أجنحة للأ طفال

حمدي هاشم حسانين


تظل الكتابة للأطفال هي ذلك الدرب الصعب الذي يجب أن يتحلى من يسلكه بمقومات تساعده على الوصول لعقل وقلب الطفل معا، فالكتابة للأطفال هي تلك الأجنحة التي تحمل الأطفال وتطير بهم إلى عوالم ملونة جميلة يحلمون بارتيادها بين الحين والآخر، الكتابة للأطفال هي جسر من المخمل على العابر أن يكون حذرا واعيا يملك في جعبته عوامل جذب انتباه الطفل ويحفظ عن ظهر قلب المعجم اللغوي الخاص بكل فئة عمرية كي يتم التواصل ولا تكون هناك حلقة مفقودة بين الكاتب والطفل.
ــ الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة (المعوقون) هم أطفال ككل الأطفال يحلمون ويضحكون ويبكون، قد يكون ينقصهم شيء ما ـ لا دخل لهم بهذا النقص ـ ولكنهم رغم إعاقتهم يتميزون عن الطفل العادي دوما بالعديد من المميزات، ولذا نجد معظم عباقرة الأدب والثقافة والعلوم والفنون من ذوي الاحتياجات الخاصة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر عميد الأدب العربي طه حسين الذي ألف مئات الكتب رغم فقده لبصره، والموسيقار العالمي بيتهوفن الذي أدهش العالم بموسيقاه الخالدة رغم أنه فاقد لنعمة السمع.
ـ الطفل المعاق يحب القراءة والكتاب والقصة والمجلة الموجهة للأطفال، ولكنه يتمنى أن يجد نفسه بطلا على صفحات تلك المطبوعات، لا يحب أن يكون قارئا فقط لأبطال في مثل سنه ولكنه يتمنى أن يكون عنصرا فعالا مثل هؤلاء الأبطال فيساعدهم في حل القضايا الغامضة وفي القبض على المجرمين العتاة وفي مطاردة اللصوص، ولكنه نادرا ما يجد ما يتمنى، فمعظم أبطال القصص التي يقرأها من الأطفال الأسوياء.
ولكن ليست هذه نقطة النهاية، تلوح بين الحين والآخر أعمال موجهة للطفل المعاق تجعل منه بطلا في قصة أو رواية أو سيناريو، مثل هذه الأعمال يقبل عليها الأطفال بشغف وحب شديدين، فهو يرى نفسه فوق صفحات الأوراق الملونة، يرى نفسه بطلا، يفك شفرات صعبة لمساعدة الشرطة، عبقري في الحاسوب تلجأ إليه السلطات لمساعدتهم، عقله الفذ القادر على ترتيب المعلومات والوصول إلى نتائج صحيحة لمساعدة الشرطة في الوصول إلى الجناة.
ـ الإعاقة دافع للنجاح: على الكاتب حين يتوجه للطفل المعاق أن يكتب بلغة لا تشعر هذا الطفل بإعاقته، فهو كالطبيب الذي يساعد مريضه على تجاوز محنته والشفاء من المرض، لذا يجب على الكاتب أن يختار كلماته وعبارته بعناية فائقة، أذكر هنا عملا مهما تم كتابته لمجلة عربية عن طفل معاق على مقعد متحرك.. هذا الطفل لم يركن لإعاقته بل أخذ يفتش في ذاته عن طاقاته ومواهبه وقدراته وبدأ يكتشفها شيئا فشيئا حتى أصبح اسمه ذائع الصيت، وصار يشارك شرطة المدينة بموهبته هذه في حل أصعب وأغرب القضايا.
شخصية المعاق
تظل ثقافتنا مخاطبة الأكثرية والسواد الأعظم وإغفال الأقلية، وهذا خطأ شائع في مجتمعاتنا، فآلية السوق مازالت تحتكر إنتاجنا لكتب الأطفال وهي عملة نادرة في مجتمعاتنا أن تجد كتبا للطفل المعاق، وإن وجدت هذه الكتب فإنها تكون صادرة بهدف توعوي أو إرشادي فتكون صبغتها صبغة تقليدية وليست مكتوبة ومرسومة بالحرفية المطلوبة، أما إذا عرجنا قليلا لمجلات الأطفال فمن النادر أن نجد طفلا معاقا بطلا لقصة طويلة أو مسلسل كومكيس يجذب القارئ، ولذا نخلص من هذه المقدمات لبعض النتائج.
النتيجة الأولى: كيف أجذب الطفل المعاق للقراءة.. يظل هذا السؤال عالقا في مخيلة الجميع.. هل هو سؤال صعب لهذه الدرجة.. كلا بالتأكيد، الطفل المعاق كائن حي نهم يود اكتشاف ما حوله وكل ما ينتظره كاتب يحترم فكره كطفل ويعرض عليه أعمالا تحترم عقله ولا تشعره بإعاقته.. بل تشعره أنه بإعاقته هذه يتميز عن الأسوياء.
النتيجة الثانية: كتب الأطفال هي تلك النافذة التي يطل من خلالها الطفل المعاق فيجد عالما رحبا مليئا بالأحداث الشيقة التي تحبس الأنفاس من فرط روعتها وجمالها، هو مستعد لقراءة الكتاب حتى الصفحة الأخيرة إذا أحسنا مخاطبته وتعبنا قليلا في كتابة كتاب جيد يناسبه.
1ـ الطفل المعاق هو بطل أول وليس ثانويا فيستطيع أن ينجح في كل المجالات رغم إعاقته ويستطيع أن يندمج في المجتمع فيبهر الجميع بأدائه وذكائه.
2ـ الطفل المعاق أسوة حسنة لمن حوله.
3ـ الطفل المعاق محط اهتمام الجميع بعبقريته وقدرته على الأداء والعمل كالأسوياء تماما.
النتيجة الثالثة: الكتابة للطفل المعاق يجب ألا تقتصر على نوع واحد من أنواع الكتابة، بل يجب أن نتوجه للطفل بالأنشودة والقصيدة الشعرية المبسطة التي تسعده وتبهجه، والقصة المصورة التي تتحدث إليه وتحكي عنه، والرواية الصغيرة التي يكون هو بطلها رغم إعاقته يبهر الجميع بقدراته، والمسرحيات التي تخاطبه وتتحدث عنه ويكون بطلها، الطفل المعاق كنز يحتاج منا أن نكتشفه ونتصالح معه ونقدمه عضوا صالحا فاعلا لمجتمعه، على مجلات الأطفال أن تعطيه حقه وتخصص له صفحات كالأطفال الأسوياء، علينا أن ندمجه في هذا العالم كي يحبه حين يكبر ويسعد بالمشاركة في بنائه، على دور النشر أن تفتح ذراعيها للكتاب الجادين لتقديم أفكارهم الخصبة التي ستسعد الطفل المعاق، الطفل المعاق نهر جار يحتاج فقط أن نمده بما يحتاج إليه ليتدفق فيما بعد.