المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو البراء محمد علاوة
وأخيرًا لازلت أنتظر رأيك في قولي: وفي القلب شيء من قوله في الحديث: (فَشَهِقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْقَةً).
فلا أدري إن كنت مبالغًا لو ملت لنكارتها أم لا ؟
نعم.. هذا المتن كله منكر، بما فيه الجملة التي ذكرتَها، والصّنعة ظاهرة في ألفاظه
ومما يدلّ على نكارته مخالفته للعقل (التاريخ) والنقل (الشرع)
- أما العقل: فالفالوذج كان معروفا عند العرب قبل الإسلام وعبد الله بن جدعان -أحد سادات قريش في الجاهلية- هو أول من أدخله مكة، وأطعمه أهلها وزوار بيتها، وخبره في ذلك مشهورٌ، سارت به الركبان، وذكره به الشعراء، وقد أدركه النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وهو شاب في العشرين من عمره، وشهد حلف الفضول في داره ..
فليت شعري!! أيُعقلُ أن يخفى عليه صلى الله عليه وسلم مثل هذا النوع من الطعام حتى يسأل عنه جبريل: "ما الفالوذج ؟" !!.. ثم عندما يخبره مما هو مصنوع: "يشهق شهقة" !!
وعبد الله بن عباس ابن عم نبينا صلى الله عليه وسلم حبر هذا الأمة ومن أعلم الناس بأخبار العرب في الجاهلية والإسلام كيف يقول: "أول ما سمعنا بالفالوذج أن جبريل.." ؟
فليت شعري !! ألم يسمع بخبر عبد الله بن جدعان-وقد اشتهر وانتشر في الحواضر والبوادي- ؟؟ أولم يسمع بشعر أمية بن أبي الصلت يُنشد في المجالس والنوادي :( له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي / إلى ردح من الشيزي ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد) ؟!
ما أجهل من ولّد هذا الحديث وما أحمقه.. ما أسمجها من ألفاظ وما أقبحها !!
- أما النقل: فقد ثبت -كما في كتاب الأطعمة من صحيح البخاري - عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل " وبوب عليه الإمام البخاري: باب الحلوى والعسل
وهذا ما قاله شرّاح الصحيح جمعها ولخصها الحافظ في شرحه "فتح الباري" (9/ 557):
(قال الخطابي: اسم الحلوى لا يقع إلا على ما دخلته الصنعة، وفي المخصص لابن سيده: هي ما عُولج من الطعام بحلاوة، وقد تطلق على الفاكهة.
قال ابن بطال: الحلوى والعسل من جملة الطيبات المذكورة في قوله تعالى: "كلوا من الطيبات". وفيه تقوية لقول من قال المراد به المستلذ من المباحات. ودخل في معنى هذا الحديث كل ما يشابه الحلوى والعسل من أنواع المآكل اللذيذة كما تقدم تقريره في أول كتاب الأطعمة.
وقال الخطابي وتبعه ابن التين: لم يكن حبه صلى الله عليه وسلم لها على معنى كثرة التشهي لها، وشدة نزاع النفس إليها وإنما كان ينال منها إذا أحضرت إليه نيلا صالحا فيعلم بذلك أنها تعجبه، ويُؤخذ منه جواز اتخاذ الأطعمة من أنواع شتى، وكان بعض أهل الورع يكره ذلك ولا يرخص أن يأكل من الحلاوة إلا ما كان حلوه بطبعه كالتمر والعسل، وهذاالحديث يرد عليه وإنما تورع عن ذلك من السلف من آثر تأخير تناول الطيبات إلى الآخرة مع القدرة على ذلك في الدنيا تواضعا لا شحا.
ووقع في كتاب "فقه اللغة" للثعالبي أن حلوى النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يحبها هي المجيع بالجيم وزن عظيم، وهو تمر يعجن بلبن، وسيأتي في باب الجمع بين لونين ذكر من روى حديث أنه كان يحب الزبد والتمر، وفيه رد على من زعم أن المراد بالحلوى أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب كل يوم قدح عسل يمزج بالماء، وأما الحلوى المصنوعة فما كان يعرفها، وقيل المراد بالحلوى الفالوذج لا المعقودة على النار. والله أعلم) انتهى
- وفي هذا الباب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في صنعه وأكله الخبيص، وهو طعام يُصنع من الدقيق والسمن والعسل مثل الفالوذج، وحديث الخبيص أحسن حالا من حديث الفالوذج هذا (*) وهو يعارضه. والله أعلم
_______
(*) هذا حسب القراءة الأولية لتخريجه ولم أمعن النظر فيه فلعلي أنشط لتخريجه..وعلى كل حال إن تساويا تساقطا.