الإساءة لكبار السن.. أشكال متعددة وتأثيرات مرعبة


رشا عرفة


"رزقني الله بثروة كبيرة، وثلاثة أبناء، فحاولت إشراكهم معي في العمل - فبعد عمر طويل سيكون هذا المال لهم- لكني دفعت الثمن وأنا على قيد الحياة، فبعد أن وثقت فيهم وتنازلت لهم عن كل شيء، تقاسموا أموالي فيما بينهم، وانشغل كل منهم بحياته الخاصة، وكان نصيبي هو الالتحاق بدار المسنين، لأنهم غير قادرين على رعايتي وأصبحت لا أعرف عنهم شيئا، فلا أراهم إلا في المناسبات، وكم تمنيت أن يتوفاني الله حتى أتخلص من الإساءة، التي أتعرض لها".. هذه القصة وردت على لسان الحاج علي "82" عاما، أحد نزلاء دار المسنين بالقاهرة.
والحاج علي لم يكن هو الوحيد الذي يعاني من سوء المعاملة، فكثيرا ما نسمع هذه القصة تتردد على لسان الكثيرين من المسنين، لتبرز لنا مدى القسوة التي يتعرض لها المسن سواء من الأبناء أو من المجتمع.
فبعد أن تمر السنين وتتعاقب مراحل الحياة يجد الإنسان نفسه وحيدا، ضعيف الجسد، يتعرض لأشكال عديدة من الإساءة سواء من أقاربه أو من المجتمع، ليظل يقاسي الوحدة والعزلة، ويعاني من جفاء المجتمع.
لكن ترى ما هي أشكال الإساءة التي يتعرض لها كبار السن؟ وما هي أسبابها؟ وما تأثير هذه الإساءة عليهم؟ وكيف نستطيع حماية هذه الشريحة التي تتزايد أعدادها باستمرار؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا التقرير.
للإساءة.. أشكال عديدة
تتعدد أشكال الإساءة لكبار السن وتتداخل فيما بينها وتشترك في أسبابها وتأثيراتها، ومن بينها سوء المعاملة، والعنف، والإهمال، وقد تكون هذه الإساءة من أقرب الناس إليهم، أو من القائمين بعنايتهم في دور الرعاية، ويتزايد هذا الأمر في كافة المجتمعات العربية، ما يعرض المسنين لمشاكل صحية ونفسية سيئة، تجعلهم يفكرون أكثر من مرة في التخلص من حياتهم، وهو ما كشفته دراسة بجامعة الملك سعود بالرياض، التي أشارت إلى أن ظاهرة الإساءة ضد المسنين في المجتمعات العربية آخذة في التنامي، وأن النساء اللاتي يعشن داخل الأسر يمثلن غالبية ضحاياها، كما أشارت إلى ازدياد حالات انتحار المسنين، والسبب محاولتهم التخلص من الإساءة التي يتعرضون لها في دور الإيواء.
وتتمثل مظاهر سوء معاملة المسنين، في حرمانهم من الطعام، وتوبيخهم وتعنيفهم، وعدم الاهتمام بنظافتهم، وهذا النوع من المعاملة يختلف باختلاف الخصائص البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية للمسن، فالمسن غير القادر على الحركة، ولا يستطيع خدمة نفسه يكون أكثر معاناة من المسن الذي يستطيع أن يقوم بخدمة نفسه.
العنف
وتتخذ ظاهرة العنف ضد المسنين عدة أشكال، منها العنف الجسدي، ويقصد به أي تصرف يؤدي إلى ألم جسدي عند كبار السن، مثل: الحرق، الضرب، الدفع، وعدم التنظيف والرعاية الجسدية... (الخ)، والعنف النفسي، ويقصد به أي فعل يسبب ألما نفسيا ومعاناة للمسن مثل: الاحتقار، عدم الاحترام، الحبس، التهديد، الإكراه والإجبار، عدم الاهتمام بالمتطلبات النفسية المتعددة، والعنف المادي، وهو أي فعل يصدر من الغير للسيطرة على أموال المسن أو مصادر دخله أو السرقة والنهب، أو إكراه المسن على التنازل عن ممتلكاته.
الإهمال
ومن أنواع الإهمال الذي يتعرض له المسن:
1- الإهمال السلبي: ويتضح في عدة أمور منها عدم قدرة الأسرة على إشباع حاجات المسن الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية بسبب ظروفها الاقتصادية، أونقص الوعي لديهم بكيفية رعاية المسن.
2-الإهمال غير المقصود: وذلك عندما يتعرض المسن لإهمال غير واضح، أو بسبب عدم وجود من يعتني به.
3-الإهمال المقصود: وهو إهمال متعمد لحاجات المسن من قبل الأسرة كعدم الاهتمام بصحته وتغذيته وملبسه وعلاجه.
4-الإهمال النفسي والعاطفي: من خلال عدم مخاطبته والتحدث إليه، وعدم إشراكه في الأمور الأسرية.
إساءة المجتمع
ولا تقتصر أشكال الإساءة على الأهل، أو دور الرعاية، بل تمتد إلى تعرضهم للإساءة من قبل المجتمع، ومن مظاهر هذه الإساءة الاتجاهات السلبية نحو المسنين، ونحو الشيخوخة بشكل عام، ممثلة في النظرة الدونية لهم، لعدم قدرتهم على العطاء، وعدم توافر فرص العمل لهم بعد التقاعد، وعدم كفاية التشريعات والقوانين الخاصة بحمايتهم، وهو ما أكدته الدراسة التي أعدها كل من الدكتور عبد العزيز بن علي الغريب أستاذ الاجتماع المشارك، والدكتور ناصر بن صالح العود أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي توصلت إلى أن من مظاهر الإساءة المجتمعية كذلك، نقص الخدمات المقدمة لهم، والتي من مظاهرها، تدني معدل معاشات التقاعد المخصصة لهم، وعدم توافر مراكز صحية أو مستشفيات متخصصة لهم.
الأسباب
وترجع أسباب تعرض المسنين للإساءة، إلى عدم كفاءة القائمين على رعاية كبار السن، ونقص المعلومات والخبرات والمهارات التي تساعدهم على التعامل معهم بشكل صحيح، كذلك نقص الموارد والإمكانيات، وندرة البرامج والخدمات المجتمعية، والعنف الذي يميز العلاقات داخل أسرة المسن، والمشكلات الشخصية التي يعاني منها مرتكب العنف، حيث أثبتت بعض الدراسات أن (30%) ممن ارتكبوا أعمال عنف ضد المسنين يعانون من مشكلات شخصية، كإدمان الكحول والمخدرات، والعجز والإعاقة، فقد دلت الدراسات إلى أن المسنين العاجزين عن رعاية أنفسهم أكثر عرضة للعنف من غيرهم.
التأثير
وينتج عن سوء معاملة المسنين، وإهمال رعايتهم، مشكلات طبية ونفسية واجتماعية خطيرة تهدد حياتهم، وتجعل التعامل معهم على درجة عالية من الصعوبة والتعقيد، وكذلك تتسبب الإساءة في انعدام ثقتهم بأنفسهم، ولجوئهم للعزلة الاجتماعية، وقد تعرضهم لأمراض عديدة منها فقدان الذاكرة، والإصابة بالاكتئاب، وتحرمهم من الاندماج الاجتماعي، خاصة إذا كان المسنون يعتمدون في معيشتهم على ذويهم.
الحل
ولكي نستطيع الحد من هذه الظاهرة يقول الدكتور عميش يوسف عميش في مقاله بجريدة "الرأي" العمانية إنه يجب على المسئولين في مجال الأسرة والشئون الاجتماعية عقاب الذين يسيئون إلى المسنين، وهذا يعني مراقبة دور المسنين والعجزة، وتحسين أحوالها لتتلاءم مع إنسانية المواطن، والحفاظ على كرامته وصحته، إضافة إلى تبني الدولة والمؤسسات الخيرية إقامة بيوت للمسنين، تتمتع بمواصفات محترمة.
بدورها أكدت الكاتبة الصحفية المصرية نعيمة عبد السلام على ضرورة تفعيل دور مؤسسات المجتمع وأفراده للكشف عن هذه المشكلة، ومحاربتها والقضاء عليها داخل مجتمعاتنا، وذلك عن طريق تغيير النظرة السلبية التي تتعامل بها إدارة مؤسسات رعاية المسنين مع موظفيها، وتسهيل أداء الطاقم المختص عبر توفير أجواء عمل طبيعية خالية من ضغوط العمل، والبحث عن أشخاص مدربين ومحترفين، وفتح الباب للعمل التطوعي ليكون الأداء أفضل، على اعتبار أن المتطوع يؤدي عمله برغبة أكثر، فيقدم عملا أفضل، وأن على الأهل أن يكونوا على دراية بكيفية التعامل مع المصاب في حادثة عنف، كأن يكون لهم إلمام بالإسعافات الأولية.
وأضافت: على مؤسسات رعاية المسنين أن تهيئ الأجواء المناسبة داخلها بشكل يضطر فيه الموظفون إلى تحمل مسؤوليتهم، والتصدي لأي خطر قد يتعرض له المسن من قبل أي معتد من خارج المؤسسة، فضلا على أن القوانين الصارمة يمكن لها أن تحد من العنف ضد المسنين داخل البيوت أو في الأماكن العامة أو في مؤسسات الرعاية.