اجتماع الأسرة على مائدة الطعام .. عادة غابت ففقدت الأسرة توازنها


منير حسن


أصبح اجتماع الأسرة على مائدة الطعام- كما كان في الماضي- عادة غائبة أفقدت الأسرة توازنها لأهمية هذا اللقاء اليومي المتكرر؛ فبفقدان هذه العادات بدأت الأسرة تتهرب رويداً ويداً بدعوى الانشغال وضاع مع هذا الانشغال ما كان يخلفه هذا الاجتماع من الحديث الودي والسكينة التي كانت تحل على المكان وما كان يتركه أطراف الحديث بين أفرادها. حيث تتراكم الخبرات، فكانت هذه الجلسات فرصة كبيرة لحل الكثير من المشاكل ولتصحيح الكثير من المفاهيم وكانت فرصة أكبر كي يقترب أفراد الأسرة من بعضهم البعض، فمع التطور التكنولوجي ما عاد يجلس أفراد الأسرة مع بعضهم البعض وإذا جلسوا فإن التليفزيون يكاد يسرق هذه الجلسة.. حققنا في غياب هذه العادات وأثرها على الأسرة وعلى البناء الاجتماعي لها، فإلى نص التحقيق:
يقول وحيد صبري، مهندس، وأب لأسرة من 5 أفراد نادراً ما التقي أولادي على مائدة الطعام بسبب كثرة انشغالاتي، فغالباً ما أكون في العمل و إذا حانت فرصة فراغ أعود للبيت مبكراً وأقوم بتناول وجبة الغداء أيضاً مبكراً كي أحصل على قسط من الراحة، وفي كل الحالات لا أتناول الغداء مع الأسرة والأمر يتكرر مع وجبة العشاء.
ويضيف: أحاول مرات كثيرة ترتيب مواعيدي، لتوافق مواعيد الأولاد والأسرة، فمن الصعب الاتفاق على موعد، فمع زحمة وارتباط كل فرد فيها بعمل سواء المدرسة أو استذكار الدروس يصعب التوافق على موعد واحد.
ولفت، إلى أن يوم الجمعة هو اليوم الوحيد الذي تتجمع فيه الأسرة بأكملها، لأنه بمثابة يوم عطلة.
وأكد، هناك جزء كبير من المشكلة يتركز عند كثير من الأسر ويتلخص في عدم احترامهم لهذا الإجتماع على الطعام، أو إن شئنا فإننا نقول: إن هذه الأسر مقتنعة تماماً بأهمية هذا الاجتماع ولذلك فأنها لا تلقي له بالاً ولا تهتم به .
وتقول، سهير عبد الكريم، مدرسة، أم لأسرة من 3 أفراد: أحاول جاهدة تجميع الأسرة ولكن ظروف عمل ومهام كل واحد تأبى ذلك، ولكنني أتحرى اختيار مواعيد تناول الوجبات في الأوقات التي تناسبنا جميعاً.
وتضيف، أن وجبة العشاء وجبة رئيسية لابد أن تجتمع عليها كل الأسرة، وإذ لم تكتمل نضطر إلى تأجيل تناول الطعام حتى يجتمع المجتمع وقد أرسينا مبادئ حازمة تتعلق باحترام مواعيد تناول الوجبات وهذا مدعاة لاجتماع الأسرة كثيراً على تناول أكثر من وجبة.


وتقول أنها تقوم بحل كثير من المشاكل عن طريق الاجتماع على مائدة السفرة، كما أن هذه المائدة تعد طريقة للتواصل بين أفراد الأسرة، بعدما كثرت المشاغل وطغت المادة و التكنولوجيا على كل شيء مما دفع أفراد الأسرة إلى الانشغال الدائم.. هذا منشغل بجهاز الكمبيوتر وهذا منشغل بالتلفاز والآخر مشغول بأعمال أخرى.
تقول علا حسن، طالبة جامعية: أصبح التقاء الأسرة على مائدة واحدة أمراً يكاد يكون مستحيلاً لأسباب كثيرة منها على سبيل المثال: أن أغلب أفراد الأسرة أصبحوا يميلون إلى وجبات ((تك واي))، وكثير من الأمهات تقوم بإعداد الطعام بهذه الطريقة المريحة بالنسبة لها ولانشغالها الدائم.
وتذكر، مهم للأسرة أن تلتقي على مائدة طعام واحدة وبالتالي تكون هناك فرصة للحديث مع الوالدين، بعدما أصبح الجميع مشغولاً ولكن غالباً ما تكون مواعيد الطعام غير مناسبة لكل أفراد الأسرة وبالتالي يتناول أفراد الأسرة الطعام فرادى غير مجتمعين في مكان واحد.
وأكدت على أهمية أن تجتمع الأسرة على مائدة الطعام ولو ليوم واحد في الأسبوع، لأن ذلك يزيد التلاقي بين أفراد الأسرة، خاصة أنه لم يعد هناك وقت لتلاقي أفرادها، فأصبح لقاؤهم على الطعام هي الفرصة الوحيدة.
ويقول محمد علي شاهين، طبيب: غالباً ما تلتقي الأسرة على وجبة العشاء ولكن كل شهر، وعندما نلتقي ينشغل كل فرد من أفرادها بالأحاديث الجانبية وكثيراً ما ننشغل برؤية نشرة الأخبار بالتلفاز وبالتالي يحل علينا جميعاً الصمت.
ويضيف: توجد مشكلة كبيرة في عدم تواصل أفراد الأسرة، سببها عدم اقتناع أفرادها بأهمية التقائهم على مائدة الطعام، وهو ما يدفع بقية الأسرة إلى الانشغال وعدم المواظبة على تناول الوجبات بشكل جماعي.
وأضاف: عندما أريد أن أفاتح والدي في موضوع مهم، أتحسس الوقت الذي يتناول فيه الطعام مع بقية أفراد الأسرة وأقوم بفتح الموضوع معه، لأنه وقت مناسب فتكون هناك فرصة أكبر للحوار والأخذ والرد على غير بقية الأوقات.

