تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 40 من 57

الموضوع: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Feb 2019
    المشاركات
    260

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    فهل برأيك ينفى الإيمان لانتفاء الكمال المستحب؟
    لا
    قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي " وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الْآيَةَ فَهَذِهِ الْآيَةُ أَثْبَتَ فِيهَا الْإِيمَانَ لِهَؤُلَاءِ وَنَفَاهُ عَنْ غَيْرِهِمْ كَمَا نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنْ نَفَاهُ عَنْهُ فِي الْأَحَادِيثِ مِثْلَ قَوْلِهِ: {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاكُمْ} وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ} وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} الْآيَةَ. وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي نَفْيِهَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ وَالشَّارِعُ دَائِمًا لَا يَنْفِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ إلَّا لِانْتِفَاءِ وَاجِبٍ فِيهِ وَإِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَالْكَمَالُ نَوْعَانِ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ فَالْمُسْتَحَبّ ُ كَقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ: الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى كَامِلٍ وَمُجْزِئٍ أَيْ: كَامِلُ الْمُسْتَحَبَّا تِ وَلَيْسَ هَذَا الْكَمَالُ هُوَ الْمَنْفِيَّ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ بَلْ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالشَّارِعُ لَمْ يَنْفِ الْإِيمَانَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الصِّيَامَ وَلَا الطَّهَارَةَ وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه َا؛ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْتَفَى الْإِيمَانُ عَنْ جَمَاهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ إنَّمَا نَفَاهُ لِانْتِفَاءِ الْوَاجِبَاتِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ} وَ {لَا صَلَاةَ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ} . وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْهُ أَلْفَاظٌ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي ثُبُوتِهَا عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِهِ: {لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ}
    قال ايضا
    وَقَوْلُهُ: " {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ". وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ وَكَوْنَهُ لَيْسَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقُولُهُ الْمُرْجِئَةُ: إنَّهُ لَيْسَ مِنْ خِيَارِنَا؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مِنْ خِيَارِهِمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يَقُولُهُ الْخَوَارِجُ: إنَّهُ صَارَ كَافِرًا. وَلَا مَا يَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ : مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْخُلُودِ فِي النَّارِ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا. فَهَذِهِ كُلُّهَا أَقْوَالٌ بَاطِلَةٌ قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَكِنْ الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ فِي بَابِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِلَا عِقَابٍ هُوَ الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ الْمُجْتَنِبِ الْمَحَارِمَ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَمَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْكَبَائِرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ إذْ هُوَ مُتَعَرِّضٌ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى تِلْكَ الْكَبِيرَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِهِ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ أَوْ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّ تَرْكَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الذَّمَّ وَالْوَعِيدَ وَالْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: الْغُسْلُ يَنْقَسِمُ إلَى: كَامِلٍ وَمُجْزِئٍ. ثُمَّ مَنْ عَدَلَ عَنْ الْغُسْلِ الْكَامِلِ إلَى الْمُجْزِئِ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا. فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ " أَنَّهُ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَقَدْ غَلِطَ. وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ وَلَكِنْ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَمَالِ الْوَاجِبِ. وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي سَائِرِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: مِثْلُ قَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} - إلَى قَوْلِهِ - {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} وَمِثْلُ االْقُرْآنِ} " وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي مُسَمَّى الِاسْمِ إلَّا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ؛ لَا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه ِ فَيُفِيدُ هَذَا الْكَلَامُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ الَّذِي لَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْإِيمَانِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ يَتَبَعَّضُ وَيَتَفَاضَلُ. كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {يَخْرُجُ مَنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ} ".
    وقال ايضا
    . وَإِذَا عُرِفَ مُسَمَّى الْإِيمَانِ فَعِنْدَ ذِكْرِ اسْتِحْقَاقِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنْ النَّارِ وَذَمَّ مَنْ تَرَكَ بَعْضَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ - يُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ كَقَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وَقَوْلِهِ {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} الْآيَةَ. وَقَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ } . وَقَوْلِهِ فِي الْجَنَّةِ: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} . وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ} " فَنُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَشُعَبِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا حَقِيقَتُهُ أَيْ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ لَيْسَ هُوَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    من مذهب أهل السنة والجماعة نفي الإيمان عن العبد لترك واجب أو ارتكاب محرّم!
    [/COLOR]
    أصول مذاهب المرجئة نظريا

