الأمل فن وشمس تضيء حياتك



هدى محمد نبيه



الأمل وقود الحياة, بمعنى أدق هو الوقود الذي يدفعك لاستكمال مسيرة الحياة وتحقيق أحلامك بها .

وبداية يجب أن تعلم أن الأمل ليس مجرد حالة نفسية تعتريك في بعض الوقت ثم تزول عنك ليعتليك اليأس، لكنه إيمان راسخ بداخلك لا يتزعزع، فالأمل ليس مجرد عاطفة عابرة، بل إن رسوخه أقوى من الجبال وأصلب من الفولاذ، أنت الذي ترسخ الأمل في نفسك فبتربية نفسك تقوي الأمل لديك وتجعل منه الوقود الذي يمكنك من الانطلاق نحو الأمام.

فكم هو فرق كبير وشاسع بين كلمتي ( اليأس - والأمل)، وكم هناك من فرق عظيم بين إنسان يعيش بروح التفاؤل والأمل وبين إنسان آخر بات ضحية القنوط والانهزامية.. الفارق بين الاثنين هو أن من ينظر للحياة بأمل وفأل حسن.. يُحسن رسم صورة المستقبل ويهتم به، ويبحث عما يجب عليه فعله في المستقبل لكي يعود عليه وعلى أمته بالنفع والخير، وذلك عكس الإنسان المنهزم الذي يعيش تحت وطأة الماضي وآلامه فهو ابن الماضي بما حواه من مواقف وظروف ومصاعب..

ومما لا شك فيه أن طريق النجاح والأمل ليس سهلاً ميسورًا.. ليس مفروشًا بالورود والرياحين، ولكنه دائمًا يكون محفوفًا بالأشواك. والذين حققوا نجاحات وإنجازات أبهرتنا وأبهرت البشرية، لا شك أنهم تعبوا وصبروا وواصلوا الليل بالنهار؛ فالنجاح لا يأتي عادة إلا بعد صراع مرير وصبر طويل..

إننا نجد في كتاب الله قصصا للعديد من الابتلاءات التي تعرض لها سائر أنبياء الله - عليهم السلام - نأخذ منها العبر والعظات في ظروف المحنة العصيبة والظلمة الشديدة لم يفقدوا الأمل ولم يقنطوا من رحمة الله.

ـ هل كان أيوب -عليه السلام- يلتجئ إلى ربه بالدعاء ليكشف عنه الضر لولا فُسحة الأمل التي لم تفارقه لحظة، فإذا البلاء شفاء }وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين{ (الأنبياء:83، 84) .

أم كان يخطر على بال يونس -عليه السلام- وهو في بطن الحوت، وما أدراك ما بطن الحوت! أن ينادي وهو في الظلمات، ليست ظلمةً واحدة، لولا أمله أن ينجيه ربه}وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ{ (الأنبياء: 87، 88). وما أروع هذا التعقيب الذي يشمل كل المؤمنين إلى يوم الدين}وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ{؛ ليبقى الأمل مصورًا أمام أنظارهم، فلا يقنطون.

أم هل يُتصوّر من شيخٍ بلغ من الكبر عتيًّا، واشتعل رأسه شيبًا، ووهن عظمه، وامرأته عاقر، زكريا -عليه السلام- أن يتضرع إلى ربه ليهب له غلامًا زكيًّا، لولا أنه واثقٌ من تحقيق ضراعته.

وخاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعد سوء استقبال سفهاء الطائف يصلي ركعتين ثم يقول: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟، إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك )، فساق الله له نفرًا من الجن فآمنوا به، وأنزل ملك الجبال ليكون تحت أمره، وبعدها بيسير كان الإسراء والمعراج.

إنه ليس مع الإيمان يأس، وليس مع اليقين عجز، فإن حصل اليأس أو العجز فثمة خلل في الإيمان، وضعف في اليقين، وما من سبيل للتخلص من التشاؤم، عدو النجاح اللدود، عدو السرور، عدو الأمل، إلا الثقة التامة بالله (عز وجل) والتفاؤل بقربه ولطفه، والأمل في الاستجابة. فالثقة بالله تعالى أعظم مرحلة من مراحل التفاؤل. وهي أول خطوة على طريق التميز والنجاح. وإذ يقول الله تعالى:﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً﴾، فهذه إذاً هي منظومة التألق (أمل وعمل)، يوضحها الله تعالى في كتابه الكريم، فهل من مُجيب؟

هل هناك أمل حقيقي وآخر مزيف؟

لا يكفي أن يشيع الأمل في قلبك ، فكثير من المصابين بالأمراض النفسية يحصلون على الأمل لكنهم ينحدرون إلى هوة اليأس ذلك أن أملهم أجوف، فالأمل الحقيقي هو المصحوب بالجهد والعرق لكي يستحيل إلى واقع، فإنك إذا أحلت أملا إلى واقع ، فإنك تزداد ثقة في قيمة الأمل ..وإذا قرن الإنسان ذلك الأمل بالعمل فقد نحا منحى إيجابياً نحو الهدف المنشود. فإذا سعى جاهداً في سبيل تحقيق آماله استطاع أن يجني - مع هذا السعي الجاد- ثمرات كثيرة قد كان يصبو إليها بالأمس. الأمل بلا عمل كشجرة غير مثمرة فاحرص أن تروي شجرتك وتهتم بها بعملك وسعيك لتجني ثمارها الطيبة..