في عهد عمر بن عبدالعزيز/ السياسة المالية الراشدة

بـوعـزيـز الشـيـخ


باحث دراسات إسلامية





أخذت سياسة عمر بن عبدالعزيز المالية مكانة بالغة الأهمية في فترة خلافته، إذ تشهد أيامه التي قضاها على رأس الخلافة أنه كان مديرا ماليا بامتياز، كيف لا، وقد تميز عهده برخاء اقتصادي، حتى صار أهل الزكاة لا يجدون من يأخذ زكاتهم، وذلك لعدم وجود من يستحقها، بسبب الرفاهية الاقتصادية المنقطعة النظير، وسنتناول في هذا المقام الإشادة بأهم الإجراءات المالية المتخذة في عهده، وأثرها على النواحي الاقتصادية للخلافة، لذلك فإن دراسة السياسة المالية والاقتصادية لعمر بن عبدالعزيز تعد أمرا مهما، لأن عهده جاء بعد أن ظهرت عدة تجاوزات مالية واقتصادية، لم تكن موجودة زمن الرسول " صلى الله عليه وسلم" والخلفاء الراشدين.



الكلمات المفتاحية



السياسة المالية


تمثل السياسة المالية أحد أهم الركائز التي تتحقق بها التنمية الاقتصادية، إذ تعتبر إحدى الوسائل المهمة لمحاربة مظاهر الفقر والتخلف، وتسعى نحو التقدم في شتى مجالات الحياة، وجدارا صلبا لمواجهة المشكلات الاقتصادية، من خلال محاربة التضخم وتحقيق الاستقرار الاقتصادي بشكل عام، والاستقرار المالي بشكل خاص، بالإضافة إلى السعي لتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، بمحاربة مظاهر الفقر والبطالة، وتحقيق العدالة في توزيع الدخول، والإقلال من الفجوات ما بين الفئات المختلفة للمجتمع، ناهيك عن الجانب البيئي الذي هو أساس الحياة البشرية.

وبالرغم من تطبيق السياسات المالية المختلفة في إطار الفكر الغربي، سواء أكان رأسماليا أو اشتراكيا، فإن هذه السياسات أثبتت فشلها لعدم، ملاءمتها لطبيعة وبيئة مختلف المجتمعات الإسلامية، مما دفعنا إلى الرجوع إلى الماضي، واستخلاص الدروس المثالية في ضوء سياسة مالية راشدة، انتهجها خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز، والتي استطاع من خلالها تحقيق اقتصاد مثالي، أعتبره مثالا خالدا للعدالة الاقتصادية، لم تشهد المعمورة مثله حتى الساعة.

أهمية البحث تظهر أهمية البحث من خلال إبراز أهمية الرجوع إلى الأسس والمبادئ الراشدية لمواجهة الأزمات المالية والاقتصادية العصرية التي ترتبط بالدول الإسلامية عموما، وبالدول العربية خصوصا.. والتي تتمثل في: طرح المنهج الإسلامي بصورة علمية ومنهجية للحكام المسلمين المبتعدين عن جوهر الدين، وعن تطبيقه في حياتهم العامة، ولغير المسلمين الذين يبحثون عن بديل للنظام المالي المنفعي المتعدد الأزمات.

مشكلة البحث تتلخص مشكلة البحث في الحاجة إلى دراسة علمية تحليلية لعوامل الرفاهية الاقتصادية، في عهد الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبدالعزيز التي بدأت من خلال تطبيق نظام مالي مثالي. ومحاولة الإجابة على أهم الأسس الضوابط المالية التي أدت إلى الازدهار الاقتصادي في عهده.

الفرضيات تناولت الدراسة اختيار فرضية أن النظام المالي الراشد له الأثر الكبير في تحقيق التوازن الاجتماعي، مما يدفع بعجلة التنمية الاقتصادية إلى النقطة المثالية.

