الأمراض الوراثية.. والعلاج الجيني
د. محمد مصطفى إبراهيم

المركز القومي للبحوث بمصر - قسم الوراثة والسيتولوجي



لقد حدثت ثورة في الطب خلال القرون الماضية، بداية من استخدام المجهر، ثم البنج والتخدير والتطعيم والمضادات الحيوية، وانتهاء بزراعة الأنسجة والأعضاء البشرية،

وكذلك تقدمت وسائل التشخيص والتحليل والعلاج. ويتهيأ الطب الآن ليدخل عصرا جديدا يسمى الطب الجزيئي molecular medicine، للتعرف على مسببات الأمراض بالتفصيل، على المستوى الفيزيائي والجزيئي. ولاتزال الاكتشافات والبحوث الطبية في مجال الطب الجزيئي تشهد تطورا مستمرا.


وفي مايو عام 2012م، تمكن فريق طبي سعودي من عمل أول تحليل جيني لفيروس الإيدز، أو نقص المناعة، باستخدام جهاز تحليل الجينوم الجزيئي، الذي يتعرف على الفيروس، ويكشف نوع سلالته، ويحددها.
يولد الإنسان بمجموعة من الصفات الوراثية المسؤولة عن لون الجلد والشعر والطول ولون العينين، والخصائص الوظيفية لأعضاء الجسم اللازمة لاستمرار الحياة وبقاء الجسم سليما، وهذه الصفات محمولة على جينات موجودة على كروموسومات تمثل الجينوم البشري، الذي يشمل من 20 إلى 25 ألف جين، طبقا لما أعلنته النتائج الأخيرة لمشروع الجينوم البشري، وتم عمل الخريطة الوراثية للإنسان لمعرفة جينات كثير من الأمراض الوراثية.
يمكن تقسيم الأمراض إلى أمراض وراثية وغير وراثية: أمراض وراثية بيئية وأمراض بيئية. وقد عرف الإنسان حوالي 6 آلاف مرض وراثي بشري في شعوب العالم المختلفة. ومعظم الأمراض الوراثية سببها جينات متنحية، أو طفرات تعطل إنتاج البروتينات الطبيعية.
تشكل الأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية نسبة عالية من أمراض المواليد الجدد، ويتوقع إحصائيا أن يصاب طفل واحد من كل 25 طفلا بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات، أو بمرض له عوامل وراثية، مثل: عيب خلقي، وتأخر عقلي. وتسعة من هؤلاء المصابين بهذه الأمراض يتوفون باكرا، أو يحتاجون إلى البقاء في المستشفيات لمدة طويلة.



وفي العالم العربي تمثل الأمراض الوراثية مشكلة كبرى في مجال الصحة العامة، وتسهم عوامل عديدة في انتشارها الواسع في المنطقة، منها ارتفاع معدل زواج الأقارب. وقد أنشئ المركز العربي للدراسات الجينية في دولة الإمارات العربية من أجل تشخيص الاضطرابات الوراثية ومنعها، ووضع أسس مستقبلية للرعاية الصحية في المنطقة.
وغني عن الذكر أن المركز العربي للدراسات الجينية قد أطلق مشروعا طموحا في شهر ديسمبر 2004م من أجل وضع «الفهرس الوراثي للعرب» (CTGA)، بهدف تنوير المجتمع العلمي والجمهور وتعريفهم بالأمراض الوراثية عند العرب، واقتراح استراتيجيات للبحث في المستقبل.
وقد عقد المؤتمر العربي الخامس لعلوم الوراثة البشرية في أواخر عام 2013م تحت شعار «تطبيقات علوم الوراثة البشرية في الرعاية الصحية» بمشاركة 600 طبيب وعالم وراثة من أكثر من 15 دولة عربية وأجنبية.
وتضمنت فعاليات المؤتمر العربي جلسة عن تشخيص الاضطرابات الوراثية، وتقنيات تحديد الخصائص الوراثية للأفراد. وقد كشف المؤتمر عن وجود نحو 1600 مرض وراثي منتشر في العالم العربي، واصفا هذا العدد بأنه «كبير جدا»، ويساعد على الإصابة بالأمراض العضوية.
وقال رئيس المركز العربي للدراسات الجينية رئيس المؤتمر الدكتور نجيب الخاجة إن: «80 في المئة من الأمراض الموجودة في العالم مشتركة بين الدول، فيما تتوزع الـ 20 في المئة الباقية على الدول العربية، مع وجود خصوصية في كل دولة». وأضاف: «بالنسبة إلى دول الخليج، يبلغ متوسط الأمراض الوراثية المكتشفة 250 مرضا وراثيا، حيث يبلغ عدد الأمراض الوراثية في الإمارات 270 مرضا، وينخفض العدد في البحرين ليتجاوز 200 مرض، بينما يزيد إلى 300 مرض في سلطنة عمان، ويصل أقصاه في الكويت بـ 340 مرضا وراثيا».
تعريف العلاج الجيني

