تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 25

الموضوع: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم ،

    أرجو من الإخوة المساعدة .

    سؤالي هو : هل اختلف علماؤنا في كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ، كما اختلفوا من قبل في كون بعضها كفراً أكبر أو أصغر (كترك الصلاة) ؟

    وأظن أنهم اختلفوا في السجود لغير الله على غير عبادة ، فقال بعضهم إنه شرك أصغر ، وقال البعض الآخر إنه شرك أكبر .

    فهل لكم أن توردوا نصوصهم في مثل هذه المسائل الخلافية ، بشرط أن يكونوا من غير المعاصرين .

    وجزاكم الله خيراً .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    حكي خلاف في مسألة طلب الدعاء من الميت وهو أن يأتي الرجل إلى قبر رجل صالح فيقول يا فلان ادع الله لي

    حكي بعض أئمة الدعوة النجدية والإمام الدهلوي أن هذا من الشرك الأكبر بينما ينسب إلى شيخ الإسلام بن تيمية أن هذا ليس من الشرك الأكبر

    والله أعلم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    80

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    جاء في كتاب الوسيط:
    هذا فيه خلاف فمن فرق بين الرياء من حيث الكمية وجعل يسيره أصغر فإنه يجعل كثيره أكبر ـ وهذا هو الشاهد ـ كما هو اختيار ابن القيم ومال إليه الحفيد سليمان في كتاب تيسير العزيز الحميد في باب الخوف من الشرك ، أما من لم يفرق بين يسير الرياء وكثيره أو أكثره فلا يرى هذا القسم أنه من الأكبر ، ولكن الصحيح أنه كافر لأنه لا يفعله إلا منافق كما قال تعالى ( يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً) وقولنا 60 % و 50% ليس تحدياً لكن هذا مثال للتوجيه ، وإلاّ فبعض أهل العلم يرى أن كثير الرياء شرك أكبر مثـل 40% أو 30% هذا كثير ولذا يقولون يسير الرياء شرك أصغر وكثير الرياء شرك أكبر ولا يقولون أكثر الرياء .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    جزاك الله خيراً أخي ..

    أظنهم اختلفوا في النذر إلى غير الله تعالى .. فقد جعله شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - شركاً أصغر ، فقال في [الفتاوى : 11/504] :
    وَأَمَّا " النَّذْرُ لِلْمَوْتَى " مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَشَايِخِ وَغَيْرِهِمْ : أَوْ لِقُبُورِهِمْ أَوْ الْمُقِيمِينَ عِنْدَ قُبُورِهِمْ . فَهُوَ نَذْرُ شِرْكٍ وَمَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى . سَوَاءٌ كَانَ النَّذْرُ نَفَقَةً أَوْ ذَهَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَنْ يُنْذِرُ لِلْكَنَائِسِ ؛ وَالرُّهْبَانِ وَبُيُوتِ الْأَصْنَامِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ } " وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ ؛ بَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ ، وَهَذَا إذَا كَانَ النَّذْرُ لِلَّهِ . وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّذْرُ لِغَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ كَمَنْ يَحْلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَهَذَا شِرْكٌ . فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا وَفَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ . وَمَنْ تَصَدَّقَ بِالنُّقُودِ عَلَى أَهْلِ الْفَقْرِ وَالدِّينِ فَأَجْرُهُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ .
    وقد جعل في موضع آخر النذر لغير الله بعبادة شركاً أكبر .. كمن يحلف أن يعبد غير الله تعالى .. وهذا من البديهيات على أي حال ز

    وكثير من علماء الدعوة النجدية فيما فهمت من كلامهم ، يجعلون محض النذر لغير الله عبادة لغيره ، وشركاً أكبر .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    7

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    النذر لغير الله شرك أكبر قولا واحدا , ولم يختلف فيه احد من أهل الإسلام

    أما الحلف بغير الله فقد يكون شركا أكبرا , وقد يكون أصغرا
    فأكبر كما في حال كثير من الناس هذه الأيام....
    إذا حلف بالله فقد يكذب وأما إذا حلف بالمعظم عنده فلا يحتمل الكذب
    ويُعرف عنه أنه إذا حلف بهذه المعظم عنده فقد صدق

    القصد أن النذر شرك أكبر قولا واحدا عند كل المسلمين
    والحلف بغير الله يحتمل

    وعلي هذا تحمل مقولة شيخ الإسلام

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم ،

    الصواب في النذر لغير الله أنه شرك أصغر ، اللهم إلا تضمن النذر صرف عبادة لغير الله تعالى ..

    أما محض النذر فهو كالحلف بغير الله تعالى ، وهو شرك أصغر .. وسأبيّن ذلك في مشاركة مستقلة - إن شاء الله - حتى لا تختلط الأمور في هذا الموضوع .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    7

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو شعيب مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم ،
    الصواب في النذر لغير الله أنه شرك أصغر ، اللهم إلا تضمن النذر صرف عبادة لغير الله تعالى ..
    .
    سبحان اللله....
    جملتين متناقضتين تماما...
    النذر نفسه عبادة... كالدعاء والاستغاثة والذبح
    هو نذر لغير الله..... أي صرف هذه العبادة لغير الله

    قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب
    باب من الشرك النذر لغير الله
    باب من الشرك الاستغاثة بغير الله
    وقال في باب النذر... إذا ثبت كونه عبادة لله فصرفه إلي غيره شرك

    جاء في فتح المجيد
    قوله: "باب: من الشرك النذر لغير الله تعالى".
    أي لكونه عبادة يجب الوفاء به إذا نذره لله،. فيكون النذر لغير الله تعالى شركا في العبادة.
    وقوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً}3 فالآية دلت على وجوب الوفاء بالنذر ومدح من فعل ذلك طاعة لله ووقاء بما تقرب به إليه.
    لا حول ولا قوة إلا بالله

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    لم أجمع بين متناقضين .. وسأبين ذلك قريباً إن شاء الله .

