خواطر سريعة في العيد



د. حمزة حسين قاسم



انقضى رمضان.. مع الأمل بصفاء القلوب، وارتقاء الأرواح، وسمو النفوس بالاتصال مع الله والاقتراب منه - سبحانه وتعالى- .
انقضى رمضان والرجاء يحدونا بأن يكون قد خلف فينا طاقة روحية كبيرة تعيننا على القادم من الطاعات..
انقضى رمضان وجاء العيد الذي يعتبر من أبرز المناسبات عند المسلمين. فهو يوم الجائزة.. يوم الفرح.. اليوم المبارك.. اليوم العظيم.. يوم الزينة.. اليوم الذي رفع الله قدره.. الخ.. !!
وما هذه المسميات الكثيرة إلا لما يمتاز به من مزايا متفردة، وإسهامات جليلة، ساهمت مساهمة كبيرة في تمايز المسلمين وتفردهم من جهة، وساهمت في تطورهم الاجتماعي والثقافي والإنساني من جهة ثانية؛ وفي تشكيل علاقاتهم الثقافية والحضارية مع الشعوب الأخرى - سواء تلك التي تعايشت معهم في أوطانهم أو تلك التي كانوا على اتصال معها في أوطان غيرهم – من جهة ثالثة!!
إنه موسم تظهر فيه مظاهر وحدة الأمة، ومعلماً من معالم الأخوة والمحبة الإيمانية.
وموسم للارتقاء بصلات الرحم والقربى والجيرة والصحبة وإصلاح ذات البين..
وموسم تسود فيه المودة، وتصفو فيه القلوب، وترقُّ المشاعر، وتسمو الأخلاق، وتتوارى الأحقاد، وتتلاشى الضغائن!.
لقد عمَّقت هذه السنن معاني الفرح المشروع؛ هذا الفرح الذي يعني كل ما يمكن أن يمارسه الناس – أفراداً ومجتمعات – من احتفالات، في إطار ديني إيماني منضبط، محصن بالخلق الرفيع والقيم النبيلة.. وجعلت من التفاؤل ضرورة إيمانية وسمة من سمات الحياة الاجتماعية وأساساً من أسس تفوقها على عوامل الإحباط واليأس – على تعددها وتشابكها.!
ففي هذا السياق – دون غيره - يصبح العيد موسماً لصناعة الفرح الحلال، لا للتدابر والتباغض والأحقاد، أو تصيد الزلات وتسويغ القطيعة.
وموسماً للانضباط والبهجة المتوازنة، لا للفوضى والمظاهر المفتعلة والمباهج الفارغة.
وموسماً لمكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، ونبل الطباع، لا لسوء الأخلاق والتنافس في مسالك الفسق والفجور!.
وموسماً للتقارب والتراحم والتواد والإيثار والتعاون، لا للتباعد والتباغض والتحاسد والأنانية!.
العيد محطة ينطلق منها المؤمنون - بكل ما اكتسبوه في رمضان من روح وثابة متألقة - إلى آفاق جديدة أكثر إنسانية وأكثر اتساعاً ورحابة .. آفاق تتجاوز الذات الفردية إلى الذات الجماعية .. فتتعزز فيها قيم الوحدة والتماسك والقوة والإقدام، وتندحر أمامها عوامل التدابر والضعف والاستكانة والتخاذل!!
فإذا كان المطلوب أن يتحول رمضان في واقع حياتنا إلى شهر للتغيير في حياة الأفراد كما في حياة الأمة .. كذلك الأمر فإنه مطلوب أن يتحول العيد إلى موسم للتغيير والارتقاء والنهوض .. تغيير العادات التي نقر جميعنا بسلبيتها .. وارتقاء في عباداتنا من مجرد تمتمات اللسان وحركات الجوارح إلى عبادة نؤديها في كل عمل وكل شأن من شؤون حياتنا .. وارتقاء في أدائنا مع الله والناس والوطن والأمة ..والاستقامة على النهج والالتزام بالخير!!
إن العيد موسم للتدبر والاستشعار وتدبر أحوال الأمة .. وحين نفعل ذلك نجد أن هذه الأمة، رغم كل ما تقاسيه من احتلالات، ورغم كل الانتهاكات لحقوقها وإنسانيتها، ورغم كل مظاهر الاستلاب والاستضعاف، ورغم الفقر والجوع والتشرد والظروف الصعبة؛ فإنها ما زالت على قيد الخيريَّة .. وعلى قيد الحضور والتأثير،وما زال في الأمة حنين للجذور والمنطلقات.!
إن أمتنا – بحمد الله – ما تزال تسري في عروقها حرارة الحياة.. فهي برغم المآسي.. ورغم الدماء والشهداء .. ورغم الجوع والفقر .. ورغم الأسى .. ورغم الخلافات الصغيرة والكبيرة وما تيسر من مشكلات يومية.. ورغم ما فقدنا من أعزاء .. ورغم ما أصابنا من أمراض.. فإن شعوب هذه الأمة من فلسطين إلى كشمير ما زالت تقاوم وتدافع عن كرامتها وشرفها.. وما زالت تتألق بالجهاد.. فتطوق عوامل القهر والضعف والإحباط.. وتصر على تعميق اللحمة الإنسانية وترسيخها واقعاً معاشاً.. وعلى تجسيد معاني هذه الأخوة بالتكافل والتراحم والتواد.. وتتسامى بقيم الخيرية في البذل والعطاء والتنافس في الخيرات..!!
فلنعزز الإيمان وندعوه - جل في علاه- أن يثبت قلوبنا.. فنستمسك بالعروة الوثقى.. ونعظم شعائر الله لأنه "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" .. فبالإيمان تسمو الضمائر وترق المشاعر وتقبل الشعائر .. وبالإيمان تكون النجاة!!
لنعقد النية ..ونستنهض الهمم .. ولنستوحي من العيد كل ما يجدد الأمل في النفوس، وكل ما يقوي الرجاء .. ولنحيل القنوط واليأس أملا وتفاؤلا.. ولنهجر درب الانحدار ونلتزم طريق الارتقاء..
ولنفسح المجال ولنهيئ الأجواء ونقيم شعائر العيد وسننه.. لنحاول الفرح .. لنتبادل التهاني والأمنيات فلا نحجر على البسمة.. ولنجعله عيداً جديداً سعيداً.. عيداً أكثر فرحاً وتألقاً.. إنه عيد سعيد .. (فتقبل الله طاعتكم) ..