من هو عمر بن عبدالعزيز؟ سؤال وجب الإجابة عنه قبل الدخول في صلب الموضوع، هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبدشمس بن عبدمناف أبوحفص القرشي الأموي أمير المؤمنين، وأمه أم عاصم ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" (1). ومن هذا يتبين أن عمر بن عبدالعزيز من أشرف قبائل العرب حسبا، وأعظمها نسبا، فجده لأبيه هو مروان بن الحكم الذي اختلف في كونه صحابيا من أصحاب النبي " صلى الله عليه وسلم" ، أو من أكابر التابعين (2). وأما جده لأمه فإنه فاروق الأمة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقد اجتمع له طيب المحتد، ورقي الأصل من جهة أبيه وأمه، ويسجل التاريخ عن عبدالعزيز بن مروان والد عمر أنه ولد في المدينة المنورة، ثم دخل الشام مع أبيه مروان، وكان ولي عهده بعد أخيه عبدالملك، وقد ولاه أبوه الديار المصرية في سنة خمس وستين (3).

1- تعريف السياسة المالية


اشتق مصطلح السياسة المالية أساسا من الكلمة الفرنسية «Fisc»، وتعني حافظة النقود أو الخزانة (4). وكانت السياسة المالية يراد في معناها الأصلي كل من المالية العامة وميزانية الدولة، وتعزز استخدام هذا المصطلح على نطاق واسع أكاديمي بنشر كتاب «السياسة المالية ودورات الأعمال» للبروفيسور Alain. H. HANSEN، ويعكس مفهوم السياسة المالية تطلعات وأهداف المجتمع الذي تعمل فيه، فقد استهدف المجتمع قديما إشباع الحاجات العامة وتمويلها من موارد الموازنة العامة، ومن ثم ركز الاقتصاديون جل اهتمامهم على مبادئ الموازنة العامة وضمان توازنها، ولكن نظرا لأن اختيار الحاجات العامة المطلوب إشباعها يتطلب من المسؤولين اتخاذ قرارات، وأن هذه الأخيرة قد تحدث آثارا متعارضة أحيانا، فتثير مشكلة كيفية التوفيق بين هذه الأهداف المتعارضة وتحقيق فعاليتها، على نحو مرغوب، وفي ضوء تلك التوفيقات والتوازنات يتكون أساس ومفهوم السياسة المالية (5).


2- أسس السياسة المالية لعمر بن عبدالعزيز


تتجلى أسس السياسة المالية لعمر بن عبدالعزيز من خلال النظر والتبصر في بعض خطبه المشهورة، والتي كانت تحمل في طياتها ملامح سياسية مالية راشدة، استلهمها مما سبقه في الحكم من الخلفاء الراشدين، وبالأخص من سيدنا عمر بن الخطاب، والدليل على ذلك طلبه من سالم بن عبدالله بن عمر أن يكتب له سيرة مفصلة لعمر ابن الخطاب (6)، حتى تكون له سندا وذخرا يقتدي به مستقبلا.

وحين توليه الإمارة في الدولة الإسلامية ألقى خطابه التالي: «أوصيكم بتقوى الله عزوجل، فإن تقوى الله خلف من كل سعي، وليس من تقوى الله عزوجل خلف. واعملوا لآخرتكم، فإنه من عمل لآخرته كفاه الله تعالى أمر دنياه، وأصلحوا سرائركم يصلح الله الكريم علانيتكم، وأكثروا ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنه هادم اللذات، وإن من لا يذكر من آبائه – فيما بينه وبين آدم عليه السلام – أبا حيا، لمعرق له في الموت. وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها " صلى الله عليه وسلم" ، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدا باطلا، ولا أمنع أحدا حقا».

