زواج كبار السن بين مرارة الوحدة ونظرة المجتمع


هدى محمد نبيه



الزواج هو سنه كونية أصيلة، وضرورة أساسية من الضرورات التي لا غنى عنها في الحياة، قال تعالى:{سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون}.
ولكن من نتحدث عن زواجهم هنا هم آبائنا وأمهاتنا من كبار السن، فبعد أن مرت السنين عليهم سريعة وتعاقبت مراحل الحياة، وفي لحظة ما يجد الإنسان نفسه شبه وحيد وقد ذهب الشباب والصحة وضعف الجسد ويكون الأمر أكثر صعوبة حين يفارقه الأهل و الأحبة أو أنهم ينشغلوا عنه بحياتهم الخاصة، فيظل يقاسي الوحدة والعزلة ويعاني من جفاء المجتمع... هذا المجتمع الذي يفخر بقيمه التي تعطي كبار السن منزلة خاصة من الاحترام والتقدير.
وزواج كبار السن لا يكون أساسه إشباع الرغبات، وإنما يكون أساسه هو التواد والرحمة بين الزوجين، فكل من الرجل والمرأة بعد أن يكونا قد أدى رسالتهم مع الأبناء يكونون في أمس الحاجة إلى من يشاركهم حياتهم ويبادلهم الرعاية والاهتمام، إلا أن كبار السن وخاصة السيدات يصطدمن برفض الأبناء لزواجهم للمرة الثانية وخاصة في السن المتقدمة، وهذا إن دل فانه يدل على قلة الوعي والأنانية وحب التملك وخاصة من الأبناء الذكور فهم يرون بأن والدتهم لهم وكانت من قبل لوالدهم فمن العيب أن تتزوج شخصاً آخر غير والدهم فكيف وأنها تجاوزت سن الأربعين مثلاً فهو في نظرهم أمر غير مبرر لها ويجب أن لا تفكر فيه فكيف بالإقدام عليه، كما أن العرف الاجتماعي السائد هو أن المرأة لابد أن تخجل ولا تفكر في الزواج مرة أخرى فكيف في هذا السن وخاصة في طبقة المتعلمين والمثقفين والذين ينظرون إليه انه بالفعل عيب اجتماعي فماذا تحتاج المرأة إلى الزواج وخاصة إذا كانت أنجبت من الأبناء والوضع المادي ميسور إذاً ما هو الهدف والمبرر له؟؟
وتختلف أسباب المرأة عن مبررات الرجل في البحث عن شريك لاستكمال مسيرة الحياة, فالمرأة يدفعها الاحتياج للشعور بالأمان والحماية, بينما يبحث الرجل عن الونس والصحبة ولغة الحوار, ويحتاج غالباً لمن يدبر شئونه الحياتية ويلبي احتياجاته من طعام وشراب, ويجتمع كل من الرجل والمرأة في دافع واحد, وهو الرغبة في الاطمئنان إلى أن هناك شريكاً يعيش معه في البيت, تحت سقف واحد, وأن هناك شخصاً آخر يتنفس بجواره, سوف ينقذه إذا تعرض لأزمة صحية حيث أن الخوف من الوفاة أثناء النوم هاجس يسيطر على كل من يعيش وحيداً, وتزداد هذه المشاعر في السن المتقدمة, خشية أن يموت الشخص دون أن يشعر به أحد.
لماذا يرفض الشباب زواج إبائهم وأمهاتهم مرة أخرى؟
هناك البعض من الأبناء يجرمون زواج أبائهم أو أمهاتهم في سن كبيرة ويعتقدون أن هذا من العيب الاجتماعي أو ليس بالضرورة، فأبناؤهم كبروا واستقروا والى هنا يتوقف دورهم، وذلك خطأ وليس من حق الأبناء ممانعة زواج أبائهم بأي حال من الأحوال مادام الأب أو الأم لديه القدرة على القيام بالحياة الزوجية وإقامة حدود الله، و كثير من الأبناء وخاصة الذكور يجدون حرجاً في زواج أمهاتهم بعد وفاة أو طلاق أمهاتهم فما بالك لو كانت امرأة كانت في سن الخمسين يعتقدون أن هذا يسبب إحراجاً اجتماعياً وزواج ليس له مبرر فعامل السن هنا قد يكون غير لائق أن تتزوج المرأة مرة أخرى فالأبناء ليس من حقهم تحريم ما احل الله إلا ابتغاء مرضاة الناس.
ومن الغريب أننا نجد المجتمع في الغرب يحترم العلاقات الإنسانية و يرى أن من حق كبار السن الزواج والبحث عن الحب، وأما نحن نرى انه عيب وخاصة للمرأة في مجتمعنا لا تزال تحتاج إلى المحرم طوال حياتها كما انه محلل شرعاً بل ويحث الإسلام على الرفق بالمرأة والاهتمام بها والمحافظة على حقها الشرعي في الزواج سواء كانت كبيرة في السن أو صغيرة .
وليعلم الأبناء أن زواج المؤانسة ليس نوعاً من الترف أو السفه, فهو حق لأصحابه متى قرروا اتخاذ هذه الخطوة حماية لأنفسهم من سيطرة مشاعر الوحدة والاغتراب, والألم النفسي, التي تسيطر على كل شخص فرضت عليه الظروف أن يعيش وحيداً بعد وفاة شريك الحياة, وانصراف الأبناء كل في سبيله.