السلام عليكم.
أتشرف برفع موضوع هام عن مميزات النكاح الإسلامي على موقعكم
مميزات الزواج الإسلامي

1.1تعريفه:

في القرآن الكريم:

فاسلُك فيها من كلِّ زوجين اثنين([1]. (الزوج : النقيض جنساً)
احشُروا الذين ظَلموا وأَزْوَاجَهُمْ..([2] . يقول ابنُ كثير في تفسيره (أزواجهم) أي قرناءهم الذين يُغرونهم بالظلم. المذنبون مع أشباههم من الفجرة: أصحاب الزنى مع أصحاب الزنى، وأصحاب الربا مع أصحاب الربا، وأصحاب الخمر مع أصحابهم.[3]
ولاتَعزِمُوا عُقدَةَ النِّكاحِ حتَّى يبلغَ الكتابُ أجَلَهُ [4]

الزواج والنِّكاح لفظان وردا في القرآن الكريم لعملٍ واحدٍ وأخذ الفقهاء بلفظ (النكاح) وعبّرالقانونيون بلفظ (الزواج). في اللغة العربية:

الزواج اسمٌ مشتقٌّ من زَاجَ أي حرّش وأَغرى، والزوج هو كلُّ واحدٍ معَه آخرٌ من جِنسه، وكل شَيئين اقترنَ أحدُهما بالآخر فهما زوجان وتزوّجَ فعل ٌبمعنى خالط، والمزاوجةُ هي المخالطة. [5]

في الفقه:

هو عقدٌ يفيدُ حِلَّ استمتاعِ كلٍّ من العاقدين بالآخر على الوجه المشروعِ: هذا ما اتفق عليه معظم الفقهاء، والعاقدان الرجل والمرأة، ويفيدُ استمتاعَ كلٍّ منهما بِبُضع (فرج) الآخر بالحلال، والرجلُ يملُكُه مِلكَ اختصاصٍ فلا يجوزُ للمرأةِ صرفَه لغيره سواءً بعقدٍ أم بغير عقدٍ، طالما أن عقدَ الزواج قائمٌ بينهما.
وممّا لا شك فيه أن التعريفَ الذي قصرَ عقدَ الزواج على الاتصال الجنسيِّ بين الرجل والمرأة تعريف ناقصٌ لا يعكس روح التشريع، ولا يبين أغراض الزواج الشرعية، ولدى الاستدلالِ بما ورد َفي المصادرالأساسية للشّريعة - القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة- نتعرف على المقاصدَ والحِكم من وراء تشريع الزواج.

ويقترحُ بعضُ العلماءِ إضافةً للتعريفِ السابق ما يضبِطُ حقوقَ العاقدين وواجباتهما صراحةً في صُلب التشريعات المنظِّمة للأحوال الشخصية ومنها: "عقدٌ يفيدُ حِلَّ العِشرةِ بين الرجل والمرأة، وتعاونهما، ويحددُّ ما لكلَيهما من حقوقٍ وما عليه من واجباتٍ"[6].

والتزامُ العاقدين بصيغةِ وشروطِ العقد التزامٌ ديني والتراضي فيه ليس مطلقاً وفق رغبتَيهما، بل أن الشارعَ جعل التراضي ركناً أساسياً تضاف إليه شروط وضوابط إلزامية يسلِّم الطرفان بأحكامها ويتقبّلان الآثار الناتجة عنها.

فالميزةُ الأساسيةُ لعقد الزواج الإسلامي أنه من عقودِ المعاملات الشّرعية وهوعقد معاوضةٍ رِضائيٍّ يُبنى على أسسٍ من الشّورى والعدالة ِوالمعروفِ والإحسانِ ابتداءً وانقضاءً.
ويتفقُ الشرعُ الإسلاميُّ مع الشرائعِ السابقة له في الحثِّ على الفضيلةِ والتعفُّف، وجعل إفشاءَ الزواج دليلٌ عليهما، ولكنه لم يعطِه صفةَ القداسة ولم يشترط أن تكونَ صفتُه العِقدِيّة دينيةً مطلقاً، ففي الشرائع السابقة للإسلام يُشترط إجراءُ عقدِ الزواج بواسطة رجلِ دينٍ، ولا يُعترَف بأيّ عقد ٍلا يجري تحت وصايته. أما الشرعُ الإسلاميُّ فقد تميّزَ في توصيفِ الزواج حيثُ جعله عقداً إنسانياً دنيويّاً محاطاً بإطارٍ دينيٍّ. وما موافقةُ القاضي الذي يشرف على إتمام صيغته من قِبل العاقدين إلا أمرٌ مدنيٌّ إداريُّ أقرّته القوانين كنوعٍ من الضمان لحقوق الناس .

2.1الموازنة بين الباعث الفطري والنتيجة:

هناك حقوقٌ فطريةٌ تولد مع أيّ مخلوقٍ على وجه الأرض وهي حقوقٌ لا دورَ للإدارة أو للعقل في رفضِها أو قبولها. ويشترك فيها الإنسان مع باقي المخلوقات الحيّة التي خلقها الله (عز وجل) على الأرض وهيّأ لها أسباب البقاء، ولذا اجتهد أنصار الفكر الحر (مُلْهمُ الغرب) بتسميتها بالحقوق الطبيعية وتبنَّتها الشرائعُ الحديثةُ وأسَّسَتْ عليها مواثيقَ ومعاهداتٍ بهدفِ نقلِها من قوانينَ فطريةٍ إلى قوانينَ اجتماعية منظَّمةٍ تميّز الاجتماع البشري الحضاري، وحيث أن الطبيعة البشريةَ تحمل الإنسان على التفتيش عن إشباع رغباته الطبيعية (الغرائز) فإن الشرائع تنظِّم وتؤطِّر العلاقات التي تكون ميادينَ لهذه الرغبات. والتحليلُ العلميُّ يبين لنا بالأرقام نسب نجاح التشريعات حضارياً واجتماعياً ونسب العلل النفسية والجسدية التي تئنّ تحتها المؤسسات الناتجة من تلك التشريعات، ولنأخذ مثالاً عملياً على ما تقدم الشهوة الجنسية كفطرةٍ فطرَ الله الناسَ عليها والتي لا تُشبع إلا باجتماع الذكور والإناث وهي شهوةٌ متجددةٌ لا بد من إطار منظِّم لها يعطيها الشكلَ المتناسقَ حتى لا تصبحَ كالفن الذي نراه اليوم على جدران محطات القطارات أو أزقة "العصابات"، ونرى مع استنفاد السائل البخّاخ ينضحُ كلّ إناءِ بما فيه وتذهب القارورة إلى حاوية النفايات وينخفض الحسُّ الفنّي عند رواد المحطة وعند مستكشفي أزقة العصابات. والأسئلة المطروحة لدعاة الحرية الجنسية هل يحقق أي اجتماع جنسيٍّ بين أيِّ رجلٍ وأي امرأةٍ من الناحية الموضوعية الإشباع؟ وهل يجلب التحلّل من قيود الزواج السعادةَ الحقيقية؟ أم أنّ الرغباتِ الجامحةَ والنزواتِ الغرائزيةَ تنتهي مع انتهاء العلاقة الجامعة؟ والجواب على السؤال الأخير يأتي من الحكمة الإلهية في جعل هذه الرغباتِ مؤقتةً عند الإنسان تكريماً له وموازنةً لحياته بين حقٍّ باعثٍ ونتيجةٍ طيبةٍ، فينصرفُ إلى أمورٍ أخرى تُشغِله وتقضي حوائجَه ورغباتِه وتضعه في الإطار السليم الصحيِّ وتبعده عن الفوضى والمفاسد الاجتماعية التي تُلحق الأذى بالأفراد والجماعات البشرية فلو كان الباعث الفطري وحده المؤسس لأي علاقة جنسية فإن الحياة البهيمية تصبح نموذجاً للاجتماع! أو لربّما كان الشيطانُ هو المشِّرعُ الوحيد! ولكن الله تعالى ميّز الإنسان :
و لقدْكَرَّمْنَا بني آدَمَ، وحَمَلْنَاهُمْ في البَرِّ والبَحْرِ، ورَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[7]

3.1 حُكمه الشّرْعِيّ:

الزواج في الإسلام أمرٌ مندوب والتَّعَزُّبُ مكروهٌ وذلك بنصِّ القرآنِ الكريم :
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وثُلاثَ وَرُبَاعَ[8] .فاللّفظُ القرآنيُّ يُفسَّر في الأَصْلِ قصرُ عددِ الزوجات، وفي التأويلِ الحثُّ على النكاح. أما في السُّنة النبوية فنجدُ الكثيرَ من الأحاديث الشريفة التي ترغِّب في الزواج الذي يستكملُ به المؤمنُ دينه: "من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على نصفِ دينهِ، فلْيَتَّقِ اللهَ في النصفِ الباقي". [9]
الزواج نصف الدين وفق هذا الحديث الثابت؛ ومعناه أن الزواج يحصّن فرج الإنسان، وفساد الدين يأتي من ثلاثة مكونات جسمانية: الفرج واللسان والبطن. يقول القرطبي في تفسيره: " النكاح يعفُّ عن الزنى، والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله (
)عليهما الجنة فقال: "من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه"[10]. وقد أنكر النبي () على ثلاثة من الصحابة: الأول يقوم الليل كله، والثاني يصوم الدهر، والثالث يعتزل النساء، فقال: "أمّا واللهِ! إِنِّي َلأَخْشاكُم ِللهِ، وأَتْقاكُم لهُ؛ لكنّي أصومُ وأُفطِر، وأُصلّي وأَرقُد، وأتزوّجُ النساءَ، فمَنْ رَغِبَ عنْ سُنَّتي، فليسَ مِنِّي"[11].
كما حضَّ الشّرعُ الإسلاميُّ بمصْدَرَيْه على التناسلِ والإنجابِ فقال الله تعالى:
وَاللهُ جَعَلَ لكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ، أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُون [12]. حيثُ يتبَينُ لنا أن الإنجاب نعمةٌ ورزقٌ من الله وليس المقصود من الزواج استمتاع كل من الزوجين بالآخر فقط إنما هذه المتعة يكون لها ثمرةٌ أخرى وهي بقاء النوع البشري واستمراريته. وفي الحديث الشريف: "تناكَحُوا تَنَاسَلُوا تَكَثّروا، فإنّي مُبَاهٍ بِكُمُ الأُمَمَ يومَ القِيامة"[13. وكما نرى ففي الشّريعة حضٌّ وتشجيعٌ على الزواج، وما الإعراضُ عنه والتخوّفُ من مسؤولياته إلا خسارةٌ وتفريطٌ ونقصٌ في الالتزام الديني.
ولا مبرِّرَ لرفض هذا الأمر إذا كان المؤمن قادراً على الإنفاق ونفسُه راغبةٌ في النساء حيث يقول أحد فقهاء الأحناف:"ثَبُتَ النبيُّ(
)عليه، وإذا ثبُت أفضليةُ النكاح في حقّ النبّي() ثبُت في حقّ الأمة… ولا خلاف في أن النكاح فرضٌ حالَ التَّوَقَان؛ حتى إنّ من تاقت نفسه إلى النساء بحيث لا يمكنه الصبر، وهو قادر على المهر والنفقة، ولم يتزوج، يأثم"[14] أما بالنسبة للمهر والنفقة فيجوز أن يستدين الزوج من أجلهما إذا كان راغباً فيه وخوفاً من الوقوع في الزنى، وقال فقهاء المالكية" بوجوبه لمن تاقت إليه نفسه رجاء النسل وهو مكروه إذا خشي أن لا يقوم بالوفاء بالمهر والنفقة، ويحرُمُ عليه إن كان عاجزاً عن أدائه"[15] أما الشافعية فلم يقولوا بوجوبه بل باستحبابه عند التوقان ووجود المؤونة.[16] وقالوا باستحباب تركه إذا كان محتاجاً للزواج، ولكنه لا يملك نفقاته، وبكراهيته إذاكان غير محتاج إليه، والأفضل تركه إذا كان مشتغلاً بالعبادة أو منقطعاً لطلب العلم، أما إذا لم يشتغل بالعبادة ولم يتفرغ لطلب العلم ويجد الأُهبة للنكاح، لكنه غير محتاج إليه، فالنكاح أفضل.[17] والحنابلة قالوا بأنه سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ ويَقربُ إلى الوجوب، ويقرُب التّخلي عنه إلى التحريم، مستندين إلى الحديث الشريف:" ..فمن رغب عن سنتي فليس مني ." وأن الرسول() لم يشتغل إلا بأفضل الأعمال . وكذلك الصحابة () لم يتركوا الأفضل إلى ما دونه"[18] . أما الظاهرية فلهم تفسيرٌ واحدٌ لحكمه وهو الوجوب كفرضِ عينٍ على كل قادرٍ على الوطء.[19]


[1] -القرآن الكريم:(23/27)

[2] -القرآن الكريم:(37-22)

[3] ابن كثير : تفسير القرآن العظيم (م4/ص5)

[4] -القرآن الكريم:(2-235)

[5] - المعجم الوسيط :ص 405

[6] -محمّد أبو زهرة :الأحوال الشخصيّة: ص17

[7] القرآن الكريم : (17/70)

[8] القرآن الكريم : ( 4/3)

[9] روى الحديث:الطبراني (الأوسط) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

[10] حديث صحيح رواه الترمذي.

[11] سنن النسائي الصغرى :(3219)

[12] القرآن الكريم : ( 16/72)

[13] سنن ابن ماجة : ( 1900)

[14] الكاساني : بدائع الصنائع : ( 3/195)

[15] الدسوقي : حاشية الشرح الكبير : ( 2/214)

[16] السرخسي : المبسوط : ( 4/194)

[17] البغاوالخن والشربجي : الفقه المنهجي :(2/13-15)

[18] ابن قدامة :المغني :(7/4)

[19] ابن حزم : المحلى : ( 9/440)