وقد جاءته عمته ذات يوم وهو خليفة المسلمين في الأرض، تشكوه مساواته لهم مع بقية أفراد المجتمع، واسترداده للأموال والمخصصات المالية من المنح والعطايا التي كانت تصل إلى أهل بيت الخليفة وأقربائه، فرفض شكواها جملة وتفصيلا، وكان جوابه صريحا وواضحا، حيث قال لها: «يا عمة، اعلمي أن النبي " صلى الله عليه وسلم" مات وترك الناس على نهر مورود، فولي ذلك النهر بعده رجل، فلم يستنقص منه شيئا حتى مات، ثم ولي ذلك النهر بعد ذلك الرجل رجل آخر، فلم يستنقص منه شيئا حتى مات، ثم ولي ذلك النهر رجل آخر فكرى منه ساقية، ثم لم يزل الناس بعده يكرون السواقي حتى تركوه يابسا لا قطرة فيه، وأيم الله لئن أبقاني الله لأردنه إلى مجراه الأول، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، وإذا كان الظلم من الأقارب الذين هم بطانة الوالي، والوالي لا يزيل ذلك، فكيف يستطيع أن يزيل ما هو ناء عنه في غيرهم» (7).


ومن خلال التمعن في أقواله، تتضح أهم المعالم التي أسس بموجبها سياسته المالية والتي كانت تقوم على ما يلي:


< العدل المالي ورفع الظلم: من خلال رؤيته الثاقبة بوجود انتهاكات في تطبيق السياسة المالية لمن سبقوه من أمراء بني أمية (8)، من خلال قوله فيما سبق ذكره: «وإن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها " صلى الله عليه وسلم" ، ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم»، وهو ما دفعه إلى ترسيخ قيم الحق والعدل ودفع الظلم وجعلها أساسا لقيام سياسة مالية راشدة، فجميع الأهداف والوسائل التي اتبعها كانت تنسجم مع هذا الأساس، وإحقاق الحق ودفع الظلم، هو أصل من أصول الشريعة، ومقصد رئيسي من مقاصدها، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25). يقول ابن القيم: فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة (9). ولقد كان عمر يرجع للحق إذا تبين له الخطأ، ويقول في ذلك: ما من طينة أهون علي فتا، ولا كتاب أيسر علي ردا من كتاب قضيت به، ثم أبصرت أن الحق في غيره ففتتها (10).

< تأكيده على تطبيق السياسة المالية المنتهجة أيام الرسول " صلى الله عليه وسلم" والخلفاء الراشدين من بعده، وذلك من خلال قوله بأنه إن أبقاه الله ليردن النهر المورود الذي تركه الرسول " صلى الله عليه وسلم" إلى سابق عهده (11)، وأيضا من خلال طلبه لسالم بن عبدالله بن عمر أن يكتب له سيرة عمر بن الخطاب، ومنه الوصول إلى العمل بنفس السياسة المالية التي انتهجها عمر بن الخطاب، والتي بدورها كانت تقوم على مجموعة من الأسس نلخصها فيما يلي:

< مساواة الخليفة مع الرعية في الطعام والكساء. حيث حلف عمر "رضي الله عنه" بأن لا يذوق السمن واللبن حتى يلبي احتياجات الرعية من الطعام (12)، وجاءت ممارسة الفاروق "رضي الله عنه" لهذا المبدأ كدليل واضح على مبدأ العدل والمساواة في التسيير المالي لشؤون الخلافة الإسلامية.

< إلحاق كل الأمور المالية من إيرادات ونفقات بشخصه إلى جانب أمور الخلافة، حيث قال: «من أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله جعلني له واليا وقاسما».

< بناء سياسة مالية تقوم على مبدأ حصول كل ذي حق على حقه من بيت المال، وذلك بمنعه جل أنواع العطايا، استنادا لقوله: «ولا أمنع أحدا حقه».

< الاختيار الأمثل للأمراء والولاة الصالحين القادرين على التسيير المثالي لشؤون المالية، حينما اعتبر أن صاحب بيت المال ركن من أركان أربعة لتثبيت السلطان.

< التسيير الرشيد والعقلاني في الإنفاق المال العام، حيث يقول: «ولكم إذا وقع في يدي (أي المال العام) ألا يخرج مني إلا بحقه».

< إقامة إدارة الجباية العادلة، وقد قال في هذا الشأن: «ولكم علي ألا أجتبي شيئا من خراجكم، ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه».

< إعادة الأموال التي أخذت من أصحابها ظلما: لأنها تبقى حائلا دون مشاركة الأفراد في مشروعات التنمية وتطوير الأوضاع الاقتصادية، وإن هذه الأموال تبقى في ذاكرة المجتمع مؤشرا سلبيا على ثقة الناس بالمصلح، لأن رفع شعار الإصلاح الاقتصادي يتعارض مع الصورة بإبقاء الظلم، لأن من لا يصلح القديم لا يحسن في الجديد، فكتب عمر ابن عبدالعزيز إلى عماله في مال قبضه بعض الولاة ظلما، أن يرده إلى أهله، وتؤخذ زكاته لما مضى من السنين، ثم عقب ذلك، بأن لا يؤخذ منه إلا زكاة سنة واحدة، فإنه كان ضمارا (13).

< الاهتمام بفريضة الزكاة العينية والتشديد عليها، وعدم التهاون في جمعها وإنفاقها، والحرص على وصولها للمستحقين لها.

< محاربة الفساد المالي والرشوة باسم الهدية، قال عمرو بن مهاجر: اشتهى عمر بن عبدالعزيز تفاحا، فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا، فقال: ما أطيب ريحه وأحسنه، ارفعه يا غلام للذي أتى به، وأقرئ فلانا السلام، وقل له: إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب، فقلت يا أمير المؤمنين: ابن عمك ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أن النبي " صلى الله عليه وسلم" كان يأكل الهدية، فقال: ويحك إن الهدية كانت للنبي " صلى الله عليه وسلم" هدية، وهي لنا اليوم رشوة (14).

< زيادة الإنفاق على الفئات الفقيرة والمحرومة ورعايتها، وتأمين مستوى الكفاية لها عن طريق الزكاة، وموارد بيت المال الأخرى.

< تحسين موارد الدولة المالية، وضبطها بالضابط الشرعي، كجباية الزكاة والخراج وغيرها.

ومما سبق ذكره، يتضح أن أسس السياسة المالية لعمر بن عبدالعزيز كانت في الأصل مزيجا بين أسس من سبقوه في الحكم من الخلفاء الراشدين، وعلى رأسهم الفاروق عمر "رضي الله عنه" وإبداعات شخصية، استهلها بعمليات إصلاحية للمخالفات المالية التي شابت بعض الشؤون المالية في عهد بني أمية، وكذا توزيع دقيق وعادل للثروة، وختمها بضبط شامل للنظام المالي، بزيادة الموارد وضبط الإنفاق، مع مراعاة ترتيب حقوق الناس في مختلف أرجاء الخلافة الإسلامية.

3- دور الأسس المالية الراشدة في تحقيق الرخاء الاقتصادي:


لقد كان للأسس المالية التي استند إليها عمر بن عبدالعزيز "رضي الله عنه" الأثر الكبير والسريع على الأحوال الاقتصادية للمجتمع الإسلامي، والملاحظ أن الخليفة الراشد الخامس كان ينظر دائما إلى المال على أنه وسيلة لتحسين أحوال الرعية، وليس وسيلة للمنافع الشخصية، وفي ذلك بدأ عمر بن عبدالعزيز بنفسه باعتباره المثل والقدوة فوهب كل ما يملك من أموال وأراض هو وزوجته إلى بيت المال، لكي تنفق على شؤون المسلمين، وهو ما جعله يكسب قلوب من عايشوه في تلك الحقبة.

كانت سياسة عمر المالية تهدف على إيصال الناس إلى حد الكفاية، من خلال زيادة الإنفاق على الفئات الفقيرة والمحرومة ورعايتها، وتأمين مستوى الكفاية لها عـن طريق الزكاة وموارد بيت المال الأخرى، ويلاحظ ذلك من خطبه، فقد خطب الناس يوما فقال: «وددت أن أغنياء الناس اجتمعوا فردوا على فقرائهم، حتى نستوي نحن وهم، وأكون أنا أولهم» وفي خطبة أخرى يقول: «ما أحد منكم تبلغني حاجته إلا حرصت أن أسد من حاجته ما قدرت عليه، وما أحد لا يسعه ما عندي إلا وددت أنه بدئ بـي وبلحمتي الذي يلونني، حتى يستوي عيشنا وعيشكم» وقد ظهر ذلك عمليا عندما أمر بقضاء دين الغارمين، عندما كتب إليه عامله على الصدقات: إنا نجد الرجل له المسكن والخادم، وله الفرس والأثاث في بيته، فأجاب عمر لا بد للرجل من المسلمين من مسكن يأوي إليه رأسه، وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، وأثاث في بيته، فهو غارم فاقضوا عنه، فسياسة عمر المالية تهدف إلى كفاية الناس من حيث المسكن والمركب والأثاث، وهي حاجات يرى أنها أساسية، وضرورية للإنسان، تصعب الحياة بدونها (15)

4- الآثار الاقتصادية المقتبسة نتيجة تطبيق السياسة المالية الراشدة في عهد عمر بن عبدالعزيز

باختصار يمكن القول بأن الأسس المالية المنتهجة من طرفه "رضي الله عنه" ، كان لها أهمية كبيرة في تحقيق الأهداف الاقتصادية في ظرف وجيز لا يتعدى الثلاثين شهرا، ويمكن الإشارة إلى بعض الآثار الاقتصادية المحققة في إطار تطبيق السياسة المالية الراشدة:

1- القضاء نهائيا على جميع أوجه الفقر والحاجة حتى اكتفى الناس، ووصل الأمر بهم، أن كان الرجل يخرج زكاة ماله، فلا يجد أحدا فقيرا ليستلمها (16).

2- حل مشكلة مديونية الأفراد وكذا القضاء نهائيا على كل الآفات الاقتصادية للمجتمع، نتيجة الفائض المالي الذي شهدته ميزانية الدولة في عهده، لاندفاع أفراد المجتمع للعمل والإنتاج، بعد استقرار الأمن والتخلص من القوانين الجائرة المعيقة للاستثمار، فكثر عدد المؤدين للزكاة، وانخفاض عدد القابضين لها.

3- معالجة مشكلة العجز المالي التي لطالما عانت منها خزينة الخلافة خاصة في عهد عبدالملك بن مروان نتيجة التكاليف التي كانت تتحمل عبئها الخلافة في عهده، بتقديم الجزية لملك الروم، بسبب عدم قدرة الدولة في تلك الحقبة على مواجهته عسكريا، نتيجة نقص الأموال والعتاد العسكري (17).

4- اتباع سياسة محاربة الإسراف والتبذير والرشوة والفساد المالي من طرف شخصه كان لها الأثر الكبير في التقليل من تكاليف الإنتاج، وهذا بدوره أعطى للمشروعات الإنتاجية إمكانية الربحية والاستمرار والنمو والتطوير إلى الأفضل، من خلال زيادة المبيعات فزيادة الإنتاج ومقابلة الطلب المتزايد يحجم من عملية ارتفاع الأسعار.

5- إن تطبيق سياسة زكاة المال والتكافل الاجتماعي للخليفة الخامس ساعد على هطول الأموال واستثمارها في المشروعات الطيبة الحلال، كما أن إيتاء الزكاة عينا من أفضل السياسات المالية العمرية لتقليل عرض النقود وبذلك لا تخلق فرصا للتضخم الاقتصادي.

نتائج الدراسة:



بعد أن سافرنا في الصفحات السابقة مع أهم الأسس المالية لعمر بن عبدالعزيز وكذا أهميتها في معالجة المشاكل الاقتصادية نحب أن نوجز للقارئ الكريم أهم ما توصل إليه هذا البحث.

حيث يتضح مما سبق، أن للسياسة المالية الراشدة والسليمة دورا كبيرا في القضاء على أهم المشاكل الاقتصادية إذا طبقت التطبيق الصحيح، ولعل في دراسة أسس السياسة المالية الراشدة في عهد عمر ابن عبدالعزيز الدليل الكافي والشافي على أنها تحمل في طياتها العلاج الناجح للمشاكل الاقتصادية التي يتخبط فيها المجتمع الإسلامي في الوقت المعاصر، وأسس السياسة المالية هي في الأصل تنبع من تعاليم الكتاب والسنة، بالإضافة إلى تلك التوجهات الاجتهادية التي لا تخرج عن الإطار الديني. ويمكن التأكيد على أن اتباع النهج المالي الراشد الذي طبقه عمر بن عبدالعزيز في عهده "رضي الله عنه" سيحقق الرفاهة المالية والاقتصادية والاجتماعية في وقتنا المعاصر، باعتبار أن العصر الحديث يمتاز بوفرة عناصر الإنتاج وتنوعها، بالإضافة إلى التطور العلمي الهائل والذي يجعل من تطبيق النهج المالي لعمر بن عبدالعزيز سهلا وممكنا، خاصة إذا ما توفرت الإرادة العمرية والهمة السياسية التي تساعد كثيرا على نجاح السياسة المالية الراشدة.

والملاحظ من خلال تعمقنا في دراسة المنهج الراشدي المالي لعمر ابن عبدالعزيز أن السياسة المالية والاقتصادية أخذت حظها الوافر من الاهتمام وأقصى درجات العناية، وذلك من خلال الإجراءات الصارمة التي عمل على تطبيقها بعد توليه الخلافة مباشرة.


الهوامش




1- البداية والنهاية (5/252)، الثقات لابن حبان (5/151)، ط/ دار الفكر.

2- نفس المرجع السابق، (4/799-800)، الطبقات الكبرى (5/230)، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (7/295) ط/ دار الجيل.

3- نفس المرجع السابق، (4/77)، الطبقات الكبـــــرى (5/236)، الثقات لابن حبــــان (5/122) ط / دار الفكر العربي، 1975م.

4- طارق لحاج، المالية العامة، دار الصفاء للنشر والتوزيع، عمان، 1999م، ص201.

5- السياسة المالية ودورها في تحقيق التوازن الاقتصادي، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه دولة، دراوسي مسعود، ص 47.

6- عمر بن عبدالعزيز، لابن كثير القرشي، ص 107.

7- نفس المرج السابق، ص 109.

8- السياسة المالية لعمر بن عبدالعزيز، قطب إبراهيم محمد، ص 58.

9- أعلام الموقعين (3/ 3).

10- سيرة ومناقب عمر لابن الجوزي ص 113.

11- نفس المرجع السابق، ص 58.

12- تاريخ ابن خلدون، جـ2 ص 114.

13- أبوعبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح القرطبي (ت 671ه)، الجامع لأحكام القرآن، دار الشعب، القاهرة، 1372ه، الطبعة الثانية، تحقيق: أحمد عبدالعليم البردوني.

14- أبوالفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، الدراية في تخريج أحاديث الهداية، دار المعرفة، بيروت، تحقيق: السيد عبدالله هاشم اليماني المدني.

15- د. محمد عوده العمايدة: كيف أغنى عمر ابن عبدالعزيز الناس؟ www.alhiwartoday .net.

16- الواسطي، تاريخ واسط، ج1، ص184.

17- البلاذري، فتوح البلدان، ج1، ص164. الأصبهاني، حلية الأولياء، ج3، ص176.