعُ في الفَرْقِ بَيْنَهُما هو هَذا الَّذِي قالَهُ الصّادِقُ المَصْدُوقُ، ولا التِفاتَ إلى غَيْرِهِ مِمّا قالَهُ أهْلُ العِلْمِ في رَسْمِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِرُسُومٍ مُضْطَرِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ مُخْتَلَّةٍ مُتَناقِضَةٍ، وأمّا ما في الكِتابِ العَزِيزِ مِنِ اخْتِلافِ مَواضِعِ اسْتِعْمالِ الإسْلامِ والإيمانِ، فَذَلِكَ بِاعْتِبارِ المَعانِي اللُّغَوِيَّةِ والِاسْتِعْمالا تِ العَرَبِيَّةِ، والواجِبُ تَقْدِيمُ الحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلى اللُّغَوِيَّةِ، والحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ هي هَذِهِ الَّتِي أخْبَرَنا بِها رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وأجابَ سُؤالَ السّائِلِ لَهُ عَنْ ذَلِكَ بِها.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    قال ابن عثيمين: ولهذا قال: ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
    وهنا يتساءل الإنسان في نفسه؛ كيف قال: ﴿أَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾؛ هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين في الآية التي قبلها؟
    ذهب بعض العلماء إلى ذلك وقالوا: إن في هذا دليلًا على أن الإيمان والإسلام شيء واحد.
    وذهب آخرون إلى الفرق وقالوا: أما المؤمنون فقد نَجَوْا، وأما البيت فهو بيت إسلام؛ لأن المظهر في هذا البيت بيت لوط أنه بيت إسلامي، حتى امرأته ما تتظاهر بالكُفْرِ، تتظاهر بأنها مسلمة؛ ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ﴾ [التحريم ١٠]، ليس المعنى ﴿خَانَتَاهُمَا بالفاحشة بل ﴿خَانَتَاهُمَا ﴾ بالكفر، لكنه كفر مستور، وهو خيانة من جنس النفاق، ولهذا يقال للمجتمع الذي فيه المنافقون: يقال إنه مجتمع مُسْلِم، وإن كان فيه المنافقون؛ لأن المظهر مظهر إسلامي.
    إذن نقول ﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إنما قال: ﴿مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾؛ لأن امرأته ليست مؤمنة، ولكنها مسلمة.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    فمن باب أولى أن لا يقال لمن قال: ءامنت بالله كالأعراب لست مؤمنا؛ لأننا نعتمد في الحكم بالإسلام والإيمان على الظاهر من إيمان وإسلام.
    ومن قال: أسلمت لا يقال له: لست مؤمنا، ومن قال ءامنت بالله لا يقال له: لست مؤمنا، وقد قيل للأعراب: لستم مؤمنين وقد قالوا: ءامنا بالله، فهذا وجه التعارض بين ظاهر الآيتين.

    .........
    الإسم الواحد قد يُنفَى ويُثبَت بحسب الأحكام المتعلقة به -قال شيخ الاسلام بن تيمية -وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به فلا يجب إذا اثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام وهذا في كلام العرب وسائر الأمم لأن المعنى مفهوم - مثال ذلك - المنافقون قد يجعلون من المؤمنين في موضع وفى موضع آخر يقال ما هم منهم قال الله تعالي قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا - فهنالك جعل هؤلاء المنافقين الخائفين من العدو الناكلين عن الجهاد الناهين لغيرهم الذامين للمؤمنين منهم وقال فى آية أخرى ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون وهؤلاء ذنبهم أخف فإنهم لم يؤذوا المؤمنين لا بنهى ولا سلق بألسنة حداد ولكن حلفوا بالله أنهم من المؤمنين فى الباطن بقلوبهم وإلا فقد علم المؤمنون انهم منهم فى الظاهر فكذبهم الله وقال وما هم منكم وهناك قال قد يعلم الله المعوقين منكم فالخطاب لمن كان فى الظاهر مسلما مؤمنا وليس مؤمنا بأن منكم من هو بهذه الصفة وليس مؤمنا بل أحبط الله عمله فهو منكم فى الظاهرلاالباطن.."
    - وهذه القاعدة التي ذكرها شيخ الإسلام هي حقاً قاعدة ذهبية ومن يتأملها يجدها حلاً لكثير من الإشكالات - فعليك اخى الفاضل ابو محمد المأربى بهذه القاعدة الذهبية التى تزول بها كل الاشكالات -وفى المشاركة القادمة مزيد بيان وتفصيل إن شاء شاء الله

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    وإنما الإشكال في القول: لستم مؤمنين لمنع ءاية النساء عن هذا القول في حق المسلم، وإذا كان لا يقال لمن قال: إنه مسلم: لست مؤمنا للنهي، فمن باب أولى أن لا يقال لمن قال: ءامنت بالله كالأعراب لست مؤمنا؛ لأننا نعتمد في الحكم بالإسلام والإيمان على الظاهر من إيمان وإسلام.
    ومن قال: أسلمت لا يقال له: لست مؤمنا، ومن قال ءامنت بالله لا يقال له: لست مؤمنا، وقد قيل للأعراب: لستم مؤمنين وقد قالوا: ءامنا بالله، فهذا وجه التعارض بين ظاهر الآيتين.
    .
    قال شيخ الإسلام (…فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة، ولهذا لما ذكر الأثرم لأحمد احتجاج المرجئة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) أجابه بأن المراد حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، لم يرد أنها مؤمنة عند الله تستحق دخول الجنة بلا نار إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار) ، (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) .
    ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين على ظواهرهم مع علمه بنفاق كثير منهم ليقرر هذا الأصل العظيم (فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون، ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم.. ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبدالله بن أبي بن سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبدالله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، و إذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين.. لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهروه من موالاة المؤمنين.. وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين) -- (وهكذا كان حكمه صلى الله عليه وسلم في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم) - ومع ذلك (يجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة)[كتاب الايمان لشيخ الاسلام بن تيميه رحمه الله

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    --مزيد بيان--قال شيخ الاسلام بن تيمية - أثبت الله في القرآن إسلامًا بلا إيمان في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [1]. وقد ثبت في الصحيحين، عن سعد بن أبي وقاص، قال: أعطى النبي ﷺ رهطا وفي رواية قسم قسما وترك فيهم من لم يعطه، وهو أعجبهم إلى، فقلت: يا رسول الله، مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنا، فقال رسول الله ﷺ: «أو مسلمًا». أقولها ثلاثا، ويرددها على رسول الله ﷺ ثلاثا، ثم قال: «إني لأعطي الرجل، وغيره أحب إلي منه، مخافة أن يَكُبَّهُ الله على وجهه في النار»، وفي رواية: فضرب بين عنقي وكتفي، وقال: «أقتال أي سعد؟». فهذا الإسلام الذي نفى الله عن أهله دخول الإيمان في قلوبهم، هل هو إسلام يثابون عليه؟ أم هو من جنس إسلام المنافقين؟ فيه قولان مشهوران للسلف والخلف:
    أحدهما: أنه إسلام يثابون عليه، ويخرجهم من الكفر والنفاق. وهذا مروي عن الحسن، وابن سيرين، وإبراهيم النَّخَعِي، وأبي جعفر الباقر، وهو قول حماد بن زيد، وأحمد بن حنبل، وسهل بن عبد الله التَّسْتُرِي، وأبي طالب المكي، وكثير من أهل الحديث والسنة والحقائق.
    قال أحمد بن حنبل: حدثنا مُؤَمَّل بن إسحاق عن عمار بن زيد قال: سمعت هشاما يقول: كان الحسن ومحمد يقولان: مسلم، ويهابان: مؤمن، وقال أحمد بن حنبل: حدثنا أبو سلمة الخُزَاعِي، قال: قال مالك، وشريك، وأبو بكر بن عياش، وعبد العزيز ابن أبي سلمة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد: الإيمان: المعرفة والإقرار والعمل، إلا أن حماد بن زيد يفرق بين الإسلام والإيمان، يجعل الإيمان خاصا، والإسلام عاما.
    والقول الثاني: أن هذا الإسلام هو الاستسلام خوف السبي والقتل، مثل إسلام المنافقين، قالوا: وهؤلاء كفار، فإن الإيمان لم يدخل في قلوبهم، ومن لم يدخل الإيمان في قلبه فهو كافر. وهذا اختيار البخاري، ومحمد بن نصر المروزي، والسلف مختلفون في ذلك.
    قال محمد بن نصر: حدثنا إسحاق، أنبأنا جَرِير، عن مُغِيرة، قال: أتيت إبراهيم النَّخَعِي، فقلت: إن رجلا خاصمني يقال له: سعيد العَنْبَرِيّ، فقال إبراهيم: ليس بالعنبري ولكنه زُبٍيْدِيّ. قوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [2] فقال: هو الاستسلام، فقال إبراهيم: لا، هو الإسلام.
    وقال: حدثنا محمد بن يحيي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان عن مجاهد: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}، قال: استسلمنا خوف السبي والقتل، ولكن هذا منقطع، سفيان لم يدرك مجاهدا، والذين قالوا: إن هذا الإسلام هو كإسلام المنافقين، لا يثابون عليه، قالوا: لأن الله نفى عنهم الإيمان، ومن نفى عنه الإيمان فهو كافر، وقال هؤلاء: الإسلام هو الإيمان، وكل مسلم مؤمن، وكل مؤمن مسلم، ومن جعل الفساق مسلمين غير مؤمنين، لزمه ألاّ يجعلهم داخلين في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [3]، وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [4] وأمثال ذلك، فإنهم إنما دعوا باسم الإيمان، لا باسم الإسلام، فمن لم يكن مؤمنا لم يدخل في ذلك.

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    وجواب هذا أن يقال: الذين قالوا من السلف: إنهم خرجوا من الإيمان إلى الإسلام، لم يقولوا: إنه لم يبق معهم من الإيمان شيء، بل هذا قول الخوارج، والمعتزلة. وأهل السنة الذين قالوا هذا يقولون: الفساق يخرجون من النار بالشفاعة، وإن معهم إيمانا يخرجون به من النار. لكن لا يطلق عليهم اسم الإيمان، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب، ودخول الجنة، وهؤلاء ليسوا من أهله، وهم يدخلون في الخطاب بالإيمان؛ لأن الخطاب بذلك هو لمن دخل في الإيمان وإن لم يستكمله، فإنه إنما خوطب ليفعل تمام الإيمان، فكيف يكون قد أتمه قبل الخطاب؟ وإلا كنا قد تبينا أن هذا المأمور من الإيمان قبل الخطاب، وإنما صار من الإيمان بعد أن أمروا به، فالخطاب ب {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا}، غير قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [5] ونظائرها، فإن الخطاب ب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أولا: يدخل فيه من أظهر الإيمان، وإن كان منافقا في الباطن يدخل فيه في الظاهر، فكيف لا يدخل فيه من لم يكن منافقا، وإن لم يكن من المؤمنين حقا.

    وحقيقته أن من لم يكن من المؤمنين حقا، يقال فيه: إنه مسلم، ومعه إيمان يمنعه الخلود في النار، وهذا متفق عليه بين أهل السنة، لكن هل يطلق عليه اسم الإيمان؟ هذا هو الذي تنازعوا فيه. فقيل: يقال: مسلم، ولا يقال: مؤمن. وقيل: بل يقال: مؤمن.

    والتحقيق أن يقال: إنه مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، ولا يعطي اسم الإيمان المطلق، فإن الكتاب والسنة نفيا عنه الاسم المطلق، واسم الإيمان يتناوله فيما أمر الله به ورسوله؛ لأن ذلك إيجاب عليه وتحريم عليه، وهو لازم له كما يلزمه غيره، وإنما الكلام في اسم المدح المطلق، وعلى هذا فالخطاب بالإيمان يدخل فيه ثلاث طوائف : يدخل فيه المؤمن حقا. ويدخل فيه المنافق في أحكامه الظاهرة، وإن كانوا في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، وهو في الباطن ينفي عنه الإسلام والإيمان، وفي الظاهر يثبت له الإسلام و الإيمان الظاهر. ويدخل فيه الذين أسلموا وإن لم تدخل حقيقة الإيمان في قلوبهم، لكن معهم جزء من الإيمان والإسلام يثابون عليه.

    ثم قد يكونون مفرطين فيما فرض عليهم، وليس معهم من الكبائر ما يعاقبون عليه كأهل الكبائر، لكن يعاقبون على ترك المفروضات، وهؤلاء كالأعراب المذكورين في الآية وغيرهم، فإنهم قالوا: آمنا، من غير قيام منهم بما أمروا به باطنا وظاهرا. فلا دخلت حقيقة الإيمان في قلوبهم، ولا جاهدوا في سبيل الله، وقد كان دعاهم النبي ﷺ إلى الجهاد وقد يكونون من أهل الكبائر المعرضين للوعيد، كالذين يصلون ويزكون ويجاهدون، ويأتون الكبائر، وهؤلاء لا يخرجون من الإسلام، بل هم مسلمون ولكن بينهم نزاع لفظي: هل يقال: إنهم مؤمنون، كما سنذكره إن شاء الله؟

    وأما الخوارج والمعتزلة، فيخرجونهم من اسم الإيمان والإسلام؛ فإن الإيمان والإسلام عندهم واحد، فإذا خرجوا عندهم من الإيمان خرجوا من الإسلام، لكن الخوارج تقول: هم كفار، والمعتزلة تقول: لا مسلمون ولا كفار، ينزلونهم منزلة بين المنزلتين، والدليل على أن الإسلام المذكور في الآية هو إسلام يثابون عليه وأنهم ليسوا منافقين، أنه قال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} ثم قال: {وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}، فدل على أنهم إذا أطاعوا الله ورسوله مع هذا الإسلام، آجرهم الله على الطاعة، والمنافق عمله حابط في الآخرة.

    وأيضا، فإنه وصفهم بخلاف صفات المنافقين، فإن المنافقين وصفهم بكفر في قلوبهم، وإنهم يبطنون خلاف ما يظهرون، كما قال تعالي: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ الله وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضا} الآيات [7]، وقال: {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [8]، فالمنافقون يصفهم في القرآن بالكذب، وأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وبأن في قلوبهم من الكفر ما يعاقبون عليه، وهؤلاء لم يصفهم بشيء من ذلك، لكن لما ادعوا الإيمان قال للرسول: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}. ونفى الإيمان المطلق لا يستلزم أن يكونوا منافقين، كما في قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لله وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [9] ثم قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [10]،

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    ومعلوم أنه ليس من لم يكن كذلك، يكون منافقا من أهل الدرك الأسفل من النار، بل لا يكون قد أتى بالإيمان الواجب، فنفى عنه كما ينفي سائر الأسماء عمن ترك بعض ما يجب عليه، فكذلك الأعراب لم يأتوا بالإيمان الواجب، فنفى عنهم لذلك وإن كانوا مسلمين، معهم من الإيمان ما يثابون عليه............
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    مع أني لم أره إلا في هذه المشاركة،
    .وهذا كلام شيخ الاسلام لتراه مرة اخرى...............
    وهذا حال أكثر الداخلين في الإسلام ابتداء، بل حال أكثر من لم يعرف حقائق الإيمان، فإن الرجل إذا قوتل حتى أسلم، كما كان الكفار يقاتلون حتى يسلموا، أو أسلم بعد الأسْرِ، أو سمع بالإسلام فجاء فأسلم، فإنه مسلم ملتزم طاعة الرسول، ولم تدخل إلى قلبه المعرفة بحقائق الإيمان، فإن هذا إنما يحصل لمن تيسرت له أسباب ذلك، إما بفهم القرآن وإما بمباشرة أهل الإيمان والاقتداء بما يصدر عنهم من الأقوال والأعمال، وإما بهداية خاصة من الله يهديه بها. والإنسان قد يظهر له من محاسن الإسلام ما يدعوه إلى الدخول فيه، وإن كان قد ولد عليه وتربى بين أهله فإنه يحبه، فقد ظهر له بعض محاسنه وبعض مساوئ الكفار. وكثير من هؤلاء قد يرتاب إذا سمع الشبه القادحة فيه، ولا يجاهد في سبيل الله، فليس هو داخلا في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} [11]، وليس هو منافقا في الباطن مضمرا للكفر، فلا هو من المؤمنين حقا ولا هو من المنافقين، ولا هو أيضا من أصحاب الكبائر، بل يأتي بالطاعات الظاهرة ولا يأتي بحقائق الإيمان التي يكون بها من المؤمنين حقا، فهذا معه إيمان وليس هو من المؤمنين حقا، ويثاب على ما فعل من الطاعات؛ ولهذا قال تعالى: ولكن قولوا اسلمنا؛ولهذا قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [12] يعني: في قولكم: {آمنا}.

    يقول: إن كنتم صادقين فالله يمن عليكم أن هداكم للإيمان، وهذا يقتضي أنهم قد يكونون صادقين في قولهم: {آمنا}. ثم صدقهم، إما أن يراد به اتصافهم بأنهم آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا، وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون. وإما أن يراد به أنهم لم يكونوا كالمنافقين، بل معهم إيمان وإن لم يكن لهم أن يدعوا مطلق الإيمان، وهذا أشبه والله أعلم لأن النسوة الممتحنات قال فيهن: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَ ّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [13]، ولا يمكن نفي الرِّيبِ عنهن في المستقبل، ولأن الله إنما كذب المنافقين ولم يكذب غيرهم، وهؤلاء لم يكذبهم ولكن قال: {لَّمْ تُؤْمِنُوا} كما قال: «لا يؤمن أحدُكُمْ حتى يحب لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه»، وقوله: «لا يزني الزاني حين يزني وهومؤمن»، و«لا يؤمن من لا يأمن جاره بَوَائِقَهُ» وهؤلاء ليسوا منافقين.

    وسياق الآية يدل على أن الله ذمهم؛ لكونهم مَنُّوا بإسلامهم لجهلهم وجفائهم، وأظهروا ما في أنفسهم مع علم الله به، فإن الله تعالى قال: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ وَالله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [14]، فلو لم يكن في قلوبهم شيء من الدين لم يكونوا يعلمون الله بدينهم، فإن الإسلام الظاهر يعرفه كل أحد، ودخلت الباء في قوله: {أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} لأنه ضُمِّن معنى: يخبرون ويحدثون، كأنه قال: أتخبرونه وتحدثونه بدينكم وهو يعلم ما في السموات وما في الأرض. وسياق الآية يدل على أن الذي أخبروا به الله هو ما ذكره الله عنهم من قولهم: {آمنا} فإنهم أخبروا عما في قلوبهم.

    وقد ذكر المفسرون أنه لما نزلت هاتان الآيتان أتوا رسول الله ﷺ، ويحلفون أنهم مؤمنون صادقون، فنزل قوله تعالى: {أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} [15]، وهذا يدل على أنهم كانوا صادقين أولا في دخولهم في الدين؛ لأنه لم يتجدد لهم بعد نزول الآية جهاد حتى يدخلوا به في الآية، إنما هوكلام قالوه، وهو سبحانه قال: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [16]، ولفظ: {لما} ينفي به ما يقرب حصوله ويحصل غالبا كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} [17]، وقد قال السُّدِّيّ: نزلت هذه الآية في أعراب مُزَيْنَة وجُهيْنَة وأسْلَمَ، وأشْجَع وغِفَار، وهم الذين ذكرهم الله في سورة الفتح وكانوا يقولون: آمنا بالله؛ ليأمنوا على أنفسهم، فلما استنفروا إلى الحُدَيْبِيَةِ تخلّفوا، فنزلت فيهم هذه الآية.

    وعن مقاتل: كانت منازلهم بين مكة والمدينة، وكانوا إذا مرت بهم سَرِيَّةٌ من سرايا رسول الله ﷺ قالوا: آمنا؛ ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، فلما سار رسول الله ﷺ إلى الحديبية استنفرهم، فلم ينفروا معه. وقال مجاهد: نزلت في أعراب بني أسد بن خُزَيْمة، ووصف غيره حالهم فقال: قدموا المدينة في سنة مُجْدِبَةٍ، فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارهم، وكانوا يمنون على رسول الله ﷺ يقولون: أتيناك بالأثقال والعيال، فنزلت فيهم هذه الآية. وقد قال قتادة في قوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [18] قال: منوا على النبي ﷺ حين جاؤوا فقالوا: إنا أسلمنا بغير قتال، لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان، فقال الله لنبيه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}.
    وقال مُقاتِل بن حَيَّان: هم أعراب بني أسد بن خزيمة، قالوا: يا رسول الله، أتيناك بغير قتال، وتركنا العشائر والأموال، وكل قبيلة من العرب قاتلتك حتى دخلوا كرها في الإسلام، فلنا بذلك عليك حق، فأنزل الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فله بذلك المن عليكم، وفيهم أنزل الله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [19]، ويقال: من الكبائر التي ختمت بنار، كل موجبة من ركبها ومات عليها لم يتب منها.

    وهذا كله يبين أنهم لم يكونوا كفارا في الباطن، ولا كانوا قد دخلوا فيما يجب من الإيمان، وسورة الحجرات قد ذكرت هذه الأصناف، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [20]، ولم يصفهم بكفر ولا نفاق، لكن هؤلاء يخشى عليهم الكفر والنفاق؛ ولهذا ارتد بعضهم لأنهم لم يخالط الإيمان بشاشة قلوبهم، وقال بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} الآية [21] وهذه الآية نزلت في الوليد بن عُقْبَة، وكان قد كذب فيما أخبر.

    قال المفسرون: نزلت هذه الآية في الوليد بن عقبة، بعثه رسول الله ﷺ إلى بني المُصْطَلِق ليقبض صدقاتهم، وقد كانت بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فسار بعض الطريق ثم رجع إلى رسول الله ﷺ فقال: إنهم منعوا الصدقة وأرادوا قتلي، فضرب رسول الله ﷺ البعث إليهم، فنزلت هذه الآية. وهذه القصة معروفة من وجوه كثيرة، ثم قال تعالى في تمامها: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [22]، وقال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى} الآية [23]، ثم نهاهم عن أن يسخر بعضهم ببعض، وعن اللَّمْزِ والتَّنَابُزِ بالألقاب وقال: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [24]، وقد قيل: معناه: لا تسميه فاسقا ولا كافرا بعد إيمانه، وهذا ضعيف، بل المراد: بئس الاسم أن تكونوا فساقا بعد إيمانكم، كما قال تعالى في الذي كذب: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فسماه فاسقا.

    وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «سِبَابُ المسلم فُسُوقٌ وقتاله كُفْر»، يقول: فإذا ساببتم المسلم وسخرتم منه ولمزتموه، استحققتم أن تسموا فساقا، وقد قال في آية القَذْف: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [25]. يقول: فإذا أتيتم بهذه الأمور التي تستحقون بها أن تسموا فساقا كنتم قد استحققتم اسم الفسوق بعد الإيمان، وإلا فهم في تنابزهم ما كانوا يقولون: فاسق، كافر، فإن النبي ﷺ قدم المدينة وبعضهم يُلَقِّب بعضا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    وقد قال طائفة من المفسرين في هذه الآية: لا تسميه بعد الإسلام بدينه قبل الإسلام، كقوله لليهودي إذا أسلم: يا يهودي، وهذا مروي عن ابن عباس وطائفة من التابعين، كالحسن، وسعيد بن جُبَيْر، وعطاء الخراساني، والقُرَظِيّ. وقال عِكْرِمَة: هو قول الرجل: يا كافر، يا منافق. وقال عبد الرحمن بن زيد: هو تسمية الرجل بالأعمال، كقوله: يا زاني، يا سارق، يا فاسق. وفي تفسير العَوْفِيّ عن ابن عباس قال: هو تعيير التائب بسيئات كان قد عملها، ومعلوم أن اسم الكفر، واليهودية، والزاني، والسارق وغير ذلك من السيئات ليست هي اسم الفاسق، فعلم أن قوله: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ} لم يرد به تسمية المسبوب باسم الفاسق، فإن تسميته كافرًا أعظم، بل إن الساب يصير فاسقًا لقوله: «سِبَابُ المسلم فُسُوق وقتاله كُفْر» ثم قال: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [26]، فجعلهم ظالمين إذا لم يتوبوا من ذلك وإن كانوا يدخلون في اسم المؤمنين، ثم ذكر النهي عن الغيبة، ثم ذكر النهي عن التفاخر بالأحساب، وقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ} [27]، ثم ذكر قول الأعراب: {آمنا}.

    فالسورة تنهى عن هذه المعاصى والذنوب التي فيها تَعَدٍّ على الرسول وعلى المؤمنين، فالأعراب المذكورون فيها من جنس المنافقين. وأهل السباب والفسوق والمنادين من وراء الحجرات وأمثالهم، ليسوا من المنافقين؛ ولهذا قال المفسرون: إنهم الذين استنفروا عام الحديبية، وأولئك وإن كانوا من أهل الكبائر فلم يكونوا في الباطن كفارا منافقين.
    قال ابن إسحاق: لما أراد رسول الله ﷺ العمرة عمرة الحديبية استنفر من حول المدينة من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه خوفا من قومه أن يعرضوا له بحرب أو بصد، فتثاقل عنه كثير منهم، فهم الذين عني الله بقوله: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} [28] أي: ادع الله أن يغفر لنا تخلفنا عنك {يّقٍولٍونّ بٌأّلًسٌنّتٌهٌم مَّا لّيًسّ فٌي قٍلٍوبٌهٌمً} أي: ما يبالون، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، وهذا حال الفاسق الذي لا يبالي بالذنب، والمنافقون قال فيهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون َ سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [29]، ولم يقل مثل هذا في هؤلاء الأعراب. بل الآية دليل على أنهم لو صدقوا في طلب الاستغفار نفعهم استغفار الرسول لهم ثم قال: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُم ْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ الله أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [30]، فوعدهم الله بالثواب على طاعة الداعي إلى الجهاد، وتوعدهم بالتولي عن طاعته.
    وهذا كخطاب أمثالهم من أهل الذنوب والكبائر، بخلاف من هو كافر في الباطن، فإنه لا يستحق الثواب بمجرد طاعة الأمر حتى يؤمن أولا، ووعيده ليس على مجرد توليه عن الطاعة في الجهاد، فإن كفره أعظم من هذا.
    فهذا كله يدل على أن هؤلاء من فساق الملة، فإن الفسق يكون تارة بترك الفرائض، وتارة بفعل المحرمات، وهؤلاء لما تركوا ما فرض الله عليهم من الجهاد وحصل عندهم نوع من الريب الذي أضعف إيمانهم، لم يكونوا من الصادقين الذين وصفهم، وإن كانوا صادقين في أنهم في الباطن متدينون بدين الإسلام.
    وقول المفسرين: لم يكونوا مؤمنين، نفى لما نفاه الله عنهم من الإيمان كما نفاه عن الزاني، والسارق، والشارب، وعمن لا يأمن جاره بَوَائِقَه، وعمن لا يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه، وعمن لا يجيب إلى حكم الله ورسوله، وأمثال هؤلاء. وقد يحتج على ذلك بقوله: {بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [31] كما قال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»، فذم من استبدل اسم الفسوق بعد الإيمان؛ فدل على أن الفاسق لا يسمى مؤمنا، فدل ذلك على أن هؤلاء الأعراب من جنس أهل الكبائر لا من جنس المنافقين.
    وأما ما نقل من أنهم أسلموا خوف القتل والسبي، فهكذا كان إسلام غير المهاجرين والأنصار، أسلموا رغبة ورهبة، كإسلام الطلقاء من قريش بعد أن قهرهم النبي ﷺ، وإسلام المؤلفة قلوبهم من هؤلاء ومن أهل نَجْد وليس كل من أسلم لرغبة أو رهبة كان من المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، بل يدخلون في الإسلام والطاعة وليس في قلوبهم تكذيب ومعاداة للرسول، ولا استنارت قلوبهم بنور الإيمان ولا استبصروا فيه، وهؤلاء قد يحسن إسلام أحدهم فيصير من المؤمنين كأكثر الطُّلَقَاء، وقد يبقى من فساق الملة، ومنهم من يصير منافقا مرتابا إذا قال له منكر ونكير: «ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلتهَ»
    وقد تقدم قول من قال: إنهم أسلموا بغير قتال، فهؤلاء كانوا أحسن إسلاما من غيرهم، وأن الله إنما ذمهم لكونهم منوا بالإسلام وأنزل فيهم: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [32] وإنهم من جنس أهل الكبائر.
    وأيضا، قوله: {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [33] و{لما} إنما ينفي بها ما ينتظر ويكون حصوله مترقبا، كقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [34]، وقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم} [35]، فقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} يدل على أن دخول الإيمان منتظر منهم، فإن الذي يدخل في الإسلام ابتداء لا يكون قد حصل في قلبه الإيمان، لكنه يحصل فيما بعد كما في الحديث: «كان الرجل يسلم أول النهار رَغْبَةً في الدنيا، فلا يجيء آخر النهار إلا والإسلام أحب إليه مما طلعت عليه الشمس»؛ ولهذا كان عامة الذين أسلموا رغبة ورهبة دخل الإيمان في قلوبهم بعد ذلك، وقوله: {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أمر لهم بأن يقولوا ذلك، والمنافق لا يؤمر بشيء، ثم قال: {وَإِن تُطِيعُوا الله وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} والمنافق لا تنفعه طاعة الله ورسوله حتى يؤمن أولا.[مجموع الفتاوى]

  17. #57

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    الإسم الواحد قد يُنفَى ويُثبَت بحسب الأحكام المتعلقة به -قال شيخ الاسلام بن تيمية -وجماع الأمر أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به فلا يجب إذا اثبت أو نفي في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام وهذا في كلام العرب وسائر الأمم لأن المعنى مفهوم -
    الأولى فهم وجه الاستشكال، ثم الإعانة على الجواب إن شاء الله.
    هنا أمور:
    الأول:
    أن السلف والخلف اختلفوا في الأعراب في الجحرات وكثير من السلف وأكثر أهل التفسير ذهبوا إلى نفاقهم، ولا ريب أن هؤلاء السلف القائلين بنفاق الأعراب هم ممن يقول بنفي الإيمان لانتفاء كماله الواجب خلافا للخوارج والمعتزلة... وإذا اتضح هذا فالمسألة عندهم لا ترجع هنا إلى نفي الإيمان وإثباته بحسب الأحكام المتعلقة به، لأنه أصلهم ودينهم، وقد خرجوا عنه هنا لدلائل اقتضت ذلك.
    الأمر الثاني: الأعراب في الحجرات إن كانوا مؤمنين حقيقةً فقد قيل لهم: لستم مؤمنين، وهو ما نهت عنه آية النساء {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً}، سواء كان إيمانهم ضعيفاً أو قوياً لعموم اللفظ في آية النساء.
    وإن كان الأعراب منافقين مع إظهار الإسلام فقد عوملوا بخلاف الظاهر؛ لأن الواجب إعطاؤهم أحكام المؤمنين في الدنيا، ومن أحكام المؤمنين أن لا يقال لمن قال إنه مسلم لست مسلما أو لست مؤمنا، والأعراب قيل لهم: لستم مؤمنين، وهذا معاملة بخلاف ما أظهروا - أي معاملة بالباطن.
    الأمر الثالث: آية الذاريات مشكلة على أصل المفرّق بين الإسلام والإيمان؛ لأن جميع أهل البيت كانوا مؤمنين إلا ذاك الواحد؛ فدلّ على أن المؤمنين مسلمون والعكس صحيح...
    والأصل أن يتبع الفرد الأكثرَ والأغلب في الحكم والإطلاق......
    فالدار دار إسلام وإيمان وإن كان فيها كافرون وملحدون...
    والدار دار كفر وشرك وإن كان فيها مسلمون وموحدين نظراً للغالب فيها في الموضعين...
    ولا شك أن أهل البيت (بيت لوط) كانوا مؤمنين وقد نجوا جميعاً إلا منافقا واحداً..
    والسؤال: كيف عُومل المؤمنون من قوم لوط بخلاف ظاهرهم وباطنهم فأطلق عليهم بالمسلمين وهم مؤمنون إن كان الإسلام غير الإيمان عند الاقتران؟
    وكيف أعطي الجمهور حكمَ الواحد في الإطلاق؟
    الأمر الرابع: لم أر إلى الآن من يقول: يقال لمن دخل في الإسلام حديثا لست مؤمنا ولا يقال: لست مؤمنا لمن دخل في الإسلام قديماً!! مع أنه مخالف لظاهر آية النساء كما سبق.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •