حُكم المسح على الخف أو الجورب المُخرق أو الخفيف

إعداد / عبد رب الصالحين أبو ضيف العتمونى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

وبعد

أخي الحبيب :

هذه مسالة من المسائل الفقهية التي اختلف فيها العلماء رحمهم الله وهي مسألة : حُكم المسح على الخف أو الجورب المخرق والخفيف .
فذهب إسحاق وابن المبارك وابن عيينة وأبي ثور إلي جواز المسح على الخف أو الجورب المخرق ما دام يسمى خفاً وإن تفاحش خرقه وبه قال داود وابن حزم الظاهري وذلك لدفع الحرج عن المكلفين إذ أن الخفاف لا تخلو عن خرق في العادة ورجح هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني رحمهم الله .
وذهب الشافعي وأحمد في المشهور عنهما إلى أنه لا يجوز المسح على الخفين أو الجوربين ما دام أنه يظهر من الملبوس فتق أو شق في محل الفرض لأنه عندئذ لا يكون ساتراً لجميع القدم وما انكشف من القدم حكمه الغسل وما استتر حكمه المسح ولا يجوز الجمع بين الغسل والمسح في آن واحد .
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى التفريق بين الخرق اليسير والخرق الكثير فمذهب أبي حنيفة أنه يمسح على الخف المخرق إذا كان الخرق أقل من ثلاثة أصابع ومذهب مالك يمسح عليه ما دام الخرق يسيراً يعني ما لم يتفاحش

ومن أقوال العلماء في ذلك :

قال ابن تيمية رحمه الله :
( هذه المسألة فيها قولان مشهوران للعلماء فمذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم أنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير مع اختلافهم في حد ذلك واختار هذا بعض أصحاب أحمد ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أنه لا يجوز المسح إلا على ما يستر جميع محل الغسل قالوا : لأنه إذا ظهر بعض القدم كان فرض ما ظهر الغسل وفرض ما بطن المسح فيلزم أن يجمع بين الغسل والمسح أي بين الأصل والبدل وهذا لا يجوز لأنه إما أن يغسل القدمين وإما أن يمسح على الخفين والقول الأول أصح ) أهـ .

قال ابن حزم رحمه الله :
( فان كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولاً أو عرضاً فظهر منه شئ من القدم أقل القدم أو أكثرها أو كلاهما : فكل ذلك سواء والمسح على كل ذلك جائز مادام يتعلق بالرجلين منهما شئ وهو قول سفيان الثوري وداود وأبى ثور واسحاق بن راهويه ويزيد بن هارون ) أهـ .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
( اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في جواز المسح على الخف المخرق والصحيح جوازه مادام اسم الخف باقياً وهو قول ابن المنذر وحكاه عن الثوري وإسحاق ويزيد بن هارون وأبي ثور وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية مادام اسم الخف باقياً والمشي به ممكناً .
ويجوز المسح على الخف الرقيق على القول الصحيح قال النووي : حكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقاً وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود .
وقال الصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبوالطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي عليه جاز كيف كان وإلا فلا ) أهـ .

وقال رحمه الله :
( القول الراجح أنه يجوز المسح على الجورب المخرق والخفيف الذي ترى من ورائه البشرة لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أنه يكون ساتراً فإن الرجل ليست عورة يجب سترها وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء بل نقول : يكفيك أن تمسح عليه هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين وهذه العلة يستوي فيها الخف والجورب المخرق والسليم والخفيف والثقيل ) أهـ .

وقال رحمه الله :
( يجوز المسح على الخف المخرق ويجوز المسح على الخف الخفيف لأن كثيراً من الصحابة كانوا فقراء وغالب الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق فإذا كان هذا غالباً أو كثيراً في قوم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم دل ذلك على أنه ليس بشرط ولأنه ليس المقصود من الخف ستر البشرة وإنما المقصود من الخف أن يكون مدفئاً للرجل ونافعاً لها وإنما أجيز المسح على الخف لأن نزعه يشق وهذا لا فرق فيه بين الجورب الخفيف والجورب الثقيل ولا بين الجورب المخرق والجورب السليم والمهم أنه ما دام اسم الخف باقياً فإن المسح عليه جائز ) أهـ .

قال الشيخ الألباني رحمه الله :
( وأما المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً فأكثرهم يمنع منه على خلاف طويل بينهم تراه في مبسوطات الكتب الفقهية و ( المحلى ) وذهب غيرهم إلى الجواز وهو الذي نختاره وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حداً فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) متفق عليه .
وأيضاً فقد صح عن الثوري أنه قال : ( امسح عليها ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ؟ ) أخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) (753) ومن طريقه البيهقي (1/283) .
وقال ابن حزم (2/100) : ( فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولاً أو عرضاً فظهر منه شيء من القدم أقل القدم أو أكثرهما أو كلاهما فكل ذلك سواء والمسح على كل ذلك جائز ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء وهو قول سفيان الثوري وداود وأبي ثور وإسحاق ابن راهويه ويزيد بن هارون ) ) أهـ .

قال الشيخ سليمان بن عبد الله الماجد :
( يجوز المسح على الخفاف والجوارب ولو كانت خفيفة وشفافة أو فيها بعض الخروق التي لا تخرجها عن مسماها لأن الله تعالى إذا علق الحكم بأسماء ولم يكن لها تحديد في الشريعة ولا اللغة فيُرجع اعتبار ما يُناط به الحكم إلى العرف وهو يعتبرها جفافاً وجوارب ولو كانت على هذه الصفة وما علل به بعض الفقهاء من أن فرض المكشوف من العضو هو الغسل فلا يحل المسح لا يصح إلا إذا لم يوجد خف أو جورب أصلاً أما مع وجوده فقد تغير الحكم إلى الرخصة دون تلك القيود ومن المقطوع به أن خفاف الصحابة وأكثرهم فقراء : لا تخلو من خروق وقد قال سفيان الثوري : امسح ما دام يسمى خفاً وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مشققة مخرقة ممزقة ؟ ... ) أهـ .

قال الشيخ سليمان بن ناصر العلوان :
( الصحيح من أقاويل العلماء جواز المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالمسح على الخفين ولم يشترط كونه سليماً من الخروق أو الفتوق ولا سيما أن خفاف بعض الصحابة لا تخلو من فتوق وشقوق فلو كان هذا مؤثراً على المسح لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بياناً عاماً فقد تقرر في القواعد الأصولية أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ) أهـ .

قال الشيخ : وليد بن راشد السعيدان :
( اختلف أهل العلم في المسح على الخف المخرق على أقوال والراجح منها الجواز ما دام يمكن متابعة المشي فيه وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى وذلك لأن ما فيه خرق لا يزال يسمى خفا فهو داخل في العموم ولأن الأدلة الواردة في شأن المسح على الخفين وردت مطلقة من غير اشتراط سلامة الخف من الخروق أو الفتوق ومن اشترط هذا فإنه مطالب بالدليل لأن الأصل هو البقاء على المطلق حتى يرد المقيد والأصل في الاشتراط الشرعي التوقيف على الدليل ولأن الأصل في تشريع المسح على الخفين إنما هو التوسعة والرخصة على الناس فلا ينبغي ربطه بشروط لا دليل عليها لأن هذا يخرجه من حيز التيسير إلى حيز التعسير ولأن الصحابة كان غالبهم من الفقراء الذين لا يجد الواحد منهم إلا الخف الواحد وكانوا يمشون عليه المسافات الطويلة ومن العادة أنه لابد وأن يكون فيه مع ذلك شيء من الخروق أو الفتوق ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نبه على أن المسح مع هذه الفتوق والخروق لا يجوز فلما لم ينقل عنه شيء من ذلك دل على أن الأمر مبناه على التيسير والتخفيف والتجاوز ولأن مراعاة الخروق الصغيرة مما يوجب الحرج على المكلفين والحرج مرفوع شرعا وأما قولهم : إن ما ظهر فرضه الغسل وما بطن فرضه المسح ولا يجمع بين الأصل والبدل في عضو فكلام لا شأن لنا به إذ هو محض رأي لا دليل عليه والأدلة دلت بعمومها وإطلاقها على أن الخف المخرق داخل فيها ومن أخرجه فإنه مطالب بالدليل الدال على صحة دعواه ) أهـ .

أكتفي بذلك وأسأل الله عز وجل أن يكون هذا البيان شافياً كافياً في توضيح المراد وأسأله سبحانه أن يرزقنا التوفيق والصواب في القول والعمل .
وما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ أو زلل فمنى ومن الشيطان والله ورسوله من بريئان .
والله الموفق وصلي اللهم علي نبينا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين .

لا تنسونا من الدعاء

أخوكم / عبد رب الصالحين العتموني
مصر / سوهاج / طما / قرية العتامنة