    أولا: منطلق الشبهة و أساسها
    إن منطـلـق الشبهات كـلها في الإيمان وأساس ضلال الفرق جميعها فيـه هـو أصل واحد اتـفـقـت عليه الأطراف المتـناقـضة جميعها , ثم تضاربـت عـقـائدها المؤسسة عليه :
    وذلـك أن الخوارج والمعتـزلة والمرجئة - الجهمية منهم والـفقهاء والكرامية - اتـفـقـوا عـلى أصل واحد انطلقوا منه : هـو أن الإيمان شئ (1) واحد لا يزيـد ولا ينقص , وأنه لا يجتمع في الـقـلـب الواحد إيمان ونفاق , ولا يكون في أعمال العبد الواحـد شعبة من الشرك وشعبة من الإيمان .
    والعجيب أن هـذه الفرق تحسب أن هـذا موضع إجماع وتدعي ذلـك , وعليه تبني معتـقدها, وإنما هـو إجماع بينها فقط , وربما كان ذلك لأن أكثر المصنفين في الفرق و المقالات هـم من غـيـر أهـل السنة , ولا يذكرون مذهب أهل السنة , وإنما يذكرون مذاهـب أهـل الكلام والجدل.
    على هـذا الأصل بنى الخوارج قـولهم : أن مرتـكب الكبيرة غير مؤمن , لأن إيمانه زال بارتكاب الكبيرة , ثم اختـلـف عليهـم بعض فرقهم في معنى هذا الكفـر وبعض لوازم هـذا القول.
    ووافقهم المعتـزلة على هـذا , لكن لما رأوا أن التـسوية في الحكم بين الكافـر والمرتـد , وبين الزاني والسـارق
    والشارب يستبعده العـقـل والشرع , حيث فرق الله بين حكم كـل من هـذين في الدنيا و الآخرة , اكتـفـوا بإزالة اسم الإيمان عنه ولم يدخـلوه في مسمى الكـفـر , فابـتـدعـوا ما أسموه " المنزلة بين المنـزلتين " .
    أما في المآل والعاقبة - أي أحكام الآخرة - فهم والخوارج سواء , فـقـد اتـفـقـتـا في الحكم وهـو التخليـد في النار , واختـلفتا في الاسم , فالخوارج سموه كافرا , وهـؤلاء جعلوه في منزلة بين المنـزلتين.
    وأما المرجئة فإنهم - مع الإيمان بالأصل المذكور - وجدوا النصوص الكثيرة (2) والنظر العـقـلي يدلان على فساد قول الخـوارج ومعهـم المعتـزلة , ووجدوا كذلك - وهـذه شبهة أساس عندهم - أن ارتكاب المحظورات وترك الفرائض هـو من جنس الأعمال لا الاعتـقادات , فاتـفـقـت سائـر فـرقهم عـلى إخـراج الأعمال من مسمى الإيمان حتى يسلم لهـم الأصـل المذكور , فيظـل تارك الفريضة أو مرتكب المحرم مؤمنا , بل لم يتورع بعضهم عن التصريح بمساواة إيمانه بإيمان الملائكة و النبيين بناء عـلى هذا الأصل.
    ثم إن المرجئة اختلفـت فرقهم , فمنهم من يقول : الإيمان محله الـقـلب , ومنهم من يضيف إليه إقرار الـلسان .
    والذين قالوا محله القلب اختـلفـوا في التسمية , فقال بعضهم : هـو المعـرفة , وقال آخرون : هـو التصديق .
    والذين قالوا: أن الإيمان يشمل الاعتـقاد والإقـرار معا افترقـوا , فمنهم من خص الاعتـقاد بالتصديق , ومنهم من أدخل سائـر أعمال الـقـلب فيه . والذين خصوه بالتصديق أولوا أصل مذهـبهم في الإقرار والنطق بأنه علامة عـلى ما في القـلـب فقط , أو ركن زائد وليس بأصلي ونحو ذلـك .
    والكـرامية - خاصة - بـقـوا عـلى الأصل نفـسه أنــه شئ واحد, لكن جعلوه الإقـرار والنطق فقط .
    وبهذا الإيجاز والإجمال يتبين لنا أنه يمكن هـدم مذاهب المخالفين في الإيمان جميعها بهدم هذا الأصل الـفـاسد الذي هـو رأي مجرد عن النصوص , كما يمكن وضع ضابط لمعرفة مذاهـب الناس في الإيمان - ولا سيما المرجئة - بحسب محـل الإيمان من الأعضاء .
    ثانيا : هـدم هـذا الأصـل شـرعـا :
    من أسهـل الأمور وأجلاها بيان فساد هـذا الأصل , ولهذا سنكتـفي بإيـراد هـذه الأدلة المجملة (3) .
    1 - انعقاد الإجماع عـلى ذلـك من الصحابة والتابعين وتابعيهم - كما سبق - وهـو إجماع مستـنـد إلى النصوص الصريحة من الكتاب و السنة في زيادة الإيمان ونـقـصه , واجتماع النفاق والإيمان في الـقـلـب الواحـد واجتماع الشرك والإيمان في عمل الرجل الواحد (4) .
    2 - تـفاضل المؤمنين في الأعمال الظاهـرة تـفاضلا لا ينكره إلا مكابـر , فمنهم القانت الأواب , والمجاهـد الدائب , ومنهم المقتصد , ومنهم الظالم لنفسه المنهمك في فـسقـه .
    3- تـفاوت المؤمنين في الأعمال الباطنة , كالحب والخوف والرجاء والذكر والتـفكر في آلاء الله وآياته والخشوع
    واليقين … ونحو ذلك مما لا يجحده إلا معاند عامد.
    4- تـفاوت الناس في العلم بما يؤمن به - حتى لو سلم جدلا أنه التصديق - فمنهم من يعلم من صفات الله وآياته وأسباب سخطه ومرضاته الشىء الكثير , ويؤمن بذلك ويعـتـقـده مفـصلا , ومنهم من لا يعلم منه إلا النزر اليسيـر الـمجمل , فلا مراء في أن الأول مصدق بأضعاف ما الآخـر مصدق به , فالمعرفة والعلم واليقين كل منها درجات متـفاوتة , والإنسان الواحـد نفسه يكون إيمانه بشىء أقـوى من إيمانه بشىء آخر , ويكون إيمانه بالشىء اليوم أقـوي منه غدا أو العكس .
    5- أن الإيمان يتـفاوت بتـفاوت سببه و مستـنده , فمن آمن بسبـب آية خارقة رآها , ليس كمن آمن تبعا لإيمان غيره من الناس أو نحو ذلـك من الأسباب العارضة (5) .
    ثالثا : ضـابط مـعـرفة أصـول الـفـرق في الإيـمـان :
    يمكن معرفة أصول الفرق المختـلفة في الإيمان بتـقسيم الأقـوال منطقيا حسب الأعضاء الثلاثة : " القـلب , اللسان , والجوارح " وقد وضع هذا الضابط - نصا أو تـلميحا - بعض المؤلفين من العلماء , عوضا من استعراض الفرق الذي سارت عليه كتـب الفرق و المقالات , ومنهم الإمام الطبري (6) . وابن حزم (7) وشيخ الإسلام ابن تيمية (8) وابن أبى العز (9) , وقـد رأيـت أن أستـفيد من مجموع كلامهم ، وأوجز كلامهم وأستخرج منه مع الزيادة والإيضاح ضابطا محددا يعين على معرفة الأقوال والتـفريق بينها بيسر وسهولة فكان هذا التـقسيم :
    - أن الإيمان بالقلب واللسان والجوارح
    1-أهل السنة
    2-الخوارج
    3- المعتـزلة
    أن الإيمان بالقلب واللسان فقط
    المرجئة الفقهاء
    ابن كلاب
    - أن الإيمان باللسان والجوارح فقط
    الغسانية أو فرقة مجهولة 6
    - أن الإيمان بالقلب فقط
    الجهمية
    المريسية
    الصالحية
    الأشعرية
    الماتريدية
    وسائر فرق المقالات
    - أن الإيمان باللسان فقط
    الكرامية
    وبعض هذه الأقسام تحتاج لتفصيل إيضاحى وهى :
    أ*- الذين قالوا إنه بالقلب واللسان والجوارح طائفتان
    1- الذين قالوا : الإيمان فعل كل واجب وترك كل محرم ، ويذهب الإيمان كله بترك الواجب أو فعل الكبيرة ، هم :
    1- الخوارج :
    ومرتكب الكبيرة عندهم كافر .
    2- المعتزلة :
    ومرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين المنزلتين .
    2- الذين قالوا : الإيمان قول وعمل (10) , وكل طاعة هى شعبة من الإيمان أو جزء منه ، الإيمان يكمل باستكمال شعبه وينقص بنقصها ، ولكن منها ما يذهب الإيمان كله بذهابه ومنها ما ينقص بذهابه .
    فمن شعب الإيمان أصول لا يتحقق إلا بها ، ولا يستحق مدعيه مطلق الاسم بدونها .
    ومنها واجبات لا يستحق الاسم المطلق بدونها .
    ومنها كمالات يرتقى صاحبها إلى أعلى درجاته .
    (وتفصيل هذا كله حسب النصوص)
    وهم أهل السنة والجماعة .
    ب*- الذين قالوا : إنه يكون بالقلب واللسان فقط : طائفتان
    1-الذين منهم يدخلون أعمال القلب وهم بعض قدماء المرجئة الفقهاء وبعض محدثى الحنفية المتأخرين