    أنت تقول إن محض النذر عبادة .. وأنا أقول هو عبادة بمقتضى ما نذر به .

    سؤالي إليك هو :

    لو كان محض النذر عبادة ، فلماذا يكرهه الله تعالى ؟؟ .. فالعبادة قربة إليه .. والعبادة هي كل ما يحبه الله تعالى .. فهل يُعبد الله بما يكرهه ؟

    لذلك قال العلماء ، ومنهم ابن تيمية ، أن من نذر إلى الله بمباح ، لم يصح نذره .. فإن النذر ما يقترن بطاعة وعبادة .

    فلو كان محض النذر عبادة ، فلماذا لم يجز النذر بمباح ؟؟ .. ولماذا أسقط العلماء عن الناذر بالمباح الوفاء ؟

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    7

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    أبا شعيب....
    الصلاة عبادة ... ومحرمة علي الحائض وعلي السكران ومكروهة في أوقات معينة وأماكن معينة
    والصوم عبادة.... وحرام علي الحائض والنفساء
    والذبح عبادة...
    وهكذا....
    فلو صلت امرأة في أيام حيضها لله لكانت عبادتها حراما , ولو صلت للحسين لكان شركا
    ولو صلي رجل لله في أوقات النهي لكانت عبادته مكروهة ولو صلي للبدوي لكان شركا

    أما النذر فكأن صاحبها علق هذه العبادة بمنفعة وأجر معين اشترطه هو ابتداءا , وهذا كما يظهر فيه ما فيه...

    وياأباشعيب أحيانا تخفي العلة في الحكم وتكون غير ظاهرة خاصة عند قليلي العلم مثلي
    فهات ما عندك من أقوال اهل العلم في ذلك , ولا تنفرد بقول ليس لك فيه إمام من أهل العلم

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    أخي الكريم ، لقد أبعدت النجعة ، هداني الله وإياك ..

    فتأمل ما كُره لعارض .. وما كُره أصلاً .

    فأصل الصلاة أنها عبادة وقربة ، وفرض أو سنة .. وما طرأ عليها من أحوال قد ينقل هذا الحكم إلى الكراهة أو التحريم .

    ولكن النذر في جميع أحواله مذموم .. وقد نهى عنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أصل الحكم .. فكيف يكون عبادة ؟

    فالنذر ليس بعبادة في حد ذاته ، إلا ما اقترن به من عبادة .

    لكن اصبر قليلاً ، فأنا أجمع أقوال ابن تيمية في هذه المسألة حتى يتبيّن لك مرادي .. بإذن الله .

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    557

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    أخ أبا ثور ،

    إليك هذا الموضوع كما وعدتك :
    http://majles.alukah.net/showthread.php?t=18186

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    7

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    أحسن الله إليك ,
    وجزاك الله خيرا
    لا حول ولا قوة إلا بالله

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    أخي أبو شعيب وفقك الله تعالى
    -----------------
    الظاهر أنهم قد اختلفوا في السجود لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أنه من أفعال الشرك الأكبر .
    فقد قال في مجموع الفتاوى : ( وحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وحجرة الخليل ، وغيرهما من المدفن التي فيها نبي أو رجل صالح ، لا يستحب تقبيلها ، والتمسح بها باتفاق الأئمة ، بل منهي عن ذلك ، وأما السجود لذلك فكفر ) إهـ (27 /136 ) .
    وخالف الإمام الذهبي في ذلك فقال رحمه الله ( وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي على سبيل التعظيم والتبجيل لا يُكفّر به أصلاً بل يكون عاصياً ، فليعرف أن هذا منهي عنه ، كذلك الصلاة إلى القبر ) إهـ معجم الشيوخ (1/73 ) .
    وقال في موضع أخر : ( .. فمـن وقف عند الحجرة المقدسة ذليلاً مسلّماً ، مصلياً على نبيه ، فيـا طوبى لـه ، فقـد أحسن الزيارة ، وأجمل في التذلل والحب ، وقـد أتى بعبادة زائدة على من صلى عليه في أرضه أو في صلاته ، إذ الزائر له أجر الزيارة وأجر الصلاة عليه ، والمصلي عليه في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط .
    فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشراً ، ولكن من زاره صلوات الله عليه وأساء أدب الزيارة ، أو سجـد للقبر أو فعـل مـا لايشرع ، فهـذا فـعل حسناً وسيئاً فيُعلم برفق ، والله غفور رحيم ، فوالله ما يحصل الإنزعاج لمسلم ، والصياح وتقبيل الجدران ، وكثرة البكاء ، إلا وهو محب لله ولرسوله ، فحبه المعيار والفارق بين أهل الجنة وأهل النار ) إهـ سير أعلام النبلاء (4/484 ) .
    وواضح أن الإمام الذهبي رحمه الله لـم يعتبر الفعل بمجرده شركاً أكبر .
    والله أعلم .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    هـذه إضافة أخرى :
    ---------------
    اختلفوا في التوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والأولياء والصالحين سواء أحياء أو أموات على ثلاث أقوال :
    القول الأول : أنه بدعة شنيعة وهـذا قول أكثرهم .
    يقول الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله : ( قال شيخنا قدس الله روحه : وهذه الأمور المبتدعة عند القبور مراتب ، أبعدها عن الشرع : أن يسأل الميت حاجته ، ويستغيث به فيها كما يفعله كثير من الناس ، قال: وهؤلاء من جنس عباد الأصنام ..
    والمرتبة الثانية : أن يسأل الله عز وجل بـه ، وهذا يفعله كثير من المتأخرين ، وهو بدعة باتفاق المسلمين .
    الثالثة : أن يسأله نفسه .
    الرابعة : أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب ، أو أنه أفضل من الدعاء فى المسجد فيقصد زيارته والصلاة عنده لأجل طلب حوائجه ، فهذا أيضاً من المنكرات المبتدعة باتفاق المسلمين ، وهى محرمة ، وما علمت فى ذلك نزاعاً بين أئمة الدين وإن كان كثير من المتأخرين يفعل ذلك ، ويقول بعضهم : قبر فـلان ترياق مجرب ، والحكاية المنقولة عن الشافعى أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبى حنيفة، من الكذب الظاهر ) إهـ إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان .
    وهـذا هو قول شيخ الإسلام رحمه الله : (.. القسم الثانى : وهو أن لا تطلب منه الفعل ولا ندعوه ولكن تطلب أن يدعو لك كما تقول : للحى ادع لي ، وكما كان الصحابة رضوان الله عليهم يطلبون من النبي ، فهذا مشروع في الحي كما تقدم ، وأما الميت من الأنبياء والصالحين وغيرهم فلم يشرع لنا أن نقول : ادع لنا ولا اسئل لنا ربك ، ولم يفعل هذا أحد من الصحابة والتابعين ، ولا أمر به أحد من الأئمة ، ولا ورد فيه حديث ، بل الذي ثبت في الصحيح أنهم لما أجدبوا زمن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال : " اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون " ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلين يا رسول الله ادع الله لنا ، واستسق لنا ، ونحن نشكوا إليك مما أصابنا ، ونحو ذلك لم يفعل ذلك أحد من الصحابة قط ، بل هـو بـدعة مـا أنزل الله بها من سلطان .... وأما القسم الثالث : وهو أن يقول : اللهم بجاه فلان عندك أو ببركة فلان أو بحرمة فلان عندك أفعل بي كذا وكذا ، فهذا يفعله كثير من الناس ، لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين وسلف الأمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء ، ولم يبلغني عن أحد من العلماء في ذلك ما أحكيه إلا ما رأيت في فتاوى الفقيه أبى محمد بن عبد السلام فإنه أفتى أنه لا يجوز لأحد أن يفعل ذلك إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ) إهـ مجموع الفتاوى (27 /70 ) .
    القول الثاني : أنه شرك أكبر وهـو قـول بعضهم
    يقول الإمام المقريزي رحمه الله : ( أقسام الناس في زيارة القبور: والناس في هـذا الباب - أعني زيارة القبور- ، على ثلاثة أقسام : قوم يزورون الموتى فيدعون لهم وهذه الزيارة الشرعية ، وقوم يزورونهم يدعون بهم ، فهؤلاء هم المشركون في الألوهية والمحبة ، وقوم يزورونهم فيدعونهم أنفسهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد " ، وهؤلاء هم المشركون في الربوبية ) إهـ تجريد التوحيد المفيد .
    القول الثالث : أنه مشروع لا شيء فيه قاله بعضهم .
    يقول العلامة الشوكاني رحمه الله : ( وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : أنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث ، ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي في صحيحه ، وابن ماجه ، وغيرهم : أن أعمى أتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله إني أُصبت في بصري ، فادع الله لي ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " توضأ ، وصـل ركعتين ، ثـم قـل : اللهم إني أسألك واتوجـه إليك بنبيك محمد ، يـا محمد إني أستشفع بـك في رد بصري اللهـم شفـع النبي فيًّ " ، وقال : " فإن كان لك حاجة فمثل ذلك " فـرد الله بصره .
    وللناس في معنى هـذا قولان :
    أحدهما : أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال : كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا . وهو في صحيح البخاري وغيره ، فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته في الاستسقاء ، ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته ، وتوسلهم هو استسقاؤهم ، بحيث يدعو ويدعون معه ، فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في مثل هذا شافعاً وداعياً لهم .
    والقول الثاني : أن التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم يكون في حياته وبعد موته ، وفي حضرته ومغيبه .
    ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ، وثبت التوسل بغيره بعد موته ، بإجماع الصحابة إجماعاً سكويتاً ، لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في التوسل بالعباس رضي الله عنه .
    وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، لأمرين :
    الأول : ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم .
    والثاني : أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ، ومزاياهم الفاضلة ، إذ لا يكون الفاضل فاضلاً إلا بأعماله ، فإذا قال القائل : اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني ، فهو باعتبار ما قام به من العلم
    ، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله ، فارتفعت الصخرة ، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركاً كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة من الله لهم ، ولا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم ، لهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل إلى الله بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " ، ونحو قوله تعالى :" فلا تدعوا مع الله أحداً " ، ونحو قوله تعالى : " له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبوا لهم بشيء " ليس بوارد بل هو من الإستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه .
    فإن قولهم : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " مصرح بانهم عبدوهم لذلك ، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يعبده ، بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم ، فتوسل به لذلك . وكذلك قوله تعالى : " فلا تدعوا مع الله أحداً " فإنه نهى عن أن يدعى مع الله غيره ، كان يقول يا الله ، ويا فلان ، والمتوسل باعالم مثلاً لم يدع إلا الله ، وإنما وقع منه التوسل إليه بعمل صالح عمله بعض عبادة ، كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح اعمالهم .
    وكذلك قوله : " والذين يدعون من دونه " الآية ، فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ، ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم ، والمتوسل بالعالم مثلاً لم يدع إلا الله ، ولم يدع غيره دونه ، ولا دعا غيره معه
    فإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجاً زائداً على ما ذكرناه . كاستدلالهم بقوله تعالى : " وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله "
    فإن هذه الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين ، وأنه ليس لغيره من الأمر شيء والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين ، ومن اعتقد هذا لعبد من العباد سواء كان نبياً أو غيره فهو في ضلال مبين
    ... ) إهـ الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد .
    يقول العلامة محمود شكري الألوسي رحمه الله : ( استدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين العباد والقسم على الله تعالى بهم بأن يقال : اللهم إنا نقسم عليك بفلان أن تعطينا كذا ، ومنهم من يقول للغائب أو الميت من عباد الله تعالى الصالحين : يا فلان ادع الله تعالى ليرزقني كذا وكذا ، ويرعمون أن ذلك من باب ابتغاء الوسيلة ، ويروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور ، أو فاستغيثوا بأهل القبور ، وكل ذلك بعيد عن الحق بمراحل .
    وتحقيق الكلام في هذا المقام أن الإستغاثة بمخلوق وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حياً ولا يتوقف على أفضليته من الطالب بل قد يطلب من الفاضل من المفضول ... وأما إذا كان المطلوب منه ميتاً أو غائباً فلا يستريب عالم أنه غير جائز ، وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف .. وأما القسم على الله بأحد من خلقه مثل أن يقال : اللهم إني أقسم عليك أو أسألك بفلان إلا ما قضيت لي حاجتي ، فعن ابن عبد السلام جواز ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم ، ولا يجوز أن يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء ، والملائكة ، والأولياء لأنهم ليسوا في درجته ، وقد نقل ذلك عنه المناوي في شرحه الكبير للجامع الصغير ... ومن الناس من منع التوسل بالذات والقسم على الله تعالى بأحد من خلقه مطلقاً وهو الذي يرشح به كلام المجد ابن تيمية ؛ ونقله عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه ، وأبي يوسف وغيرهما من العلماء الأعلام ... وقد شنع التاج السبكي كما هو عادته على المجد ، فقال : ويحسن التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف والخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم وصار بين الأنام مثلة انتهى .
    وأنت تعلم أن الأدعية المأثورة عن أهل البيت الطاهرين وغيرهم من الأئمة ليس فيها التوسل بالذات المكرمة صلى الله عليه وسلم ... ومن ادعى النص فعليه البيان ، وما رواه أبو داود في سننه وغيره من " أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا نستشفع بك إلى الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك ، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رؤي ذلك في وجوه أصحابه ، فقال : ويحك أتدري ما الله تعالى؟ إن الله تعالى لا يشفع به على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك " لا يصلح دليلاً على ما نحن فيه حيث أنكر عليه قوله : «إنا نستشفع بالله تعالى عليك» ولم ينكر عليه الصلاة والسلام قوله : «نستشفع بك إلى الله تعالى» لأن معنى الاستشفاع به صلى الله عليه وسلم طلب الدعاء منه ، وليس معناه الإقسام به على الله تعالى ، ولو كان الإقسام معنى للاستشفاع فلم أنكر النبي صلى الله عليه وسلم مضمون الجملة الثانية دون الأولى؟ وعلى هذا لا يصلح الخبر ولا ما قبله دليلاً لمن ادعى جواز الإقسام بذاته صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً ، وكذا بذات غيره من الأرواح المقدسة مطلقاً قياساً عليه الصلاة والسلام بجامع الكرامة ، وإن تفاوت قوة وضعفاً ، وذلك لأن ما في الخبر الثاني استشفاع لا إقسام ، وما في الخبر الأول ليس نصاً في محل النزاع ، وعلى تقدير التسليم ليس فيه إلا الإقسام بالحي والتوسل به ، وتساوي حالتي حياته ووفاته صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن يحتاج إلى نص ، ولعل النص على خلافه ، ففي صحيح البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس رضي الله تعالى عنه ، فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون ، فإنه لو كان التوسل به عليه الصلاة والسلام بعد انتقاله من هذه الدار لما عدلوا إلى غيره ، بل كانوا يقولون : اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فاسقنا ، وحاشاهم أن يعدلوا عن التوسل بسيد الناس إلى التوسل بعمه العباس ، وهم يجدون أدني مساغ لذلك ، فعدولهم هذا مع أنهم السابقون الأولون ، وهم أعلم منا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وبحقوق الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام ، وما يشرع من الدعاء وما لا يشرع ، وهم في وقت ضرورة ومخمصة يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير ، وإنزال الغيث بكل طريق دليل واضح على أن المشروع ما سلكوه دون غيره .
    وما ذكر من قياس غيره من الأرواح المقدسة عليه صلى الله عليه وسلم مع التفاوت في الكرامة الذي لا ينكره إلا منافق مما لا يكاد يسلم ، على أنك قد علمت أن الإقسام به عليه الصلاة والسلام على ربه عز شأنه حياً وميتاً مما لم يقم النص عليه لا يقال : إن في خبر البخاري دلالة على صحة الإقسام به صلى الله عليه وسلم حياً وكذا بغيره كذلك ، أما الأول : فلقول عمر رضي الله تعالى عنه فيه : كنا نتوسل بنبيك صلى الله عليه وسلم ، وأما الثاني : فلقوله : إنا نتوسل بعم نبيك لما قيل : إن هذا التوسل ليس من باب الإقسام بل هو من جنس الاستشفاع ، وهو أن يطلب من الشخص الدعاء والشفاعة ، ويطلب من الله تعالى أن يقبل دعاءه وشفاعته ، ويؤيد ذلك أن العباس كان يدعو وهم يؤمّنون لدعائه حتى سقوا ، وقد ذكر المجد أن لفظ التوسل بالشخص والتوجه إليه وبه فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح ، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكون التوسل والتوجه في الحقيقة بدعائه وشفاعته ، وذلك مما لا محذور فيه ، وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى بذلك ويقسم به عليه وهذا هو محل النزاع وقد علمت الكلام فيه ، وجَعل من الإقسام الغير المشروع قول القائل : اللهم أسألك بجاه فلان فإنه لم يرد عن أحد من السلف أنه دعا كذلك ، وقال : إنما يقسم به تعالى وبأسمائه وصفاته فيقال : أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت يا الله ، المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك الحديث ، ونحو ذلك من الأدعية المأثورة ، وما ذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فاسألو الله تعالى بجاهي فإن جاهي عند الله تعالى عظيم " لم يروه أحد من أهل العلم ، ولا هو شيء في كتب الحديث ، وما رواه القشيري عن معروف الكرخي قدس سره أنه قال لتلامذته : إن كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فأقسموا عليه بي فإني الواسطة بينكم وبينه جل جلاله الآن لو يوجد له سند يعول عليه عند المحدثين ، وأما ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءاً ولا سمعة ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أن تنقذني من النار وأن تدخلني الجنة " ، ففي سنده العوفي وفيه ضعف وعلى تقدير أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقال فيه : إن حق السائلين عليه تعالى أن يجيبهم ، وحق الماشين في طاعته أن يثيبهم ، والحق بمعنى الوعد الثابت المتحقق الوقوع فضلاً لا وجوباً كما في قوله تعالى : " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين " سورة الروم : 47 ، وفي الصحيح من حديث معاذ " حق الله تعالى على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحقهم عليه إن فعلوا ذلك أن لا يعذبهم " فالسؤال حينئذٍ بالإثابة والإجابة وهما من صفات الله تعالى الفعلية ، والسؤال بها مما لا نزاع فيه فيكون هذا السؤال كالاستعاذة في قوله صلى الله عليه وسلم : " أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك " فمتى صحت الاستعاذة بمعافاته صح السؤال بإثابته وإجابته .
    وعلى نحو ذلك يخرج سؤال الثلاثة لله عز وجل بأعمالهم ، على أن التوسل بالأعمال معناه التسبب بها لحصول المقصود ، ولا شك أن الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا ، ولا كذلك ذوات الأشخاص أنفسها ، والناس قد أفرطوا اليوم في الإقسام على الله تعالى ، فأقسموا عليه عز شأنه بمن ليس في العير ولا النفير ، وليس عنده من الجاه قدر قطمير ، وأعظم من ذلك أنهم يطلبون من أصحاب القبور نحو إشفاء المريض وإغناء الفقير ورد الضالة وتيسير كل عسير ، وتوحي إليهم شياطينهم خبر " إذا أعيتكم الأمور " إلخ ، وهو حديث مفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثه ، لم يروه أحد من العلماء ، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم : عن اتخاذ القبور مساجد ولعن على ذلك فكيف يتصور منه عليه الصلاة والسلام الأمر بالاستغاثة والطلب من أصحابها؟ا سبحانك هذا بهتان عظيم .
    وبعد هذا كله أنا لا أرى بأساً في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى حياً وميتاً ، ويراد من الجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى ، مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته ، فيكون معنى قول القائل : إلهي أتوسل بجاه نبيك صلى الله عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي ، إلهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي ، ولا فرق بين هذا وقولك : إلهي أتوسل برحمتك أن تفعل كذا إذ معناه أيضاً إلهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا ، بل لا أرى بأساً أيضاً بالإ قسام على الله تعالى بجاهه صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى ، والكلام في الحرمة كالكلام في الجاه ، ولا يجري ذلك في التوسل والإقسام بالذات البحت ، نعم لم يعهد التوسل بالجاه والحرمة عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم . ولعل ذلك كان تحاشياً منهم عما يخشى أن يعلق منه في أذهان الناس إذ ذاك وهم قريبو عهد بالتوسل بالأصنام شيء ، ثم اقتدى بهم من خلفهم من الأئمة الطاهرين ، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وتأسيسها على قواعد إبراهيم لكون القوم حديثي عهد بكفر كما ثبت ذلك في الصحيح ، وهذا الذي ذكرته إنما هو لدفع الحرج عن الناس والفرار من دعوى تضليلهم كما يزعمه البعض في التوسل بجاه عريض الجاه صلى الله تعالى عليه وسلم ... بقي ههنا أمران :
    الأول : إن التوسل بجاه غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس به أيضاً إن كان المتوسل بجاهه مما علم أن له جاهاً عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته ، وأما من لا قطع في حقه بذلك فلا يتوسل بجاهه لما فيه من الحكم الضمني على الله تعالى بما لم يعلم تحققه منه عز شأنه ، وفي ذلك جرأة عظيمة على الله تعالى .
    الثاني : إن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم ، مثل يا سيدي فلان أغثني ، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء ، واللائق بحال المؤمن عدم التفوه بذلك وأن لا يحوم حول حماه ، وقد عدّه أناس من العلماء شركاً وأن لا يكنه ، فهو قريب منه ، ولا أرى أحداً ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أو يسمع النداء ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى وإلا لما دعاه ولا فتح فاه ، وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ، فالحزم التجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله تعالى القوي الغني الفعال لما يريد ) إهـ روح المعاني (6 /124 )
    والله أعلم وأحكم .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    قال الشيخ العالم العلامة عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
    (أما التوسل وهو أن يقول القائل: اللهم إني أتوسل إليك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، أو بحق نبيك، أو بجاه عبادك الصالحين، أو بحق عبدك فلان، فهذا من أقسام البدعة المذمومة ولم يرد بذلك نص، كرفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان).


    وقال الشيخ العالم العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
    (فالشرك في العبادة هو الذي عمت به البلوى في الناس قديما وحديثا كما قال -تعالى-: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ}، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع.
    ولهذا أنكر كثير من أعداء الرسل في هذه الأزمنة وقبلها على من دعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده، وجحدوا ما جحدته الأمم المكذبة من التوحيد، واقتدوا بمن سلف من أعداء الرسل في مسبتهم من دعاهم إلى إخلاص العبادة لله ونسبته إلى الخطأ والضلال، كما رأينا ذلك في كلام كثير منهم كابن كمال المشهور بالشرك والضلال، وقد كمل في جهله وضلاله وأتى في كلامه بأمحل المحال، وقد اشتهر عنه بأخبار الثقات أنه يقول: عبد القادر في قبره يسمع، ومع سمعه ينفع، وما يشعره أنه في قبره الآن رفات كحال الأموات.
    وهذا قول شنيع، وشرك فظيع، ألا ترى أن الحي الذي قد كملت قوته، وصحت حاسة سمعه وبصره، لو ينادى من مسافة فرسخ أو فرسخين لم يمكنه سماع نداء من ناداه، فكيف يسمع ميت من مسافة شهر، أو شهرين، أو دون ذلك، أو أكثر، وقد ذهبت قوته، وفارقته روحه، وبطلت حواسه؟!
    هذا من أعظم ما تحيله العقول، وتنكره الفطر، وفي كتاب الله عز وجل ما يبطله؛ قال الله–تعالى-: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} فأخبر الخبير –جل وعلا- أن سماعهم ممتنع، واستجابتهم لمن دعاهم ممتنعة. فهؤلاء المشركون لما استغرقوا في الشرك ونشئوا عليه أتوا في أقوالهم بالمستحيل، ولم يصدقوا الخبير في إخباره، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}؛ فذكره -تعالى- أنهم أموات دليل على بطلان دعوتهم، وكذلك عدم شعورهم.
    يبين -تعالى- بهذا جهل المشرك وضلاله، فأحق عز وجل في كتابه الحق، وأبطل الباطل ولو كره المشركون، لكن هؤلاء لما عظم شركهم، نزلوا الأموات في علم الغيب منزلة علام الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وشبهوهم برب العالمين، سبحانه وتعالى عما يشركون، قال الله -تعالى-: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ}.
    وليس عند هؤلاء الملاحدة ما يصدون به العامة عن أدلة الكتاب والسنة التي فيها النفي عن الشرك في العبادة، إلا قولهم: قال أحمد بن حجر الهيتمي، قال فلان، وقال فلان: يجوز التوسل بالصالحين، ونحو ذلك من العبارات الفاسدة.
    فنقول: هذا وأمثاله ليسوا بحجة تنفع عند الله، وتخلصكم من عذابه؛ بل الحجة ما في كتاب الله، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم -الثابتة عنه، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها. وما أحسن ما قال الإمام مالك -رحمه الله-: أوَ كلما جاءنا رجل أجدل من رجل، نترك ما نزل به جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم لجدله.

    إذا عرف ذلك، فالتوسل يطلق على شيئين: فإن كان ابن حجر وأمثاله أرادوا سؤال الله بالرجل الصالح فهذا ليس في الشريعة ما يدل على جوازه، ولو جاز لما ترك الصحابة -رضي الله عنهم- من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته كما كانوا يتوسلون بدعائه في حياته إذا قحطوا، وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج بالعباس بن عبد المطلب عام الرمادة بمحضر من السابقين الأولين يستسقون، فقال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، ثم قال: ارفع يديك يا عباس، فرفع يديه يسأل الله -تعالى-، ولم يسأله بجاه النبي-صلى الله عليه وسلم -ولا بغيره.
    ولو كان هذا التوسل حقا كانوا عليه أسبق، وعليه أحرص.
    فإن كانوا أرادوا بالتوسل دعاء الميت والاستشفاع به، فهذا هو شرك المشركين بعينه، والأدلة على بطلانه في القرآن كثيرة جدا؛ فمن ذلك قوله -تعالى-: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، فالذي له ملك السموات والأرض هو الذي يأذن في الشفاعة، كما قال الله -تعالى-: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} وقال -تعالى-: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}، وهو لا يرضى إلا الإخلاص بالأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وغيره.
    وأنكر -تعالى- على المشركين اتخاذ الشفعاء فقال -تعالى-: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، فبين -تعالى- في هذه الآية أن هذا هو شرك المشركين، وأن الشفاعة ممتنعة في حقهم لما سألوها من غير وجهها، وأن هذا هو شرك نزه نفسه عنه بقوله -تعالى-: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
    فهل فوق هذا البيان بيان؟ وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، فكفرهم بطلبهم من غيره أن يقربهم إليه، وقد تقدم بعض الأدلة على النهي عن دعوة غير الله والتغليظ في ذلك، وأنه في غاية الضلال، وأنه شرك بالله وكفر به، كما قال: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}.
    فمن أراد النجاة فعليه بالتمسك بالوحيين الذين هما حبل الله، وليدع عنه بنيات الطريق كما قال -تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم الصراط المستقيم، وخط خطوطا عن يمينه، وعن شماله، وقال: "هذه هي السبل، وعلى كل سبيل شيطان يدعو إليه" والحديث في الصحيح وغيره عن عبد الله ابن مسعود، وكل من زاغ عن الهدى، وعارض أدلة الكتاب والسنة بزخرف أهل الأهواء فهو شيطان.


    فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه آمين
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    ما ذكرته لك قبلا مجرد فاتحة، وإليك مسك الختام

    سئل الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ:
    هل يجوز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم , أو غيره من الأنبياء والمرسلين والصالحين في الدعاء ؟.
    فأجاب: التوسل المشروع , الذي جاء به الكتاب والسنة , هو: التوسل إلي الله سبحانه وتعالى بالأعمال الصالحات , والأسماء والصفات اللائقة بجلال رب البريات , كقوله تعالى حاكيا عن عباده المؤمنين أنهم توسلوا إليه بصالح أعمالهم: (ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا) الآية [آل عمران: 193].
    وكما ثبت في الصحيحين من قصة الثلاثة الذين أووا إلي الغار , فانطبقت عليهم الصخرة , فتوسلوا إلي الله بصالح أعمالهم , الحديث؛ كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه وغيره؛ (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك , أو أنزلته في كتابك , أو علمته أحداً من خلقك , أو أستأثرت به في علم الغيب عندك).
    وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمزي وغيره: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السماوات والأرض، ياذا الجلال والإكرام، ياحي ياقيوم " وفي الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه: " أسألك ياالله يا رحمان بجلالك ونور وجهك " الحديث، وأمثال ذلك.
    فهذا كله أمر مشروع، لا نزاع فيه، وهو من الوسيلة التي أمر الله بها في قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) [المائدة: 35] وكذلك التوسل إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته، وبدعاء غيره من الأنبياء والصالحين في حياتهم، فهذا كله مستحب، كما توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وشفاعته في حياته، وتوسلوا بدعاء العباس بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم وبدعاء يزيد بن الأسود الجرشي.
    وأما التوسل بجاه المخلوقين، كمن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، فهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر العلماء على النهي عنه، وحكى ابن القيم رحمه الله تعالى: أنه بدعة إجماعا، ولو كان الأنبياء والصالحون لهم جاه عند الله سبحانه وتعالى، فلا يقتضى ذلك جواز التوسل بذواتهم وجاههم.
    لأن الذي لهم من الجاه والدرجات، أمر يعود نفعه إليهم، ولا ننتفع من ذلك إلا باتباعنا لهم ومحبتنا لهم، والله المجازي لنا على ذلك.
    وأما التوسل بذواتهم مع عدم التوسل بالإيمان والطاعة فلا يكون وسيلة، ولأن المتوسل بالمخلوق إن لم يتوسل بما يحصل من المتوسل به من الدعاء للمتوسل أو بمحبته واتباعه فبأي شيء يتوسل ؟!
    قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى، في كتاب: الاستغاثة، مازلت أبحث وأكشف ماأمكنني من كلام السلف، والأئمة، والعلماء، هل جوز أحد منهم: التوسل بالصالحين في الدعاء، أو فعل ذلك أحد منهم، فما وجدته، ثم وقفت على فتيا للفقية أبي محمد بن عبد السلام، أفتى بأنه لايجوز التوسل بغير النبي صلى الله عليه وسلم وأما بالنبي صلي الله عليه وسلم فجوز التوسل به إن صح الحديث في ذلك.
    وذكر القدوري في شرح: الكرخي، عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز أن يسأل الله بالأنبياء , انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى؛ قال القدوري: المسألة بخلقه لا تجوز , لأنه لا حق للمخلوق على الخالق , فلا تجوز معنى , وفاقاً , انتهى.
    وقد احتج من أجاز المسألة بالمخلوقين بأمور , الأول: ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري , قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خرج من بيته إلى الصلاة فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا " الحديث.
    فالجواب: إن الحديث في إسناده عطية العوفي , وفيه كلام , ضعفه الإمام أحمد , والثوري , وهشيم , وأبو زرعة , وأبو حاتم , والجوزجاني , والنسائي , وابن حبان , وقال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب , وقال ابن معين: صالح؛ وقال ابن سعيد كان ثقة إن شاء الله تعالى. وبتقدير ثبوته , هو: من التوسل المستحب , فإن حق السائلين عليه أن يجيبهم , وحق المطيعين له أن يثيبهم , فالسؤال له , والطاعة سبب لحصول الإجابة وإثابته.
    والثاني: ما رواه الحاكم في المستدرك وصححه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم , عن أبيه عن جده , عن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما اقترف آدم الخطيئة , قال: رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي " الحديث.
    فالجواب: إن هذا الحديث ساقط , لأن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف بالاتفاق , ضعفه: مالك , وأحمد ,وابن معين، وابن المديني، وأبو زرعه، وأبو داود، وابن سعد , وأبو حاتم , وابن خزيمة , وابن حبان , قال ابن الجوزي: أجمعوا على ضعفه
    فهذا كما ترى تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو: هو. وقال الحافظ الذهبى في تلخيص المستدرك لما ذكر الحاكم هذا الحديث فقال: هذا صحيح، قال الذهبي: أظنه موضوعا , ثم هو مخالف للقرآن , لأن الله عزَّ وجلَّ ذكر قصة آدم عليه السلام وتوبته وتوسله , ولم يذكر الله أنه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
    الثالث: ما رواه الترمذي والنسائي في اليوم والليلة , وابن شاهين والبيهقي وصححه الترمذي عن عثمان بن حنيف " أن رجلاً ضرير البصر أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني , فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك , قال: فادعه , فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه , ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة , إني توجهت بك إلي ربي في حاجتي هذه لتقضى , اللهم فشفعه في " هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي جعفر , وهو غير الخطمي , هذا لفظ الترمذي , وقال بعضهم: هذا يدل على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا غير.
    والجواب: إن هذا التوسل هو الذي ذكره عمر رضي الله عنه لما استسقى بالعباس رضي الله عنه، فذكر أنهم يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ثم توسلوا بعمه العباس بعد موته وتوسلهم به هو: دعاؤه , ودعاؤهم معه , فيكون وسيلتهم إلى الله تعالى , وهذا لم يفعله الصحابة في حق النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته , ولا في مغيبه.
    والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعا لهم داعيا لهم , ولهذا قال في حديث الأعمى: " اللهم فشفعه في " فعلم أن النبي صلى الله علي وسلم شفع له , فسأل الله أن يشفعه فيه.
    قلت: من تأمل هذا الحديث , علم صحة هذا , فإنه صريح في أن الأعمى أتاه فقال: ادع الله أن يعافيني , فقال: " إن شئت دعوت , وإن شئت صبرت فهو خير لك؛ قال: فادعه "فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دعى له , وأن الأعمى سأل ربه أن يشفعه فيه , بأن يستجيب دعاءه صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كافٍ في حكم هذه المسألة.
    واعلم: أن التوسل بذات المخلوق , أو بجاهه: غير سؤاله , ودعائه. فالتوسل بذاته , أو بجاهه أن يقول: اللهم اغفر لي , وارحمني , وأدخلني الجنة بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم , أو بجاه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ,ونحو ذلك , فهذا بدعة ليس بشرك.
    وسؤاله ودعاؤه , هو أن يقول: يا رسول الله اسألك الشفاعة ,أو أنا في كرب شديد , فرج عني , أو استجرت بك من فلان , فأجرني , ونحو ذلك , فهذا كفر , وشرك أكبر ينقل صاحبه عن الملة ,لأنه صرف حق الله لغيره , لأن الدعاء عبادة لا يصلح إلا لله , فمن دعاه , فقد عبده , ومن عبد غير الله , فقد أشرك , والأدلة على هذا أكثر من أن تحصر.
    وكثير من الناس لا يميز ولا يفرق بين التوسل بالمخلوق، أو بجاهه، وبين دعائه، وسؤاله، فافهم ذلك وفقنا الله وإياك لسلوك أحسن المسالك.
    وبهذا يظهر جواب المسألة الثانية , وهي: إذا وجد نحو ذلك في تصنيف بعض العلماء , هل له محمل أم لا , والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    فهل عرفت الآن الحق، أم ما زلت تنقل وأنت لا تعرف ما تنقل ولم تنقل وفيما تنقل، فاتق الله ودع إصدار الأحكام من كيسك، فهذه مسائل عقدية الزيغ فيها مهلكة، فلا تهلك نفسك وتهلك إخوتك معك.

    إنا لله وإنا إليه راجعون
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الإمام الدهلوي مشاهدة المشاركة
    وخالف الإمام الذهبي في ذلك فقال رحمه الله ( وكذلك القول في سجود المسلم لقبر النبي على سبيل التعظيم والتبجيل لا يُكفّر به أصلاً بل يكون عاصياً ، فليعرف أن هذا منهي عنه ، كذلك الصلاة إلى القبر ) إهـ معجم الشيوخ (1/73 ) .
    جزاك الله خيرا... ما المقصود من الصلاة الى القبر في كلام الامام الذهبي رحمه الله تعالى.
    و بارك الله فيكم

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    للرفع

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    556

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    أخي الكريم وفقك الله تعالى
    ----------------
    روى الإمام مسلم في صحيح أبي مرثد الغنوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ) .
    يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " فيه تصريح بالنهي عن الصلاة إلى المقبرة ، قال الشافعي رحمه الله : وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس ) إهـ المنهاج في شرح مسلم .
    وقـال العلامة الصنعاني رحمه الله : ( وفيـه دليـل على النهي عن الصلاة إلى القبر ، كمـا نهى عـن الصلاة على القـبر ، والأصل التحريم ، ولـم يذكر المقدار الـذي يكون بـه النهي عـن الصلاة إلى القبر ، والظاهر أنـه مـا يعـد مستقبلاً لـه عرفـاً ) إهـ سبل السلام (1 /314 ) .
    فالصلاة إلى وعلى القبور محرمة وهي من الكبائر كما عدّها الفقيه ابن حجر الهيتمي في كتابه ( الزواجر عن أقتراف الكبائر )
    فقال رحمه الله : ( واتخاذ القبر مسجداً معناه الصلاة عليه أو إليه .. وأورد كثير من الأحاديث في هذا المعنى ثم قال : تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً ) إهـ (1/285 )
    قال المـلا علي القاري رحمه الله : ( ولا تصلوا : أي مستقبلين إليها لما فيه من التعظيم البالغ ، لأنه من مرتبة المعبود ، فجمع بين الإستحقاق العظيم والتعظيم البليغ قاله الطيبي ، ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم ، فالتشبه به مكروه ، وينبغي أن تكون كراهة تحريم ، وفي معناه بل أولى منه الجنازة الموضوعة وهو مما ابتلى به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ) إهـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2 /372 ) .
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ولا تصح الصـلاة في المقبرة ، ولا إليها والنهي عـن ذلك إنمـا هـو لسد ذريعة الشرك ) إهـ الإختيارات (67 )
    فلعل الإمام الذهبي رحمه الله قصد هـذا المعنى .
    والله أعلم .

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    215

    افتراضي رد: هل اختلف علماؤنا في تحديد كون بعض الأفعال شركاً أكبر أو أصغر ؟

    جزاك الله خيرا أخي الفاضل
    فعلى هذا حتى السجود الى القبر تعظيما للقبر لا يراه الامام الذهبي-رحمه الله تعالى- شركا و لا كفرا أكبر ؟

    و بارك الله فيك

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •