قال الإمام الطرطوشي المالكي المتوفى سنة ٥٢٠هـ رحمهُ اللّٰه :

[ومثالُ السلطان القاهر لرعيته، والرعيةِ بلا سلطان، مثالُ بيتٍ فيه سراجٌ منيرٌ وحوله فِئامٌ من الخلق يُعالجون صنائعهم، فبينما هم كذلك طُفِئَ السراجُ، فقبضوا أيديَهم للوقت، وتعطّل جميعُ ما كانوا فيه، فتحرّك الحيوان الشّرير، وخَشْخشَ الهَامُ الخسيس، فدبَّت العقربُ من مكمنها، وفسَقَت الفأرة من جُحْرها، وخرجت الحية من مَعدِنها، وجاء اللصُّ بحيلته، وهاج البُرغوثُ مع حقارته، فتعطّلت المنافع، واستطارت فيهم المضار.

كذلك السلطان إذا كان قاهرًا لرعيته، وكانت المنفعة به عامة، وكانت الدماء في أَهْلها مَحْقُونةً، والحُرُمُ في خدورهنَّ مصونةً، والأسواقُ عامرةً، والأموالُ محروسةً، والحيوانُ الفاضل ظاهرًا، والمَرَافقُ حاصلةً، والحيوانُ الشرِّيرُ من أهل الفسوق والدعارة خاملًا، وإذا اختلََ أمرُ السلطان دخل الفساد على الجميع.

ولو جُعِل ظلمُ السلطان حَوْلاً في كِفَّةٍ، ثمَّ جُعِل فسادُ الرعية ومظالِمُهُم وهَرْجُهم في ساعةٍ، كان هَرْجُ ساعةٍ أعظمَ وأرجحَ من ظلم السلطان حَوْلاً، وكيف لا، وفي زوال السلطان، أو ضعفِ شوكته سُوْقُ أهل الشر، ومكسبُ الأجناد، ونفاقُ أهل العِيارة والسُّوْقَة واللصوص والمُناهِبة.
•وقال الفضيل (ت١٨٧هـ):
"جَوْر ستين سنةً خيرٌ من هَرْج ساعة"

ولا يتمنّى زوال السلطان إلاّ جاهل مغرور، أو فاسق يتمنّى كلََ محذور.
فحقيقٌ على كل رعيةٍ أن ترغب إلى الله تعالى في إصلاح السلطان، وأن تبذل له نصحَه وتخُصَّه بصالح دعائها، فإن في صلاحه صلاحَ العباد والبلاد، وفي فساده فسادَ العباد والبلاد.
وكان العلماء يقولون:
إذا استقامت لكم أمور السلطان فأكثروا حمدَ الله تعالى وشكرَه، وإن جاءكم منه ما تكرهون وَجِّهُوهُ إلى ما تستوجبونه بذنوبكم وتستحقُّونه بآثامكم، وأقيموا عذر السلطان لانتشار الأمور عليه، وكثرة ما يكابده من ضبط جوانب المملكة، واستئلافِ الأعداء، وإرضاءِ الأولياء، وقلة الناصح، وكثرة التدلس والطمع].

سراج الملوك ١ /١٩٩-٢٠١
⚔⚔⚔⚔⚔⚔⚔⚔⚔