تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: كيف نحيا بالقرآن؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي كيف نحيا بالقرآن؟

    كيف نحيا بالقرآن؟ (1 ـ 2)
    علي بن مختار بن محمد بن محفوظ
    تمر بالمسلمين الأزمات، ويتعرضون لعدد من المؤمرات، وتعترضهم العديد من المشكلات، سواء على المستوى الشخصي، أو العائلي، أو المجتمعي، وقد يصاب بعض المسلمين باليأس أو القنوت، والكل يتسائل عن الحلول الناجعة لهذه الفتن؟ أو كيف نخرج من حالة الإحباط، أو نواجه تلك المشكلات. والأسئلة تتضاعف عن المخرج مما نحن فيه من ابتلاءات، وبعض المسلمين يتوجه شرقا للبحث عن الحلول، ويجرب الحلول المستوردة من الدول الشرقية فترة من الزمن فلا تنجح، وبعضهم ينبهر بالتجارب الغربية فيجلبها ويطبقها فترات أخرى فلا تفلح.
    واقتنع الكثيرون أخيرا بالتوجه إلى الله الكريم المتعال، يستلهم منه الهداية والتوفيق، ويسأله فرجا للضيق الذي يعيش فيه المسلمون، ويبحث عدد كبير من المسلمين عن المخرج، ويوفق الكثيرون بالوصول للحل الأمثل، و هو التمسك بكتاب الله تعالى الذي يجدون أن فيه الحلول لكل ما يعانون، مع العمل بسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهي الموضحة لآيات الكتاب الكريم، لأنها تفسر القرآن الكريم وتشرحه عملياً, وتبين أحكامه, وتفصل مجمله وتوضح معانيه. وكل يوم تزداد القناعات بالعودة للعمل بكتاب الله تعالى، بل والعيش في ظلال القرآن، وكيف لا؟ والتجارب تثبت أن من يحيا بكتاب الله تعالى يعيش سعيدا في الدنيا، وينال في الآخرة الفوز والفلاح. فكيف نحيا بكتاب الله تعالى؟

    لماذا نتمسك بكتاب الله:
    قبل أن نوضح الجواب لا بد من بيان السبب في الاعتزاز بكتاب الله تعالى والإيمان به وتعظيمه و تقديمه على غيره، فالله عز وجل قد أنزل كتابا" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" الزمر: 23.
    وجعله خاتما ومهيمنا وناسخا لكل الكتب السابقة، والتي لم يتكفل سبحانه وتعالى بحفظها من التغيير والتبديل والتحريف، " وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " المائدة 43، وتكفل الله تعالى فقط بحفظ القرآن الكريم:" إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "الحجر 9. فقد حفظ الله تعالى الذكر الكريم من التحريف الذي أصاب الكتب السابقة, قال تعالى :( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة :75, وقد أثبت الباحثون المنصفون من غير المسلمين فضلا عن علماء المسسلمين أن القرآن الكريم حفظ في الصدور و كتب وجمع الجمع الأول في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم في العصور التالية في عهد الخلفاء رضي الله عنهم، ومازال المسلمون يحافظون على كتاب الله ويساهمون في ذلك باستخدام جميع الوسائل الحديثة.
    وكما أثبت عدد كبير من الكتاب والباحثين من المسلمين وغيرهم: أن القرآن الكريم كتاب خالد معجز، تظهر معجزاته المتنوعة في كل عصر؛ لتثبت أنه من عند الله, فالقرآن الكريم قد اشتمل على أصول التشربع التي تقوم عليها حياة البشر قال تعالى:(وَنَزَّلْ نَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )النحل :89 , ففيه كل ما يهم الناس من عقائد وعبادات وأحكام، وأخلاق ومعاملات وسلوك وآداب, قال الله تعالى:(مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) الأنعام : 38 . وتحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو سورة مثله فعجزوا, فدل ذلك وغيره على أنه من عند الله تعالى.
    كيف نواجه الفتن:
    فنحن نتمسك بكتاب الله تعالى، أيضا لأنه المخرج مما نحن فيه من فتن؟ ‏عَنْ ‏علي رضي الله عنه قال: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَقُولُ: ‏ ‏أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ ‏ ‏فِتْنَةٌ. ‏ ‏فَقُلْتُ: مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ ‏ ‏الْفَصْلُ ‏ ‏لَيْسَ بِالْهَزْلِ. مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ ‏ ‏قَصَمَهُ ‏ ‏اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، و هُوَ الَّذِي لَا ‏ ‏تَزِيغُ ‏ ‏بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا ‏ ‏يَخْلَقُ ‏ ‏عَلَى كَثْرَةِ ‏ ‏الرَّدِّ ‏ ‏وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا:" إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ" ‏ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" ‏(1).

