فقد العلماء




إن المنزلة العظيمة للعلماء والمكانة السامية الرفيعة لهم هي بفضل ما ورثوه عن الأنبياء من العلم والعمل، فهم المخلصون الذين حفظوا هذا الدين، وهم العلماء العاملون الذين كانوا أعلامًا يهتدى بهم في ظلمات الجهل، وأئمة يقتدى بهم، وبتعليمهم تضمحل غياهب الشرك ومهاوي الضلالة.

روى الإمام الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" وفي رواية له ولأبي داود: "فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر"، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلمي الناس الخير".

وقال الإمام أحمد رحمه الله: "الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرتين أو ثلاثا، والعلم يحتاج إليه في كل وقت".

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمهما الله: "قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي، فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟ قال: يا بني كان كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف أو منهما من عوض".

فوجود العلماء في الأمة حفظ لدينها وصون لعزتها وكرامتها، لأنهم السياج المتين الذي يحول بين الدين وأعدائه، والنور المبين الذي تستنير به الأمة عند اشتباه الحق وخفائه، وهم ورثة الأنبياء في أممهم، وأمناؤهم على دينهم، وهم شهداء الله في الأرض؛ شهداء بالحق أنه لا إله إلا الله وحده... قال تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ والْمَلائِكَةُ وأُوْلُوا العِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)، وهم أهل خشية الله: (إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ).

وهم الوسيلة في تبين الأحكام (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وأهل الذكر هم العلماء الذين يستعان بفهمهم على فهم مراد الله ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ومَا يَعْقِلُهَا إلاَّ العَالِمُونَ)، لأنهم ورثة الأنبياء في العلم والفقه والفهم.

وما كان الله ليهلك أمة من الأمم وفيها المصلحون، كما قال جل في علاه: (ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).

وإذا كانت هذه منزلة العلماء في الأمة والدين، أفلا يجدر بنا أن نأسف على فقدهم وموتهم؟ ففقدهم ليس فقدًا لرجل صالح فحسب، ولكنه فقد لجزء من ميراث النبوة.

إن فقد العالم لا يعوض عنه مال ولا عقار ولا متاع ولا دينار، فقد العالم مصيبة على الإسلام ورزية نزلت على المسلمين، لا يعوض عنه إلا أن ييسر الله من يخلفه من العلماء فيقوم بمثل ما قام به من الجهاد ونصرة الحق.

في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل"، وعند البخاري رحمه الله عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وابي موسى فقالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل ويرفع العلم".


قال الإمام النووي رحمه الله: "....المارد بقبض العلم في الأحاديث السابقة المطلقة جهالا يحكمون بجهالاتهم فيضلون ويضلون".


ومصداق ما قاله الإمام النووي رحمه الله ما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوسًا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا".

وصدق من قال:




لعمرك ما الرزية فقد مال



ولا فرس تموت ولا بعير


ولكن الرزية فقد شخص


يموت بموته خلق كثير

منقول