تعلمي الفروق المهمة بين "المعرفة" و"الفهم"


أحمد عباس



هناك درجة كبيرة من التفاوت والاختلاف بين مصطلح "الفهم"، ومصطلح "المعرفة"، لأن مصطلح "الفهم" قد يكون مكونًا أساسيًا من مكونات الحكمة، لأن الفهم في ممارسته الفعلية على أرض الواقع يعطي صاحبه بصيرة ورؤية أكثر وضوحًا.
من الضروري أن تتفهمي في مشوار حياتك أن الفرق كبير بين الفهم والمعرفة، ولو كان قرارك الإستراتيجي في حياتك هو تحصيل المعرفة فقط فإن هذا سيضعك دائمًا في دائرة السلبية والتلقي وعدم القدرة على التأثير أو الإحساس، وذلك على خلاف ما إذا كان قرارك هو السعي نحو الفهم في كل الأمور والموضوعات التي تحظى باهتمامك لأنك في هذه الحالة قد تصلين إلى مرحلة التحلي بالحكمة والإيجابية والقدرة على التأثير وكذلك تطوير المهارات والقدرات.
في هذا المقال سنحاول استشراف أبعاد الفرق بين الفهم والاختلاف وكيفية تسخير القدرات والمواهب العقلية والفكرية من أجل الحصول على أفضل استفادة ممكنة من الأمرين.
1ـ في البداية عليك أن تدركي أن المعرفة تشمل تراكم المعلومات وتحصيل البيانات المتعلقة بالأمور الواقعية، والإحاطة بالتفاصيل التي تساعدك في التخطيط لأمور حياتك وتنفيذ إجراءات معينة والقيام بتدابير وتحركات تتمتع بدرجة أكبر من النجاح.
2ـ قدر المعارف يكون أكبر بكثير من قدر الفهم، لأن كثيرًا من الناس يكتفون في أغلب الموضوعات والأمور بما يحصلونه من معلومات وحقائق وبيانات بدون أن يبذلوا أي جهد أو يعيروا اهتمامًا بمحاولة الغوص في عمق هذه الموضوعات للوصول إلى فهم الحقيقة وتحليلها.
3ـ المعرفة تكون مرتبطة إلى حد بعيد بالماضي، ولو لاحظنا كم المعارف التي حصلناها في حياتنا سنجد أنها مرتبطة بالفعل بالماضي وليس بالوقت الحاضر، فكل معلوماتنا تكون قد تكونت خلال فترة زمنية ممتدة منذ الماضي، أما الوقت الحاضر فإننا نعتمد فيه على الوعي أكثر من المعرفة، وكثير من المعلومات والبيانات والعلوم التي نقوم بتحصيلها في مراحل التعليم والتجارب الشخصية نقوم بتخزينها في الذاكرة لتكون من المعارف الراسخة في الأذهان وتصبح تلقائيًا نوعًا من الماضي بدلاً من أن تكون عنصرًا مؤثرًا في الحاضر الذي نعيشه.
4ـ بعض الشخصيات التي تحاول أن ترتقي من طور المعرفة وجمع المعلومات في الحياة إلى طور الفهم والتحليل تحرص على اختيار أوقات معينة في الحاضر الذي تعيشه وتخصصه للتأمل والاستغراق في التفكير وفي هذه الحالة تكتشف أنها لا تعتمد فقط على رصد المعلومات أو القبول بالبيانات التي تظهر في الواقع المحيط وإنما تبذل جهدًا في التحليل والمفاضلة والنظر فيما وراء الأحداث والوقائع والتطورات، وأنت كامرأة لو وجدتي في هذه العملية لذة حقيقية فستقومين بها أكثر من مرة وتصبح بمثابة الغذاء العقلي والفكري لك ولن تكتفي بمجرد المعرفة والتلقي السلبي.
5ـ تعلمي حقيقة أن الفهم لا يتحقق إلا من خلال تنزيل المعلومات والبيانات والمعارف على أرض الواقع الحاضر الذي تعيشينه لأنك بهذه الطريقة فقط يمكنك أن تختبري هذه المعلومات والمعارف اختبارًا ملموسًا مشاهدًا محسوسًا، والأمر يشبه المثال التالي إلى حد كبير، ففي بعض الأحيان تقع عينيك على لوحة فنية معينة ومن الوهلة الأولى ترين أن اللوحة تتناول حديقة جميلة غناء وأنها يغلب عليها اللون الأخضر وأن بها بعض الطيور، وكل هذا يدخل في نطاق المعرفة والمعلومة، لكنك لو قررتي ألا تكتفي بهذا القدر من المعرفة وتأملتي في اللوحة قد تكتشفين أن اللون الأخضر ليس سوى حاضنة للون آخر يميل إلى اللون الأصفر أو الرمادي، وأن الطيور ليست كلها تطير بل على العكس أغلبها يقف صامتًا فوق أغصان الأشجار بشكل مثير للانتباه ويحمل مغزى، وأن السماء لونها يعطي دلالات نفسية عميقة، وهذا هو الذي يجعلك تربطين بين ما تعرفينه وما تحللينه وتستنبطينه وهو ما يسمى بعملية الفهم.
6ـ الأمر نفسه يمكن أن يتكرر عندما تقرأين كتابًا أو تستمعين إلى قصة أو تغوصين في عمق مشكلة لصديقة لك فقد تكتفين بالمعلومات السطحية والبيانات الواضحة وتقومين بتخزينها في عقلك الباطن لتصبح مجرد معارف من الماضي، وقد تبذلين جهدًا من أجل تحليل وتتبع المعاني والتصورات وما بين السطور وهذا يقودك إلى الفهم الذي سيفتح أمام عقلك أبوابًا واسعة من الإبداع والسعادة.