أزواج على المقهى!

نعيم السلاموني

يخطئ الكثير من الأزواج عندما يظنون أن حق زوجاتهم وأبنائهم قاصر على توفير المأكل والمشرب والملبس، وهو غاية ما هو مطلوب منهم، فالعلاقة الزوجية ليست مالا يعطى ومأكلا يقدم أو ملبسا يشترى أو مصاريف أخرى، إنما هي أبعد من ذلك.



فالأصل في عقد الزواج يقوم على السكن والمودة والرحمة، وقد جعله المولى عز وجل آية من آياته يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).


فالسكن هو أساس الزوجية ويقصد به سكن النفس والجسد للجسد ومن خلاله يتحقق الهدف الذي شرع من أجله الزواج، وقد ألزم الله الزوج بواجباته نحو زوجته من حق المعاشرة وأدب المساكنة وتوفير الراحة لها كما ألزمها هي بواجبات تقوم بها نحو زوجها، ولكن هناك غفلة من كثير من الناس عن قيمة قضاء الوقت الأكبر من الفراغ بين الأبناء والزوجة فالبعض يفر إلى المقاهي وجلسات الأصدقاء متصورًا أنه أدى واجبه نحو البيت مادام قد وفر الماديات المطلوبة ولا يعود إلا وقت النوم مع أن للمرأة حقوقًا مثله يقول تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.. .} (البقرة: 228)، وقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُحْسِنِينَ} (البقرة: 236).

إن من آفات العصر هروب الزوج من المشكلات مع الزوجة والأولاد إلى المقاهي وجلسات الأصدقاء دون إدراك أن الأسرة بمن فيها الزوجة والأولاد مسؤوليته وسيحاسب عنها الزوج يوم القيامة يقول " صلى الله عليه وسلم" «ولأهلك عليك حقا» فالأهل هم الزوجة والأبناء، وحقوق الزوجة من ضمنها الترويح عنها وإشعارها بالمودة والإقبال عليها أو الجلوس معها كما كان يحدث في أيام الخطوبة.

وعندما يكون المقهى أهم من البيت فإن خطورة ذلك تتمثل فيما يلي:

1 - الأثر السلبي على العلامات الزوجية.

2 - له تأثير أكثر سلبية على الأبناء الذين يفتقدون دور الوالدين من حيث الرعاية والمتابعة والرقابة فيتحول الجميع إلى غرباء تجمعهم وحدة المكان فقط.

3- إذا ركز الزوج على الأمور المادية فقط مع عدم مراعاة الجوانب الإنسانية الأخرى فسوف يختل توازن الأسرة النفسي والاجتماعي ويصبح الأبناء في غياب الأب محاصرين بتيارات فكرية وثقافية تستهدف اختراق عقولهم.

4 - يخلق إحساسًا بالغربة بينه وبين زوجته فيزيل الألفة والمحبة ويجمد المشاعر الطيبة التي تربطهما.

5 - هناك قلة من الزوجات قد يطلبن الانفصال كي تبدأ حياتها مع رجل آخر لا تسرقه المقاهي.

6 - إن الأبناء لا يتلقون تراكم خبرات أبيهم إلا ببقائه بينهم يرعاهم ويتابعهم ويعاقب ويكافئ فكيف يعلمهم الصلاة وهو لا يأتي إلا بعد أن يناموا وكيف يعلمهم الأمانة والشجاعة والصدق والإخلاص دون أن يروه؟!! وما الكوارث التي تقرأ عنها في الصحف إلا نتيجة شعور الزوجة بالوحدة وغياب الزوج كثيرًا عن البيت.


إن علاج هذه الظاهرة يجب أن يكون عبر الآتي:

1- نشر ثقافة الواجبات في الأسرة وذلك بأن على الإنسان أن يقدم واجباته مثل أن يطالب بحقوقه.

2 - من الواجب ألا يترك الرجل بيته كثيرًا وأن يكون مؤنسًا لأهله، فوجوده في المنزل أطول قدر يضفي لونًا من الدفء ويقضي على الجفاء الذي يحدث في الأسر بسبب انشغال الزوج.

3 - يجب على الزوج أن يكون متعاونا مع زوجته ويشاركها في تحمل المسؤوليات لتوفير سبل الحياة الكريمة.

4 - على الزوج سرعة إنهاء الغربة والتي تؤثر على الأبناء وذلك بتطبيق مبادئ الإسلام من حيث التراحم والود وإشاعة المحبة بين أفراد الأسرة يقول تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَ بِالْمَعْرُوفِ} أي يحافظ عليها وينفق ويعاملها معاملة طيبة ولا يبتعد عنها فترة طويلة.

5 - حقوق الزوجية على بعضهما البعض أمر يجب الالتزام به مهما كانت الظروف فالهروب إلى المقاهي يخلق الجفوة بين الزوجين ويجعلهما أشبه بغرباء يعيشون تحت سقف واحد.

6 - يجب أن يكون هناك وقت لاجتماع كل أفراد الأسرة يتبادلون فيه الحديث والمشاعر الطيبة ويعرض الأبناء مشاكلهم وأفكارهم وطموحاتهم ويتعاون الجميع على التصدي للمعوقات.

7 - يجب أن يتفانى كل فرد في إسعاد الآخر ويجب أن يهتم كل فرد بما يهتم به الآخر.