تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 36 من 36

الموضوع: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "مسألة التولد"

    والمقصود بالتولد : وجود مسبب تولد من سبب مباشر من العبد ، كتولد الشبع عن الأكل، والري عن الشرب ، وزهوق النفس عن القتل ، ونحوها ، فذهب الشاطبي في هذه المسألة –كعادته-إلى مذهب الأشاعرة ، وهو أن هذه الأمور من فعل الله سبحانه لا كسب فيها للمكلف ولا قدرة له عليها ، وإليك نصوصه في ذلك :
    1-قال في (الموافقات) 1/302:(ثبت في الكلام أن الذي للمكلف تعاطي الأسباب ، وإنما المسببات من فعل الله وحكمه لا كسب فيه للمكلف)
    2-وقال في (الموافقات) 1/306:(فصارت الأسباب هي التي تعلقت بها مكاسب العباد دون المسببات ، فإذاً لا يتعلق التكليف إلا بمكتسب ، فخرجت المسببات عن خطاب التكليف ، لأنها ليست من مقدورهم ، ولو تعلق بها لكان تكليفاً بما لا يطاق).
    3- وقال في (الموافقات) 1/308:( إن المسببات راجعة إلى الحاكم المسبِّب ، وإنها ليست من مقدور المكلف).
    4-وقال في (الموافقات) 1/312:(إن المسببات غير مقدورة للعباد كما تقدم ).
    5-وقال في (الموافقات) 1/337:(المسببات التي حصل بها النفع والضر ليست من فعل المتسبب).
    6-وقال في (الموافقات) 1/355:(قد تبين أن المسبب ليس للمكلف ، ولم يكلف به ، بل هو لله وحده).
    7-وقال في (الموافقات) 1/356:(- فسر حديث (وإن أصابك شئ فلا تقل :لو أني فعلت كان كذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) – قال:فقد نبهك على أن لو تفتح عمل الشيطان ، لأنه التفات إلى المسبب في السبب ، كأنه متولد عنه أو لازم عقلاً ، بل ذلك قدر الله وما شاء فعل ، إذ لا يعينه وجود السبب ، ولا يعجزه فقدانه)[1].
    8-وقال في (الموافقات) 3/36:(المسببات ليست من فعل المتسبب وإنما هي من فعل الله تعالى ، فالله هو خالق الولد من الماء ، والسكر عن الشرب ، كالشبع مع الأكل ، والري مع الماء، والإحراق مع النار).
    9-وقال في (الموافقات) 3/440:(كلفنا في الأسباب بالأمر والنهي ، وأما أنفس المسببات من حيث هي مسببات فمخلوقة لله تعالى).
    قلت:والكلام على هذا من وجوه:
    الوجه الأول : أن هذه المسألة وتسمى (مسألة التولد) ويُمثل لها باندفاع الحجر عند اعتماد العبد عليه ، فهل اندفاعه هذا مقدور للعبد ومن فعله أو من فعل الله سبحانه ولا قدرة للمكلف عليه؟ ذهب الأشاعرة تبعاً لمذهبهم في الجبر أنه فعلٌ لله سبحانه ولا قدرة للعبد عليه مطلقاً ، وطردوا هذا في كل المسببات المتولدة عن الأسباب كالشبع من الأكل ، والري من الشرب ، والزهوق من القتل، وهكذا [2]، أما المعتزلة فقد ذهبوا –طرداً لقاعدتهم في القدر- إلى أن هذه المتولدات من فعل العبد فقط[3].
    والحق في هذه المسألة هو ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله تعالى[4]:
    (والقول الوسط أن هذه الأمور التي يقال لها المتولدات حاصلة بسبب فعل العبد ، وبالأسباب الأخرى التي يخلقها الله ، فالشبع يحصل بأكل العبد وابتلاعه ، وبما جعله الله في الإنسان وفي الغذاء من القوى المعينة على حصول الشبع ، وكذلك الزهوق حاصل بفعل العبد ، وبما جعله في المحل من قبول الانقطاع ، وهو سبحانه خالق للأثر المتولد عن هذين السببين اللذين أحدهما فعل العبد، وهو خالق السببين جميعاً ، ولهذا كان العبد مثاباً على المتولدات ، والله تعالى يكتب له بها عملاً، وقد ذكر الأفعال المباشرة والمتولدة [5]في آيتين في القرآن ، قال تعالى (ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوٍ نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح) فهذه الأمور كلها هي مما يسمونه متولداً ، فإن العطش والتعب والجوع هو من المتولدات ، وكذلك غيظ الكفار ، وكذلك ما يحصل فيهم من هزيمة ونقص نفوس وأموال وغير ذلك ، ثم قال الله تعالى (ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون وادياً إلا كتب لهم) فالإنفاق وقطع الوادي عمل مباشر فقال فيه (إلا كتب لهم) ولم يقل : به عمل صالح ، وأما الجوع والعطش والنصب و غيظ الكفار وما ينال منهم فهو من المتولدات فقال فيه (إلا كتب لهم به عمل صالح) فدل ذلك على أن عملهم سبب في حصول ذلك وإلا فلا يكتب للإنسان عمل بدون سبب من عمله، بل تكتب الآثار لأنها من أثر عمله-إلى أن قال-ولهذا كانت هذه التي يسمونها المتولدات يؤمر بها تارة ، وينهى عنها أخرى كما قال تعالى ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)[6] وقال(إن تنصروا الله ينصركم ) وقال تعالى(وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)[7] وقال تعالى(قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم و ينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)[8] فأخبر أنه هو المعذب بأيدي المؤمنين ، وهذا مبسوط في موضعٍ آخر[9]).
    الوجه الثاني:أن قوله –في تفسير الحديث-(فقد نبهك على أن (لو) تفتح عمل الشيطان لأنه التفات إلى المسبب في السبب كأنه متولد عنه أو لازم له عقلاً ) فإنه تفسير على ما يوافق مذهبه في القدر وفي الأسباب والمسببات ، وليس هذا تفسير الحديث ، بل كانت (لو) تفتح عمل الشيطان لأنها دليل على الجزع والتسخط والتأسف على ما فات ، وعدم الرضا بالقدر ، وهذا هو المذموم هنا ، فعلى العبد عند المصائب أن ينظر إلى القدر وأن لا يتحسر على الماضي[10].
    ولو كان الأمر كما قال الشاطبي لما جاز استعمال (لو) مطلقاً لأنها بالمعنى الذي ذكره ، وقد جاء في الصحيح قوله e (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولأهللت بالعمرة) فسوق الهدي هنا هو السبب في عدم إحلاله من عمرته ، وفي الحديث الآخر الصحيح –في الرجل المتمني الخير- (لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان) فالسبب في عدم عمله عدم ملكه مثل ماله ، وفي الحديث الآخر (لو صبر أخي موسى ليقص الله علينا من نبئهما) فالسبب في عدم القص عدم صبر موسى ، فعلى تفسير الشاطبي لا يجوز استعمال (لو) في مثل هذا لأنها التفات إلى المسبب في السبب ، وهذا لا يصح لما سبق بيانه من القول الصحيح في مسألة الأسباب ، وللأحاديث التي ثبت فيها استعمال (لو) في حالة تمني الخير ، وإنما المذموم استعمالها في التسخط حال المصيبة، والله تعالى أعلم.

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "ترك الأسباب نظراً إلى القدر"

    1-قال في (الموافقات) 1/329-بعد كلام-:(إن غلّب الثاني –الأسباب بيد خالق المسببات- فصاحبه مع السبب أو بدونه على حالة واحدة ، فإنه إذا جاع مثلاً فأصابته مخمصه فسواء عليه أتسبب أم لا ، إذ هو على بينة أن السبب كالمسبب بيد الله تعالى ، فلا يجب عليه التسبب في رفع ذلك ، لأن علمه بأن السبب في يد المسبب أغناه عن تطلب المسبب من جهته على التعيين، بل السبب وعدمه في ذلك سواء ).
    2-وقال في (الموافقات) 1/331:( من تحقق بأن الخروج عن السبب كالدخول فيه بالنسبة إلى ضمان الله تعالى الرزق صح أن يقال إنه لا يجب عليه التسبب فيه ، ولذلك نجد أصحاب الأحوال يركبون الأهوال ويقتحمون الأخطار ويلقون بأيديهم إلى ما هو عند غيرهم تهلكة فلا يكون كذلك بناءً على أن ما هم فيه من مواطن الضرر وأسباب التهلكة يستوي مع ما هو عندنا من مواطن الأمن وأسباب النجاة).
    قلت:
    وهذا الكلام فيه نَفَسٌ صوفي ، فإن مضمون كلامه إسقاط الأسباب نظراً إلى القدر ، وهذا ما يسمى عند الصوفية (توحيد الخاصة)[1]، وقد قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :( ذكر تلبيس إبليس على الصوفية في ادعاء التوكل وقطع الأسباب وترك الاحتراز في الأموال)-ثم ذكر كلام الصوفية في هذا ونقضه-.[2]
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى[3]-في ترك الأسباب نظراً إلى القدر-:( ولا ريب أن هذا الأصل الفاسد مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف وأئمة الدين ، ومخالف لصريح المعقول ، ومخالف للحس والمشاهدة، وقد سئل النبي e عن إسقاط الأسباب نظراً إلى القدر فرد ذلك كما ثبت في الصحيحين عن النبي e أنه قال ( ما منكم من أحدٍ إلا وقد علم مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا: (يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب ) فقال:(لا ، اعملوا فكل ميسر لما خلق له) وفي الصحيح أيضاً أنه قيل له (يا رسول الله ، أرأيت ما يكدح الناس فيه اليوم ويعملون،أشئ قضي عليهم ومضى، أم فيما يستقبلون مما أتاهم فيه الحجة؟ ) فقال:(بل شئ قضي عليهم ومضى فيهم ) قالوا:(يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على كتابنا ) فقال:(لا ، اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ، وفي السنن عن النبي e أنه قيل له (أرأيت أدوية نتداوى بها ، ورقى نسترقي بها، وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئاً؟) قال:(هي من قدر الله )- ثم أخذ يذكر الأدلة في ذلك إلى أن قال- وهو مسبب الأسباب وخالق كل شئ بسبب منه لكن الأسباب قال فيها أبو حامد وأبو الفرج ابن الجوزي وغيرهما : (الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً تغيير في وجه العقل ، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع)اهـ.
    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى[4]:( القول بإسقاط الأسباب هو توحيد القدرية الجبرية أتباع الجهم بن صفوان في الجبر فإنه كان غالياً فيه –إلى أن قال- وطرد هذا المذهب مفسد للدنيا والدين، بل ولسائر أديان الرسل ، ولهذا لما طرده قوم أسقطوا الأسباب الدنيوية وعطلوها وجعلوا وجودها كعدمها ، ولم يمكنهم ذلك ، فإنهم لابد أن يأكلوا ويشربوا ويباشروا من الأسباب ما يدفع عنهم الحر والبرد والألم ، فإن قيل : هلا أسقطتم ذلك ؟ قالوا : لأجل الاقتران العادي ، فإن قيل لهم : هلا قمتم بما أسقطتموه من الأسباب لأجل الاقتران العادي أيضاً، فهذا المذهب قد فطر الله سبحانه الحيوان – ناطقه وأعجمه- على خلافه –إلى أن قال- وبالجملة فالقرآن من أوله إلى آخره يبطل هذا المذهب ويرده ، كما تبطله العقول والفطر والحواس)اهـ.

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    المبحث الثالث
    "تفسير الظلم"


    قال في (الموافقات) 2/354:(بل لو عذب أهل السماوات والأرض لكان ذلك بحق الملك).
    قلت:
    وكلامه هذا موافق لمذهبه في القدر –وهو نفس كلام الأشاعرة- فإن الأشاعرة يفسرون الظلم بأنه التصرف في ملك الغير ،والله سبحانه وتعالى له كل شئ فيمتنع عليه الظلم [1]، لذلك قالوا: بأن كل ما يقدره الذهن من الممكنات فليس بظلم إن فعله الرب لأن هذا له بحق الملك.
    والصحيح ما عليه أهل السنة أن الظلم هو وضع الشئ في غير موضعه ، وأن الله سبحانه قادر على الظلم لكنه منزه عنه كما قال تعالى :(ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضماً) يعني :فلا يخاف أن يحمل عليه سيئات غيره فيعاقبه عليها، ولا لا يخاف أن يهضمه حسناته فينقصه ثوابها-كما قال أهل التفسير[2]-،وكما قال تعالى (ولا يظلمون نقيرا) وقوله تعالى(إن الله لا يظلم مثقال ذرة) وقوله تعالى(وما ربك بظلام للعبيد) وقوله(فلا تظلم نفس شيئاً) وغيرها من الآيات، وفي مسلم عن أبي ذر t أن النبي e قال فيما يرويه عن ربه عز وجل :(يا عبادي إني حرمت الظلم عل نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) فكل هذه النصوص تدل على أن الظلم ينزه الله عنه مع قدرته عليه ، إذ لا ينزه عن ممتنع عليه ، وأن الله سبحانه حرمه على نفسه.
    وأما حديث ابن الديلمي –في السنن-:(لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم ) فليس ذلك (بحق الملك) كما قال الشاطبي ، فإن الله سبحانه له كل شئ ومع ذلك تنزه عن أشياء ، وإنما معنى الحديث أنه لو عذبهم لكان ذلك تعذيباً يستحقونه لأن أعمالهم لا تفي بنجاتهم ، كما في الصحيح عن النبي e أنه قال (لن ينجي أحداً منكم عمله) قالوا : ولا أنت يارسول الله ، قال :(ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل).
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
    (فرحمته ليست في مقابلة أعمالهم ، ولا هي ثمناً لها ، فإنها خير منها ، كما قال في الحديث نفسه :(ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم) أي فجمع بين الأمرين في الحديث أنه لو عذبهم لعذبهم باستحقاقهم ولم يكن ظالماً لهم ، وأنه لو رحمهم لكان ذلك مجرد فضله وكرمه لا بأعمالهم، إذ رحمته خير من أعمالهم ، فصلوات الله وسلامه على من خرج هذا الكلام أولاً من شفتيه، فإنه أعرف الخلق بالله وبحقه وأعلمهم به وبعدله وفضله وحكمته وما يستحقه على عباده .
    وطاعات العبد كلها لا تكون مقابلة لنعم الله عليهم ولا مساوية لها ، بل ولا للقليل منها ، فكيف يستحقون بها على الله النجاة؟. وطاعة المطيع لا نسبة لها إلى نعمة من نعم الله عليه فتبقى سائر النعم تتقاضاه شكراً ، والعبد لا يقوم بمقدوره الذي يجب لله عليه ، فجميع عباده تحت عفوه ورحمته وفضله ، فما نجا منهم أحد إلا بعفوه ومغفرته ، ولا فاز بالجنة إلا بفضله ورحمته .وإذا كانت هذه حال العباد فلو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم لا لكونه قادراً عليهم وهم ملكه ، بل لاستحقاقهم ، ولو رحمهم لكان ذلك بفضله لا بأعمالهم)اهـ

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "كلامه في النبوات

    1-قال في (الموافقات) 2/484:(إنه لولا أن اطراد العادات معلوم لما عرف الدين من أصله، فضلاً أن تعرف فروعه ، لأن الدين لا يعرف إلا عند الاعتراف بالنبوة ، ولا سبيل إلى الاعتراف بها إلا بواسطة المعجزة ، ولا معنى للمعجزة إلا أنها فعل خارق للعادة ، ولا يحصل فعل خارق للعادة إلا بعد تقرير اطراد العادة في الحال والاستقبال كما اطردت في الماضي ، ولا معنى للعادة إلا أن الفعل المفروض لو قدر وقوعه غير مقارنٍ للتحدي لم يقع إلا على الوجه المعلوم في أمثاله ، فإذا وقع مقترناً بالدعوة خارقاً للعادة علم أنه لم يقع كذلك مخالفاً لما اطرد عليه الأمر والداعي صادق ، فلو كانت العادة غير معلومة لما حصل العلم بصدقه اضطراراً لأن وقوع مثل ذلك الخارق لم يكن بدون اقتران الدعوة والتحدي ، لكن العلم بصدقه حاصل ، فدل على أن ما انبنى عليه العلم معلوم أيضاً وهو المطلوب).
    2-وقال في (الموافقات) 2/486:(إذا رأينا جزئياً انخرقت فيه العادة على شرط ذلك دلنا على ما تدل عليه الخوارق من نبوة النبي e إن اقترنت بالتحدي ، أو ولاية الولي إن لم تقترن أو اقترنت بدعوى الولاية على القول بجواز ذلك).
    قلت :
    ويظهر في الكلام السابق تأثره بأهل الكلام من وجوه:
    الوجه الأول:أن قوله(لا سبيل إلى الاعتراف بالنبوة إلا بواسطة المعجزة) موافق لما ذهب إليه المتكلمون في إثبات النبوة من المعتزلة[1]و الأشاعرة[2]وغيرهم.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى[3]-عن طريقتهم في ذلك-:(هذه الطريقة هي من أتم الطرق عند أهل الكلام و النظر حيث يقررون نبوة الأنبياء بالمعجزات ولا ريب أن المعجزات دليل صحيح لتقرير نبوة الأنبياء ، لكن كثير من هؤلاء بل كل من بنى إيمانه عليها يظن أنا لا نعرف نبوة الأنبياء إلا بالمعجزات ، ثم لهم في تقرير دلالة المعجزة على الصدق طرق متنوعة وفي بعضها من التنازع والاضطراب ما سننبه عليه ، والتزم كثير من هؤلاء إنكار خرق العادات لغير الأنبياء حتى أنكروا كرامات الأولياء والسحر ونحو ذلك-إلى أن قال- ومنهم من يجعل المعجزة دليلاً ويجعل أدلة أخرى غير المعجزة وهذا أصح الطرق ، ومن لم يجعل دليلها إلا المعجزة اضطر لهذه الأمور[4] التي فيها تكذيب لحق أو تصديق لباطل ، ولهذا كان السلف والأئمة يذمون الكلام المبتدع فإن أصحابه يخطئون إما في مسائلهم وإما في دلائلهم فكثيراً ما يثبتون دين المسلمين في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله على أصولٍ ضعيفة بل فاسدة ، ويلتزمون لذلك لوازم يخالفون بها السمع الصحيح والعقل الصريح، وهذا حال الجهمية من المعتزلة وغيرهم)اهـ.
    واعلم أن ما ذهب إليه الأشاعرة في هذا –ووافقهم عليه الشاطبي-هو بناءً على معتقدهم في القدر من نفي الحكمة والتحسين والتقبيح العقليين[5] وتجويزهم على الله فعل كل ممكن ، فهم يجوزون على الله إرسال كل أحد ، فليست الرسالة عندهم اصطفاء من الله سبحانه لسبب أو حكمة ، فالنبوة عندهم صفة إضافية راجعة إلى خطاب الشارع فقط ، وليست صفة ثبوتية في نفس النبي ،كما يقولون ذلك في الأعيان والأفعال وأن حسنها وقبحها راجع إلى خطاب الشارع لا إلى صفاتٍ فيها، كالصدق عندهم فليس حسناً لذاته بل لأمر الله به ، ولو انعكس فنهى عنه لصار قبيحاً ، وكذلك قولهم في النبوة أنها ليست اصطفاء من الله للنبي بسبب صفات يتميز بها على غيره بل هو اصطفاء من غير سبب و لا حكمة [6]، ولما كان هذا مذهبهم احتاجوا إلى تمييز الصادق من الكاذب بالمعجزة-لتجويزهم على الله أن يرسل كل أحد سواء كان معروفاً بالصفات الحسنة أو السيئة قبل النبوة-.
    وهذا الكلام فاسد –سبق إبطال بعضه في مبحث التحسين والتقبيح- فإن الصحيح أن النبوة صفة ثبوتية وإضافية معاً[7] ، فقد قال الله تعالى (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس) ، وقوله تعالى –عن موسى-(ولتصنع على عيني) ،وقال تعالى:(الله أعلم حيث يجعل رسالته) فهو سبحانه حكيم يضع الأمور في مواضعها ، فهو أعلم بمن يصلح لرسالته ممن يتصف بالأخلاق الجميلة والبريء من الأخلاق الدنيئة [8]، وهو ذو الحكمة البالغة في أمره ونهيه وأفعاله ، لهذا فالكلام على النبوة فرع على إثبات الحكمة[9].
    وقد روى البخاري عن أبي هريرة t أن النبي e قال:(بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت في القرن الذي كنت فيه) ، وروى مسلم عن واثلة بن الأسقع t أن النبي e قال:( إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم) ، وروى أحمد عن العباس t أن النبي e قال (أنا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فريقين فجعلني في خير فرقة ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، فأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً) وروى أحمد عن ابن مسعود t أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد e خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته).
    فالله سبحانه حكيم في أفعاله ، لا يبعث أي أحد –كما يقوله هؤلاء-، بل يصطفي من يشاء من خلقه ممن يتصف بصفات تؤهله لذلك كما في الأحاديث السابقة ، فإذا ثبت هذا الأمر فحصر دليل النبوة على المعجزة خطأ ، بل النبوة تعلم بطرقٍ كثيرة غير طريق المعجزات ، فإن الناس إذا قويت حاجتهم إلى معرفة الشئ يسر الله أسبابه[10].
    لهذا كان إيمان خديجة رضي الله عنها قبل ظهور المعجزات ، بل إنها استدلت بأحواله قبل النبوة على صدقه بعدها فقالت –كما ثبت في الصحيحين-(كلا والله ، لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق ) ، وكذلك إيمان أبي بكرٍ t وغيره من السابقين كان قبل ظهور المعجزات بل لما يعلمون من أحواله وصدقه وأمانته ، وكذلك هرقل استدل على صدقه بخصاله وصفاته قبل أن يوحى إليه ، كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أبا سفيان t حدثه -بالحديث الطويل في إرسال النبي e إلى هرقل يدعوه للإسلام وإرسال هرقل لأبي سفيان يسأله وكان مشركاً- وفيه قول هرقل (وسألـتك عـن حسبه ، فزعمت أنه فيكم ذو حسب ، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، -وفيه- وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا ، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله ، -وفيه- إن يكن ما تقول حقاً إنه لنبي)[11].
    قال القاضي عياض رحمه الله تعالى[12]:
    (وإذا تأمل المنصف ما قدمناه من جميل أثره ، وحميد سيره ، وبراعة علمه ، ورجاحة عقله وحلمه، وجملة كماله ، وجميع خصاله ، وشاهد حاله وصواب مقاله ، لم يمتر في صحة نبوته وصدق دعوته ، وقد كفى هذا غير واحد في إسلامه والإيمان به ، فروينا عن الترمذي وابن قانع بأسانيدهم أن عبد الله بن سلام قال لما قدم رسول الله e المدينة جئته لأنظر إليه ، فلما استبنت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب…وعن أبي رمثة التيمي :أتيت النبي e ومعي ابن لي فأريته ، فلما رأيته قلت: هذا نبي الله ، وروى مسلم وغيره أن ضماداً لما وفد عليه فقال له النبي e :إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، قال له : أعد عليّ كلماتك هؤلاء ، فلقد بلغن قاموس البحر، هات يدك أبايعك ، وقال جامع بن شداد : كان رجل منا يقال له طارق فأخبر أنه رأى النبي e بالمدينة فقال : هل معكم شئ تبيعونه؟ قلنا :هذا البعير ، قال : بكم؟ قلنا: بكذا وكذا وسقاً من تمر، فأخذ بخطامه وسار إلى المدينة ، فقلنا : بعنا من رجل لا ندري من هو ؟ ومعنا ظعينة ، فقالت: أنا ضامنة لثمن البعير ، رأيت وجه رجلٍ مثل القمر ليلة البدر ، لا يخيس بكم ، فأصبحنا فجاء رجل بتمر فقال: أنا رسول رسول الله e إليكم يأمركم أن تأكلوا من هذا التمر وتكتالوا حتى تستوفوا ، ففعلنا ، وفي خبر الجولندى ملك عمان لما بلغه أن رسول الله e يدعوه إلى الإسلام قال الجولندى: والله لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به ، ولا ينهى عن شئ إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويُغلب فلا يضجر ، ويفي بالعهد ، وينجز الموعود ، وأشهد أنه نبي ، وقال نفطويه في قوله تعالى (يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار) هذا مثل ضربه الله تعالى لنبيه e يقول : يكاد منظره يدل على نبوته وإن لم يتل قرآناً كما قال ابن رواحة:
    لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر)اهـ

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    الوجه الثاني : قوله (ولا معنى للمعجزة إلا أنها فعل خارق للعادة) فإن هذا تعريف المتكلمين للمعجزة ، فإنهم جعلوا حدها الذي تعرف به أنها الفعل الخارق للعادة ، وهذا هو المحظور ، فالخارق للعادة جنس عام يدخل فيه معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء وخوارق الشياطين ، ولأنهم حدوا المعجزة بهذا –ولم يميزوا بينها وبين غيرها-فقد افترقوا إلى حزبين :
    الحزب الأول : وهم الذين أنكروا الكرامات وخوارق السحرة ونحوهم لئلا يلتبس عندهم النبي بغيره إذا خرقت العادة لكل واحد منهم –لأن جنس الخوارق عندهم واحد- ، وهؤلاء هم المعتزلة[1]، وغيرهم كابن حزم الظاهري[2].
    والحزب الثاني: وهم الذين أجازوا أن يكون كل خرقٍ لعادة من معجزات الأنبياء حتى لو كان من جنس خوارق الشياطين ، وهم الأشاعرة ومن تبعهم [3].
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى[4]:
    (ومن هنا دخل الغلط على كثير من الناس ، فإنهم لما رأوا آيات الأنبياء خارقة للعادة لم يعتد الناس مثلها ، أخذوا مسمى خرق العادة ولم يميزوا بين ما يختص به الأنبياء ومن أخبر بنبوتهم ، وبين ما يوجد معتاداً لغيرهم ، واضطربوا في مسمى هذا الاسم كما اضطربوا في مسمى المعجزات ، ولهذا لم يسمها الله في كتابه إلا آيات وبراهين ، فإن ذلك اسم يدل على مقصودها ويختص بها لا يقع على غيرها ، لم يسمها معجزة ولا خرق عادة ، وإن كان ذلك من بعض صفاتها ، فهي لا تكون آية وبرهاناً حتى تكون قد خرقت العادة وعجز الناس عن الإتيان بمثلها ، لكن هذا بعض صفاتها وشرط فيها وهو من لوازمها ، لكن شرط الشئ ولوازمه قد يكون أعم منه ، وهؤلاء جعلوا مسمى المعجزة وخرق العادة هو الحد المطابق لها طرداً وعكساً ، كما أن بعض الناس يجعل اسمها أنها عجائب، وآيات الأنبياء إذا وصفت بذلك فينبغي أن يقيد بما يختص بها ، فيقال : العجائب التي أتت بها الأنبياء وخوارق العادات والمعجزات التي ظهرت على أيديهم ، أو التي لا يقدر عليها البشر ، أو لا يقدر عليها الإنس والجن ، أو التي لا يقدر عليها إلا الله ، بمعنى أنه لا يقدر عليها أحد بحيلة أو اكتساب كما يقدرون على السحر والكهانة ، فبذلك تتميز آياتهم عما ليس من آياتهم ) وقال رحمه الله تعالى[5]:( إن آيات الأنبياء هي الخوارق التي تخرق عادة جميع الثقلين فلا تكون لغير الأنبياء ولغير من شهد لهم بالنبوة ، وهذا كلام صحيح فصلنا به بين آيات الأنبياء وغيرهم بحد مطرد منعكس ، بخلاف من قال هي خرق العادة ولم يميز بينها وبين غيرها وتكلم في خرق العادة بكلام متناقض ، تارة يمنع وجود السحر والكهانة ، وتارة يجعل هذا الجنس من الآيات ولكن الفرق عدم المعارضة-إلى أن قال- وأما آيات الأنبياء التي بها تثبت نبوتهم وبها وجب على الناس الإيمان بهم فهي أمر يخص الأنبياء لا يكون للأولياء ولا لغيرهم ، بل يكون من المعجزات الخارقة للعادات ، الناقضة لعادات جميع الإنس والجن غير الأنبياء)[6]اهـ.
    فتبين مما مضى أن جعل حد المعجزة أنها الأمر الخارق للعادة فقط قصور جعل بعض المبتدعة ينكرون خوارق الأولياء وخوارق السحرة والكهنة لئلا تلبتس بزعمهم بخوارق الأنبياء إذ الجميع خرق للعادة ، وجعل آخرين يجوزون أن يكون كل خارق للعادة معجزة للنبي أو خارقاً لساحر أو كاهن، والحد الصحيح للمعجزات أن تقيد بأنها خوارق العادات التي تختص بالأنبياء ونحوه كما سبق.
    الوجه الثالث: قوله (إذا اقترنت بالتحدي) وقوله(لو قدر وقوعه غير مقارن للتحدي لم يقع إلا على الوجه المعلوم في أمثاله ، فإذا وقع مقترناً بالدعوة خارقاً للعادة علم أنه لم يقع كذلك مخالفاً لما اطرد إلا والداعي صادق) وقوله (إذا رأينا جزئياً انخرقت فيه العادة على شرط ذلك دلنا على ما تدل عليه الخوارق من نبوة النبي e إن اقترنت بالتحدي ، أو ولاية الولي إن لم تقترن أو اقترنت بدعوى الولاية على القول بجواز ذلك) فهذا كله على أصل الأشاعرة في نفي الحكمة وأن الله سبحانه يفعل بلا سبب بل لمحض المشيئة ، وذلك أنهم جوزوا أن تكون معجزة النبي أي خارقٍ للعادة حتى ولو كانت من خوارق السحرة والكهنة ونحوهم ،والعكس، فجوزوا أن يخرق للسحرة والكهنة ما يخرق للأنبياء ، فإذا قيل لهم : فما الفرق بين خارق النبي وغيره إذا كان جنسه واحداً ، وكيف التمييز بين هذه الخوارق؟ قالوا: يكون الخارق معجزة للنبي إذا قارنه التحدي ودعوى النبوة وعدم المعارضة ، فهذا هو الفرق بين معجزات الأنبياء وغيرهم عندهم[7].
    وهذا باطل ، وقد سبق في الوجه الأول ذكر الحد الصحيح لمعجزات الأنبياء ، وأن آيات الأنبياء مختصة بهم لا تلتبس بغيرها ، وأن جنس معجزات الأنبياء لا يستطيع أحد من الإنس والجن أن يأتي بمثلها كانشقاق القمر ، وكجعل العصا حية تسعى والتي بسببها ألقي السحرة سجداً لعلمهم بأن هذا ليس في مقدور أحد من الإنس أو الجن ، وغيرها من الآيات ، وهذا بخلاف خوارق السحرة والكهنة فإنها من جنس مقدورات المخلوقات عموماً[8]، وآيات الأنبياء ليس من شرطها أن يستدل بها أو يتحدى بها ، بل هي دليل على نبوته وإن خلت عن التحدي ، بل لم ينقل عن النبي e التحدي إلا في القرآن خاصة ، ولا نقل التحدي عن غيره من الأنبياء في الجملة[9].
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى[10]:
    (والجهمية المجبرة الذين قالوا إن الله قد يفعل كل ممكن مقدور ، لا ينزهونه عن فعل شئ، ويقولون إنه يفعل بلا سبب و لا حكمة ، وهو الخالق لجميع الحوادث ، لم يفرقوا بين ما تأتي به الملائكة ولا ما تأتي به الشياطين ، بل الجميع يضيفونه إلى الله على حدٍ واحد ، ليس في ذلك حسن ولا قبيح عندهم حتى يأتي الرسول ، فقبل ثبوت الرسالة لا يميزون بين شئ من الخير والشر والحسن والقبيح ، فلهذا لم يفرقوا بين آيات الأنبياء وخوارق السحرة والكهان ، بل قالوا: ما يأتي به السحرة والكهان يجوز أن يكون من آيات الأنبياء ، وما يأتي به الأنبياء يجوز أن يظهر على أيدي السحرة والكهان ، لكن إن دل على انتفاء ذلك نص أو إجماع نفوه مع أنه جائز عندهم أن يفعله الله ، لكن بالخبر علموا أنه لم يفعله ، فهؤلاء لما رأوا ما جاءت به الأنبياء وعلموا أن آياتهم تدل على صدقهم ، وعلموا ذلك إما بضرورة أو بنظر ، واحتاجوا إلى بيان دلائل النبوة على أصلهم ، كان غاية ما قالوا: إن كل شئ يمكن أن يكون آية للنبي بشرط أن يقترن بدعواه ، وبشرط أن يتحدى بالإتيان بالمثل ، فلا يعارض ، ومعنى التحدي بالمثل أن يقول لمن دعاهم : ائتوا بمثله ، وزعموا أنه إذا كان هناك سحرة وكهان وكانت معجزته من جنس ما يظهر على أيديهم من السحر والكهانة فإن الله لا بد أن يمنعهم عن فعل ما كانوا يفعلونه ، وأن من ادعى منهم النبوة فإنه يمنعه من تلك الخوارق ، أو يقيض له من يعارضه بمثلها ، فهذا غاية تحقيقهم ، وفيه من الفساد ما يطول وصفه)[11].
    وقال أيضاً[12]:(إن هؤلاء حقيقة قولهم إنه ليس للنبوة آية تختص بها[13]، كما أن حقيقة قولهم إن الله لا يقدر أن يأتي بآية تختص بها[14]، وأنه لو كان قادراً على ذلك لم يلزمه أن يفعله ، بل ولم يفعله ، فهذان أمران متعلقان بالرب ،إذ هو عندهم لا يقدر أن يفعل شيئاً لشئ، والآية إنما تكون آية إذا فعلها لتدل ولو قدر أنه قادر فهم يجوزون عليه فعل كل شئ فيمكن أنه لم يجعل على صدق النبي دليلا ، وأما الذي ذكرناه عنهم هنا فإنه يقتضي أنه لا دليل عندهم على نبوة النبي ، بل كل ما قدر دليلاً فإنه يمكن وقوعه مع عدم النبوة فلا يكون دليلاً ، فهم هناك[15]حقيقة قولهم :إنـا لا نعلم على النبوة دليلاً ، وهنا[16]حقيقة قولهم إنه لا دليل على النبوة ، ولهذا كان كلامهم في هذا منتهاه إلى التعطيل)اهـ.
    الوجه الرابع: قوله( حصل العلم بتصديقه اضطراراً) فهذا الكلام اتبع فيه الجويني[17] وغيره ، وذلك بناءً على أصلهم –والذي سبق ذكره مراراً-بتجويز أن يفعل الله كل شئ ، وأن خوارق الأنبياء والسحرة والكهان جنسها واحد ، فأرادوا التفريق بين ما يظهر من النبي والمتنبي فقالوا بأنه يحصل العلم الضروري عند حدوث المعجزة على يد النبي ، مع أن هذا يستلزم بطلان ما أصلوه من أن الله سبحانه لا يخلق شيئاً لشئ ونفيهم للحكمة والسببية.
    أما حصول العلم الضروري عند وقوع المعجزات فقد يقع ، وقد يحصل العلم بالنظر والاستدلال ولا يقع ضرورة ، بحسب المعجزة ، وبحسب الناظر فيها ، فإن الناس يختلفون في الإدراك، فمنهم من يحصل له العلم الضروري لعلمه بلوازمها علماً بيناً لا يحتاج فيه إلى استدلال ، ومنهم من يحتاج إلى النظر والاستدلال ليتبين له ذلك، والله تعالى أعلم.

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "كلامه في الميزان"

    قال في (الاعتصام) 2/842:(الميزان يمكن إثباته ميزاناً صحيحاً على ما يليق بالدار الآخرة وتوزن فيه الأعمال على وجهٍ غير عادي ، نعم يقر العقل بأن أنفس الأعراض وهي الأعمال لا توزن وزن الموزونات عندنا في العادات وهي الأجسام ، ولم يأت في النقل ما يعين أنه كميزاننا من كل وجه ، أو أنه عبارة عن الثقل أو أنفس الأعمال توزن بعينها ، فالأخلق الحمل إما على التأويل ، وإما على التسليم ، وهذه الأخيرة طريقة الصحابة -ثم قال- فإن قيل : فالتأويل إذاً خارج عن طريقتهم ، فأصحاب التأويل على هذا من الفرق الخارجة ، قيل : لا ، لأن الأصل في ذلك التصديق بما جاء التسليم محضاً، أو مع التأويل نظر لا يبعد ، إذ قد يحتاج إليه في بعض المواضع).
    قلت:والكلام على هذا من وجوه:
    الوجه الأول: أنه هنا سوّغ ما سماه (التأويل) للميزان –بمعنى إنكار أن يكون ميزاناً حسياً توزن فيه الأعمال يوم القيامة- وهو خلاف ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة[1] ، وخلاف ما ذهب إليه الأشاعرة متقدموهم[2]ومتأخروهم[3]، بل وخلاف ما ذهب إليه المعتزلة البصريون ، فإن تأويل الميزان هو قول البغداديين من المعتزلة دون البصريين[4]، والبغداديون أعظم ابتداعاً وأشد غلواً من البصريين[5].
    وقد روى حنبل بن إسحاق رحمه الله تعالى في كتاب (السنة) عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى أنه قال رداً على من أنكر الميزان ما معناه ( قال الله تعالى(ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) وذكر النبي e الميزان يوم القيامة ، فمن رد على النبي e فقد رد على الله عز وجل[6].
    الوجه الثاني: أن قوله (ولم يأت في النقل أنه كميزاننا من كل وجه) إن أراد به أنه ليس كميزاننا هذا في حقيقته وكيفيته ومقداره ونحو ذلك فهذا صحيح ، فإن هذا من علم الغيب ، ولا يعلم حقيقته وكيفيته إلا الله سبحانه ، وإن أراد بذلك نفي أن يكون له كفتان حسيتان مشاهدتان فإن هذا غير صحيح ، بل ورد في النقل ما يثبت ذلك ، فقد روى أحمد والترمذي وغيرهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي e قال:(إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول له : أتنكر من هذا شيئاً ، أظلمتك كتبتي الحافظون؟ قال : لا يا رب ، فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل ، ويقول: لا يا رب ، فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم اليوم عليك ، فتخرج بطاقة فيها (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله) فيقول : أحضروه، فيقول: يا رب هذه البطاقة مع هذه السجلات ، فيقال : إنك لا تظلم ، قال: فتوضع السجلات في كفة ، قال : فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) وفي رواية(فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة) ، وروى اللالكائي والآجري وغيرهما من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان النهدي عن سلمان t أنه قال(يوضع الميزان وله كفتان)[7]، وغيرها من النصوص.
    الوجه الثالث: أن قوله (أو أنه عبارة عن الثقل-يعني لم يأت في النقل-) غير صحيح ، بل ورد ما يدل على ذلك ، ومن ذلك حديث البطاقة السابق وفيه (وثقلت البطاقة) ، ومنه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة t أن النبي e قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، حبيبتان إلى الرحمن ، ثقيلتان في الميزان ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) ، ومنه ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود وغيرهم عن أبي الدرداء t أن النبي e قال (ما من شئ أثقل في ميزان المؤمن من الخلق الحسن) وغيرها.
    الوجه الرابع: أن قوله ( أو أنفس الأعمال توزن بعينها) فغير صحيح أيضاً فقد ورد أن الأعمال نفسها توزن ، كالحديثين السابقين في الكلمتين الثقيلتين في الميزان وفي الخلق الحسن ، ومنه ما رواه مسلم عن أبي مالك الأشعري t أن النبي e قال (الطهور شطر الميزان ، والحمد لله تملأ الميزان) .
    وقد وردت أحاديث تدل على أن الأعمال نفسها توزن كهذه الأحاديث ، ووردت أحاديث تدل على أن صحائف الأعمال توزن كحديث البطاقة السابق ، ووردت أحاديث تدل على أن صاحب العمل يوزن أيضاً كما روى أحمد وغيره عن علي t أن النبي e قال عن ساقي عبدالله ابن مسعود – وكانتا دقيقتين- (والذي نفسي بيده هما في الميزان أثقل من أحد) ، ولا مانع يمنع من أن يكون الوزن للجميع كما دلت عليه هذه النصوص [8]، والله تعالى أعلم.
    الوجه الخامس : أن قوله (فإن قيل فالتأويل إذاً خارج عن طريقتهم –يعني طريقة الصحابة- قيل: لا) لا يصح ، بل هو مخالف لطريقتهم أشد المخالفة ، ومخالف لما دل عليه الكتاب ودلت عليه السنة والأحاديث الصحيحة ، وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة[9]، ولم يذهب إلى تأويل ذلك وإنكاره إلا غلاة المبتدعة .
    قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى[10]:
    ( فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال ، وثبت أن الميزان له كفتان ، والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات ، فعلينا الإيمان بالغيب كما أخبرنا الصادق e من غير زيادة ولا نقصان ، و يا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقّال والفوّال!! وما أحراه أن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً )اهـ.

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    كلامه في الأخبار"

    1-قال في (الموافقات) 1/27:(ووجود القطع فيها –أي في الأدلة الشرعية- على الاستعمال المشهور معدوم ، أو في غاية الندور ، أعني في آحاد الأدلة ، فإنها إن كانت من أخبار الآحاد فعدم إفادتها القطع ظاهر ، وإن كانت متواترة فإفادتها القطع موقوفة على مقدمات جميعها أو غالبها ظني ، والموقوف على الظني لا بد أن يكون ظنياً ، فإنها تتوقف على : نقل اللغات وآراء النحو ، وعدم الاشتراك ، وعدم المجاز والنقل الشرعي أو العادي والإضمار والتخصيص للعموم والتقييد للمطلق، وعدم الناسخ والتقديم والتأخير والمعارض العقلي ،وإفادة القطع مع اعتبار هذه الأمور متعذر ، وقد اعتصم من يقول بوجودها بأنها ظنية في أنفسها لكن إذا اقترنت بها قرائن مشاهدة أو منقولة فقد تفيد اليقين ، وهذا كله نادر أو متعذر).
    2-وقال في (الموافقات) 2/79-80:(إن المتمسك بالدلائل النقلية إذا كانت متواترة موقوف على مقدمات عشر كل واحدة منها ظنية ، والموقوف على الظني لا بد أن يكون ظنياً، فإنها تتوقف على : نقل اللغات وآراء النحو ، وعدم الاشتراك ، وعدم المجاز ، وعدم النقل الشرعي أو العادي، وعدم الإضمار ، وعدم التخصيص للعموم ، وعدم التقييد للمطلق ، وعدم الناسخ، وعدم التقديم والتأخير ، وعدم المعارض العقلي ، وجميع ذلك أمور ظنية).
    3-وقال في (الموافقات)3/310:( والأدلة التي يتلقى معناها من الألفاظ لا تتخلص إلا أن تسلم من القوادح العشرة المذكورة في أول الكتاب ، وذلك عسير جداً).
    قلت:
    وهذا القول هو قول المبتدعة ، وقد تزعم القول بذلك رأس الأشاعرة ومتكلمهم (الرازي)[1]، وذكر بعض المتكلمين أنه مذهب المعتزلة وجمهور الأشاعرة[2]، بل قال في ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى[3]:(فتجد أبا عبد الله الرازي يطعن في دلالة الأدلة اللفظية على اليقين، وفي إفادة الأخبار للعلم، وهذان هما مقدمتا الزندقة) وذكر في موضع آخر أنها من قواعد الإلحاد[4]، وقال في هذا أيضاً[5]: (ولا ريب أن هذا عمدة كل زنديق ومنافق يبطل العلم بما بعث الله به رسوله ،تارة يقول : لا نعلم أنهم قالوا ذلك[6]، وتارة يقول : لا نعلم ما أراده بهذا القول[7]، ومتى انتفى العلم بقولهم أو بمعناه لم يستفد من جهتهم علم ، فيتمكن بعد ذلك أن يقول ما يقول من المقالات وقد أمن على نفسه أن يعارض بآثار الأنبياء، لأنه قد وكل ثغرها بذينك الدامحين الدافعين لجنود الرسول عنه ، الطاعنين لمن احتج بها. وهذا القدر بعينه هو عين الطعن في نفس النبوة ، وإن كان يقر بتعظيمهم وكمالهم إقرار من لا يتلقى من جهتهم علماً ، فيكون الرسول عنده بمنزلة خليفة يعطى السكة والخطبة رسماً ولفظاً ، كتابة وقولاً ، من غير أن يكون له أمر أو نهي مطاع ، فله صورة الإمامة بما جعل له من السكة والخطبة، وليس له حقيقتها)اهـ.
    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى[8]:
    (الفصل الرابع والعشرون : في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين ، وانتهكوا بها حرمة القرآن ، ومحو بها رسوم الإيمان) ثم قال(وهذه الطواغيت الأربع: هي التي فعلت بالإسلام ما فعلت ، وهي التي محت رسومه ، وأزالت معالمه ، وهدمت قواعده ، وأسقطت حرمة النصوص من القلوب ، ونهجت الطعن فيها لكل زنديق وملحد ، فلا يحتج عليه المحتج بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله إلا لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت واعتصم به ، واتخذه جنة يصد به عن سبيل الله ، والله تعالى بحوله وقوته ومنه وفضله قد كسر هذه الطواغيت طاغوتاً طاغوتاً ، على ألسنة خلفاء رسله وورثة أنبيائه ، فلم يزل أنصار الله ورسوله يصيحون بأهلها من أقطار الأرض ، ويرجمونهم بشهب الوحي ، وأدلة المعقول ، ونحن نفرد الكلام عليها طاغوتاً طاغوتاً) ثم قال :( الطاغوت الأول : قولهم نصوص الوحي أدلـة لفظية وهي لا تفيد اليقين ، قـال متكلمهم-ويعني به الرازي وتبعه الشاطبي هنا-: مسألة الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقن أمور عشرة : عصمة رواة تلك الألفاظ ، وإعرابها وتصريفها ، وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأمكنة ، وعدم الإضمار والتقديم والتأخير والنسخ ، وعدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجح عليه ، إذ ترجيح النقل على العقل يقتضي القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل لافتقاره إليه ،فإذا كان المنتج ظنياً فما ظنك بالنتيجة؟) ثم بدأ في كسر هذا الطاغوت ونقضه في أكثر من سبعين وجهاً رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء[9].
    وقال رحمه الله في موضع آخر[10]:
    (الواجب حمل كلام الله تعالى ورسوله وحمل كلام المكلف على ظاهره الذي هو ظاهره ، وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب ، ولا يتم التفهيم والفهم إلا بذلك ، ومدعي غير ذلك على المتكلم والقاصد للبيان والتفهيم كاذب عليه ، قال الشافعي :"وحديث رسول الله e على ظاهره بت" ، ومن ادعى أنه لا طريق لنا إلى اليقين بمراد المتكلم لأن العلم بمراده موقوف على العلم بانتفاء عشرة أشياء فهو ملبوس عليه ، ملبِّس على الناس ، فإن هذا لو صح لم يحصل لأحد العلم بكلام المتكلم قط ، وبطلت فائدة التخاطب ، وانتفت خاصية الإنسان ، وصار الإنسان كالبهائم بل أسوأ حالاً ، ولما عُلِمَ غرض هذا المصنف من تصنيفه ، وهذا باطل بضرورة الحس والعقل ، وبطلانه من أكثر من ثلاثين وجهاً مذكورة في غير هذا الموضع) اهـ.

  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "في تعظيم علم الكلام"

    ذكر في (الاعتصام) 1/202قصة طويلة نقلاً عن ابن العربي في كتابه (العواصم) وفي هذه القصة ما نصه:
    (أن الإمام أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الحافظ الجرجاني قال : كنت أُبغِّض الناس فيمن يقرأ (علم الكلام) ، فدخلت يوماً إلى (الري) ، ودخلت جامعها أول دخولي واستقبلت سارية أركع عندها ، وإذا بجواري رجلان يتذاكران (علم الكلام) ، فتطيّرت بهما ، وقلت: أول ما دخلت هذا البلد سمعت فيه ما أكره ، وجعلت أخفف الصلاة حتى أبعد عنهما ، فعلق بي من قولهما : "أن هؤلاء الباطنية أسخف خلق الله عقولاً ، وينبغي للنحرير ألاّ يتكلف لهم دليلاً ، وليكن يطالبهم بـ(لِمَ) فلا قِبل لهم بها "، وسلمت مسرعاً.
    وشاء الله بعد ذلك أن كشف رجل من الإسماعيلية القناع في الإلحاد ، وجعل يكاتب (وشمكير) الأمير يدعوه إليه ويقول له : إني لا أقبل دين محمد إلا بالمعجزة ، فإن أظهرتموها رجعنا إليكم .وانجرت الحال إلى أن اختاروا منهم رجلاً له دهاء ومُنَّة، فورد على (وشمكير) رسولاً ، فقال له :إنك أمير ، ومن شأن الأمراء والملوك أن تتخصص عن العوام ولا تقلد في عقيدتها ، وإنما حقهم أن يفحصوا عن البراهين ، فقال (وشمكير) : اختر رجلاً من أهل مملكتي ، ولا أنتدب للمناظرة بنفسي، فيناظرك بين يدي ، فقال الملحد : أختار (أبا بكر الإسماعيلي) -لعلمه بأنه ليس من أهل التوحيد ، وإنما كان إماماً في الحديث ، ولكن (وشمكير) بعامية فيه كان يعتقد أنه أعلم أهل الأرض بأنواع العلوم -، فقال (وشمكير) :ذلك مرادي ، فإنه رجل جيد.فأرسل إلى أبي بكر الإسماعيلي بـ(جرجان) ليرحل إليه إلى (غزنة) ، فلم يبق من العلماء أحد إلا يئس من الدين وقال : سيبهت الإسماعيلي الكافر مذهباً الإسماعيلي الحافظ مذهباً[1] ، ولم يمكنهم أن يقولوا للملك : إنه لا علم عنده بذلك لئلا يتهمهم ، فلجئوا إلى الله في نصر دينه.قال الإسماعيلي الحافظ : فلما جاءني البريد ، وأخذت في المسير ، وتدانت لي الدار قلت: إنا لله ، وكيف أناظر فيما لا أدري؟ هل أتبرأ عند الملك وأرشده إلى من يحسن الجدل ويعلم بحجج الله على دينه؟ ندمت على ما سلف من عمري ولم أنظر في شئ من (علم الكلام).ثم أذكرني الله ما كنت سمعته من الرجلين بجامع الري ، فقويت نفسي ، وعولت على أن أجعل ذلك عمدتي ، وبلغت البلد ، فتلقاني الملك ثم جميع الخلق ، وحضر الإسماعيلي المذهب مع الإسماعيلي النسب ، وقال الملك للباطني : اذكر قولك يسمعه الإمام ، فلما أخذ في ذكره واستوفاه ، قال له الحافظ : لِمَ؟ فلما سمعها الملحد قال :هذا إمام قد عرف مقالتي ، فبُهِت.
    قال الإسماعيلي : فخرجت من ذلك الوقت ، وأمرت بقراءة (علم الكلام) ، وعلمت أنه عمدة من عمد الإسلام)اهـ.
    قلت:والكلام على هذه القصة من وجوه :
    الوجه الأول : المطالبة بتصحيحها ، فإنها ذكرت بلا زمام ولا خطام ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ، وابن العربي –عفا الله عنه- له نقولات من هذا الجنس مر بعضها[2].
    الوجه الثاني : أن علامات الوضع ظاهرة على هذه القصة لأمرين:
    الأول : أنه ذكر عن أبي بكر الإسماعيلي إنه كان يبغض الناس في علم الكلام ، ثم لما طلب للمحاجة –قبل أن يتذكر تلك الكلمة ويعلم أن علم الكلام عمدة من عمد الإسلام-ندم على ما فاته من هذا العلم ، فإن كان يعلم أن هذا العلم هو علم التوحيد وهو عمدة من عمد الإسلام-وهذا لم يعلمه إلا بعد المحاجة كما تدل عليه القصة- فلا مكان لبغضه له، وإن كان –على ما عليه أهل الحديث- يعلم أن هذا العلم طريق للبدع بل وللزندقة فلا مكان للندم عليه!!.
    الثاني :أن عمدة القصة هي كلمة (لِمَ) ، ومن العجائب أن هذه الكلمة فعلت الأفاعيل التي قد لا نسمع مثلها عن آية أو حديث، فإنها خفيت على الإسماعيلي المحدث حتى سمعها من علماء الكلام ، وهي التي حجت الإسماعيلي الكافر وألقته لليدين والفم ، ونصرت الإسلام بعد أن يئس العلماء منه ، وهي التي جعلت الإسماعيلي المحدث ينقلب من مبغض لعلم الكلام إلى آمر بقراءته وجعله عمدة من عمد الإسلام !!فهل يعقل أن هذه الكلمة تفعل هذا إلا في أساطير علماء الكلام لتعظيم علمهم؟!.
    فالذي يظهر أن هذه القصة من وضع أحد معظمي علم الكلام لترويج هذا العلم ، وللإزراء بعلماء الحديث. الوجه الثالث:أنها لو صحت ففيها قدح في الحافظ الإسماعيلي من وجوه:
    الأول: أنه كان جاهلاً يحذر من علمٍ لا يدري ما هو .
    الثاني:أن كلمة كهذه خفيت عليه حتى تعلمها من علماء الكلام.
    الثالث:أن ما يعلمه من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وغيرهم وطلبه للحديث ومزاحمته لعلمائه بالركب لم تفده أبداً ،ولم يفده إلا هذه الكلمة !.
    الرابع: أنه تطيَّر من علماء الكلام لما سمعهم ، والتطير منهي عنه ، بل هو شرك.
    الخامس:أنه لما انتهت المناظرة أمر الناس بقراءة علم الكلام وجعله عمدة من عمد الإسلام وهذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع أهل السنة والجماعة.
    الوجه الرابع :أن العلماء –رحمهم الله -قد اتفقوا في كل عصر ومصر على ذم الكلام وأهله، وصنفت في ذلك مصنفات[3]، ومن ذلك ما قاله أبو حنيفة :(لعن الله عمرو بن عبيد لأنه فتح للناس الطريق إلى الكلام) وقال أبو يوسف: (العلم بالكلام هو الجهل ، والجهل بالكلام هو العلم) وقال:( من طلب العلم بالكلام تزندق) وقال الشافعي :(لئن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في علم الكلام) وقال :( حكمي على علماء الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام)وقال :(ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح) وقال أحمد :(لا يفلح صاحب كلام أبداً ، علماء الكلام زنادقة) وقال:( لا يرى أحد نظر في الكلام إلا وفي قلبه دغل)[4].
    وقال البربهاري[5]:(واعلم أنها لم تكن زندقة و لا كفر ولا شكوك ولا بدعة ولا ضلالة ولا حيرة في الدين إلا من الكلام وأهل الكلام والجدل والمراء والخصومة).
    وقال ابن خويز منداد[6]:(أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام ، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعري ، ولا تقبل له شهادة في الإسلام أبداً، ويهجر ويؤدب على بدعته،فإن تمادى عليها استتيب منها).
    وقال ابن عبد البر[7]:(وأجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ، ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار من طبقات العلماء ، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه).
    وقال ابن الجوزي[8]:(وقد تنوعت أحوال المتكلمين ، وأفضى الكلام بأكثرهم إلى الشكوك، وببعضهم إلى الإلحاد ، ولم تسكت القدماء من فقهاء هذه الأمة عن الكلام عجزاً ، ولكنهم رأوا أنه لا يشفي غليلا، ثم يرد الصحيح عليلاً ، فأمسكوا عنه ونهوا عن الخوض فيه).
    وقال محمد بن عبدالله القحطاني الأندلسي:
    لا تـلتمس عـلم الـكلام فإنه يـدعو إلى الـتعطيل والهيمان
    لا يصحب الـبدعي إلا مثلـه تـحت الـدخان تأجج النيران
    علم الكلام وعلم شرع محمـد يتغـايـران وليس يشــتبهان
    أخذوا الكلام عن الفلاسفة الألى جحـدوا الشرائـع غرة وأمان
    حملوا الكلام على قياس عقولهم فتبلـدوا كتبلـد الـحيران
    لحجاجهم شبه تخـال ورونـق مثل السراب يلـوح للظمآن
    دع أشعريـهـمُ ومعتزليهـم يتناقرون تناقـر الـغربـان
    كل يقيس بعـقله سبل الهدى ويتيه تيه الوالــه الـهيمان
    وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جداً ، وفيما تقدم كفاية إن شاء الله تعالى
    الوجه الخامس: أن بطلان علم الكلام لم يأت فقط من أهل السنة ، بل حتى كبار علماء الكلام قد اعترفوا ببطلانه وأن الحق في تركه واتباع الكتاب والسنة –وقد تقدم شئ من ذلك[11]-.
    ومن ذلك ما قاله أبو حامد الغزالي في (إحياء علوم الدين )[12]-عن علم الكلام-:
    ( وأما منفعته فقد يظن أن فائدته كشف الحقائق ومعرفتها على ما هي عليه ، وهيهات فليس في الكلام وفاء بهذا المطلب الشريف ، ولعل التخبيط والتضليل فيه أكثر من الكشف والتعريف، وهذا إذا سمعته من محدث أو حشوي ربما خطر ببالك أن الناس أعداء ما جهلوا ، فاسمع هذا ممن خبر علم الكلام ثم قلاه بعد حقيقة الخبرة ، وبعد التغلغل فيه إلى منتهى درجة المتكلمين ، وجاوز ذلك إلى التعمق في علوم أخر تناسب نوع الكلام ، وتحقق أن الطريق إلى حقائق المعرفة من هذا الوجه مسدود).
    ومن ذلك ما قاله الشهرستاني في مقدمة كتابه (نهاية الأقدام في علم الكلام)[13]:
    ( فعليكم بدين العجائز فهو من أسنى الجوائز).
    وما قاله الرازي : (من لزم مذهب العجائز كان هو الفائز)[14].
    ومن ذلك ما قاله أبو الوفا بن عقيل –وكان من المتكلمين ثم تاب[15]-:
    (أنا أقطع أن الصحابة ماتوا وما عرفوا الجوهر والعرض ، فإن رضيت أن تكون مثلهم فكن، وإن رأيت أن طريقة المتكلمين أولى من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأيت) وقال:( وقد أفضى الكلام بأهله إلى الشكوك ، وكثير منهم إلى الإلحاد ، تشم روائح الإلحاد من فلتات كلام المتكلمين)[16].
    وقد سبق بعض النقولات من هذا الباب أيضاً عن غيرهم .
    فإذا كان هذا واقع كبار علماء الكلام ، ومن أمضوا فيه السنوات الطوال تعلماً وتعليماً وتأليفاً ، فكيف يقال بعد ذلك عن علم الكلام أنه (عمدة من عمد الإسلام)؟!.
    الوجه السادس: أن أهل الحديث أقدر على المناظرة والدعوة إلى الإسلام والمحاجة من أهل الكلام لأمور منها :
    الأول: أن أهل الحديث على بينة من أمرهم لا تتفرق بهم الأهواء ، ومعتقدهم واحد،ولا يعتنقون كل يوم ديناً كما يفعل علماء الكلام –باعترافهم-، فإذا كان علماء الكلام لم يثبتوا على دين ، وهم من أعظم الناس شكاً واضطراباً ، بل أصل علمهم التشكيك ، فكيف يطلب منهم دعوة غيرهم؟.
    الثاني:أن الصحابة –وهم أعلم الخلق بعد الأنبياء-أجهل الناس بعلم الكلام ، ومع ذلك دعوا إلى الإسلام بكتاب الله وسنة نبيه e من الأمم من لا يحصيهم إلا الله ، وهدى الله على أيديهم من لا يحصيهم إلا الله ، وكذلك التابعون والأئمة ومن سار على نهجهم وهم أهل الحديث في كل عصر ومصر، وأما المتكلمون فقد ضل على أيديهم –وبسبب تآليفهم-من لا يحصيه إلا الله ، فكيف يقارن بين الفريقين بعد ذلك؟.
    الثالث:أن أساس الدعوة للإسلام والمناظرة تستلزم أن يكون المناظر عالماً بالكتاب والسنة وأقوال العلماء والسلف ، وهذا لا يكون إلا لأهل الحديث ومن سار على دربهم ، وأما أهل الكلام فمن أجهل الناس بالكتاب والسنة وبأقوال السلف ، فكيف يدعون ويناظرون ويجادلون عن شئ يجهلونه؟!.
    والكلام في هذا يطول ، ولا مقارنة بين الفريقين لولا هذه القصة الباطلة[17]، ولكن الذي غر كثير من الناس وجعلهم يقولون إن المتكلمين أقدر من أهل الحديث على المناظرة أن أهل الكلام يتعلمون ويعلمون ويؤلفون في المغالبات وأنواع المجادلات والمناظرات والاستدلالات والقوادح في كلام الخصوم لأن قصدهم في الجملة التعالي على الخصوم والغلبة عليهم وإن كان الخصم محقاً، أما أهل الحديث والسنة فدعوتهم ومناظرتهم ليست للمغالبة ، بل لبيان الحق ،كما قال السجزي رحمه الله: (وليكن من قصْد من تكلم في السنة اتباعها وقبولها لا مغالبة الخصوم ، فإنه يعان بذلك عليهم، وإذا أراد المغالبة ربما غلب) ثم ذكر أن الإمام مالك رحمه الله سئل :يا أبا عبد الله ، الرجل يكون عالماً بالسنة يجادل عليها؟ قال: لا ، يخبر بالسنة ، فإن قبلت منه ، وإلا أمسك، وذكر عن الإمام أحمد رحمه الله نحوه ، والخصم أحد رجلين : إما مريد للحق ضل عنه فببيانه له ينقاد إليه- ولا يعرف الحق إلا أهله وهم أهل الحديث-، وإما معاند فلن يرده للحق محدث ولا متكلم، والله المستعان.

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "تأثره بالصوفية"

    على الرغم من جهود الشاطبي رحمه الله تعالى في التحذير من البدع في العبادات ، والتي كان للصوفية فيها النصيب الأكبر ، فقد تأثر ببعض ما ذهبوا إليه ، وكان لرجوعه لكتب المتكلمين وعلمائهم أثر في ذلك ، وكان كثير الرجوع لكتب أبي حامد الغزالي وخاصة (إحياء علوم الدين)[1]، وسوف أذكر في هذا الفصل بعض مظاهر تأثره بالصوفية في المباحث التالية:
    المبحث الأول : العمل رغبة في الجنة وخوفاً من النار.
    المبحث الثاني: شطحات التصوف.
    المبحث الثالث: التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله.
    المبحث الأول:
    "العمل رغبة في الجنة وخوفاً من النار"

    1-قال في (الموافقات) 1/357-في ترك النظر إلى المسبب وأن ذلك أعلى مرتبة وأزكى عملاً-:(فالملتفت إليها عامل بحظه ، ومن رجع إلى مجرد الأمر والنهي عامل على إسقاط الحظوظ وهو مذهب أرباب الأحوال).
    2-وقال في (الموافقات) 2/355-بعد كلام طويل عن العامل لحظه-:(ولذلك عن جماعة من السلف المتقدمين: العامل للأجر كخديم السوء وعبد السوء ، وفي الآثار من ذلك أشياء).
    3-وقال في (الموافقات) 2/359:(فإن كون الإنسان يعمل لمجرد امتثال الأمر قليل إن وجد، والله عز وجل قد أمر الجميع بالإخلاص ، والإخلاص البرئ عن الحظوظ العاجلة والآجلة عسير جداً، لا يصل إليه إلا خواص الخواص ، وهو قليل).
    قلت:
    وهذا الكلام يتضح فيه نَفَس التصوف، وذلك أنه جعل العمل لأجل الجنة والفرار من النار من العمل لحظ النفس ، وجعل التجرد من ذلك والعمل لمجرد الأمر والنهي بدون النظر إلى ذلك من مراتب (خواص الخواص) ومذاهب (أرباب الأحوال) ، وهذا شبيه بكلام أهل التصوف كقول القائل:( ما عبدتك خوفاً من نارك ، ولا رغبة في جنتك ، بل كرامة لوجهك ومحبة فيك) ، وكقول القائل :
    يعبدون الله خوفاً من لظى فلظى قد عبدوا لا ربناولدار الخلد صلوا لا لـه شبه قومٍ يعبدون الوثناوسمى بعضهم من يعمل للأجر وطمعاً في الجنة أجير السوء ، ونصوصهم في هذا الباب كثيرة[2]. وهذا الكلام خلاف الكتاب والسنة وما عليه الأنبياء والمرسلين ومن بعدهم من الصديقين والصالحين ، وهم (خواص الخواص) -إن صحت العبارة- ، فإن الله سبحانه قال بعد أن ذكر أنبياءه -إبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوطاً ونوحاً وداود وسليمان وأيوب وإسماعيل وإدريس وذا الكفل وذا النون وزكريا ويحيى صلى الله عليهم أجمعين-(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) فهؤلاء –وهم أفضل الخلق- كانوا يدعون الله سبحانه رغبة ورهبة ، فأي رتبة أعلى من رتبتهم؟ وقال تعالى –عن إبراهيم خليله-(واجعلني من ورثة جنة النعيم) ، وقال تعالى عن عباده –مثنياً عليهم-(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً) ، وقال تعالى( ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) ، وهذا كان حال سيد ولد آدم e ففي الصحيحين أحاديث كثيرة فيها تعوذ الرسول e من عذاب النار ومن جهنم وسؤاله الجنة وتعليمه ذلك للمسلمين، وروى أحمد وابن ماجه وغيرهم من طريق جبر بن حبيب عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أن رسول الله e علمها أن تقول دعاءً وفيه :(وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل) والأحاديث في هذا كثيرة ومعروفة.
    والعمل المجرد من الخوف والرجاء هو الذي أدخل الزندقة في كثير من المتصوفة الذين زعموا تجردهم عن الالتفات للجنة أو النار وإنما يعبدون الله لمحبتهم له ، فصاروا يحتقرون عذاب الله وناره ويتهاونون بالجنة ونعيمها ،ولهذا قال بعض العلماء:(من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري[3]،ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد).
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى –رداً على هؤلاء[4]-:
    (أن الواحد من هؤلاء لو جاع في الدنيا أياماً ، أو ألقي في بعض عذابها ،طار عقله ، وخرج من قلبه كل محبة ، ولهذا قال سمنون:
    وليس لي فيما سواك حظ فكيفما شئت فامتحنيفابتلي بعسر البول ، فصار يطوف على المكاتب ويقول (ادعوا لعمكم الكذاب) ، وأبو سليمان لما قال (قد أعطيت من الرضا نصيباً لو ألقاني في النار لكنت راضياً) ذكر أنه ابتلي بمرض فقال (إن لم تعافني ، وإلا كفرت) ، أو نحو هذا ، والفضيل بن عياض ابتلي بعسر البول فقال (بحبي لك إلا فرجت عني) فبذل حبه في عسر البول ، فلا طاقة لمخلوق بعذاب الخالق ، ولا غنى به عن رحمته ، وقد قال النبي e لرجل :( ما تدعو في صلاتك ) قال : (أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ) فقال :(حولها ندندن )).
    وقال أيضاً[5]:( وطلب الجنة والاستعاذة من النار طريق الأنبياء والمرسلين ، وجميع أولياء الله السابقين المقربين وأصحاب اليمين ، كما في السنن أن النبي e سأل بعض أصحابه :(كيف تقول في دعائك؟) قال:(أقول اللهم إني أسألك الجنة ، وأعوذ بك من النار ، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ) فقال النبي e :(حولها ندندن) ، فقد أخبر أنه هو e ومعاذ –وهو أفضل الأئمة الراتبين بالمدينة في حياة النبي e - إنما يدندنون حول الجنة ، أفيكون قول أحدٍ فوق قول رسول الله e ومعاذ ومن يصلي خلفهما من المهاجرين والأنصار؟)اهـ.

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "شطحات التصوف"

    1-قال في (الموافقات) 2/497:( وحديث أبي يزيد –يعني البسطامي- مع خديمه لما حضرهما (شقيق البلخي) و (أبو تراب النخشبي) ، فقالا للخديم : كل معنا ، فقال : أنا صائم، فقال له أبو تراب : كل ولك أجر صوم شهر ، فأبى ، فقال شقيق : كل ولك أجر صوم سنة ، فأبى ، فقال أبو يزيد : دعوا من سقط من عين الله ، فأخذ ذلك الشاب في السرقة بعد سنة فقطعت يده).
    2-وقال في (الموافقات) 5/399-400-تحت مسألة ترك الاعتراض على الكبراء محمود كان المعترض فيه مما يفهم أو لا يفهم-:(ما عهد بالتجربة من الاعتراض على الكبراء قاضٍ بامتناع الفائدة مبعد بين الشيخ والتلميذ ، ولا سيما عند الصوفية ، فإنه عندهم الداء الأكبر حتى زعم القشيري عنهم أن التوبة منه لا تقبل ، والزلة لا تقال ، ومن ذلك : حكاية الشاب الخديم لأني يزيد البسطامي ، إذ كان صائماً فقال له أبو تراب النخشبي وشقيق البلخي : كل معنا يا فتى ، فقال : أنا صائم ، فقال أبو تراب : كل ولك أجر شهر ، فأبى ،فقال شقيق : كل ولك أجر صوم سنة ، فأبى، فقال أبو يزيد : دعوا من سقط من عين الله ، فأخذ ذلك الشاب في السرقة وقطعت يده).
    قلت:والكلام على هذا من وجوه :
    الوجه الأول : أن هذه القصة منكرة جداً ، و لا أظنها تصح ، فإن شقيقاً البلخي مات في سنة أربعٍ وتسعين ومائة(194)، بينما كان أبو يزيد –يوم مات شقيق- له ست سنوات فقط لأنه ولد في سنة ثمان وثمانين ومائة(188)، فهذا مما يدل على أن هذه القصة مكذوبة من أساسها.
    الوجه الثاني: أن هذه القصة فيها من المنكرات أمور وهي :
    الأول: قول أبي تراب للخديم –لما رفض الأكل لصيامه-(كل ولك أجر صوم شهر).
    الثاني : قول شقيق أيضاً (كل ولك أجر صوم سنة) .
    وهذان القولان من العجائب!! فهل أطلعهم الله سبحانه على غيبه ؟ أو أعطاهم خزائن رحمته؟! وهذا الأمر لا يملكه الأنبياء ، فكيف بهؤلاء؟ وأعجب من هذين القولين إقرار الشاطبي –عفا الله عنه- لهذه القصة!!بل واستشهاده بها على عدم الاعتراض على الكبراء ، فاستشهد بباطل على باطل.
    الثالث من المنكرات: قول أبي يزيد –لما رفض الخديم الأكل لصيامه-(دعوا من سقط من عين الله) ، وهذا من التألي على الله سبحانه ، أو من ادعاء علم الغيب ، وأيهما كان فهو من الموبقات! فقد روى مسلم عن جندب بن عبد الله t قال: قال رسول الله e :( قال رجل : والله لا يغفر الله لفلان ، قال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليّ أن لا أغفر لفلان؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك) وفي رواية لأبي داود عن أبي هريرة t نحو هذا – وفيه قصة ، وفيه أن المقسم رجل عابد والآخر مذنب- وفيه قال أبو هريرة:( تكلم بكلمة أوبقت دنياه وأخراه) ، فإذا كان هذا حال من فعل هذا مع من أسرف على نفسه بالمعاصي وله شبهة في نصوص الوعيد ، فكيف بمن يقول ما قاله أبو يزيد فيمن صام نفلاً طاعة لله سبحانه؟ ، ومن مثل هذه الشطحات دخل التزندق والإلحاد من باب التصوف ، والله المستعان.
    الوجه الثالث: أن قول الشاطبي ( ترك الاعتراض على الكبراء محمود كان المعترض فيه مما يفهم أو لا يفهم) مردود بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة والسلف –قبل أن تعرف الصوفية-، فإن ترك الاعتراض محمود إذا كان المعترض عليه معصوم لا ينطق عن الهوى وهذا لا يكون إلا للكتاب والسنة، أما ما سواهما فقد قال تعالى( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) وهؤلاء هم الكبراء –أي الأحبار والرهبان- وإنما اتخذهم النصارى أرباباً من دون الله لما اتبعوهم في أقوالهم وتركوا الاعتراض عليهم فيما يخالف شرائع الله ، ولهذا كان الصحابة يعترض بعضهم على بعض حتى لو كان المعترض عليه من الكبراء وحوادثهم في ذلك مشهورة[1].
    وهذا القول إنما هو انسياق مع طقوس الصوفية في تذليل المريدين لشيوخهم ليتخذوهم أرباباً من دون الله ، والله تعالى أعلم.

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "الاقتداء بأفعال الله والتخلق بصفاته"

    1-قال في (الموافقات) 2/163-169-بعد أن ذكر سبعة أمثلة من القرآن-:( إن هذه الأمثلة وما جرى مجراها لم يستفد الحكم فيها من جهة وضع الألفاظ للمعاني ، وإنما استفيد من جهة أخرى ، وهي جهة الاقتداء بالأفعال).
    2-وقال في (الموافقات) 4/200-تحت مسألة أقسام العلوم المضافة إلى القرآن-:(وقسم هو مأخوذ من عادة الله تعالى في إنزاله ، وخطاب الخلق به ، ومعاملته لهم بالرفق والحسنى ، من جعله عربياً يدخل تحت أفهامهم ، مع أنه المنزه القديم ، وكونه تنزل عليهم بالتقريب والملاطفة والتعليم في نفس المعاملة به –إلى أن قال- وهو أصل التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله).
    3- وقال في (الموافقات) 4/203،204:(ومن ذلك أشياء ذكرت في باب الاجتهاد في الاقتداء بالأفعال والتخلق بالصفات).
    قلت:والكلام على هذا من وجوه :
    الوجه الأول:أن أصل التخلق بصفات الله والتشبه به مأخوذ أصلاً من الفلاسفة ، فإنهم يقولون عن الفلسفة(إنها التشبه بالإله على قدر الطاقة) ، واقتفى أثرهم الغزالي ومن تبعه في هذا في محاولة التشبه بالإله ، وألف الغزالي كتاب ( شرح أسماء الله الحسنى) وضمنه التشبه بالله في كل اسم من أسمائه ، وسماه (التخلق) ، حتى في أسمائه المختصة به بالإجماع كالإله والجبار والمتكبر ، وصار مثل هذا الأمر موقع لكثير من الصوفية في الحلول والاتحاد[1].
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن الفلاسفة ومن ذهب إلى مذهبهم في هذا[2]:
    (ثم من العجب أن القوم يدعون التوحيد ، ويبالغون في نفي التشبيه ، حتى نفوا الصفات ، وشنعوا على أهل الكتاب لما جاء من الصفات في التوراة وغيرها ، وأنكروا قوله في التوراة (إنا سنخلق بشراً على صورتنا يشبهنا) ، وهم يدعون أن أحدهم يجعل نفسه شبيهاً لله ، فإن كان هذا اللفظ يحتمل معنى صحيحاً عندهم لإمكان المشابهة من وجه دون وجه ، فالله أقدر على أن يفعل ذلك من الواحد منهم[3]، وإن كان هذا ممتنعاً مطلقاً ، فما بالهم زعموا أنهم يتشبهون بالله تعالى؟!).
    الوجه الثاني:أن الله سبحانه لا يقاس بخلقه ، ولا يقاس خلقه به ، وليس بين صفات الله وأفعاله وصفات خلقه وأفعالهم مشاكلة ومقاربة حتى يتشبهوا به ويتخلقوا بصفاته ، ويقتدوا بأفعاله ، فالله سبحانه له الكمال المطلق من كل وجه ، وله الصفات العلا ، وليس كل ما اتصف به الله يجوز أن يتصف به الخلق ، بل هناك صفات لله سبحانه يجب إثباتها له ، ويحرم على الخلق أن يتصفوا بها، كالإلهية والكبرياء والجبروت والعظمة والعلو المطلق ونحوها ، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي e قال –عن الله سبحانه-:(العز إزاره ، والكبرياء رداؤه ، فمن ينازعني عذبته) ، كما أن هناك صفات للخلق هي كمال لهم وينزه الله عن الاتصاف بها كالذل والتواضع والعبودية ونحوها .
    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى [4]:(فإن من أسمائه وصفاته ما يحمد العبد على الاتصاف به: كالعلم ، والرحمة ، والحكمة ، وغير ذلك ، ومنها ما يذم على الاتصاف به : كالإلهية ، والتجبر ، والتكبر ، وللعبد من الصفات التي يحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الرب به : كالعبودية ، والافتقار ، والحاجة ، والسؤال ،و نحو ذلك ، وهو في كل ذلك كماله في عبادته لله وحده ، وغاية كماله أن يكون الله هو معبوده ).
    الوجه الثالث : أن ما أسماه الشاطبي (الاقتداء بالأفعال) ويعني به الاقتداء بأفعال الله سبحانه والتخلق بصفاته لم نؤمر به –مع ما فيه من المفاسد التي أدت إلى وحدة الوجود كما سبق-، وإنما العبد مأمور شرعاً بالاقتداء بالرسول e -فيما لا يختص به- كما قال تعالى:( لقد لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) ، والله تعالى أعلم .

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    "إنكار المهدي"

    قال في (الاعتصام) 2/585-بعد أن ذكر أقوال المهدي بن تومرت وزعمه أنه هو المهدي المنتظر - :( وكذب فالمهدي عيسى عليه السلام).
    قلت : والكلام على هذا من وجهين:
    الوجه الأول : أن قوله هذا بناءً على الحديث الذي رواه ابن ماجة والحاكم وغيرهما من طريق محمد بن خالد الجَنَدي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك t أن النبي e قال: (لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا المهدي إلا عيس بن مريم) وهذا الحديث فيه علل:
    الأولى: أن مدار الحديث على (محمد بن خالد الجندي) ، وقد أجمع الحفاظ على ضعفه إما لجهالته أو لنكارة حديثه .
    الثانية:أنه اضطرب في إسناده ، فرواه مرة عن أبان بن صالح ، ومرة عن أبان بن أبي عياش –وهو متروك- .
    الثالثة:أن بعض الأئمة كالحاكم والبيهقي ذكر أن فيه انقطاعاً بين الحسن وأنس.
    الرابعة : أن ابن حجر [4]نقل عن الأزدي قوله عن حديثه هذا : ولا يتابع عليه ، وإنما يحفظ عن الحسن مرسلاً ، رواه جرير بن حازم عنه اهـ.
    لهذا فقد أجمع الحفاظ على تضعيف هذا الحديث كالنسائي ، والحاكم ، والبيهقي،وابن الجوزي، وابن تيمية ، وابن القيم ، والمزي، والذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيتمي، والصاغاني، والشوكاني ،وغيرهم [5].
    الوجه الثاني: أن الأحاديث التي وردت في المهدي كثيرة جداً رواها جماعة من الصحابة والحديث الصحيح فيها كثير، ومن ذلك ما رواه أحمد قال ثنا محمد بن جعفر ثنا عوف عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري t قال:قال رسول الله e :(لا تقوم الساعة حتى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً ، قال : ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً) –وهذا الإسناد رجاله رجال الشيخين - ، وما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم من حديث عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله بن مسعود t أن النبي e قال :(لا تقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي) وغيرها من الأحاديث [6].
    وقد ذكر غير واحدٍ من أهل العلم أن أحاديث المهدي متواترة [7] ، وألفت في ذلك مؤلفات[8]، وإذا كثر الدجالون والمنتحلون للمهدية فلا يعني ذلك أن تنكر هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة ، والله تعالى أعلم.

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام


    وأختم ماسبق بكلمةٍ جميلةٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (درء تعارض العقل والنقل)2/102-بعد أن ذكر مجموعة من العلماء –من جنس الشاطبي رحمه الله-لهم علم وفضل ولكنهم شاركوا المبتدعة في بعض أصولهم- حيث قال :
    (ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساعٍ مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع ، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ، لكن لما التبس عليهم هذا الأصل المأخوذ ابتداء من المعتزلة[1]، وهم فضلاء عقلاء ، احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه ، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين ، وصار الناس بسبب ذلك : منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل ، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل ، وخيار الأمور أوساطها.
    وهذا ليس مخصوصاً بهؤلاء ، بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين ، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ، ويتجاوز لهم عن السيئات ، (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) ، ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول e وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه، تحقيقاً للدعاء الذي استجابه الله لنبيه والمؤمنين حيث قالوا ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا))اهـ.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين .

  14. #34
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    جزاكم الله خيرًا
    https://ia600206.us.archive.org/32/i...sunna/emme.pdf
    كتاب: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  15. #35
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرًا
    https://ia600206.us.archive.org/32/i...sunna/emme.pdf
    كتاب: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام.
    بارك الله فيك وجزاك خيرا - المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا

  16. #36
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك وجزاك خيرا - المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا
    أحسنت.
    آمين وإياكم.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •