" الأم " مجرد ذكرى سنوية !!!

كتبت / سهير الجبرتي

يرجع البعض الاحتفال بما يسمى عيد الأم إلى الإغريقيين ، ويرى البعض الآخر أن تاريخ الاحتفال بهذا العيد يرجع إلى الأوربيين ، حيث وجد المفكرون الأوربيون أن الأبناء ينسون أمهاتهم ، ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السنة للتذكير بالأم وفضلها !!
أما عن تاريخ الاحتفال بعيد الأم في العالم العربي فيرجع إلى عام 1956 ، و أول من نادى بالفكرة في مصر الصحفيان علي أمين و مصطفى أمين اللذان أسسا دار أخبار اليوم ، وكان دافعهما للمبادرة بهذه الفكرة خطاب أرسلته إحدى الأمهات تشكو فيه الجحود الذي تلاقيه من أبنائها ونكرانهم للجميل ! فهزت الرسالة الشقيقين التوأمين ، خاصة أنهما كانا يتفانيان في حب أمهما ، وكانا يعترفان دائما بفضلها في نجاحهما . ويقولان : إنها ضحت بنفسها من أجلهما .. إذ أخفت عنهما آلام مرض السرطان ، الذي كانت تعاني منه حتى لا تشغلهما بآلامها ، و حتى لا تتعثر خطاهما ، و هما يصدران صحيفة أخبار اليوم .
وقرر الشقيقان القيام بحملة صحفية من أجل الاحتفال بالأمهات .. وتم اختيار يوم 21 مارس - المعروف بعيد الربيع - ليكون عيدا للأم ، ورحب الناس بالفكرة وتعاطف معها الكثيرون كما تحمس لها الكتاب و المفكرون !
رأي الدين أما عن حكم الدين في الاحتفال بعيد الأم يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف إن الاحتفال بهذه الأعياد معناه الاهتمام بها ، و المناسبات التي يحتفل بها قد تكون دنيوية محضة ، و قد تكون دينية أو عليها مسحة دينية ، و بالنسبة لما هو دنيوي فالإسلام لا يمنع منه مادام القصد طيباً ، والمظاهر في حدود المشروع ، أما فيما يتعلق بما هو ديني فقد يكون الاحتفال منصوصا ً عليه كعيدي الفطر و الأضحى ، و قد يكون غير منصوص عليه كالهجرة و الإسراء والمعراج والمولد النبوي وغيرها .. فما كان منصوصاً عليه فهو مشرع بشرط أن يؤدي على الوجه الذي شرع ، فلا يخرج عن حدود الدين ، و ما لم يكن منصوصاً عليه ، فللناس فيه موقفان : موقف المنع لأنه بدعة ، و موقف الجواز لعدم النص على منعه .
و يحتج أصحاب الموقف المانع بحديث النسائي و ابن حبان بسند صحيح أن أنساً رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة ، و لهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : " قد أبدلكم الله تعلى بهما خيراً منهما ، يوم الفطر و يوم الأضحى " فكل ما سوى هذين العيدين بدعة ، ويرد عليه بأن الحديث لم يقصر الأعياد فيهما ، بل ذكر فضلهما على أعياد أهل المدينة التي نقلوها عن الفرس ومنها عيد النيروز في مطلع السنة الجديدة في فصل الربيع ، و عيد المهرجان في الخريف كما ذكر النويري في " نهاية الأرب " و بدليل أنه سمى يوم الجمعة عيداً .
و لم يرد نص يمنع الفرح و السرور في غير هذين العيدين فقد سجل القرآن فرح المؤمنين بنصر الله لغلبة الروم على غيرهم بعد أن كانوا مغلوبين " أوائل سورة الروم "
كما ورد أنه ليس كل جديد بدعة مذمومة فقد قال عمر في اجتماع المسلمين في صلاة التراويح على إمام واحد " نعمت البدعة هذه "
فالخلاصة أن الاحتفال بأية مناسبة طيبة لا بأس به مادام الغرض مشروعا ً و لا ضير في تسمية الاحتفالات بالأعياد ، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء .

التحذير من البدع لكن فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قال في هذا الأمر " إن الشريعة الإسلامية قد أوجبت تكريم الأم و برها في كل وقت فلم يبق هناك حاجة لتخصيص يوم من العام لتكريم الأم .
و قد ثبت في الأحاديث عن رسول صلى الله عليه و سلم التحذير من المحدثات في الدين و مشابهة أعداء الله من اليهود و النصارى وغيرهم من المشركين مثل قوله صلى الله عليه و سلم " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " و المعنى : فهو مردود على من أحدثه ، و لا ريب أن تخصيص يوم في السنة للاحتفال بتكريم الأم أو الأسرة من محدثات الأمور التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه و سلم و لا صحابته رضي الله عنهم ، لذا وجب تركه و تحذير الناس منه و الاكتفاء بما شرعه الله ورسوله .
المسلم لا يتبع كل ناعق

أما فضيلة الشيخ بن العثيمين رحمه الله فقال في عيد الأم " إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح و ربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا ، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه و تعالى ، والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ، وهي عيد الفطر ، عيد الأضحى ، وعيد الأسبوع ـ يوم الجمعة ـ و ليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة ، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها و باطلة في شريعة الله سبحانه و تعالى ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ـ أي مردود عليه غير مقبول عند الله و في لفظ آخر : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .
و إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد المسمى "عيد الأم" إحداث شيء من شعائر هذا العيد كإظهار الفرح و السرور ، و تقديم الهدايا وما أشبه ذلك ، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه و يفتخر به و أن يقتصر على ما حدده الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه و لا ينقص منه .
كما ينبغي للمسلم أيضاً ألا يكون إمعة يتبع كل ناعق بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى حتى يكون متبوعا لا تابعا ، و حتى يكون أسوة لا متأسيا لأن شريعة الله - والحمد لله - كاملة من جميع الوجوه فقد قال تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لك الإسلام دينا " . و حق على الأبناء رعاية أمهم وبرها وطاعتها في غير معصية الله عز وجل في كل زمان و مكان .
و عندما نستعرض القضية القرآنية في الإحسان إلى الأم و برها نجد قوله تعالى " ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا " فالقرآن يوصي بالوالدين ، و لكن إذا نظرت للآية القرآنية تجد أن الحيثيات في الآية للأم كلها ، و في البداية أتى بحيثية مشتركة ، ثم قال " حملته أمه كرها ووضعته كرها , وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " ؛ لأن علاقة الأم تبدأ مع الإنسان قبل أن يعقل ، وهذه نقطة يجب أن ننتبه إليها ، فالإنسان لم ير أمه وهي تحمله في بطنها ، ولم يرها وهي تتعب في تربيته و هو صغير ، ولكنه رأى أباه وهو يرعى الأسرة ، ويجلب لهم الأشياء ويلبي طلباتهم .. فحتى لا تكون الأمور منسوبة إلى الأب كلها ، أراد الله تعالى أن يؤكد على الأم في الحيثيات ليؤكد مكانتها في الإسلام .