    2-الذين لا يدخلون أعمال القلب ، وقد تطور بهم الأمر إلى إخراج قول اللسان أيضا" من الإيمان وجعلوه علامة فقط وهم عامة الحنفية (الماتريدية)
    ج-الذين قالوا : إنه يكون بالقلب فقط : ثلاث طوائف
    1-الذين يدخلون فيه أعمال القـلب جميعا ، وهم سائر فرق المرجئة كاليونسية والشمرية والتومنية .
    2-الذين يقولون :
    هو المعرفة فقط :
    الجهم بن صفوان .
    3-الذين يقولون :
    هو التصديق فقط :
    الأشعرية والماتريدية .
    هـذه هـي الأصول النظرية عامة .
    أما في واقع الظاهرة فـقـد تـقـلـصت هـذه الفرق إلى أقل من ذلك نظرا للتداخلات والتطورات الفكرية التى كان أهمها وأجلاها :
    1- استخدام قواعد المنطق وإدخاله علما معياريا يحكم في القضايا النظرية الخلافية عامة, ومنها قضية الإيمان .
    2- تحول مباحث العقيدة أو التوحيد والإيمان إلى "علم الكلام" الذى يقـوم على أسس فـلسفية ويستخدم القـواعد المنطقية ، وإجمالا هـو مباحث نظرية عقـلية ليس للنصوص فيها - إن وجدت - إلا مكانة ثانوية ، لا سيما في العصور الأخيرة . وهذا ما سوف نفصل الحديث فيه عما قـليـل .
    والمهم هـنا أن هـذه الأسباب وغيرها من الأسباب التاريخية البحتة أدت إلى انـقـراض بعض الفرق الإرجائية ، وهـي :
    1- الكرامية :
    لم يعد لهم وجود ولا لفكرهم إلا في كتب المخالفين ، مع أنها آخـر المذاهـب المبتدعة في الإيمان (11) , ظهورا .
    وانقراضهم قديم نسبيا ، يقول الذهبى (فى القرن الثامن) : " وكان الكرامية كثيرين بخراسان ولهم تصانيف ، ثم قلوا وتـلاشوا ، نعـوذ بالله من الأهـواء" (12) .
    هذا مع أنه كان لهم وجود ظاهـر حتى نهاية القرن السادس ومطلع السابع ، فإن المؤرخين لـلـرازى وعـلى رأسهم ابن السبكى (13) . ذكروا مناظراتـه لهم ، وكتـب الرازى تـنضح بذلك ، والرازى هـو الإمام الثانى للأشعرية توفى سنة 606هـ (14) .
    وقبل ذلك أثـناء ظهور إمام الأشعرية الأول وناشر المذهب ( أبـو بكـر الباقلاني ) , كان في مقدمهم ابن الهيصم يكتب ويناظر في الطرف الآخر .
    قال شيخ الإسلام : " وقد رأيت لابن الهيصم فيه مصنفا في أنه قول اللسان فقط ، ورأيت لابن الباقلانى فيه مصنفا أنه تصديق الـقـلـب فـقـط ، وكلاهما في عصر واحد وكلاهما يرد على المعتـزلة والرافضة " (15) ..
    2- الجهمية وأصحاب المقالات (كاليونسية والشمرية) :
    انقرض القائلون بأن الإيمان هـو مجرد المعرفة الـقـلبية .
    ولكن العجيب هـو قيام أعظم مذهـبين في الإرجاء وهـما الأشعرية والماتريدية الـلـذان يشكلان جملة الظاهـرة العامة على أصوله في أن الإيمان هـو ما في الـقـلـب فقط ، حتى إن الماتريدية أولت ما هـو مشهور عن أبي حنيفة أن الإقـرار بالـلسان ركن آخـر للإيمان ، وجعلوه علامة فقط كما سيأتى عنهم .
    هذا مع أن الأشعري نفسه صرح بمذهـب جهم وجعـله الفرقة الأولى من فرق المرجئة ، والمنتسبون إليه يقرؤون ذلـك إلى اليوم ، بل إن كلام إمامهم المتـقدم " الباقلاني " في الإيمان يماثـل ما ذكره إمامهم المنتسبون إليه " الأشعرى " عن جهم !! وهذا من تـناقضهم .
    وعلى هذا يصح أن نقول إن مذهب الجهمية في جملته لم ينقرض، وإنما انقـرض القسمان الأولان من الأقـسام الثلاثة المتفقة على الإيمان يكون بالقلب وحده - أعني سائر الفرق ذات المقالات والجهمية - .
    أما الفرقة الثالثة فكل ما عملته هو تحوير أو تعديل في كلام جهـم، فوضعت التصديق بدلا من المعرفة، وصرحت بنفي أعمال القلب الأخرى مثلما صرح جهم وجعلت الأعمال المكفرة مجرد علامة على الكفر الباطن ، وجعلت كل من حكم الشرع بكفره فاقدا للتصديق القلبي، ونحو ذلك من الآراء واللوازم الـتي لم يخالفـوا جهما في شئ منها , إلا إذا صح أن جهما التـزم القول بأن من أعلن التـثـليث في دار الإسلام وحمل الصليب بلا تـقية أنه يكون مؤمنا إذا كان يعرف الله (16) . على أن ابن حزم نسب هذا الالتـزام للأشعرى معه ، ولا يصح هذا عن الأشعري .
    لكن الأشعرية يقولون إنه يمكن أن يكون مؤمنا في الباطن ، ولكن إعلانه التثـليث وحمله الصليـب دليل على كفره ، وعلامة عليه ، فهو كافر " ظاهرا " مع كونه مؤمنا " باطنا " إذا كان مصدقا !!
    وعلى أية حال فإن الفرق بين التصديق المجرد من أعمال القلب وبين المعرفة مما يتعذر على العقول إدراكه ، كما نص شيخ الإسلام على أن الانقراض قد شمل أيضا آراء بعض قدماء المذهب الأشعري ؛ فمؤسسه ابن كلاب كان على عقيدة المرجئة الفقهاء (17) .، وأما أبو عبدالله بن مجاهد تلميذ الأشعري وشيخ الباقلاني ، وأبو العباس القلانسي ، ونحوهم ؛ فكانوا على عقيدة السلف في الإيمان - كما نقله عنهم أبو القاسم الأنصارى شيخ الشهرستاني في شرح كتاب الإرشاد للجويني (18) . وكل هؤلاء لم يبق لهم في مذهب الأشعرية أثر .
    3- الـمـرجـئة الـفـقـهـاء:
    بعد أن استـقـرت الأمة على التمذهب بالمذاهب الأربعة المشهورة ، استـقـر مذهب المرجئة الفقهاء ضمن مذهب أبي حنيفة رحمه الله ، ولهذا أصبح يسمى مذهـب الحنفية .
    وأبو حنيفة رحمه الله تضاربت الأقوال في حقيقة مذهبه - وموقـفه من أعمال القـلوب خاصة - أهي داخلة في الإيمان أم لا ؟
    ولم يثبت لدي فيما بحثـت أي نص من كلام الإمام نـفسه ، إلا أنني لا أستبعد أنه رحمه الله رجع عن قوله ووافق السلف في أن الأعمال من الإيمان ، وهذا هـو المظنون به (19) . أما المشهور المتـداول عنه فهـو مذهـب المرجئة الفقهاء , أي إن الإيمان يشمل ركنين : تصديق القلب وإقرار اللسان ، وأنه لا يزيـد ولا ينـقص ولا يستـثـنى فيه ، وأن الفاسق يسمى مؤمناً , إذ الإيمان شىء واحد ينتـفي كـله أو يبقى كله حسب الأصل المذكور سابقاً .
    وأشهـر من يمثـل هـذا المذهـب هم فقهاء الحنفية المتمسكون بعقيدة السلف وعلى رأسهم الإمام أبو جعـفـر الطحاوي صاحب العقيدة المشهورة ، والإمام القاضي ابن أبي العـز شارحها ، وقـليـل من المتـأخرين .
    وحقيقة الأمر أن مذهب هـؤلاء مضطرب متردد ، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " إنهم إذا لم يدخـلوا أعمال القـلوب في الإيمان لزمهم قول جهم ، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضاً , فإنها لازمة لها ". (20) .
    وعبارة الطحاوي رحمه الله تدل على هذا فإنه قال : " والإيمان هو الإقـرار باللسان والتصديق بالجنان ، وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق ، والإيمان واحد ، وأهـله في أصله سواء ، والتـفاضل بينهم بالخشية والـتـقى ومخالفة الهوى ، ملازمة الأولى (21) .
    فقوله : " والإيمان واحد " شاهد لما قلنا من أن أصل الشبهة ومنطلقها هـو هـذا .
    وقوله : "في أصله سواء والتفاضل بينهم بالخشية والتـقى" إلخ , مخالف لذلك ، فاضطربت عبارته ؛ لأن قوله : "وأهـله في أصله سواء" يدل عل أن للإيمان أصلاً وفرعاً أو فروعاً - هو أعمال الجوارح وأعمال القلب- .
    فيقال : إن كان الفرع داخلاً في مسمى الأصل كما هـو الشرع واللغة والعرف لم يعـد الإيمان واحداً ، بل متـفاوتـاً متـفاضلاً - كإثباته التـفاضل في الخشية والتـقى - .
    وإن كان غيـر داخل في مسماه فقوله : "وأهـله في أصله سواء" غير دقيق فينبغي أن يـقول "وأهـله فيه سواء" .
    والذي دفعه رحمه الله إلى الوقوع في هـذا هـو محاولة الجمع بين مذهـبي السلف وأبي حنيفة , لأن الرجل حنـفي سلـفي ، وكذا شارح عقيدته ، فإنه حاول ذلك أيضاً وأراده ، ولهذا قال في شرح العبارة " ولهـذا - والله أعلم - قال الشيخ رحمه الله : وأهـله في أصله سواء يشيـر إلى أن التساوي إنما هـو في أصله ، ولا يلزم منه التساوي من كل وجه ". (22) .
    فيقال له : ما هذا الأصل من التصديق الذي يكون أهـل الإيمان كلهم مشتركين فيه ويكون ما فوقه زيادة عليه ؟ ومن الذي وضعه ؟ وهـذا في الحقـيـقة يقودنا إلى قـضية فـلسفية منطقية هي إثبات الماهـية المشتركة خارج الذهـن (23) . وهـو ما لا يقره رحمه الله .
    وهاهـنا قضية مهمة ، وهي أن بعض الناس يثبتون أن الخلاف بين مذهـب السلف ومذهـب أبي حنيفة لفظي بإطلاق ، مستـدلين بظواهـر بعض كلام شيخ الإسلام وبمثـل صنيع الطحاوي والشارح ، والأخير نص عـلى أن الخلاف صوري ، ونحن وإن كان غرضنا هـنا ليس التـفصيل وإنما هو إثبات الظاهرة , فإننا نبين وجه الحق في ذلك وعلاقته بتطور الظاهرة قائمة أيضاً ؛ لأن بعض الناس قد يحسب أن الماتريدية - وهي الطور النهائي للظاهرة بالنسبة للمرجئة الفقهاء- هي عـلى مذهـب أبي حنيفة كما تـزعم ، والخلاف بينها وبين السلف صوري .
    وسوف نبطل ذلك ببيان حـقـيـقـة الخلاف بين أبي حنيفـة والسلف ، ثم نبين بـعـد خـروج مذهـب الماتـريـديـة عن حقيقة مذهـب الإمام.
    بل إن بيان مذهب أبي حنيفة والمرجئة الفقهاء عامة لهو مما يدل عـلى انـقـراضه إلا من أمثال هـذين الإمامين.
    فما حقيقة الخلاف بين مذهب السلف ومذهب الحنفية ؟
    قبل الإجابة المباشرة يجب أن نتذكر ما سبق في فصل " المرجئة الفقهاء " من نـقـل ذم علماء السلف للمرجئة وأنهم هـم هؤلاء ، وبيان ظلالهم وبدعتهم ، وهو ما تنصح به كتب العقيدة الأثرية عامة ، فهل يعـقـل أن يكون هذا كله والخلاف لفظي فقط ؟!
    والذي تبينته من خلال الدراسة والتـتبع أن سبب الـلـبس الواقع أحياناً هـو أن لـلمسألـة جانبين :
    الأول : ما يتعلق بحقيقة الإيمان أو ماهـيتـه الـتصورية إن صح التعـبير :
    والخلاف فيها حقيـقي قطعاً ، وله ثمراتـه الواضحة وأحكامه المترتبة مثـل :
    1- فالسلف يـقولون بزيادته ونقصانه ، وهـؤلاء يقـولون بعدمها .
    2- إطلاقه على الفاسق أو عدمه , فالسلف لا يطـلـقونه على الفاسق إلا مقيداً ، وهؤلاء بعكسهم .
    3- هـل يقع تاماً في الـقـلـب مع عدم العمل أم لا ؟ عند السلف لا يقع تاماً في الـقـلـب مع عـدم العمل ، وعند هؤلاء يقع .
    4- وعند السلف أعمال القـلب هي من الإيمان ، وعند هـؤلاء خشية وتـقوى لا تدخـل في حقيقتـه .
    5- وعنـد السلف الإيمان يتـنوع باعتبار المخاطبين به ... فيجب على كل أحد بحسب حاله وعلمه ما لا يجب على الآخر من الإيمان ، وعند هـؤلاء لا ينوع .
    6- السلف يقـولون إنه يستـثـنى فيه باعتبار ، وهؤلاء يقولون لا يجوز ذلـك لأنه شك .
    7- إطلاق نصوص الإيمان على العمل أهـو حقيـقة أم مجاز؟ فالسلف يقولون حقيقة ، وهـؤلاء يقولون مجاز .
    8- وهـؤلاء يقولون : يجوز أن يقول أحد : إن إيماني كإيمان جبريل ، والسلـف يـقـولون : لا يجوز بحال .
    الثاني : ما يتعـلق بـالأحـكـام والمآلات وأهـمـهـا :
    1- حكم مرتـكـب الكبيرة عند الله ، وأنه لا يطلق عليه الكـفر في الدنيا ، ولا يخلد في النار في الآخرة ، بـل هـو تحت المشيئة .
    2- كون الأعمال مطلوبة ، لكن أهي أجزاء من الإيمان أم مجرد شرائع له وثمرات ؟ فمن نظر إلى هـذا فقط قال إن الخلاف صوري أو إن النـزاع لـفـظي .
    ولكن مما يرد به على أصحاب هـذا المذهـب في الـقول نفسه - فضلاً عن القسم الأول - :
    1- أن إخراج الأعمال من مسمى الإيمان بدعة لم يعرفها السلف .
    2- أن ذلـك اتخـذ ذريعة لإرجاء الجهمية - كما سبق , بل أدى إلى ظهور الفسق - كما ذكـر شيخ الإسلام .
    3- أنـه تـكـلـف وتعـسـف في فهـم الأدلة ورد ظواهـرهـا الصريحة .
    4- أن كـل شبهـة لهـم في ذلـك منـقوضة بـحجة قوية .
    على أن القضية المهمة في الموضوع والتي ترتـب عليها خلافهم في حكم تارك الصلاة - وقولهم أنه يقتـل حداً- هي قضية تـرك جنس العمل بالكلية .
    فقولهم : إنه مؤمن يجعل الخلاف حقيقياً بلا ريب ، بـل هـم يجـعـلونه كامل الإيمان عـلى أصلهم المذكور .
    فالخلاف فيها لا يقتصر على التسمية والحكم في الدنيا بل في المآل الأخـروي أيضاً ، هـذا ما أخطأ فيه شارح الطحاوية حين قال : " وقـد أجمعوا - أي السلف والحنفـية - على أنه صدق بقـلبه وأقـر بلسانه وامتـنع عن العمل بجوارحه أنـه عاص لله ورسولـه ، مستحق للوعيد ". (24) .
    واستـدل بهذا على أن الخلاف صوري ، والواقع أن مجرد الاتـفاق على العقوبة لا يجعل الخلاف كذلـك .
    بل مذهـب السلف أن تارك العمل بالكلية كافر ؛ إذ انعقـد إجماع الصحابة عليهم رضوان الله على تكـفـيـر تارك الصلاة ، ولم يخالف في ذلك أحد حتى ظهـرت المرجئة وتأثر بها بعض أتباع الفقهاء الآخرين ، دون علم بأن مصدر الشبهـة وأساسها هـو الإرجاء " (25) .
    ونعود إلى موضوع انـقراض هـذا المذهـب وتطور الظاهـرة ، فـنقول : إن أحـداً في النصف الثاني من القرن الثاني لم يكن يتوقع انـقـراض هـذا المذهـب ؛ لأنه كان يمثـل مذهـب الدولة الرسمي - أو شبه الرسمي - ويكاد يسيطر على أصحاب المناصب العلمية والقضائية الرسمية في بغداد والأقاليم .
    ولكن لم يلبث أن انقرضت صورته وتحول إلى مذهب فلسفي كلامي منذ القرن الرابع ، ومن أهم أسباب ذلك :
    1- المقاومة الشديدة التي بذلها أهل السنة في محاربتـه ، وعـلى رأسهـم الإمام أحمد - الذي كان يدرس كتاب الإيمان وكتاب الأشربة (26) له في الحـلـقـات العامة - وماثـله واقتدى به علماء الحديث والرجال (27) فلم يحقق مذهب الحنفية أي انتصار علمي يذكر .
    وبعد التـغيـر الجذري الذي انتهـت إليه فتـنة الإمام أحمد ، والمكانة العليا التي تبوأها لدى الخلفاء والعلماء والعامة ، وبروز المذاهـب الأخرى - لا سيما الشافعـية - تـقـلـصت مكانة هـذا المذهـب في الفـروع ، وكان تـقـلـصها في الأصول أكثر .
    2- انتشار المنطق والـفـلـسفة وعلم الكلام ، فـقـد حاول متـكـلموا هـذا المذهـب تعويض الهزيمة التي لحقـتـه في المجال العلمى النصي ( الكتاب والسنة ) بإضفاء الطابع الـفـلسفي عليه ، مستـفيدين من هـذا الانتشار الذي لم يقابله أهل السنة بما يستحق - لأسباب يطول ذكرها - فمال إليه الطبـقة المثـقـفة ، وتخـلى معظم الـفـقهاء الحنـفية ( وغيرهم ) عن التعـرض لأمور الـعـقـيـدة وأحالوهـا إلى علماء الكلام ، وهـنا برز من متكلمي الحنفية رجـل كان لـه أعظم الأثـر في الانـتـصار لمذهـب جهـم وتحويل مذهـب الحنفية إليه ، وهـو أبـو منصور الماتريدي . (28) .
    وقد اضطر الحنفية في بعض المراحـل إلى الالتصاق بالأشعرية الذين كانوا أكثر منهم تعمقاً في الكلام , حتى أصبح كلام الباقلاني والرازي من أهـم مصادرهـم . وهـذا مما جعل الـفـرقتين تتـقاربان كثيراً ، حتى إن مسائـل الخلاف بينهما حصرت في قضايا معدودة أكثرهـا فلسفي .

    منقول عن موقع الدرر السنية
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  3. #23

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبدالعظيم مشاهدة المشاركة
    لا ، قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي " وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ... { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ}
    راجع بنفسك كتب التفاسير المسندة وغيرها في آية الحجرات حتى تعلم أن السلف اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو لنفي الكمال، وكذلك آية النور اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو للكمال وجمهور المفسّرين في الموضعين على نفي الأصل. أما ءاية الأنفال فقد اختلفوا أيضا هل هو لنفي الأصل أو للكمال. وبعض المفسّرين: حملوا آية الأنفال على المؤمن الكامل الكمال الواجب والمستحب بدلائل وقرائن في الآية.


  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    ومما يتعلق بالموضوع:
    المقصود بالفاسق الملي

    والمقصود به الفاسق من أهل القبلة، والنزاع في اسمه وحكمه هو أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين.
    قال شيخ الإسلام: (وبتحقق هذا المقام يزول الاشتباه في هذا الموضع، ويعلم أن في المسلمين قسما ليس هو منافقا محضا في الدرك الأسفل من النار، وليس هو من المؤمنين الذين قيل فيهم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصادِقُونَ [الحجرات:15].
    ولا من الذين قيل فيهم: أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال:4] فلا هم منافقون ولا هم من هؤلاء الصادقين المؤمنين حقا، ولا من الذين يدخلون الجنة بلا عقاب. بل له طاعات ومعاص، وحسنات وسيئات، ومعه من الإيمان ما لا يخلد معه في النار، وله من الكبائر ما يستوجب دخول النار.
    وهذا القسم قد يسميه بعض الناس: الفاسق الملي وهذا مما تنازع الناس في اسمه وحكمه. والخلاف فيه أول خلاف ظهر في الإسلام في مسائل أصول الدين) (1) .
    وأهل السنة لا يكفرون هذا الصنف، ولا يحكمون بخلوده في النار، بل يرون أنه تحت المشيئة،، لكنهم تنازعوا في اسمه، هل يطلق عليه مؤمن أم لا؟
    قال شيخ الإسلام: (وأما أهل السنة والجماعة والصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر طوائف المسلمين من أهل الحديث والفقهاء وأهل الكلام من مرجئة الفقهاء والكرامية والكلابية والأشعرية والشيعة، مرجئهم وغير مرجئهم، فيقولون: إن الشخص الواحد قد يعذبه الله بالنار ثم يدخله الجنة، كما نطقت بذلك الأحاديث الصحيحة.
    وهذا الشخص الذي له سيئات عذب بها وله حسنات دخل بها الجنة، وله معصية وطاعة، باتفاق فإن هؤلاء الطوائف لم يتنازعوا في حكمه، لكن تنازعوا في اسمه. فقالت المرجئة، جهميتهم وغير جهميتهم: هو مؤمن كامل الإيمان.
    وأهل السنة والجماعة على أنه مؤمن ناقص الإيمان، ولولا ذلك لما عذب، كما أنه ناقص البر والتقوى باتفاق المسلمين.
    وهل يطلق عليه اسم مؤمن؟ هذا فيه القولان، والصحيح التفصيل:
    فإذا سئل عن أحكام الدنيا كعتقه في الكفارة، قيل: هو مؤمن. وكذلك إذا سئل عن دخوله في خطاب المؤمنين.
    وأما إذا سئل عن حكمه في الآخرة، قيل: ليس هذا النوع من المؤمنين الموعودين بالجنة، بل معه إيمان يمنعه الخلود في النار، ويدخل به الجنة بعد أن يعذب في النار، إن لم يغفر الله له ذنوبه. ولهذا قال من قال: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان.
    والذين لا يسمونه مؤمناً من أهل السنة ومن المعتزلة يقولون: اسم الفسوق ينافي اسم الإيمان لقوله: بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ [الحجرات:11] وقوله: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا [السجدة:18] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)) (2) (3) .
    وقال أيضا: (ولا يسلبون الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية، ولا يخلدونه في النار كما تقوله المعتزلة، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان (4) في مثل قوله تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء:92] وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2]، وقوله: ((لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ السارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً ذَاتَ شَرَفٍ يَرْفَعُ الناسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) (5) .
    ويقولون: هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق ولا يسلب مطلق الاسم) (6) .
    (والفرق بين مطلق الشيء، والشيء المطلق، أن الشيء المطلق هو الشيء الكامل، ومطلق الشيء يعني أصل الشيء وإن كان ناقصا. فالفاسق لا يعطى الاسم المطلق في الإيمان وهو الاسم الكامل، ولا يسلب مطلق الاسم، فلا نقول: ليس بمؤمن، بل نقول: ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وهو المذهب العدل الوسط، وخالفهم في ذلك طوائف: المرجئة يقولون: مؤمن كامل الإيمان، والخوارج يقولون: كافر. والمعتزلة في منزلة بين المنزلتين) (7) .
    الإيمان المنفي عن الزاني والسارق:
    قد تبين أن الشارع ينفي الإيمان المطلق عن أصحاب الذنوب، كالزاني والسارق وشارب الخمر، ولا ينفي عنهم مطلق الإيمان، ولهذا فهم مسلمون مصدقون، ولديهم من أعمال القلب والجوارح ما يصحح إيمانهم، ويدفع الكفر والنفاق عنهم.
    وقد دلت السنة الصحيحة على أن الإيمان يرتفع عن الزاني حين يزني، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ)) (8) ، والمقصود بهذا الإيمان: الخشية والنور والخشوع، لا أن التصديق يذهب، أو أن عمل القلب يزول بالكلية.
    فالزاني حين يزني، لابد أن يعتقد حرمة الزنا، وأن يبغضه، ويكرهه، ويخاف من عاقبته، وهكذا السارق وشارب الخمر ونحوهما، وبهذا يبقى لهم أصل الإيمان.
    قال شيخ الإسلام: (ومن أتى الكبائر مثل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر وغير ذلك، فلابد أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية والخشوع والنور، وإن بقي أصل التصديق في قلبه، وهذا من الإيمان الذي ينزع منه عند فعل الكبيرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَزْنِي الزانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ السارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) (9) . فإن المتقين كما وصفهم الله بقوله: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، فإذا طاف بقلوبهم طائف من الشيطان تذكروا فيبصرون. قال سعيد بن جبير: هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله فيكظم الغيظ. وقال ليث عن مجاهد: هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه. (10) .
    والشهوة والغضب مبدأ السيئات، فإذا أبصر رجع. ثم قال: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202] أي وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون. قال ابن عباس: لا الإنس تقصر عن السيئات، ولا الشياطين تمسك عنهم. فإذا لم يُبصر بقي قلبه في غي والشيطان يمده في غيه، وإن كان التصديق في قلبه لم يكذّب، فذلك النور والإبصار وتلك الخشية والخوف يخرج من قلبه. وهذا كما أن الإنسان يُغمض عينيه فلا يرى شيئا وإن لم يكن أعمى، فكذلك القلب بما يغشاه من رَيْن الذنوب لا يبصر الحق وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر، وهكذا جاء في الآثار).
    وأورد آثارا عن الحسن وابن عباس وأبي هريرة، ثم قال: (وفى حديثٍ عن أبى هريرة مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا زنى الزاني خرج منه الإيمان كان كالظلة فإذا انقطع رجع إليه الإيمان)) وهذا إن شاء الله يبسط في موضع آخر) (11) .
    فبين أن الذي يرتفع عن الزاني هو النور والخشية والخشوع، مع بقاء التصديق في قلبه، وبين في موضع آخر اشتراط وجود عمل القلب، من بغض المعصية وكراهيتها، والخوف من الله حال ارتكابها، ليبقى عقد الإيمان، فقال: (الإنسان لا يفعل الحرام إلا لضعف إيمانه ومحبته، وإذا فعل مكروهات الحق فلضعف بعضها في قلبه أو لقوة محبتها التي تغلب بعضها، فالإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، والقول على الله بغير علم، إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله، أو ضعف العلم والتصديق، وإما ضعف المحبة والبغض، لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها، فهو إذا فعلها لغلبة الشهوة عليه، فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها، وفيه خوف من عقاب الله عليها، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها، إما بتوبة وإما حسنات، وإما عفو، وإما دون ذلك، وإلا فإذا لم يبغضها ولم يخف الله فيها ولم يرج رحمته، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أو منافق) (12) .
    وقال: (وأيضا فقد ثبت في (الصحيح) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) (13) وفى رواية: ((وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ)) (14) فهذا يبين أن القلب إذا لم يكن فيه بغضُ ما يكرهه الله من المنكرات، كان عادما للإيمان. والبغض والحب من أعمال القلوب. ومن المعلوم أن إبليس ونحوه يعلمون أن الله عز وجل حرم هذه الأمور، ولا يبغضونها، بل يدعون إلى ما حرم الله ورسوله) (15) .
    تنبيه:
    وقع في كلام بعض أهل العلم أن المراد بنفي الإيمان الوارد في بعض النصوص: هو نفي الكمال، وهذا لابد أن يقيّد بالكمال الواجب، وإلا فتارك الكمال المستحب، لا ينفى عنه الإيمان، وإلا للزم نفي الإيمان عن أكثر الناس.
    فمن الأول: قول النووي: بَاب بَيَانِ نُقْصَانِ الْإِيمَانِ بِالْمَعَاصِي وَنَفْيِهِ عَنْ الْمُتَلَبِّسِ بِالْمَعْصِيَةِ عَلَى إِرَادَةِ نَفْيِ كَمَالِهِ...
    فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد أنه نفي الكمال الواجب الذي يُذم تاركه، ويتعرض للعقوبة، فقد صدق. وإن أراد أنه نفي الكمال المستحب، فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله، ولا يجوز أن يقع؛ فإن من فعل الواجب كما وجب عليه، ولم ينتقص من واجبه شيئا، لم يجز أن يقال: ما فعله، لا حقيقة ولا مجازا، فإذا قال للأعرابي المسيء في صلاته: ((ارجع فصل فإنك لم تصل))، (16) وقال لمن صلى خلف الصف وقد أمره بالإعادة: ((لا صلاة لفذ خلف الصف)) (17) كان لترك واجب...) (18) .
    فائدة: في مراتب النفي
    قال الشيخ ابن عثيمين: (ونفي الشيء له ثلاث حالات: فالأصل أنه نفي للوجود، وذلك مثل: (لا إيمان لعابد صنم)، فإنْ منعَ مانعٌ من نفي الوجود، فهو نفي للصحة، مثل: (لا صلاة بغير وضوء)، فإن منع مانع من نفي الصحة، فهو نفيٌ للكمال، مثل: ((لا صلاة بحضرة الطعام)) (19) .، فقوله: ((لا يؤمن أحدكم)) نفي للكمال الواجب، لا المستحب. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا ينفى الشيء إلا لانتفاء واجب فيه، ما لم يمنع من ذلك مانع) ) (20) . (21)

