الاختيان المبالغة في الخيانة، وكل من خان غيره فقد خان نفسه، وكل ذنب يذنبه الإنسان في حق غيره، فيكون قد ظلم به نفسه أولاً، واختيان النفس هو ارتكابها لما حرم الله تعالى، فلا يجوز إذاً الدفاع عن الخائنين، ولا التماس الأعذار للمجرمين، فلا تخاصم عمن عرفت خيانته، وتبين أمره، وفضحه الوحي، وهكذا تحريم الخصومة بالباطل، وعدم جواز النيابة عن المبطل، لا في خصومات دينية ولا دنيوية، فلا يجوز الانتصار لصاحب باطل لا باللسان ولا بالقلم، لا في محفل، ولا بمقال، ولا بكلام، وهكذا إذا كان مبطلاً أيضاً في الأمور الدنيوية، فلا يجوز الانتصار له ولا شهادة الزور من أجله، ولا الدفاع عنه، ولا تأييده وهو ظالم مغتصب، آخذ لحق الغير، وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ، هذه الآيات عظيمة لمن يعمل في مهنة المحاماة تكشف له الطريق، وكذلك من يكون بهذا المعنى، من الذين يدبّجون المقالات والعرائض، ويكتبون الدفاعات، والدفوعات، وفذلكة القضية، وهكذا في كل من له علاقة بمثل هذه الأحوال، فيجب السعي في براءة المتهم، وتزكية البريء، لا يجوز الجدال عن الخائن،
ولا يجوز للإنسان أن يجادل عن نفسه إذا كانت خائنة بل عليه أن يعترف، وإذا كان الله تعالى نهى أن يكون المسلم خصيماً للخائنين في المعاملات مدافعاً عنهم، فكيف بحال من يجند نفسه لخدمة الخائنين لله ورسوله وكتابه ودينه وأوليائه، وهذا النداء عام لكل صاحب كلام أو كتابة، لكل صاحب قلم أو قول في أن يقف بكلامه، وأسلوبه، وقلمه، وحجته، وبيانه، وفصاحته، وشعره، ونثره، وقدرته مع الأبرياء ضد الظالمين، ومع المؤمنين ضد المنافقين، وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا، ولا تكن مدافعاً عنهم، ولا معيناً لهم في تزوير المستندات، وتدبير شهادات الزور، وأما من لم يعرف منه ظلم، فإنه يجوز الترافع عنه، وإذا تأكد المحامي أن هذا صاحب حق فإن عليه أن ينصره ولو كان لا يملك شيئاً يعطيه إياه؛ لأن نصرة المظلوم واجبة، وكل من قدر عليها فلابد أن يقوم بها.
ومن الضلالة أن تعاشر معشراً*ساقوا إلى سوق النفاق نفاقه.