إصلاح المجتمع من مبادئ الإسلام


محمد إبراهيم مشالي

إن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده – كفل مصالح الأفراد والأمم جميعاً دينية ودنيوية على أوسع نطاق، وصلح لذلك في جميع الأزمة ولجميع الشعوب، فهو دين الإنسانية الخالد، وذلك لما اشتمل عليه من المبادئ القويمة والمثل العليا، والتعاليم السامية، والإرشادات الحكيمة، فهو دين الحياة والإصلاح، دين الرقي والحضارة، دين الحق والخلود، دين قيادة وتوجيه، دين تكافل وتعاون وأخوة وتضامن، دين صالح لكل زمان ومكان كافل لسعادة البشرية.
دين ارتضاه الله لنا ليكون مسك الختام لجميع الشرائع السماوية، قال الله تعالى: (اليَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ واخْشَوْنِ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) (المائدة – 3).
فكم لهذا الدين من محاسن كثيرة وفضائل جمة، وآثار جليلة، تحمل ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة على التمسك به، والتحلي بآدابه، والاهتداء بنوره، وكلما كان المرء سليم العقل نير البصيرة، صحيح الوجدان، اشتد تعلقه بهذا الدين لما فيه من جليل المحاسن وجميل الفضائل.


لقد أخرج الله بهذا الدين القويم العرب الأميين إلى عالم أفضل، لا وثنية فيه، وإلى حضارة جيدة في سياج من الخلق والفضيلة، أخرجهم من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان، ومن الجهل إلى العلم، ومن الخمول إلى الشهرة، ومن الجمود والركود إلى التفكير الناضج والعمل المفيد، ومن التفرق والتطاحن إلى الاتحاد والتضامن، وأبدلهم بالخوف أمناً، وبالضعف قوة، وبالذل عزا، وبالعداوة محبة، وبالتفرق وحدة، وبالتوحش والهمجية حضارة ومدنية، وبجفاء الطبع وغلظ الأكباد رأفة ورحمة، قال تعالى: (وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّ هُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) (النور – 55).
إن اقتراب أعداء هذا الدين منه يوماً بعد يوم لدليل على قوته وأصالته


لقد صاغ هذا الدين المسلمين جميعاً على اختلاف أجناسهم وألسنتهم وألوانهم عرباً وعجماً في قالب واحد، وصهرهم في بوتقة واحدة، فكانوا إخواناً، وألف بين قلوبهم فكانوا أمة شديدة، عظيمة القوة مسموعة الكلمة، واسعة السلطان، منهم أساتذة العالم، سياسة وعلماً وأدباً، وأئمة الفنون اختراعاً وتطبيقاً وعملاً، قلمهم يكتب فيطاع، وسلاحهم ينتضي فيهاب، وراياتهم تخفق فوق ربا الكون فيجري من تحتها العدل والسلام فبنوا مجداً وسيادة وكانوا خير أمة تمثل الشهامة والكمال والحكمة.

لقد هامت بحب هذا الدين النفوس الطاهرة، التي لم تتدنس لأنها أدركت مزاياه، ولا عجب فهو دين نشر نفسه بنفسه، من غير تبشير من أهله، ولا إغراء بمنصب أو وظيفة أو مال أو عمل، دين يكيد له حساده من يوم نزوله وهو كما ترون لم يطفأ له نور.
ولم يضعف له برهان (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ويَأْبَى اللَّهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ) (التوبة – 32).
دين نرى مبغضيه يقتربون منه يوماً بعد يوم، من حيث يشعرون، ومن حيث لا يشعرون، ذلك لأنهم بهذه المكتشفات الحديثة، والمخترعات الجديدة لم يزيدوا على أنهم به يصدقون، وبفضله يشهدون.
وصدق الله العظيم حيث يقول: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت – 53).
دين لا يفرق بين أبيض وأسود، ولا بين عربي وعجمي، الكل في حق الحياة سواء لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى فهي الشرف الحقيقي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات – 13).
وأثر عن الإمام محمد عبده أنه قال: "إذا أحسست من أمة ميلاً إلى الوحدة، فبشرها بما أعد الله لها في مكنون غيبه من السيادة العليا".