قال ابن حجر في فتح الباري: (3/ 194):
والقِيراط بكسر القاف قال الجوهري أصله قراط بالتشديد؛ لأن جمعه قراريط فأبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء، قال والقيراط نصف دانق، وقال قبل ذلك الدانق سدس الدرهم، فعلى هذا يكون القيراط جزءًا من اثنى عشر جزءًا من الدرهم، وأما صاحب النهاية فقال القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وفي الشام جزء من أربعة وعشرين جزءًا ونقل ابن الجوزي عن ابن عقيل أنه كان يقول القيراط نصف سدس درهم، أو نصف عشر دينار، والإشارة بهذا المقدار إلى الأجر المتعلق بالميت في تجهيزه وغسله وجميع ما يتعلق به فللمصلي عليه قيراط من ذلك، ولمن شهد الدفن قيراط وذكر القيراط تقريبًا للفهم لما كان الإنسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل بما يعلم). انتهى.
وليس الذي قال ببعيد وقد روى البزار من طريق عجلان عن أبي هريرة مرفوعًا: (من أتى جنازة في أهلها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراط، فإن صلى عليها فله قيراط، فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط).
فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطًا، وأن اختلفت مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته وعلى هذا فيقال إنما خص قيراطي الصلاة والدفن بالذكر؛ لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل، ولكن هذا يخالف ظاهر سياق الحديث الذي في الصحيح المتقدم في كتاب الإيمان فإن فيه: أن لمن تبعها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها قيراطين فقط، ويجاب عن هذا بإن القيراطين المذكورين لمن شهد، والذي ذكره ابن عقيل لمن باشر الأعمال التي يحتاج إليها الميت فافترقا، وقد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث:
فمنها ما يحمل على القيراط المتعارف.
ومنها ما يحمل على الجزء في الجملة وأن لم تعرف النسبة، فمن الأول حديث كعب بن مالك مرفوعًا: (إنكم ستفتحون بلدًا يذكر فيها القيراط).
وحديث أبي هريرة مرفوعًا: (كنت أرعى غنمًا لأهل مكة بالقراريط).
قال ابن ماجه عن بعض شيوخه يعني كل شاة بقيراط، وقال غيره قراريط جبل بمكة، ومن المحتمل حديث ابن عمر في الذين أوتوا التوراة أعطوا قيراطًا قيراطًا، وحديث الباب، وحديث أبي هريرة: (من اقتنى كلبًا نقص من عمله كل يوم قيراط).
وقد جاء تعيين مقدار القيراط في حديث الباب بأنه مثل أحد كما سيأتي الكلام عليه في الباب الذي يليه، وفي رواية عند أحمد، والطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر: (قالوا يا رسول الله مثل قراريطنا هذه قال لا بل مثل أحد).
قال النووي، وغيره: لا يلزم من ذكر القيراط في الحديثين تساويهما؛ لأن عادة الشارع تعظيم الحسنات وتخفيف مقابلها، والله أعلم.
وقال ابن العربي القاضي: الذرة جزء من ألف وأربعة وعشرين جزءًا من حبة، والحبة ثلث القيراط، فإذا كانت الذرة تخرج من النار فكيف بالقيراط، قال وهذا قدر قيراط الحسنات، فأما قيراط السيئات فلا، وقال غيره القيراط في اقتناء الكلب جزء من أجزاء عمل المقتنى له في ذلك اليوم، وذهب الأكثر من أجزاء معلومة عند الله وقد قربها النبي صلى الله عليه و سلم للفهم بتمثيله القيراط بأحد.
قال الطيبي: قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط، والمراد منه أنه يرجع بنصيب كبير من الأجر؛ وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين فبيَّن الموزون بقوله من الأجر وبين المقدار المراد منه بقوله مثل أحد.
وقال الزين بن المنير: أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقًا وأكثرها إلى النفوس المؤمنه حبًا؛ لأنه الذي قال في حقه أنه جبل يحبنا ونحبه انتهى.
ولأنه أيضًا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته وخص القيراط بالذكر؛ لأنه كان أقل ما تقع به الاجارة في ذلك الوقت أو جرى ذلك مجرى العادة من تقليل الأجر بتقليل العمل.