قال بن عثيمين رحمه الله -ثم قال المؤلف السفارينى -رحمه الله تعالى:
8- فيعلم الواجب والمحالا ... كجائز في حقه تعالى
الشرح - قوله: (فيعلم) يعني من جملة علم التوحيد، أن به يعلم الواجب والمحال والجائز في حق الله تعالى.
فيعلم الواجب في حق الله، ويعلم المستحيل في حق الله، ويعلم الجائز في حق الله، فالأقسام إذا ثلاثة: واجب، ومستحيل، وجائز، ويقال للواجب أحيانا اللازم، ويقال للمحال أحيانا الممنوع، ويقال للجائز أحيانا الممكن، والمدار على المعنى.
أما الواجب في حق الله تعالى: فهو ما لا يتصور عدمه بالنسبة إليه، فكل شيء لا يتصور عدمه بالنسبة لله فهو واجب، فمثلا الحياة من الواجب، والعلم من الواجب، والقدرة من الواجب، والقوة من الواجب، والأمثلة في هذا كثيرة، فكل ما لا يتصور عدمه فهو واجب.
وأما المستحيل: فهو كل ما لا يتصور وجوده، فالذي لا يتصور وجوده هو المستحيل، مثل الموت والعجز والضعف والجهل والنسيان وما أشبه ذلك. فهذا كله ممتنع في حق الله عز وجل.
والضابط في هذا أن كل كمال فهو من الواجب في حق الله تعالى، وكل نقص فهو من الممتنع في حق الله عز وجل.
وأما الجائز: فهو ما جاز وجوده وعدمه بالنسبة للخالق، مثل النزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرض، وخلق شيء معين كخلق ذباب مثلا، وخلق السماوات، وخلق الأرض، هذا من الأمور الجائزة، لأنه يجوز أن لا يخلق الله هذا لاشيء ويجوز أن يخلقه؛ فلو لم يخلقه لم يكن ذلك نقصا، ولو خلقه لم يكن نقصا، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا كلها من الأمور الجائزة.
فإذا قال قائل: إن إثبات الجائز في حق الله ممنوع لأنه إن كان وجوده كمالا كان عدمه نقصا، وإن كان عدمه كمالا كان وجوده نقصا، وحينئذ لابد أن يكون إما موجودا فيكون من الواجب أو معدوما فيكون من المستحيل، فلا يتصور شيء جائز في حق الله؟
فالجواب على هذا أن نقول: هو كمال في حال وجوده، نقص في حال عدمه إن كان من الموجودات، أو هو كمال في حال عدمه نقص في حال وجوده، فمثلا إذا اقتضت الحكمة أن يوجد هذا الشيء فوجد صار كمالا، ووجوده قبل اقتضاء الحكمة نقص، وإذا اقتضت الحكمة عدمه كان وجوده نقصا، ووجوده في حال اقتضاء الحكمة عدمه نقص.
وبهذا يمكن أن نقول إن هناك شيئا جائزا في حق الله، ويكون وجوده في حال اقتضاء الحكمة كمالا، ويكون عدمه في حال اقتضاء الحكمة كمالا، فنزول الله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، في هذه الحال كمال، وفي غير هذه الحال لا يكون كمالا؛ لان الله عز وجل اقتضت حكمته أن يكون نزوله في هذا الوقت فقط، ولو اقتضت الحكمة أن ينزل في غير هذا الوقت ولم ينزل كان عدم النزول نقصا، وهذا شيء مستحيل في حق الله عز وجل.
فالحاصل: أنه لو أورد علينا إنسان إيرادا، وقال: إن تقسيمكم الأشياء إلى ثلاثة: واجب ومستحيل وجائز، تقسيم غير صحيح. فالشيء إما واجب وإما مستحيل، أما جائز فلا؛ لأنه إن كان وجوده كمالا وجب أن يكون موجودا دائما، وإن كان عدمه كمالا وجب أن يكون معدوما دائما، نقول هو كمال في حال وجوده إذا اقتضت الحكمة وجوده، وهو كمال في حال عدمه إذا اقتضت الحكمة عدمه، وحينئذ يصح هذا التقسيم.
قال: (كجائز في حقه تعالى) سبق أن مثلنا للواجب بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر وأشياء كثيرة، وللممنوع: بالموت والعجز والضعف والجهل وما أشبه ذلك، وللجائز بالنزول للسماء الدنيا، وكذلك الاستواء على العرش، وكذلك الكلام باعتبار أفراده، فإن الله يجوز أن يتكلم بهذا أو ألا يتكلم به.-[شرح السفارينية]---------------------------- قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله في شرح السفارينية:
قول المؤلف : ( تعلقت بممكن ) :
نقول : ضده المستحيل ،فالمستحيل لا تتعلق به القدرة ،لأنه على اسمه مستحيل ،لكن يجب أن نعلم حتى لا يتوهم واهم أننا خصصنا ما عمه الله أو قيد ما أطلقه ،يجب أن نعلم أن المستحيل نوعان :
1 - مستحيل لذاته ،
2 - ومستحيل لغيره ،
فالمستحيل لذاته : ما لا يمكن أن تتعلق به القدرة ،كما مثلنا وقلنا : لو قال قائل : هل يقدر الله أن يخلق مثله ؟
قلنا : هذا مستحيل لذاته ،لأن المماثلة مستحيل ، أدنى ما نقول : أن نقول : أن هذا مخلوق والرب خالق ، فتنتفي المماثلة على كل حال .
الشيء الثاني : المستحيل لغيره ؛ بمعنى أن الله تعالى أجرى هذا الشيء على هذه العادة المستمرة التي يستحيل أن تنخرم ،ولكن الله قادر على أن يخرمها ،
هذا نقول : إن القدرة تتعلق به ،فيمكن للشيء الذي نرى أنه مستحيل بحسب العادة أن يكون جائزاً واقعاً بحسب القدرة ،وهذا الشيء كثير ،كل آيات الأنبياء الكونية من هذا الباب مستحيل لغيره ،انشقاق القمر للرسول عليه الصلاة والسلام مستحيل لغيره لكن لذاته غير مستحيل ، نحن الآن نرى أنه من المستحيل أن الشمس تنزل وتكون فوق المنارة ،لو جاءنا واحد وقال : إنني مررت بمنارة ووجدت أن الشمس موضوعة فوق المنارة بالضبط ،ماذا نقول ؟هذا كذب مستحيل ، لكن مستحيل لغيره أو لذاته ؟حسب ما أجرى الله العادة ،لكن الله قادر على أن تكون الشمس على مستوى منارة بل دون المنارة ،فإنه يوم القيامة تكون على رؤوس الناس بقدر ميل ،فعبارة المؤلف رحمه الله تحتاج إلى بيان في قوله : ( تعلقت بممكن ) ،فإن ظاهر كلامه أن القدرة لا تتعلق بالمستحيل ،ونحن نقول لا بد في ذلك من التفصيل :
وهو أن المستحيل لذاته لا تتعلق به القدرة ، لأنه ليس بموجود ولا يمكن أن يوجد ولا يفرضه الذهن ،هل يمكن أن يكون الشيء متحركاً ساكناً ؟لا يمكن ،لأنه إذا كان متحركاً فليس بساكن ،إن كان ساكناً فليس بمتحرك .
أما المستحيل لغيره يعني بحيث يكون بحسب العادة غير ممكن ،فهذا تتعلق به القدرة ،وإذا طُلِبَ منا مثلٌ لذلك ، قلنا : ما أكثر الأمثلة ،كل آيات الأنبياء الكونية من هذا الباب في العادة ،لو أحد قال : أنا سأضرب هذا الحجر ، ضربه بعصاه قال : فانفلق اثني عشر عين ،ماذا نقول ؟هذا مستحيل حسب العادة ، لو تضرب حجراً بعصاً من حديد حتى يتفتت الحجر ما جاءك اثني عشر عين ،لكن هل هو مستحيل لذاته ؟ لا ، لأن الله جعله لموسى ، إنسان معه عصا وقال أنا أضع هذه العصا ويكون حية ، ماذا نقول ؟
نقول : هذا ليس بصحيح ،لا يمكن أن يكون حية ، حتى في السحر لا يمكن أن يكون حية ،إنما يكون حية بالسحر حسب نظرنا ، لكن حقيقةً لا ليس بحية ،لكن يمكن أن يكون العصا حية حقيقية حسب القدرة قدرة الله ،فكون العصا حيةً مستحيل لغيره ،لكنه لقدرة الله ليس مستحيلاً ،ولهذا كان عصا موسى ينقلب حية حقيقية تلقف تأكل.
الإنسان مخلوق من لطين لو واحد صنع تمثالاً على شكل إنسان أو على شكل طير ، على شكل طير أحسن لكي توافق الآية التي لعيسى صنع تمثالاً على شكل طير، وقام ينفخ فيه وقال طار طير طار نصدقه ،لأن هذا مستحيل حسب العادة لكنه مستحيل لغيره ،وأما حسب القدرة فليس بمستحيل ،ولهذا جعله الله آيةً لعيسى يخلق تمثالاً على شكل الطير ثم ينفخ فيه فيطير ،لم يذكر المؤلف متعلقاً للحياة ،لأن الحياة لا متعلق لها ،قوله : ( بممكن ) : يخرج به المستحيل ،المستحيل لغيره له أمثلة كثيرة منها :
فخلق عيسى عليه الصلاة والسلام من غير أب أمرٌ مستحيل في العادة ،
لا يمكن أن يوجد ولد بلا أب وخلق ولد بلا أم أيضاً مستحيل ،ولد بلا أم مستحيل في العادة ما من ولد إلا وله أم ،ولكن في حواء صار لها أبٌ وليس لها أم ،كذلك يستحيل في العادة أن يوجد ولدٌ بلا أمٍّ ولا أب ، فلو جاءنا رجل وقال : ابشروا وجدت ولداً نابتاًَ في السطح ،ماذا نقول له ؟ نقول : هذا مجنون لا يمكن أن يكون هكذا ،ولكن هذا مستحيل لغيره لو شاء الله أن يخلقه لخلقه ،أليس الناس إذا دُفِنوا في القبور فإن الأرض تأكل أجسامهم كلها إلا عَجْبَ الذَّنَب ؟!!!
ومع ذلك يتكون من هذا التراب يتكون آدمي بشر ،وآدم عليه الصلاة والسلام كان خُلِق من الطين ، وهذا مستحيل لغيره حسب العادة ولكن الله قادر عليه.-----والعلم والكلام قد تعلقا ، ،
بكل شيء يا خليلي مطلقا ،ت
قوله : ( والعلم والكلام قد تعلقا بكل شيء ) : يعني يمكن أن الله يتكلم بالشيء المستحيل ويعلم الشيء المستحيل ،
فالله سبحانه وتعالى يقول : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ( الأنبياء 22 ) .
فقال : بالمستحيل يعني تكلم عن شيء مستحيل ،
{ وما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله } ( المؤمنون 91 ) فتكلم بشيء مستحيل ،
والعلم يتعلق بالمستحيل والدليل هاتان الآيتان { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } هذا خبر يخبر الله أنه لو كان في السماء والأرض آلهة إلا الله لفسدتا ، هذا خبر عن شيء مستحيل ،
إذن الكلام يتعلق بالمستحيل ويتعلق بالواجب من باب أولى ،
فالله تعالى يتكلم بالشيء الواجب ومما تكلم به من الأمور الواجبة أن الله واحدٌ لا شريك له :
{ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } ( آل عمران 18 ) .
العلم أيضاً تعلق بالماضي والمستقبل والحاضر ، لأن الله بكل شيء عليم كل شيء فالله عليم به ،
******************
39 - وسمعه سبحانه كالبصر ،
بكل مسموع وكل مبصر ،
إذن السمع يتعلق بالمسموعات لا بكل شيء فلا يتعلق بالمرئيات ، ما يقال : سمع الله فلاناً أي نظر إليه إنما يتعلق السمع بالمسموعات والبصر بالمبصرات ، والأفعال من شأن البصر ، لأن الفعل يرى ولا يسمع بل الذي يسمع حركة الفاعل مثلاً والأقوال من متعلقات السمع ،
إذن الأفعال من متعلقات البصر والأقوال من متعلقات السمع ،
ولهذا قال : ( بكل مسموع ) ، كالأقوال ( وكل مبصر ) كالأفعال ،
ماذا بقي من الصفات السبع ؟
بقي واحدة وهي الحياة ،
الحياة لا تتعلق بشيء بائن عن الله عز وجل ،لأن الحياة وصف لازم لذاته لا تتعدى لغيره فلهذا لم يذكر له المؤلف متعلقاً ،..............فهذه سبع صفات ذكرها المؤلف ،
ولكن إذا قال قائل : لماذا لم يذكر غيرها ؟
الجواب : أنها هي الصفات التي اتفق عليها السلف وأهل التأويل من الأشعرية ونحوهم ،
فلهذا خصّها المؤلف بالذكر لأنها محل اتفاق ،
أما السلف فيثبتون لله تعالى أكثر من هذه الصفات أكثر من سبع أكثر من سبعين صفة يثبتونها لله يثبتون لله كل ما وصف به نفسه من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام والحفظ والرضا والغضب وغير ذلك مما وصف الله به نفسه ،
لكن الأشاعرة لا يثبتون إلا هذه الصفات السبع فقط.........فلهذا نقول : إن مذهب أهل السنة والجماعة مع مذهب الأشاعرة متماثل في عد هذه الصفات السبع وثبوتها ،
وإن كان يختلف في كيفية إثباتها ،
صارت هذه الصفات الست :
اثنان منها تتعلق بكل شيء وهما العلم والكلام ،
واثنان تتعلقان بالممكن وجوداً وعدماً وهما القدرة والإرادة ،[شرح السفارينية-بن عثيمين]