تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: جوامع الكلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    Lightbulb جوامع الكلم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    و الصلاة و السلام على رسول الله و على صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
    رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:بعثت بجوامع الكلم
    قال ابن القيم :كلام السلف قليل كثير البركة

    معنى جوامع الكلم
    هو اجتماع المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة قال الزهري: معنى بعثت بجوامع الكلم: أنه كان صلى الله عليه وسلم يتكلم بالقول الموجز، القليل اللفظ، الكثير المعاني
    والقرآن و السنة النبوية و كلام السلف مليء بجوامع الكلم
    نذكر شيئا منها
    1-وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين /الاعراف

    قوله تعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
    .
    قال بعض السلف : جمع الله الطب كله في نصف آية :
    وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا

    لأن من المعلوم أن الطب نوعان: طب حمية، وهو توقٍّ للداء قبل أن ينزل الداء، والثاني: طب علاج ومداواة بعد أن ينزل الداء. وأن من أعظم الطب الحمية

    لأن من خفف أكله وشربه، كما قال صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه فتخفيف الأكل يستوجب صحة البدن.

    و من كان كثير الأكل والشرب لا تراه يقوم الليل، ولا يتنشط للعبادات، ولا ينشط لسانه لذكر الله؛ فهو كسول ملول. وكذلك ربما نشأت له الأمراض،
    عن سهل بن عبد الله التستري وقيل له: الرجل يأكل في اليوم أكلة، فقال أكل الصديقين. قال: فأكلتين، قال: أكل المؤمنين. قال: فثلاثة، قال: قل لأهله يبنون له معلفا.
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: جوامع الكلم

    2-كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل
    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي ، فقال
    :
    (( كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ))/ البخاري

    وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت ، فلا تنتطر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك . رواه البخاري .
    هذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا ، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا ، فيطمئن فيها ، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر : يهيئ جهازه للرحيل .
    وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم ، قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال : { يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار } .
    وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها.
    ومن وصايا المسيح - عليه السلام - لأصحابه أنه قال لهم : اعبروها ولا تعمروها ، وروي عنه أنه قال : من ذا الذي يبني على موج البحر دارا ، تلكم الدنيا ، فلا تتخذوها قرارا
    ودخل رجل على أبي ذر ، فجعل يقلب بصره في بيته ، فقال : يا أبا ذر ، أين متاعكم ؟
    قال : إن لنا بيتا نوجه إليه ، قال : إنه لابد لك من متاع مادمت هاهنا ، قال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه..
    وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقول : إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ، ولكل منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل
    قال بعض الحكماء : عجبت ممن الدنيا مولية عنه ، والآخرة مقبلة إليه يشغتل بالمدبرة ، ويعرض عن المقبلة
    وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته : إن الدنيا ليست بدار قراركم ، كتب الله عليها الفناء ، وكتب على أهلها منها الظعن ، فكم من عامر موثق عن قليل يخرب ، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن ، فأحسنوا - رحمكم الله - منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة ، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى

    وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ، ولا وطنا ، فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين :
    إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة ، همه التزود للرجوع إلى وطنه ،
    أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة ، بل هو ليله ونهاره ، يسير إلى بلد الإقامة ، فلهذا وصى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر أن يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين .
    فأحدهما : أن ينزل المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيل الإقامة ، لكن في بلد غربة ، فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة ، بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه ، وإنما هو مقيم في الدنيا ليقضي مرمة جهازه إلى الرجوع إلى وطنه ، قال الفضيل بن عياض : المؤمن في الدنيا مهموم حزين ، همه مرمة جهازه
    ومن كان في الدنيا كذلك ، فلا هم له إلا في التزود بما ينفعه عند عوده إلى وطنه ، فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم ، ولا يجزع من الذل عندهم ، قال الحسن : المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها ، ولا ينافس في عزها ، له شأن ، وللناس شأن
    لما خلق آدم أسكن هو وزوجته الجنة ، ثم أهبطا منها ، ووعدا الرجوع إليها ، وصالح ذريتهما ، فالمؤمن أبدا يحن إلى وطنه الأول ، وكما قيل :

    كم منزل للمرء يألفه الفتى
    وحنينه أبدا لأول منزل

    أو ينزل المؤمن نفسه في الدنيا كأنه مسافر غير مقيم البتة ، وإنما هو سائر في قطع منازل السفر حتى ينتهي به السفر إلى آخره ، وهو الموت . ومن كانت هذه حاله في الدنيا ، فهمته تحصيل الزاد للسفر ، وليس له همة في الاستكثار من متاع الدنيا ، ولهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب .
    قيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت ؟ قال : ما ظنك برجل يرتحل كل يوم مرحلة إلى الآخرة ؟
    وقال الحسن : إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضى يوم مضى بعضك .
    وقال : ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك ، يوضعك النهار إلى الليل ، والليل إلى النهار ، حتى يسلمانك إلى الآخرة ، فمن أعظم منك يا ابن آدم خطرا ،
    وقال : الموت معقود في نواصيكم والدنيا تطوى من ورائكم
    .
    قال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها ، فافعل ، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنك بالأمر قد بغتك .

    وكتب بعض السلف إلى أخ له : يا أخي يخيل لك أنك مقيم ، بل أنت دائب السير ، تساق مع ذلك سوقا حثيثا ، الموت موجه إليك ، والدنيا تطوى من ورائك ، وما مضى من عمرك ، فليس بكار عليك حتى يكر عليك يوم التغابن .
    سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولابــد من زاد لكل مسافر
    ولابد للإنسان من حمل عدة*** ولاسيما إن خاف صولة قاهر


    قال بعض الحكماء : كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره ، وكيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله ، وتقوده حياته إلى موته .
    وقال الفضيل بن عياض لرجل : كم أتت عليك ؟
    قال : ستون سنة ، قال فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ ،
    فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون ،
    فقال الفضيل : أتعرف تفسيره تقول : أنا لله عبد وإليه راجع ، فمن علم أنه لله عبد ، وأنه إليه راجع ، فليعلم أنه موقوف ، ومن علم أنه موقوف ، فليعلم أنه مسؤول ، ومن علم أنه مسؤول ، فليعد للسؤال جوابا ،
    فقال الرجل : فما الحيلة ؟
    قال : يسيرة ،
    قال : ما هي ؟
    قال : تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقي ، أخذت بما مضى وبما بقي
    ، وفي هذا يقول بعضهم
    :
    وإن امرءا قد سار ستين حجة*** إلى منهل من ورده لقريب




    قال الحسن : اجتمع ثلاثة من العلماء ، فقالوا لأحدهم : ما أملك ؟
    قال : ما أتى علي شهر إلا ظننت أني سأموت فيه ،
    قال : فقال صاحباه : إن هذا لأمل ،
    فقالا لأحدهم : فما أملك ؟
    قال : ما أتت علي جمعة إلا ظننت أني سأموت فيها ،
    قال : فقال صاحباه : إن هذا لأمل ،
    فقالا للآخر : فما أملك ؟
    قال : ما أمل من نفسه في يد غيره ؟

    قال داود الطائي : سألت عطوان بن عمر التميمي ، قلت : ما قصر الأمل ؟
    قال : ما بين تردد النفس ، فحدث بذلك الفضيل بن عياض ، فبكى ، وقال : يقول : يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه ، لقد كان عطوان من الموت على

    حذر
    وقال بعض السلف : ما نمت نوما قط ، فحدثت نفسي أني أستيقظ منه .
    وكان حبيب يوصي كل يوم بما يوصي به المحتضر عند موته من تغسيله ونحوه ، وكان يبكي كلما أصبح أو أمسى ، فسئلت امرأته عن بكائه ، فقالت : يخاف - والله - إذا أمسى أن لا يصبح ، وإذا أصبح أن لا يمسي
    .
    وقال بكر المزني : إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب ، فليفعل ، فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا ، ويصبح في أهل الآخرة .
    وكان أويس إذا قيل له : كيف الزمان عليك ؟
    قال : كيف الزمان على رجل إن أمسى ظن أنه لا يصبح ، وإن أصبح ظن أنه لا يمسي فيبشر بالجنة أو النار ؟
    وقال عون بن عبد الله : ما أنزل الموت كنه منزلته من عد غدا من أجله . كم من مستقبل يوما لا يستكمله ، وكم من مؤمل لغد لا يدركه ، إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره ، لأبغضتم الأمل وغروره
    ، وكان يقول : إن من أنفع أيام المؤمن له في الدنيا ما ظن أنه لا يدرك آخره
    .
    وكانت امرأة متعبدة بمكة إذا أمست قالت : يا نفس ، الليلة ليلتك ، لا ليلة لك غيرها ، فاجتهدت ، فإذا أصبحت ، قالت : يا نفس اليوم يومك ، لا يوم لك
    غيره فاجتهدت .
    وقال بكر المزني : إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل : لعلي لا أصلي غيرها ، وهذا مأخوذ مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (( صل صلاة مودع )).
    وأقام معروف الكرخي الصلاة ، ثم قال لرجل : تقدم فصل بنا ،
    فقال الرجل : إني إن صليت بكم هذه الصلاة ، لم أصل بكم غيرها ،
    فقال معروف : وأنت تحدث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى ؟ نعوذ بالله من طول الأمل ، فإنه يمنع خير العمل

    جامع العلوم و الحكم/ ابن رجب
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: جوامع الكلم

    قوله صلى الله عليه و سلم: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات))
    قال القرطبي /التذكرة

    قوله عليه السلام: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات)) كلام مختصر وجيز، وقد جمع التذكرة، وأبلغ في الموعظة، فإن من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه لذته الحاضرة، ومنعه من تمنيها في المستقبل، وزهده فيما كان منها يؤمل، ولكن النفوس الراكدة، والقلوب الغافلة، تحتاج إلى تطويل الوعاظ، وتزويق الألفاظ، وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام:
    ((أكثروا ذكر هاذم اللذات))، مع قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: 185]، ما يكفي السامع له، ويشغل الناظر فيه"
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: جوامع الكلم

    إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)/ النحل


    عن ابن مسعود : إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) الآية . رواه ابن جرير .
    وقال سعيد عن قتادة : قوله : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) الآية ، ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به ، وليس من خلق سيئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه . وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها .
    قال ابن كثير: ولهذا جاء في الحديث : " إن الله يحب معالي الأخلاق ، ويكره سفسافها "

    تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: جوامع الكلم

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار



    قال ابن كثير /التفسير
    ( ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا ، وصرفت كل شر ، فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي ، من عافية ، ودار رحبة ، وزوجة حسنة ، ورزق واسع ، وعلم نافع ، وعمل صالح ، ومركب هنيء ، وثناء جميل ، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين ، ولا منافاة بينها ، فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا .

    وأما الحسنة في الآخرة فأعلى ذلك دخول الجنة وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات ، وتيسير الحساب وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة ، وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا ، من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام .

    وقال القاسم بن عبد الرحمن : من أعطي قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وجسدا صابرا ، فقد أوتي في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، ووقي عذاب النار .
    ولهذا وردت السنة بالترغيب في هذا الدعاء . فقال البخاري : حدثنا أبو معمر ، حدثنا عبد الوارث ، عن عبد العزيز ، عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم ربنا ، آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " .
    وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس قال : كان أكثر دعوة يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم [ يقول ] : " اللهم ربنا ، آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " .

    [ وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها ، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه ] .

    وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا عبد السلام بن شداد يعني أبا طالوت قال : كنت عند أنس بن مالك ، فقال له ثابت : إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم . فقال : اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار . وتحدثوا ساعة حتى إذا أرادوا القيام ، قال : يا أبا حمزة ، إن إخوانك يريدون القيام فادع لهم فقال : تريدون أن أشقق لكم الأمور ، إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقاكم عذاب النار فقد آتاكم الخير كله .


    وقال أحمد أيضا : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن حميد ، [ وعبد الله بن بكر السهمي ، حدثنا حميد ] عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد صار مثل الفرخ . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ؟
    "
    قال : نعم ، كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا .
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    " سبحان الله ! لا تطيقه ، أو لا تستطيعه ، فهلا قلت : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) " . قال : فدعا الله ، فشفاه .
    انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من حديث ابن أبي عدي به .
    وقال الإمام الشافعي : أخبرنا سعيد بن سالم القداح ، عن ابن جريج ، عن يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه ، عن عبد الله بن السائب : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما بين الركن اليماني والركن الأسود : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) . ورواه الثوري عن ابن جريج كذلك .
    وروى ابن ماجه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحو ذلك . وفي سنده ضعف والله أعلم .

    وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الباقي ، أخبرنا أحمد بن القاسم بن مساور ، حدثنا سعيد بن سليمان ، عن إبراهيم بن سليمان ، عن عبد الله بن هرمز ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما مررت على الركن إلا رأيت عليه ملكا يقول : آمين . فإذا مررتم عليه فقولوا : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )

    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: جوامع الكلم

    خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)
    قال السعدي/ التفسير

    هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم. وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، ولما كان لا بد من أذية الجاهل، أمر اللّه تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه.
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: جوامع الكلم

    احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ
    قال ابن رجب/ جامع العلوم و الحكم
    هَذَا الْحَدِيثُ يَتَضَمَّنُ وَصَايَا عَظِيمَةً وَقَوَاعِدَ كُلِّيَّةً مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَدَبَّرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَأَدْهَشَنِي وَكِدْتُ أَطِيشُ، فَوَا أَسَفَا مِنَ الْجَهْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقِلَّةِ التَّفَهُّمِ لِمَعْنَاهُ.

    قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احْفَظِ اللَّهَ " يَعْنِي: احْفَظْ حُدُودَهُ، وَحُقُوقَهُ، وَأَوَامِرَهُ، وَنَوَاهِيَهُ، وَحِفْظُ ذَلِكَ: هُوَ الْوُقُوفُ عِنْدَ أَوَامِرِهِ بِالِامْتِثَالِ ، وَعِنْدَ نَوَاهِيهِ بِالِاجْتِنَابِ ، وَعِنْدَ حُدُودِهِ، فَلَا يَتَجَاوَزُ مَا أَمَرَ بِهِ، وَأَذِنَ فِيهِ إِلَى مَا نَهَى عَنْهُ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَهُوَ مِنَ الْحَافِظِينَ لِحُدُودِ اللَّهِ
    يَحْفَظْكَ " يَعْنِي: أَنَّ مَنْ حَفِظَ حُدُودَ اللَّهِ، وَرَاعَى حُقُوقَهُ، حَفِظَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ
    وَمَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي صِبَاهُ وَقُوَّتِهِ، حَفِظَهُ اللَّهُ فِي حَالِ كِبَرِهِ وَضَعْفِ قُوَّتِهِ، وَمَتَّعَهُ بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ.
    كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ سَنَةً وَهُوَ مُمَتَّعٌ بِقُوَّتِهِ وَعَقْلِهِ، فَوَثَبَ يَوْمًا وَثْبَةً شَدِيدَةً، فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: هَذِهِ جَوَارِحٌ حَفِظْنَاهَا عَنِ الْمَعَاصِي فِي الصِّغَرِ، فَحَفِظَهَا اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْكِبَرِ.
    وَعَكْسُ هَذَا أَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ رَأَى شَيْخًا يَسْأَلُ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا ضَعِيفٌ ضَيَّعَ اللَّهَ فِي صِغَرِهِ، فَضَيَّعَهُ اللَّهُ فِي كِبَرِهِ.
    وَقَدْ يَحْفَظُ اللَّهُ الْعَبْدَ بِصَلَاحِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي ذُرِّيَّتِهِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] [الْكَهْفِ: 82] : أَنَّهُمَا حُفِظَا بِصَلَاحِ أَبِيهِمَا.
    وَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: إِنَّ اللَّهَ لَيَحْفَظُ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَالدُّوَيْرَات ِ الَّتِي حَوْلَهُ فَمَا يَزَالُونَ فِي حِفْظٍ مِنَ اللَّهِ وَسِتْرٍ.

    النَّوْعُ الثَّانِي مِنَ الْحِفْظِ، وَهُوَ أَشْرَفُ النَّوْعَيْنِ: حِفْظُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَإِيمَانِهِ، فَيَحْفَظُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَمِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ دِينَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَيَتَوَفَّاهُ عَلَى الْإِيمَانِ
    قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا حَضَرَ الرَّجُلَ الْمَوْتُ يُقَالُ لِلْمَلَكِ: شَمَّ رَأْسَهُ، قَالَ: أَجِدُ فِي رَأْسِهِ الْقُرْآنَ، قَالَ: شَمَّ قَلْبَهُ، قَالَ: أَجِدُ فِي قَلْبِهِ الصِّيَامَ، قَالَ: شَمَّ قَدَمَيْهِ قَالَ: أَجِدُ فِي قَدَمَيْهِ الْقِيَامَ قَالَ: حَفِظَ نَفْسَهُ، فَحَفِظَهُ اللَّهُ.

    وَفِي الْجُمْلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَحْفَظُ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْحَافِظِ لِحُدُودِ دِينِهِ، وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْحِفْظِ، وَقَدْ لَا يَشْعُرُ الْعَبْدُ بِبَعْضِهَا، وَقَدْ يَكُونُ كَارِهًا لَهُ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}

    قال ابن الجوزي/ صيد الخاطر
    وقد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب، ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه!
    فمتى رأيت معاقبًا؛ فاعلم أنه لذنوبٍ.
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •