عن أنس رضي الله عنه قال: قال الناس: غلا السعر يا رسول الله، فسعِّر لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دمٍ أو مال"[1].
وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [العنكبوت: 62].
أي: إنه تعالى يوسِّع على من يشاء، ويضيِّق على من يشاء وَفق علمه ومشيئته وحكمته.
وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الروم: 37].
أحيانًا نقول: فلان ذكي، وفلان صاحب تجارب، وفلان لديه خبرات قوية، وفلان مخطط جيد، ونحو ذلك، وفي الحقيقة أن الله يقبض ويبسط، ويسلب ويرزق، ويعطي ويمنع، فإذا أراد أن يرزقك ألهمَك الوسائل والأساليب والقدرات والطاقات والخبرات، وإذا أراد أن يمنعك حجب عنك ذلك كلَّه.
وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ ﴾ [البقرة: 245].
فالقبض: التضييق، والبسط: التوسيع، فالله تعالى بيده التضييق والتوسيع، ويعم ذلك كل شيء، الرزق والعلم والعمر والصدر، وكل ما يتعلق بالدنيا والآخرة.
معنى الاسم في حق الله تعالى:
(القابض): جل جلاله: هو الذي يطوي بره ومعروفه عمن يريد، ويضيِّق ويُقتِّر أو يحرم فيفقر.
(الباسط): جل جلاله: هو الناشر فضله على عباده، يرزق ويوسِّع، ويجود، ويُفضِّل ويمكِّن ويُخوِّل، ويعطي أكثر مما يحتاج الناس إليه[2].
فسبحانه "يسلب تارة ويعطي تارة، أو يسلب قومًا ويعطي قومًا"[3].
(القابض) جل جلاله: هو الذي إذا منع لا يستطيع أحد من الخلق الوصول إلى ما منع.
(الباسط) جل جلاله: هو الذي إذا أعطى لا يستطيع أحدٌ من الخلق أن يحجب ذلك، فإذا أَغلق بابًا لم يقو أحدٌ على فتحه، وإذا فتح بابًا لم يقو أحد على غلقه، إذا بسط فلا قابض، وإذا قبض فلا باسط.
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2].
(القابض) جل جلاله: هو الذي يقبض القلوب ويُضيِّق الصدور، حتى تصير حرجًا كأنما تصَّعد في السماء؛ كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125].
(والباسط) جل جلاله: هو الذي يملأ القلوب بالفرح والانشراح والبهجة، ويُفيض عليها من ألوان برِّه ولُطفه؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، وقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ [الشرح: 1].
فأحيانًا نشعر بالضيق والانقباض والوحشة، وأحيانًا نشعر بالسعادة والطمأنينة والسرور وكأننا في الجنة، إنه القبض والبسط، وإنه القابض الباسط جل جلاله.
(القابض الباسط) جل جلاله: هو الذي يقبض العلم عمن يشاء ويبسطه لمن يشاء؛ كما قال تعالى: ﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ [البقرة: 247].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبق عالِمًا اتخذ الناس رؤوسًا جُهالًا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلوا"[4].
وجوب اقتران الاسمين:
هذه الأسماء الكريمة من الأسماء المتقابلة التي لا يجوز أن يُفرد أحدهما عن قرينة، ولا أن يُثنَى على الله بواحد منها إلا مقرونًا بمقابِلِه، فلا يجوز أن يُفرد القابض عن الباسط، ولا الخافض عن الرافع؛ لأن الكمال المطلق إنما يحصُل بمجموع الوصفين.." [5].
فإذا قلت: القابض فقط فقد وصفت الله بالمنع والبخل، حاشاه سبحانه، وإذا قلت: باسط فقط، فقد وصفته سبحانه بالإسراف، حاشاه سبحانه، ولكن إذا قلت القابض الباسط، فقد وصفته تعالى بالقدرة والحكمة، فسبحانه وتعالى قال وهو أصدق القائلين: ﴿ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245].
كيف نعبد الله باسمَيْه: القابض الباسط؟
1- أن تؤمن بأن لله تعالى الحكمة البالغة في القبض والبسط:
فسبحانه وتعالى يقبض لحكمة، فلربما أفسدك الغنى وأطغاك، ويبسط لحكمة، فلربما الفقر أفسدك وأساء ظنك بربك.
فعطاؤه ومنعه تابع لعلمه بعباده، وما يُصلحهم وما يُفسدهم، ولذلك كثيرًا ما يقرن القبض والبسط بالعلم الخبرة؛ قال تعالى: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 12].
وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27].
ولا يعني بسطه سبحانه على أحد مِن خلقه في شيء من الدنيا، رضاه عن المبسوط له، كما لا يعني أيضًا قبضه سبحانه عن أحد من خلقه في شيء من الدنيا، سخطه عليه ومَقته له، كلَّا، بل قد يدل ذلك على العكس؛ إذ إن الله عز وجل يضيِّق على بعض أوليائه رحمةً بهم ولطفًا، ويوسِّع ويبسط على بعض أعدائه إملاءَ لهم واستدراجًا؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ [الفجر: 15 - 17].
وقوله تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 55، 56].
ومن ذلك ما ينعمه سبحانه على الكفار والعصاة من هذه الدنيا استدراجًا؛ قال سبحانه: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 44][6].
2- أن نرضى بما قسم الله لنا:
من رزق وغيره، سواء كان قبضًا أو بسطًا؛ لأنه سبحانه الحكيم العليم بخلقه وما يُصلح لهم، فله الحمد على كل أفعاله، وله الحمد في خلقه وأمره.
