هل أحببت نفسك بما يكفي؟!



عبير النحاس




كانت التجاعيد تشي بحقيقة عمرها, وكنت قد خمنت أنها اقتربت من الستين، ولو قلت أكثر لما كذبتني تجاعيدها, كانت زميلتي في (الدورة التأهيلية) التي حضرناها معا كمدرسات للرسم قد لفتت أنظار الجميع رغم عدم اهتمامها بإخفاء أثار الزمن على محياها, وكنت قد رأيتها التفتت لأمور أخرى جعلتها حقا محط أنظار الجميع وتقديرهم ورغبتهم في الاقتراب من عالمها الجميل.

أمور عديدة تنبهت لها في مظهر زميلتي الخمسينية وأعجبتني لأنها توافق ما أحبه وأعمله, ولأنها قد نبهتني لأمور أتوقع أن أقوم بعملها مستقبلا للحصول على مظهر يوحي بالسكينة, ومن المؤكد أنني سأحصل على سعادة وسرور حقيقي طالما امتلكت مظهره.

كان اهتمام تلك المرأة بأناقتها واضحا جليا, وكان ذوقها في اختيار الألوان الهادئة يعكس طبعها الودود وإشراقة نفسها وتفاؤلها الجميل.

وكان اختيارها للقصات الناعمة لملابسها تحكي عن ذوق عال رفيع وعن مصالحة واضحة مع مظهرها وعدم اهتمام منها بلفت الأنظار مما عكس نتائجه الإيجابية عليها وجعلها محط الأنظار بتلك البساطة الأنيقة.

وقد اختارت صاحبتنا حذاء أنيقا من ماركة معروفة، وكنت أقدِّر لها عنايتها وتقديرها لنفسها عندما تدللها وتختار ما يريحها من الأحذية وما يحافظ على رونقه لفترة طويلة.

وكانت تسريحة شعرها المتقنة وخط الكحل في عينيها تخبرنا أنها تقدم لنفسها وقتا كافيا.

كنت متأكدة أن صديقتي الجديدة سعيدة مع زوجها وأولادها، وهي باهتمامها المتقن بنفسها أنها تمتلك ثقة بنفسها منعتها من التفكير في عمليات التجميل العجيبة التي تستطيعها مادياتها بسهولة.

جارتنا أيضا كانت قد تقاعدت منذ مدة طويلة من عملها في التدريس, وما زلت أراها تخرج لممارسة رياضة المشي وحدها كل يوم, وكانت رشيقة أنيقة رغم تقدمها في العمر, وكانت مساعدة زوجها لها في أعمال المنزل تشي بمحبته وتقديره لها، وكنت أدرك أنها من فرض على الجميع هذا عندما قدرت هي نفسها وأعطتها حقها من العناية.

أتعجب عندما أرى نساء المسلمين يعشن لأسرهن وأزواجهن وبيوتهن وينسين أنفسهن في زحمة الأعمال والتي يمكن لمن حولهن أن يعملوها بسهولة وبالتالي يحملوا عنهن بعض العبء ويتفرغن هن بدورهن للعناية بأنفسهن.

إحدى معارفي وقد كانت سيدة في الخمسينات وقد نسيت نفسها وجمالها الأخاذ منذ زمن ووجهت اهتمامها لنظافة منزلها الشديدة وأطباقها الرائعة, وغرقت في منافسات مع من حولها في هذين الأمرين حتى فوجئت بعروس ثلاثينية تدخل بيتها وقلب زوجها بعد مشادة بسيطة افتعلها هو, وكانت حجته أنه يريد أن يعيش بهناء مع زوجة يحبها وتحبه, وقد غادرت منزله وقتها نحو منزل ولدها وجلست تنتظر قدرها بعد أن باعت وإخوتها منزل العائلة الكبير ولم يعد لها من ملجأ سوى بيت ولدها.

وهناك عانت صاحبتنا من العيش في منزل الابن بعد أن كانت الآمرة الناهي في منزلها وسيدة على الجميع، فاتخذت قرارا رائعا كان يجب أن تتخذه منذ زمن طويل، وراحت وكنَّتها تتنقل في الأسواق وصالونات التجميل ومحلات العطور والإكسسوارات، وقد أخبرتنا أنها تريد أن تستعيد زوجها الذي يمر بأزمة الستين من العمر, ثم بدأت بزيارة لبيته مع ولدها وجلبت له هدية العرس، وكانت الزوجة الجديدة قد بدأت تشعر من خلال نظرات الشوق في عيني الزوجين القديمين بأن البساط الأحمر قد بدأ يسحب من تحت قدميها, وبالفعل كانت أسهم الزوجة الأولى قد ارتفعت بشكل كبير بعد أن تداركت النقص الذي شرخ تلك العلاقة, ولست أدري ما الذي حصل فعلا في تلك العائلة ولكنني علمت أنه طلق الزوجة الجديدة وعاد لبيته وزوجه بعد أن عرفت كيف تفعلها.

في الحقيقة لا يجب أن تتوقف عناية السيدة بنفسها مهما تقدم بها العمر, وقد تزداد الحاجة للاهتمام والعناية برشاقتها ونضارتها عندما تتجاوز الأربعين لأنها قبل هذا السن تستطيع الاعتماد على شبابها وجمالها ورونقها الطبيعي, والذي يلمح لها بالوداع عندما تتقدم بها السنوات, وبالتالي فإنها تحتاج للدعم الخارجي الذي تقدمه الملابس الأنيقة وكريمات العناية والرشاقة والعناية بالشعر.

وأما عمليات التجميل والتي لا تنتج سوى المسوخ فإنها لا تعيد النضارة ولا شيئا يمكنه أن يخفي أثار الزمن، ولكننا نستطيع التغلب عليها بقبولنا وتعايشنا الودود معها, وبالتالي التركيز على أمور أخرى لا تجعلنا محط سخرية، وهي كما قلت الرشاقة والأناقة والصحة والفكر المستنير مع مزجها باهتمامنا ببيوتنا وأطباقنا وأزواجنا وكذلك أولادنا، وقبل كل هذا أنفسنا.

نصيحتي لكنَّ:


اهتممن بأنفسكن مهما تقدم بكن العمر، ولا تنسينها فلن يفعل هذا غيركن, مارسن الرياضة, واقرأن الكتب, وابحثن عن الصداقات, واجعلن لكن بصمة في المجتمعات تختلف عن تقديم الأطباق اللذيذة وترتيب وتنظيف منازلكن, وفي النهاية أقول:

أحبي نفسك وكفى.