    منقول عن موقع الدرر السنية
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    إن منطـلـق الشبهات كـلها في الإيمان وأساس ضلال الفرق جميعها فيـه هـو أصل واحد اتـفـقـت عليه الأطراف المتـناقـضة جميعها , ثم تضاربـت عـقـائدها المؤسسة عليه :..............
    بارك الله فيك اخى الفاضل أبو البراء محمد علاوة أجدت وأفدت

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبدالعظيم مشاهدة المشاركة

    لا
    قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ السَّلَفِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ وَالشَّارِعُ دَائِمًا لَا يَنْفِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيَّ إلَّا لِانْتِفَاءِ وَاجِبٍ فِيهِ وَإِذَا قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ نَفْيُ الْكَمَالِ فَالْكَمَالُ نَوْعَانِ وَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ ,,,,,,, وَلَيْسَ هَذَا الْكَمَالُ هُوَ الْمَنْفِيَّ فِي لَفْظِ الشَّارِعِ بَلْ الْمَنْفِيُّ هُوَ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ وَإِلَّا فَالشَّارِعُ لَمْ يَنْفِ الْإِيمَانَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الصِّيَامَ وَلَا الطَّهَارَةَ وَلَا نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه َا؛ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَانْتَفَى الْإِيمَانُ عَنْ جَمَاهِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ إنَّمَا نَفَاهُ لِانْتِفَاءِ الْوَاجِبَاتِ ....... وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: أَرَادَ بِهِ نَفْيَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ أَوْ نَفْيَ كَمَالِ الْإِيمَانِ - فَإِنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّ تَرْكَ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الذَّمَّ وَالْوَعِيدَ ....... فَمَنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ " أَنَّهُ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ فَقَدْ غَلِطَ. وَهُوَ يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ وَلَكِنْ يَقْتَضِي نَفْيَ الْكَمَالِ الْوَاجِبِ. وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي سَائِرِ مَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ: مِثْلُ قَوْلِهِ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا} - إلَى قَوْلِهِ - {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} وَمِثْلُ االْقُرْآنِ} " وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي مُسَمَّى الِاسْمِ إلَّا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ؛ لَا لِانْتِفَاءِ بَعْضِ مُسْتَحَبَّاتِه ِ ........ " فَنُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ الْوَاجِبُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْجَنَّةَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ نَفْيَ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَسَائِر أَجْزَائِهِ وَشُعَبِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: نَفْيُ كَمَالِ الْإِيمَانِ لَا حَقِيقَتُهُ أَيْ الْكَمَالُ الْوَاجِبُ لَيْسَ هُوَ الْكَمَالُ الْمُسْتَحَبُّ
    بارك الله فيك اخى محمد عبدالعظيم- وبارك الله فى اخى الفاضل ابو محمد المأربى على اسئلته التى تفيد الجميع--فالعلم خزائن ومفتاحه السؤال فإنما يؤجر في العلم ثلاثة القائل والمستمع والآخذ " قال عليه الصلاة والسلام : فإنما شفاء العي السؤال " فأمر بالسؤال وحث عليه ... ونهى آخرين عن السؤال وزجر عنه فقال صلى الله عليه وسلم :" أنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " وقال عليه الصلاة والسلام : " وإياكم وكثرة السؤال فإنما هلك من قبلكم بكثرة السؤال " .
    وليس هذا مخالفا للأول وإنما أمر بالسؤال من قصد به علم ما جهل او تعليم وافاده لطلبة العلم - ونهى عنه من قصد به إعنات ما سمع . وإذا كان السؤال في موضعه - أزال الشكوك ونفى الشبهة.
    وقد قيل لإبن عباس رضي الله عنهما : بما نلت هذا العلم قال : بلسان سئول وقلب عقول -- بارك الله فى جهد جميع الاخوة الافاضل

  7. #27

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم جميعا إخواني ونفع بكم
    هل تظهر مشاركتي الأخيرة تعليقا على مشاركة الأخ محمد عبد العظيم لأنها لا تظهر لي وإنما أرى الاقتباس فقط؟؟

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    وإنما أرى الاقتباس فقط؟؟
    وانا اعانى من نفس المشكلة -ولكن مع نوع الخط الذى تكتب به اخى الفاضل ابو محمد - ولكن العكس اراه فى المشاركة ولا اراه فى الاقتباس - وفى مواضيع اخرى ينعكس الامر - أرى الخط فى الاقتباس ولا اراه فى المشاركة كما يحدث معك - لا اعرف لماذا؟؟

  9. #29

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبدالعظيم مشاهدة المشاركة
    لا قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوي " وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ..........{إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} الْآيَةَ. وَقَوْلُهُ: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} الْآيَةَ.
    راجع بنفسك كتب التفاسير المسندة وغيرها في آية الحجرات حتى تعلم أن السلف اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو لنفي الكمال، وكذلك آية النور اختلفوا: هل هو لنفي الأصل أو للكمال، وجمهور المفسّرين في الموضعين على نفي الأصل. أما ءاية الأنفال فقد اختلفوا أيضا هل هو لنفي الأصل أو للكمال. وبعض المفسّرين: حملوا آية الأنفال على المؤمن الكامل الكمال الواجب والمستحب بدلائل وقرائن في الآية.

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك اخى الفاضل أبو البراء محمد علاوة أجدت وأفدت
    وفيكم بارك الله
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  11. #31

    Lightbulb رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - المشايخ الأفاضل والإخوان الكرام.
    هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟
    حتى انتقل للاستفادة منكم في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - المشايخ الأفاضل والإخوان الكرام.
    هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟
    حتى انتقل للاستفادة منكم في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    ولماذا حصرت الأمر في القرآن وحسب؟!
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته - المشايخ الأفاضل والإخوان الكرام.
    هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟
    حتى انتقل للاستفادة منكم في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.
    هل يمكن أن نلخّص أبحاثكم في الحواب عن السؤال: ليس في كتاب الله آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟
    "لو كان القرآن محكمًا بالكلية، لما كان مطابقًا إلا لمذهب واحد، وكان تصريحه مبطِلاً لكل ما سوى ذلك المذهب.فكما أن الله تعالى يمتحن بالخير والشر والسراء والضراء والأوامر والنواهي، يبتلي كذلك بالمحكم والمتشابه، ويوضح هذا المعنى قول الله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ...آل عمران: قال ابن كثيررحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية:آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ. بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن ردّ ما اشتبه عليه إلى الواضح منه وحكم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس
    .......................
    آية اتفق علماء السنة على أنها لنفي الكمال الواجب فقط؟؟
    الدلالة المتفق عليها بين اهل السنة -بجمع ما ورد من نصوص[الوحيين] الكتاب والسنة على درجة الاستقصاء، مع تحرير الدلالات وجمع اطراف الادلة، واعتماد فهم الصحابة والثقات من علماء السلف وتقييد مطلقها بمقيدها، وتخصيص عامها بخاصها، و معرفة حقيقة الإيمان والكفر، ثم يصح النفي و الإثبات بعد ذلك---- ومن الحكمة فى ذلك --الاختبار والابتلاء، وتمييز المؤمن الذي لا يَجِد ما يُقابِل به هذا المتشابه إلا التسليم والانقياد والإذعان والاستسلام، فلا يؤوِّله تأويل أهل البدع الذين ضلوا في هذا الباب ضلالاً بعيدًا.اختبارًا وفتنة للناس، وتمييزًا للمؤمن الصادق من المنافق المرتاب، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82]، وقوله - جل جلاله -: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾--يقول الإمام ابن القيم - وهذا الاختبار والامتحان مُظهِر لما في القلوب الثلاثة، فالقاسية والمريضة ظهر خبؤها من الشك والكفر، والقلوب المُخبِتة ظهر خبؤها من الإيمان والهدى وزيادة محبَّته وزيادة بُغْض الكفر والشرك والنُّفرة عنه، وهذا من أعظم حِكم هذا الإلقاء"؛ ا. هـ شفاء العليل: ----
    و لو كان القرآن كله مُحكَمًا بحيث لا يخفى على أحد، لما حصل هذا التميز؛ لأن الكل يمكنه الوقوف على معناه من خلال ظواهر النصوص.
    يقول الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى -: "ومنها: إظهار فَضْل العالم على الجاهل، ويستدعيه عِلمه إلى المزيد في الطلب في تحصيله؛ ليحصُل له درجة الفضل، والأنفس الشريفة تتشوَّف لطلب العلم وتحصيله"؛ البرهان: 2- 75. - ومن الحكمة التعامل مع القرآن بأنه كل لا يتجزَّأ، وذلك برد المتشابه إلى المُحكَم، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ [آل عمران: 7]، فسمَّى الله المُحكَم بأم الكتاب؛ أي: أصله والمرجع الذي يرجع إليه عند التشابه، و في الإتقان عن ابن الحصار قوله: "قسَّم الله آيات القرآن إلى مُحكَم ومُتشابِه، وأخبر عن المحكمات أنها أم الكتاب؛ لأن إليها تُردُّ المتشابهات، وهي التي تُعتَمد في فَهْم مراد الله من خَلْقه في كل ما تعبَّدهم به من معرفته، وتصديق رسله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وبهذا الاعتبار كانت أمهات"؛ ا. هـ.
    - ومن الحكمة إظهار تفاضُل العلماء فيما بينهم، فبعض الآيات المتشابهات قد تخفى على بعض أهل العلم وتنجلي للبعض الآخر؛ كما قال ربنا: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76]، فقد يقف العالم أمام آية من المتشابهات، ولا يجد لها مخرجًا، ويفتح الله على آخر، فتظهر له وتضح وضوح الشمس في رابعة النهار.
    تعظيم أجر العلماء الذين يجتهدون في تفسير هذه المتشابهات، ولا شك أن هذا النوع من التفسير فيه مشقة كبيرة، حيث يبذُل المفسر جُهدَه وطاقته ووُسْعه للوقوف على مراد الله تعالى بهذه الآية، وكما يقال: الأجر على قدر المشقة.......فكون القرآن متضمِّنًا للمتشابه يجعل من أراد بيان هذا المتشابه مفتقرًا إلى العلم بطرق التأويلات والترجيحات، وهذا بدوره يجعله مفتقرًا إلى الإلمام بهذه العلوم، التي لولا وجود هذا المتشابه في القرآن الكريم لما تَمَّ تحصيلها أو الاهتمام بها

  14. #34

    Post رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    ولماذا حصرت الأمر في القرآن وحسب؟!
    لا أدري ماذا يتوجّس منه هذا السؤال يا شيخ أبا البراء؟ لدراسة خاصّة في هذا الأمر جريا على قاعدة جمع النظائر القرآنية كما قال شيخ الإسلام:(ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث: أن يذكر نظائر ذلك اللفظ؛ ماذا عنى بها الله ورسوله، فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده، وهي العادة المعروفة من كلامه).

  15. #35

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    "لو كان القرآن محكمًا بالكلية، لما كان مطابقًا إلا لمذهب واحد، وكان تصريحه مبطِلاً لكل ما سوى ذلك المذهب.فكما أن الله تعالى يمتحن بالخير والشر والسراء والضراء والأوامر والنواهي، يبتلي كذلك بالمحكم والمتشابه، ويوضح هذا المعنى قول الله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ...آل عمران
    بارك الله فيك، هذا من الكلام في الغايات المحمودة والحكم السامية وراء خلوّ القرآن من هذا النوع من النصوص إن صحّ ذلك
    والسؤال مع الخلاصة المطلوبة لا ينظر إلى الجابت الذي نظرتم إليه، وأرجو الجواب بالإيجاب أو السلب ثم ذكر الدليل عليه إعانةً للسائل وقربة إلى الله، أما غير ذلك فلا أريد أن أشغلكم به وآخذ من الأوقات الغالية الغالية على العالم وطالب العلم.

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    وأرجو الجواب بالإيجاب أو السلب
    ما هو جوابك اخى الفاضل أبو محمد المأربي -وجوابنا لو وجد اتفاق لما ضلت الفرق المخالفة فى باب الايمان - وانما دخل عليهم الضلال من عدم الجمع بين اطراف الادلة--يمكنك ان تستنبط من هذا جواب سؤالك
    حتى انتقل للاستفادة في إزاحة إشكال آخر حول مسألة أخرى.
    انتقل على بركة الله

  17. #37
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    لا أدري ماذا يتوجّس منه هذا السؤال يا شيخ أبا البراء؟ لدراسة خاصّة في هذا الأمر جريا على قاعدة جمع النظائر القرآنية كما قال شيخ الإسلام:(ينبغي أن يقصد إذا ذكر لفظ من القرآن والحديث: أن يذكر نظائر ذلك اللفظ؛ ماذا عنى بها الله ورسوله، فيعرف بذلك لغة القرآن والحديث وسنة الله ورسوله التي يخاطب بها عباده، وهي العادة المعروفة من كلامه).
    ليس توجسًا، بارك الله فيك، وإنما لمعرفة الغرض والهدف من البحث، وقد بينته أحسن بيان، بارك الله فيك.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  18. #38

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    وإياكم، رفع الله قدركم

  19. #39

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    انتقل إلى الإشكال الثاني وهو: كيف الجمع بين قوله تعالى:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} وبين قوله تعالى:{قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}.
    وجه الإشكال: هؤلاء الأعراب أظهروا الإسلام، وقيل لهم: لستم مؤمنين، وقد نهي عن هذا في ءاية النساء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية:(حرّم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد: أن لا إله إلا الله: لست مؤمنا، كما حرّم عليهم الميتة، فهو ءامن على ماله ودمه، فلا تردّوا عليه قوله)، وقد تمّ الرد على قول الأعراب؟

  20. #40
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: هل وقع في القرآن الكريم نفي الإيمان لانتفاء الكمال الواجب؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو محمد المأربي مشاهدة المشاركة
    انتقل إلى الإشكال الثاني وهو:
    وجه الإشكال: هؤلاء الأعراب أظهروا الإسلام، وقيل لهم: لستم مؤمنين، وقد نهي عن هذا في ءاية النساء، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية:(حرّم الله على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد: أن لا إله إلا الله: لست مؤمنا، كما حرّم عليهم الميتة، فهو ءامن على ماله ودمه، فلا تردّوا عليه قوله)،؟
    بارك الله فيك - مذهب أهل السنة في الحكم على الناس مبنية على الظاهر، فلا تكون أحكامهم مبنية على ظنون وأوهام أو دعاوي لا يملكون عليها بينات، وهذه من رحمة الله وتيسيره على عباده ومن باب تكليفهم بما يطيقون ويستطيعون، وكل ما سبق المقصود به الحكم الدنيوي على الشخص بالإسلام أو الكفر، أما الحكم على الحقيقة فلا سبيل إليه، يقول الإمام الشاطبي - رحمه الله - مبيناً أهمية هذا الأصل وخطورة إهماله: (إن أصل الحكم بالظاهر مقطوع به في الأحكام خصوصاً، وبالنسبة إلى الاعتقاد في الغير عموماً، فإن سيد البشر مع إعلامه بالوحي يجري الأمور على ظواهرها في المنافقين وغيرهم، و إن علم بواطن أحوالهم، ولم يكن ذلك بمخرجه عن جريان الظواهر على ما جرت عليه. لا يقال: إنما كان ذلك من قبيل ما قال: (خوفاً من أن يقول الناس أن محمداً يقتل أصحابه) (1) فالعلة أمر آخر لا ما زعمت، فإذا عدم ما علل به فلا حرج. لأنا نقول: هذا أدل الدليل على ما تقرر، لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يحفظ ترتيب الظواهر فإن من وجب عليه القتل بسبب ظاهر، فالعذر فيه ظاهر واضح، ومن طلب قتله بغير سبب ظاهر بل بمجرد أمر غيبي ربما شوش الخواطر وران على الظواهر، وقد فهم من الشرع سد هذا الباب جملة ألا ترى إلى باب الدعاوي المستند إلى أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، ولم يستثن من ذلك أحداً حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتاج في ذلك إلى البينة، فقال من يشهد لي؟ حتى شهد له خزيمة بن ثابت فجعلها الله شهادتين فما ظنك بآحاد الأمة، فلو ادعى أكذب الناس على أصلح الناس لكانت البينة على المدعي، واليمين على من أنكر وهذا من ذلك والنمط واحد، فالاعتبارات الغيبية مهملة بحسب الأوامر والنواهي الشرعية) (2)
    واستند أهل السنة في تقريرهم لهذا الأصل العظيم إلى أدلة كثيرة منها:
    قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [سورة النساء:94] قال الشوكاني رحمه الله: (والمراد هنا: لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل هما بمعنى الإسلام: أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم فقال السلام عليكم: لست مؤمناً والمراد نهي المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً وتقية)
    وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله (فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل، لقوله تعالى: فتبينوا ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى، إلى أن قال رحمه الله: (وإن من أظهر التوحيد و الإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك)
    واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) (5)
    والشاهد من الحديث قوله (وحسابهم على الله) قال ابن رجب: (وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، و إن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار) (6) . وقال الحافظ في الفتح: (أي أمر سرائرهم.. وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر) (7) وقال الإمام البغوي: (وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، و أن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه، ولم يكشف عن باطن أمره، ولو وجد مختون فيما بين قتلى غلف، عزل عنهم في المدفن، ولو وجد لقيط في بلد المسلمين حكم بإسلامه) ( .
    واستدلوا أيضاً بقصة أسامة رضي الله عنه المشهورة قال:((بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة (9) فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقال لا إله إلا الله وقتلته قال: قلت: يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ)) (.
    والحديث فيه زجر شديد وتحذير من الإقدام على قتل من أظهر التوحيد وتحذير صريح من تجاوز الظاهر والحكم على ما في القلب دون بينة، قال النووي – رحمه الله-: (وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا))؟ الفاعل في قوله: ((أقالها)) هو القلب، ومعناه أنك إنما كلفت بالعمل بالظاهر وما ينطق به اللسان، وأما القلب فليس لك طريق إلى معرفة ما فيه فأنكر عليه امتناعه من العمل بما ظهر باللسان، وقال أفلا شققت عن قلبه لتنظر، هل قالها القلب واعتقدها وكانت فيه أم لم تكن فيه بل جرت على اللسان فحسب، يعني وأنت لست بقادر على هذا فاقتصر على اللسان فحسب ولا تطلب غيره) وقال أيضاً في تعليقه على قوله – صلى الله عليه وسلم-: ((أفلا شققت عن قلبه؟)): (وفيه دليل على القاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام فيها بالظاهر والله يتولى السرائر).
    - ومن الأحاديث العظيمة في هذا الباب حديث جارية معاوية بن الحكم السلمي لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة)) (1
    قال شيخ الإسلام في تعليقه على هذا الحديث (…فإن الإيمان الذي علقت به أحكام الدنيا، هو الإيمان الظاهر وهو الإسلام، فالمسمى واحد في الأحكام الظاهرة، ولهذا لما ذكر الأثرم لأحمد احتجاج المرجئة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) أجابه بأن المراد حكمها في الدنيا حكم المؤمنة، لم يرد أنها مؤمنة عند الله تستحق دخول الجنة بلا نار إذا لقيته بمجرد هذا الإقرار) (14) ، (لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة) (15) .
    ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يعامل المنافقين على ظواهرهم مع علمه بنفاق كثير منهم ليقرر هذا الأصل العظيم (فهم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس ويصومون، ويحجون ويغزون والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم.. ولم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبدالله بن أبي بن سلول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبدالله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، و إذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين.. لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهروه من موالاة المؤمنين.. وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين) (16) (وهكذا كان حكمه صلى الله عليه وسلم في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم لا يستحل منها شيئاً إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم) (17) ومع ذلك (يجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمناً في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •