ذكر العلماء رحمهم الله في أسباب صلاة الصحابة الجنازة على النبي صلى الله عليه وسلم فرادى أمورا كثيرة ، هي :
السبب الأول :
قال بعض أهل العلم إن ذلك كان بسبب وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته بالصلاة عليه فرادى ، ولكن ذلك لم يثبت بإسناد صحيح ، وإنما ورد في بعض الأحاديث الضعيفة .
يقول السهيلي رحمه الله :
" هذا خصوص به صلى الله عليه وسلم ، ولا يكون هذا الفعل إلا عن توقيف ، وكذلك روي أنه أوصى بذلك ، ذكره الطبري مسندا .
ووجه الفقه فيه أن الله تبارك وتعالى افترض الصلاة عليه بقوله : ( صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) الأحزاب/56، وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الآية ألا تكون بإمام ، والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الآية ، وهي متناولة لها وللصلاة عليه على كل حال " انتهى باختصار.
" الروض الأنف " (7/594-595)
السبب الثاني :
التنافس الشديد بينهم لتحصيل هذه الفضيلة – وهي إمامة الناس في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم – محبة منهم له عليه الصلاة والسلام المحبة العظيمة التي لا يناسبها الإيثار والمسامحة ، وإنما التنافس والمشاححة على هذا القرب منه عليه الصلاة والسلام في آخر موقف له بينهم في الدنيا الفانية ، خاصة وأن شأن الخلافة والإمامة لم يستقر بعد ، ولم يُعرف مَن هو الذي سيتولى أمر المسلمين كي يتقدمهم في إمامة الصلاة ، فحرصوا على وحدة صف المسلمين ، وانتظار اجتماع كلمتهم على أحدهم يكون هو الإمام المقتدى به ، فقد كان الخليفة هو الذي يتقدم المسلمين في الصلوات .
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه :
" صلى الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرادا لا يؤمهم أحد ، وذلك لعظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنافسهم في أن لا يتولى الإمامة في الصلاة عليه واحد " انتهى.
" الأم " (1/314)
ويقول الإمام الرملي رحمه الله – بعد أن نقل كلام الإمام الشافعي رحمه الله - :
" لأنه لم يكن قد تعين إمام يؤم القوم ، فلو تقدم واحد في الصلاة لصار مقدما في كل شيء ، وتعين للخلافة " انتهى.
" نهاية المحتاج " (2/482)
السبب الثالث :
تنافس الصحابة رضوان الله عليهم في تحصيل البركة من الصلاة عليه على وجه الانفراد والخصوصية دون أن يكون تابعا فيه لإمام ، فلم يكن أحد يقبل أن يتوسط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أحد في الصلاة لنيل الأجر والبركة .
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
" أرادوا أن يأخذ كل أحد بركته مخصوصا دون أن يكون فيها تابعا لغيره " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (4/225)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه الصحابة فرادى ؛ لأنهم كرهوا أن يتخذوا إماماً بين يدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فصاروا يأتون يصلون عليه أفراداً ، الرجال ثم النساء " انتهى.
منقول في موقعنا في الفتوى رقم : (
152888)
السبب الرابع :
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واحترامه ، والهيبة أن يتقدم أحد بين يديه يؤم الناس في الصلاة عليه ، فقد كان عليه الصلاة والسلام إمام الناس وقائدهم وهاديهم ، فلم يجرؤ أحد أن يقف موقفه وأن ينصب نفسه مكانه بعد وفاته وبغير إذنه عليه الصلاة والسلام ، وهذا السبب – كما ترى – يتعارض مع السببين الثاني والثالث الذين قال بهما بعض العلماء .
يقول البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" تسن الصلاة عليه – يعني على الميت - جماعة لفعله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، واستمر الناس عليه ، إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يصلوا عليه بإمام احتراما له " انتهى.
" شرح منتهى الإرادات " (1/357)
هذه هي الأسباب التي يذكرها العلماء ، ولم يظهر لنا الجزم بواحد منها ، وقد تكون الأسباب كلها مجتمعة أو بعضها هي ما دعا الصحابة الكرام للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فرداى، وقد يكون السبب في ذلك أمر آخر سوى ما ذكرنا ؛ فالله أعلم بذلك .
<span style="color: rgb(7, 11, 121); font-family: &quot;Droid Arabic Naskh&quot;; font-size: 14px; font-weight: 700; text-align: justify;"><br>https://islamqa.info/ar/154278