تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: النوازل الأصولية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي النوازل الأصولية

    النوازل الأصولية

    أ.د.أحمد بن عبد الله الضويحي*

    المقدمـة
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:
    فإن من سنن الله القائمة في هذا الكون تبدل الأحوال وتغير الظروف، فلكل عصر أدواته ووسائله، ولكل أهل زمان عاداتهم وأعرافهم الخاصة، وقد تميز هذا العصر عن العصور السابقة بالتطور المادي الكبير الذي شمل كافـة نواحي الحياة، وبخاصة في مجال العلـوم والتكنولوجيا، حيث نشهد هذه الأيام ثورة عارمة وتقدماً مذهلاً في وسائط الإعلام والاتصال وتقنية المعلومات، إلى درجة أن المرء بات عاجزاً عن ملاحقة ما يستجد في هذا المجال.
    وكان لانتشار هذه الوسائل دور هام في تيسير أمور الناس وقضاء احتياجاتهم، فصاروا يعتمدون عليها في أغلب شئون حياتهم، ولم يعد بإمكان أحد الاستغناء عنها في هذا الزمن، وقد أفرز هذا التطور جملة من النوازل والمسائل الجديدة التي تتطلب من علماء الشريعة بذل الجهد واستفراغ الوسع في استنباط أحكامها، وإذا كانت النوازل الفقهية قد حظيت باهتمام علماء العصر فانبروا للتنظير لها، وبيان المنهج الشرعي في استنباط أحكامها ، وبذل الوسع في بيان حكم ما وقع منها، فإن هنالك نوازل أخرى تتعلق بمسائل أصولية لم تحظ بما تستحقه من البحث والدراسة، مع كونها لا تقل أهمية عنها.
    لهذا السبب وغيره فقد وقع اختياري على هذا الضرب من النوازل ليكون موضوع هذا البحث المختصر، وسميته : "النوازل الأصولية"، عله أن يكون النواة الأولى لأبحاث ودراسات مستفيضة في هذه المسألة المهمة.
    أهمية الموضوع:
    تبرز أهمية هذا الموضوع من خلال ما يأتي :
    1 – أنه يظهر كمال الشريعة الإسلامية، وقدرتها على استيعاب كافة المستجدات والحـوادث، فإنهـا امتازت عن الشرائع السماوية والقوانين الأرضية بكونها صالحة لكل زمان ومكان.
    2 – أنه يتعلق بعلم أصول الفقه، هذا العلم العظيم الذي جعلت المعرفة به شرطاً من شروط الاجتهاد والفتوى.
    3 – أنه يسلط الضـوء على أهم المسائل الأصولية التي يمكن أن يتغير الاجتهاد فيها بناءً على تغير الأحوال وتبدل الظروف، والضوابط الشرعية اللازمة لذلك، ومن هنا يتبين الفرق الشاسع بين فكرة النوازل الأصولية ودعاوى التجديد الجانحة التي يروج لها بعض المسلمين في هذا العصر، وهي مسألة حظيت بدراسات وبحوث مستفيضة كشفت زيف هذه الدعاوى وبطلانها[1].
    4 – حاجة الناس الماسة إلى بيان أحكام هذه النوازل، خصوصاً بعد انتشارها ، واعتماد أغلب المسلمين عليها، وكونها واقعاً لا مفر منه.
    الدراسات السابقة:
    سبق القـول بأن هذا الموضوع لم يحظ بما يستحقه من البحث والدراسة، فلا يوجد – حسب علمي- دراسة مستقلة تناولت هذه القضية المهمة، غير أنه لابد من الإشارة هنا إلى وجود بعض الدراسات والبحوث المتصلة بهذا الموضوع، ولعل من أبرزها ما يأتي:
    1 – كتاب منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة، تأليف/ الدكتور: مسفر بن علي بن محمد القحطاني[2].
    وهو عبارة عن دراسة نظرية تطبيقية افتتحها الباحث بفصل تمهيدي أشار فيه إلى ثبات أحكام الشريعة الإسلامية وشمولها، والتعريف بفقه النوازل، وبيان نشأته، وأهميته، وحكم النظر فيه، ثم عقد فصلاً ثانياً في الأحكام المتعلقة بالناظر في النوازل ، وثالثاً في ضوابط النظر فيها، ورابعاً في طرق التعرف على أحكامها، واختتم البحث بفصل خامس تضمن أهم التطبيقات الفقهية لاستخراج أحكام النوازل الفقهية.
    وهذا البحث -في نظري – من أجود ما كتب في موضوع النوازل الفقهية في الجانبين النظري والتطبيقي، غير أن الباحث لم يتطرق فيه إلى شيء من النوازل الأصولية لأن اهتمامه كان منصباً على الجانب الفقهي.
    2 – التقعيد الأصولي لدراسة النوازل الفقهية، وهو بحث مختصر من إعداد الدكتور/ سعد بن ناصر الشتري، وقد بين فيه أهم المسائل الأصولية التي ينبني عليها النظر في النوازل الفقهية، بعد أن مهد للموضوع ببيان حقيقة النوازل الفقهية وأنواعها، ومن أهم المسائل التي تناولها الباحث : أحكام الاختلاف الاجتهادي في النوازل، وآداب المفتي والمستفتي فيها، وحكم الاستفتاء فيما لم يقع، لكنه لم يتعرض إلى شيء من النوازل المتعلقة بالمسائل الأصولية.
    3 – الأحكام الفقهية للتعاملات الإلكترونية، تأليف الدكتور/ عبدالرحمن بن عبدالله السند[3]، وقد افتتحه الباحث ببيان المقصود بتقنية المعلومات، وأهميتها، وخصوصيتها، ثم عقد باباً في ملكية تقنية المعلومات واستخدامها، وآخر في إبرام العقود عبر وسائل التقنية الحديثة، وثالثاً في الجرائم المتعلقة بتقنية المعلومات، والبحث كما يظهر من عنوانه يعنى ببيان الأحكام الشرعية للنوازل الفقهية المتعلقة باستخدام الحاسب والتقنيات الإلكترونية، ولم يشر فيه الباحث من قريب ولا من بعيد إلى أحكام النوازل الأصولية التي ظهرت تبعاً لانتشار هذه التقنية في عصرنا الحاضر.
    4 – أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي وهي رسالة دكتوراه في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من إعداد الباحث/ هشام بن عبدالملك بن عبدالله آل الشيخ، وقد مهد الباحث لموضوعه ببيان العلاقة بين التقنية الحديثة والخلاف الفقهي، وأسباب وجود المسائل الخلافية عند الفقهاء، وجهود الفقهاء عامة والمجامع الفقهية خاصة في حل القضايا النازلة، وموقف الشرع المطهر من التقنية الحديثة، والقواعد الفقهية المتعلقة بتغير الأحكام لتغير الأحوال، ثم قسم البحث على أبواب الفقه مبيناً الأحكام المتعلقة بالتقنية الحديثة في كل باب، ولم يتطرق الباحث إلى أثر التقنية الحديثة في المسائل الأصولية.
    هذا وأسأل الله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يرزقنا جميعاً السداد في الأقوال والأعمال، إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين
    حقيقة النوازل الأصولية والمنهج الشرعي في استنباط أحكامها
    ويتضمن ثلاثة مطالب :
    المطلب الأول
    حقيقة النوازل
    أولاً : معناها في اللغة .
    النوازل – في اللغة- جمع نازلة، وهي : المصيبة الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس[4]، وأصلها من الفعل "نزل" بمعنى : هبط ووقع.
    قال ابن فارس ت395هـ :- "النون والزاء واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه، ونزل عن دابته، ونزل المطر من السماء نزولاً، والنازلة: الشديدة من شدائد الدهر تنزل"أ-هـ[5].
    ثانياً : معناها في الاصطلاح .
    تطلق النوازل في عرف حملة الشرع على ثلاثة أمور :
    1 – المصائب والشدائد التي تنزل بالأمة فيشرع لها القنوت[6].
    قال الإمام الشافعي ت204هـ : "ولا قنوت في شيء من الصلوات إلا الصبح إلا أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء الإمام"أ-هـ[7].
    2 – المسائل والوقائع التي تحتاج إلى النظر والاجتهاد لاستنباط حكمها، سواء كانت متكررة، أو نادرة الحدوث، وسواء كانت قديمة أو جديدة.
    يقول الإمام الشافعي ت204هـ : - "كل حكم لله أو لرسوله وجدت عليه دلالة فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حكم به لمعنى من المعاني، فنزلت نازلة ليس فيها نص حكم: حكم فيها حكم النازلة المحكوم فيها إذا كانت في معناها"أ-هـ[8].
    وعبارة الشافعي هذه تدل على أن هذا المصطلح يطلق على كل مسألة أو واقعة، وذلك لأنه عبر به مرة عن المسألة المحكوم فيها، ومرة أخرى عن المسألة الجديدة التي يراد استنباط حكمها.
    ونظيره قول ابن حزم ت456هـ - في ثنايا كلامه عن إبطال القياس-: "لكن حسبنا أننا نقطع بأن الله تعالى بين لنا كل ما يقع من أحكام الدين إلى يوم القيامة فكيف ونحن نأتيكم بنص واحد فيه كل نازلة وقعت أو تقع إلى يوم القيامة..."أ-هـ[9].
    3 – الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
    يقول الإمام مالك ت177هـ :-"أدركت هذا البلد وما عندهم إلا الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه"أ-هـ[10].
    ويقول الشافعي ت204هـ :- "وليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"أ-هـ[11].
    ولابن حزم 456هـ عبارة قريبة من هذه[12].
    ويقول – وهو يتحدث عن قياس الشبه- : "وذلك أن تنزل نازلة تحتمل أن تقاس فيوجد لها في الأصلين شبه" أ-هـ[13].
    ويقول ابن عبدالبر ت463هـ – وهو يتحدث عن المنهج الواجب اتباعه في استنباط حكم النوازل - : "وفيه دليل على أن الإمام والحاكم إذا نزلت به نازلة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان عليه أن يجمع العلماء وذوي الرأي ويشاورهم"أهـ[14].
    وقال ابن القيم ت751هـ - وهو يتحدث عن مشروعية تقليد العامي للعالم-: "وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق، فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلته من الأدلة الشرعية بشروطها ولوازمها؟..."أ-هـ[15].
    وهذه المعاني وإن كانت جميعها متداولة على ألسنة علماء الشريعة، إلا أن المعنى الثالث هو الأكثر شيوعاً على ألسنة الأصوليين، وهو الذي يتبادر إلى الذهن عند إطلاق هذا المصطلح[16]، وعليه تدور أغلب تعريفات الباحثين المعاصرين[17].
    العلاقة بين المعاني الاصطلاحية والمعنى اللغوي :
    سبق القول بأن النازلة في اللغة هي المصيبة الشديدة من مصائب الدهر تنزل بالناس، ومن تأمـل المعـنى الاصطلاحي أدرك وجه العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي، فإن وقع الحوادث والوقائع الجديدة على المجتهد كوقع الشدائد على عامة الناس من حيث كونها مفاجئة له، وتتطلب منه أن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته لاستنباط حكمها، لكونها لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
    ثالثاً : الألفاظ ذات الصلة بهذا المصطلح .
    إن المتأمل في كتب علماء الشريعة يجد أنهم قد يعبرون عن النوازل بأسماء ومصطلحات أخرى، ومن أشهرها ما يأتي :
    1 – الحوادث، وهو مصطلح شائع وبخاصة على ألسنة الأصوليين والفقهاء[18].
    يقول الأزهري ت370هـ :- "الحدث من أحداث الدهر شبه النازلة"أ-هـ[19].
    قال الجصاص ت370هـ - وهو يبين أحكام قوله تعالى : {لعلمه الذين يستنبطونه منهم}[20]- : "وفي هذه الآية دلالة على وجوب القياس واجتهاد الرأي في أحكام الحوادث"أ-هـ[21].
    وقال الشيرازي ت476هـ :- "وقد كان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم في الحوادث بالاجتهاد"أ-هـ[22].
    وقال العدوي : "قوله : والحوادث : أي وفي أحكام الحوادث أي النوازل "أ-هـ[23].
    قال السرخسي ت490هـ :- "وفي تسميته حادثة إشارة إلى أنه لا نص فيها، فإن ما فيه النص يكون أصلاً معهوداً"أ-هـ[24].
    2 – الوقائع، وهو كذلك مصطلح دارج على ألسنة حملة الشرع[25]، ومفرده واقعه.
    قال ابن منظور ت711هـ : - "الواقعة الداهية، والواقعة النازلة من صروف الدهر"أ-هـ[26].
    وقال الرازي ت606هـ – وهو يبين حكم تعلم أصول الفقه - : "تحصيل هذا العلم فرض والدليل عليه أن معرفة حكم الله تعالى في الوقائع النازلة بالمكلفين واجبة، ولا طريق إلى تحصيلها إلا بهذا العلم"أ-هـ[27].
    وقال ابن كثير ت774هـ – وهو يتحدث عن نزول القرآن - : "إنما نزل منجماً في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع والحوادث وما يحتاج إليه من الأحكام"أ-هـ[28].
    3 – المسائل أو القضايا المستجدة .
    قال الصنعاني ت1182هـ : - " قد قام الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من التابعين وأتباعهم وأئمة الإسلام وفقهاء الأمة بالاجتهاد في المسائل المستجدة في عصورهم"أ-هـ[29].
    وهذا المصطلح غالباً ما يعبر به الفقهاء المعاصرون[30].
    المطلب الثاني
    المنهج الشرعي في استنباط أحكام النوازل
    من الأمور المقررة عند أكثر الأصوليين أن النصوص قليلة ومتناهية، والحوادث كثيرة، وغالبها لم يرد بشأنه نص[31].
    يقول الجويني ت478هـ :- "نحن نعلم قطعاً أن الوقائع التي جرت فيها فتاوى علماء الصحابة وأقضيتهم تزيد على المنصوصات زيادة لا يحصرها عدد ولا يحويها حد... والأخبار المشتملة على الأحكام نصاً وظاهراً بالإضافة إلى الأقضية والفتاوى كغرفة من بحر لا ينزف"أ-هـ[32].
    ويقول السرخسي ت490هـ: "ومعلوم أن كل حادثة لا يوجد فيها نص، فالنصوص معدودة متناهية ولا نهاية لما يقع من الحوادث إلى قيام الساعة"أ-هـ[33].
    وقد عرف المسلمون النوازل منذ فجر الإسلام، فكانوا إذا نزلت بهم واقعة يهرعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيبين لهم حكمها بالوحي.
    وقد يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاجتهاد في المسائل التي لم ينزل عليه فيها شيء باتفاق أكثر الأصوليين[34].
    يقول ابن القيم ت751هـ :- "وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين"أ-هـ[35].
    ويقول الشيرازي ت476هـ : "وقد كان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم في الحوادث بالاجتهاد"أ-هـ[36].
    ويقول الشوكاني ت1250هـ – بعد ذكره لحديث "إنكم تختصمون إلي"[37]-: "وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وخالف في ذلك قوم، وهذا الحديث من أصرح ما يحتج به عليهم"أ-هـ[38].
    ولم يشرع الاجتهاد والنظر والقياس إلا من أجل الوفاء بأحكام الحوادث والنوازل.
    وقد سار الصحابة على هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم فكانوا يجتهدون في النوازل بقدر وسعهم، وكان نظرهم فيها يقوم على التبصر والحكمة والمشورة، ولذا كان الاختلاف فيما بينهم قليلاً[39].
    ويمكن القول بأن المنهج الشرعي الصحيح في استنباط حكم النوازل يقوم على الأسس الآتية :
    1 – البحث عن حكمها في المصادر المتفق عليها.
    فينظر المجتهـد في الكتاب أولاً، فإن لم يجد فينظر في السنة، فإن لم يجد فتش عن إجماع سابق[40].
    فهذا هو المنهج المعتبر في البحث عن الأحكام، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ المشهور[41]، وبينه جمع من الصحابة الكرام، كأبي بكر، وعمر -في كتابه إلى أبي موسى الأشعري، وفي كتابه إلى شريح -، وابن عباس، وابن مسعود، وغيرهم[42].
    والنظر في الأدلة على وفق هذا الترتيب لا يعني الاكتفاء بالدليل الواحد منها وغض النظر عن بقية الأدلة، بل لابد للمجتهد أن ينظر إلى الدليل نظراً شمولياً بحيث يدرك وجه العلاقة بينه وبين الأدلة الأخرى، فينظر إلى الآية مع السنة التي تبينها، أو تؤكدها، أو تنسخها، وهكذا.
    2 – استنباط الحكم بطريق الاجتهاد .
    إذا نظر المجتهد في الكتاب والسنة والإجماع ولم يظفر بحكم النازلة تعين عليه استنباط حكمها بطريق الاجتهاد بوسائله المختلفة، وأهمها في هذا الباب وسيلتان:
    الأولى : قياس النازلة الجديدة[43]- سواء كانت أصولية أو فقهية - على نظيرتها الثابتة عند المتقدمين.
    يقول ابن القيم ت751هـ – مبيناً منهج الصحابة في استنباط أحكام النوازل-: "وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض، ويعتبرون النظير بنظيره"أ-هـ[44].
    الثانية : استنباط حكمها من طريق النظر المقاصدي والإلحاق بالقواعد والكليات العامة في الشريعة الإسلامية، وهو طريق معتبر في الاجتهاد.
    يقول الجويني ت478هـ – وهو يتحدث عن منهج الإمام الشافعي – :"طريقة أخرى وهي تشتمل على نظر كلي إلى الفروع وهذا يتأتى بضبط ورد نظر إلى الكليات فالشريعة متضمنها مأمور ومنهي عنه ومباح"أ-هـ[45].
    ويقول ابن بدران ت1346هـ- في ثنايا كلامه عن اعتبار الحكمة والمصلحة في الاجتهاد-: "وإني أرى غالب الأحكام في أيامنا التي نحن بها سالكة على ذلك الأصل ومتهيئة لقبوله سخطنا أم رضينا"[46].
    والاجتهاد في النوازل يتطلب بالإضافة إلى الضوابط العامة التي قررها الأصوليون في باب الاجتهاد[47]، ضوابط خاصة هي :
    أ – الفقه بواقع النازلة.
    ب – مراعاة الظروف الزمانية، والمكانية، والعوائد، والأعراف، والأحوال.
    وسيأتي تفصيل الكلام في هذين الضابطين في المطلب الثاني من المبحث الثاني عند الكلام عن ضوابط الاجتهاد في العصر الحاضر.
    جـ - النظر الجماعي والمشورة.
    وسيأتي تفصيل الكلام في هذا الضابط عند الحديث عن مؤسسات الاجتهاد الجماعي في المطلب الثالث من المبحث الثاني بعون الله تعالى.
    وقد لخص الجويني ت478هـ المنهج الشرعي في استنباط أحكام النوازل في سياق بيانه لطريقة الصحابة في الاجتهاد والقياس، فقال :- "وعلى قطع نعلم أنهم ما كانوا يحكمون بكل ما يعن لهم من غير ضبط وربط وملاحظة قواعد متبعة عندهم، وقد تواتر من شيمهم أنهم كانوا يطلبون حكم الواقعة من كتاب الله تعالى، فإن لم يصادفوه فتشوا في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجدوها اشتوروا، ورجعوا إلى الرأي"أ-هـ[48].
    المطلب الثالث
    المراد بالنوازل الأصولية
    تقدم – فيما مضى- أن النوازل في الاصطلاح هي : - "الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد".
    والمراد بالوقائع عندهم : - الحوادث والمسائل الفرعية المستجدة، والتي تنشأ في الغالب بسبب الظروف الزمانية، أو المكانية، أو الأحوال، أو العادات، أو الأعراف، أو غير ذلك، فقد اقتضت سنة الله في خلقه أن تقع في كل عصر وقائع ومسائل جديدة لم تكن معروفة لدى السابقين.
    يقول ابن القيم ت751هـ :- "وقد علم الله سبحانه أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق"[49].
    والمتتبع لما طرحه علماء الشريعة حول حقيقة النوازل ومنهج استنباط أحكامها يجد أن كلامهم فيها ينصب على النوازل الفقهية، أو نوازل الفروع، غير أن المتأمل فيما يجدّ من الوقائع والحوادث يدرك أن بعضها أقرب إلى المسائل الأصولية منه إلى مسائل الفروع، وهذه الوقائع يمكن أن تسمى اصطلاحاً بـ : "النوازل الأصولية"، أو : "نوازل الأصول".
    ويمكن تعريف هذا الضرب من النوازل بأنها : "الوقائع الجديدة المتعلقة بمسائل أصولية"، أو : "الوقائع الأصولية المستجدة".
    وقد ظهرت أغلب هذه الوقائع في عصرنا الحاضر نتيجة للتطور العلمي والتقني الذي لم يسبق له مثيل، حيث أسهم التقدم المذهل في وسائل الاتصالات والمعلومات في إفراز أحوال جديدة يمكن أن تكون مؤثرة في بعض المسائل الأصولية، وبخاصة تلك المسائل التي بنى الأصوليون الأوائل أحكامهم فيها على وفق واقع عصرهم والوسائل المتاحة لهم في ذلك الزمان.
    فهذا الضرب من النوازل هو المقصود الأصلي بهذا البحث.

    السياق التاريخي للنوازل الأصولية
    لا يمكن دراسة موضوع النوازل الأصولية من دون إلقاء الضوء على السياق التاريخي لتطور مادة علم الأصول، وذلك لأن تقبل فكرة النوازل الأصولية لا يكون إلا من خلال تصور كيفية نشوء هذا العلم وتطور مادته وموضوعاته.
    وفي هذا الإطار يمكن القول بأن من الحقائق التاريخية الثابتة أن علم أصول الفقه لم يعرف كفن مستقل في العهد النبوي، ولا في عهد الصحابة، ولا حتى في عهد التابعين، وإنما بدأت مادته تتشكل تبعاً لعوامل متعددة في القرنين الأول والثاني[50]، ولم تظهر المصنفات المستقلة فيه إلا في أواخر القرن الثاني تقريباً.
    ففي العهد النبوي كانت مصادر التشريع محصورة في الوحي المتلو، وهو الكتاب، والوحي غير المتلو، وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية، والفعلية، والتقريرية[51]، وكانت وظيفة السنة النبوية بيان القرآن الكريم، وتخصيص عمومه، وتقييد مطلقه، وتفسير مشكله، بل ونسخه في بعض الأحيان، وقد تستقل بأحكام جديدة لم ترد فيه، كاستقلالها ببيان ميراث الجدة، وزكاة الفطر، وصلاة الوتر، وغيرها[52].
    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في بعض النوازل التي لم ينزل عليه بشأنها شيء[53] وربما استعمل بعض الأساليب القياسية في بيانه للأحكام[54] في إشارة منه إلى صحة الاستدلال بهذا الطريق، ومن ذلك : قياسه دين الله على ديون الآدميين، وقبلة الصائم على المضمضة، وبيع الرطب بالتمر على بيع التمر بالتمر، وغير ذلك[55].
    وإضافة إلى استعمال النبي صلى الله عليه وسلم للاجتهاد والقياس فإنه – وفي سبيل ترسيخ هذا الأصل- سوغ لكثير من الصحابة الاجتهاد في عصره وأثناء حياته، بل وفي حضوره، كتحكيمه سعد بن معاذ في بني قريضة[56]، واستشارته لأصحابه في أسرى بدر[57] ، ونحو ذلك.
    ففي هذا العهد كان النبي صلى الله عليه وسلم المرجع الأول والمفتي الوحيد الذي تجسدت فيه متطلبات هذا العلم وغاياته.
    وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم شهد عصر الصحابة ظهور أدلة جديدة أضيفت إلى المصدرين الأساسيين للتشريع، وأهم هذه الأدلة ما يلي :-
    1 – الإجماع .
    وكانت بداية ظهور هذا الأصل كمصدر من مصادر التشريع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، حيث كان منهج الصحابة رضوان الله عليهم قائماً على التشاور وتبادل الرأي في النوازل والحوادث المستجدة بهدف الوصول إلى حكم تتفق عليه آراؤهم[58].
    ومن أبرز أمثلة الإجماع في عصرهم ما يلي:
    أ – إجماعهم على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه[59].
    ب – إجماعهم على جمع المصحف[60].
    جـ – إجماعهم على قتال مانعي الزكاة[61].
    د – إجماعهم على جعل حد الشرب ثمانين جلدة[62].
    2 – القياس .
    فقد ظهر هذا الدليل بشكل أكثر وضوحاً في عصر الصحابة ، حيث كان منهجهم في النوازل قائماً على البحث عن أشباهها ونظائرها في الكتاب والسنة، ومن ثم قياس النظير على نظيره[63].
    3 - قول الصحابي .
    فقد ظهرت بوادر الاحتجاج به في عصر الصحابة، وفي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على وجه التحديد، حيث روي عنه أنه كان إذا أعياه أن يجد الحكم في الكتاب والسنة سأل : هل كان أبو بكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبي بكر قضاء قضى به[64].
    وهذا المنهج يدل على أن عمر كان يرى صحة الاحتجاج بهذا الدليل.
    وإضافة إلى ذلك فقد اشتهر عن عدد من الصحابة أنهم كانوا يبحثون عن أقضية أكابر الصحابة كأبي بكر وعمر فيأخذون بها[65].
    4 – المصلحة المرسلة .
    وهي من الأدلة التي ظهرت في عصر الصحابة، حيث أثر عنهم أنهم كانوا يستندون إليها في بعض الأحكام ، ولعل من أشهر الأحكام التي أثبتها الصحابة بناءً على هذا الدليل : جمع المصحف، واستخلاف أبي بكر لعمر قبل وفاته، وتدوين عمر للدواوين، واتخاذ السجون، وسك النقود، وغيرها[66].
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,491

    افتراضي رد: النوازل الأصولية

    النوازل الأصولية

    أ.د.أحمد بن عبد الله الضويحي*


    5 - سد الذرائع، أو قاعدة الحكم بالمآل .
    فهـذه القاعـدة وإن كانت أصولها ثابتة في الكتاب والسنة إلا أن ظهورها –كدليل يمكن للمجتهد أن يستند إليه في استنباط الحكم- بدأ في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، ويمكن للمستقريء لأقضيتهم وأحكامهم أن يظفر بشيء من هذا، ولعل من أبرز الأمثلة عليه ما يلي:
    أ – ما روي عن علي رضي الله عنه أنه حكم بجلد شارب الخمر ثمانين جلدة، وسوى بينـه وبيـن القاذف في الحد[67] سداً للذريعة، ومما يؤكد ذلك أن الدافع إلى الحكم ما لمسه عمر رضي الله عنه من تهاون الناس في عقوبة الخمر، فكانت العقوبة الجديدة من باب الذريعة.
    ب – ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه نفى نصر بن حجاج عن مكة – وكان شاباً جميلاً- حينما سمع تشبيب النساء به، ولاشك أن هذا الحكم مستند إلى سد الذريعة، لكونه خشي الفتنة من بقائه[68].
    وكان عصر التابعين امتداداً لعصر الصحابة فيما يتعلق بالقضايا الأصولية فبقيت مادة هذا العلم على ما هي عليه، ولم يشهد هذا العصر ظهور أدلة جديدة عدا مذهب الصحابي الذي بدأ يأخذ شكله الاصطلاحي، فكان مجتهدو التابعين يحتجون في كثير من الأحكام التي لم يرد بشأنها نص من كتاب أو سنة بأقوال آحاد الصحابة أو أفعالهم، بل ويرى بعضهم أن مذهبهم أولى من الرأي والقياس[69].
    لكن أبرز ملامح هذا العصر توسع دائرة الاجتهاد والقياس وظهور ما يعرف بمدرسة الرأي، وهي المدرسة التي تقوم على النظر في المعاني والعلل على اعتبار أن أكثر الأحكام الشرعية معقولة المعنى، وأنها لم تشرع إلا لمصالح العباد[70].
    وكان زعيم هذه الطريقة إبراهيم النخعي ت96هـ تلميذ علقمة النخعي ت62هـ الذي تلقى الفقه على يدي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من أكثر الصحابة عملاً بالرأي والقياس[71].
    ومن أهم أسباب ظهور هذه المدرسة: كثرة الحوادث والنوازل نتيجة للفتوحات واتساع رقعة العالم الإسلامي، وكان العراق – وهو البلد الذي عرف بالمدنية والحضارة[72]- مقراً لهذه الطريقة، والمجتمعات الحضرية تعد بطبعها بيئة للمستجدات والحوادث[73].
    ومن هنـا نلاحظ أن تطـور المادة الأصولية جاء استجابة لمتطلبات الأحوال وتغير الزمان والمكان.
    وفي عصر تابعي التابعين – وهو العصر الذي بزغ فيه نجم الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد- بدأت تتشكل مادة أصول الفقه، وظهر كفن مستقل بموضوعاته ومؤلفاته.
    فحظيت المصادر المتفق عليها – وهي: الكتاب، والسنة، والإجماع- باهتمام المجتهدين في هذا العهد، فانصرفوا لبيان أحكامها، والتقعيد لها، وتحرير المسائل المتصلة بها.
    وأخذ القياس شكله الاصطلاحي على يد الإمام أبي حنيفة وصاحبيه[74]، وأضحى من أهم أدوات الاجتهاد التي لا يستغني عنها الفقيه.
    وظهر في هذا العصر دليلان من أشهر الأدلة المختلف فيها وهما :
    1 – الاستحسان .
    والمراد به: العـدول في حكم مسألة عن نظائرها إلى حكم آخر لوجه أقوى يقتضي ذلك العدول[75].
    وهو أحد أصول مذهب أبي حنيفة رحمه الله[76]، وغالباً ما يذهب إليه ويترك القياس إذا كان القياس قبيحاً[77].
    ويعد الإمام محمد بن الحسن ت189هـ من أكثر علماء هذه الحقبة تصريحاً بالاعتماد على الاستحسان في كتبه المختلفة، بل إنه عقد كتاباً مستقلاً سماه: كتاب الاستحسان[78]، مما يدل على أهمية هذا الأصل عندهم.
    وهو كذلك من أصول مذهب الإمام مالك ت177هـ[79]، حيث نقل عنه أنه قال: "تسعة أعشار العلم الاستحسان"أ-هـ[80].
    وكان هذا الدليل مثار جدل واسع بين أئمة هذا العصر، حيث أنكره الإمام الشافعي ت204هـ على اعتبار أنه قول بالتشهي والهوى، وقال فيه عبارته المشهورة : "من استحسن فقد شرع"[81]، بل وصنف فيه كتاباً مستقلاً سماه : "إبطال الاستحسان"[82].
    وقد دافع محققوا المذهب الحنفي عن تمسك أئمتهم بهذا الدليل فبينوا أن مرادهم به ليس هذا المعنى الباطل الذي أنكره الشافعي، وإنما هو: العمل بأقوى القياسين، أو ترك القياس لدليل أقوى منه[83].
    2 – عمل أهل المدينة .
    وهو أحد الأصول التي تفرد بها الإمام مالك رحمه الله تعالى[84]، حيث يقول في رسالته إلى الليث بن سعد ت175هـ : - "فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهراً معمولاً به لم أر لأحد خلافه للذي في أيديهم من الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها"أ-هـ[85].
    قال ابن خلدون ت808هـ :- "واختص بزيادة مدرك آخر للأحكام غير المدارك المعتبرة عند غيره، وهو عمل أهل المدينة"أ-هـ[86].
    وقد استنكر أئمة ذلك العصر هذا النوع من الاستدلال وبينوا بطلانه[87].
    يقول الإمام الشافعي ت204هـ : - "قال بعض أصحابنا إنه حجة، وما سمعت أحداً ذكر قوله إلا عابه، وإن ذلك عندي معيب"أ-هـ[88].
    ولذا عدّ بعض الأصوليين هذا الرأي من الآراء المشكلة في أصول الفقه[89].
    وقد انقسم علماء الأصول من المالكية وغيرهم تجاه هذا القول، فأنكر بعضهم نسبته إليه، ونقل عنه أنه كان يخالف عملهم في بعض المسائل، ومن هؤلاء: أبو بكر الأبهري ت375هـ، وأبو الفرج المالكي ت331هـ، وابن حزم ت456هـ [90].
    وحمل آخرون رأيه على ظاهره فاستكبروه منه، ولم يرتضوا تأويلات أصحابه، ومن هؤلاء: الجويني ت478هـ، والغزالي ت505هـ [91].
    واختار أكثر المحققين حمل رأيه على ما يوافق أصول مذهبه، فذكروا جملة من التوجيهات والمحامل لهذا الرأي، كقولهم : - إن مراده بذلك ما كان طريقة النقل[92]، أو ترجيح روايتهم على رواية غيرهم[93]، أو إجماع الصحابة[94]، أو إجماع الصحابة والتابعين وتابعي التابعين[95]، أو ما اتفق عليه الفقهاء السبعة[96] ،أو أنه أراد بذلك الأخذ بقولهم فيما يتعلق بالناسخ والمنسوخ[97]، أو ترجيح اجتهادهم على اجتهاد غيرهم[98].
    وفي هذه الحقبة بدأ التدوين الحقيقي لمادة هذا العلم على يد الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ت204هـ، حينما صنف كتاب الرسالة[99]، ووضع الشافعي لهذا الكتاب إنما جاء استجابة لمتطلبات الحال في ذلك العصر الذي شهد تجاذباً بين مدرسة أهل الحديث ومدرسة أهل الرأي، وتخبطاً في الاجتهاد والفتوى، فأراد الشافعي أن يضع القواعد والضوابط التي تنظم عملية الاجتهاد[100].
    يقول الشيخ ولي الله الدهلوي ت1176هـ- وهو يتحدث عن أسباب تأليف الشافعي للرسالة-: " ومنها أنه رأى قوماً من الفقهاء يخلطون الرأي الذي لم يسوغه الشرع بالقياس الذي أثبته، فلا يميزون واحداً منها من الآخر، ويسمونه تارة بالاستحسان... وبالجملة لما رأى في صنيع الأوائل مثل هذه الأمور أخذ الفقه من الرأس، فأسس الأصول، وفرع الفروع وصنف الكتب فأجاد وأفاد"أ-هـ[101].
    ويقول الرازي ت606هـ :- "الناس كانوا قبل الشافعي رضي الله عنه يتكلمون في مسائل أصول الفقه ويستدلون ويعترضون ولكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة وفي كيفية معارضاتها وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي رحمه الله علم أصول الفقه ووضع للخلق قانوناً كلياً يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع"أ-هـ[102].
    وقد أثارت بعض الموضوعات التي طرحها الشافعي في هذا الكتاب جدلاً واسعاً عند علماء الأصول الذين جاءوا من بعده، وتعرض بسببها للانتقاد والتجريح[103].
    والرسالة ذاتها لم تشتمل على كافة المسائل والقضايا الأصولية، وإنما كانت النواة الأولى للمدونات المستقلة في هذا الفن[104]، ومن بعدها شهد القرن الثالث والرابع طفرة في التأليف الأصولي أسهمت في إضافة بعض القضايا والموضوعات إلى مادة هذا العلم، كالمسائل المتعلقة بالأحكام، والمسائل المتعلقة بالأدلة المتفق عليها والمختلف فيها، وعوارضها، ودلالات الألفاظ، إضافة إلى المباحث الكلامية، والمسائل المتعلقة بالاجتهاد، والتعارض، والترجيح، وما صاحب ذلك من تطور ملحوظ في الحدود والاصطلاحات، وتوسع في طرائق المناظرة والجدل، واستعمال الحجج العقلية[105].
    ومع نهاية القرن الرابع أوشكت مادة هذا العلم على الاكتمال، ولم يبق هناك ما يمكن أن يوصف بأنه إضافة حقيقية إلا ما كان من الآراء الجريئة والمثيرة للجدل لعدد من علماء الأصول في القرون التالية لهذا القرن، كآراء ابن حزم الظاهري ت456هـ في حجج العقول، وإنكار القياس، والتفريق بين العلة والسبب، وتوسيع دائرة المباحات، وغيرها، ورأي نجم الطوفي ت716هـ الشهير في المصلحة، وإلحاق الشاطبي ت790هـ لأبواب المقاصد وكليات الشريعة بأصول الفقه، وجعله إياها جزء من مادة هذا العلم، واعتماده منهج الاستقراء لاستخلاص كليات الشريعة، وتوسعه في التعليل بالحكمة.
    وحاصل القول : أن مادة هذا العلم لم توجد كوحدة متكاملة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في عصر الصحابة، ولا حتى في عصر التابعين، وإنما شهدت تطوراً ونماءً على مدى القرون الأربعة الأولى نتيجة لتبدل الأحوال وتغير الظروف.
    يقول ابن خلدون ت808هـ : - " واعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملة، وكان السلف في غنية عنه بما أن استفادة المعاني من الألفاظ لا يحتاج فيها إلى أزيد مما عندهم من الملكة اللسانية، وأما القوانين التي يحتاج إليها في استفادة الأحكام خصوصاً فمنهم أخذ معظمها، وأما الأسانيد فلم يكونوا يحتاجون إلى النظر فيها لقرب العصر وممارسة النقلة وخبرتهم بهم، فلما انقرض السلف وذهب الصدر الأول وانقلبت العلوم كلها صناعة ... احتاج الفقهاء والمجتهدون إلى تحصيل هذه القوانين والقواعد لاستفادة الأحكام من الأدلة فكتبوها فناً قائماً برأسه سموه أصول الفقه، وكان أول من كتب فيه الشافعي رضي الله عنه أملى فيه رسالته المشهورة"أ-هـ[106].
    وبناءً على ذلك يمكن القول بأن فكرة النوازل الأصولية ليست بدعاً من القول، وإنما هي حقيقة تاريخية يمكن أن يدركها كل متتبع لتاريخ نشأة هذا العلم وتطور مادته، ولعل أول النوازل الأصولية من الناحية التاريخية : ظهور الإجماع كمصدر من مصادر التشريع المعتبرة، وما أعقبه من ظهور بعض الأدلة الجديدة، كمذهب الصحابي، والمصلحة المرسلة، وسد الذرائع، والقياس الأصولي بأركانه الاصطلاحية الأصل، والفرع، والعلة، والحكم، والاستحسان، وعمل أهل المدينة، وغيرها.
    ولعل مما يؤكد هذه الفكرة : تلك القصة المشهورة التي تروى عن الإمام الشافعي رحمه الله ت204هـ وفيها : أنه سأله سائل عن الحجة في دين الله، فقال كتاب الله، قال السائل: ثم ماذا؟ قال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وماذا؟ قال: اتفاق الأمة، قال: ومن أين قلت اتفاق الأمة من كتاب الله؟ فتدبر الشافعي رحمه الله ساعة، فقال له السائل : أجلتك ثلاثة أيام، فتغير لون الشافعي، ثم ذهب فلم يخرج أياماً، ثم خرج من البيت في اليوم الثالث، فجاء السائل فقال: حاجتي؟ فقال الشافعي: نعم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، قـال الله عز وجل : {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهـدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً}[107]، لا يصليه جهنم على خلاف سبيل المؤمنين إلا وهو فرض، فقال السائل : صدقت"أ-هـ[108].
    ففي هذه القصة دلائل واضحة على أن الاحتجاج بالإجماع يعد من النوازل الأصولية، كاستغراب السائل إثبات مصدر من مصادر التشريع دون مستند من القرآن، وعجز الشافعي عن بيان الدليل له في الحال، وانصرافه إلى التنقيب في القرآن عن دليل لهذا الأصل، وحرصه على بيان وجه الدلالة حتى يدركه السائل وغيره.
    وفي الرسائل المتبادلة بين الإمام مالك ت177هـ ، والليث بن سعد ت175هـ[109] ما يدل على أن الاحتجاج بعمل أهل المدينة كان نازلة أصولية استوجبت المدارسة والمناظرة وبيان الحق.
    وقد نقل الباجي ت474هـ وغيره عن أبي يوسف ت182هـ أنه لما اجتمع بمالك وسأله عن المسائل وأجابه مالك بنقل أهل المدينة المتواتر، رجع أبو يوسف إلى قوله، وقال : لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع مثلما رجعت[110].
    وقد تقدم إنكار الشافعي وأحمد لهذا النوع من الاستدلال ومخالفتهم لمالك في ذلك[111]، وهذا يؤكد أنه دليل محدث ونازلة أصولية جديدة.
    يقول الجصاص ت370هـ : - "فلو كان إجماعهم هو المعتبر في كونه حجة لما خفي أمره على التابعين ومن بعدهم، فلما لم نر أحداً من تابعي أهل المدينة ومن غيرهم ومن جاء بعدهم دعا سائر الأمصار إلى اعتبار إجماع أهل المدينة ولزوم اتباعهم: دل ذلك على أنه قول محدث لا أصل له عن أحد من السلف"أ-هـ[112].
    ومن قرأ كتاب الشافعي "إبطال الاستحسان" ولاحظ المنهج الذي سلكه في إنكار هذا النوع من الاستدلال أدرك أن تأليفه لهذا الكتاب جاء استجابة لهذه النازلة الأصولية وهي تفشي العمل بهذا الدليل وبخاصة عند فقهاء الحنفية.
    ومن تتبع المصنفات الأصولية في القرنين الثالث والرابع وجد أن عدداً منها قد صنف في بيان حكم نازلة من النوازل الأصولية إثباتاً أو نفياً.
    فمن أهم المصنفات في الإجماع :
    كتاب الإجماع لداود بن علي الظاهري ت270هـ، وكتاب الإجماع لابن الأخشيد ت326هـ، وكتاب الإجماع لأبي بكر الصيرفي ت330هـ، وكتاب الإجماع لأبي منصور الماتريدي ت333هـ.
    ومن أهم المصنفات في اجتهاد الرأي :
    كتاب اجتهاد الرأي لمحمد بن الحسن الشيباني ت189هـ، واجتهاد الرأي لعيسى بن أبان ت220هـ، والاجتهاد لأبي علي الجبائي ت303هـ، ونقض اجتهاد الرأي على ابن الراوندي لأبي سهل النوبختي ت311هـ، والاجتهاد لأبي هاشم الجبائي ت321هـ، والاجتهاد في الأحكام لأبي الحسن الأشعري ت324هـ.
    ومن أهم المصنفات في القياس :
    كتاب القياس لمحمد بن إدريس الشافعي ت204هـ، وإثبات القياس لعيسى بن أبان ت220هـ، وإبطال القياس لداود بن علي الظاهري ت270هـ، وإبطال القياس لأبي سعيد البشكري ت276هـ، وإثبات القياس لأبي بكر القاشاني ت280هـ، والرد على داود في إبطال القياس للقاشاني أيضاً، والقياس لأبي الحسين بن القاسم ت298هـ، وإثبات القياس لأبي الحسن القمي ت305هـ، والرد على ابن داود في إبطال القياس لأبي العباس بن سريج ت306هـ، وإبطال القياس لأبي سهل النوبختي ت311هـ، وإثبات القياس لأبي بكر بن المنذر ت318هـ، وإثبات القياس لأبي الحسن الأشعري ت324هـ، والقياس للقشيري ت344هـ، والاعتبار في إبطال القياس للرباعي ت370هـ، والقياس لأبي القاسم الصيمري ت386هـ، وإبطال القياس لأبي الطيب بن الخلال، وإبطال القياس للنهرباني وكلاهما من أتباع داود الظاهري.
    ومن أهم المصنفات في عمل أهل المدينة :
    إجماع أهل المدينة لأبي بكر الأبهري ت375هـ، وأمالي إجماع أهل المدينة لأبي بكر الباقلاني ت403هـ.
    ومن أهم المصنفات في الاستحسان إضافة إلى كتاب إبطال الاستحسان للشافعي ت204هـ: كتاب الاستحسان لمحمد بن الحسن الشيباني ت189هـ [113].
    *****

    *أستاذ علم أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.


    [1] من أحدث هذه الدراسات وأجودها رسالة الدكتوراه التي تقدم بها إلى قسم أصول الفقه في كلية الشريعة بالرياض الباحث/ هزاع بن عبدالله الحوالي، وعنوانها : "محاولات التجديد في أصول الفقه ودعواته – دراسة وتقويماً-" وقد نوقشت هذه الرسالة بتاريخ 12/11/1421هـ.

    [2] أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه تقدم بها المؤلف إلى قسم الفقه وأصوله بجامعة أم القرى، ونوقشت بتاريخ 22/2/1422هـ.

    [3] أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه تقدم بها الباحث إلى قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

    [4] انظر معجم مقاييس اللغة 986، مادة "نزل"، والقاموس المحيط 4/57-58، مادة "النزول"، ولسان العرب 11/659، مادة "نزل" ، ومختار الصحاح 1/273، مادة "نزل".

    [5] معجم مقاييس اللغة 986.

    [6] انظر الأم 1/205، 238، والمهذب 1/82، والوسيط 2/133، وشرح فتح القدير 1/435، والبحر الرائق 2/48، وحاشية ابن عابدين 2/11، وتفسير القرطبي 4/201، والمبدع 2/13، والكافي لابن قدامة 1/147، ومجموع الفتاوى 21/155، 22/271.

    [7] الأم 1/205.

    [8] الرسالة 512.

    [9] الإحكام لابن حزم 8/490-491.

    [10] انظر تفسير القرطبي 6/332.

    [11] الرسالة 20، وأحكام القرآن 1/21، وانظر عبارة قريبة منها في الأم 7/298.

    [12] انظر المحلى 9/364، والإحكام 4/570.

    [13] الأم 7/303.

    [14] التمهيد 8/368.

    [15] أعلام الموقعين 2/205.

    [16] انظر نماذج من التعبير بهذا المصطلح عن الوقائع والحوادث الجديدة في : الفصول للجصاص 2/317، واللمع 1/124، والتبصرة 1/392، 412، وقواطع الأدلة 1/461، 2/6، 8، 302، والإحكام لابن حزم 4/570، 5/78، 6/206، 8/489، 8/499، والمعتمد 2/377، ومجموع الفتاوى 20/208، والموافقات 3/371، 4/91، ومختصر المؤمل 1/36، وأعلام الموقعين 1/84، وشرح الزرقاني 4/296.

    [17] انظر أهم هذه التعريفات في كتاب منهج استنباط أحكام النوازل 88.

    [18] انظر نماذج من التعبير عن النوازل بالحوادث في أصول الشاشي 300، وأصول السرخسي 2/91، والمعتمد 2/34، وقواطع الأدلة 1/318، 346 ،461، والإحكام للآمدي 2/283، والمحصول 6/27، وبدائع الصنائع 7/12، والفواكه الدواني 2/356، ومجموع الفتاوى 19/200، والمبسوط 16/63، والمبدع 4/147، ومغني المحتاج 4/130، والتقرير والتحبير 3/143، والمسودة 435، والبحر المحيط 6/236، وقواعد الفقه 50، 166، 269، 498.

    [19] انظر لسان العرب 2/132.

    [20] سورة النساء آية 83.

    [21] أحكام القرآن 3/183.

    [22] اللمع 134.

    [23] حاشية العدوي 2/667.

    [24] أصول السرخسي 2/139.

    [25] انظر نماذج من التعبير عن النوازل بالوقائع في البرهان 1/332، 2/500، والمحصول 1/227، والإحكام للآمدي 1/300، والموافقات 2/61، والمسودة 489، والتقرير والتحبير 3/472، وأعلام الموقعين، 1/217، وشرح فتح القدير 2/334، وكشاف القناع 1/344، ومغني المحتاج 4/210، وتفسير ابن كثير 3/319، وتخريج الفروع على الأصول 1/80.

    [26] لسان العرب 8/403.

    [27] المحصول 1/227.

    [28] تفسير ابن كثير 3/318.

    [29] إرشاد النقاد 1/11.

    [30] انظر المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل 2/919، ومنهج استنباط أحكام النوازل 93-94.

    [31] انظر المعتمد 2/228، وقواطع الأدلة 2/86، وروضة الناظر 3/808، والإحكام للآمدي 4/27، والمسودة 488-489، 520، ومما يجدر التنبيه عليه هنا أن من الأصوليين من يرى أنه لا توجد واقعة إلا وقد نص على حكمها في الكتاب أو في السنة، والخلاف بين الفريقين –في نظري- لفظي، وذلك لأن أصحاب هذا الرأي يرون أن جميع الأدلة تؤول إلى الكتاب والسنة بما فيها الاجتهاد والقياس. انظر الرسالة 20، والإحكام لابن حزم 2/488، والموافقات 4/184، والاستقامة 1/12، وأعلام الموقعين 1/337.

    [32] البرهان 2/500.

    [33] أصول السرخسي 2/139.

    [34] انظر العدة 5/1578، والمستصفى 2/355، والتمهيد لأبي الخطاب 4/373، والمسودة 507، والإحكام للآمدي 4/165، وشرح تنقيح الفصول 446، واللمع 134، وفواتح الرحموت 2/366.

    [35] أعلام الموقعين 1/9.

    [36] اللمع 134.

    [37] أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أم سلمة في مواضع عدة منها :- كتاب المظالم، باب إثم من خاصم في باطل وهو يعلمه، وكتاب الحيل، باب حدثنا محمد بن كثير، وكتاب الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين، وكتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم، انظر صحيح البخاري 6/574، رقم 2458، 16/120، رقم 2967، وأخرجه مسلم في صحيحه من حديثها أيضاً كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، 6/245، ورقمه 1713.

    [38] نيل الأوطار 10/213

    [39] انظر مختصر المؤمل 1/36، وأعلام الموقعين 1/203، 4/205 وما بعدها، والفكر السامي 1/320.

    [40] انظر أصول الشاشي 300، واللمع 124.

    [41] حديث معاذ في كيفية القضاء وترتيب الأدلة، من الأحاديث المشتهرة على ألسنة الأصوليين، وقد أخرجه الإمام أحمد في مسنده 5/230، وأبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء4/18-19، ورقمه 3592، وسكت عنه، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأحكام، باب ما جاء في القاضي كيف يقضي 3/616، ورقمه 1227، وقال : "هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل" وأخرجه الدارمي في مقدمة سننه، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/60، وقد اختلف العلماء في الحكم على هذا الحديث، فذهب إلى قبوله وتحسينه جمع من أهل العلم، منهم: البيهقي ، والخطيب البغدادي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، انظر السنن الكبرى للبيهقي 10/115، ومجموع الفتاوى 13/364، وتفسير ابن كثير 1/4، والفقيه والمتفقه 1/472، وسير أعلام النبلاء 18/482، وأعلام الموقعين 1/202-203، وذهب إلى رده وتضعيفه جمع من أهل العلم، منهم : البخاري، والدارقطني، وابن حزم، وابن الجوزي وغيرهم، انظر التاريخ الكبير 2/277، والإحكام لابن حزم، 2/207، والعلل المتناهية 2/273، والتلخيص الحبير 4/182-183، والمختار في هذا الحديث -والله أعلم- أنه لا يصح ولا يثبت، وأما تصحيح بعض المحققين له فمرده إلى أنهم يستندون في ذلك إلى تلقي أئمة الفقه والاجتهاد له بالقبول، ويرون أن هذا القدر مغن عن النظر في إسناده. انظر التلخيص الحبير 4/183، وسلسلة الأحاديث الضعيفة 2/273.

    [42] انظر نماذج من أقوال الصحابة التي تدل على هذا المنهج في : جامع بيان العلم وفضله 2/70-72، والفقيه والمتفقه 1/199-203، والمصنف لابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، باب في القاضي ما ينبغي أن يبدأ به في قضائه 7/241، رقم 3032، 3033، 3036، وسنن الدارمي، باب الفتيا وما فيه من الشدة 1/57-59، وأخبار القضاة لوكيع بن الجراح 2/189-190، وسنن البيهقي، كتاب آداب القاضي، باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي 10/114-115.

    [43] انظر الفقيه والمتفقه 2/331، وأصول السرخسي 2/238.

    [44] أعلام الموقعين 1/203.

    [45] البرهان 2/747.

    [46] انظر روضة الناظر مع شرح ابن بدران 1/416.

    [47] سيأتي بيان هذه الضوابط في المطلب الثاني من المبحث الثاني عند الكلام على ضوابط الاجتهاد في العصر الحاضر.

    [48] البرهان 2/500.

    [49] أعلام الموقعين 2/205.

    [50] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 1/77-126.

    [51] انظر مقدمة ابن خلدون 418-419، والفتح المبين 1/9، 15.

    [52] انظر مقدمة ابن خلدون 418، وحجية السنة 515.

    [53] انظر اللمع 134، والعدة 5/1578، والمستصفى 2/355، وشرح تنقيح الفصول 446، وأعلام الموقعين 1/9، وفواتح الرحموت 2/366.

    [54] انظر جامع بيان العلم وفضله 2/81-82، والفكر السامي 1/69.

    [55] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 1/85-87.

    [56] أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري، كتاب المناقب، باب مناقب سعد بن معاذ 4/227، ورقمه 3804، وأخرجه مسلم في صحيحه من حديثه أيضاً، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزل أهل الحق على حكم حاكم عدل أهل للحكم 3/1388-1389، ورقمه 1768، وأخرجه كذلك الإمام أحمد في مسنده 6/56، والدارمي في سننه 2/238، وغيرهم.

    [57] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس عن عمر، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر 3/1383-1385، ورقمه 1763، وأخرجه الترمذي في سننه من حديث عبدالله بن مسعود، كتاب الجهاد، باب ما جاء في المشورة 4/213، ورقمه 1714، والبيهقي في سننه، كتاب آداب القاضي، باب مشاورة الوالي والقاضي في الأمر 10/109.

    [58] انظر الفقيه والمتفقه 2/390، وأعلام الموقعين 1/62، 4/256، والفتح المبين 1/19.

    [59] انظر شرح الطحاوية 427-430، والفتح المبين 1/19.

    [60] انظر شرح تنقيح الفصول 446، والإتقان في علوم القرآن 1/58-63، والفتح المبين 1/19.

    [61] انظر المغني 4/8، والفتح المبين 1/19.

    [62] انظر المغني 12/498، والفتح المبين 1/21.

    [63] انظر جامع بيان العلم وفضله 2/12، وأعلام الموقعين 1/203، ومقدمة ابن خلدون 453، وانظر جملة من الآثار التي تدل على احتجاج الصحابة بالقياس في الفقيه والمتفقة 1/490-503، وأعلام الموقعين 1/203-205، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/97-99.

    [64] أخرجه البيهقي في سننه، كتاب آداب القاضي، باب ما يقضي به القاضي ويفتي به المفتي 10/115.

    [65] انظر أعلام الموقعين 1/14-22، 63-64.

    [66] انظر شرح تنقيح الفصول 446، والخراج لأبي يوسف 29، والمدخل إلى علم أصول الفقه 99، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/99.

    [67] فقد نقل عنه أنه قال : "إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فيجلد جلد المفتري". أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الأشربة، باب الحد في الخمر 607، ورقمه 1531.

    [68] أخرجه أبو الحسن المدايني في كتاب المغربين من طريق الوليد بن سعيد، انظر فتح الباري، كتاب الحدود، باب نفي أهل المعاصي والمخنثين 12/166، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي 103-104.

    [69] انظر جامع بيان العلم وفضله 2/36-40، وأعلام الموقعين 1/33، 73.

    [70] انظر مقدمة ابن خلدون 413، والموافقات 4/230، وحجة الله البالغة 1/304، والفكر السامي 1/2/315، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/122.

    [71] انظر أعلام الموقعين 1/61-62، والفكر السامي 1/2/317.

    [72] انظر مقدمة ابن خلدون 416.

    [73] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/122-124.

    [74] انظر مقدمة ابن خلدون 413، وحجة الله البالغة 1/307-308، والفكر السامي 1/2/315.

    [75] انظر المعتمد 2/296، والمستصفى 1/283، والتبصرة 1/493، والإحكام للآمدي 4/58، وكشف الأسرار 4/7-8، وفواتح الرحموت 2/320-321.

    [76] انظر الفصول 2/339، وتقويم الأدلة 404، وأصول السرخسي 2/200، وتيسير التحرير 4/78، وكشف الأسرار 4/6-8، والتقرير والتحبير 3/222، وفواتح الرحموت 2/320-321.

    [77] انظر مناقب أبي حنيفة 1/75 ،85.

    [78] انظر الأصل 3/43، والحجة 3/1، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/180.

    [79] انظرالإحكام لابن حزم 6/192، وقواطع الأدلة 2/268، وبداية المجتهد 2/209، وحاشية الدسوقي 3/479-480، والبحر المحيط 4/386.

    [80] انظر الإحكام لابن حزم 6/192، وحاشية الدسوقي 3/479، والموافقات 2/307، 396، 4/209.

    [81] انظر الأم 6/203، والتبصرة 492، والمستصفى 1/274، والإحكام للآمدي 4/156، والإبهاج 3/188.

    [82] هذا الكتاب تضمن رأي الشافعي في الاستحسان وأدلته على بطلانه، وهو مطبوع ضمن كتاب الأم 7/487-500

    [83] انظر الفصول 2/340، وتقويم الأدلة 404، واصول السرخسي 2/199-200، وكشف الأسرار 4/7.

    [84] انظر المعتمد 2/163، والعدة 4/1143، وإحكام الفصول 2/34، والبرهان 1/295، ومختصر المنتهى 2/35، وشرح تنقيح الفصول 334، والمستصفى 1/187، والموافقات 3/273، ومقدمة ابن خلدون 414، والمحصول 4/228، والمسودة 331، وفواتح الرحموت 2/232.

    [85] انظر كتاب التاريـخ ليحيى بن معين 4/498-501، وكتاب المعرفة والتاريخ للفسوي 1/695-697، وترتيب المدارك 1/64-65.

    [86] مقدمة ابن خلدون 414.

    [87] انظر الفصول2/150، والبرهان 1/459، وشرح تنقيح الفصول 334، والبحر المحيط 3/533، والعدة 4/1142.

    [88] نقل ذلك الزركشي في البحر المحيط، ونسبه إلى كتاب اختلاف الحديث للشافعي، ولم أجده فيه، وإنما وجدت عبارة قريبة من هذه في كتاب الأم 7/281، وجماع العلم 1/149. انظر البحر المحيط 2/528.

    [89] انظر البحر المحيط 3/533.

    [90] انظر الإحكام لابن حزم 2/222-244، 4/597، والبحر المحيط 3/534، والتقرير والتحبير 3/133.

    [91] انظر البرهان 1/295، والتلخيص 3/115، والمستصفى 1/187.

    [92] انظر إحكام الفصول 480، واللمع 91، والعدة 4/1143، ومجموع الفتاوى 20/304، وشرح تنقيح الفصول 334.

    [93] انظر اللمع 91، والمعتمد 2/34، وقواطع الأدلة 2/24، ومختصر المنتهى 2/35، والواضح 5/184، والتلخيص 3/119.

    [94] انظر مجموع الفتاوى 20/308، والواضـح 5/184، والتلخيص 3/119، والإحكام للآمدي 1/243، والبحر المحيط 3/529.

    [95] انظر اللمع 91، والعدة 4/1143، وقواطـع الأدلـة 2/24، والمسودة 332، والبحر المحيط 3/529، والتقرير والتحبير 3/133.

    [96] انظر البحر المحيط 3/528.

    [97] انظر التلخيص 3/117-118.

    [98] انظر المسودة 332، والإحكام للآمدي 1/243.

    [99] أسبقية التدوين في هذا العلم شرف عظيم تنازعه علماء الإمامية، والحنفية، والمالكية، والشافعية، والذي اختاره أكثر المحققين من علماء هذا الفن وغيرهم : أن الرسالة أول كتاب وصل إلينا مدوناً في علم أصول الفقة على وجه الاستقلال. انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 1/215-234.

    [100] انظر مناقب الإمام الشافعي للفخر الرازي 101، ومقدمة ابن خلدون 420، وضحى الإسلام 2/229، والشافعي لمحمد أبو زهرة 347-350.

    [101] حجة الله البالغة 1/311.

    [102] مناقب الإمام الشافعي 101-102.

    [103] لعل من أشهر الموضوعات التي أثارت حفيظة مخالفيه : رأيه في البيان، والنسخ، ومذهب الصحابي، وتفسيره لرأي الحنفية في الاستحسان بأنه قول بالتشهي والهوى، ويعـد الجصاص من أكثر العلماء الذين انتقدوا آراء الشافعي في الرسالة. انظر- على سبيل المثال- الفصول 2/6-19، 4/223، وعلم أصول الفقه 1/326، 2/871-875، 881-884.

    [104] انظر علم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع 1/325-326.

    [105] انظر المصدر السابق 1/509-524.

    [106] مقدمة ابن خلدون 420 .

    [107] سورة النساء آية 115.

    [108] انظر أحكام القرآن للشافعي 1/40.

    [109] انظر كتاب التاريخ ليحيى بن معين 4/498-501، وكتـاب المعرفـة والتاريخ للفسوي 1/695-697، وترتيب المدارك 1/64-65.

    [110] انظر إحكام الفصول 483-484، ومجموع الفتاوى 20/304، والبحر المحيط 3/529-531.

    [111] انظر الأم 7/281، وجماع العلم 1/49، والعدة 4/1142، والبحر المحيط 2/528.

    [112] الفصول 2/150.

    [113] انظر فذ هذه المصنفات : الفهـرست لابن النديم 280-307، وعلم أصول الفقه من التدوين إلى نهاية القرن الرابع الهجري 2/1295-1304.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •