صغيرك قادر على الإنجاز


زين القاضي

في كثير من الأحيان أحتاج لتناول كوب من الشاي لأستجمع بعض شتات أفـكاري، غير أني كثيراً ما أضطر إلى شربه على أنغام نقاشات الأولاد التي تتنوع في الشدة حسب أعمارهم ونوع المشكلة موضوع النقاش.

آخر نقاش لهم كان جدلياً مصحوباً بتذمر وتضجر وبعض الصرخات المتفرقة من "عبدالملك" الذي رفض محاولات أخيه سلمان لإقناعه بتعلم قيادة الدراجة بعجلتين فقط، وراح يمسك ببعض المفكات في يديه ليزيل العجلات الصغيرة الداعمة، وسط رفض مشوب بالخوف من التجربة الجديدة يتخلله صرخات "عبدالملك" ذي السنوات الأربعة.. تحاملت على نفسي ولم أتدخل - في محاولة للاستمتاع بالشاي ـ إلى أن أنتهي أخيراً الاتفاق إلى إزالة عجلة واحدة فقط للتدرب..

عادة ما نسرع نحن الأمهات بدافع فطري إلى مساعدة الطفل وإحاطته بسياج الحماية عند أول عقبة تواجهه، الأمر الذي يفقده الشعور بأنه قادر على تخليص نفسه أو اتخاذ قرار يخصه، كما يمنعه من الخوض في أي تجربة جديدة اعتماداً على والديه. من حيث لا نعلم نحرم أطفالنا من داعم حقيقي لبناء الثقة بالنفس، فتارة نحل ما قد يواجهه من مصاعب بحجة أنه صغير، أو نقف حائلاً دون اكتشافه الجديد خوفاً عليه من الفشل. وفي الوقت نفسه نشكو بسبب إحجام الطفل عن توسيع مداركه وتنويع خبراته؛ ناسين أننا السبب في ذلك! في حالات أخرى نجد بعض الأطفال يرغبون بشدة في تجربة كل جديد.. ويتمتعون بحب استطلاع رائع، لكنهم بمجرد أن يشق عليهم الأمر يتركون المحاولة؛ لأننا لم نشجعهم.

يجمع خبراء التربية على أهمية حث الطفل على الاكتشاف وتوسيع المدارك ابتداءً من الأشهر الثلاثة الأولى من عمره. مروراً بالمرحلة العمرية ما بين 7 ـ10 سنوات. فمن خلال حب الاستطلاع وتجربة الجديد يعرف الطفل نفسه، وقدرته، وطاقته، ومواهبه، وما يحب وما لا يحب. وهى مرحلة وطريقة لاكتشاف الذات. لكن قد يحجم بعض الأطفال عن ذلك، لعدة عوامل منها:

- شخصية الطفل، فبعض الأطفال مندفع مستكشف محب للاستطلاع، وبعضهم يهاب ذلك كله..

- يهتم الطفل في هذه المرحلة برأي أقرانه ويقارن نفسه بهم؛ لذلك لا ينبغي أن نصيبه بالخيبة أمامهم إن فشل يوماً في أداء مهمة ما.

- بعض الأطفال يعتقد أنه مهما بذل من جهد فلن يفلح، فهو لا يخاطر ابتداءً، وهذا عادة يرجع إلى أسلوب الوالدين في التربية.

وبالرغم من ذلك فإنه من الممكن دفع الطفل إلى التجريب والاكتشاف والإنجاز والثقة في النفس بدون معارك أو معاناة باتباع هذه الخطوات:

- احترمي مزاج الطفل .. فمثلاً إذا لم يكن مهيئاً لدروس السباحة فمن الأفضل الجلوس معه لوقت والحديث غير المباشر عن السباحة وفوائدها.. وعن حث الرسول – صلى الله عليه وسلم – على تعليم الأطفال السباحة .. وتركه يبدي رأيه في هذه الفكرة ومناقشة آرائه.. ثم اقتراح - وليس أمراً - بالتسجيل في دروس السباحة.

- اتركيه يمارس العمل على حدة.. فبعض الأطفال يكره أن يراه أقرانه وهو لا يجيد العمل. دعيه مثلاً يجرب ويتدرب على "الزلاجات الجديدة" في الحديقة ولا تصري أن يذهب ويلعب بها مع أصدقائه قبل أن يتدرب عليها..

- ادعمي ثقته بنفسه بقصص واقعية من طفولتك أو طفولة والده أو إخوته، إذا شعر بالإحراج مثلاً من المشاركة في جماعة الإلقاء والتعبير احكي له قصة تصف مشاعرك عندما قرأت لأول مرة موضوع التعبير بالصف، وصفي له مشاعرك ليطمئن أنه ليس وحده الذي يشعر بهذه المشاعر، بل هو كل إنسان عبر مواقف مشابهة.

- ناقشي العهود المتفق عليها. كثيراً ما يوافق الطفل على الاشتراك مثلاً في نادي ألعاب الدفاع عن النفس.. وما يلبث بعد حصة أو اثنتين أن يرفض الذهاب، ناقشي معه بهدوء، وتفهمي مشاعره واعكسيها بقولك: يبدو أنه يزعجك كذا وكذا.. لكن ماذا عن اتفاقنا المسبق وتسجيلنا في المركز؟ أو: اعلم أنه لا يروق لك الانتظام هناك لكنا قد اتفقنا مسبقاً.. هذه الطريقة أسهل في الإقناع وأسلم لشخصية الطفل من الإجبار.

- اتركيه يحاول ويخطئ.. علميه أن الخطأ يعلم الإنسان سر النجاح.. والخطأ ليس سبباً للإحباط.. وشجعيه على أقل نجاح يحققه.

- ركزي على جوانب القوة عند الطفل.. فإذا كان طفلك مثلاُ يحب الرسم ركزي على هذا الجانب أكثر واجعليه ينتقل من نجاح لآخر .. فطعم النجاح هذا يدفعه لتنويع خبراته وتجربة الجديد. مشكلة الوالدين عادة أنهم يعلقون على ما لا يجيده الطفل ويعتقدون أنه فقد الخير كله وفقد أشياء كثيرة لضعفه في هذا الجانب، متناسين باقي المهارات التي قد يجيدها. تذكري "كل ميسر لما خلق له".

- لطّفي مشاعره إذا أخفق وشعر بالإحباط.. أعطيه بعض مفاتيح العمل وبعض أسرار النجاح ليجرب مرة أخرى.

- رتبي مع بعض أقران الطفل لتعلم بعض المهارات معاً.. هذا قد يشجع الطفل لخوض تجارب جديدة.

- رافقي الطفل في النشاط الجديد أنت أو والده لفترة وجيزة؛ حتى يألف الجو الجديد ويركز طاقته على العمل لشعوره بالأمن والاطمئنان لوجودك معه.

- تجنبي الإلحاح على الطفل لعمل شيء ما.. الطفل يقاوم بشدة إلحاح الوالدين.

- سلمي أنَّ لعب الطفل في المراحل المبكرة هو علمه وعمله.
- زودي المنزل بأدوات تثري فرص التعلم كأشرطة علمية .. أدوات وتجارب.. قصص تاريخية..

- كوني مصدراً لتشجيع حب الاستطلاع بإجابة أسئلته.

- اعلمي أنك (بإذن الله تعالى)العنصر الأساسي لنجاح ابنك ولا أحد أهم منك.

- قبل أن تندفعي لمساعدة طفلك اسألي نفسك: هل يحتاج حقاً المساعدة؟