تربية الأحباب .. بجميل الألقاب (1_2)
سحر شعير
لا يزال المربي الفعّال يبحث عن كل ما يساعده، في أداء مهمته السامية على أحسن الوجوه، مهمة بناء النفوس وتهيئتها للترقي والصعود في معارج الفضيلة والأخلاق.
ومن أول ما يعرض للمربي في مسيرته اختيار الاسم الحسن لولده،و قد أمر الله تعالى باحسان تسمية الولد،وجعل ذلك من الحق الواجب له على والده،قال صلى الله عليه وسلم:"إن من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه،وان يحسن أدبه" رواه البزار:ج:8،ص:47- وأخرجه الهيثميّ في مجمع الزوائد.
وذلك لأن الاسم يعتبر واجهة لصاحبه، ويتبع ذلك اللقب الذي يخلعه الوالدان على الأبناء، فإن تلقيب الولد من شأنه أن يشعره بالتقدير، والثقة، كما أنه يدفعه إلى المعالي، فإذا كان اللقب حسناً: أثار المعاني الخيرة في نفس حامله كلما دعاه داعٍ؛ فتطيع جوارحه آثار تلك المعاني حتى تصبح خلقاً له.
ولقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم بعض أنبيائه بألقابهم الإيجابية،على سبيل المدح والتشريف لهم،مثال ذلك: وصف الله تعالى لسيدنا عيسى عليه السلام بـ"المسيح"،قال عزّ وجلّ:"إذ قالت الملائكة يا مريم إنَّ الله يبشّرُكِ بكلمةٍ منه اسمه المسيحُ عيسى ابن مريمَ وجيهاً فِي الدنيا والآخرة ومِنَ المُقَرَبِين،وي كلّم النَّاسَ فِي المَهدِ وكهلاً وَمِنَ الصَالِحِين"-آل عمران:45- 46
فالمسيحُ لقب من الألقاب المشرفة،وأصله "مشيحا" بالعبرانية وتعني:المبارك، كما ورد على لسان المسيح في سورة مريم:"وجعلني مباركاً أينما كنت"،وقيل في تفسيرها: أنه سمّيَ مسيحاً لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا بريء منها.
أو لأنه كان يمسح الأرض بالسياحة لا يستوطن مكاناً،وقيل لأنّ جبريل مسحه بجناحيه وقت الولادة ليكون عَوْذَةً من الشيطان الرجيم.(الكشاف-الزمخشري:1:390،روح المعاني للألوسي:3:161).
وكذلك يطلق اللقب الحسن إذا أُريد به تشريف المخاطب أو تحفيزه لمزيد من العمل والإبداع، كما كان يفعل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام فيختار لهم ألقاباً إيجابية تنطق بالصدق وتوحي بالخير، فأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، لقبه النبي بلقب(أمين الأمة)، فعندما أراد أن يرسله مع وفد نجران ليعلمهم السنة والإسلام قال:"قم يا أبا عبيدة،وأخذ بيده وقال:هذا أمين هذه الأمة"_رواه البخاري:3/1369.
ولقّب خالد بن الوليد رضي الله عنه (سيف الله المسلول)،قال :"لا تؤذوا خالد فإنه سيف من سيوف الله صبّه الله على الكفار"- راجع صحيح ابن حبّان:15/565
ولا ننس اللقب الخالد الذي لُقب به البطل المجاهد يوسف بن أيوب، فقد لقبه عمه "أسد الدين شيركوه"ب"صلاح الدين"وهو بعد طفل صغير، فكان من أمره أن حقق الله تعالى على يديه ما تمناه عمه في هذا اللقب، فأصلح الله به الدين وجعل تحرير القدس من أيدي الصليبيّين على يديه، وشاع لقبه حتى أصبح يعرف به أكثر من اسمه،فالكل يعرفه بـ :البطل المجاهد "صلاح الدين الأيوبي".
ولكن أحياناً..يفرّط الأحباب في منح جميل الألقاب..!
فمع تزايد ضغوط الحياة على الآباء والأمهات من جهة، وجهل كثير منهم بأصول التربية الصحيحة وبحقوق الأبناء على آبائهم، من جهة أخرى؛قد تضيق أنفسهم عن استيعاب الأطفال والصبر عليهم إذا أخطأوا؛ فتجري على ألسنتهم الشتائم والعبارات الجارحة، وقد يصيرونها ألقاباً ينادي أحدهم ولده بها، بل قد يروْنها من ضرورات التأديب، لأن الولد لا يطيع والديه إلا إذا وجهت إليه الشتائم...!!
وقد نهانا الله تعالى عن التنابز بالألقاب، وسماه في كتابه العزيز فسوقا، قال تعالى:"ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون"-الحجرات:11، ومعنى النبز: لقب السوء،وهو الاسم الذي يسوء الإنسان سماعه ،وتنابزوا بالألقاب أى:لقّب بعضهم بعضاً بأسماء سيئة،أو نادوا بعضهم بتلك الأسماء المكروهة.(تفسير القرطبي،ج16/329 ابن كثير:ج:4/213).
ولخطورة الألقاب السيئة على الفرد والأسرة والمجتمع،كان هذا النداء الإلهي،ومعناه: لا يسمينّ أحدكم غيره بلقب سوء أو يناديه باسم يكرهه.
وتتعدد صور التنابز بالألقاب، فمنها: تعيير التائب بسيئات قد تاب منها، ويدخل في ذلك تعيير الطفل بأخطائه القديمة.
ومنها :أن تقول لأخيك أو ولدك: يا كلب يا حمار يا خنزير، أو تسميه بالأعمال السيئة،مثل: يا راسب، يا سارق، ياكاذب.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة:
لنتعرف على تأثير الألقاب السلبية على شخصية الولد وبنائه النفسي.