لسان يقطر عسلا ..وآخر يقطر سما



هدى محمد نبيه



أثناء جلوسي في العمل، دخلت علينا المكتب إحدى الموظفات التي قد أحيلت إلى المعاش من وقت قريب، وإذا بكل الزملاء في المكتب ينهضون من أماكنهم للترحيب بزميلتهم العزيزة، فتجد من يسألها عن أخبارها الصحية، وأخبار زوجها وأبنائها، ومن يحضر لها مشروبها المفضل، وكان قدومها للمكتب بمثابة فرحة للجميع، أخذوا يتذكروا سويا المواقف التي جمعتهم الحزينة منها والسعيدة، وكيف كانوا كالأسرة الواحدة المتحابة، و عندما همت الزميلة السابقة بالانصراف صحبتها دعوات الحضور متمنيين لها الصحة والعافية، وبعد خروجها من المكتب استمر الجميع في الحديث عنها وعن مواقفها الجميلة ووقفاتها الرائعة مع كل الزملاء، فلم تكن تتحدث إلا بكل ما هو جميل ولم ينطق لسانها إلا بكل كلمة طيبة، وما كانت تواجه الإساءة بمثلها، فالكل اجمع أنها ما كانت تفتح فمها إلا ليخرج منه أجمل الكلمات واصدق الدعوات.

وبعد مرور أيام قلائل، حضر إلى المكتب واحد من الزملاء السابقين، والذي كان قد أحيل للتقاعد من أشهر قليلة، إلا أن الجميع في هذه المرة لم يبدوا على وجوههم السعادة لرؤيته، وقد تشاغل البعض بالنظر في أوراق أمامه أو بالبحث عن شيء مجهول، كل هذا حتى يتجنبوا النظر إليه أو الحديث معه، وما إن القي السلام على الموجودين حتى ردوا عليه السلام بطريقة مقتضبة، ولم يكترث أحد لحضوره، وبعد انصرافه من المكتب أخذ الجميع يتذكر كيف كان يؤذي الجميع بلسانه، و بدء كل واحد من الموجودين بسرد موقف من المواقف التي جمعته بهذا الزميل، وكيف آذاه بلسانه، الكل اجمع انه ما كان يفتح فمه إلا ليقطر منه أقبح الألفاظ وأسوء العبارات.

تأملت بيني وبين نفسي الموقفين ومدى التباين والاختلاف بين لقاء الزملاء بهاذين الزميلين، و كيف حصد كل واحد منهم نتاج عمله وما نطق به لسانه، فهذا اللسان الصغير قد يكون نقمة كبيرة للفرد وقد يكون نعمة عظيمه له، فاللسان نعمة وسلاح ذو حدين إن استعمل في الخير كان سبباً لرضوان الله وإن استعمل في الشر كان سبباً لسخط الله.

واللسان أعصى الأعضاء على الإنسان وهو أعظم وسيلة يستخدمها الشيطان ضد بني آدم، فليحذر الإنسان من لسانه وليعمل جاهداً أن يكون لسانه قائده إلى الجنة وموصله إلى رضوان الله، فإن كل ما يقول محسوب، إما له أو عليه، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} وجاء في الحديث أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال للنبي صلي الله عليه وسلم : "يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟

فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"

ما هي آفات اللسان ؟

1 - الكلام فيما لا يعنيك :قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"
2 - فضول الكلام.


3 - الخوض بالباطل.

4 - السب والفحش وبذاءة الكلام.

5 – اللعن.

6 - السخرية والاستهزاء: قال تعالى: {يا آيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن}.

7 – إفشاء السر.

8 –الكذب والوعد الكذب.

9 – النميمة، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض من أجل الإفساد ووقع الفتنة قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام ".

وقد وصف الله تعالى النمامين بتسعة صفات بسورة القلم بقوله: "ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم".

طرق التخلص من آفات اللسان:

1 - التوبة إلى الله التوبة النصوح منها جميعاً.

2 - الإكثار من ذكر الله عز وجل: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

3 – العلم بمدى قبح هذه الآفات، وأن من يقع فيها سيتعرض لغضب الله سبحانه و تعالى.

4 - أن يعلم المصاب بهذه الآفات أنها محبطة لحسناته يوم القيامة و مثقلة لميزان سيئاته. قال رسول الله: أتدرون ما المفلس؟ قالوا: "المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي، يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هـذا، وقذف هـذا، وأكل مال هـذا، وسفك دم هـذا، وضرب هـذا. فيعطى هـذا من حسناته وهـذا من حسناته. فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه. أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثم طرح في النار"} رواه مسلم { .

5 - عدم الجلوس في المجالس التي فيها آفات اللسان كالغيبة و النميمة و الكذب و الغناء و اللعن و السب و السخرية و الاستهزاء ، حتى لا يكون معاوناً لهم على الإثم و العدوان . . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ..سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غُفر له ما كان في مجلسه ذلك".

6 – نصح من يقعون في أعراض المسلمين ويفترون عليهم الكذب، و استنكار تلك الفعلة، فيمكن أن يكون ذلك دافعاً إلى توبتهم ورجوعهم.

7 – أشغل نفسك بعيوبك بدلا من أن تشغل نفسك بعيوب الآخرين.


8 – أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وكما لا ترضى أن يتناول الناس سيرتك بألسنتهم، فعليك ألا ترضى ذلك لغيرك.

9 - قطع جميع الأسباب الباعثة على تلك الآفة كالغضب و الحسد و الكبر و المباهاة و الغرور و تزكية النفس و التعلق بغير الله .

اللهم إنا نسألك خير الكلام و خير الأفعال و الأعمال ....اللهم آمين.