أول الواجبات


إيقاظ الأمة


د- حسن يوسف الشريف



من حق كل مسلم أن يكون سعيداً بانتمائه للإسلام وانتمائه لخير أمة لقوله تعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: 110)، وفي الحديث، "إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله"(الترمذي)، و"نحن الآخرون الأولون يوم القيامة"(مسلم).
ومن الواجب على المسلم أيضاً أن يتعلم هذا الإسلام، وأن يلتزم به، ويتذوق حلاوته ويدعو إليه، وينشره، وينصره، وعليه واجب آخر يتفرع من هذا الواجب وهو الولاء (الحب والنصرة) لكل من ينتمي للإسلام، وذلك لأن الإسلام في حقيقته لا يقوم إلا على قاعدتين: الإيمان والأخوة، والثانية (الأخوة) هي ثمرة الأولى (الإيمان) لقوله تعالى: (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، وقوله تعالى: (الْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة: 71)، وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.."(مسلم)، ويقول "وكونوا عباد الله إخواناً...."(مسلم) و"المؤمن أخو المؤمن...."(مسلم).


وهذا هو أول الواجبات التي يجب على الدعاة والعلماء والمفكرين أن يعملوا لها.
نعم.. بهذا يكون إيقاظ أمتنا، إيقاظ الإيمان في القلوب، ليكون إيماناً قوياً راسخاً ثابتاً أشد ثباتاً ورسوخاً من الجبال، ومظهره الأول: أن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواها، ومظهره الثاني: حب بعضنا لبعض.. "أن يحب المرء لا يحبه إلا لله.."(البخاري). وكأن هذه الثانية (الأخوة) هي ثمرة الأولي (حب الله ورسوله)، وهذا الحب لله ورسوله وحب بعضنا لبعض يثمر أن يحب كل منا الخير لأخيه لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(البخاري)، ومنه أن ينصح كل منا أخاه بما يقربه من الله ويدخله الجنة، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(مسلم)، وقد جمعت هذه الواجبات في حديث واحد، فقد أخرج عن عبد البر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم...".
دراسة الواقع والعمل على إصلاحه.. واجب شرعي في أعناق الشعوب والحكومات الإسلامية

إن أي مسلم يعي تاريخ أمتنا الإسلامية في مرحلة التفوق الحضاري في الماضي، ثم يقارن ماضي أمتنا المشرق مع حاضرها المؤسف، سيعرف مدى التراجع والتخلف الذي وصلنا إليه في كل الجوانب، إن دراسة واقعنا ثم العمل على إصلاحه هو واجب شرعي في أعناق شعوبنا وحكوماتنا الإسلامية، حتى تتم لنا العودة إلى مكاننا الأصيل لنتصدر قائمة الدول المتقدمة، وذلك من أجل تحقيق دورنا الحضاري في العالم (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) البقرة - 143.
إنّ أمتنا والحمد لله تمتلك كل وسائل ومتطلبات التقدم ولكن غفلتنا عن مهمتنا الحضارية الإسلامية العالمية وغفلتنا عن إمكاناتنا الضخمة والمتنوعة جعلتنا نتراجع شيئاً فشيئاً، حتى أصبح العالم الإسلامي في آخر قائمة العالم الثالث، هذه حقيقة الواقع ومن يقول غير ذلك فهو يخدع نفسه قبل أن يخدع غيره، إن تخلفنا وضعفنا العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي والفكري واضح للعيان.
إن هذا التخلف والضعف كبيرة من الكبائر التي يجب أن نتوب منها، بل هي نجاسات يجب أن نتطهر منها ونغسل ما أصابنا منها، حتى نكون (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران – 110).
قد وصل الأمر إلى أن تعاني أمتنا من مشكلة الغذاء، بعد أن كنا سلة الغذاء لأوروبا منذ حوالي مائتي سنة تقريباً، حيث يقول المفكر الفرنسي روجيه جارودي: "كانت جيوش الإمبراطورية الفرنسية تعيش على فائض القمح من دولة الجزائر"، فكيف أصبحت الجزائر وغيرها من الدول الإسلامية تعيش على فائض القمح من الدول الأجنبية؟ ولماذا نتج أقل مما نستهلك؟ لماذا لا نتعاون اقتصادياً لتحقيق التكامل العربي؟! أليس ذلك هدفاً من أهداف الدول العربية؟
إنه إذا تم إيقاظ أمتنا إسلامياً على قاعدتي: الإيمان والأخوة، ونجحت المهمة، فستصبح الأحلام وقائع، وستتحول الآمال إلى أعمال، ولكن لابد من العقل المسلم المفكر والإرادة الإيمانية الفاعلة.
لقد تعرض العالم منذ ثلاثين عاماً لمشكلة نقص الغذاء، وبدأت الدول المتقدمة تتنافس بقوة لتحتكر إنتاج الحبوب، لأنه أهم مصادر الغذاء في شتى بقاع العالم، وبدأت التكتلات الاقتصادية بين الدول المنتجة، وذلك تعظيماً للربح ولتحقيق أهداف سياسية في ذات الوقت "لأن من لا يملك غذاءه لا يملك قراره".
فاحتكار الدول الغربية لكميات ضخمة من إنتاج الحبوب قد شكل عناصر ضغط شديدة على الدول المستهلكة والمستوردة للحبوب، وظهرت تكتلات جديدة مثل السوق الأوروبية المشتركة، وظهرت بعده سوق أمريكا اللاتينية، ولم نجد في الواقع سوقاً عربية مشتركة! أو تضامناً عربياً مشتركاً! أو تفكيراً عربياً فاعلاً مشتركاً! رغم أنه كان يومها من السهل حل مشكلة الغذاء في العالم العربي والإسلامي، بل تقديم المساعدات الغذائية إلى فقراء العالم.
لقد بدأت الدول الغربية التي لا تريد الخير للعالم الإسلامي، بدأت تستخدم سلاح الغذاء كواحد من أخطر الأسلحة العصرية، لتلوح به في وجه الدول الفقيرة والنامية، لتخضع للتبعية السياسية والاقتصادية له.
وبالتفكير الجاد، والهمة الصادقة، واليقظة للتحديات التي تواجه أمتنا، فإنه بوسعنا عملياً - رغم سوء الظروف - أن نحل مشكلة نقص الغذاء في العالم العربي، وذلك إذا أحسنا النظر في معطيات وإمكانات دولنا العربية والإسلامية، وأيضاً إذا تم التعامل مع هذه المشكلة - نقص الغذاء - برؤية شمولية، وبعيداً عن النظرة الضيقة التي تحجب وتحول عطاء الإمكانات الموجودة على مستوى أقطار أمتنا الإسلامية.
إن السودان يتعرض لأكبر هجوم استعماري ماكر، من أجل تفتيته وتقسيمه بهدف ألا يصبح سلة غذاء للعالم الإسلامي، فهو يملك المساحات الصالحة للزراعة، كما يملك الماء، ولكن ينقصه الإمكانات المادية والفنية التي تحول السودان لبلد قوي اقتصادياً. ولكن أهملنا في حق السودان علينا، فأصبح الآن مهدداً بالتقسيم، وبذلك يضيع منا المفتاح الإسلامي الجنوبي نحو إفريقيا.
علينا حكومات وشعوباً أن نقف بجانب السودان، ليسترد عافيته، وتصان وحدته، ليصبح سلة غذاء تساهم وبقوة في كسر احتكار إنتاج الغذاء، وهذا أيضاً السلاح الجديد الذي يلوحون به في وجوهنا.
إيقاظ أمتنا هو أول واجبات المخلصين الصادقين في أمتنا الإسلامية، لتبدأ مسيرة الشهود الحضاري لهذه الأمة المختارة (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ)( الحج – 78).
يجب علينا أن نفكر لأمتنا، لتكون أمة قوية لها مكانها المرموق على خريطة السياسة الدولية، وعند ذلك نستطيع أن تقوم بوظيفتها الحضارية، من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن الأفكار لا تقوم في فراغ، ولا تكون إلا بأولئك المخلصين الصادقين الذين يستطيعون قبولها والتفاعل معها، وستظل الأمة الإسلامية بخير، ولكن المطلوب تدعيم هذا الخير بالحكمة والرفق والصبر والموعظة الحسنة، علينا أن نتواصى بالصبر حتى تتحقق آمالنا وأحلامنا، وعلينا أيضاً زراعة الأمل في قلوب اليائسين، ليؤمنوا بأن المستقبل لهذا الدين رغم أنف الحاقدين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُون ) (الصف – 8) و (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ويَأْبَى اللَّهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ) (التوبة - 32.)