الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعدُ:
فلا شك أن الكثير من المواضيع في مختلف الفنون، قد أُشبعت بحثًا وتصنيفًا وتحقيقًا، ولهذا قيل: أنَّ الأول لم يترك للآخرِ شيئًا.
وهناك من يُخالف في هذا ويقول: كم ترك الأول للآخر، والواقع أن هناك مواضيع تحتاج لبحث وتصنيف؛ إما لأنها لم تُبحث ويُصنف فيها، أو لأنها لم تشبع بحثًا وتصنيفًا.
والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، يُشير في دروسه عندما تأتي مناسبة إلى المواضيع التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتصنيف والتحقيق، ومن تلك المواضيع:
تخريج آثار تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله:
قال الشيخ رحمه الله: أما أقوال الصحابة فارجعوا إلى تفسير ابن جرير رحمه الله، وإن كان هذا التفسير يحتاج إلى عناية وتخريج آثاره؛ لأن إمام المفسرين - من بعد الصحابة والتابعين - ابن جرير رحمه الله، كأنه والله أعلم خاف من إدراك الأجل، فلم ينقح التفسير، فصار ينقل الآثار ويكلُ تصحيحها وتضعيفها إلى من بعده، فهو تفسير جامع، ولكن لا بد من تتبُّع آثاره بأسانيدها.
وأسألُ الله تعالى أن يُيسَّر من إخواننا أئمة الحديث في زماننا هذا من يخرجُ آثار تفسير ابن جرير، وإن كان الشيخ أحمد محمد شاكر، قد حصل منه ذلك.
تركيب الكحل:
سُئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى: بعض أطباء العيون يقولون: إن الكحل يضر بالعيون وينصحون بعدم استعماله، فماذا تقولون لهم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإثمد معروف أنه جيدٌ ونافع للعين، وغيره من أنواع الكحل لا أعرف عنه شيئًا، والأطباء الأمناء هم مرجعنا في هذه المسألة، ويقال: إن زرقاء اليمامة التي تبصر من ثلاثة أيام لَما قتلت، رأوا أن عروق عينها كلها متأثرة بهذا الإثمد، والآن ظهرت أنواع من الكحل؛ مثل الأقلام يكتحل بها النساء، لا ندري من أي شيء رُكِّب، وقد يكون من شحم الخنزير، أو من بلاء أشد، فهذه المسألة أرى أنها مهمة، ولا بد أن يكتب فيها تحقيق مفيد.
الفراسة عند قضاة السلف والخلف:
قال الشيخ رحمه الله: يُذكر عن قضاة من السلف ومن الخلف أشياءُ غريبة في الفراسة، ولهذا أتمنى أن يتَّبعَ أحدٌ من الناس مثل هذه القصص، وتؤلَّف في مؤلف، وتوزَّع بين القضاة؛ حتى يستعينوا بها على تحرِّي الحكم والحقِّ.
اعتبار الثلاث في العدد:
قال الشيخ رحمه الله: اعتبار الثلاث في العدد، هذا معتبر كثيرًا في عدة أمور، حتى في الأحاديث تجد مثلًا أحاديث كثيرة ثلاثة لا يحصل لهم كذا وكذا: (ثلاث لا يغلُّ عليهم قلبُ مؤمن)، وما أشبه ذلك، وهو كثير، فإن قيل: وهل هو أكثر من اعتبار السبع؟ قلنا: أنا في شك من كون الثلاث أكثر من السبع، وينبغي البحث في هذا.
قال جامعه: يوجد كتاب بعنوان: "إحياء التراث في ما جاء في عدد السبع والثلاث"؛ لفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمه الله.
قيام الحجة على المدعو:
قال رحمه الله: من العلماء من يقول: إذا قامت الحجة سواء فهِم المدعو أو لم يفهَم، فلا عذر له، ومنهم من يقول لا بد أن تقام عليه الحجة ويفهَمها، أما إذا قيل لهم: بعث رسول يدعو إلى الهدى، ولكنه ما فهم هذا الشيء، فإنها لا تقوم عليه الحجة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 4].
بعد أن بيَّن أنه ينقسم الناس بهؤلاء الرسل إلى ضال ومهتدٍ، والمسألة تحتاج إلى تأمل في الواقع، هل يكتفي بمجرد قيام الحجة؟ وعليه أن يبحث المعنى، فيقال: أنت فرطت، لماذا لم تأت تستفهم؟ فأنت مقصر، أو يقال: إن الرجل إذا قامت عليه الحجة وبلغته، لكن على وجه مهوش، فهذا معذور، لا سيما إذا مات في زمن لم يتمكن فيه من البحث والاستفسار .... المسألة في الحقيقة تحتاج إلى بحث تام في الموضوع، ومراجعة كلام أهل العلم، لا سيما العلماء المتحررون في أفكارهم؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن أشبههم رحمهم الله.
قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون:
قال رحمه الله عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون: إني لأرجو أن تجمعوا القصة من جميع أطرافها في القرآن، واستخرجوا ما فيها من فوائد، فهذه القصة من أهمِّ القصص التي وردت في القرآن الكريم، وقد تكررت في مواضيع مختلفة بأساليب مختلفة.
وقال رحمه الله: العبرة في قصة موسى كثيرة، ولو أن أحد طلبة العلم جمع الآيات من كُل سورة، ثم يستنتج مما حصل في هذه القصة من العبر، لكان جيدًا.
المصافحة عند دخول المجلس:
قال الشيخ رحمه الله: المُصافحة عند اللقاء سنة، أما المُصافحة عند دخول المجلس، كما يفعل بعض الناس، فهذا لا أعلمُ له أصلًا من السُّنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المجلس سلَّمَ، وجلس حيثُ ينتهي به المجلس، ولا أعلمُ أنه كان يدُور على الناس يصافحهم.
وقد تم بحث هذا الأمرُ، فلم نجد في السنة أصل لذلك، ولم أعلمه أيضًا إلا أخيرًا، وكان الناس قديمًا إذا دخل الرجل سلَّم، فإن كان ذا قيمة في المجتمع قاموا له، وقالوا: اجلس هنا، وقد يكون المكانُ قد أُعِدَّ له من قبلُ وإلا يجلسُ حيثُ انتهى به المجلس ... وهذه مسائل ينبغي أن يحرر فيها رسائل صغيرة، تكون بأيدي الناس، تُبيِّنُ لهم الحق، من أجلِ ألا يتابع بعضهم بعضًا فيما لا أصل لهُ من السنة.
تتبُّع أسماء الصحابة من كتاب الإصابة لابن حجر:
قال الشيخ رحمه الله: حبذا لو تتبع واحد كتاب "الإصابة في أسماء الصحابة"، وانتقى من أسماء الصحابة أسماء مناسبة لهذا العصر، فلو حصل ونشره بين الناس؛ ليختاروا من هذه الأسماء التي تُذكرنا بسلفنا الصالح، لكان في هذا خير كثير.
تخريج الأحاديث في كتب الحنابلة:
قال الشيخ رحمه الله: كتب تخريج الأحاديث من أحسن ما رأيت كتاب "التلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير" الذي ألَّفه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الشافعي ... وكنت أتمنى لو كان لأصحابنا أهل المذهب الحنبلي، كتاب كهذا يُخرجُ أحاديث الكتب المتداولة من كُتُب الحنابلة؛ مثل: "الروض المربع شرح زاد المستقنع"، أو "شرح المنتهى"، أو شرح الإقناع".
تنقيح كتب السيرة من الآثار الضعيفة:
قال الشيخ رحمه الله: السيرة النبوية الواقع أن فيها أشياءَ ضعيفة مما نقل، وفيها أشياء صحيحة، وإنني أتمنَّى أن يوجد طالب علم يحرصُ على هذه المسألة، ويُنقح السيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين مما شابَها من الآثار الضعيفة، أو المكذوبة.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
المراجع: كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها:
• تفسير سورة القصص.
• تفسير سورة الصافات.
• فتح ذي الإجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام.
• البيان الممتع في تخريج أحاديث الروض المربع.
• دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين.
• لقاءات الباب المفتوح.
• فتاوى نور على الدرب.
• فتاوى في الصلاة والجنائز.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/130999/#ixzz5YQhpLECC