سبق أن بينا في المطلب السابق رأي الشَّاطبي في التقليد عند تعدد المجتهدين، وفي هذا المطلب نبين رأيه في مسألة قريبة من المسألة السابقة، إلا أنها تخالفها في الوقت؛ فالمسألة السابقة فيها بيان كيف يفعل المقلد إذا تعدد أمامه المجتهدون قبل أن يبدأ بالسؤال، أما هذه المسألة فالمقلد يعرف أقوال المجتهدين، إما عن طريق سؤاله لهم، أو عن طريق آخر، فهل له أن يتخير من أقوالهم ما شاء، أو لا بد له من بذل الجهد في التعرف على أوثقهم؟ هذا ما سيتضح لنا بعد عرض رأي الشَّاطبي في المسألة.
رأي الشَّاطبي:
لما أن كان الشَّاطبي قد قرر أن الشريعة لا تدعو إلى الاختلاف[1]، ذكر أن من القواعد التي تنبني على هذا الأصل قاعدة: أن المقلد ليس له أن يتخير في الخلاف، فإذا اختلفت الفتوى على المقلد، فيرى الشَّاطبي أنه ليس له أن يتخير أيًّا من الأقوال، وذكر أن بعض الناس ظن أنه مخير حينئذ بين هذه الأقوال والفتاوى، كما أنه مخير بين خصال الكفارة؛ ولذا فله أن يتبع ما تهواه نفسه وما وافق غرضه، وهذا - كما يرى الشَّاطبي - مخالف لأصول الشريعة.
ولما أن كان هذا القول يفضي إلى اتباع الهوى، فإن الشَّاطبي وقف أمامه موقفًا صريحًا؛ ولذا قال: "فاتباع أحدهما - يعني في فتواه - بالهوى اتباع للهوى... فليس إلا الترجيح بالأعلمية وغيرها"[2].
وقال: "أما إن كان قد اطلع على فتاويهم قبل ذلك، وأراد أن يأخذ بأحدها، فقد تقدم قبل هذا أنه لا يصح له إلا الترجيح؛ لأن من مقصود الشريعة إخراج المكلف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لله، وتخيُّره يفتح له باب اتباع الهوى، فلا سبيل إليه البتة"[3].
وقال أيضًا: "وقد أُثبِتَ في مسألة اختلاف العلماء على المستفتي، أنه غير مخير، بل حكمه حكم من التبس عليه الأمر فلم يدرِ أحلال هو أم حرام، فلا خلاص له من الشبهة إلا باتباع أفضلهم، والعمل بما أفتى به، وإلا فالترك؛ إذ لا تطمئن النفس إلا بذلك"[4].
ويقول الشَّاطبي مفصلًا في المسألة: "فلا بد له ها هنا من الرجوع آخرًا إلى تقليد بعضهم؛ إذ لا يمكن في المسألة الواحدة تقليد مختلفين في زمان واحد؛ لأنه محال وخرق للإجماع"، ثم ذكر أنه لا يمكنه العمل بقولهما؛ لأنه إن لم يمكن الجمع فالجمع محال، وإن أمكن صار عمله بقولهما جميعًا قولًا ثالثًا لا قائل به، ثم قال: "وإذا ثبت أنه لا يقلد إلا واحدًا، فكل واحد منهما يدَّعي أنه أقرب إلى الحق من صاحبه؛ ولذلك خالفه، وإلا لم يخالفه، والعامي جاهل بمواقع الاجتهاد؛ فلا بد له ممن يرشده إلى من هو أقرب منهما، وذلك إنما يثبت للعامي بطريق جُمْلي، وهو ترجيح أحدهما على الآخر بالأعلمية والأفضلية، ويظهر ذلك من جمهور العلماء، والطالبين[5]، لا يخفى عليهم مثل ذلك؛ لأن الأعلمية تغلب على ظن العامي أن صاحبها أقرب إلى صوب العلم الحاكم لا من جهة أخرى، فإذًا لا يقلد إلا باعتبار كونه حاكمًا بالعلم الحاكم"[6].
ومِن خلال كلامه هذا يتبين بوضوح أنه يرى ضرورة الترجيح، وعدم جواز التقليد، ويرى أن الترجيح بين المجتهدين ممكن للمقلد بحسب قدرته وطاقته، ويكون ذلك بالسؤال عنهم أو نحوه.
وقد ذكر الشَّاطبي أن إغفال هذا الأصل جعل كثيرًا من مقلدة الفقهاء يفتون الأقارب والأصدقاء بما لا يفتون به غيرهم، اتباعًا لأهوائهم وشهواتهم.
ويرى الشَّاطبي أنه ليس للمفتي أن يخير العامي؛ ذلك أن العامي إذا عرض نازلته على المفتي، فهو يطلب منه أن يخرجه عن حيز هواه ويرشده إلى اتباع الحق، وعلى هذا فلا ينبغي - كما قال الشَّاطبي - أن يقول له: "في مسألتك قولان، فاختر لشهوتك أيهما شئت؟ فإن معنى هذا تحكيم الهوى دون الشرع، ولا ينجيه من هذا أن يقول: ما فعلت إلا بقول عالم؛ لأنه حيلة من جملة الحيل التي تنصبها النفس، وقاية عن القال والقيل، وشبكة لنيل الأغراض الدنيوية، وتسليطُ المفتي العاميَّ على تحكيم الهوى بعد أن طلب منه إخراجه عن هواه: رميٌ في عَماية، وجهل بالشريعة، وغش في النصيحة"[7].
وقد وافق الشَّاطبي على أن على العامي إذا تعارضت عليه فتاوى المجتهدين أن يجتهد ويرجح ولا يتبع أحدهم إلا إذا ترجح عنده على غيره: بعض الشافعية[8]؛ كالجويني[9]، والغزالي[10]، والسمعاني[11]، وابن الصلاح[12]، وبعض الحنابلة[13]؛ كابن قدامة[14] وابن حمدان[15]، والطوفي[16]، وابن القيم[17]، ونص على مثله الشافعي في القبلة[18]، قال الزركشي: "هو ظاهر مذهب الشافعي - رحمه الله تعالى - لأنه قال في الأم في القبلة فيما إذا اختلفوا على الأعمى عليه أن يقلد أوثقهما وأدينهما عنده، وتفارق ما قبل السؤال حيث لا يلزمه الاجتهاد؛ لأن في الاجتهاد في أعيانهم مشقة"[19].
وخالفه آخرون، فقالوا: للمقلد أن يتخير، ولا يجب عليه الاجتهاد: نص عليه بعض الحنفية؛ كملاجيون[20]، وبعض المالكية؛ كالباقلاني[21]، وهو وجه عند الشافعية؛ اختاره أكثرهم[22]، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، واختاره كثير منهم[23]، وجعله أبو يعلى ظاهر النص عن أحمد[24].
وفي المسألة أقوال أخرى[25]: فالقول الثالث: أنه يأخذ بالأشد والأحوط[26]: وهو وجه عند الشافعية[27]، وحُكي عن الظاهرية[28].
والقول الرابع: أنه يأخذ بالأخف[29]: وهو وجه عند الشافعية[30].
والقول الخامس: أنه إن كان في حق الله أخذ بالأيسر، وإن كان في حق العباد أخذ بالأثقل: وذكر هذا القول عن الكعبي[31].
وفي المسألة أقوال أخرى ليس لها كبير أثر، وبعضها يمكن إدراجه فيما سبق ذكره من الأقوال[32].
أدلة الشَّاطبي ومن وافقه:
استدل الشَّاطبي على وجوب الاجتهاد والترجيح على المقلد إذا اختلفت عليه أقوال المجتهدين وفتاويهم بأدلة:
الدليل الأول: أن المجتهدَيْنِ بالنسبة للعامي كالدليلَيْنِ بالنسبة للعالم، فكما أن المجتهد يلزمه الترجيح أو التوقف، فكذلك المقلد[33].