ترهل العلاقة وضعفها بين أفراد الأسرة يكون مبعثه غياب الأسرة عن التواصل



وأكد على أهمية أن تلتقي الأسرة بشكل دوري، فلقاؤها من خلال تناول الطعام مهم للغاية، وأهميته تتحدد في إذابة الكثير من الخلافات التي قد تنشأ بين أفراد الأسرة.
ضرورة لبقاء الحياة الأسرية


ومن جانبها تقول د. سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس: قوة العلاقة الأسرية ترتبط بقدرة أفرادها على الترابط والتلاحم، فاجتماع الأسرة يومياً على تناول الطعام يفتح الباب أمام المصافحة بين أفرادها كما يكون فرصة لحل الكثير من المشاكل ويمثل ضرورة لبقاء الحياة الأسرية.
وأضافت: لابد أن تبذل كل أسرة مجهوداً كبيرًا حتى يجتمع كل أفرادها على تناول الطعام لأن ذلك بمثابة الغذاء الروحي الذي تحتاجه الأسرة ولا يمكن أن تستغنى عنه، كما لا يمكن التنازل عنه بدعوى الانشغال أو عدم الأهمية.
ولفتت إلى أن الانشغال الذي يفرض سياجاً على بقية أفراد الأسرة من الاجتماع والالتقاء، فرصة قوية للأسرة تدفعها كي تبذل مجهوداً أكبر كي تلتقي على الطعام، لأنها لن تستطيع أن تلتقي في غيره.
وأكدت أن غياب الاجتماع والالتقاء على مائدة الطعام ولو على وجبة العشاء أو الغداء قد يكون نتيجة كثرة المشاكل التي يعجز الوالدان عن معالجتها وربما يعجزان عن اكتشافها من الأساس، فكلما التقت الأسرة في جو من المرح والتسامح كان فرصة جيدة لحل هذه المشاكل.
وأنهت كلامها، بأنه لا توجد طريقة أو بديل يمكن أن يعوض الأسرة عن التقائها على مائدة الطعام و تجاذب أطراف الحديث.
أزمات نفسية


يقول الدكتور أحمد عكاشة، خبير علم النفس: تتولد أزمات نفسية لدى بعض أفراد الأسرة في حال غياب اللقاء اليومي سواء كان على الطعام أو اللقاء المنفرد والذي يبدو صعباً بالنسبة لحالات كثيرة من الأسر بسبب الارتباطات الخاصة بالعمل أو بعض المسؤوليات والمهام.
وأضاف: غياب هذه الاجتماعات يؤدي إلى أزمات نفسية، فالأبناء يحتاجون الوالدين أكثر مما يحتاجون الطعام، وكثيرًا ما أنصحهما عندما تأتيني حالة مرضية بالاجتماع على الطعام بشكل يومي و متكرر.
وأضاف أنه من فوائد الاجتماع اليومي على الطعام خلق التواصل بين أفراد الأسرة، فالأبناء يحتاجون لمترجم يفهمهم ويكون قريباً منهم، وهذا لا يتم إلا من خلال الأسرة، وغالباً لا يتم إلا على الطعام.
وأنهى كلامه، بأن ترهل العلاقة وضعفها بين أفراد الأسرة يكون مبعثه غياب الأسرة عن التواصل وبالتالي يخلف ذلك تأثيراً نفسياً ليس على الأبناء فقط، وإنما على كامل أفراد الأسرة.