3-أن يعوِّد الإنسان يده على البذل والإنفاق:
فعلى من بسط الله له في ماله أو علمه أو مكانته - أن ينفق مما آتاه الله، وأن يُحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليه، وليحذر العبد أن يحصي فيحصي الله عليه، أو يبخل فيضيِّق الله عليه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول: عبدي أنفق ينفق عليك"، أو قال: "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه، قال: وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض"[7].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها له كما يُربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل"[8].
ومن ضُيِّق عليه فليلجأ إلى الله وحده، طالبًا مدَّه وعونه وفضله، وليوقن العبد أن الله الذي أعطى غيره لا يُعجزه أن يعطيه مثلهم، وليعلم العبد أن المعضلة ليست في الفقر، وإنما في الافتتان بالدنيا والمال.
فعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدِم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافَتْهُ صلاة الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفوا تعرَّضوا له، فتبسم حين رآهم، وقال: أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة وأنه جاء بشيء، قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأمِّلوا ما يَسرُّكم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتْهم"[9].
4- أن تعلم أن أعظم البسط هو بسط الرحمة والهداية على القلب؛ حتى يستضيء بنور الإيمان ويتخلص من آثار الذنوب؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].
5- أن يستشعر العبد أن قبضه وبسطه إنما هو امتحان يمتحن به عباده:
قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].
وقد ظن بعضُ المعرضين المكذبين للرسل أن بسط الله لهم إنما ذلك لكرامتهم على الله، وأنه اصطفاءٌ منه لهم، فرد الله عليهم زعمهم، وصحَّح لهم سوء فَهمهم، فقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ [سبأ: 34 - 37].
6- الحذر من استعمال ما بسطه الله لك من الرزق وغيره في معاصيه:
فإن ذلك موجب لسخط الله، وسلب النعم وحلول الأوجاع والنكبات والنقم، بل الواجب شكر الله تعالى على عطائه وبسطه بالقلب واللسان والأعمال، فإذا بسط الله لك في الجسم، فابسطه في العبادة الموصلة إلى السعادة، وإذا بسط الله لك في المال، فابسطه في العطاء الموصل إلى الزيادة والنماء، وإذا بسط الله لك في العلم، فابسطه في الدعوة والتربية والتعليم، فذاك موصِّل إلى النعيم المقيم، وإنْ لم يكن لك حظٌّ من هذه البسطات، فالقَ أخاك بوجه طلْق.
7- على من بُسطت له الدنيا أن يعترف بفضل الله ومنته:
ولا يقل: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، وإنما يقول كما قال يوسف عليه السلام في الآية: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، أو يقول كما سليمان في الآية: ﴿ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ [النمل: 40].
8- على من بُسطت له الدنيا أن يخشى أن يكون ذلك من الله استدراجًا:
فقد جرت سنة الله أن أكثر ما يكون العطاء للفسقة والمعرضين؛ كما قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].
وقد كان الصالحون الذين أنعم الله عليهم وبسط لهم، يخشون أن تكون حسناتهم عُجلت لهم؛ كما قال عبدالرحمن بن عوف، وقد أُتِى بطعام وكان صائمًا: قُتل مُصعب بن عمير وهو خير مني، كُفِّن في بردة إن غُطِي رأسه بدَت رجلاه، وإن غطِّي رجلاه بدا رأسُه، وقُتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عُجِّلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام"[10].
9- أن يوقن العبد الذي حُرم شيئًا من الدنيا من مال أو ولد أو غيرهما، أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه:
فكم من عطاء كان سببًا في الشقاء، ولعل الله حرمك لتتلذَّذ بعبوديته، وفي القدر خفايا وأسرار لو كُشفت لما اختار غير ما قضاه الله له، أوليس قارون قد أُوتي من الملك ما كانت مفاتيح خزائنه لا يطيق حملها أشداء الرجال إلا بمشقة، فكيف بالخزائن نفسها؟ حتى إن السُّذَّج من الخلق تَمنَّوْا ما عنده، ولم يتفطنوا أن المسألة امتحان عسير! فماذا كانت النتيجة؟ اغتر قارون بالنعم ونسِي المنعم، حتى بلغ الطغيان حدَّه عنده، فأراد الله تعالى أن يُبين لهم حال قارون في الدنيا قبل الآخرة، وأن ماله وما ملَكه لم يزِدْه من الله إلا بعدًا، فخسف به الأرض، فحينها علِم المغترون الحكمةَ الربانية في عدم إعطائهم ما أُعطي قارون، فقالوا كما قال الله عنهم: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 82].
10- أن يعلم أن الرب جل وعلا (القابض الباسط)، يربي عباده على السراء والضراء؛ ليكون الإنسان عبدًا في جميع الأحوال، إذا أُعطي شكر وإذا مُنع صبر، أما عبد السراء والعافية الذي يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنةٌ انقلب على جهه، فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته.
11- دعاء الله تعالى باسمَيْه (القابض الباسط) وثناؤه عليه بهما.
انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في أشد أيامه صعوبة وألمًا وجراحًا، "لما كان يوم أحد وانكشف المسلمون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استووا حتى أثني على ربي، فصاروا خلفه صفوفًا، فقال: اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مُقرِّب لما باعدت ولا مباعد لما قرَّبت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.."[11].
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــ
[1] رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وأبو داود وصححه الألباني.
[2] المنهاج في شعب الإيمان: الحليمي.
[3] المفردات: الراغب الأصبهاني.
[4] رواه البخاري.
[5] شرح نونية ابن القيم: الهراس.
[6] ولله الأسماء الحسنى؛ عبدالعزيز ناصر الجليل.
[7] متفق عليه.
[8] متفق عليه.
[9] رواه البخاري (الجزية).
[10] رواه البخاري.
[11] رواه أحمد وصححه الألباني في الأدب المفرد.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/131745/#ixzz5bGo1ixKw