يعرف العلاج الجيني على أنه استبدال الجين السليم الذي يؤخذ من المريض نفسه أو من إنسان آخر بالجين الممرض أو المسبب للمرض الوراثي.
طرق العلاج الجيني

توجد عدة طرق أو بروتوكولات معتمدة للعلاج الجيني في عدة دول، مثل: أميركا 135 بروتوكولا، و60 في أوروبا، وواحد في الصين، وآخر في اليابان. وكلها تعتمد على الأسس التالية:
1 - التعرف على الموقع الجيني المستهدف للعلاج.
2 - إحلال أو إضافة الجين السليم مكان الجين المعطوب عن طريق الحقن المباشر، أو استخلاص الخلايا المستهدفة وعلاجها خارج الكائن الحي ثم حقنها ثانية في الجسم بطريقة غير مباشرة.
3 - نقل الجين السليم عن طريق ناقل إلى الخلايا المستهدفة، ومن أهم النواقل الفيروسات بأنواعها.
4 - يجب أن يصل الجين إلى عدد كاف من الخلايا المستهدفة؛ ليستقر بها ويعبر عن نفسه.
تقسيمات العلاج الجيني

يمكن تقسيم العلاج الجيني إلى عدة تقسيمات حسب طريقة إدخال الجين إلى خلايا الجسم، أو طبقا للخلايا المستهدفة للعلاج (in vivo داخل الكائن ex vivo/ خارج الكائن الحي أو خلايا جسمية أو جنسية).
استخداماته في علاج الأمراض المختلفة

مازالت المعالجة الجينية للأمراض تحت التجارب على الحيوان، وهناك تجارب محدودة على الإنسان بداية من سنة 1995م، حيث بدأ العالم أندرسون في معهد الصحة الأميركي تجاربه على سرطان المخ، وحقق بعض النجاح، ومازالت الأبحاث مستمرة. كما أعلن في الصحف سنة 2007م عن نجاح علاج العمى الوراثي بالعلاج الجيني في أحد مستشفيات لندن لأول مرة على حيوانات التجارب.
ومن أهم الأمراض المرشحة للعلاج: أمراض السرطان والأمراض الوراثية، مثل: أمراض التليف الكيسي، وأمراض الدم، مثل: الهيموفيليا بأنواعها. كذلك يمكن استخدامه في أمراض الأيض، أو التمثيل الغذائي الناتجة عن خلل في وظائف أجهزة الجسم.
أهم الصعوبات التي تواجه تطبيقه

يعتبر العلاج الجيني من التقنيات الحديثة التي تحتاج إلى خبرة وإلمام كامل بطرق العلاج والبروتوكولات المعتمدة والمطبقة في كثير من الدول المتقدمة، كذلك من أهم الصعوبات عدم ثبات الجين المنقول، ومشاكل الجهاز المناعي، والأمراض متعددة الجينات، واحتمال تنشيط الجينات الضارة، مثل: جينات الأورام، نتيجة الدمج الخاطئ للجينات السليمة في غير أماكنها المستهدفة، بالإضافة إلى النواحي اللاخلاقية والدينية. ويمكن في المستقبل التغلب على هذه الصعوبات ونشر تطبيقه في معظم دول العالم. ويتنبأ العلماء أنه بحلول عام 2020م يمكن التعرف على معظم جينات الأمراض الوراثية وعلاج الأمراض الخطيرة، مثل: السرطان والإيدز وغيرهما، ونحن في انتظار الوعود الحالمة لهذه التقنيات الحديثة ومدى إمكانية تطبيقها في البلدان النامية. هذا الذي سوف نراه في المستقبل القريب، إن شاء الله.