(الذين لا يرجون لقاءنا)



أحمد عباس



أمرنا الله تعالى أن نرجو لقاءه وحذر سبحانه وتعالى في أكثر من آية من آيات الكتاب العزيز من مغبة عدم رجاء لقاء الله، لكن السؤال الذي يجب أن نقف أمامه طويلاً هو عن معنى رجاء لقاء الله تبارك وتعالى.

إن الرجاء هو استعمال المقدمات من أجل الوصول إلى النتائج فمن يرجو النجاح هو من يقوم باتخاذ الخطوات اللازمة لتحصيل هذه النتيجة ومن يرجو أن يكون ثريًا يقوم ببذل الجهد والسير في الإجراءات التي يمكن أن تكفل له هذه الغاية.

إذن الرجاء هو استعمال المقدمات من أجل الوصول إلى النتائج، اما مجرد رغبة النتائج بدون استعمال المقدمات والانطلاق منها على طريق الوصول إليها، فهذا لا يسمى بالرجاء وإنما هو التمني.

والله عز وجل يريد من المؤمنين والمؤمنات أن يرجوا اليوم الآخر وأن يرجوا لقاءه وأن يرجوا جنته، وهذا يتضمن أن يستعملوا المقدمات والمعطيات المتاحة أمامهم لكي يصلوا إلى النتيجة الحتمية، فكل إنسان يتأمل ويتفكر في واقع نفسه وواقع الحياة من حوله يتفكر في خلقه وخلق الكون يتأمل في الأحداث والظروف والوقائع والتدابير سيصل يقينًا إلى أن اليوم الآخر حق وأنه ميعاد لا ريب فيه آت بلا أدنى شك، وهذا اليقين في الآخرة لابد أن يدفع الإنسان إلى الانطلاق من مقدمات واضحة لتحقيق نتيجة جلية.

المقدمات التي يلزم للمؤمن أن يضعها في حسبانه لكي يصل إلى الجنة وإلى رضا الله تعالى هي تعظيم اليقين في اللقاء ثم تسليم القلب لصاحب اليوم الآخر ومالكه، ثم المسارعة في الخيرات والمبادرة إلى الصالحات بهمة عالية وثقة متجددة واحتساب لا يفتر، وكلما زاد المؤمن في طاعاته وعباداته وخضوعه القلبي والوجداني واشتياقه وحنينه إلى دار السلام، كلما كان أصدق في الرجاء وكلما كان أوفى مع خالقه ومدبر أمره في أنه يرجو الآخرة وليس مجرد متمنيًا للفوز بالجنة.

على الجانب المقابل نجد أن الذين لا يرجون لقاء الله أي الذين لا يستعملون المقدمات من أجل الوصول إلى النتيجة الحتمية وتمر بهم الأيام والشهور والسنين وهم لا يرجون هذا اللقاء الحق ويكتفون فقط بالتمني المحفوف بالشكوك والظنون ولا يبذلون جهدًا قلبيًا من أجل اكتساب اليقين والرسو على شاطىء التسليم والثبات، هؤلاء تصيبهم حالة تلقائية وهي أنهم يرضون بالحياة الدنيا، وهذا الرضا بالدنيا يعني أنهم لا يطلبون ما هو أبعد منها بل ترتضي عقولهم وقلوبهم وأرواحهم كونها نهاية المطاف، فالرضا بالشيء معناه عدم الارتقاء إلى ما هو أبعد من هذا الشيء، ومن ثم فهؤلاء الذين لا يرجون لقاء الله هم في حقيقة الأمر يرضون بالدنيا ويرونها المحطة الأخيرة في رحلة حياتهم.

وليت عدم رجاء لقاء الله جل في علاه يتوقف عند حدود الرضا بالحياة الدنيا بل إنه يتجاوز ذلك إلى الاطمئنان بها والاطمئنان بالشيء مرتبة أكبر من مرتبة الرضا به فالراضي بالشيء المكتفي به ولا يطمح إلى ما بعده قد يكون خائفًا من زوال هذا الشيء في يوم من الأيام أو فواته أو ضياعه، أما المطمئن بالشيء فهو الذي أمن قلبه من احتمال فقدان هذا الشيء أو تفلته من بين يديه، وعليه فإن من لا يرجو لقاء الله سيرضى بالدنيا وسيطمئن بها ولا يظن أنها ستزول عنه أو يزول هو عنها من الناحية الواقعية الفعلية، فحتى لو أعلن بلسانه أنه يعلم أنه صائر إلى الموت فإنه مطمئن في داخل نفسه إلى اللحظة القادمة من حياته الدنيوية لا يخشى من زوال متاعها أو تحوله عنه.

وتأتي العقوبة الثالثة والقاصمة لمن لا يرجون لقاء الله وهي أنهم يكونون عن ءايات الله غافلين، وهذه بالفعل هي الطامة الكبرى فالغفلة عن ءايات الله تعالى سواء كانت ءايات في النفس أو في الأرض هي قمة العمى والخذلان والحزن وهي قمة الضلال، فآيات الله جل وعلا ليست فقط تهدي إلى أن يؤمن الإنسان تصديقًا بكلام الله وموعوده، وإنما تؤدي هذه الآيات دورًا أعظم في حياة الإنسان فهي الحادي الذي يحدوه في طريقه نحو تحقيق ما يرجوه، ومتى تملكت الغفلة من قلب إنسان فإنه لا يتأثر بآية ولو رآها ولا يهتز لآية ولو كانت محيطة به متغلغلة في كيانه.