مواقع التواصل الاجتماعي أم القطيعة الاجتماعية؟!

علي صالح طمبل







قيل لفتاة تمسك بجوالها وتتابع أحد مواقع التواصل الاجتماعي: إن خالتك قد قدمت إلى المنزل؛ فتعالي لتسلمي عليها. فقالت ببرود: - لاداعي لأني قد التقيت بها قبل لحظات في الفيسبوك!

وزار ضيف أسرة فوجد فيها شابا مستلقيا على السرير، وهو يمسك جواله، ويضغط على أزراره بانهماك، فسلم الضيف عليه، فجلس الشاب لثوان صافحه فيها، ثم عاد ليستلقي في السرير، وينشغل مع جواله كأن الضيف غير موجود!

وبينما كانت شابة تنتظر المواصلات وسط جمع من الناس وهي عاكفة على جوالها ذي الحجم الكبير، إذا بدراجة بخارية على متنها شابان تقترب منها دون أن تشعر بها، وحينما أصبحت في محاذاتها مد الشاب الجالس في مؤخرة الدراجة البخارية يده بسرعة، ليخطف الجوال من يد تلك الفتاة، وتنطلق الدراجة تاركة خلفها الدهشة التي عمت جميع المنتظرين، دون أن يستطيع أحد أن يفعل شيئا، بينما أصاب الفتاة الذهول، فما كان منها إلا أن جلست على اﻷرض وأجهشت بالبكاء!


فهل أصبحت ما يسمى مواقع التواصل الاجتماعي بعالمها الافتراضي بديلا للتواصل المباشر؛ حتى تنوب عن صلة اﻷرحام وزيارة الجيران واﻷصدقاء والحديث المباشر مع الناس؟!

صار أمرا معتادا أن ترى الناس يمسكون بهواتفهم الذكية أو أجهزة (اللابتوب)

ويندمجون مع مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في الشارع أم في المواصلات العامة أم في مقاعد الانتظار أم وسط جمع من الناس يتجاذبون أطراف الحديث، أم داخل البيت في وجود أفراد اﻷسرة؛ حتى وصل اﻷمر عند بعضهم إلى درجة أقرب للإدمان.

إن المشكلة لا تكمن فقط في الوقت الذي تستنزفه مواقع التواصل الاجتماعي من وقت الشخص يوميا، لدرجة أن الواحد صار وثيق الصلة بجواله، يتفقده من حين ﻵخر، ولا يحتمل فراقه لحظة واحدة، ويحزن أشد الحزن إن فقده، بينما لا يفعل الشيء نفسه مع المصحف مثلا!

لا تكمن المشكلة فحسب في الوقت الذي تهدره مواقع التواصل الاجتماعي، بل في أن الوقت يضيع فيما لا طائل من ورائه في أحاديث فارغة المحتوى وموضوعات تافهة ممجوجة، ونكات هابطة تسيء إلى الدين حين تتناول الجنة والنار والصلاة وأهل الدين، وتؤجج الفتن والعصبية حين تسخر من القبائل واﻷنساب! فضلا عن إضاعة الوقت في الاطلاع على اﻷحاديث الباطلة والضعيفة دون تثبت من صحتها، وقراءة المخالفات العقدية واﻹلحاد والبدع والمخالفات الأخلاقية والتأثر بها سلبا؛ والوقوع ضحية الاحتيال والابتزاز والدجل والغش؛ وكل ذلك على حساب دين المرء وأخلاقه وعلاقاته الاجتماعية!

ولكننا نعود فنقول: إن مساحة الخير الموجودة في مواقع التواصل الاجتماعي كبيرة إذا أحسنا استخدامها دون إسراف وتضييع للوقت، فمن الناس من يستخدم هذه المواقع في الدعوة إلى الله جل وعلا، بتصحيح العقيدة، وتزكية النفوس، وترقية اﻷخلاق، ونشر الخير وبث قيم التكافل والتراحم والتواصل بين اﻷرحام؛ ليختار أن يقدم أعمالا جليلة تمثل صدقة جارية، له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة في هذا الفضاء المعلوماتي الضخم؛ بينما اختار آخرون الطريق اﻵخر، وهو أن يخلفوا وراءهم سيئات جارية تبلغ اﻵفاق، عليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وتكون حسرة وندامة عليهم، ولات ساعة مندم!