سورة (الفاتحة) أجملت مقاصد القرآن العظيم ، فدار محورها على نقاط ثلاث ، هي ما جاءت سور القرآن السورة تلو السورة بتفصيله ، هذه النقاط هي :
١ - تقرير ربوبية الله تعالى ، وتفرده بها ، وبيان دلالة آثارها على أسمائه وصفاته ونعوت جلاله تعالى ؛ لتقرير استحقاق تعالى الألوهية بلا شريك ، قال تعالى : (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين).
٢ - بيان طريقة تلك العبادة ، بالأمر بطاعته تعالى والاعتصام بكتابه ، والأمر باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعته ، والأخذ بسنته ، والتحاكم إليه مع تمام الرضا والتسليم ؛ لذلك بين الله تعالى تشريعات الإسلام الذي ارتضاه لعباده دينا ، فبين لهم تشريعات الإيمان ، والولاية ، والحكم ، وبين لهم التشريعات المتعلقة بهم كأفراد ، وجماعة وأمة ، ومنها الأخلاق : ( اهدنا الصراط المستقيم).
٣ - بيان جزاء وعاقبة الطائعين ، وجزاء وعاقبة العاصين ، وبيان صفات كل ، للاتزام سبيل المفلحين ، والاتصاف بصفاتهم ، والكون معهم ، وتجنب سبيل المغضوب عليهم والضالين ، وحذرهم ، وحذر الشيطان الرجيم ، أصل كل غواية وشر : ( نعبد ، نستعين ، اهدنا) ، (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
وإن الناظر في آي وسور القرآن الكريم كله لا يجده يخرج عن هذه الثلاثة ، إلا أن سور القرآن من بعد الفاتحة لم تشبه سورة أخرى في جوها الخاص في عرض ذلك ، وإن تشابهت بعضها من حيث الجملة ، فاهتمت سور القرآن بعرض تلك الثلاثة ، مجتمعة ، أو غير مجتمعة ، ونظرت كل سورة نظرة خاصة غير التي نظرتها السورة الأخرى ، واتفقت جميعها في عرض الثلاثة سالفة الذكر.