    فالقرآن العظيم فيه حياة القلوب، ونور العقول، و في اتباعه الوصول للهُدي و للصراط المستقيم، وإذا أصيب المسلمون باليأس لكثرة تكالب الأعداء عليهم، فليعودوا لكتاب الله تعالى فينهلوا من أحكامه، ويستفيدوا بالقصص القرآني و بعتبروا بالمواعظ الواردة فيها، فقد أنزله الله تعالى لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين من بعده، وبذلك يمكن الخروج من حالة اليأس إلى الأمل، فالمنهج القرآني يزرع الثقة وبنشر الأمل ويرسخ اليقين أن المستقبل لهذا الدين.
    و هو القائد إلى رضوان الله تعالى وإلى جنات النعيم، و هوحرزٌ من الشيطان، وقربة إلى الرحمن، تلاوته عبادة،والتفكر في معانيه فوز وسعادة، والعمل به يوصل للنجاة والفلاح يوم القيامة.

    فكيف نحيا بكتاب الله تعالى؟
    بأن نعيش في ظلاله، ونحيا تحت سمائه، ويكون ذلك بتلاوته والاستماع إليه مع الإيمان به، وأيضا بتدبر آياته والتفكر قيها، مع الوصول للثمرة من ذلك بالعمل بآياته، وتطبيق أحكامه، والتحاكم إليه، والاستشفاء به، فإذا فعلنا ذلك فسنحيا حياة هنيئة، ونبتعد عن هجر القرآن الكريم، قال الله تعالى:"وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " الفرقان 30
    يقول ابن القيم رحمه الله : هجر القرآن أنواع :
    أحدها : هجر سماعه والإيمان به.
    والثاني : هجر العمل به، وإن قرأه وآمن به.
    والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه.
    والرابع : هجر تدبره وتفهم معانيه.
    والخامس : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب.

    وكل هذا داخل في قوله تعالى :((إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا )) ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض(2). و يقول ابن كثير : "إن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه" كما قال تعالى :((وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه)) ..الآية فكانوا إذا يتلى عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعونه، فهذا من هجرانه وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه وترك تدبره وتفهمه من هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه (3).
    ويقول (4): (( لقد هجروا القرآن الذي نزله الله على عبده لينذرهم . ويبصرهم . هجروه فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه ردا. وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله، ويجدوا الهدى على نوره.
    وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم، وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق). وإن ربه ليعلم, ولكنه دعاء البث والإنابة، يشهد به ربه على أنه لم يأل جهدا ، ولكن قومه لم يستمعوا لهذا القرآن ولم يتدبروه )) وذكر القرطبي وغيره من معاني مهجورا: متروكا.
    ولكي نحيا بالقرآن ينبغي ألا نهجر تلاوته، والاستماع إليه، وألا نهجر تدبره و العمل به، والتحاكم إليه، وأيضا لا نهجر الاستشفاء به.
    فكيف نحيا بالقرآن سنتابع ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
    الإحالات(الهوام ):
    1. رواه الترمذي في سننه، في كتاب فضائل القرآن، وقال: ‏ هَذَا ‏ ‏حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ ‏ ‏وَفِي ‏ ‏الْحَارِثِ ‏ ‏مَقَالٌ. ‏و الصحيح في هذا الحديث أنه موقوف على الإمام علي رضي الله عنه كما قال الإمام ابن كثير في فضائل القرآن: : 45 مشهور من رواية الحارث الأعور وقد تكلموا فيه وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي وقد وهم بعضهم في رفعه وهو كلام حسن صحيح ، و أما من رواه مرفوعا فهو ضعيف. راجع أيضا ضعيف الترمذي 2906.
    2. راجع: صفوة التفاسير، عن تفسير محاسن التأويل سورة الفرقان آية 30.
    3. راجع تفسير ابن كثير سورة الفرقان آية 30.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: كيف نحيا بالقرآن؟

    كيف نحيا بالقرآن؟ 2-2
    علي مختار محفوظ



    لكي نحيا بالقرآن لا بد من الإقبال على تلاوته، قال - تعالى -: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) المزمل، وقال - تعالى -: (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ) الكهف، أو الإكثار من الاستماع إليه كما قال - تعالى - للمؤمنين: (وَإِذَا قُرِئ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) سورة الأعراف، وقال - تعالى - عن أساليب الكافرين الذين لا يريدون الهداية للناس، ولذلك يمنعوهم من الاستماع للقرآن الكريم: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) سورة فصلت.
    والذي يشجعنا على الإقبال على تلاوة القرآن، واستمرار الاستماع إليه:
    هو أن نتذكر الثواب الجزيل والأجر العظيم الذي ينتظر قارئ القرآن، ‏عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ ‏ ‏قَالَتْ‏: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏- صلى الله عليه وسلم -: ((‏‏الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ ‏ ‏السَّفَرَةِ ‏ ‏الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ‏ ‏وَيَتَتَعْتَع ‏ ‏فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ))(1) أي ينال أجر التلاوة وأجر الصبر على المشقة.
    و‏عَنْ ‏ ‏عُثْمَانَ ‏ -‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-‏ عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏قَالَ: ((‏‏خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))(2).
    وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف))(3).
    ومن يجلس في حلقات القرآن يشعر أن السكينة تنزل عليه، والملائكة تحفظه، وهذا ما ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مبشرا من يجتمع حول حلقات القرآن الكريم: ((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُون َهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ نسبه))(4) رواه مسلم، وفي رواية له لم يقيده بالمسجد: لا يقعد قوم يذكرون الله - عز وجل -.
    ولكي نحيا بالقرآن علينا العمل به بعد الاستماع والتلاوة:
    فثمرة التلاوة والاستماع لكتاب الله: العمل، فهو الذي يظهر أن الإنسان مؤمن بما يسمع أو يتكلم، و العمل هو الذي يترجم ما في القلب من إيمان، ويظهر أن الإنسان المسلم ينتفع بما يسمع، وإذا لم يعمل المسلم بما يتفوه به؛ كان والعياذ بالله كالحمار الذي يحمل فوق ظهره نفائس العلوم ولكنه لا ينتفع بها، قال الله - تعالى -: ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) سورة الجمعة.
    فما الفائدة من التلاوة والاستماع وحضور حلقات مدارسة القرآن دون أن تتحول إلى عمل، والعمل لا يشتمل فقط على أداء العبادات، أو الخشوع فيها، بل يدخل تحته التخلق بأخلاق القرآن وحسن التعامل مع الناس، والإحسان والرحمة حتى مع الحيوان.
    والمسلم الحق هو الذي يعمل بما يتعلم أو يقرأ حتى لا يخالف قوله: فعله، قال - تعالى -: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)) سورة الصف.
    ما الذي يجعل الإنسان يقبل على العمل بكتاب الله - تعالى - أيضا:
    عندما يعلم أن القرآن الكريم فيه المخرج من المشكلات التي يعاني منها الفرد أو الأمة؟
    فكل معضلة فشلت الحلول الأرضية في حلها؛ نجد حلها في الحلول الربانية المستمدة من كتاب الله - تعالى - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فمثلا مشكلات الناس تنشأ لعدم اتباع تعاليم القرآن الكريم، أو عدم التخلق بأخلاق القرآن، فالمسلم المصاحب لكتاب الله - تعالى - نجد أن أخلاقه فاضلة، وتعاملاته مع الناس في تحسن مستمر، و قد سئلت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: "كان خلقه القرآن"(5).
    حل المشكلات عموما:
    وعندما نعاني من مشاكل الحياة المستمرة ولا نجد لها الحلول الناجعة في المناهج الأرضية، فما الحل للمشكلات الاقتصادية كالفقر والبطالة وسوء التوزيع أو غيرها، نجد الحلول الناجعة في التمسك بمنهج الله - تعالى -الذي فيه الحلول المناسبة و المتكاملة كما قال - سبحانه -: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) النحل 89، وقال - تعالى -: (مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) سورة الأنعام: 38، وهذه المشكلات سوف نفرد لها بإذن الله - تعالى -: أبحاثا أو مقالات مستقلة لإثبات أن الحل في اتباع القرآن الكريم (راجع: التربية المالية، أو منهج الإسلام في المال، منشور في هذا الموقع).
    حل المشكلات الأسرية:
    وعندما نسمع عن المشكلات الأسرية عموما أو بين الزوجين، أو كثرة وقوع الطلاق، ومشكلة زيادة أعداد العانسات، وانصراف الرجال عن الزواج، وكثرة حالات العنف بين الأزواج أو الآباء والأبناء، وغيرها من المشكلات؛ أليست هذه المشكلات بحاجة إلى حلول ناجعة؟ فهل نتوجه لحلول مستمدة من دول غربية أو شرقية؟ أن نستمد الحلول من القواعد المقررة في كتاب الله - تعالى - لتنظيم المعاملات العائلية، وفض النزاعات الأسرية خصوصا إذا وقعت بين الزوجين، والقرآن الكريم قد اهتم بالنساء وبالأسرة وبالأولاد والآباء، و وضع الحلول المناسبة للمشكلات التي تقع بين هذه الأطراف، فعلينا فقط أن نقرأ القرآن الكريم ونتدارسه ونتفهمه ونتدبره، ونتحاكم إليه للوصول للسعادة المطلوبة التي يبحث عنها الجميع، و من أفضل الحلول المجربة لحل المشكلات عموما: هو القنوت والقيام في وقت السحر واستثمار هذا الوقت في الدعاء (راجع مقال: أفضل الأوقات الحل المشكلات).
    أليست هذه الأسباب كافية للتمسك بكتاب الله - تعالى -، والإقبال عليه؟ وموقع لها أون لاين بفضل الله تعالى يقدم الاستشارات والتي فيها حل للعديد من المشكلات باتباع القواعد الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة.
    وأيضا الذي يجعل الإنسان يقبل على العمل بكتاب الله - تعالى - عندما يتأكد من أثر ذلك في حياته الشخصية، كما ورد عن ترجمان القرآن ابن عباس - رضي الله عنه -: تكفل الله - تعالى - لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ قوله - تعالى - في سورة طه: (فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلّ وَلاَ يَشْقَىَ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَىَ * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِيَ أَعْمَىَ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىَ)(6).
    مثال على حالة مستعصية:
    خذ مثالا على من يعاني أو يصاب باليأس أو الإحباط أو القنوط، لكثرة المشكلات المحيطة به، أو لقوة المؤمرات التي يتعرض لها العالم الإسلامي، إضافة لعدد كبير من الهموم التي يعاني منها، فما المخرج له ليشعر بالفرج بعد الهم، أو بالأمل بعد اليأس: سوى العودة للقرآن الكريم، تلاوة وتدبرا وعملا، فإذا قرأ هذا الشخص المحبط: آيات قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون، في سورة القصص مثلا، أو في أي سورة يمر بها، يجد أن القصة تتكرر في سور عديدة، وكل مرة تصور مشهدا مختلفا، تجعل المسلم يرى الطاغية المتكبر فرعون وهو يذبح الأبناء ويستحيي النساء، أو يسمعه و هو يتفرعن فيقول: " أنا ربكم الأعلى" أو وهو يتكبر فيقول: "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ، " فيتأكد أن قدرة الله - عز وجل - لا يحجبها أحد، فقد تربى موسى في بيت فرعون، إنفاذا لأمر الله - تعالى -ولتثبيت قلوب المؤمنين، وزرع الأمل في نفوسهم، ثم يقرأ نهايته الأليمة: " فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" فيتأكد أن الله - تعالى -مع المؤمنين، أو يقرأ في سورة النازعات القصة باختصار: (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى، إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) ألا تخرج هذه الآيات المسلم من حالة الإحباط إلى الأمل، وتزرع فيه الثقة وترسخ فيه اليقين أن المستقبل للمسلمين، ولكن لمن؟ لمن يتمسكون بحبل الله المتين، أو من ينصرون الله - تعالى -أولا في أنفسهم ليستحقوا أن يتنزل عليه نصر الله - تعالى - وتأييده، كما قال - تعالى - في قاعدة قرآنية، و آية ربانية لا تتخلف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد: 7.
    فمن يصاب باليأس، أو يغلب عليه الهم، أو تضعف ثقته في نصر الله، أو يشعر بالضيق أو الانهزام وتجتمع عليه المشكلات: عليه بالرجوع لكتاب الله - تعالى - فسيجد منهج القرآن يعمل على زرع الثقة وبث الأمل وترسيخ اليقين أن المستقبل المشرق لمن تمسك بهذا الدين، وبتلاوة آيات الله في كتاب الله الكريم بتدبر وتأمل، مع توفر نية العمل فسوف يخرج بإذن الله من الضيق إلى الفرج، ويعلم أن بعد العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسريين.
    البعد عن هجر التدبر:
    ولكي نحيا بالقرآن علينا: مع الاستماع والتلاوة، أن نتدبر آياته مع توفر نية العمل بها، وبذلك نتجنب: هجر التدبر، ولكي يستمر المسلم في التدبر عليه أن يتذكر هذه القصة العجيبة التي توضح أن من يقرأ القرآن الكريم بتدبر وتمهل وتأمل يشعر بـ‏نُزُولِ السَّكِينَة و أيضا بحضور الْمَلَائِكَةِ والتي تحفه عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فـ‏عنْ ‏ ‏أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْر ‏قَال: "بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنْ اللَّيْلِ سُورَةَ ‏ ‏الْبَقَرَةِ ‏ ‏وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ إِذْ ‏ ‏جَالَتْ ‏ ‏الْفَرَسُ، فَسَكَتَ. فَسَكَتَتْ، فَقَرَأَ ‏، فَجَالَتْ ‏ ‏الْفَرَسُ فَسَكَتَ وَسَكَتَتْ الْفَرَسُ ثُمَّ قَرَأَ ‏ ‏فَجَالَتْ ‏ ‏الْفَرَسُ فَانْصَرَفَ وَكَانَ ابْنُهُ ‏ ‏يَحْيَى ‏ ‏قَرِيبًا مِنْهَا فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا اجْتَرَّهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏فَقَالَ: ((اقْرَأْ يَا ‏ ‏ابْنَ حُضَيْرٍ،‏ ‏اقْرَأْ يَا ‏ ‏ابْنَ حُضَيْرٍ)) ‏قَالَ: فَأَشْفَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ ‏ ‏يَحْيَى، ‏ ‏وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا. فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ: فَإِذَا مِثْلُ ‏ ‏الظُّلَّةِ ‏فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، فَخَرَجَتْ حَتَّى لَا أَرَاهَا. قَالَ: ((وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟)) قَالَ: لَا، قَالَ: ((تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ))(7).
    وقد وردت عن كثير من السلف الصالح مواقف مشابهة شعروا فيها بالرحمة ونزول السكينة، وحضور الملائكة عند قراءة القرآن بتدبر، ومن هذا ماحكاه الإمام الذهبي في سير النبلاء عن عروة بن الزبير لما أراد الطبيب قطع رجله لإصابتها بالغرغرينا أو التسمم، وطلب منه تناول الخمر أو شيء مما يذهب العقل فرفض، وظل يقرأ القرآن ويذكر الله - تعالى -، وكأنه لا يحس بشيء بسبب تلاوته بتدبر وخشوع وتأثر، ولكنه أغمي عليه عندما قطعت رجله بالمنشار.
    وقد سمعنا من أناس صالحين في هذه العصور المتأخرة: أمثال هذه القصص التي شعروا فيها بالآثار الإيجابية لتلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع، وكثير من الناس يعترف بفضل القرآن الكريم في إعادة الثقة وبث الأمل، والخروج من الفتن، والتغلب على المشكلات، وتجاوز العقبات، وهذه من النتائج المستمرة والفضائل المتواصلة لقراءة القرآن بتدبر، وتلاوته بتأثر (راجع تأثر الصحابي الجليل عباد بن بشر بتلاوة القرآن، لدرجة أنه لم يشعر بالجرح الذي أصابه وهو في الصلاة (راجع مقال: أفضل الأوقات الحل المشكلات).
    هجر التحاكم:
    وبعد البعد عن هجر التلاوة والاستماع والتدبر والعمل، علينا أن نتحاكم إلى كتاب الله - تعالى -: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) النساء65، ونعود إليه عند التنازع، قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) النساء: 59.
    ولا يجوز أن نطالب فقط الحكام للتحاكم إلى كتاب الله - تعالى - وتقديمه على غيره، ولا نبدأ بأنفسنا، ونقرأ عليهم هذه الآيات وغيرها، ولا نحيا بها في تعاملاتنا المنوعة كأن التحاكم للقرآن الكريم نزل فقط للقضاة أو للحكام، ولكن لا بد أن نتحاكم إليه ونعيش في ظلاله في جميع أمورنا، وإذا حصل ذلك فسيتوجه الآخرون للتحاكم إليه في جميع المجالات: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيّ ُونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) المائدة44.
    هجر الاستشفاء بالقرآن الكريم:
    يهجر كثير من المسلمين التداوي بكتاب الله - تعالى - والاستشفاء بآياته، ولم يعلموا أنه شفاء للقلوب، وعلاج للنفوس وقد قال الله - تعالى -: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) الإسراء 82.
    وقد قرأ قدوتنا رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - القرآن على نفسه طلبا للاستشفاء، فعَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ -‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا‏- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏كَانَ ‏ ‏إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ ‏ ‏بِالْمُعَوِّذ اتِ ‏ ‏وَيَنْفُثُ ‏ ‏فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا(8).
    بل لقد تعجب رَسُول اللَّهِ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - من الصحابي الذي قرأه على من لدغ كما ورد في هذه القصة العجيبة ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي سَعِيدٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏قَالَ‏: "انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ ‏ ‏أَصْحَابِ النَّبِيِّ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم -‏ ‏فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ ‏ ‏الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُ مْ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ. فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا ‏ ‏الرَّهْطُ؛‏ ‏إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي ‏لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُم ْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا ‏ ‏جُعْلًا، ‏ ‏فَصَالَحُوهُم عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ. ‏ ‏فَانْطَلَقَ ‏ ‏يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ:‏ (‏الْحَمْدُ لِلَّهِ ‏ ‏رَبِّ الْعَالَمِينَ)‏ ‏فَكَأَنَّمَا ‏ ‏ نُشِطَ ‏ ‏مِنْ عِقَالٍ. ‏ ‏فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم - ‏ ‏فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: ‏((‏وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟)) ثُمَّ قَالَ: ((قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا))، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏- صلى الله عليه وسلم -(9).
    فقد انتفع هذا الأمير وهو غير مسلم بقراءة القرآن عليه من هذا الصحابي الجليل، فهل نستفد نحن المسلمين بهذه المنافع العديدة لكتاب الله تعالى؟
    بحوث علمية جديدة:
    وقد ثبت في أبحاث علمية جديدة أن الاستماع لآيات القرآن الكريم يخفف التوتر، وينشط المناعة، ويزيد قدرة الجسم على مقاومة الأمراض الجرثومية والمستعصية والمزمنة.
    وقد توصل الباحثون إلى أن الاستماع للقرآن الكريم عند تلاوته وتجويده، يسبب تغيرات إيجابية على الصحة النفسية ووظائف الجسم العصبية، سواء كان الشخص المستمع مسلما أو حتى غير مسلم (10).
    اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وصلى اللهم على من أُنزل عليه القرآن ليكون للعالمين نذيرا وعلى آله وصحبه الذين هم به عاملين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    ____________
    الإحالات:
    1. رواه مسلم في صلاة المسافرين باب فضل الماهر بالقرآن (1329)، وهذا لفظ مسلم، ورواه البخاري بلفظ: مثل الذي يقرأ القرآن، وهو حافظ له، مع السفرة الكرام البررة، ومثل الذي يقرأ، وهو يتعاهده، وهو عليه شديد، فله أجران.
    2. رواه البخاري في فضائل القرآن، باب: ‏خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ(4639).
    3. رواه الترمذي وصححه.
    4. رواه مسلم في الذكر(2700).
    5. راجع تفسير ابن كثير، سورة طه.
    6. راجع صحيح الأدب المفرد(للبخاري - (للألباني الصفحة أو الرقم، 234 وأصل الكتاب الأدب المفرد للبخاري، وانظر أيضا: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 4811).
    7. متفق عليه: رواه البخاري في فضائل القرآن، باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن، رواه مسلم في صلاة المسافرين باب نزول السكينة لقراءة القرآن.
    8. رواه البخاري في فضائل القرآن، باب ‏فضل المعوذات‏ (5016).
    9. حديث النفر الثلاثة: رواه البخاري في الإجارة باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب.
    10. راجع تفاصيل البحث تحت اسم: (الاستماع للقرآن يشفي من الأمراض) منشور بموقع إسلام أون لاين، هذه الحقائق المنشورة سبق و أثبتها أ. د أحمد القاضي بتجارب علمية عديدة ودقيقة والمحاضرة مسجلة على شريط فيديو، كانت بالاشتراك مع أ. د الباز، ومنشورة أو موجودة في شريط فيديو بمركز الملك فيصل بالرياض
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •