التربية بين العودة للإسلام وتقليد الغرب




منال عبد الكريم


تعد قضية التربية في وقتنا الحاضر من أخطر القضايا التي تواجهنا كمجتمع مسلم، فكل من تصدى للتربية سواءً كان أباً أم أماً أم معلماً يجد أمامه العديد من التحديات والعقبات، فالمجتمع بات مستقبلاً سلبياً لكل ما يفد إليه من عادات غربية غير إسلامية، فانبهار الشباب بالثقافة الغربية جعلهم يجدون في تقليد الغرب مظهراً من مظاهر التقدم والرقي.

وساهم في ذلك عصر العولمة والإنترنت والفضائيات؛حيث أصبح العالم قرية صغيرة وبالتالي أصبح من السهولة بمكان لدى شبابنا الاطلاع أكثر على ثقافات الشعوب الغربية وتقليدها تقليداً أعمى، وليت هذا التقليد يكون فيما هو إيجابي أو مثمر، لكنه مجرد تقليد لأمور شكلية من حيث المظهر وطريقة الحياة والعلاقات الغير منضبطة بين الشباب والفتيات.



وهنا لابد لنا من وقفة متفحصة لما آل إليه حال الشباب العربي، حيث أسهم الفراغ لدى الشباب وعدم وجود قضية محورية يعيشون من أجلها، كذلك غياب القدوة المؤثرة من حياتهم إلى جانب الفهم السطحي للدين، واعتبار أن التدين تزمت ورجعية، كل ذلك أسهم في ذوبان شخصية كثير من الشباب وتميعها.

والحل يكمن في العودة إلي المعين الصافي للتربية، والذي ربى أجيالاً هي خير أجيال عرفتها البشرية، وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تربوا على القرآن. فهموه كما ينبغي أن يُفهم، فأصبحوا فرساناً بالنهار رهباناً بالليل، قادوا الجيوش وحكموا الأرض وهم في ريعان الشباب.



نحـن في حاجة إلى أن نعيد صياغة مجتمعاتنا العربية من خلال التربية السليمة المتأنية المرتكزة على ما جاءت به تعاليم الإسلام، فنركز على التربية الإيمانية لأبنائنا، من خلال الحفاظ على الصلوات، وتلاوة القرآن والذكر والصدقات، ومتابعتهم في ذلك وتحفيزهم.


كما نهتم أيضاً بالتربية الاقتصادية، فنعلمهم كيف يتعاملون مع المال كسباً حلالاً وإنفاقا معتدلاً.



ونهتم بالتربية البدنية فنحثهم على ممارسة الرياضة بانتظام لتقوية أجسادهم.

كما نهتم بالتربية السلوكية والمعاملات، ونضرب لهم القدوة والمثل في معاملاتنا وسلوكياتنا.

وهكذا نهتم معهم بجميع نواحي شخصيتهم فنصل إلى تربية متوازنة سليمة تنتج لنا أفراداً أسوياء، أقوياء الشخصية، واثقين بأنفسهم، معتزين بإسلامهم وحضارتهم، قادرين على حمل رسالة هذا الدين العظيم، فيفخرون بإسلامهم وعروبتهم، ويجدون في تطبيق تعاليم الإسلام الحنيف ما تهفو له نفوسهم من تميز وتقدم، وما ترنو له قلوبهم من استمتاع بالحياة ومباهجها، لكن في إطار شرعي نظيف.



فالإسلام دين شامل يستوعب جميع مناحي الحياة، يدعو إلى العمل والاجتهاد والتميز والتفوق، ولعل السبب في تراجع المسلمين ابتعادهم عن تعاليم هذا الدين الحنيف، فلقد ملك المسلمون الدنيا قروناً طويلة، وكانت بلادهم منارة للعلم والتعلم، فلابد لنا من أن نعي هذه الحقائق جيداً، ونوضحها لأبنائنا، فيصبح راسخاً في أذهانهم أنه لا تقدم ولا تفوق إلا بالرجوع إلى هذا الدين، وإلا فإنها ستكون نجاحات مبتورة.

ولعل الكثير من شباب المسلمين لا يجد من يوضح لهم هذه النقاط، فتكون النتيجة دائماً هي البحث عن التميز والتقدم في ظل حضارات الغرب وثقافاته المادية، ولعل المتفحص للتاريخ يري كم كان الغرب يغرق في ظلمات الجهل والتأخر يوم أن كان للمسلمين حضارة مستنيرة في بلاد الأندلس، بل والأكثر من ذلك أن بلاد الأندلس كانت قبلة لأبناء صفوة المجتمع الغربي يتلقون فيها التعليم والتنوير على أيدي علماء المسلمين، لكن من يبين هذا ويوضحه ؟!!..



لذا فإنه من الحتمي أن تتضح هذه النقاط في أذهان الآباء والأمهات والمربين، وبالتالي يتم توريثها لأبنائنا فيشبون على حب هذا الدين وفهمه فهماً سليماً بعيداً عن الغلو أو التفريط، فتنشأ لدينا أجيال متميزة مبدعة تحمل الإسلام كهوية ومنهج حياة، وليس كديانة تكتب في بطاقة إثبات الشخصية فقط، أجيال تعيد لنا مجداً فقدناه، وتحمل هم هذه الأمة وتحرك قضاياها المصيرية، أجيال ربانية نورانية تحمل عبق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخيار.


وقتها ووقتها فقط نستطيع أن نقول: إننا نجحنا في رسالة التربية التي نتصدى لها.