مناقشته: نوقش هذا الدليل: بأنه قياس مع الفارق؛ لأن المجتهد قادر على الترجيح بخلاف العامي[34]. جوابه:
وأجيب بأننا لا نوافقكم على ذلك؛ فالترجيح ممكن للعامي عن طريق التسامع ورجوع الناس إلى العالم، وإقبالهم عليه ونحو ذلك[35].
ويمكن أن يناقش هذا الدليل بوجه ثانٍ، وهو: أننا لا نسلِّم بوجوب ذلك على المجتهد، فكذلك العامي، ثم إن مبنى الدليل على مسألة مختلف فيها، ولا ينبغي ذلك.
الدليل الثاني: أنه لو جاز للعامي التخير بين الأقوال لجاز للحاكم، وهو لا يجوز بالإجماع[36].
الدليل الثالث: أن تخيُّرَ العامي مُفْضٍ إلى اتباع الهوى، وقد جاء الشرع بإخراج المكلف عن داعية هواه[37].
مناقشته: نوقش: بأنه لا يلزم أن يكون الداعي لذلك اتباع الهوى؛ إذ قد يكون ذلك لمصلحة أو ضرورة[38].
جوابه: ويمكن أن يجاب بأنه وإن سلم بعدم لزومه، إلا أنه هو الغالب؛ إذ الغالب أن تخير العامي يفضي به إلى اتباع هواه، لا سيما مع قلة علمه، وعدم معرفته للمصلحة والمفسدة، وحينئذ يكون الحكم للغالب، وسد الذرائع قائم على هذا؛ إذ الغالب أن هذه الذريعة تفضي إلى تلك المفسدة؛ فجاء الشرع بإغلاق باب المفسدة مراعاة للأمر الغالب.
الدليل الرابع: أن الله تعالى قد قال: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، والمقلِّد قد تنازع في مسألته رأيان أو أكثر لمجتهدين أو أكثر، فوجب عليه الرد إلى الله ورسوله، وذلك بالترجيح، ولو تخير لكان مخالفًا للآية؛ إذ هو قد رد الأمر إلى هواه وشهوته[39].
الدليل الخامس: أن تخير المقلد مفضٍ إلى تتبع الرخص دون استناد لدليل شرعي، وهو - كما ذكر ابن حزم - فِسْقٌ لا يحلُّ بالإجماع[40].
الدليل السادس: أن تخير العامي مفضٍ إلى سقوط التكليف في المسائل المختلف فيها؛ لأن مفاد التخير أن للمكلف فعل أي القولين، فإن شاء فعل، وإن شاء ترك، وهذا هو عين سقوط التكليف، بخلاف ما إذا تقيد بالترجيح، فهو حينئذ متبع للأدلة الشرعية، نابذ للهوى[41].
الدليل السابع: أن الصحابة كانوا يقلدون قول أبي بكر، ويقدمونه على غيره عند التناقض[42].
أدلة القول الثاني:
استدلَّ أصحاب القول الثاني، وهم القائلون: بجواز تخير المقلد بين المفتين إذا اختلفوا عليه في الفتوى - بأدلة، وقد ذكر الشَّاطبي لهم دليلين وأجاب عنهما، وفيما يلي نعرض لهذين الدليلين والجواب عنهما، ثم نذكر بقية ما يستدلون به:
الدليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أصحابي كالنجوم؛ بأيهم اقتديتم اهتديتم))[43].
ووجه الدلالة: أن في الحديث جواز الأخذ بقول أي من الصحابة ولو اختلفت أقوالهم، والمجتهدون كالصحابة في ذلك[44].
مناقشته: ناقش الشَّاطبي هذا الدليل من أوجه:
الوجه الأول: أنه مطعون في سنده[45].
الوجه الثاني: أن هذه المسألة أصولية، ومسائل الأصول قطعية، والحديث خبر آحاد، فلا يعارض القطع[46]، ومراد الشَّاطبي أن أصل هذه المسألة - وهو أن الشريعة تدل على القول الواحد - أصل قطعي، وهذه المسألة مرتبطة بهذا الأصل، وإلا فذات المسألة ليست قطعية.
الوجه الثالث: أن المراد بالحديث فيما إذا انفرد الواحد منهم، ولم يخالفه غيره من الصحابة، فمن استند إلى قول واحد منهم عند انفراده، فمصيب من حيث إنه قلَّد أحد المجتهدين[47].
الوجه الرابع: أن المراد إذا ذهب المقلد عفوًا فاستفتى صحابيًّا أو مجتهدًا فأفتاه، فقلده فيما أفتاه به، سواء كان له أو عليه، أما إذا اختلفا عليه، فلا تدخل هذه الحالة ضمن الحديث؛ لأن كل واحد منهما متبع لدليل عنده يقتضي ضد ما عند صاحبه، وكل منهما له دليله، فاتباع أحدهما بالهوى اتباع للهوى المذموم، وذلك مضاد للشريعة[48].
الدليل الثاني: أن العامي لو قلد أحدهما قبل لقاء الآخر لجاز له ذلك، فكذلك بعد لقائه، والاجتماع طردي فهو غير مؤثر[49].
مناقشته: ناقشه الشَّاطبي: بأننا لا نسلِّم بأن الاجتماع طردي، بل له أثر؛ لأن كل واحد منهما حين الافتراق طريق موصل إلى معرفة الحكم الشرعي، كما لو لم يجد المجتهد دليلًا ولم يطلع على معارضه بعد البحث عنه جاز له العمل، أما بعد الاجتماع والاختلاف فهما كالدليلين المتعارضين إذا اطلع عليهما المجتهد، فليس له الأخذ بأيهما شاء إلا بعد الاجتهاد والترجيح[50].
الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة ألا يصلوا العصر إلا في بني قريظة، فقال: ((لا يصلِّ أحدٌ العصرَ إلا في بني قريظة))؛ فاختلفوا؛ فمنهم من صلاها في وقتها قبل بلوغ بني قريظة، ومنهم من أخَّرها حتى بلغ بني قريظة بعد خروج الوقت[51]، ومن المعلوم أنهم لا يخلون ممن لا نظر له، ولا مفزع له إلا التقليد لوجوه القوم وعلمائهم، وكان ذلك المقلد مخيرًا[52].
مناقشته: يمكن أن يناقش: بأننا لا نسلم بكونه مخيرًا؛ إذ يحتمل أن يكون العامي منهم قد قلد من غلب على ظنه أنه الأولى، ومع هذا الاحتمال لا يمكنكم الاستدلال.
الدليل الرابع: أنه لم ينقل أن الصحابة كلفوا العوام بتقليد عالم معين، بل أجازوا الرجوع إلى كل عالم في جميع الحوادث، فسوغوا للعامي تقليد من شاء من المجتهدين[53].
مناقشته: نوقش: بأننا نسلم بما ذكرتم، غير أن محل ذلك إنما هو قبل السؤال، لا بعد أن تتضح له الأقوال في المسألة[54].
الدليل الخامس: أن العامي لا يعلم الأفضل حقيقة، كما أنه قد يغتر بالظواهر، فربما اعتقد المفضول فاضلًا[55].
مناقشته: نوقش: بأن العامي وإن لم يكن أهلًا لمعرفة الفاضل، فإنه مكلف بذلك حسب وسعه، كالمجتهد في الأدلة، والخطأ بعد الاجتهاد مغتفر[56].
الدليل السادس: أن الفضل قدر مشترك بين الفاضل والمفضول؛ ولذا كان ينبغي الاكتفاء بالفضل دون الأفضلية، ثم إن الناس متفاوتون في رتب الفضائل، فما من فاضل إلا وثم أفضل منه، فلو اعتبر الأفضل لانسدَّ باب التقليد[57].
مناقشته: نوقش: بأن هذا يلزم مع اعتبار أفضل المجتهدين مطلقًا، أما في بلد فلا[58].
دليل القول الثالث:
استدلَّ أصحاب القول الثالث - وهو أن على المقلد أن يأخذ بالأشد والأحوط - بما روي أن: (الحق ثقيل مَرِيء، والباطل خفيف وَبِيء)[59]، وهذا يدل على أن الأثقل هو الحق، وأنه هو الأحوط[60].
مناقشته: نوقش من وجهين:
الوجه الأول: أن ما ذكرتم خبر آحاد، يقابله الأدلة الدالة على أن الدين يسرٌ؛ كقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وفي الحديث: ((بُعثت بالحنيفية السمحة))[61]، وفي الحديث الآخر: ((إن الله يحب أن تؤتى رُخَصه ...))[62]، وغير ذلك من الأدلة[63].
الوجه الثاني: أنه تحكُّم لا دليل عليه، والثقل والشدة ليسا من علامة الصحة[64].
دليل القول الرابع:
استدل القائلون بأن على المقلد أن يأخذ بالأخف: بأن الأدلة قد استفاضت من كتاب وسنة، وهي تدل على أن الدين يسر؛ كقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بُعثت بالحنيفية السمحة))[65]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يحب أن تؤتى رُخَصُه ...))[66]، إلى غير ذلك من الأدلة[67].
مناقشته: يمكن أن يناقش: بأنه لا يلزم دائمًا أن يكون الحق في الأيسر؛ ولذا كان اعتباره مرجحًا تحكُّمًا لا دليل عليه.
دليل القول الخامس:
القائلون بأنه إن كان الحكم في حق الله فيأخذ المقلد بالأيسر، وإن كان في حق العباد فيأخذ بالأثقل؛ يمكن أن يستدل لهم: بأن حق الله مبني على المسامحة، بخلاف حقوق المخلوقين، فهي مبنية على المشاحة.
مناقشته: يمكن أن يناقش: بأنه لا يلزم أن يكون الحق في حقوق الله مع الأيسر، ولا في حقوق الآدميين مع الأثقل؛ ولذا فاعتباره مرجحًا تحكُّم لا دليل عليه.
الترجيح:
الراجح في نظري هو القول الأول، وهو أن على العامي إذا تعارضت عليه فتاوى المجتهدين أن يجتهد ويرجح، ولا يتبع أحدهم إلا إذا ترجح عنده على غيره؛ وذلك لقوة أدلته، وسلامتها من المناقشة القادحة، ولتوجه المناقشة القادحة على أدلة الأقوال الأخرى.
منشأ الخلاف:
أشار جماعة من الأصوليين إلى أن الخلاف في هذا المسألة ناشئ عن الخلاف في مسألة التصويب والتخطئة[68]؛ وقيل: إنها راجعة إلى مسألة تعارض العلل[69].
وهذا القول قد يرجع إلى القول الأول؛ لأن كثيرًا من الأصوليين يعيدون مسألة تعارض الأدلة أو العلل إلى مسألة التصويب والتخطئة.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ
[1] انظر: الموافقات (5/ 59 وما بعدها).
[2] الموافقات (5/ 81) وانظر منه: (5/ 76 - 77).
[3] الموافقات (5/ 285).
[4] الاعتصام (2/ 386) وانظر منه: (2/ 276).
[5] مراده أن الاختلافَ والتباين في الاتصاف بالصفات المرجحة - كالأعلمية والأفضلية بين العلماء - يكون ظاهرًا وواضحًا بين أكثر العلماء والطالبين، وبذلك يسهل الترجيح فيما بينهم.
[6] الاعتصام (2/ 504).
[7] الموافقات (5/ 97).
[8] انظر: اللمع (128) شرح اللمع (2/ 1039) أدب الفتوى (146).
[9] انظر: البرهان (2/ 879).
[10] انظر: المستصفى (2/ 391) المنخول (594).
[11] انظر: قواطع الأدلة (2/ 358).
[12] انظر: أدب الفتوى (147).
[13] انظر: الإنصاف (11/ 197).
[14] انظر: روضة الناظر (2/ 392) شرح الكوكب المنير (4/ 581).
[15] انظر: صفة الفتوى (81).
[16] انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 668).
[17] انظر: إعلام الموقعين (4/ 203).
[18] انظر: أدب الفتوى (146) وهو قوله في الأم (1/ 191): "فإن اختلفوا عليه تبع آمَنَهم عنده وأبصرهم، وإن خالفه غيره".
[19] البحر المحيط (6/ 313 - 314) وفرق النووي في المجموع (1/ 94) بين الموضعين، وذكر أن القبلة أماراتها حسية؛ فإدراك الصواب فيها أقرب، بخلاف الفتاوى فهي معنوية، ولا يظهر كبير تفاوت بين المجتهدين.
[20] انظر: شرح نور الأنوار مع كشف الأسرار على المنار (2/ 177).
[21] انظر: المستصفى (2/ 391) البحر المحيط (6/ 313).
[22] انظر: الحاوي (1/ 33) الفقيه والمتفقه (2/ 432) شرح اللمع (2/ 1039) اللمع (128) التلخيص (3/ 468) قواطع الأدلة (2/ 357) أدب الفتوى (147) المجموع (1/ 94) سلاسل الذهب (453) البحر المحيط (6/ 313).
[23] انظر: العدة (4/ 1227، 5/ 1571) التمهيد (4/ 406) الإنصاف (11/ 197) شرح الكوكب المنير (4/ 580).
[24] انظر: العدة (4/ 1227، 5/ 1571 - 1572).
[25] ذكر بعض الأصوليين هذه الأقوال فيما إذا لم يستوِ المفتون، وهم الأكثر، وبعضهم ذكرها فيما إذا استوى المفتون، كما هو صنيع الجويني في البرهان (2/ 879).
[26] انظر: التلخيص (3/ 467) نفائس الأصول (9/ 3950) صفة الفتوى (80) تقريب الوصول (361) سلاسل الذهب (452).
[27] انظر: الحاوي (1/ 33) اللمع (128) شرح اللمع (2/ 1039) قواطع الأدلة (2/ 357) أدب الفتوى (146).
[28] انظر: البحر المحيط (6/ 313).
[29] انظر: نفائس الأصول (9/ 3950) سلاسل الذهب (453).
[30] انظر: أدب الفتوى (146) البحر المحيط (6/ 313).
[31] انظر: البحر المحيط (6/ 314).
[32] ومِن هذه الأقوال: أن المقلد إن اتسع عقله للفهم فعليه أن يسأل المختلفين عن الدليل ويأخذ بالأقوى، وإن قصر عن ذلك أخذ بقول أيهما شاء: وبه قال الزبير بن أحمد الزبيري من الشافعية، وقيل: يأخذ بقولهما إن أمكن الجمع، وقيل: يسأل مفتيًا آخر، فمن وافقه أخذ به: وهو وجه عند الشافعية، وقيل: يأخذ بقول الأول منهما، وقيل: يأخذ بقول من يبني على الأثر دون الرأي، وقيل: يرجع إلى فتوى قلبه؛ انظر: الفقيه والمتفقه (2/ 431 - 432) قواطع الأدلة (2/ 358) أدب الفتوى (146) نفائس الأصول (9/ 3950) سلاسل الذهب (452) البحر المحيط (6/ 314).
[33] انظر: الموافقات (5/ 76 - 77، 81) الاعتصام (2/ 276).
[34] انظر: مختصر المنتهى مع بيان المختصر (3/ 367، 369) شرح العضد (2/ 309).
[35] انظر: مختصر المنتهى مع بيان المختصر (3/ 367 - 368) نهاية الوصول لابن الساعاتي (2/ 695) شرح العضد (2/ 309).
[36] انظر: الموافقات (5/ 81).
[37] انظر: الموافقات (5/ 77، 81، 96 - 97) الإحكام لابن حزم (2/ 315) المستصفى (2/ 391) روضة الناظر (2/ 392).
[38] انظر: العقد الفريد (5/ أ).
[39] انظر: الموافقات (5/ 82).
[40] انظر: الموافقات (5/ 82) وانظر: مراتب الإجماع (51) الوصول (2/ 367).
[41] انظر: الموافقات (5/ 83).
[42] انظر: المنخول (594).
[43] سبق تخريجه (ص 591).
[44] انظر: الموافقات (5/ 67، 81)، وقد استدل به على عدم الترجيح بين المفتين، وانظر: مختصر المنتهى مع بيان المختصر (3/ 367) الإحكام (4/ 238) صفة الفتوى (69) نهاية الوصول (8/ 3906) شرح العضد (2/ 309).
[45] انظر: الموافقات (5/ 74) وانظر ما سبق في تخريج الحديث (ص 591).
[46] انظر: الموافقات (5/ 74).
[47] انظر: الموافقات (5/ 74) وانظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 90).
[48] انظر: الموافقات (5/ 81).
[49] انظر: الموافقات (5/ 83) وانظر: التبصرة (415) والطرد في اللغة من طرد، يقال: طرده طردًا؛ أي: تبع بعضه بعضًا، واطرد الحد؛ أي: تتابعت أفراده وجرت مجرى واحدًا كجري الأنهار، والوصف الطردي هو: عبارة عن اقتران الحكم بسائر صور الوصف من غير مناسبة ولا استلزام للمناسبة، وعلى هذا فهذا الوصف مستغنى عنه في إثبات الحكم أو نفيه، وهو وحده عند الجمهور ليس بدليل على صحة العلة؛ انظر: المصباح المنير (2/ 370) مادة: "طرد"، شرح تنقيح الفصول (398) الإيضاح لقوانين الاصطلاح (193) الإحكام (3/ 301، 4/ 85) المسودة (427) التبصرة (460) قواعد الأصول (93) شرح مختصر الروضة (3/ 547).
[50] انظر: الموافقات (5/ 83).
[51] سبق تخريجه (ص 112).
[52] انظر: البحر المحيط (6/ 313).
[53] انظر: الوصول (2/ 367) شرح مختصر الروضة (3/ 668).
[54] انظر: روضة الناظر (2/ 392) شرح مختصر الروضة (3/ 668) نزهة الخاطر العاطر (2/ 391).
[55] انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 668) ولاحظ التبصرة (415) روضة الناظر (2/ 392) فقد استدلا به على التقليد عند تعدد المجتهدين.
[56] انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 668).
[57] انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 667).
[58] انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 667).
[59] لم أجده مرفوعًا، ولكن رواه ابن المبارك في الزهد (98/ 290) وهناد في الزهد (1/ 287/ 499) وأبو نعيم في حلية الأولياء (1/ 134) والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 428/ 1215) كلهم موقوفًا على ابن مسعود.
[60] انظر: الفقيه والمتفقه (2/ 428) صفة الفتوى (80).
[61] سبق تخريجه (ص 808).
[62] رواه أحمد في المسند (2/ 108) وابن خزيمة في صحيحه كتاب الصلاة باب استحباب قصر الصلاة في السفر لقبول الرخصة... إلخ (2/ 73/ 950) وابن حبان في صحيحه - كما في الإحسان - كتاب الصلاة، فصل في صلاة السفر (6/ 451/ 2742) والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة باب كراهية ترك التقصير والمسح على الخفين، وما يكون رخصة رغبة عن السنة (3/ 140) والقضاعي بنحوه في مسند الشهاب (2/ 151/ 1078) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 165): "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح"، وصححه أحمد شاكر في شرحه على المسند (8/ 135/ 5866) والألباني في إرواء الغليل (3/ 9/ 564).
[63] اللمع (128) شرح اللمع (2/ 1039) التلخيص (3/ 468) قواطع الأدلة (2/ 357) نفائس الأصول (9/ 3950).
[64] انظر: التلخيص (3/ 468).
[65] سبق تخريجه (ص 808).
[66] سبق تخريجه (832).
[67] انظر: الفقيه والمتفقه (2/ 429) صفة الفتوى (80).
[68] انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 78) العدة (5/ 1569) شرح اللمع (2/ 1054) إحكام الفصول (2/ 724) التمهيد (4/ 334) البحر المحيط (6/ 315).
[69] انظر: البحر المحيط (6/ 315).


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/129749/#ixzz5SmWLLkXZ