قال بن عثيمين رحمه الله فى شرحه الثانى للواسطية - قال (وهو سبحانه أعلم بنفسه وبغيره):
لا شك أن الله أعلم بنفسه وأنه لا علم لنا فيما يتعلق بالله إلا بما علمنا لا نعرف من صفاته شيئاً إلا بما علمنا يعني على سبيل التفصيل ولا نعرف من أحكامه شيئا إلا ما علمنا؛ فهو أعلم بنفسه وهو أعلم بغيره أيضاً يعلم كل ما في السموات والأرض يعلم ما يصيب الإنسان يعلم حتى ما في ضمير الإنسان يعلم حتى مستقبل الإنسان.
فائدة هذه القاعدة التي قالها المؤلف:أنه إذا أخبر عن نفسه بشيء وجب علينا قبوله, والتسليم به, ولا نقول إنه أراد بكذا كذا وكذا؛ لأنه أعلم بنفسه فإذا قال عن نفسه{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} فهو أعلم بنفسه له وجه حقيقي, وإذا قال { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } فهو أعلم بنفسه عز وجل وله يد حقيقة, وإذا قال (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فهو اعلم بنفسه فهو استواء حقيقة وهلم جراً, إذن فهذه الجملة أراد بها المؤلف ألا ننازع الرب عز وجل فيما أخبر عن نفسه لأنه أعلم بنفسه بل وأعلم بغيره.
(وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه):
أصدق قيلاً: فلا أصدق من قول الله عز وجل, وإذا كان لا أصدق من قول الله وجب علينا تصديقه والإيمان به.
وأحسن حديثاً من خلقه:وهذا يشمل الحسن المعنوي, والحسن اللفظي , فكلامه أحسن الكلام بلاغة وفصاحة وأحسن الكلام موضوعا لأنه إما أخبار صادقة نافعة وإما أحكام عادلة مصلحة فحديثه عز وجل أحسن الحديث. أشار المؤلف إلى قاعدة مهمة: وهي أن كلام الله صادر عن علم بنفسه, وعن صدق, وعن بلاغة وفصاحة, ما فيه عي أو اشتباه أو الغاز.
بقى الرابع لم يذكره لكنه واضح عن إرادة مصلحة ومنفعة - فهذه أربعة أوصاف متى اجتمعت في كلام وجب قبوله بدون أي تعرض له.
العلم والصدق والبلاغة وحسن القصد والإرادة. - أما العلم - فواضح أنه أعلم بنفسه وبغيره قال الله{ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ } وأما الصدق - فدليله واضح قال الله تعالى{ ومن أصدق من الله قيلا} - والحسن كذلك - (ومن أحسن من الله حديثاً) بقى الإرادة؛ إرادة الخير للغير دليل ذلك قوله تعالى{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } إذا صدر القول عن جاهل لكنه صادق. هل تقبله النفس؟ لا, تردد فيه لأنه جاهل وإن كان هو من أهل الصدق.
لو أن رجلاً من أهل العبادة والصدق والزهد والورع وصف لنا كيف يصنع المسجل هل نحن نقبله بارتياح أو على تردد وريب؟ الثاني ولا شك؛ نقول هذا ماهو صاحب اختصاص إذن ضد العلم الجهل.الصدق ضده الكذب؛ لو أن الكذوب حدثك بشيء وأنت تعرف أنه صاحب علم يعرف حدثك بشيء فإنك لا تثق بكلامه لأنه كذوب.
البلاغة لو أن شخصاً عنده علم وعند صدق لكنه لا يعرف يتكلم, وكلامه عيي كله عي كأنه الغاز فإنك لا تستطيع أن تحكم بأن مراده بكلامه كذا وكذا, لأن كلامه ليس فيه بلاغة فلا تثق به.
إذا تمت الأمور الثلاثة:العلم الصدق البلاغة؛ لكنه رجل سوء تخشى أنه يريد أن يخدعك ويغرك فهل ترتاح لكلامه؟ لا, لست على راحة تخشى أن يكون غشك وغرك.
كلام الله عز وجل خالي عن هذه العيوب الأربعة الجهل والكذب والعيّ وسوء الإرادة والقصد مشتمل على كمال العلم, وكمال الصدق, وكمال البلاغة, وكمال الإرادة, وحينئذ يجب علينا أن نقبل ولا نتردد.
بقى كلام الرسل عليهم الصلاة والسلام هل يلحق كلام الرسل في هذا وغيره بكلام الله عز وجل؟
الجواب: نعم يلحق, ولهذا قال رحمه الله:( ثم رسله صادقون مصدوقون) صادقون هذا أحد أوصاف الكلام فما جرب على أحد منهم كذبة أبداً وهم معصومون من الكذب لأنه لو جاز عليهم الكذب عقلاً لم يثق الناس بما يبلغون به عن الله عز وجل وقوله (مصدوقون) أي مصدوقون بما أوحي إليهم فليس الوحي وحي شياطين لكنه وحي رب العالمين عز وجل وفي نسخة:(مصدَقون) على هذه النسخة يكون المعنى مصدقون أي واجب تصديقهم, ففيه نسختان (مصدوقون) و(مصدَقون) معنى مصدوقون: أي أن ما أُخبِروا به من الوحي فهو صدق وحق ليس من وحي الشياطين التي تكذب كأخبار الكهان مثلاً.
مصدَقون:أي واجب تصديقهم لأنهم جاءوا بالآيات البيانات الدالة على رسالتهم.
( بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون.)
من أهل التعطيل ومن غير أهل التعطيل,أهل التعطيل في الصفات, وأهل الهوى في الفقه هؤلاء ليسوا صادقين ولا مصدقين لأن لديهم الجهل في أسماء الله وصفاته وفي أحكامه؛ (ولهذا قال: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.)[الشرح الثانى للواسطية -بن عثيمين]