ليس من الإسلام تصيد الأخطاء



مصطفى دياب


من طبيعة البشر أنهم مختلفون، ولكن كيف إذا اختلفنا ونحن جميعا يجب أن يكون هدفنا نصرة الدين ورفع راية التوحيد ؟ فقد يظن بعض من ينسب نفسه إلى التدين أنه إذا اختلف مع غيره كان من حقه أن يتهمه زورا وبهتانا بما ليس فيه حتى يُشوِّه صورته، ويكسر شوكته، ويُسقط هيبته.

وقد يظن ذلك طريقا للنصر, وأقول: ليس الطريق من هنا، وقد يظن أحدهم أنه لو تصيد الأخطاء، وتتبع العورات، وشنّع بخصمه فقد انتصر عليه وأظهر فكرته، وأقول أيضا: ليس الطريق من هنا، وقد يظن بعضهم أنه لو شوّه مراد خصمه واقواله، وعمل على فضحه واتهمه زورا بالفسق والفجور والنفاق والرده عن الطريق وغيرها من التهم وسوء الخُلق، معتقدا أنه بذلك سوف تُرفع له راية أو تتحقق له غاية، أو أن ذلك طريق للنصر، أقول: ليس الطريق من هنا، بل أدعوهم جميعا ليبصروا الطريق، ويتدبروا قوله -تعالى-: {إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فنصر الله لا يكون بالبذيء من القول ولا الفاحش من الألفاظ ولا بالكذب والزور والبهتان، إنما نصر الله يكون بالصدق والإيمان والعمل الصالح ومحاسن الأخلاق، وإقامة الشرع والدين على النفس والمجتمع والأوطان.

قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِح الأَخْلاقِ» «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاق». وقال الأحنف بن قيس: «ألا أخبركم بأدوأ الداء؟قالوا بلى، قال: الخُلق الدنيء واللسان البذيء».

فيا أصحاب (الهاشتاجات) والتعليقات على صفحات (الفيس بوك) ومواقع التواصل، اعلموا أن ما تكتبونه اليوم هنا سوف ترونه يوم القيامة في صحائف أعمالكم، وأخشى أن يُسوِّل لكم الشيطان أنكم ستجدون البذيء الذي قلتم مع صالح أعمالكم. «ما أحسب أحدا تفرغ لعيوب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه».

فكيف إذا كان يتصيد ويفتش عن الكلمات والمواقف ليزيفها، أو يخرجها في غير مقامها ووقتها فيفهمها الناس على غير مرادها، ويُفتن بها الناس، وقد يضلون بسبب تزييفه وهو لايعبأ، والمهم عنده تحطيم خصمه ولو بالزور، وما يدري المسكين قول بكر بن عبد الله المُزَنيّ: «إذا رأيتم الرجل مُولعاً بعيوب الناس ناسيا لعيوبه فاعلموا أنه قد مُكِرَ به».

ولذا أقول لمن انحرف عن الطريق: عُد ولا تُكابر قبل أن يُدركك الغرق: «ما أضيق عيش من ساء منه الخُلق وما أشد بلاء من ابتُلي بسوء الأخلاق!»، وقال صلى الله عليه وسلم : «.... وإن سوء الخلق ليُفسد العمل كما يُفسد الخل العسل»

وقال صلى الله عليه وسلم : ««أَتَدْرُونَ من الْمُفْلِسُ.. «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ».

أخي المخالف: ليس الطريق من هنا، وأدعوك أن تتحسس معالم الطريق الصحيح لتسلكه وتغير الاتجاه قبل أن تندم، قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْ هُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ».

أخى: الطريق من ها هنا: {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الح جرات: 10)، الطريق من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}(الحجرات: 11 - 12).


أخي: الطريق من قوله صلى الله عليه وسلم : «لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا..»، فاسلك طريق الهدى ولايضرك قلة السالكين، وإياك وطُرق الضلاله! ولايغرك كثرة الهالكين.