كوني مثابرة



فاطمة عبد الرءوف





لعله الطريق المؤكد للنجاح مهما كانت الإمكانيات متواضعة والطريق شاقة أو طويلة إنه طريق المثابرة هل تذكرين تلك القصة القديمة (الأرنب المغرور) هل تذكرين كيف استطاعت السلحفاة البطيئة الانتصار والفوز بالمسابقة بالدأب والمثابرة ولو أنها قالت وهل يمكنني أن أدخل مسابقة الجري مع الأرنب السريع الوثاب وجلست في مكانها لم يكن ليلومها أحد ولكنها اجتهدت قدر طاقتها وثابرت حتى وصلت بينما اطمأن الأرنب لمهاراته الفائقة فنام حتى نفد الوقت وانتهت المسابقة .

أدمني القرع

كان بعض العارفين يقول : ( من أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له ) يقصد أنه حتى في المجال الروحي لابد من المثابرة فقد تجلسين جلسة ذكر فلا يحضر قلبك ولا تخشع جوارحك فهل تتوقفين أم تدمنين قرع الباب وهذا المعنى تستشعرينه عندما تقرئين قوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69].

المجاهدة هي صيغة تدل على بلوغ أقصى الطاقة وليس مجرد بذل الطاقة إنها المثابرة التي ادعوك للتحلي بها ..إنها الصبر عندما يصل لذروته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران : 200 ليس مجرد أن تصبري ولكن أن تصابري في حياتك كلها ما يتعلق بشئون الدنيا وما يتعلق بشئون الآخرة .

نساء مثابرات

هلا نظرت إلى هاجر عليها السلام أم إسماعيل فهي على الرغم من يقينها أن الله لن يضيعها إلا أنها ثابرت على البحث عن الماء تحاول مرة ومرة حتى وصلت للمرة السابعة وهنا جاء الغوث وتدفق الماء وخلدت تجربتها وأصبحت شعيرة للمسلمين هذا السعي بأشواطه السبعة .

وهذه امرأة أيوب ابتليت كما ابتلي زوجها النبي ففقدت الأهل والبيت ومتاع الحياة ولم يعد لنبي الله المبتلى من يقوم بشئونه غيرها فقامت بها خير قيام على الرغم من تطاول السنون وفي خضم هذا يقسم زوجها إن شفاه الله ليضربها فلا يمنعها هذا من مواصلة ما تقوم به من جهد عظيم حتى يأذن الله برفع الضر ويبر أيوب بقسمه دون أن يؤذيها أو يؤلمها .

بين رجلين

الذكاء والموهبة دون مثابرة لا تجدي شيئا أو لعلها تجدي الفتات بينما المثابرة والاستفادة من المتاح مهما كان بسيطا يحقق المعجزات لذلك ف ( أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل ) رواه مسلم..الدوام الاستمرارية هي روح المثابرة فقد ييأس إنسان ما وهو على بعد خطوات قليلة من النجاح (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ) رواه البخاري

مثل ذلك الذي (كـَانَ مَعَ رَسُـولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَـليهِ وسلَّم رجلٌ في بعضِ مغَازيهِ فَأبْلَى بـَلاءً حـَسنًا فعجبَ المسلمـونَ من بـَلائِهِ فـقَالَ رســولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسـلَّم :"أمَا إنَّه من أهلِ النَّارِ" ، قُلنَا في سـبيلِ اللهِ مَعَ رسـولِ اللهِ ؛ اللهُ ورسولُهُ أعلمُ.. قـَالَ فخرجَ الرَّجلُ فلمَّا اشتـدَّتْ بِهِ الجراحُ وضـعَ ذبابَ سيفِهِ

بينَ ثدييهِ ثُمَّ اتَّـكَأَ عليهِ فأتى رسـول اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقيلَ لَهُ الرَّجلُ الذي قلتَ لَهُ مَا قُلتَ قد رأيتُهُ يتضربُ والسيفُ بينَ أضعَافِهِ ، فقـَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّـم: "إنَّ الرَّجلَ ليعملَ بعملِ أهلِ الجنَّةِ حتَّى يبدُوَ للنَّاسِ وإنَّهُ لَمن أهلِ النَّارِ ؛ وإنَّه ليعملَ عملَ أهلِ النَّارِ فيمَا يبدُو للنَّاسِ وإنَّهُ لَمن أهلِ الجنَّةِ".رواه أحمد

لو أنه صبر على ألم الجراح لو أنه ثابر على نقاء سريرته ونيته ألم يكن له شأن آخر

وفي المقابل تأملي حال رجل أعمى ولكنه ثابر حتى ارتقى ونال الشهادة وخلد ذكره في القرآن الكريم إنه ابن أم مكتوم كان يثابر على التعلم وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم وفي احد المرات ذهب يسأل النبي صلى الله عليه وسلم والنبي مشغول مع بعض وجهاء قريش يأمل في إسلامه فأعرض عنه النبي فأنزل الله فيه قرآنا يتلى ( عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى )[عبس: 1] .

وبلغ من مثابرته على الوصول للدرجات العلى أن استخلفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم على المدينة

وبلغ من مثابرته على الارتقاء انه لما نزلت : لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ جاء ابن أم مكتوم ، فشكا ضرارته وقال وكيف بمن لا يستطيع ، فنزلت غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ .

وعلى الرغم من ذلك لم يترك الجهاد ِ فكان يغزو ويقول : ادفعوا إلي اللواء ، فإني أعمى لا أستطيع أن أفر ، وأقيموني بين الصفين فاستخدم اعاقته لتحقيق المصلحة العامة .

وكان معه يوم القادسية راية سوداء و عليه درع حصينة سابغة ويقال أنه استشهد في القادسية .

فانظري إلى نتيجة المثابرة التشريع يعفيه من الجهاد ولكنه لا يعفي نفسه ..هل تتخيلي كم الجهد الذي يبذله رجل أعمى حتى يشهد مثل هذه المعركة

مالذي يمنعك إذن أن تتحلي بهذه القيمة العظيمة التي قد تبدل حياتك إنك لا تحتاجين أكثر من أن تريدي أن تتحلي بهذه الصفة ..ستجدين نفسك وقتها قادرة على الصبر على أخطاء أبنائك ولديك القدرة للتوجيه للمرة الألف دون ثورة أو غضب.

ستجدين نفسك تلتمس العذر لحماتك وستستطيعين بدء صفحة جديدة معها.

ستجدين لديك الطاقة لحفظ كتاب الله حتى لو كنت تحفظين سطرا واحد في اليوم.

ستجدين انك لست بحاجة لشكر أو تقدير من أحد لكي تستطيعي الاستمرار فسر الاستمرارية لا يكمن إلا داخل ذاتك.